خالف القرآن مع ا حوارله وأساليبه أصو

هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

  • Upload
    others

  • View
    3

  • Download
    0

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

حوار القرآن مع املخالفنيأصوله وأساليبه

Page 2: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

+971 4 6087777 فاكس: 6087555 4 971+هاتف:

دب��ياإلمارات العربية املتحدة - 3135 ب: ص.

[email protected]

لدائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخليري بدبيإدارة البحوث

شروق حممد سلمانالتدقيق اللغوي

1432 هـ - 2011 مISBN 978-9948-499-00-8

إخراج

Page 3: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

حوار القرآن مع املخالفني

أصوله وأساليبه

د. حممود أمحد الزينكبير باحثني

في دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخليري بدبي

Page 4: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 5: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

افتتاحـيـة

�ام عىل س�يدنا حمم�د وعىل آله �اة والس احلم�د هلل رب العامل�ن، والص

وصحبه ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين.

وبعـــد:

فيرس » دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل الخيري بدبي - إدارة البحوث«

م إصداره�ا اجلدي�د » حـوار القرآن مـع املخالفني، أصوله وأسـاليبه « أن تق�د

جلمهور القراء من السادة الباحثن واملثقفن واملتطلعن إىل املعرف�ة.

وهو كتاب يعرض أصول الحوار القرآني مع المخالفين، وأسـاليب هذا

الحـوار يعرضها نظريـا أوال وعمليا ثانيا، يعرضها نظريا بذكر بعض األصول

كقواعـد يتكئ عليهـا الحوار، وبذكر بعض األسـاليب كقواعـد يتكئ عليها

الحـوار أيضا، ثم يعرض نماذج من الحوار القرآني مع المخالفين فيشـرحها

جزءا جزءا ليكشـف تأثير هذه األصول واألسـاليب في قوة الحوار وبراهينه،

وفي قوة تأثيره على نفوس المخاطبين.

وبهـذا تكون دراسـة الحوار وسـيلة يتعلم منهـا الدعاة والمربـون كيفية

اإلقناع وكيفية التأثير على النفوس والقلوب وتنفتح بالدراسة أبواب االستفادة

من المنهج القرآني في محاورة المخالفين.

وهذا اإلنجاز العلمي جيعلنا نق�دم عظيم الشكر والدعاء ألرسة آل مكتوم

Page 6: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

حفظها اهلل تعاىل التي حتب العلم وأهله، وتؤازر قضايا اإلسام والعروبة بكل

س�خاء، ويف مقدمتها صاحب السـمو الشـيخ حممد بن راشـد بن سعيد آل

مكتـوم، نائ�ب رئيس الدول�ة، رئيس جملس ال�وزراء، حاكم ديب الذي يش�يد جمتمع املعرفة، ويرعى البحث العلمي ويشجع أصحابه وينهض بطابه.

راج�ن من العيل القدي�ر أن ينفع األمة هب�ذا العم�ل، وأن يرزقنا التوفيق

والسداد، وأن يوفق إىل مزيد من العط�اء من أجل خدمة اإلسام وأهله .

وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملن، وصىل اهلل عىل النبي األمي اخلاتم

��د وعىل آله وصحبه أمجعن. سيدنا حمم

الدكتور سيف بن راشد اجلابري

مدير إدارة البحوث

Page 7: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

احلمد هلل رب العاملن، والصاة والسام عىل سيد األنبياء واملرسلن وآله

وصحبه وورثته أمجعن .

وبعـــد:

ف�إن احلوار س�بيل لنرش املبادئ واألف�كار ، وتبادل الثقاف�ات، ولكنه إذا

خرج عن القوانن الس�ليمة انترش به فس�اد يف األفكار واملب�ادئ والقيم، ونتج

عنه�ا أرضار كثرية . فس�امة قوانن احل�وار رضورة إنس�انية، ورضورة دينية

ورضورة ثقافية عاملية؛ والبحث عن مناهج احلوار السليم خدمة إنسانية كربى

وفضيلة دينية فضىل؛ ودراس�تها يف نامذجها الراقية تقدم لإلنس�انية فوائد كثرية

تنري سبل اخلري، وتفتح أبواب احلق واهلدى، والسيام ما جاء يف القرآن الكريم:

الكتاب اإلنساين األمثل .

وما نعانيه اليوم من فشو الفساد: كثري منه، بل أكثره يرجع إىل فساد أسس

التفك�ري واحلوار، وقد اختلطت عىل الناس بس�ببه مجلة غري قليلة من األحكام

واألخ�اق والعقائد واملب�ادئ، اختلطت بكثري من األباطيل التي اندس�ت يف

فكر أمتنا عرب احلوار مع اآلخرين يف شتى املجاالت.

ومن أسوأ ما انترش من أسس احلوار الباطلة ما يرتدد عىل األلسنة من قول

Page 8: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

بعضه�م : لي�س يف العامل حقيقة ثابتة غري قابلة إلع�ادة النظر بغية الوصول إىل

نتائج جديدة قد تقلب ما مىض رأسا عىل عقب . فأصبح بعض املسلمن جيادل

يف قضاي�ا م�ن الدي�ن هي من أرس�خ ما فيه وأثبت�ه برهانا ، وم�ا كان كذلك ال

حيتم�ل إعادة النظر أص�ا إال إذا أمكن أن يعيد املرء نظره يف أن الواحد نصف

االثن�ن وأن مجع الواحد مع الواحد يس�اوي اثنن ، وكث�ريا ما نرى هذا الذي

يزعم إعادة النظر يف هذه األمور ليس أها ألي نظر .

فنحن إذن بحاجة ماس�ة لتصحيح مفاهيم احلوار وأساس�اته ومؤهاته ،

ويف ثقافتن�ا العربي�ة اإلس�امية كتب متخصصة يف ذلك تدعون�ا إىل التزود هبا

لتصحي�ح واقعنا احل�واري والثقايف والدين�ي ، وهناك أيضا ن�امذج من احلوار

جدي�رة أن نقتدي هبا ونس�تفيد منها والس�يام القرآن الكري�م، فهو أرقى منهج

يف احلوار، وهو أيضا يدعونا إىل أن ننظر يف نامذجه وندرس�ها ونستخلص منها

أص�ول احلوار وأس�اليبه . ومن أهم م�ا هنتم به نامذج احلوار م�ع املخالفن أي

الذي�ن ال يؤمنون بالقرآن ، أو يؤمن�ون به ولكنهم مقرصون يف حقه، مرسفون

عىل أنفس�هم ب�رتك طاعته، فننظر كيف حاورهم الق�رآن ، وما هي أصول هذا

احلوار ، وأي األساليب اعتمد يف إقناعهم والتأثري عليهم .

وح�ق ه�ذا البحث يف األص�ل أن يكون اس�تقصائيا يتن�اول كل نامذج

احل�وار م�ع اآلخري�ن، ويس�تخلص األصول م�ن كل موض�ع، ويقدمها يف

باقات متش�اهبات، ويس�تعرض األس�اليب باس�تقصاء وبيان يكشف كيف

Page 9: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

يدخ�ل القرآن بحواره هذا مع املخالف�ن يف العقول والقلوب، فيوجهها إىل

احلق فتعتنقه ، ولكن هذه الدراسة هبذا املنهج يشء يتطلب بحثا طويا وزمنا

ممت�دا وصربا ودأب�ا ، وحيول ذلك دون إنجازه ، ولكن هذا ال يدعو إىل تركه

بل يدعو إىل الس�ري فيه عىل مراحل تب�دأ ببحث خمترص يوضح فكرة البحث

ويقدم هلا نامذج ويقرهبا؛ فيكون مقدمة لبحث يستويف القضية بشمول وعمق

ونتائج أفضل ، وهذا ما دعاين إىل االقتصار عىل االختصار، وهو ما نصح به

مدير إدارة البحوث يف الشؤون اإلسامية جزاه اهلل خريا ، وأضاف إىل ذلك

أن املخترص أرغب للقارئ وأرسع فائدة .

وقد عرضت موضوعات هذا البحث عرضا أقرب إىل طبيعة املقاالت فلم

أجلأ إىل نقل النصوص عن العلامء، واالستنتاج منها ورشحها ومناقشتها، فهذا

لي�س من غرض هذا البحث وهو غ�رض تثقيفي توجيهي ، وهلذا أيضا مل أجلأ

إىل طريق�ة النقل عن العلامء عند رشح مواضع األصول احلوارية واألس�اليب

الت�ي اعتمد عليها احل�وار يف اآليات القرآنية، إنام ذك�رت يف آخر كل نص من

الب�اب الثاين ما اعتمدت عليه إمجاال من كتب التفس�ري، وعملت مثل ذلك يف

مواضع أخرى يس�رية من الباب األول، وذلك ألين ليس من غريض التفس�ري

ومقارنة األقوال لرتجيح يشء عىل يشء، بل قصدي أال أخرج يف دراسة احلوار

عام فرست به اآليات ولكي تكون دراسة اآليات يف هذا النطاق، وذلك أقرب

إىل طريقة املقاالت التي سلكتها .

Page 10: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

10

وقد رتبت هذا البحث عىل الوجه التايل :

أوال- املقدمــة.

ثانيا- الباب األول: وفيه فصان ) للدراسة النظرية (:

الفصل األول: أصول احلوار مع املخالفن يف القرآن .

الفصل الثاين: أساليب احلوار مع املخالفن يف القرآن .

ثالثـا- البـاب الثـاين: صور من ح�وار القرآن م�ع املخالف�ن، وهو ثاثة

فصول:

الفصل األول: حوارات يف قضية التوحيد.

الفصل الثاين: حوارات يف قضية البعث يوم القيامة.

الفصل الثالث: حوارات منوعة.

رابعـا- اخلامتــة .

واهلل س�بحانه هو املسؤول أن يعن عىل إمتام هذا البحث عىل وجه سليم،

وأن ينفع كاتبه وقارئه، وله احلمد أوال وآخرا، وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وآله

وصحبه أمجعن .

* * *

Page 11: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

الباب األول

األصول واألساليب

يف حوار القرآن مع املخالفني

Page 12: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 13: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

13

الباب األول

األصول واألساليب

يف حوار القرآن مع املخالفني

يس�تعرض هذا الباب جوانب من أص�ول احلوار القرآين مع املخالفن،

وجوانب من أساليبه، وذلك يف فصلن:

- فص�ل لألص�ول الت�ي اعتمده�ا الق�رآن يف ح�واره معه�م م�ن ذكر

مقدمات بينة تلجئ إىل اإلقرار باحلق ، أو مسلامت لدهيم يقرون هبا وال فرق

بينه�ا وبن ما هم منكرون له، وغري ذلك من األصول التي تس�وق املنصف

إىل اإليامن باحلق ، وتفحم املعاند حتى ينكش�ف عناده ويبهت أمام الرباهن

الساطعة .

- والفص�ل الث�اين لألس�اليب الت�ي اعتمده�ا الق�رآن يف ح�واره م�ع

املخالفن، األس�اليب التي كانت وس�يلة يف اس�تنتاج ثمرات تلك األصول

وتثمريه�ا للوص�ول باملخاطب إىل احلق من ترفق وترحم يزيح عنه غش�اوة

العن�اد ، أو ش�دة وعي�د وتوبي�خ عىل ذل�ك العناد بعد كش�فه ل�كل حارض

وسامع، وغري ذلك من أساليب التأثري عىل نفوس الذين حياورهم ترغيبا يف

احلق وترهيبا من الباطل .

Page 14: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

14

ويف كا الفصل�ن كان�ت االستش�هادات بالن�امذج من آي�ات القرآن هي

أس�اس البيان وأس�اس إثب�ات األصول واألس�اليب، دون النق�ل عن الكتب

والتفاس�ري لتك�ون عاقة القارئ هبذه األمور عن طري�ق القرآن مبارشة، ومن

أراد غ�ري ذلك النهج يمكنه أن يرجع إىل الكتب التي تركز عىل مقصوده، واهلل

جيعل يف ذلك خريا بمنه وكرمه .

Page 15: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

الفصل األول

أصول احلوار القرآني

مع املخالفني

Page 16: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 17: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

1�

الفصل األول

أصول احلوار القرآني مع املخالفني

يظهر لكل إنسان منصف قوة احلوار القرآين مع املخالفن بحيث ال يمكن

للمخالفن أن يتنصلوا من النتيجة التي يس�وق إليها هذا احلوار ، وسبب ذلك

هو أن هذا احلوار ال يس�ري إال يف طريق احلق بواس�طة الرباه�ن البينة الواقعية

التي يضطر اخلصم إىل التسليم هبا أو االستسام .

هذا النهج يف احلوار له أصول يتكئ عليها، وهي توجب التسليم للنتائج

التي يريدها اهلل تعاىل من هذا احلوار ، والدراس�ة االس�تقصائية توجب عىل

صاحبه�ا أن حييص ه�ذه األصول ويعدها واحدا واحدا ، أما الدراس�ة التي

تقترص عىل نامذج دون اس�تقصاء فيكفي فيها ذكر ما يظهر من نامذجها كهذه

الدراس�ة ، وق�د ظه�ر يل من األص�ول يف الدراس�ة اجلزئية جمموع�ة أصول

رأي�ت أهنا هي التي تأخذ بيد الق�ارئ إىل االقتناع باحلجة واالهتداء هبا عند

املنصفن ، وهي التي تبهت املعاندين وتفحمهم فيقفون عاجزين أمامها هم

وم�ن معهم ومن وافقهم عليها أو أيدهم ، وليس ما أذكره يف هذا الباب هو

كل أص�ول احلوار القرآين مع املخالفن - كام س�بق بيان�ه - ولكنها من أهم

تلك األصول ملا يبدو من نتائجها التي يس�تعرضها البحث إن ش�اء اهلل تعاىل

من خال السياق القرآين .

Page 18: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

1�

* فمن أول تلك األصول أن القرآن لكونه حقا كله يسوق أدلة كلها حق حتى يف نظر اخلصم املحاور، أي هي مما يسـلم به اخلصم وال يستطيع أن ينكره

وإن راوغ يف قبوله، وذلك كقوله تعاىل يف األمر بتوحيده :

ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ﴿ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ

ڭ ۇ ۇ ۆۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ﴾ )�(.

والس�ياق هنا ليس س�ياق حوار ظاهر، ولكن القرآن ن�زل يف أمة مرشكة كان�ت ترف�ض التوحي�د وجتادل في�ه ، وهذا دعوة هل�م إىل التوحيد فهو يش�به احل�وار ، ثم ما جاء بعده من الكام عن نبوة س�يدنا حممد � أقرب إىل طبيعة ه بالنبوة وكتاهبا املعجز فريد عليه ، احلوار ألنه يس�وق ذكر حال اخلصم يف شكث�م يذكر عجز اخلصم وما يلزمه أن يعمل عند العجز عن الدليل املطلوب منه

وهو اإليامن توقيا من عاقبة الكفر بعد قيام احلجة .

والق�رآن هنا حن دعاهم إىل التوحي�د مل يبدأ باحلديث عن رشكهم، وإنام ب�دأ كام�ه أمرا بالعبادة هلل مقرونا أمره بام يوج�ب عبادته من صفاته وهو: أنه خلقه�م وخلق الذين م�ن قبلهم - وهم يقرون بأن�ه خالقهم لكنهم يرشكون به- والعبادة إنام يس�تحقها من اإلنس�ان خالقه دون سواه، ثم ذكر موجبا آخر

لعبادته وهو خلقه ما تقوم به حياهتم: ﴿ ہ ہ ھ ھ ھ ھ مم�ا كل�ه وه�ذا ،﴾ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ۆۆ

ون ب�ه . يقر

)�( سورة البقرة: اآليتان �2، 22 .

Page 19: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

1�

ث�م ذكر س�بحانه بعد هذه احلجة ما يقتيض اخلط�أ يف الرشك، وهناهم عنه بع�د ذك�ر حجت�ه يف بط�ان عقي�دة ال�رشك : ﴿ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ﴾ أي وأنت�م تعلم�ون أن�ه ال أن�داد ل�ه أي ال أمثال له فيام س�بق من

موجبات عبادته وحده ال رشيك له .

فانتق�ل هبم مما يس�لمون به وهو أنه خالقهم املنع�م عليهم، إىل ما يلزمهم من علمهم وتسليمهم بذلك وهو توحيده سبحانه ونبذ الرشك به .

وش�بيه هبذا قوله تعاىل يف حوار الذين استنكروا إعادة اخللق يوم القيامة: گ گ ڳ ڳ ڳڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ﴿ڻ ۀ ۀ ہہ ہ ہ ھ ھ ﴾)�(، فه�ذا املح�اور يق�ر بأن اهلل هو الذي خلق اإلنس�ان وعظامه أول مرة فينبغي أال يس�تبعد إعادة اخللق ألن اإلع�ادة كاإلنش�اء، بل يف املوازي�ن البرشية أيرس، فينبغي أن يس�لم هبا ويؤمن هب�ا، ولذل�ك نبهه اهلل تع�اىل إىل أنه حن تعج�ب وقال من حيي�ي العظام وهي رمي�م، كان غاف�ا ع�ن أن اهلل هو الذي أنش�أه ، ولذلك ذكره س�بحانه باخللق األول: ﴿ ڻ ڻ ۀ ﴾ وأتبع ذلك بذكر مظهر آخر من مظاهر قدرته: ﴿ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ﴾)2(، ثم ذكرهم بدليل آخر يقرون ب�ه وهو خلق الس�موات واألرض، ذكرهم به عىل س�بيل املقايس�ة األولوية : ث�م ،)�(﴾ ۉې ۉ ۅ ۅ ۋ ۋ ٴۇ ۈ ۈ ۆ ﴿

)�( سورة يس: اآليتان 78، 79 .)2( سورة يس: اآلية 80 .)�( سورة يس: اآلية �8 .

Page 20: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

20

ذك�ر بعد الرباه�ن النتيجة التي تلزمهم : ﴿ ې ې ې ى﴾ أي خيلق

اإلنسان مرة ثانية، وما يشاء متى شاء .

* ومن أصول احلوار القرآين االعتامد عىل دليل ال يمكن للخصم إنكاره،

ويلزمه التسـليم به دون تردد حتى ال يسـتطيع جوابا، وإن كان يف األصل ينكر

ما يلزمه هبذا الدليل، كقوله تعاىل يف حوار إبراهيم عليه الس�ام مع من يدعي

الربوبية أو االشرتاك فيها بسبب ما آتاه اهلل من امللك: ﴿ چ چ چ چ

ڇ ڇ ﴾)�( وهو أمر ال يس�تطيع أحد غري اهلل أن يدعيه لنفس�ه ، فغالط هذا اجلبار احلارضين وكابر وادعاه لنفس�ه: ﴿ ڇ ڇ ڍ ڍڌ ﴾ أي يعفو

عم�ن حك�م عليه باملوت ويقت�ل آخر ، وهذا لي�س إحي�اء، ورده يفتح حوارا

عقي�ام، فرتك�ه إبراهيم عليه الس�ام وأجلأه إىل اإلق�رار إجلاء يبهت�ه وإن كابر : ﴿ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ﴾ فكانت

النتيجة أنه ﴿ ک گ گگ ﴾ ألن احلجة ظاهرة ال جمال ألحد أن يكابر فيها

مهام طغى وجترب ، ولكن هذا يظهر احلق ملن حوله فا يغرتون بل يعرفون احلق

وإن عجزوا عن أن يظهروا ما يف نفوسهم عىل ألسنتهم .

* ومن أصول احلوار القرآين أنه يظهر للمخالف ما يف موقفه من التناقض

إظهـارا ال يمكنه أن يتهرب منه، وإظهار التناقض يلزمه أن يرتاجع ويصري إىل

املوقف احلق كام يف حوار إبراهيم عليه السام مع قومه حول قضية التوحيد وما

يقابلها من عبادة األصنام مع اهلل تعاىل حيث قال هلم : ﴿ ۓ ۓ ڭ ڭ

)�( سورة البقرة: اآلية 258 .

Page 21: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

21

ڭ ڭ ۇ ۇ ﴾)�(، وهذا يعني أن من حق الصانع عىل من يصنعه أن

يعب�ده، وهؤالء يفعلون عكس ذلك: يعب�دون ما يصنعون بأيدهيم ، ويرتكون

عبادة من خلقهم وخلق أصنامهم التي يعبدوهنا . وقد عطف سبحانه األصنام

ع�ىل القوم يف قول�ه : ﴿ ڭ ڭ ۇ ۇ ﴾ لكي ال يتوهم أحد أن صنع

الق�وم لألصنام ال يعني أهنم يس�تحقون من األصن�ام أن تعبدهم - لو أمكنها

ذل�ك - ألهن�ا وإن كان�ت عمل أيدهيم فه�ي خلق اهلل ال خل�ق أيدهيم فاخلالق

سبحانه واحد هو اهلل تعاىل .

وق�د يكون التناق�ض الذي يراد إظه�اره بن موقف اخلص�م وما يناقضه

لي�س مب�ارشا ؛ وإنام التناقض مع األس�اس الذي بني عليه ه�ذا املوقف كام يف

قول�ه تعاىل ردا عىل من يدعي لس�يدنا عيس�ى وأم�ه األلوهية : ﴿ ۓ ڭ

ۅ ۋۋ ٴۇ ۈ ۈ ۆ ۆ ۇ ۇ ڭ ڭ ڭ ائ ائ ى ى ې ې ې ې ۉۉ ۅ

ەئ ﴾)2( .

فالتناق�ض هنا - بن عب�ادة الناس هلام وكوهنام ي�أكان الطعام - غري بن

جيل، ولكن التناقض البن اجليل واقع بن األساس الذي بنوا عليه هذه العبادة

وه�و دعواه�م أهن�ام إاله�ان ، ألن ش�أن اإلله أال حيت�اج إىل يشء مم�ا خيلقه ،

واحلاج�ة إىل الطع�ام تناقض صفة األلوهية، فإذا كانا ي�أكان الطعام كام رآمها

)�( سورة الصافات: اآليتان 95، 96 .)2( سورة املائدة: اآلية 75 .

Page 22: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

22

الن�اس، كانا عن صفة اإلهلية بمعزل بعيد، وكان�ت عبادهتام املرتتبة عىل ثبوت

اإلهلية هلام عن احلق بمعزل بعيد أيضا ، ووراء هذا املعنى وهو أهنام كانا يأكان

الطع�ام معنى آخر يش�ري إلي�ه أكل الطعام هو أش�د مناقضة م�ع دعوى اإلهلية

ومل يذك�ره الق�رآن تنزها وذلك أن م�ن كان يأكل فهو حيت�اج إىل قضاء احلاجة

من بول وغائط ، فمن وعى ذلك وعرفه اس�تبعد دعوى اإلهلية هلام، واس�تبعد

عبادهتام كل االستبعاد .

* ومـن أصول احلـوار القرآين مـع املخالفني أن يكشـف الشـبهات التي

أوقعتهـم يف الضالل كشـفا ال يدع هلم عـذرا يف ركوب طريـق الضالل كام يف

ٹٹ ٹ ٹ ڤ ﴿ٺ ٿ ٿ ٿٿ : اآلتي�ة اآلي�ات

ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ

ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ

ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک﴾)�(.

فهذه اآليات تنقض شبهات اعتمد عليها من اختذ األنبياء والصاحلن آهلة

من دون اهلل ، زعموهم أبناء اهلل تعاىل .

والشبهة يف زعمهم أهنم أبناء اهلل: كرامتهم عىل اهلل تعاىل، فبن اهلل تعاىل أن

كرامتهم عليه ال خترجهم من صفة العبد : ﴿ ٹٹ ٹ ٹ ڤ﴾

فهم رغم سمو املكانة عند اهلل تعاىل ﴿ ڤ ڤ ڦ ﴾ أي ال يتكلمون

)�( سورة األنبياء: 29-26 .

Page 23: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

23

يف أي ش�أن دون أن يعلم�وا رض�اه ب�ه ، وهم رغم س�مو املكان�ة عنده ﴿ ڦ ڦ ڦ ﴾ وكل ذلك يعني أهنم يف نطاق العبدية ال خيرجون عنها، بل لو أن أحدهم قال إنه إله - كام يزعم املرشكون - فهو معرض بذلك نفس�ه لع�ذاب جهنم، فهم خاضعون هلل يفعل هبم ما يش�اء، وحياس�بهم كام حياس�ب

سائر العباد .

* ومـن أصـول احلـوار القرآين مـع املخالفني أنـه يبني مـا يف كالمهم من الصـواب فيقـره، ثـم يبني مـا يف كالمهم من الباطـل فريده ، كام س�بق يف اآلية السابقة حيث كانت الش�بهة لدهيم هي عظم مكانة أولئك األنبياء والصاحلن عن�د اهلل ، فبن س�بحانه أن كرامتهم علي�ه يشء واقع وهو حق، ولكنه ال يعني

أهنم أبناؤه فهذا باطل.

وهذا األصل القرآين له فائدتان: إحدامها: إقرار احلق يف مكانه ، والثانية: دف�ع التوه�م عن املخاطب حتى ال يظ�ن أن اهلل تعاىل قد رد هذا احلق مع ذلك

الباطل، وهذا شبيه بقوله تعاىل : ﴿ ک ک گ گ گ گ ڳ ڳڳ ڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ﴾)�(، فب�ن س�بحانه أن ما قالوه هو يف نفسه حق ، ولكنهم مل يقولوه وهم يؤمنون به وإنام قالوه عىل س�بيل النفاق، فه�م كاذبون فيام قص�دوه من هذا القول وهو ادع�اء اإليامن به

ليصدقهم النبي � وصحبه، فيعاملوهم معاملة أهل اإليامن .

* ومـن أصول احلـوار القرآين مـع املخالفني أن جيادهلم حمتجـا عليهم بام يقرونه وإن كان باطال يف نفسـه ، كام يف قوله تعاىل ردا عىل من زعم أن املائكة

)�( سورة املنافقون: اآلية � .

Page 24: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

24

ڳ ڳ ڳ ڳ گ گ گ گ ک ک ﴿ اهلل: بن�ات ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ﴾)�(، أي أنت�م تزعم�ون أن املائكة بنات ، مع أنكم تفضلون أن يكون أبناؤكم ذكورا وليس ذل�ك بأيديكم، أيعقل لو كان قولكم حقا أن جيعل لكم البنن ولنفس�ه البنات

فيخت�ار لك�م خري األوالد دون نفس�ه: ﴿ ک ک گ گ گ گ ڳ ﴾ ثم بن س�وء قوهلم واعتقادهم فقال س�بحانه وتعاىل: ﴿ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ﴾ أي رضوا أن جيعلوا هلل أس�وأ االختيارين وهم يس�تاؤون مما اختاروا هلل غاية االس�تياء حتى إن أحدهم ليس�ود وجهه لو برش ب�ه ويش�تد غيظه فيحرق جوف�ه، فكأنه يقول هلم: كيف تزعمون هلل ما تأبونه أنتم ألنفس�كم غاية اإلباء؟ أفأنتم أحق من اهلل تعاىل بام هو خري وأحس�ن ؟! وهذا مع ما فيه من اإلفحام باحلجة فيه زجر عن هذا الفس�اد بتحريك الش�عور الرادع عن ارتكاب الفساد وحتريك اإلحساس

باخلزي يف ارتكابه .

* ومـن أصـول احلوار القرآين مـع املخالفني أن يقررهـم باحلق عىل وجه ال يستطيعون خمالفته ، أو يقررهم بأمر يستلزم اإلقرار باحلق ، كام جاء يف سورة الواقع�ة : ﴿ ڦ ڦ ڦ ڄ ﴾)2( أي فها تصدقون ، وهم حس�ب أقواهلم مصدقون ، ولكن إنكارهم للبعث بعد املوت جيعلهم كاملكذبن للخلق األول كام يف تفس�ري أيب الس�عود ) 8/ �96 ( إذ ال ريب أن من قدر عىل اخللق األول قدر عىل اإلعادة با ريب - بل اإلعادة يف عادة الناس أهون - وقد تقدم

)�( سورة الزخرف: �7-�6 .)2( سورة الواقعة: اآلية 57 .

Page 25: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

2�

قبل آيات قليلة قوهلم : ﴿ ېئ ىئ ىئ ىئ ی ی ی ی جئ

حئ ﴾)�(، ث�م ج�اء بعد ذل�ك بتقريره�م بتفصيل خلقهم بع�ض اليشء :

﴿ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ ﴾)2(، ث�م أتبع�ه بتقريرهم

عن أس�باب حياهت�م ، فقال س�بحانه : ﴿ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ

ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ۆ ڱ ں ں ﴾)�( ؟ ﴿ ې ې ې ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ ۆ ۈ ﴾)�( ؟ ﴿ وئ﴾)5( ؟ وكل هذه األس�ئلة ال بد هلم من اإلقرار بأن ما ذكر فيه كله صن�ع اهلل ال يمكنه�م أن يدع�وه ألنفس�هم وال ألحد غري اهلل س�بحانه ، وكل

خملوق منها ش�اهد أن من قدر عىل خلقه ق�ادر عىل إعادة اخللق كلهم فهو عىل

كل يشء قدير . ويف أسلوب السؤال ما حيث عىل اإلقرار بأن اهلل قادر عىل بعث

اخللق يوم القيامة إقرارا عمليا ينش�أ عنه اإليامن برس�ول اهلل � وبكتابه وبكل

ما جاءهم به .

* ومـن أصول احلـوار القرآين مع املخالفني أن يلجئهـم إىل اإلقرار بأحد

أمرين كل منهام يدينهم ويثبت عليهم ارتكاب الباطل عمدا كام جاء يف س�ورة

البق�رة : ﴿ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎڈ ڈ ژ ژ ڑ

)�( سورة الواقعة: اآليتان �7، �8.

)2( سورة الواقعة: اآليتان 58، 59.

)�( سورة الواقعة: اآليتان �6، �6.

)�( سورة الواقعة: اآليتان 68، 69.

)5( سورة الواقعة: اآليتان �7، 72.

Page 26: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

2�

ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ﴾)�( ؟ واخت�اذ العهد عند اهلل البد له من إثبات وهو ليس عندهم وهذا دليل كذهبم عىل اهلل ،

﴿ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ﴾ وهذا البد من اإلقرار به أو السكوت

أمامه ألن العجز عن إثبات العهد يثبت الكذب منهم عىل اهلل تعاىل، وذلك يف

النتيجة سوق إىل اإلقرار به، واستيجاهبم عقوبته يف حصيلة األمر .

�رب والتقسيم، ويسميه علامء الباغة وهذا يس�مى عند علامء األصول الس

التقس�يم، وق�د كان علامء املنطق يس�وقونه بطريقتهم عىل الوج�ه التايل : » هذا

األم�ر إم�ا أن يك�ون لديكم ب�ه عهد أوال يكون، ف�إن كان لكم فل�ن خيلفه اهلل

ولك�ن عليك�م أن تثبتوه، وإال فأنتم كاذبون تس�تحقون عقوبة من يكذب عىل

اهلل «. ولكن القرآن جاء به يف أس�لوب أوضح وأبعد عن تش�ويش التقسيامت

يف املقدم�ات والنتائ�ج ، وجاء ب�ه القرآن عىل الطريقة الفطرية املبس�طة، وترك

للعق�ول الفطرية أن تس�تخرج النتائج الواضح�ة دون أن يطيل بذكرها، فكان

ة، وأظهر معنى، وأوجز أسلوبا . الكام أظهر حج

وم�ن أعظم األمثلة قوة ووضوحا وإجي�ازا يف مثل ما تقدم قول اهلل تبارك

وتع�اىل يف س�ورة الط�ور : ﴿ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ﴾)2(، ويف

تفس�ري أيب الس�عود �5�/8: والقس�مة ههنا يف اللفظ ثنائية، وهي يف احلقيقة

ثاثي�ة ذك�ر منها االحت�امالن الباط�ان ليناس�ب أن يكون الس�ؤال عىل جهة

)�( سورة البقرة: اآلية 80 .)2( سورة الطور: اآلية �5 .

Page 27: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

2�

اإلن�كار والتوبيخ ؛ ألن الق�ول بأحد الوجهن املذكورين ه�و كقول من ينكر أن الواح�د نصف االثنن أو ينكر أن اإلناء الكبري ال يدخل يف الصغري ، وترك االحت�امل الثالث ال�ذي يوجبه العقل الفط�ري والعقل العلم�ي املتعمق وهو أن اهلل األزيل ه�و الذي خلقهم فينبغي أن يوحدوه ويش�كروه وخيش�وا عقابه. ولو سيق الكام بدون اإلنكار والتوبيخ لكان عىل هذا الوجه : هل خلقوا من

غري خالق ؟ أم خلقوا أنفسهم ؟ أم خلقهم اهلل اخلالق األزيل ؟

فاإلنس�ان حيس بأنه مصن�وع، صنعه غريه، وال يمك�ن لعاقل أن يزعم أنه صنع نفس�ه ألنه كان قبل أن يصنع عدما ، والعدم ال يمكن يف العقل أن يصنع ش�يئا ، وملا كان العدم ال يمكن أن يصنع ش�يئا كام تقول بداهة العقول ف�ا يمك�ن أن يكون�وا ق�د ﴿ ڤ ڤ ڤ ڦ﴾ وإذن فلم يب�ق إال اجلواب الثال�ث احل�ق وهو أن يك�ون ال�ذي صنعهم ه�و اهلل األزيل ال�ذي ال ابتداء لوج�وده، وإذا مل يك�ن لوجوده ابتداء فالس�ؤال عن بدايت�ه وعن صانع هذه

البداية مناقض لكونه أزليا با ابتداء .

وه�ذا ال�كام الذي رشحت به اآلي�ة لو قارن القارئ املتدب�ر املتفكر بينه وب�ن اآلي�ة أو بينه�ا وبن كل رشح - حس�ب م�ا اطلعت عليه - ل�رأى مجيع ال�رشوح من ب�اب رشح اليشء بام هو أغمض منه ؛ فاآلي�ة وحدها ناطقة هبذه ال�رشوح وأكث�ر ، وهي األوضح وه�ي األوجز وهي األق�وى يف إقناع طالب احلق ويف إفحام املعاند ، وإنام تساق الرشوح للتذكري بام يف اآلية من املعاين التي

مل تذكر بألفاظها وخبأها اإلجياز القرآين .

Page 28: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

2�

* ومن أصول احلوار القرآين مع املخالفني ما يسمى اإلنصاف أو األسلوب

املنصـف - كام يف اصطالح علامء البالغة - وهو أن يضع املجادل املحق نفسـه

مع خمالفه المبطل يف مقام واحد من إمكان اخلطأ والصواب مع ثقته بأنه املحق،

وذلك لكي يبعد عن نفسـه صورة العناد ويصور خلصمه أنه يمكن أن يرتاجع

عـن موقفه لو وجد أن احلق مع خصمه، وإن كان موقنا كل اليقني باحلق الذي

هـو لديه ، ويمثلون له بقوله تعاىل: ﴿ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦڄ

ڄ ڄڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ﴾)�(، وما قاله العلامء يف ه�ذا حق، ولكن ينبغي أن ياحظ أن اس�تعامل الق�رآن هلذا األصل من أصول

احل�وار في�ه متيز كبري جيعل الفرق بينه وبن اس�تعامل الناس له يف حماوراهتم كام

ب�ن احل�ق يف مطاوي القل�وب واملقاصد؛ وبن احل�ق املعلن يف رابع�ة النهار ،

وذل�ك أن�ك تنظر يف ه�ذه اآلي�ة : ﴿ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ

ڇ ﴾ فتج�د أن�ه قد تقدمها ما ي�دل عىل أن احلق يف جان�ب النبي � حن قاهل�ا، وتبعها من بعدها مثل ذلك من دالئل احلق مما يوجب عىل اخلصم - إذا

أنص�ف - أن يق�ر بأنه يف ض�ال مبن، وأن احلق يف جان�ب النبي �، فيكون

اإليامن به واتباعه مما يوجبه العقل واإلنصاف :

فقد جاء قبلها ما يبن أنه ال صنع ألحد يف الكون إال اهلل، ال يف اخللق، وال

يف التدب�ري، وال يف اإلنعام، وال يف يشء، وج�اءت قصص قبل ذلك تؤكد هذا

املعنى إىل أن قال سبحانه قبلها مبارشة :

)�( سورة سبأ: اآلية �2 .

Page 29: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

2�

ىئ ىئ ىئ ېئ ېئ ۈئېئ ۈئ ۆئ ۆئ ۇئ ۇئ وئ ﴿

ٱ يب ىب مب خب حب جب يئ ىئ مئ حئ جئ ی ی ی ی

ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پپ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿٿ

ٿ ٿٹ ٹ ٹ ٹ ﴾)�(، وقول�ه س�بحانه يف أول هذا الكام : ﴿ وئ

ۇئ ۇئ ۆئ ... ﴾ ه�و م�ن قبيل الربهان ألن معن�اه لو كان هلم رشك -

كام تزعمون - ألجابوكم ، وإال فليس هلم يشء يف األرض وال يف الس�امء . ثم

بع�د تقديم هذا الربهان املتعدد اجلوانب جاء ﴿ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ

ڦڄ ڄ ڄڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ﴾ .

ث�م ج�اء - بع�د هذه اآلي�ة واآلي�ات بعدها الت�ي تقارهب�ا يف القصد -

﴿ ڳ ڳ ڳ ڳڱ ڱڱ ڱں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ﴾)2(،

وقوله س�بحانه هن�ا : ﴿ ڳ ڳ ڳڱ ڱڱ ﴾ هو كذلك من

عاة إذا رؤي�ت تبن من رؤيتها قبي�ل الربه�ان ؛ ألن معناه أن هذه اآلهل�ة املد

عجزها، وأهنا ال متلك ش�يئا، فام كان منها جامدا كان مجوده برهان بعده عن

ته هي ش�اهد بعده عن عظمة ي اآلهلة وعظمتها ، وما كان منها برشا نبيا فبرش

الصفات اإلهلية .

وإذا كان قوله تعاىل ﴿ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ﴾

)�( سورة سبأ: اآليتان 22، �2 .)2( سورة سبأ: اآلية 27 .

Page 30: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

30

حمفوفا من قبله ومن بعده برباهن بطان دعوى اإلهلية لغريه س�بحانه ، أفاد

- م�ع م�ا فيه ظهور معنى اإلنصاف للخصم - ع�دم إمكان التنازل عام جاء

م�ن احل�ق قبله وبعده كأنه قيل: إن ما تقولون�ه باطل ال حيتمل أن يكون حقا

بوجه من الوجوه ، فنحن عىل احلق وأنتم عىل الباطل. لكن ال يقوله دعوى

وإنام تنطق به الرباهن.

وكذلك لو تأمل القارئ املتدبر قول اهلل تعاىل يف سورة الزخرف: ﴿ ژ

ڑ ڑ ک ک ک ک گ ﴾)�(، ك�ام ي�أيت بيان�ه إن ش�اء اهلل يف نامذج

احل�وار القرآين مع املخالف�ن ، فقد أحيطت هذه العب�ارة من بن يدهيا ومن

خلفه�ا برباه�ن التوحيد ، حتى ليمكن أن تس�مى س�ورة التوحيد لو كانت

أسامء السور ليست توقيفية ، وحيسن بيان يشء من معناها اآلن قبل التفصيل

اآليت برضب يشء من األمثال وذلك كام لو جاء إليك إنس�ان فقال لك : إن

هذا البيت الذي تسكنه هو ملكي، فقلت له: ) إن كان لك، ولك عليه دليل

أعطيت�ك إي�اه(، فه�ذا يظهر أن إعط�اءه البيت ممكن ال مانع لدي�ك منه، أما

إذا جئته بالرباهن والش�هود ووثيقة تس�جيل األماك لدى اجلهة الرس�مية

املختص�ة ثم قلت له: )إن كان لك أعطيتك إياه( كان كامك هذا إنصافا يف

ظاه�ره وحتدي�ا وإباء يف مضمونه ، فهذا يش�به يف س�ياقه ويف ألفاظه قول اهلل

تعاىل : ﴿ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ ﴾ .

)�( سورة الزخرف: اآلية �8 .

Page 31: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

31

* ويظهر إنصاف اخلصوم يف حوار القرآن مع املخالفن يف صورة أخرى

تس�تحث اخلص�م ع�ىل اإلنص�اف والرج�وع إىل احلق وذل�ك يف ذكـر مواقفه

وأقوالـه وأخطائه بصورة دقيقة خالية من شـوائب املبالغة وذكر ما يرتتب عىل

قـول اخلصم دون نسـبته إليه ، ويظهر أكثر ما يظه�ر يف حواره مع املعاندين كام

جاء يف سورة البقرة : ﴿ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ

ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ںں﴾)�(.

أراد س�بحانه أن حياوره�م يف ه�ذه الكلم�ة : ﴿ گ گ گ ڳ﴾

ليظه�ر م�ا فيها من عناد للح�ق، فذكرها جمردة عند نس�بتها إليه�م، ومل يضف

إليها ما يرتتب عليها ، ولكنه ذكر ما يكش�ف عن س�وء قصدهم هبا وهو أهنم

قالوه�ا جوابا لما قال هلم : ﴿ ک ک ک ک ﴾ فيكون قصدهم نؤمن بام

أنزل علينا دون ما أنزل عىل غرينا ، فذكره س�بحانه غري منس�وب إليهم فقال:

﴿ ڳ ڳ ڳ ﴾ وهذا القصد منهم عناد ظاهر ، ثم ذكر أهنم يكفرون

بغريه مما أنزل عىل غريهم ﴿ ڱ ڱ ﴾ أي احلق الكامل ، وهذا يزيد عنادهم

ظهورا ، ثم ذكر أن هذا احلق جاء ﴿ ڱ ڱ ںں﴾ وذلك يقتيض أن يؤمنوا

ب�ه فكفره�م عناد بعد عناد وإرصار بعد إرصار ، وس�مى ما أنزل عليهم بقوله

﴿ ڱ ںں ﴾ حتى ال يظن ذو خيال جامح أنه مصدق ليشء ضاع من كتاهبم،

أي يكذبون شيئا ال شبهة هلم يف ثبوته ، وكل هذه األمور مل ينسب إليهم شيئا منها

م�ع أهنا ثابتة عليهم بمضمون أقواهل�م وأحواهلم ، ثم كذهبم يف دعوى اإليامن

)�( سورة البقرة: اآلية �9 .

Page 32: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

32

استنادا إىل قتلهم األنبياء وهو ينايف اإليامن بام أنزل عليهم ، واستنادا إىل اختاذهم العجل إهلا بعد ما جاءهم موسى بالبينات من احلجج الواضحة عىل أال عبادة لغري اهلل ، وكا األمرين دل فعلهم فيه عىل كذب ادعائهم ، وملا كان قوله سبحانه ﴿ ڻ ڻ ڻ ۀ ﴾ خاف�ا لص�ورة الفعل فهم مل يش�هدوا هذا القتل، وكان بإمكاهن�م أن يقول�وا مل نفع�ل ذل�ك إن�ام فعله آباؤن�ا، أتبع ذل�ك بقوله : ﴿ ۀ ہ﴾ ليكش�ف حقيقة النس�بة، وأنه نس�به إليهم لرضاهم به وس�ريهم

سرية آبائهم يف خمالفة ما أنزل عليهم .

ويف كل م�ا تق�دم جيد القارئ اإلنص�اف الكامل هلؤالء اخلص�وم ، وهذا األمر له وجهان: وجه تأصييل فهو من األصول التي اعتمدها القرآن يف حواره مع املخالفن، وهو من وجه آخر أسلوب من األساليب التي متس نفس املحاور ووجدان�ه وبقايا إنس�انيته ليحاور بإنصاف فيس�لم للح�ق وال يعانده ، وليس املراد مما تقدم أن القرآن اعتمد إنصاف اخلصوم يف احلوار خاصة، وأنه تساهل في�ه يف غ�ري ذلك من األمور؛ وإن�ام املراد أنه أظهر ذلك للخص�وم إظهارا قويا متميزا وأبعده عن كل الشبهات حتى ال يكون هلم مستمسك ببعض الشبهات

ليعللوا به يف التهرب من احلق .

واألص�ول الت�ي تقدم�ت يف ه�ذا الفصل ليس�ت هي كل أص�ول احلوار القرآين مع املخالفن وإنام هي أمثلة منه ، ال تكون نتيجة كاملة وإنام متثل جانبا ال ينبغي أن يرتك اس�تكامهلا يف دراسة اس�تقصائية، عسى أن ييرسها اهلل تعاىل،

واهلل ويل التوفيق بفضله .

* * *

Page 33: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

الفصل الثاني

أساليب احلوار القرآني

مع املخالفني

Page 34: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 35: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

3�

أساليب احلوار

مع املخالفني يف القرآن

هذا الفصل خيتلف عن س�ابقه فذاك يتن�اول جوانب منهج احلوار العقيل

العلم�ي م�ع املخالف�ن، وه�ذا يتن�اول أس�اليب اخلطاب م�ن ترفق وش�دة ،

واستثارة للشعور تدفع إىل اتباع احلق ، ومن وعيد وهتديد عىل العناد وختويف

م�ن نتائج�ه، ومن ترغي�ب يف احلق ونتائج�ه ، وغري ذلك من األس�اليب التي

يساق فيها احلوار لدفع املخالف إىل املوقف األسلم ، واملقصود يف هذا الفصل

بي�ان األس�لوب يف موقعه وبيان أثره والغاية منه يف ه�ذا املوقع . وهذا الفصل

كس�ابقه من حي�ث االقتصار عىل نامذج دون االس�تقصاء ال�ذي يراد به حرص

النتائج وإحصاء األصول وعرض كل األس�اليب الت�ي اعتمدت يف القرآن إذ

لي�س ذلك م�ن مقاصد البحوث املخت�رصة كهذا البحث، وإنام ي�راد هبا لفت

النظر إىل املوضوع وعرض جوانب منه تنبئ عام بعدها وال حترصه .

وهذه األس�اليب استندت عليها حوارات القرآن كثريا ، وهي ذات أمهية

ك�ربى، هب�ا يكمل دور تأث�ريات احلوار عىل النف�س، فهي تتعاض�د مع األدلة

- بع�د مروره�ا عىل الفكر - إىل س�احة الش�عور فتحرك الرغائب وتس�تحث

امليول لتوجهها إىل احلق واخلري واهلدى .

Page 36: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

3�

أسلوب الرتفق باملخاطبني:

وم�ن لطائ�ف ه�ذه األس�اليب أن احل�وار الق�رآين خياط�ب برفقها أش�د

الن�اس عن�ادا ، فن�رى الق�رآن يف حوار بن�ي إرسائيل - وهم املعروفون بش�دة

العن�اد - يبدأ يف س�ورة البق�رة - ضمن حوار طويل - بقوله س�بحانه وتعاىل:

چ چ ڃ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦ ﴿

چ﴾)�(، يب�دأ بتذكريه�م نعمته ويدعوهم إىل الوف�اء بعهده وخيتم ذلك

بالتحذي�ر م�ن عذابه - وليس بالتهديد- كأنه يس�تثري ما تبقى يف نفوس�هم من

دواعي اخلري لعلهم يس�تجيبون! وكان ه�ذا اخلتام مقدمة لتذكري طويل بالنعم

الكث�رية والعفو عن اإلس�اءات اخلطرية، وربام حتول احلال فج�اء هذا التذكري

ھ ہ ہ ہ ہ ۀ ۀ ﴿ الش�ديد: بالعت�اب أوال

ھھ ھ ے ﴾)2(، ثم يشتد عليهم أكثر حتى يقول هلم : ﴿ ڃ

ڌ ڍ ڍ ڇ ڇ ڇ ڇ چچ چ چ ڃ گ گ گ کک ک ک ڑ ڑ ژ ژ ڈڈ ڎ ڎ ڌ گ ﴾)�(، ولك�ن ه�ذا الوعيد الش�ديد والتهدي�د املريع مل ي�أت إال بعدما أظه�ر م�ن أحواهلم امل�رصة عىل الباطل ما يس�توجبه ويس�تدعيه كقوله تعاىل :

﴿ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻڻ﴾)�(، وكقول�ه تعاىل

)�( سورة البقرة: اآلية �0 .

)2( سورة البقرة: اآلية �� .

)�( سورة البقرة: اآلية 85 .

)�( سورة البقرة: اآلية �7 .

Page 37: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

3�

بع�د ه�ذا بقلي�ل : ﴿ ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ

ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ﴾)�(، فالزجر والتهديد والتوبيخ والوعيد بعد البيان والرتفق ربام حرك القلوب .

وتتن�اوب أن�واع الرتفق بن موض�ع وموضع وكلها يس�تثري يف املخاطبن

منزعا من منازع اخلري التي فطر اهلل اإلنسان عليها ولو كان مرشكا مل يبق عنده

م�ن تعالي�م األنبياء إال موروثات من العادات التي ال تس�تند إىل كتاب يقرأ أو

ع�امل يروي ما له مس�تند ك�ام كانت قريش، فن�رى احلوار الق�رآين يدعوهم إىل

اهلدى مس�تحثا إنس�انيتهم بقوله لكل ف�رد منه�م: ﴿ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ

ڃ﴾)2(، ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦ ڦ ڦ ڤ ڤ وهو يف كل كلمة يذكرهم بواجب الش�كر ملن أحس�ن إليهم أعظم اإلحس�ان،

والعريب يلهب ش�عوره التذكري باإلحسان وش�كره، قد ورث يف جمرى دمه أن

ال�ذي ال يقدر املعروف لئيم، واللؤم أمجع أوصاف الدناءة عنده . ثم يكش�ف

القرآن لقارئه عن عدم اس�تجابتهم بقوله تعاىل : ﴿ چ چ چ چ ﴾)�(،

ثم يبن العواقب عواقب االس�تجابة واإلعراض فيقول : ﴿ ژ ژ ڑ ڑ

ک ک ک ک گ ﴾)�(.

ب�ل ن�رى هذا الرتف�ق يظهر يف بعض احل�وارات بصورة تدعو كل س�امع

)�( سورة البقرة: اآلية 75 .)2( سورة االنفطار: اآليات 8-6 .

)�( سورة االنفطار: اآلية 9 .)�( سورة االنفطار: اآليتان ��، �� .

Page 38: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

3�

إىل احل�رسة عل العب�اد املعذبن - رغم م�ا تقدم ذكره عنهم من ش�دة عنادهم وإيذائه�م للرس�ل ك�ام ج�اء يف س�ورة ي�س: ﴿ ڍ ڌ ڌ ڎڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ﴾)�(، ث�م يق�ول س�بحانه وتع�اىل يف عقوبته�م : ﴿ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ﴾)2(، وي�أيت بع�د

ه�ذا مب�ارشة قوله س�بحانه وتع�اىل : ﴿ ٹ ڤ ڤڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ﴾)�(. وهذا حث ملن بعدهم من العباد الذين يس�معون هذه اآليات

وما فيها من األخبار.

ب�ل ن�رى احل�وار الق�رآين يف بع�ض املواض�ع كأن�ه يس�تدر عطفه�م عىل أنفس�هم وه�و حيذره�م م�ن املعايص كام ج�اء يف س�ورة األع�راف: ﴿ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ﴾)�(، أو يق�ول هل�م كام

ج�اء يف س�ورة ي�س: ﴿ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چچ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌڌ ڎ ڎ ڈ ﴾)5(، أو يق�ول ك�ام يف

س�ورة الكه�ف: ﴿ ھ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭڭ ڭ ۇ ۇ ﴾)6(.

)�( سورة يس: اآلية �8 .

)2( سورة يس: اآلية 29 .)�( سورة يس: اآليتان �0، �� .

)�( سورة األعراف: اآلية 27 .)5( سورة يس: اآليتان 60، �6 .

)6( سورة الكهف: اآلية 50 .

Page 39: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

3�

ويتعاظم أسلوب الرتفق حن يأيت يف خطاب املؤمنن العصاة ألهنم أقرب م�ن املعاندي�ن وإن كان�وا من املرسفن عىل أنفس�هم، ويفتح هلم ط�رق العودة إىل احل�ق والصواب ويس�تميلهم إىل الرج�وع والتوبة بوع�ود الغفران العظيم

الواسع يغرهيم بذلك كل اإلغراء كام جاء يف سورة الزمر: ﴿ ۀ ۀ ہ

ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭڭ ۇ ۇ

ۆ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ې

ې ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ

ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ﴾)�( وه�ذا التحذي�ر حيمل يف

طيات�ه مع الرفق التخويف من س�وء العاقبة، ويش�تد التحذي�ر إىل أن يقول ملن

يأبى هذا اإلحس�ان الكب�ري : ﴿ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ

ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چچ چ ڇ ڇ ڇ ڇ﴾)2(، لك�ن خيتم�ه بالرتغي�ب يف

مص�ري األتقياء : ﴿ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ

ڑ ﴾)�(.

واحلدي�ث عن أس�لوب الرتفق يف احل�وار القرآين يطول لو أراد اإلنس�ان

استقصاءه، وإنام هذا الذي تقدم أمثلة تلفت النظر وتدعو إىل التأمل والبحث،

وتش�عر قارئ القرآن بعناية اهلل ورمحته هبذا اإلنسان، الرمحة التي أوجز القرآن

)�( سورة الزمر: اآليات �55-5 .)2( سورة الزمر: اآليتان 59، 60 .

)�( سورة الزمر: اآلية �6 .

Page 40: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

40

فيها هدف اختيار الرسول � ورسالته فقال تعاىل : ﴿ ک ک گ گ

گ ﴾)�( ، ب�ل ه�ذا الرتفق وصية ربانية م�ن اهلل ألنبيائه مع أطغى الطغاة كام جاء يف س�ورة طه قوله س�بحانه وتعاىل ملوسى وهارون عليهام السام وهو

يرسلهام إىل فرعون : ﴿ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے﴾)2(.

أسلوب الشدة يف خطاب املخالفني:

هل يعني هذا أن الشدة يف احلوار ال جتدي، وأن اإلنكار والتوبيخ والزجر

والوعيد والتهديد أمور مستبعدة يف احلوار القرآين ؟

لي�س األم�ر كذلك، ف�ا ريب أن الذي ال يس�تجيب للرتفق واإلحس�ان

ويأب�ى أن يلتف�ت إىل احلج�ة والربه�ان حيتاج بع�د ذلك إىل ما يكرس رشاس�ة

غروره، ويش�هر بام طوى يف مغالطاته من رشوره، فإذا مل يرجع إىل احلق بدافع

اإلنصاف فلعله يرجع إليه خوف التشهري واالنكشاف فيكون عربة للمعتربين،

وذلك يف احلوار من أهم الثامر .

فهذا س�يدنا إبراهيم عليه الصاة والس�ام حياور مدعي الربوبية فيفاجئه

هذا املدعي باملغالطة والتزوير فيجاهبه إبراهيم عليه الصاة والس�ام بام يبهته

ويكش�فه ملن حوله كام جاء يف س�ورة البق�رة : ﴿ چ چ چ چ ڇ

)�( سورة األنبياء: اآلية �07 .)2( سورة طه: اآلية �� .

Page 41: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

41

ڇ ڇ ڇ ڍ ڍڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گگ ﴾)�(.

ه�ل آمن أحد ممن ح�رض ؟ اهلل أعلم ، ولكن هذه القصة بلغها من حرض

مل�ن مل حيرض، وقصها إبراهيم عليه الس�ام عىل من قصه�ا عليهم، وذكرها اهلل

تع�اىل في�ام أن�زل، وال ريب أنه كان هلا أث�ر كبري يف العق�ول والقلوب منذ هبت

ين . ذلك الطاغية إىل اليوم ثم إىل يوم الد

واملاح�ظ هن�ا أن التخجي�ل الذي ج�اء يف اآلي�ة إنام هو بطري�ق إقامة

احلج�ة التامة الوضوح فقط دون أن يكون معه زجر ووعيد أو غري ذلك من

ى أس�اليب احلوار الشديد، والش�دة هنا إنام هي يف السياق الذي كشفه وعر

تزييف�ه أمام احلارضين، فبهت ومل يملك جوابا ، واالقتصار عىل هذا املقدار

من الش�دة قد يراد به منعه من التهرب ومن مش�اغلة احلارضين عن هزيمته

بالرد عىل التوبيخ الذي وجهه من خاطبه إليه .

ف�إذا كان اخلص�وم املح�اورون ق�د جل�وا يف التزوي�ر وق�ول األباطيل

املكش�وفة ول�م يراع�وا حرم�ة احلوار ج�اء اخلط�اب القرآين هلم بأس�لوب

توبيخ�ي دون حماجة، إنما هو نقض لقوهلم وش�دة يف ردعهم، كقوله تعاىل

يف س�ورة املائدة: ﴿ ۉ ې ې ې ېى ى ائ ائ ەئ ەئوئ وئ ۇئ

ۇئ ۆئ ۆئ ۈئۈئ ﴾)2( فليس ههنا إال نقض لقوهلم ﴿ وئ ۇئ ۇئ

)�( سورة البقرة: اآلية 258 .)2( سورة املائدة: اآلية �6 .

Page 42: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

42

ۆئ ۆئ ۈئۈئ ﴾، وكان يف ب�دء اجل�واب الزج�ر والتوبيخ بأش�د األلفاظ :

﴿ ى ائ ائ ەئ ەئوئ ﴾.

ونح�و هذه اآلية قوله تع�اىل: ﴿ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ

ڀ ڀ ڀ ڀٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ﴾)�(.

أجاهبم أوال ال بمناقشة قوهلم ، وإنام بيان دوافعهم وراء هذا القول فليست

هي معرفة احلق وإنام التكرب والعتو والطغيان ، ثم أخربهم بأهنم س�وف يرون

املائك�ة ولك�ن ال للتعرف عليه�م وال لتكريم طالبي رؤيته�م وإنام حلرماهنم

م�ن كل وجوه اخل�ري ﴿ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ

ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ ﴾)2(، وقوهل�م ڦ ڦ ﴿ ڦ ڦ ﴾ كلمة يقولوهنا بمعنى االس�تعاذة كأهنم يقولون اللهم احجر

عنا هذا الرش كام يف تفسري أيب السعود رمحه اهلل 6/ 2�2 .

ولي�س هذا تركا للدليل يف جمال احلوار ، فاألدلة والرباهن وإيضاح احلق

هبا هو األصل الذي ال ختلو منه قضية ، وإذا ترك يف موضع فقد أعطي حقه يف

مواضع كثرية .

ورب�ام ذكر القرآن القضية وبراهينه�ا، ثم عقب ذلك بذكر كفر الكافرين،

)�( سورة الفرقان: اآليتان �2، 22 .

)2( سورة الفرقان: اآليتان 22، �2 .

Page 43: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

43

ثم جاء الوعيد واإلنذار بعده مبارشة با حوار، اعتامدا عىل ما تقدم كام يف أول

س�ورة الرعد: ﴿ ٱٻ ٻ ٻ ٻپ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ

ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹڤ ﴾ إىل قوله : ﴿ چ ڇ ڇ ڇ ﴾)�( ثم ذكر سبحانه وتعاىل ما يف األرض من آيات حتى قال : ﴿ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ﴾)2(، وذكر يف األرض آيات أخرى ختمها

بقوله س�بحانه وتع�اىل : ﴿ ڭ ڭ ۇ ۇ ۆ ۆ ﴾)�(، ثم قال

سبحانه وتعاىل : ﴿ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ې ې ېى

ۈئ ۆئ ۇئۆئ ۇئ وئ وئ ەئەئ ائ ائ ى ۈئېئ ېئ ېئ ىئ ﴾)�(، أي فسؤاهلم هذا عجب ملا فيه من الشك أو اإلنكار بعد تلك اآليات التي تدعو إىل اليقن وتس�تثري التفكري وتنري العقول ، ولذلك

ال يس�تحقون اجلواب عىل س�ؤاهلم، إنام يستحقون أن يكش�ف تنكرهم للحق

وكفره�م ب�ه وعقاهبم عليه باألغال واخللود يف الن�ار ، ويعرض ربنا عنهم يف

هذا املوضع، وجيعل ظاهر احلوار مع النبي � واملقصود به أولئك اجلاحدون

آلي�ات رهبم ، ويف هذا اإلعراض مزيد من التوبيخ واالحتقار واالس�تنكار ملا

كان منهم .

وهذا اإلعراض يف احلوار عمن هو مقصود باحلوار يتكرر يف القرآن كثريا

)�( سورة الرعد: اآليتان �، 2 .)2( سورة الرعد: اآلية � .)�( سورة الرعد: اآلية � .)�( سورة الرعد: اآلية 5 .

Page 44: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

44

وتتنوع صوره، ومن أكثر مواقفه دقة أن يكون بعض احلوار حديثا عن الغائب

وبعضه خطابا للحارض، واملراد هبام الشخص نفسه أو اجلامعة نفسها ، كام جاء

يف أول س�ورة النبأ ، إذ قال س�بحانه وتع�اىل : ﴿ ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ

پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ﴾)�(، فبدأ بذكر تساؤهلم

عن البعث تساؤل إنكار واستغراب وجحود ، ثم عقبه بتهديدهم عليه هتديدا

مكررا مؤكدا بصيغة الغياب أيضا إعراضا عنهم وإبعادا هلم - بس�بب ذلك -

عن أن يس�تحقوا اخلطاب يف حالتهم هذه ، فلام ذكر اآليات الدالة عىل حكمته

يف خلقه وقدرته عىل البعث وعىل كل يشء ذكرها بصيغة اخلطاب: ﴿ ٿ ٿ

ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ﴾، وه�ذا خط�اب هل�م إىل

قوله س�بحانه وتعاىل: ﴿ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ

ڱ ڱ ڱ ڳ ڳ ڳ ڳ گ گ گ گ ک ک ک ک

ڱ ﴾)2(، وانتهى عرض اآليات الدالة عىل عظمة قدرته وحكمته سبحانه

وتع�اىل وداللة ذلك عىل جم�يء يوم الفصل، فانتقل إىل التخويف بأس�لوب

اخلطاب ألنه أوقع أثرا يف النفوس ، ثم عاد ثانية إىل الغياب فكان التخويف

بجهن�م هلم ولكل طاغ يأبى التس�ليم باحلق بعد الربه�ان : ﴿ ہ ھ ھ

ۆ ۆ ۇ ۇ ڭ ڭ ڭ ڭ ۓ ۓ ے ے ھ ھ

ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ې ې ې ى

)�( سورة النبأ: اآليات �-5 .)2( سورة النبأ: اآليات �8-6 .

Page 45: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

4�

ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ﴾)�(، ث�م ع�اد إىل

اخلط�اب للطاغن كلهم م�ن قوم النبي � وغريهم ح�ن صار يف اخلطاب

مزيد من التنكيل والتوبيخ يضيف إىل عذاب األجسام عذاب النفوس فقال

س�بحانه وتع�اىل : ﴿ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ﴾)2(، ث�م أضاف لونا آخر

من التعذيب النفيس فذكر سبحانه وتعاىل نعيم أهل التقوى الذين آمنوا باهلل

والي�وم اآلخ�ر : ﴿ ٱ ٻ ٻ ﴾)�( إىل قوله س�بحانه وتعاىل: ﴿ ٿ ٹ

ٹ ٹ ٹ ﴾)�(.

وفي�ه أيض�ا ترغيـب هلـم يف اإلي�امن واالنقياد للح�ق فلعله�م يؤمنون

إذا س�معوا بج�زاء اهلل تعاىل للمؤمنن املتق�ن خريا ونعي�ام ، فللرتغيب بعد

الرتهي�ب أثر يف النفوس يس�تثري بواقي ما يف النف�وس من دواعي اخلري التي

فطر عليها اإلنسان )5(.

وأس�لوب الرتغيـب يتك�رر يف القرآن وحوارات�ه كثريا ، ك�ام يتكرر كثريا

اقرتان�ه بالرتهيب يس�وقان املخاطب إىل احلق واخلري والتق�وى، هذا يكفه عن

الباطل بذكر عواقبه، وهذا يدعوه إىل احلق بذكر منافعه كقوله سبحانه وتعاىل:

)�( سورة النبأ: اآليات �29-2 .)2( سورة النبأ: اآلية �0 .)�( سورة النبأ: اآلية ��.)�( سورة النبأ: اآلية �6.

)5( انظر: تفسري أيب السعود 8�/9، وما بعدها .

Page 46: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

4�

﴿ ڦ ڦ ڄڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ﴾)�(، ويقارهنام

برهان احلق الكاشف عن حقيقته ويكون من ذلك ما يشاء اهلل يف كل مناسبة.

وم�ن أب�رز املواق��ع الت�ي ظهر فيه�ا اجتم�اع الثاث�ة ح�وار املؤم�ن من

آل فرع�ون يف س�ورة غاف�ر، وما يروي�ه لنا ربنا م�ن احلوارات ع�ن أهل احلق

ورجال�ه ه�و م�ريض عن�ده فهو منس�وب إلي�ه بماحظة ه��ذا املعن�ى ، ق�ال

چ ڃ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ ﴿ڄ وتع�اىل: س�بحانه

ڈ ڎ ڌڎ ڌ ڍ ڍ ڇ ڇ ڇ ڇ چ چ چ

گ گگ گ ک ک ک ک ڑ ژڑ ژ ڈ

ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ﴾)2(، وه�ذا ح�وار باحلج�ة والربهان حول

ق�ول فرع�ون : ﴿ ٻ ٻ ٻ ﴾)�(، يب�ن هلم هذا الرج�ل املؤمن خطأ

م�ا يري�د فرعون من جهة أن موس�ى يقول احل�ق، ومن جهة أن�ه يقوله مقرونا

بالبين�ات م�ن رهب�م وه�ي الرباه�ن الواضح�ة، يعن�ي أن ه�ذا القت�ل منك�ر

ال يق�ر ب�ه عاق�ل ، وإذا كان قول�ه حق�ا معروف�ا بالبين�ات ف�ا يرض أح�دا لو

كان كاذب�ا فكذب�ه يرضه وال ي�رض غريه ما دام قول�ه حقا جاء علي�ه بالبينات.

ث�م أضاف مؤم�ن آل فرعون إىل هذا الربهان أس�لوب الرتهي�ب والرتغيب :

﴿ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ۆ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ

ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ې ې ې ى ى ائ ائ ەئەئ

)�( سورة إبراهيم: اآلية 7 .)2( سورة غافر: اآلية 28 .)�( سورة غافر: اآلية 26 .

Page 47: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

4�

وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ

ىئ ىئ ی ی ﴾)�(، ثم يعود بعد ذلك إىل بيان اخلري والرش فيام يريد

هل�م وفي�ام يري�دون ل�ه : ﴿ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ

ڀ ﴾)2(، إىل أن خيت�م ح�واره بقوله تعاىل : ﴿ ڍ ڌ ڌ ڎڎ ڈ ڈ ژ ژڑ ڑ ک ک ک ﴾)�(.

وجي�د قارئ هذا احل�وار يف عباراته كلها - من أدل�ة وترغيب وترهيب -

هلجة الناصح الش�فوق الذي يس�تعطف من يكلمهم، ويس�تثري ش�فقتهم عىل

أنفس�هم، ويل�ح عليهم إحلاح املت�أمل حلاهلم وما جيرونه من الرش عىل أنفس�هم،

وه�ذا يذكر بام تقدم من أس�لوب الرتف�ق يف احلوار القرآين م�ع املخالفن ، كام

يذك�ر ب�ام تقدم يف أصول احلوار الق�رآين مع املخالفن مما يس�ميه العلامء القول

املنص�ف ، وهو من مجلة األس�اليب التي تس�تميل املخاط�ب إىل احلق وتتألف

قلبه عليه كالرتغيب وكالرتفق بأنواعه التي تقدم التنبيه إىل بعضها .

وهذا األس�لوب جدير باالهتامم السيام وأن وروده يف القرآن الكريم حق

كله واملتكلم به هو رب العاملن، فورود هذا األس�لوب يف كتابه يعني توصيته

القائم�ن بالباغ عن�ه به وذلك يعطي أكرب العربة ملن يري�د أن حياور املخالفن

للحق دون أن ينفرهم من احلق بأسلوب حواره .

)�( سورة غافر: اآليات �0-�8 .)2( سورة غافر: اآلية �� .)�( سورة غافر: اآلية �� .

Page 48: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

4�

وقد قال اهلل سبحانه وتعاىل لرسوله � أن يقول للمرشكن : ﴿ ژ ڑ ڑ

ک ک ک ک گ ﴾)�( أي لذل�ك الول�د املفرتض ج�دال ، واملراد به

ختفيف ما يف نفوس�هم من العناد ، ليتبينوا أنه � ال خيالفهم كرها هلم وبغضا،

وإن�ام خيالفهم كرها للباطل وبغضا للضال، وجتنبا ملا فيه من التزوير والبهتان

وادعاء وقوع ما يستحيل وقوعه ، وألجل أال يتوهم أحد أنه � يمكن أن يعبد

ما يعبدون من دون اهلل قدم اهلل س�بحانه وتعاىل عىل هذه اآلية براهن التوحيد

وثمرات الرشك وسيئاته وعواقبه ، وهكذا )2(ينبغي أن يفعل من يستخدم هذا

األس�لوب يف ح�وار املخالفن ك�ام يتضح من رشح هذه اآلي�ة يف نامذج احلوار

القرآين إن ش�اء اهلل تعاىل . وذلك ألن االعتامد عىل هذا األس�لوب دون إحاطة

القضية التي يدور حوهلا احلوار بالرباهن يوهم املخاطب أن املتكلم يش�ك يف

القضية نفسها.

وكذلك أمر اهلل تعاىل نبيه سيدنا حممدا � أن يقول ملرشكي قومه : ﴿ ڤ

ڤ ڦ ڦ ڦ ڦڄ ڄ ڄڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ﴾)�( .

وهذه اآلية مسبوقة أيضا بام يدفع توهم الشك يف معرفة أهل اهلدى وأهل

الضال من الفريقن حيث قال س�بحانه - وبأسلوب التحدي وهو من أعظم

)�( سورة الزخرف: اآلية �8 .)2( أبو السعود 7 /56 .

)�( سورة سبأ: اآليتان �2، 25 .

Page 49: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

4�

األساليب الكاشفة لضال اخلصم وخطئه -: ﴿ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ

ۈئېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ ی ی ی ی جئ حئ مئ ىئ يئ جب حب خب مب ىب يب ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پپ ڀ ڀ

ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿٿ ٿ ٿٹ ٹ ٹ ٹ ﴾ )�(.

ويق�رب م�ن هذا األس�لوب يف إبع�اد اخلص�م عن النف�ور والعن�اد عند

احلوار أن يسند صاحب القول احلق ما ينكره عىل حماوريه من الباطل إىل نفسه

خش�ية أن يصارحهم بنس�بة الباطل إليهم فيرصوا عليه كام جاء يف س�ورة يس

يف كام الرج�ل اآليت م�ن أقىص املدين�ة : ﴿ ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ

ې ۉ ۉ ۅ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۈ ۈ ۇ ۆ ۆ ې ې ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ ﴾)2(، وه�ذا الرج�ل مؤمن فيكون قصده من اإلنكار الذي وجهه إىل نفسه أنه يدعوهم هبذه احلجج

إىل أن يوجه�وا ه�ذا اإلن�كار إىل أنفس�هم كأنه يقول هلم: وما لك�م ال تعبدون

ال�ذي فطركم وإليه ترجع�ون، أتتخذون من دونه آهل�ة إن يردكم الرمحن برض

ال تغن عنكم ش�فاعتهم شيئا وال ينقذونكم إنكم إذن لفي ضال مبن . فقاله

ع�ىل الوجه الذي ج�اء يف القرآن تلطفا هبم وإطفاء لوه�ج العناد الذي كان يف

كامه�م عندم�ا ردوا عىل الرس�ل وتوعدوهم بالرجم والتعذي�ب إن مل يكفوا

عن دعوة احلق ، لقد سلك هبم يف احلوار ألطف ما أمكنه من املسالك، ومل يدع

)�( سورة سبأ: اآليتان: 22، �2 .)2( سورة يس: اآليات: 2�-22 .

Page 50: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�0

للقوم س�ببا يتذرعون به يف رفضهم دعوة احلق، ولكن القوم كانوا قد انجرفوا

يف مهاوي الضال والعناد والطغيان فاستحقوا رسعة العقاب : ﴿ ٺ ٺ ٿ

ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ﴾)�(.

* ومـن األسـاليب القرآنيـة يف احلوار مـع املخالفني ما يسـتثري يف النفس

التأثـر بالعـرة من قصص املاضني، فيختار منها ما يشـبه حال الذين حياورهم

فيعرضـه عليهم ثم حياورهم كام جاء يف س�ورة األحق�اف : ﴿ ٻ ٻ ٻ ٻ

پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ﴾ إىل قوله تعاىل ﴿ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀہ ہ ہ ہ ھ ﴾)2(، وقول�ه س�بحانه : ﴿ ہ ہ ہ ھ ﴾ إنذار ش�ديد مل�ن كان مثلهم كمرشك�ي قريش املخاطبن باآلي�ات املذكورة ،

وهذه العب�ارة هي مفتاح للحوار معهم حول قضية التوحيد والرشك ورفض

دعوة األنبياء فيقول س�بحانه : ﴿ ھ ھ ے ے ۓ ۓ ﴾ إىل أن

يق�ول ﴿ ې ى ى ائ ائ ەئ ﴾)�(، وخيت�م ذلك س�بحانه بقوله :

خب جبحب يئ ىئ حئمئ جئ ی ی ی ی ىئ ىئ ىئ ﴿

مب ىب يب جت ﴾)�(.

)�( سورة يس: اآلية 29 .)2( سورة األحقاف: اآليات �25-2.

)�( سورة األحقاف: اآلية 26.

)�( سورة األحقاف: اآلية 28.

Page 51: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�1

فنتيج�ة القصة تأيت يف ه�ذا احلوار املبارش: إن اآلهلة التي اختذوها بالباطل

لتقرهب�م إىل اهلل ولتش�فع هلم عنده مل تنفعهم ش�يئا، ومل تغ�ن عنهم من العذاب

شيئا، وقريش تعرف هذه القصة ألهنا جزء من تاريخ جزيرة العرب وشعوهبا،

فعرضه�ا عليه�م، وحماورهتم يف قضية التوحيد وال�رشك بعدها ذو تأثري نفيس

وعقيل كبري ال ريب فيه، وهي حماورة يف غاية اإلحكام واحلكمة .

هذا واألس�اليب املؤثرة يف س�وق احلوارات القرآنية م�ع املخالفن كثرية

ومنوع��ة، ل�كل منها م�ا يميزه وما يعمق أث�ر احلوار وينمي نتائج�ه ، وما هذا

ال�ذي قدمت�ه إال ن�امذج من أس�اليب الق�رآن يف ح�واره مع املخالف�ن ، وهي

جديرة بالتتبع واالس�تقصاء وتعميق الدراس�ة الستخاص الفوائد التي تعن

دع�اة احل�ق يف إباغ دع�وة الق�رآن إىل كل عاقل منصف حم�ب للحق واهلدى

واإلصاح، واهلل املوفق للخري والصواب ، وصىل اهلل عىل س�يدنا حممد، الذي

قال له ربه س�بحانه وتعاىل : ﴿ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھھ

ے ے ۓ ۓڭ ﴾ �25 النحل)�( .

* * *

)�( سورة النحل: اآلية �25 .

Page 52: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 53: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

الباب الثاني

مناذج من حوار القرآن

مع املخالفني

Page 54: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 55: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

الباب الثاني

مناذج من حوار القرآن

مع املخالفني

أردت من هذا الباب أن يرى القارئ أصول وأس�اليب احلوار القرآين مع

املخالف�ن يف ص�ورة واقعية عملية ت�ربز هبا آثارها الطيبة ع�ىل املخاطبن حن

حياوره�م الق�رآن الكريم ، فتناولت ه�ذه الصور بالتحليل كلم�ة كلمة ومجلة

مجلة دون فصل بن احلديث عن أصول هذه احلوار وبن احلديث عن أساليبه،

بحيث يظهر النص املعروض وحدة متكاملة متتزج فيها األصول واألس�اليب

وكل العنارص التعبريية األخرى .

وقد قس�مت هذا الب�اب إىل ثاثة فصول ، اش�تمل كل منها عىل عدة من

النامذج تتنوع فيها أصول احلوار القرآين وأساليبه :

الفصل األول: نامذج من احلوار يف قضية التوحيد .

الفصل الثاين: نامذج من احلوار يف قضية البعث واجلزاء أي يوم القيامة.

الفصل الثالث: نامذج من احلوار يف قضايا منوعة .

وعسى أن جيعل اهلل يف ذلك ما يمن به من صواب وخري بتوفيقه .

Page 56: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 57: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

الفصل األول

مناذج من حوار القرآن مع املخالفني

حول قضية: توحيد اهلل

Page 58: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 59: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

الفصل األول

مناذج من حوار القرآن مع املخالفني

حول قضية: التوحيد هلل

أتعبدون ماتنحتون:

﴿ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ

ژ ژ ڈ ڈ ڎ ڎ ڌ ڌ ڍ ڍ ڇ ڇ ڇ ڇ

ڱ ڳ ڳ ڳ ڳ گ گ گ گ ک ک ک ک ڑ ڑ

ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ہ ہ ھ

ھ ھ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ﴾)�(.

تفسري البغوي ��09 - تفسري أبو السعود 7 /�97

يف ه�ذه اآليات ح�واران، أوهلام: تنبي�ه إىل نكرة عملهم يف مي�زان الفطرة

الس�وية والقلب الس�ليم من ش�وائب األوه�ام وعوج النظر وظ�ام التفكري،

يب�دأ ه�ذا التنبي�ه بقول�ه : ﴿ ڇ ڇ ﴾ وه�ي عب�ارة تنب�ئ ع�ن اس�تنكار

العب�ادة مل�ا ال يس�تحق العب�ادة وال يعق�ل أن يعبد ملا ه�و ظاهر م�ن بعده عن

أن يفع�ل ش�يئا ي�دل ع�ىل ألوهيت�ه ، وإنام ف�رست هبذا ألن�ه يعلم م�ا يعبدون

وه�م يعلمون�ه، ث�م يق�ول : ﴿ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ﴾ ، واإلف�ك أس�وأ

)�( سورة الصافات: اآليات �96-8 .

Page 60: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�0

الك�ذب ، وإن�ام يك�ون أس�وأه ألنه تعم�د فيه صاحب�ه قل�ب احلقيقة ورصف

الن�اس عنه�ا حس�ب ما ت�دل مادة اإلف�ك إذ تأيت بمعن�ى القل�ب كقوله تعاىل

ڤ ﴿ الكافري�ن ع�ن حكاي�ة تع�اىل وكقول�ه ،)�(﴾ ڇ ڇ ﴿

ڦ ﴾)2(، وت�أيت بمعن�ى الكذب الس�يئ كام يف ه�ذه اآلية ، فه�و يقول هلم عىل س�بيل اإلنكار والتش�نيع أتريدون إفكا لتتخذوه آهل�ة ، فهم حن اختذوها

مل يبحثوا عن اإلله احلق ليتخذوه إهلا بل اختلقوا كذبا جعلوه إهلا ، ونظم اآلية

يعطي معاين وفوائد أكثر من ذلك لو تأمله املتفهم :

وأص�ل نظم اجلمل�ة يف النحو أن » إفكا « مفعول ث�ان لقوله » تريدون «،

و» آهل�ة « مفعول�ه األول ، فتكون اجلملة يف األصل هك�ذا » أتريدون آهلة إفكا

دون اهلل « ؟ أي أتري�دون آهل�ة مكذوبة جتعلوهنا بدي�ا عن اهلل تعاىل ؟ فاإلفك

مصدر وضع مكان املفعول كقوله تعاىل: ﴿ چ ڇ ڇ ڇ ڇڍ ﴾)�(،

ويكون اإلنكار منصبا عىل جمموع معنى اجلملة.

وجاء نظم اآلية عىل خاف هذا األصل الذي تقدم بيانه ألس�باب تقوي

اإلنكار عليهم ، فأول ذلك أن تقديم املفعول عىل الفعل ليبارش مهزة االستفهام

اإلن�كاري ي�دل عىل أن هذا الفع�ل منكر ولكن وقوعه عىل هذا املفعول أش�د

ن�كارة يف حكم العقل والفطرة ، كام لو رأيت إنس�انا ي�أكل طعاما رديئا فتقول

)�( سورة النجم: اآلية �5 .)2( سورة األحقاف: اآلية 22 .

)�( سورة يوسف: اآلية �8 .

Page 61: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�1

ل�ه : ) أت�أكل طعاما رديئا ( فإذا رأيته يأكل الرتاب قلت له ) أترابا تأكل ( تعني

بذل�ك أن الرتاب ال يصلح ل�ألكل أصا فلذلك قدمت�ه لتجعل الكام أقوى

إن�كارا . واحلج�ارة أبعد يشء عن معنى األلوهية فا جيعلها آهلة إال من اختلق

دع�وى ال تعقل أص�ا ، وال يقال إهنا عندهم ليس�ت آهل�ة ولكنها رموز آلهلة

ال يق�ال ذلك ألهنم كانوا يعاملوهنا عىل أهنا آهلة ويس�موهنا آهلة ، وحن رأوها

مك�رسة قال�وا: ﴿ ڀ ڀ ڀ ٺ ﴾)�(، وحن قال هلم س�يدنا إبراهيم :

﴿ ۓ ۓ ڭ ﴾ مل يقول�وا له إهنا ليس�ت آهل�ة إنام هي رموز آلهلة ، وأنت

حتاورنا بطريقة خاطئة .

ثم إن اآلية - عدا تقديمها لفظ اإلفك ليبارش مهزة االس�تفهام اإلنكاري

- وضع�ت ه�ذا اللف�ظ الذي ه�و مصدر - موض�ع املفعول ؛ ألن�ه من حيث

املعن�ى صف�ة لآلهلة فهي مأف�وك فيها أي مك�ذوب فيها ، وامل�راد يف ذلك أهنا

لعظ�م م�ا وقع فيها من اإلفك صارت جمس�دة من اإلفك، فص�ار القوم كأهنم

اختذوا اإلفك نفسه آهلة ، وهو منكر يف غاية النكارة، وجاء قوله سبحانه وتعاىل

﴿ ڌ ڌ ﴾ لي�ربز س�وء فعله�م أكثر ألن املعن�ى يكون أهنم ترك�وا اهلل تعاىل

وه�و مس�تحق األلوهي�ة واختذوا م�اال يعقل أن يتخ�ذ إل�ها وه�و احلجر ، ثم

كان قوله تعاىل ﴿ ڌ ڌ ﴾ بيانا لكون عبادة املرشك هلل لغوا ألن أهم أس�اس

للعبادة هو توحيده، ثم جاء قوله سبحانه وتعاىل ﴿ ڎ ﴾ بدل أن يقال مثا

» تتخ�ذون « ألن اإلرادة فع�ل يكون ع�ن تفكري وتدبر وعزيم�ة، وهذا جيعل

)�( سورة األنبياء: اآلية 59 .

Page 62: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�2

عمله�م أش�د نكارة فكأن�ه يقول هلم : إنك�م تتعمدون فعل ه�ذا الضال عن قصد وتصميم ، فالعبارة مبنية بناء ينضح من كل جهاته بشدة اإلنكار عىل هذا الفع�ل القبيح، واملراد بذلك كله أن تتفتح عقوهلم لش�ناعة هذا اخلطأ وتدركه

إدراكا قويا عسى أن ترتاجع عن ارتكابه .

وعق�ب ذل�ك كله بقوله ﴿ ڈ ڈ ژ ژ ﴾ وهو تنبيه ش�ديد عىل املفارق�ة الواس�عة ب�ن اهلل - وهو اخلالق املدبر ش�ؤون العامل�ن - وبن أصنام اإلف�ك التي ال إرادة هلا وال ق�درة كام تظهر لكل من رآها ، ولذلك بدأت هذه اجلمل�ة بالف�اء الدالة عىل ترتيب م�ا بعدها عىل ما قبلها ، كأن�ه قال فإن اختذتم ه�ذه احلجارة العاجزة آهلة ف�ام قولكم يف من هو رب العاملن ، أهو مثلها - مع تدب�ريه ش�ؤون العاملن وهذا حم�ال - فاختذمتوها آهلة معه ؟ أم ه�و ذو العظمة التي يش�هد هبا خلقه وتدب�ريه للعاملن ومع ذلك اختذتم ه�ذه احلجارة الصامء

رشيكة له مع عجزها هذا ؟

سؤال يظهر املفارقة اهلائلة ولكن القوم كأهنم أغمضوا عيون عقوهلم فا تبرص، وأخرس�وا ألس�نتهم فا تنطق . ولذلك وجد أب�و األنبياء عليه الصاة والس�ام نفسه مضطرا إىل أس�لوب أقوى يوقظ العقول والقلوب، هيزها هزا قوي�ا مزلزال ، يطرد الباطل وكل ش�بهاته وأوهامه، ولكنه كتم ذلك ليفاجئهم ب�ه ﴿ ڑ ک ک ک ﴾ وحل�ظ من ذلك أن غ�دا عيد هلم خيرجون فيه من بلده�م، ويضع�ون الطعام عند آهلتهم زع�ام منهم أهنا تبارك علي�ه فإذا رجعوا

م�ن عيدهم أكل�وه ، وقد دعوه للخروج معهم فاعتل هل�م باملرض ﴿ گ گ

گ ﴾ أي مريض، وهو من أساليب التورية وقصد أنه سقيم البال أي شديد

Page 63: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�3

األس�ف مم�ا يراه م�ن إرصارهم عىل ال�رشك واإلف�ك ، ﴿ ڳ ڳ ڳ ﴾

ترك�وه يف البل�دة وانرصف�وا إىل عيده�م ، ﴿ ڱ ڱ ڱ ﴾ وأصل الرواغ

املي�ل أي ذه�ب إليه�ا متخفي�ا ، فنظ�ر إىل الطعام ال�ذي وضع�وه عندها فقال

عىل س�بيل الس�خرية وإظهار عجز هذه اآلهلة املزعومة عن أن تأكل أو تتكلم

بج�واب مل�ن خياطبه�ا : ﴿ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ہ ہ ﴾ فهج�م عليه�م هجوما خميفا ليتمكن من تكس�ريهم مجيع�ا فا يظنوا أن بع�ض آهلتهم امتنعت من ال�رضب ، ولكي ال يتوهم من لفظ » راغ « املفيد لإلخف�اء أن�ه رضب ضعي�ف كام يك�ون رضب املتخفي ع�ادة ، أتبع�ه بقوله: ﴿ ہ ہ ﴾، وهو يفيد قوة الرضب، س�واء قصد باليمن القوة، أو قصد ي الفعل الي�د اليمن�ى ، إذ املقصود أن اليد اليمنى أقوى يف ال�رضب ، وقد عدأوال بواس�طة إىل ﴿ ڱ ڱ ڱ ﴾ ألنه بمعن�ى الذهاب فكأنه قيل: » مال ي ثانيا بواس�طة » عىل « ألن املراد به معن�ى أقبل كأنه قيل: إىل آهلته�م «، وع�د» أقبل عليهم بالرضب «، ثم إن يف » عىل« معنى االستعاء، وهو يناسب القوة والرضب باليمن ، ولتكون اجلملة كلها موضحة ملعنى القوة جاء لفظ » رضبا « - وهو مصدر - مفعوال مطلقا لفعل » راغ « - وهو مؤكد لفعله ومفصل له -

فجعل الرواغ والرضب شيئا واحدا كام يقال : سار فان هرولة .

ومل�ا س�مع القوم بام فعل س�يدنا إبراهي�م عليه الصاة والس�ام أرسعوا باملج�يء إلي�ه وهو معن�ى قول�ه تع�اىل : ﴿ ھ ھ ھ ﴾ والزفيف ميش النعام إذا جد وهو أش�د مش�يها وأول عدوها ، وذلك يص�ور أثر قوة املفاجأة عليه�م وصعقة اخلرب املف�زع املريع . ويف هذا احلن حن رؤي�ة اآلهلة املزعومة

Page 64: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�4

وانكش�اف اإلفك بتكس�ريها عىل يد إنس�ان مثلهم ألقى عليهم هذا الس�ؤال:

﴿ ۓ ۓ ڭ ﴾ وه�و س�ؤال جيم�ع مضمون احلوار الذي ب�دأ به معهم

ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ﴾، ومضم�ون رضب آهلته�م ﴿

باليم�ن حتى جعلهم جذاذا أي فتاتا ، ومضمونا جديدا هو الترصيح بتناقص

عقول هؤالء املرشكن ، وذلك أن املعقول يف الفطرة اإلنس�انية والنظر السليم

والبداه�ة الرصحي�ة أن املخل�وق يعب�د خالقه ال�ذي صنعه ، فل�و كان غري اهلل

يس�تحق العب�ادة ل�كان ينبغي هل�ذه األصن�ام أن تعب�د الذين نحتوه�ا ، فكأنه

يق�ول هل�م : أيعقل أن يكون الصانع عابدا ومصنوع�ه معبودا له ؟ و األعجب

أهن�م يفعل�ون هذا يف ح�ن أن اهلل هو خالقه�م وخالق ما يعملون�ه فهو وحده

اجلدير بالعبادة.

إن�ه ح�وار يقه�ر كل عن�اد ويس�تخرج اإلقرار باحل�ق من خفاي�ا العقول

والقل�وب، ولكن العناد ال يستس�لم للح�ق أبدا فاألمر عند املعان�د ليس قائام

ع�ىل وج�ود خف�اء أو إش�كال يف القضية، إنام يق�وم عنده ع�ىل رغائب النفس

وش�هواهتا وأنانيتها فلذلك كانت نتيجة هذا احلوار عندهم أن: ﴿ ۆ ۈ ۈ

ٴۇ ۋ ۋ ۅ ﴾)�(، وه�ي حج�ة كل طاغي�ة يعجز ع�ن مواجهة احلق

الواضح البن.

ولكي ال تنطيل احليلة عىل اجلهلة فيتومهوا أن آهلة اإلفك انتقمت من نبي اهلل

إبراهي�م علي�ه الصاة والس�ام عن طريق إحراق�ه بالنار عىل أي�دي عابدهيا،

)�( سورة الصافات: اآلية 97 .

Page 65: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

نتيج�ة فكان�ت علي�ه، وس�اما ب�ردا الن�ار وتع�اىل س�بحانه اهلل جع�ل

تعن�ي فنجات�ه الن�ار، هب�ذه كاي�دوه ح�ن أرادوا م�ا عك�س عمله�م

إلي�ه دعاه�م ال�ذي احل�ق وظه�ور إفكه�م وبط�ان آهلته�م عج�ز

باأللوهي�ة تع�اىل اهلل إف�راد أي والس�ام الص�اة علي�ه في�ه وحاوره�م

﴿ ۉ ۉ ې ې ې﴾)�(.

وه�ذا احلوار ذك�ر يف موضع آخر أكث�ر تفصيا، وفي�ه يشء من اختاف

األلفاظ، ولكل مقام مقال .

أولو جئتكم بأهدى:

ڌ ڎ ڎ ڈ ڈژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک ﴿

گ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ھ ہ ہ ہ ہ ۀ ۀ ڻ ڻ ڻ ڻ ں ں ھ ھ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭۇ ۇ ۆۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ېې ې ې ېئ ېئ ۈئ ۈئ ۆئ ۆئ ۇئ ۇئ وئ وئ ەئ ەئ ائائ ى ى ېئ ىئ ىئ ىئ ی ی ی ی جئ حئ مئ ىئ يئ ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ جب ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ

)�( سورة الصافات: اآلية 98 .

Page 66: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

چ چ چ ڃچ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦڦ ڦ ڇ ڇ ﴾)�(.

تفسري البغوي ��65- تفسري أيب السعود �2/8

يدور احلوار يف هذه اآليات مع املخالفن املرشكن حول القضية األوىل يف الدعوة لدين اإلسام، وهي قضية التوحيد - وإن دخلت معها بعض القضايا األخ�رى - املس�اعدة عىل بلوغ الغاية م�ن هذا احلوار ، بل يرى اإلنس�ان عند التأم�ل أن الس�ورة كلها متيض يف هذا االجتاه ، مما جيع�ل اجتزاء هذا احلوار من بقية الس�ورة صعبا ، ويفرض عىل دارس احلوار أن يش�ري إىل عاقة بقية أجزاء

السورة هبذا احلوار والسيام األجزاء التي تتحدث عن التوحيد مبارشة .

وبداية الس�ورة تأيت كاملقدمة لكل ما يذكر فيها فيذكرهم بأن هذا الكتاب - لك�امل عظمته - جدير أن يقس�م اهلل ب�ه وأنه كتاب مب�ن خياطبهم بوضوح

كام�ل وق�د جعله اهلل عربيا بلس�اهنم ليتمكن�وا من فهم�ه وتعقله ﴿ ڌ ڎ ﴾)2(، ويذكره�م س�بحانه وتع�اىل بمكان�ة ڎ ڈ ڈ ژ ه�ذا الكت�اب عن�ده : ﴿ ڑ ڑ ک ک ک ک گ ﴾)�(، ث�م يطرح عليهم س�ؤال اس�تنكاري عام إذا كانوا بإرسافه�م جديرين أال يذكروا : ﴿ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ﴾)�(، ويعقب

)�( سورة الزخرف: اآليات 25-�5 .)2( سورة الزخرف: اآلية � .)�( سورة الزخرف: اآلية � .)�( سورة الزخرف: اآلية 5 .

Page 67: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

ذلك بيان أهنم كاألمم الكثرية التي سبقتهم بتكذيب األنبياء فأهلكها اهلل تعاىل مع أهنا أشد منهم بطشا .

بعد هذه املقدمة يتناول األساس احلق لقضية التوحيد وأنه أساس يقرون ب�ه، فينبغي أن يكونوا موحدين بناء عىل ذلك األس�اس: ﴿ ڭ ۇ ۇ ۆ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ﴾)�(، أي الغالب يف إنفاذ ما يريد ، وهو عامل بأدق التفصيات التي حيتاجها خلق الس�امء واألرض ، ثم يعرض صورا من خلق السموات واألرض تتجىل فيها القدرة العظيمة والعزة الرفيع�ة والعل�م الواس�ع وجيعل ذل�ك تابعا لصفت�ي العزة والعل�م ، كأنام هو

- لق�وة دالل�ة ما قبله عليه - جزء تابع ملا قبله، وكأن�ه - لقوة اقتضاء إقرارهم ل�ه - جيري مع كامهم يف نس�ق واحد كأنه تتمة ل�ه : ﴿ ۈ ٴۇ ۋ ائ ى ى ې ې ې ې ۉ ۉ ۅ ۅ ۋ ٿ ٿ ٿ ٹ ائ... ﴾ )2( إىل أن يق�ول س�بحانه وتع�اىل: ﴿ ڄ ڄ ڦ ڦ ڦ ڦ ڤ ڤ ڤ ڤ ٹ ٹ ٹ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ

ڍ ﴾)�(.

فه�ذه النع�م تتطلب الش�كر وتدعو إليه م�ن يتمتع هبا ويس�تفيد منها، وأول الش�كر ه�و تنزي�ه صانعها س�بحانه وتعاىل عن أن يك�ون له رشيك :

)�( سورة الزخرف: اآلية 9 .)2( سورة الزخرف: اآليتان 9، �0 .

)�( سورة الزخرف: اآليات �2-�� .

Page 68: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

﴿ ڃ ڃ ڃ ڃ چ ﴾ والتس�بيح هو التنزيه ، السيام أهنم يقرون بأنه هو خالق ذلك كله ، ثم يبدأ احلوار ويدور حول ما يقولون وما يعملون

يف شأن التوحيد.

﴿ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈژ ژ ڑ ڑ ک ﴾ ، يب�دأ احلوار بذك�ر معن�ى من مع�اين الرشك التي ج�اءت يف معتقداهت�م : ﴿ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈژ ﴾ وقب�ل التعلي�ق ع�ىل هذه الكلم�ة ياحظ أن الصياغ�ة القرآنية أظه�رت فس�اد هذه الفكرة وتناقضه�ا وغباءها، فالعبد املخل�وق ال يمكن أن يك�ون جزءا من الرب اخلالق س�بحانه وتع�اىل، ألن حقيق�ة العبودية وحقيقة الربوبية نقيضان، والنقيضان ال جيتمعان كام يقول أهل العلوم العقلية ، وذلك أم�ر بدهي، ولذلك نجد اآلية ال تناقش وال ترد عىل فكرهتم هذه، بل تصفهم

من أجلها باجلحود البالغ فتقول : ﴿ ژ ڑ ڑ ک ﴾ .

وكل م�ا ج�اء بع�د هذه اآلي�ة من رشكه�م وأقواهل�م فيه ال تناقش�ه اآلية بيشء من األدلة إال ببيان خمالفته - ال للعقل الس�ليم وحده - بل ببيان خمالفته ألعرافهم وما هم عليه من أفكار وآراء -، وهذا املنهج هو أحكم ما يكون من

احلوار إلقامة حجج احلق وبيان فساد الباطل .

وح�ن تن�اول الق�رآن زعمه�م أن املائكة بن�ات اهلل س�بحانه وتعاىل عام يرشكون ق�ال : ﴿ ک ک گ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ۀ ۀ ڻ ڻ ڻ ڻ ں ں ڱ ڱ ڱ ڱ

ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ﴾.

Page 69: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

وه�ذا كل�ه حج�ج عليه�م م�ن واقعهم إذ ه�م حيب�ون البن�ن ويكرهون

البن�ات، فلو كان هلم يد يف اختيار األوالد ما اختاروا إال البنن ، فكيف يرىض

- واالختي�ار بي�ده - أن يتخذ البنات ويفضلهم بالبنن ، جل س�بحانه وتعاىل

ع�ن اخت�اذ هؤالء أو هؤالء، هذا مع أن حاهلم يف تفضيل البنن عىل البنات ويف

ك�ره البنات بلغت الغاية القصوى حيث إن أحدهم حن يبرش ببنت ولدت له

يسود وجهه خجا، ويمتلئ قلبه حزنا يكتمه وال يكاد يطيقه .

وذكر القرآن هنا تعبريا أنس�ب هلذا الس�ياق مما ذكر هناك إذ مل يقل » وإذا

ب�رش أحده�م ببنت ظل وجهه مس�ودا «، ب�ل ق�ال: ﴿ ڳ ڳ ڱ ڱ

ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ﴾، وذل�ك إلظه�ار ش�ناعة هذا القول ال�ذي يص�ف الرمحن الذي وس�عتهم رمحته ب�ام ال يرىض أحدهم لنفس�ه، وما

يستاء منه أشد االستياء .

ثم يكش�ف هلم س�بحانه وتعاىل يف هذا احلوار ع�ن تناقضهم مع أعرافهم لون األبناء لقوهتم عىل احل�رب هجوما ودفاعا، م�ن وجه آخر وهو أهن�م يفضولقدرهتم عىل اإلفصاح والبيان عند اخلصومات ، والنساء بخاف ذلك ألهنن س يف احل�روب وحوارات املخاصمة، ومع ينش�أن يف احليل والزينة ال يف التمرذلك هم يرضون هلل الذي بيده االختيار كله أن يتخذ لنفسه البنات وخيتار هلم البن�ن ، وكل ذلك مناقضة ظاه�رة ألعرافهم فضا عن أن أصل القضية مبني عىل فس�اد ، فاإلله احلق ال يلد، وال يكون له جزء أصا ال من اإلناث وال من

الذكور ، فالذي يتجزأ سوف يبيد كله يف آخر األمر .

Page 70: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�0

ثم حياورهم س�بحانه وتعاىل يف مصدر ه�ذه األقوال الذي اعتمدوا عليه يف التمس�ك هب�ا والس�يام يف عبادهتا، فيكش�ف من كل الوجوه ع�ن أهنا أقوال

ليس هلا مستند معقول ، فيقول سبحانه وتعاىل : ﴿ ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭۇ ۇ ۆۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ېې ې ې ى ى ائائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ی ی ی ی ىئ ىئ ىئ ېئ ېئ ېئ ۈئ ۈئ ۆئ جئ حئ مئ ىئ يئ جب ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ

ڃچ چ چ چ ڇ ڇ ﴾ .

ويف الفق�رة األوىل م�ن ه�ذا احلوار حول زعمه�م أن املائك�ة الذين هم

عباد الرمحن إناث يس�أهلم س�بحانه وتعاىل عىل طريقة االس�تفهام اإلنكاري :

﴿ ۇ ۆۆ ﴾ ؟ وطبيعي أهنم ال يمكن أن يدعوا ذلك إذ برهان احلس

املش�رتك بن الناس يكذهبم لو ادعوا ، فإذا مل يش�هدوا خلقهم فشهادهتم باطلة

كاذب�ة، وه�ذا من أوض�ح الربهان ولذلك يعق�ب عليه بقوله س�بحانه وتعاىل

بذكر احلساب والعقاب فيقول : ﴿ ۈ ۈ ٴۇ ﴾ فالسؤال يف

هذا السياق إنام يراد للحساب الذي يعقبه العقاب .

ثم يذكر س�بحانه وتعاىل افرتاءهم عليه يف زعمهم أهنم ما عبدوا املائكة

إال ألن اهلل ش�اء ذل�ك ، فيب�ن س�بحانه وتعاىل أهنم يقولون ذل�ك با علم فا

Page 71: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�1

قيم�ة يف احل�وار لزع�م ال يقوم عىل العل�م : ﴿ ەئ ەئ وئ وئ ﴾ أي يرمون

ال�كام بالتوه�م، رمي�ا ال تفكر في�ه وال تدبر، وبعد تكذبيهم يس�أهلم س�ؤاال

يكش�ف جواب�ه عن حقيق�ة مس�تندهم يف هذه الدعوة، وهو س�ؤال اس�تنكار

ېئ﴾؟ ېئ ېئ ۈئ ۈئ ۆئ ۆئ ۇئ ﴿ واض�ح: ه�و ك�ام

أم�ا الكت�اب املزع�وم - لو ادعوه - فه�و غري موجود ، فكيف يص�ح بناء هذه

الدع�وى علي�ه وهي دع�وى - لو وج�دت - فمصدرها كت�ب اهلل تعاىل دون

س�واها ، وإذا كان الكتاب ال وجود له فاالستمس�اك به يف هذه الدعوى وهم

وخيال ال حقيقة له ، فام هو مس�تندهم؟ ﴿ ىئ ىئ ی ی ی ی جئ

حئ مئ ىئ يئ ﴾ ، هكذا قالوا، وهل يكون حقا كل ما ورثه اإلنسان عن آبائه؟ ال شك أنه قد يكون حقا ، وقد يكون باطا ، وقد يكون خليطا من

ه�ذا وذاك ، فا يمك�ن االحتجاج به إال كام يصح بقوهل�م : » ربام كان حقا «،

وه�ي كلمة ال تغني من احلق ش�يئا ؛ وهذا االحتجاج الومه�ي هو متكأ الذين

ي�رصون ع�ىل الباطل وال يري�دون تركه، وهو س�نتهم مع رس�ل اهلل تعاىل منذ

القدم ، كام ذكر هنا ربنا سبحانه ، ولكن قدم الباطل ال جيعله حقا وال يقلل من

رت مناقش�ة املتأخرين من أصحاب هذا الضال الذي يتولد منه ؛ ولذلك أخ

القول إىل ما بعد ذكر أسافهم السابقن ليكون النقض موجها إىل الفكرة عند

القدماء واملحدثن معا، فأخرب سبحانه عن قول األنبياء هلم وكأهنا قولة إنسان

واح�د : ﴿ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦڦ ﴾ فاملنص�ف يقول :

» ال ب�ل إذا جئتن�ي بام هو أهدى اتبعت�ه «، أما هؤالء فقد ﴿ ڦ ڄ ڄ ڄ

ڄ ڃ ﴾ وه�و كام يكش�ف إرصارهم عىل الباط�ل وعىل رفض احلق ولو

Page 72: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�2

كان مما أرس�له اهلل الذي أقروا منذ بداية احلوار أنه خالق السموات واألرض ،

فصيغة السؤال وجواهبم عليه أبرزهتم يف صورة المقر عىل نفسه بجحود احلق

بعدما تبن، وهو ما جيعلهم جديرين بأش�د ما يمكن من العقاب، فيكون ذكر

العقاب معطوفا عليه بفاء الرتتيب، كاحلجة عىل استحقاقهم له، فقال سبحانه:

﴿ ڃ ڃچ چ چ چ ڇ ڇ ﴾ .

وال ينته�ي احل�وار حول قضية التوحيد يف هذه الس�ورة عند هذا احلد بل

جي�د املتأمل فيها أن كل قضية هل�ا عىل صلة هبذه القضية وعىل صلة هبذا احلوار

وتقويت�ه ، ولذل�ك جاء بعد هذا احلوار كام أيب األنبي�اء إبراهيم عليه الصاة

والس�ام وه�و األب املبجل عندهم يف ال�رباءة من اآلهل�ة املزعومة إال من اهلل

تع�اىل، وه�ذا يدعم قضي�ة التوحيد الت�ي دار حوهلا احلوار الس�ابق دع�ام قويا

السيام عند قوم يقدسون أقوال اآلباء ، وكأن هذا نقض ملا يدعونه من االهتداء

بام كان عليه اآلباء، وإنام هو اتباع ما هيوون من أقوال اآلباء ومذهبهم .

ويأيت بعد ذلك حديث طويل عن ش�ؤون الرس�ل مع أقوامهم ويكون يف

ختام�ه م�ا هو كالتتمة ملا ذكر عن أيب األنبياء إبراهيم عليه الصاة والس�ام يف

نف�ي وج�ود آهلة أخرى غ�ري اهلل تعاىل يبن أن هذا املعنى لي�س عند أيب األنبياء

وح�ده وإن�ام هو عن�د كل األنبي�اء عليه�م الصاة والس�ام، فيقول س�بحانه

لنبي�ه س�يدنا حمم�د علي�ه الص�اة والس�ام : ﴿ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ

ې ې ې ې ى ى ائ ﴾)�( ؟ وس�ؤال الرس�ل - وه�م

)�( سورة الزخرف: اآلية �5 .

Page 73: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�3

يف غ�ري الع�امل الدني�وي معن�اه النظر يف كتبه�م التي مل حترف ومل تب�دل ، وكلها

تشهد بتوحيد اهلل تعاىل، فسؤاهلا ما هو إال تأكيد وتوثيق للتوحيد الذي جاء به

األنبياء أمجعون عليهم الصاة والس�ام، وبعد ذلك تأيت قصة فرعون وقومه،

وكيف عوقبوا حن كذبوا رسل اهلل تعاىل ، ودعوة سيدنا موسى وأخيه هارون

عليهام الس�ام لفرعون وقومه إنام تقوم عىل أس�اس التوحيد، فهؤالء الفراعنة

أهلك�وا إلعراضهم عن دعوة التوحيد ، وهذا تدعيم آخر لقضية احلوار الذي

سبق تفصيله .

ثم ختص الس�ورة عيسى عليه السام بيشء من التفصيل للعاقة اخلاصة

املعروف�ة ل�ه بالتوحيد ، وينتهي حديثه عليه الس�ام بقول�ه : ﴿ ڃ چ چ چ

چ ڇڇ ڇ ڇ ڍ ﴾)�(، وذلك ينفي مزاعم قومه يف ألوهيته، وأبط�ل الباط�ل دع�وى يكذهبا ال�ذي يزعم الناس أهن�ا له، فيق�ر هلل بالعبودية

اخلالص�ة . وخيتم الكام ببيان مص�ري املختلفن فيه ومصري أهل الكفر والعناد

عموما ومصري أهل اإليامن .

وتع�ود الس�ورة يف ختامها إىل قضي�ة التوحيد فيقول اهلل تعاىل لرس�وله

�: ﴿ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ ﴾)2(، وه�و هن�ج م�ن احل�وار

عجي�ب يصل مع هؤالء املرشكن إىل أبعد درجات االفرتاض كام تدل كلمة

» لو « وهي تس�تعمل عن�د االفرتاض البعيد جدا أو املس�تحيل ، كأنام يقول

)�( سورة الزخرف: اآلية �6 .

)2( سورة الزخرف: اآلية �8 .

Page 74: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�4

لو اس�تطعتم أن تثبتوا أن للرمحن س�بحانه ولدا - وهو مستحيل - فأنا رغم

ذلك أكون أول من يعبده .

وال يفهم من اآلية أهنا توهم إمكان وجود هذا الولد كام ظن بعض العلامء فاضط�روا إىل تأوي�ل اآلية بعدة وجوه ال داعي إليه�ا ، وذلك يظهر من وضع اآلي�ة يف س�ياقها ال�ذي يدفع هذا التوه�م ويقتلعه من جذوره ، إذ إن الس�ورة ذكرت هذه العبارة يف سياق كله براهن عىل توحيد اهلل تعاىل ، وكله وصايا من األنبي�اء الكب�ار بالتوحيد، وفيه كثري من التهديد ملن ت�رك التوحيد وإخبار عن مصري املرشكن يف الدنيا واآلخرة ، وذلك حيتم أن يكون املقصود هبذه العبارة ين. السخرية من عقوهلم املتخبطة يف قضية التوحيد وهي من أخطر قضايا الد

وذل�ك نظري قول اإلنس�ان مل�ن يدعي أن ل�ه عنده ماال أودع�ه وقت كذا وكذا يف زمن كذا وكذا، فيقوم املدعى عليه بإثبات براءة ذمته بوجوه كثرية من شهود وصكوك وعدم لقاء بينهام يف هذا املكان وهذا الوقت ثم يقول : إن كان

لك عندي مال فأنا أعطيك إياه .

ويكون ختام احلديث عن التوحيد - وختام السورة - : ﴿ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئېئ ېئ ېئ ﴾)�( خت�ام باإلقرار هلل س�بحانه بالوحدانية ال إل�ه إال ه�و ، وذلك ينق�ض كل ما زعموه م�ن وجه اإلرشاك ب�اهلل تعاىل إذ ال يصح يف عقل سليم أن يكون إهلا إال اخلالق، وقد أقروا أن اهلل تعاىل هو اخلالق،

فكل زعم ينايف هذه احلقيقة منقوض .

)�( سورة الزخرف: اآلية 87 .

Page 75: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

واحل�وار يف النص - الذي اختري هنا من الس�ورة للبحث فيه - هو حوار يقوم عىل أساس املسلامت التي يعتقدوهنا فيبن هلم أن ما هم عليه من الرشك باهلل ومظاهره خمالف هلذه المس�لمات ، وهذا املنهج يزيد احلوار قوة ويزيد موقف اخلصم ضعفا، ويكش�ف لكل س�امع بطان ما يدعيه ال بمنطق العقل السليم وحده، بل بمنطق عاداهتم وتقاليدهم وأفكارهم التي تقوم عليها حياهتم حتى ما كان منها ومها با أس�اس كبغض اإلناث إىل درجة أهنم خيجلون من جميئها

يف ذريتهم فتسود من ذلك وجوههم ويمأل األسف قلوهبم .

* * *

Page 76: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

فبهت الذي كفر :

چ ڃ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦ ڦ ڦ ڤ ﴿چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گگ گ ڳ ڳ ڳ

ڳ﴾)�( .

تفسري البغوي �60 - تفسري أيب السعود �/�25

تبدأ اآلية قبل ذكر ما جرى يف احلوار من سؤال وجواب بذكر سبب هذا احل�وار، فه�ذا املحاور حياج إبراهيم عليه الس�ام ، وموض�وع احلوار هو رب إبراهي�م علي�ه الصاة والس�ام : ملاذا اخت�ذه ربا ورفض دع�وى الربوبية التي يزعمه�ا ه�ذا امللك الذي يرى يف نفس�ه أهلية منازعة اهلل ع�ز وجل يف الربوبية بس�بب ما بلغ من عظمة امللك ، ويعدل عن أنه برش كس�ائر البرش ال يمكن أن

يكون إهلا، وأن امللك الذي بيده هو عطية من اهلل تعاىل ؟

وتب�دأ اآلية هبذه العب�ارة ﴿ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ﴾، وهي عبارة تستعمل يف التعجيب مما يذكر بعدها ، ويف القرآن

يتك�رر ه�ذا األس�لوب ، كقول�ه س�بحانه : ﴿ ڑ ک ک ک ک گ گ ﴾ )2(، والتعجيب ال يلزم أن يكون معه إنكار واستقباح بل ربام كان معه

تعظيم كقوله تعاىل : ﴿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ﴾)�(.

)�( سورة البقرة: اآلية 258 .)2( سورة الفيل: اآلية � .

)�( سورة الفرقان: اآلية �5 .

Page 77: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

إنام يأيت معنى اإلنكار أو غريه مما يذكر بعدها كام يف اآلية السابقة ﴿ ڤ ڦ

ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ﴾ فالعج�ب هن�ا مصحوب باإلنكار واالس�تقباح، ألن الدافع إىل احلجاج ليس التفهم وال وقوع الش�بهة،

وإن�ام ه�و كونه مل�كا ، ولكن اآلي�ة مل تقل إنه ح�اج إبراهيم يف رب�ه ألنه ملك

وإن�ام قال�ت : ﴿ ڄ ڃ ڃ ڃ ﴾، وبن العبارتن ف�رق كبري، فالعبارة

األوىل » ألنه ملك « تنبئ عن اغرتاره بامللك ، أما األخرى التي جاءت يف اآلية

فإهن�ا تنبئ عام يف نفس�ه من جحود، فبدال من أن يش�كر اهلل تع�اىل عىل ما آتاه،

تراه ينازع اهلل تعاىل حق الربوبية بس�بب هذا العطاء الذي أنعم به عليه ، وهذا

مقدار من الغرور يبلغ به ذروة الطغيان ، ومل يذكره ربنا سبحانه باسمه تصغريا

لشأنه، وتنزها عن ذكره، ومعاملة له بضد دعواه ، واكتفى بمناقشة دعواه .

وق�د تلق�اه س�يدنا إبراهيم علي�ه الصاة والس�ام بأظه�ر آث�ار الربوبية

املش�هودة لكل الناس، وهي القدرة عىل اإلحياء واإلماتة، فهي أمر ال يستطيع

أحد أن يدعيه لنفسه وينازع اهلل تعاىل فيه ، وإذا هذا الطاغية يعمد إىل ادعاء هذه

الصفة لنفس�ه بصورة تشوه معنى اإلحياء واإلماتة : ﴿ چ چ چ چ

ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍڌ ﴾ ويوضح الطاغية ذلك الزعم - كام جاء يف الرواي�ات - بأنه يعفو عم�ن حكم عليه بالقتل وهذا إحياء ، ويقتل آخر وهذه

هي اإلماتة ، وهذا يعني أنه غري غافل عن عجزه بس�يطرة الغرور عليه، بل هو

يع�رف عجزه عن اإلحياء احلقيقي ويش�عر به، فلذلك يلج�أ إىل هذه املغالطة،

وه�ذا م�ا دعا أبا األنبياء عليه الصاة والس�ام إىل تغيري جم�رى احلوار، فيرتك

Page 78: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

املحاجة بصفتي اإلحياء واإلماتة - دفعا للمراوغة - فلم يقل هذا ليس إحياء

وال إماتة يف احلقيقة ، بل يرتك ذلك ويلجأ إىل ذكر صفة القدرة العظمى التي ال

تقبل التزوير وال املنافسة : ﴿ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ

ک ک ک ﴾، وه�و أمر ال يقبل االدع�اء وال املراوغة واملداورة ، فكانت النتيجة هي ما ذكره اهلل تعاىل بقوله : ﴿ ک گ گگ ﴾ أي انقطعت حجته

وظه�ر بطاهنا فدهش وحتري لظهور عجزه وهو ينايف ادعاء الربوبية ، وأمهلت

اآلية ذكره باس�مه مرة ثانية تأكيدا لتصغري ش�أنه، ومعامل�ة له بضد قصده من

دع�وى الربوبية، وذكرت�ه اآلية هنا بصفة جديدة غري الس�ابقة، وهي هنا صفة

الكف�ر، أي جح�ود احلق الذي جاء به س�يدنا إبراهيم عليه الصاة والس�ام،

وس�بب اختاف الصفة أنه يف املرة الثانية قد ظهر جحوده فوصفه بالكفر وقد

قام عليه الربهان ، واكتفى يف املرة األوىل بصفة املحاجة ألهنا كانت قبل ذلك،

ويف ذك�ره هن�ا بصفة الكفر ترصيح وتأكيد ملا فهم م�ن احلوار من إرصاره عىل

دع�واه زورا ، ول�ذا جاء م�ا بعد ذلك مؤك�دا له من طريق أخ�رى، وهي بيان

أن اهلل تع�اىل منعه من اهلدى بس�بب ظلمه يف دع�وى الربوبية وظلمه يف منهج

احل�وار ، وقد منعه اهلدى وفق س�نة إهلية يعامل اهلل هب�ا كل الظلمة، وبن ذلك

بقوله سبحانه : ﴿ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ﴾ .

ويف اآلي�ة إجي�از عن�د قوله تعاىل حكاية عن س�يدنا إبراهي�م عليه الصاة

والس�ام ألن الب�دء بقول�ه : ﴿ چ چ ڇ ڇ ﴾ في�ه إش�عار ب�أن

الس�ؤال كان ع�ن رب�ه أي تعيينه من بن م�ا يتخذه الناس إهل�ا فحق الكام أن

Page 79: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

جييب بقوله: » ريب اهلل «، ولكنه عرف أن الس�ؤال عن ربه مراد منه أن يقول له

ف باهلل ذاتا وصفة، واختار من الصفات الطاغي�ة ولم اختذته إهلا فأجابه بام يعر

م�ا يوج�ب أن يتخذه إهلا ألجل�ه ، تقليا للكام وإرساع�ا إىل الغاية منه ، ويف

اآلية إجياز آخر س�بقت اإلش�ارة إليه، وذلك عند قوله س�بحانه يف حكاية قول

س�يدنا إبراهي�م عليه الس�ام ﴿ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک

ک ﴾، فه�ذه الف�اء يف قول�ه : ﴿ ڎ ڈ ڈ ... ﴾ اآلي�ة تس�مى الفاء الفصيحة، ألهنا تفصح عن رشط مقدر تقديره : » فإن قلت ذلك، أي راوغت

يف قبول احلق بالتأويل الباطل، فإن اهلل يأيت بالشمس من املرشق، فائت هبا من

املغ�رب «، ويف ه�ذا املوضع إجياز آخر هو أنه - كام ذكرنا س�ابقا - مل يرد عليه

يف ادعائ�ه الق�درة عىل اإلحياء واإلماتة، بل ترك ذل�ك وانتقل به إىل دليل آخر

ال يمكن فيه االدعاء .

واإلجياز يف احلوار القرآين منهج كثري الورود ال خيرج القرآن عنه إال هلدف

يع�ن عىل بلوغ احلجة املرادة منها ، إذ اهلدف األس�ايس من احلوار هو كش�ف

الشبهة وقيام احلجة بأيرس الكام .

* * *

Page 80: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�0

ما يكون يل أن أقول ما ليس يل بحق:

﴿ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ

ڈ ڈ ژژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ڳڳ ڳ ڳ ڱ

ڱ ڱڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہہ ہ ہ ھ ھ ھ

ۋ ٴۇ ۈ ۈ ۆۆ ۇ ۇ ڭ ڭ ڭ ڭ ۓ ۓ ے ے ھ

ۋ ۅۅ ۉ ۉ ې ې ې ېى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ

ىئ ىئ ی ی ی ی ۇئ ۇئ ۆئۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ

مت حتخت جت يب ىب مب خب حب جب يئ مئىئ حئ جئ

مس حسخس جس مخ حخ جخ مح جح مج حج يث مثىث جث يت ىت

حص مص جض حض ﴾)�(.

تفسري البغوي �09 - تفسري أيب السعود �/�00

من حوار القرآن مع املخالفن ما يمكن أن يدخل يف أسلوب التعريض،

إذ جيري احلوار مع غريهم ممن له عاقة قوية بموضوع احلوار ويكون لكامه

فيه أثر كبري يف نقض ما يدعيه املخالفون ، وذلك كاحلوار مع س�يدنا عيس�ى

عليه الس�ام يف آخر س�ورة املائدة ، حيث يس�أله ربه وجييب جواب العبدية

الكاملة املباينة لكل مظاهر الربوبية كام يظهر من كل جزئية يف احلوار، وذلك

ينقض كل ما يدعيه الذين زعموه إهلا وعبدوه وأمه من دون اهلل تعاىل ، وكأنه

)�( سورة املائدة: اآليات �20-��6 .

Page 81: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�1

يقال هلم : اس�معوا نقض ما تدعون عىل لس�ان الذين تزعمون له بالباطل ما

تزعمون .

يبدأ احلوار يف مشهد املحكمة اإلهلية يسائل اهلل فيها عبده ورسوله عيسى

عليه الس�ام ويقف س�يدنا عيس�ى عليه الس�ام موقف املحاكم املسؤول فإذا

كمل�ت املس�اءلة وجاء اجلواب مظه�را للحقيقة أصدر اهلل ع�ز وجل حكمه ،

وكل يشء يف احل�وار ناط�ق باملفارقة بن العبد وال�رب ﴿ چ چ ڇ ڇ

ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ﴾؟ وم�ن البداي�ة

يب�دأ الس�ؤال بأن اهلل تعاىل ه�و قائله ، وكان حق الكام - وه�و إخبار من اهلل

تعاىل - أن يقول س�بحانه : » قلت يا عيس�ى «، ولكنه رصح باالس�م األخص

له س�بحانه وهو مش�تق من صفة اإلهلي�ة : ﴿ چ ڇ﴾ لتكون املفارقة أوضح

وأقوى ، كام جاء خطابه س�بحانه لس�يدنا عيس�ى عليه الس�ام مع صفة البنوة

ملري�م عليه�ا الس�ام : ﴿ ڇ ڇ ڇ ﴾ وه�ي صف�ة برشي�ة للمخل�وق

ال يوصف هبا اإلله سبحانه .

ثم يطرح عليه السؤال : ﴿ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ

ژ ﴾ ؟

فيكون جواب س�يدنا عيسى عليه الس�ام ، التربؤ مما زعم له املرشكون ،

والتقديس املطلق هلل تعاىل، وأول كلمة فيه ﴿ ڑ﴾ أي أنت منزه عن أن

يكون لك رشيك ، يتلوها الترصيح بعدم صحة ما زعموا له، وأنه ال يمكن أن

يقوله ألنه ليس من حقه : ﴿ ک ک ک ک گ گ گ گ ڳڳ ﴾، وهذا أقوى

Page 82: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�2

من أن يقول: » ما قلت ذلك «، ألن هذا جمرد خرب، أما ما جاء يف اآلية فهو خرب

بالنفي معه برهان، وهو أن هذا القول ليس من حقه ، ثم يش�هد س�يدنا عيسى

عليه السام ربه عىل أنه مل يقل من ذلك شيئا : ﴿ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱڱ ﴾،

ثم يتبع ذلك بعبارة هي برهان عىل علم اهلل بكل ما يف نفسه ، وعىل علم اهلل بأنه

مل يقل شيئا مما زعموا له ، وهي يف نفس الوقت وصف واضح للمفارقة الكبرية

بن صفة الرب وصفة العبد ﴿ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہہ ﴾، ومن

كان كذلك كان عاملا بكل يشء صغر أو كرب ، ولذلك جاء بعده قوله سبحانه :

﴿ ہ ہ ھ ھ ﴾ عىل لسان سيدنا عيسى عليه السام، وكله تأكيد عىل

إثبات علم الغيب هلل س�بحانه، وعىل وجه التخصيص واحلرص تتصدر اجلملة

كلمة : » إن « ويأيت اخلرب بصيغة املبالغة » عام « بدال من » عامل «، وجيمع لفظ

الغي�ب في�أيت بدال عنه لف�ظ » الغيوب « واإلضافة إىل املع�رف باأللف والام

تفي�د العم�وم، ويأيت بن اس�م إن وخربه�ا ضمري الفصل: » أن�ت « ليدل عىل

حرص هذه الصفة فيه سبحانه وتعاىل ، وكل ذلك يقوي تربؤ سيدنا عيسى عليه

الس�ام م�ن قول ما زعم املبطل�ون : أنه قال هل�م : ﴿ ڌ ڎ ڎ ڈ

ڈ ژژ ﴾ ليكون نقضا ملزاعمهم عىل لسان من زعموها له عليه السام.

وبع�د س�وق الرباه�ن ع�ىل براءته عليه الس�ام مما نس�بوه إليه ي�أيت نفي

الق�ول عن نفس�ه لكن ال بطريق مب�ارش خاص بل بطريق الش�مول بنفي قوله

أي زيادة عىل ما أمره اهلل عز وجل به : ﴿ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ﴾، وهو

أق�وى يف الدالل�ة عىل الرباءة، ثم يفرس ما قاله هلم مم�ا أمر به : ﴿ ڭ ڭ ۇ

Page 83: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�3

ۇ ۆۆ﴾ بتفصي�ل ال بإمج�ال مثل أن يقول : ) اعب�دوا اهلل ربنا ( بل يقول :

﴿ ۇ ۆۆ﴾ ويق�دم كلم�ة » ريب « ألن�ه أوض�ح وأت�م يف بي�ان عبديت�ه هلل

تع�اىل هذه الصف�ة التي خالفه�ا املرشكون فج�اء قوله ردا ع�ىل مزاعم أولئك

الناس، ثم يعود عليه الس�ام إىل تأكيد عبديته - كام أكدها فيام س�بق - فيقول:

﴿ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅۅ ﴾ فأنا لس�ت - كام يزعمون - إهلا ، إذ اإلله

ال خيف�ى علي�ه يشء وال يغيب عنه يشء ، وأنا ال أعلم ما قالوا وفعلوا يف غيايب

إال أن تعلمن�ي أن�ت ، ث�م يذكر عليه الس�ام أرصح وصف ل�ه وللمخلوقن

مم�ا ين�ايف اإلهلي�ة : ﴿ ۉ ۉ ې ې ې ېى ﴾ أي م�ع تف�رد اهلل

تعاىل بعلم أحواهلم بعد وفاته ، ألن ضمري الفصل كان بن اس�م كان وخربها

يفيد احلرص الس�يام إذا كان اخلرب معرفا باأللف والام، ثم جاء قوله سبحانه :

﴿ ى ائ ائ ەئ ەئ ﴾ مؤكدا لكونه الرقيب عليهم فهو املشاهد احلارض

الذي ال يغيب عنه يشء من خملوقاته يف أي حال .

وملا كان معلوما أن اهلل تعاىل يعذب من أرشك به رصح سيدنا عيسى عليه

الس�ام - ك�ام ه�و مقتىض العبدية - أن�ه ال يملك أن يتدخل يف ش�أن العقاب

ال يف وقوعه وال يف دفعه : ﴿ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ﴾ وليس ألحد أن يعرتض

عىل ما يفعل الرب بعبده ، ﴿ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ﴾ أي فليس

ألحد أن يعرتض عليك وال أن يش�ك يف حكمتك إذا غفرت هلم . وقد جرت

ع�ادة الق�رآن احلكيم عىل ذكر صفة الرمحة واملغفرة بعد طلب املغفرة كأن يقال

) واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم (، وجاء الكام هنا بذكر العزة واحلكمة،

Page 84: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�4

وسبب ذلك - كام قال العلامء - أن املغفرة للمرشك ال تكون كام قال سبحانه:

﴿ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ہ ﴾)�(، لك�ن ال اع�رتاض ع�ىل اهلل ل�و فع�ل ألن

العزيز ال تس�تطاع معارضته ، وال بد أن يكون لذلك حكمة ؛ إذ احلكيم الذي

بلغ�ت حكمته أكم�ل الكامل - ك�ام دل تعريفه باأللف وال�ام - ال يمكن أن

يفعل إال ما هو حكمة ؛ ومن أجل هذه الفائدة جاءت اجلملة مؤكدة بتأكيدات

متعددة: اجلملة اسمية شاملة لكل األزمان ال تتقيد بواحد منها - كام يف اجلملة

الفعلية - وهي مصدرة بحرف التوكيد إن ، واخلربان كل منها بصيغة ) فعيل(

التي تدل عىل املبالغة وكامل الصفة ، ومها معرفان باأللف والام فيفيدان حرص

الصفتن فيه سبحانه عىل معنى أنه بلغت حكمته أتم الكامل فكل حكيم سواه

كأنه غري حكيم، وكل عزيز س�واه غري عزيز، ثم أكد هذا احلرص بزيادة ضمري

الفصل بن املبتدأ واخلرب ، وبذلك يتم عىل لسان عيسى عليه السام نقض كل

ما زعمه الناس له من معاين اإلهلية، ويتم دحض أقواهلم وزيف مس�تندهم يف

عبادته عليه السام ، وذلك أعظم عربة ملن يعترب .

بع�د ه�ذا جاءت ش�هادة اهلل تعاىل وقضاؤه بصدق عيس�ى عليه الس�ام

- وتصديقه تكذيب هلم - فيقول اهلل تعاىل : ﴿ ی ی جئ حئ مئىئ﴾،

وهذا أبلغ من أن يقال له مثا: هذا يوم ينفعك صدقك ؛ ألن احلكم العام لكل

م�ن كان مثله يكون كالقاعدة التي بني احلكم عليها، وجاء مع الصدق جزاؤه

- ضمن قافلة الصادقن - : ﴿ يئ جب حب خب مب ىب يب جت حتخت

)�( سورة النساء: اآلية �8 .

Page 85: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

مت ىت يت جث مثىث يث حج مج﴾ أي ال�ذي ال يداني�ه ف�وز وكأن كل فوز

سواه ال وجود له .

أخ�ريا ي�أيت اخلتام الذي ي�دل عىل أنه ال أح�د وال يشء إال وهو مملوك هلل

تعاىل، وهو عىل كل يشء قدير ؛ فا يستحق اسم اإلله غريه، وال تكون العبادة

إال ل�ه : ﴿ مح جخ حخ مخ جس حسخس مس حص مص جض حض ﴾، ف�ام أصدق�ه

وما أحكمه من ختام ! وما أجله وما أعظمه من برهان عىل وحدانية اهلل تعاىل،

يم�أل العقول الس�ليمة املنصف�ة إقناعا ، ويم�أل القلوب املتدبرة عربة وخش�ية

وتوحيدا !

* * *

Page 86: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 87: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

الفصل الثاني

مناذج من حوار القرآن مع املخالفني

يف قضية: البعث واجلزاء

Page 88: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 89: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

الفصل الثاني

مناذج من حوار القرآن مع املخالفني

يف قضية: البعث واجلزاء

من حييي العظام وهي رميم:

﴿ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ

گ ڳ ڳ ڳڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہہ ہ ہ ھ ھ ھ ﴾)�(.

يف خواتيم سورة » يس « هذا احلوار حول قضية البعث بعد املوت، وهي

ج�زء م�ن » اإلي�امن باليوم اآلخ�ر « أحد األركان الس�تة لإلي�امن ، وهي ذات

جوانب متعددة أساسها اإليامن بأن اهلل عىل كل يشء قدير، وإحياء الناس بعد

موهت�م من مجلة ذلك، فحقه أن يؤمن الناس به الس�يام املخاطبن بالقرآن أوال

وه�م الع�رب ، إذ كانوا يؤمنون ب�أن اهلل تعاىل ه�و خالقهم: ﴿ ۀ ۀ

ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ﴾ )2(، ولك�ن غل�ب ع�ىل عقوهل�م م�ا اعت�ادوه وتوارثوه فعربوا عن�ه بقوهل�م: ﴿ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ

ڄ ڄ ڃ ڃ ﴾)�(، فكان�ت هذه العقول بحاجة ماس�ة إىل أن حتركها األدلة

)�( سورة يس: اآليات 79-77 .)2( سورة الزمر: اآلية �8 .

)�( سورة اجلاثية: اآلية �2 .

Page 90: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�0

والرباهن واحدا بعد اآلخر ، وخواتيم س�ورة » يس« نموذج من ذلك حيس�ن

استعراضه وتبن هنجه .

وه�ذا احل�وار ال نجد في�ه إال احلوار املنطق�ي اخلالص، ولكن بأس�لوب

يعتمد عىل البداهية وعىل ما هو مسلامت ال تنكر عند هؤالء املخاطبن ، ولكنه

قب�ل بدء احلوار ينب�ه املنكرين للبعث إىل أهنم يقفون موق�ف الغافل عن أصله

وهو أنه خياصم من خلقه مع أنه خملوق من نطفة أي ماء قليل وهو ماء مستقذر

عنده، فيقول س�بحانه وتعاىل : ﴿ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک

ک گ ﴾ )�(، وهذه اآليات نزلت كام روى احلاكم يف املستدرك بمناسبة ق�ول قال�ه أيب بن خلف وه�ي رواية صححها وأقرها الذهب�ي �29/2 ، ويف

رواية أخرى لدى احلاكم ��8/2 أنه العاص بن وائل الس�همي ، ولكن اآلية

مل تذكر اس�مه املعروف وإنام ذكرته باسم اإلنسان ألن احلجة التي ترد عليه إنام

ت�رد علي�ه من حيث إنه إنس�ان ال من حيث إنه فان؛ إذ كل إنس�ان خملوق من

نطفة فهذه احلجة تكون عليه وعىل كل إنسان، وتظهر غفلته عن نفسه كام تظهر

ذلك لكل إنسان يتطاول إىل خماصمة خالقه مع علمه بضعف أصله وحقارته،

وبذلك حترص عىل التعجيب من هذا املوقف املشن كل السامعن وتوبخه عليه

وتس�تنكره منه كأنه لشدة غفلته أعمى ال يرى ﴿ ڈ ڈ ژ﴾، واإلنسان

ق�د خلق أطوارا ك�ام ذكر القرآن : نطف�ة فعلقة فمضغة فعظام�ا وحلام حتى تم

خلقه ونفخت فيه الروح، ثم خرج طفا ثم نام وشب وتعلم الكام واحلجاج

)�( سورة يس: اآلية 77 .

Page 91: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�1

فخاص�م ، ولكن اآلية تطوي ذكر ما بن النطف�ة وموقف اخلصومة لربه لبيان

بع�د ما ب�ن احلالن وتعارضه�ام تقبيحا هلذا املوق�ف وزجرا عنه ف�ام ينبغي أن

يك�ون، وأكدت اآلية هذا املعنى باس�تعامل فاء التعقي�ب وإذا الفجائية: ﴿ ژ

ڑ ڑ ک ک ک ک گ ﴾ فيا لقبح هذا املوقف ونكارته.

ث�م تعرض اآلي�ة اخلصومة وترد عليها بثاثة م�ن األدلة كل منها يف غاية

الظه�ور والبداه�ة فتقيم هبا احلجة عىل أعلم العلامء وأبس�ط البس�طاء لكن ال

ختاطب�ه مب�ارشة ب�ل تأم�ر النبي � ال�ذي خاصم�ه ه�ذا اإلنس�ان أن جييبه :

﴿ گ گ ڳ ڳ ڳڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ﴾ ج�اء بعظ�م

حائ�ل - أي متغ�ري من الق�دم - ففته فق�ال : يا حممد أيبعث ه�ذا بعد ما أرم؟

قال: » نعم يبعث اهلل هذا ثم يميتك ثم حيييك ثم يدخلك نار جهنم «)�(.

وقب�ل أن يأيت الس�ؤال واجلواب تنبه اآلية هذا اإلنس�ان عىل غفلته عن

الدلي�ل القائ�م يف كيان�ه فتق�ول : ﴿ گ گ ڳ ڳ ڳڳ ﴾ و ﴿ ڱ

ڱ ڱ ڱ ں ں ﴾ ؟ فردت�ه اآلي�ة إىل الدلي�ل ال�ذي غف�ل عنه : ﴿ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہہ ﴾ وهو دليل بدهي ال يقدر أحد أن جيادل

ويداور فيه؛ فالذي يصنع اليشء - إنشاء وابتداء - من غري مثال سابق ال شك

أن�ه يقدر عىل إعادته كام كان ألن اإلع�ادة - يف جمرى عادات الناس- أهون

من االبتداء، وجاءت كلمة ﴿ ۀ ہہ ﴾ تأكيدا ملعنى اإلنش�اء واالبتداء ،

وكان األص�ل أن جي�يء الربهان بعد ذكر القضية فيقال : » حيييها اهلل ألنه هو

)�( أخرجه احلاكم وصححه عىل رشط الشيخن، ووافقه الذهبي �29/2 .

Page 92: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�2

الذي أنش�أها أول مرة «، ولكن اآلية ج�اءت عىل هذا الوجه من االختصار

فجعل�ت الدليل صفة للفاعل، وحذف�ت لفظ الفاعل فصار إثبات الفعل له

س�بحانه وتعاىل ممزوج�ا بربهانه ، وذلك أبعد عن أس�لوب اجلدل وما يثريه

ول�و بصورت�ه، وأكد ذل�ك بقول�ه : ﴿ ہ ہ ھ ھ ﴾ أي ال خيفى

علي�ه كيف خيلق أي خملوق كان . ووجه إفادهتا التأكيد هو أن من علم خلق

كل يشء فعلمه بواحد منها أثبت وأظهر.

ثم ذكر الدليل الثاين باألسلوب نفسه فذكر االسم املوصول وصلته عىل أن�ه بدل أو عطف بيان عىل املوصول األول : ﴿ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ﴾ ولكن مضمون هذا الدليل خمتلف عن الس�ابق فالقدرة اإلهلية هنا تتج�ىل يف احلرق ال يف إعادة اخللق األول، إال أن الدليلن يلتقيان يف إجياد اليشء من ضده : رفات تتحول إىل جسم ذي حياة، وش�جر أخرض ينبض باحلياة يتحول إىل نار حمرقة حتوال يراه دائام الس�يام يف أنواع الشجر حيتك بعضها ببعض فتخرج النار كشجريت املرخ والعفار ، وهذا اإلنسان ال يفكر يف القدرة التي حولته حتويل النقيض إىل نقيضه، فام أحراها أن حتيي العظام وهي رميم وتعيدها كام كانت أول مرة ! وقوله سبحانه وتعاىل ﴿ ڭ ڭ ۇ ۇ ﴾ تنبيه بواس�طة أداة املفاجأة عىل رسعة التحويل ، وقدم الضمري » أنتم « ليفيد أمرين : أوهلام: التأكيد عىل أهنم يشاهدون ذلك ويعملون�ه بأيدهي�م فهم خرباء به ، والثاين : أن ذلك االس�تمتاع هبذا اإليقاد نعمة يتنعمون هبا، ويعلموهنا علم املامرس�ة، فيناس�ب ما تقدم أول اآلية من

قوله سبحانه وتعاىل ﴿ ے ے ﴾.

Page 93: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�3

ثم جاء الدليل الثالث بأسلوب خمتلف هو أسلوب االستفهام التقريري: ﴿ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉې ﴾ ، وأسلوب االس�تفهام التقري�ري يؤت�ى به ح�ن يكون األمر املس�تفهم عن�ه حمتم اجلواب باإلقرار ، والذي جعله حمتم اجلواب باإلقرار ما فيه من وضوح الداللة والربهان أوال من حيث إن خلق الس�موات واألرض أعظم من خلق اإلنس�ان فمن أقر ب�أن اهلل ق�ادر عىل خلقهام لزمه أن يقر بقدرته عىل إعادة خلق اإلنس�ان ، وثانيا م�ا تق�دم من الرباهن، وهو أن اإلعادة أقرب إمكان�ا من البدء ، وأن من خلق

اليشء من ضده ال يعجزه خلق يشء عىل اإلطاق .

وألن ه�ذا كله يوجب اإلقرار رصح الق�رآن الكريم هنا باجلواب بقوله : ﴿ ې ې ې ى﴾، ث�م رصح س�بحانه وتع�اىل بكيفية خلقه األش�ياء

كله�ا م�ا صغ�ر منها وما كرب، م�ا دق وما ج�ل، رصح بأن اجلميع عنده س�واء

يف قدرت�ه علي�ه : ﴿ ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ﴾ م�ن

كان كذل�ك كان جديرا بالتنزيه ع�ن كل عجز وكل نقص وكان من البدهية أن

يرجع اخللق كلهم إليه : ﴿ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ ی﴾

فسبحانه سبحانه .

* * *

Page 94: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

�4

ما غرك بربك الكريم :

احلوار مع املخالفن حول اليوم اآلخر وإعادة خلق العباد ألجل احلساب

م�ن أنواع احلوار التي تك�ررت يف القرآن الكريم كثريا وتنوعت أس�اليبها بن

ح�وار منطق�ي برهاين ، وحوار زجري هتديدي يكش�ف العن�اد ويوبخ عليه ،

وحوار وعظي يذكر باحلق ويستثري يف النفوس اإلنصاف والرتاجع عن الباطل

ويرتفق باملخالف لعله يس�تجيب وأحيانا جيمع ذلك كله، وهكذا يتنوع احلوار

للوصول هبم إىل احلق والصواب .

ومن ذلك النوع األخري سورة االنفطار حتاورهم باختصار يلفت أنظارهم

إىل م�ا ه�م فيه من غفلة واغ�رتار، وينبههم ع�ىل ما هم عليه من ت�رك العرفان

واالعتبار، رغم ما هم قادمون عليه من دخول اجلنة أو النار .

وموض�ع احل�وار يف الس�ورة أساس�ا هو قوله س�بحانه وتع�اىل : ﴿ ٹ

ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ﴾)�(، ث�م يتب�ع ذلك بذكر األمر الذي س�لكوا في�ه طريق االغرتار وه�و تكذيبهم باليوم اآلخر يوم اجلزاء عىل األع�امل ، ثم يتبع ذلك بيان عاقبة

الغ�رور وعاقبة اإليامن وس�لوك األبرار ، وكل ذلك ي�أيت دون تعرض رصيح

إلقام�ة الربه�ان أن هذا الي�وم آت البد منه، وأنه ال يصع�ب عىل قدرة اهلل كام

جاء يف سورة » يس « أو سورة » ق « وكثري غريمها، فذلك ليس من غرض هذه

)�( سورة االنفطار: اآليات 6-8 . تفسري البغوي ��87-تفسري أيب السعود �20/9.

Page 95: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

الس�ورة، وإنام غرضها األس�ايس هو التنبيه عىل خطأ االغ�رتار، وأنه أمر ينايف الطبيعة اإلنسانية املنطقية التي تدفع صاحبها إىل عرفان اجلميل ألهله والشكر عليه، فالشكر عند اهلل مكتوب، والكفران حمسوب، سرياه صاحبه يوم القيامة

وحياسب عليه .

وقبل أن يبدأ موضوع احلوار ترشع السورة بعرض يشء من أحداث يوم احل�رش وأهوال�ه، الي�وم الذي تعلم في�ه كل نفس أعامهلا من خ�ري ورش ، فهذه األح�داث هتز الش�عور بأهواهلا وتوقظ العقول من س�باهتا لعلها تفكر وتتدبر وتعت�رب ، وه�ي معروضة بأس�لوب لغوي في�ه تنبيه قوي فاجلم�ل األربع التي تعرض أحداثا من يوم احلرش كلها مجل مصدرة بأداة الرشط » إذا « وهي جتعل اإلنسان يف حالة انتظار وترقب جلواهبا، فإذا ذكر اجلواب أخذ من نفس السامع

موقع االهتامم والتفكر والرسوخ .

ڀ ڀ ڀ پ پ پ پ ٻ ٻ ٻ ٻ ٱ ﴿ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ﴾)�(، وانفط�ار الس�امء ه�و تشققها وتقطعها ، وانتثار الكواكب هو خروجها عن مساراهتا يف انفات غري منضبط، وتفجر البحار هو زوال احلواجز الربية التي بينها حتى ختتلط وبعثرة القبور هي إثارهتا وقلبها وإخراج من كانوا فيها ، ففي هذا اليوم يرى اإلنسان

أعامله، وتناله عواقبها من خري ورش .

ورغم ما يف هذه الس�ورة من األه�وال ال يقول اهلل تعاىل ملن حياورهم من

)�( سورة االنفطار: اآليات �-5 .

Page 96: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

املخالف�ن : » إذا وقع�ت ه�ذه األه�وال علمتم ما قدمتم وم�ا أخرتم « ألن يف ذلك معنى التهديد ، والس�ياق س�ياق تنبيه يعقبه تذكري، فيه ترفق كبري، فيقول

بدال من ذلك: ﴿ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ﴾، واملعنى يف العبارتن واحد،

ولك�ن الرتفق بالتذكري اقت�ىض عدم املواجهة بام خييف وحيم�ل معنى التهديد،

وبذلك تتهيأ نفس الس�امع لتقبل احلوار وما يدعو إليه فيقول: ﴿ ٹ ٹ

ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦ ڦ ڦ ڤ ڤ ڤ ڤ ٹ ڃ﴾ .

وقد تقدم أن اآلية مس�وقة لتنبيه اإلنسان برفق إىل ما هو فيه من البعد عن

الص�واب يف تكذيبه بيوم الدين يوم القيامة، ومل�ا كان حال املغرور حال غافل

حيت�اج إىل التنبي�ه بدئت هذه اآليات بأس�لوب ق�وي من أس�اليب النداء هو :

﴿ ٹ ٹ ﴾ فكلمة » يا « تستعمل يف اللغة لنداء البعيد أو البعيدة مكانته

عل�وا أو س�فا، أو كان يف حال�ة غفل�ة حيت�اج معه�ا إىل تنبيه قوي ، وتوس�يط

» أي « بينها وبن من يوجه إليه النداء يزيدها قوة ألن معنى يا أهيا اإلنسان هو

ط االسم املبهم بمنزلة: يا من هو إنسان، بدال من أن يقال: » يا إنسان «، فتوس

ب�ن أداة الن�داء وبن املقصود نداؤه يفيد قوة الرتكيز عىل ما يف هذا االس�م من

معن�ى بمنزلة الصفة، فإذا قلت: يا أهي�ا الرجل، كان ذلك نداء له باعتبار صفة

الرجول�ة، ولذلك يقولون يف اإلع�راب: » الرجل صفة ألي « رغم أن الرجل

اسم جامد، يمتنع يف األصل أن يأخذ موضع الصفة يف اإلعراب .

وتوجيه النداء - هبذا األسلوب القوي - إىل اإلنسان تنبيه له عىل أن صفة

Page 97: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

اإلنس�انية - بام فيها من معان سامية أمهها التعقل واإلنصاف - ينبغي أن متنعه

من السقوط يف هوة الغرور وهوة الطيش والتعايل عىل احلق، ولذلك كان لومه

ع�ىل الغرور بصيغة ما » غرك « وهي من أس�اليب االس�تفهام املراد به اإلنكار

بمعن�ى ال ينبغ�ي أن يغ�رك يشء ، ملا جعل اهلل فيك من موان�ع االغرتار ، ولما

اتص�ف ب�ه ربك م�ن موانع اغرتارك من كرم وإحس�ان كبري إلي�ك، ولذلك مل

يذكر االسم األول من أسامء اهلل تعاىل هنا وهو » اهلل « وإنام ذكر اسم » الرب «

الدال عىل الرتبية والرعاية واإلصاح ، وأضيف إىل ضمري املخاطب » ربك «

مع أنه س�بحانه وتعاىل هو رب كل يشء تنبيها لإلنسان عىل ما خصه به اهلل من

الرعاية وذلك يقتيض أال يغرت به سبحانه وتعاىل .

وياحظ أن هذه اآلية وما معها مل تأت عىل صورة االحتجاج املنطقي كأن

تق�ول م�ا كان ينبغي لك أن تغ�رت باهلل ألنه ربك وراعي�ك ، وذلك ألن احلوار

املنطق�ي خياطب العقل وحده بينام األس�لوب الذي ج�اءت اآلية عليه خياطب

القل�ب رصاح�ة وخياطب العقل ضمنا، فيكون األثر أكرب وإمكان االس�تجابة

أقوى إذ يمتزج الدليل والقضية معا كام لو قال إنسان متحديا : من يستطيع أن

يغلبني، فيجيبه من غلبه سابقا: يغلبك من غلبك من قبل .

وهل�ذا الغرض أيضا ج�اءت الصفات اإلهلية األخرى - املانعة لإلنس�ان

م�ن الغ�رور بربه - عىل أس�لوب الصفة للرب س�بحانه وتع�اىل ال عىل طريقة

االحتج�اج املنطق�ي : ﴿ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ

ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ﴾ وكل واح�دة منه�ا حتمل وجها من اإلحس�ان

Page 98: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

املانع من الغرور، فكلام س�مع اإلنس�ان واحدة منها كرب لديه الش�عور بخطئه

ها عن الباطل . وبرضورة مراجعته لنفسه وكف

وق�د تقدم أن صفة » الربوبية « تعني الرعاية واإلصاح فهذا هو املانع

األول من أن يغرت به اإلنسان فيكذب بلقائه وحسابه، فالتكذيب به إغراق يف

االغرتار، ووصفه سبحانه ب� » الكريم « مانع ثان من موانع االغرتار به ألن حق

الذي أكرمك هو أن تشكره ال أن تغرت به ، ولو كان وصف الكريم مرادا ب�ه

صاحب املكارم أي الصفات احلسنة الطيبة فهو أيضا مانع من موانع االغرتار

فإحس�ان صاحب املكارم أوس�ع لتعدد الصفات املوجبة لإلحسان، فاملانع

هنا أكرب.

وأكرب منه وصفه س�بحانه وتعاىل ب� » أنه خالق لإلنس�ان « ألن اإلحس�ان

عم�ل تنتف�ع به الذات أما اخللق فهو إحياد هلا من العدم ، وحقه أكرب وأداء حقه أوجب، أما االغرتار به ونكران لقائه فهو أشد اإلساءة، وقوله » الذي خلقك« أنس�ب م�ن أن يقال ) خالقك ( ألن يف الصل�ة الترصيح بإيقاع فعل اخللق عىل املخاطب وهو اإلنسان وذلك أوضح يف الداللة عىل إحسانه املانع من االغرتار

ب�ه، وهو ثالث املوانع .

ويكرب هذا اإلحس�ان باخللق إذا كان مع التس�وية » خلقك فس�واك «، ألن اخللقة غري السوية ترض باجلسم أو تؤدي إىل عجزه وتشوه منظره ، وإذا كان رضر

فوهتا شديدا فالتسوية هي إحسان عظيم، وهي مانع رابع من االغرتار ب�ه.

Page 99: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

��

وقول�ه س�بحانه ﴿ ڦ ﴾ يمك�ن أن يك�ون بمعنى تعدي�ل اخللقة أي

جعله�ا معتدل�ة ، ويمك�ن أن يك�ون بمعنى الع�دل أي الرصف ع�ن يشء إىل

يشء، ويكون وجه اإلحس�ان يف ذلك أن اهلل رصف خلقة اإلنس�ان عن صور

أنواع احليوانات إىل صورة أحسن، بل خلقه يف أحسن تقويم كام قال سبحانه ،

وذلك إحس�ان عظيم يمنع اإلنسان من االغرتار به، هذا االغرتار الذي بلغ به

أن يكذب بالدين، فهو مانع خامس من االغرتار .

وقول�ه س�بحانه ﴿ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ﴾ بي�ان لعظم�ة هذه الصورة

الت�ي ش�اءها اهلل تعاىل لإلنس�ان من بن ص�ور املخلوقات فجعل�ه ﴿ ٺ ٺ

ٺ ﴾)�(، وذلك يقتيض اإلقرار بفضله ال االغرتار بكرمه وإمهاله، وهو مانع

س�ادس من موانع هذا االغرتار ، وماحظة هذه املوانع تعطي قوله س�بحانه :

﴿ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ﴾ ق�وة كب�رية يف إفادة إنكار االغرتار عليه وتعجيبه

م�ن س�وء موقفه ولومه عىل ه�ذا املوقف - مع أن هذا الفصل من الس�ورة فيه

ترفق كبري باإلنسان املخاطب - لعله يراجع نفسه ويكف عن غروره .

واجل�واب ال�ذي يفرض�ه العقل الس�ليم عىل م�ن أراد اجل�واب عن هذا

الس�ؤال : ما غرك بربك ... هو ال يشء إال اجلهل واحلامقة وضعف التفكري أو

هو العناد وترك اإلنصاف واإلعراض عن تفهم العواقب مع العلم هبا .

وألن ه�ذا اجلواب صار حارضا يفرض نفس�ه ع�ىل املخاطب فا جيد بدا

)�( سورة التن: اآلية � .

Page 100: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

100

م�ن اإلقرار تغري األس�لوب وجاء بعده هذا التقري�ع والزجر ﴿ چ چ چ چ ﴾)�( كأنه قيل هلم: ال يشء يربر هذا الغرور ، إنام أنتم يف حالة إرصار عىل التكذي�ب بالدي�ن دون مربر ، ثم أعقب ذلك بمقدم�ة التهديد والوعيد فقال: ﴿ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ﴾)2(، ف�إذا كتب�وا

أعاملكم حاس�بكم اهلل عليها والنتيجة هي: ﴿ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ ﴾)�(، وج�اء بع�د ه�ذا تفصيل ح�ال أصحاب اجلحي�م دون األبرار - ألن أص�ل اخلط�اب كان مع املكذب�ن ، وحقهم بعد ذلك البي�ان أن هيددوا

باجلحي�م فجاء قوله س�بحانه : ﴿ ک ک ک گ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ہ ہ ھ

ھ ھ ھ ے ےۓ ۓ ڭ ڭ ﴾)�(.

وهكذا يظهر يف هذه السورة أسلوب خاص من احلوار ، ليس هو احلوار املعتاد يتداول فيه الطرفان الكام بن سؤال وجواب وعرض واعرتاض، وإنام هو تنبيه إىل حال املخاطب وهو اإلنس�ان واغ�رتاره بربه، بتوجيه اخلطاب إليه عىل صورة س�ؤال : ﴿ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ... ﴾ وكأنام السياق سياق نقد هل�ذه احلال�ة وعرض ملا ينتج عنه�ا ، دون أن يكون لإلنس�ان الذي خياطبه دور ه إىل صاحبها يف ه�ذا كله إال أن يتلقى ويس�مع ، فهو حوار للحالة لكن�ه موج

فيسمع وال يتكلم .

)�( سورة االنفطار: اآلية 9 .)2( سورة االنفطار: اآليات �2-�0 .)�( سورة االنفطار: اآليتان ��- �� .)�( سورة االنفطار: اآليات ��-�9 .

Page 101: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

101

يا عبادي الذين أرسفوا :

﴿ ۀ ۀ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭڭ ۇ ۇ ۆ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ

وئ وئ ەئ ەئ ائ ائ ى ى ې ې ې ې ۉ

ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ

ی ی ی ی جئ حئ مئ ىئ يئ جب حب خب مب ىب ٱ

ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦ ڦ ڦ ڤ ڃ ڃ چ چچ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ

ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ﴾ )�(.

تفسري البغوي ��29 - تفسري أيب السعود 259/7

ه�ذه اآلي�ات تش�تمل عىل وج�ه من احل�وار رفيق غاي�ة الرفق يس�تدرج الكافرين إىل اهلداية اس�تدراجا بام يفتحه هلم من آفاق العفو والغفران والرمحة الت�ي ال ح�دود هلا ، وه�ذا كله رغم أن اآليات أملحت إىل م�ا عليه بعضهم من الكف�ر والس�خرية والته�رب من اإليامن بدع�وى أن اهلل مل يرد هل�م اهلداية، كام أملح�ت اآلي�ات إىل م�ا عليه بعضه�م من الكذب ع�ىل اهلل والتكرب عىل رس�له وأه�ل طاعته وعىل كل مس�الك اهلداية ، فلم تبدأه�م بالتهديد والوعيد الذي

)�( سورة الزمر: اآليات �6�-5 .

Page 102: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

102

يس�تحقونه، ولكنه�ا س�لكت هبم من أج�ل ذلك كل�ه مس�لك التحذير حتى

انته�ت إىل مواجهته�م بس�وء حاهل�م : ﴿ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ

ڦ ڦ ڦ ڦ﴾، وه�ذا تذكري بام وقع يف الدنيا من جميء اآليات واس�تكبارهم عنها وكفرهم هبا، وهو نقض لدعواهم أن اهلل مل هيدهم،

ث�م انته�ت إىل الترصيح باملصري الس�يئ مل�ن يكون كذل�ك دون أن ترصح هلم

بأهن�م من أهله : ﴿ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چچ

چ ڇ ڇ ڇ ڇ ﴾ وقرنت هذا بمصري أهل التقوى ليقرتن الرتغي�ب بالرتهي�ب : ﴿ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ

ژ ڑ ڑ ﴾، وه�ذا ختام احلوار وه�و صورة متس القلوب فتوقظ فيها الرجاء بالنجاة من السوء واألحزان، وتدعوها إلجابة دعوة اهلل سبحانه .

وكام كانت كلامت هذه اآليات وعباراهتا رفقا وترمحا كانت أسباب نزوهلا

دال�ة عىل ذل�ك أيضا، فقد ذكر البغوي يف تفس�ريه )�( مناس�بات متعددة نقلها

ع�ن الصحاب�ة والتابعن ال داعي للرتجيح بينها ألن اآليات املذكورة تناس�ب

اجلميع، فإذا كان أحدها هو السبب املبارش فكل منها بعد ذلك يكون مقصودا

جواب�ه هبا ملا بينه وبينها من التناس�ب ، منه�ا قصة عياش بن أيب ربيعة وصحبه

الذي�ن نطقوا حتت العذاب بكلمة الكفر فظن�وا وظن كثريون من الصحابة أن

اهلل ال يقبل أمثاهلم ، ومنها خرب دعوة النبي � وحشيا قاتل محزة ريض اهلل عنه

إىل اإلسام وخوف وحيش من أال يقبله اهلل .

)�( تفسري البغوي ��29 .

Page 103: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

103

والتعب�ريات القرآني�ة بمضموهن�ا وأس�لوهبا ت�ربز األغ�راض واملقاص�د

وحقوق املناسبات، وذلك يظهر من إيضاح العبارات إن شاء اهلل تعاىل :

ف�أول ذلك أن اآليات بدأت هبذا الن�داء : ﴿ ۀ ۀ ﴾ وهي تفصح

بالرتف�ق الرحيم م�ن اهلل تعاىل وبحث الرس�ول � عىل الرتف�ق الرحيم هبم ،

وذلك مما جيعل قلوهبم تتفتح لقبول احلوار، فاهلل تعاىل - مع قدرته عىل االنتقام

مم�ن يكذب�ه ويعصيه وخيالفه - ال يفعل ذلك، ب�ل يدعوهم بكل رفق إىل تلقي

رمحته وعدم اليأس منها رغم أهنم أرسفوا عىل أنفسهم، ويدعوهم بالصفة التي

تربطهم به )صفة العبودية( - وأقل حقوق الرب عىل عبده أن يستجيب له إذا

دع�اه - ويضيفهم إىل نفس�ه بياء املتكلم إش�عارا بالق�رب ﴿ ۀ ۀ ﴾ ثم

يتبع ذلك بذكر صفتهم التي تبعدهم عنه سبحانه وهي اإلرساف عىل أنفسهم،

لكي ال تقول هلم أنفسهم إنكم بعدتم عنه بإرسافكم فهو ال يريدكم برمحته إنام

يريد من عباده غريكم ، فجاء ذكر هذا الوصف يعكس هذا املفهوم إذ إن ظاهر

اآلي�ة يبدو في�ه ختصيصهم بالنداء مع وجود هذه الصف�ة بل خيصصهم بالنداء

لوج�ود ه�ذه الصفة ليبعدوا عنه�ا فيكونوا م�ن الناجن، وهذا إش�عار بمزيد

الرمحة والتفضل جوابا عىل قوهلم » هل لنا توبة متحو الذنوب « بصدق أو بغري

صدق لتكون احلجة عليهم قائمة دامغة، آمنوا أم مل يؤمنوا .

حتى إذا كمل هذا البدء الذي تسترشف إليه القلوب وتلن له أتبعه سبحانه

ب�ام يزيل اخلوف من عدم القبول ، ذلك اخلوف الش�ديد املس�يطر عىل القلوب

بيأس�ه وقنوط�ه فقال س�بحانه هلم : ﴿ ھ ھ ﴾ ويف ه�ذا النهي تأكيد عىل

Page 104: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

104

زوال املوان�ع الت�ي تومهوه�ا إذ مل تكتف اآليات بإخبارهم ع�ن انتفاء ما يدعو إىل القن�وط، ب�ل أش�عرهتم بأن اهلل يكره القن�وط هلم إىل درجة أن�ه ينهاهم عنه هني�ه عن املع�ايص التي يبغضها ، وكان هذا الكام املعت�اد كافيا إلزالة القنوط من أنفس�هم ولكن اهلل س�بحانه ق�ال: ﴿ ھ ھ ھ ھ ے ﴾ والقنوط ال يتاءم مع الرمحة بل يس�تبعد غاية االس�تبعاد فإذا كانت رمحة اهلل التي وسعت كل يشء كان القن�وط أكث�ر اس�تبعادا إن مل نق�ل إن�ه حم�ال ولذا قال س�بحانه: ﴿ ھ ھ ھ ھ ے ﴾ بإضافة الرمحة إىل اس�مه األخص اس�م األلوهية ، رغم أن الس�ياق لو اس�تمر عىل النسق الس�ابق كان يقتيض - كاألسامء السابقة - اإلضاف�ة إىل ي�اء املتكل�م ، فيقال ال تقنطوا من رمحت�ي، وكل ذلك الرتغيب

كان كاملقدم�ة للمطلوب األس�ايس وهو إعامهم باملغفرة الش�املة: ﴿ ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ﴾، وفيه وجوه عدة من تأكيد عموم املغفرة : فاجلملة كلها

مؤكدة بإن ، وتقديم اس�م اهلل مش�عر بتأكيد املغفرة ألن ش�أنه كذلك ، وجميء الفعل بصيغة املضارع الدال عىل االس�تمرار حارضا ومس�تقبا يفيد الشمول الزمن�ي ، وتعري�ف الذنوب باأللف والام يفيد ش�مول الذنوب بأنواعها مع تأكي�د الش�مول بقوله ﴿ ڭ ﴾، ومل يأت هذا املطل�وب بصيغة الوعد كام لو قي�ل : » اهلل س�يغفر لك�م «، ب�ل ج�اء بتعبري يدل عىل أنه ش�أن من ش�ؤون اهلل تع�اىل ووصف من أوصافه، ثابت ال يتغري وال يزول ، ويف ذلك طمأنة عظيمة لقل�وب الصادق�ن املتخوف�ن م�ن أن ال يقبلهم اهلل تع�اىل بعد ال�ذي صنعوه

وأرسفوا فيه .

تأكي�دا للحك�م ۇ ۇ ۆ ۆ ﴾ ث�م ج�اء قول�ه س�بحانه : ﴿ املطل�وب كل�ه بع�د التأكي�دات ألج�زاء ال�كام الس�ابق ، فكون�ه س�بحانه

Page 105: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

10�

﴿ ۆ ﴾ ب�ام يف ه�ذا االس�م م�ن إف�ادة تكرار املغف�رة وعمومه�ا ، وكونه

﴿ ۆ ﴾ بام فيه من تكرار الرمحة وعمومها يرسخ يف نفس السامع حصول

وعده س�بحانه بمغفرة الذنوب مجيعا ، ووجود ضمري الفصل » هو « بن اس�م

إن وخربها فيه معنى القرص أي ال أحد غريه سبحانه يتصف هبذين الوصفن:

» الغف�ور الرحيم «، فإن أريد القرص التحقيقي كان املعنى أن اتصافه س�بحانه

هبام عىل جهة الكامل الذي ال حدود له، والش�مول الذي ال حدود له وأن ذاك

أم�ر خاص ب�ه ال يوصف به غريه س�بحانه ؛ وإال كان املعنى أن اتصاف العباد

بالرمحة واملغفرة يتاشى بجانب مغفرته ورمحته سبحانه وتعاىل فكأنه ال يشء،

ويكون هذا هو معنى أس�لوب القرص بواس�طة ذكر ضمري الفصل بن اسم إن

وخربها ملا جاء يف احلديث الرشيف : » جعل اهلل الرمحة يف مائة جزء، فأمسـك

عنده تسـعة وتسـعني جـزءا وأنـزل يف األرض جـزءا واحدا فمـن ذلك اجلزء

يرتاحم اخللق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه «)�(.

ثم أتبع سبحانه هذا املقصد األسايس - لدفع ما يتومهه الذين ال يتدبرون

القول - بتحذيرات تدفع إساءة فهم الرمحة الشاملة ، فحذر سبحانه من إمهال

اإليامن والتوبة إىل أن يأيت العذاب اغرتارا هبذه الرمحة، فحذر سبحانه من تأخري

امتثال أمره والتهاون بطاعته والتسويف املتطاول إىل أن يبغتهم العذاب، فقال

سبحانه : ﴿ ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ

ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ﴾.

)�( رواه البخاري �565، ومسلم 2752 .

Page 106: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

10�

ثم بن هلم س�بحانه النتائج الس�يئة لإلمهال والتهاون والتسويف، وحذر منه�ا فقال : ﴿ ىئ ی ی ی ی جئ حئ مئ ىئ يئ جب حب خب مب ىب ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ

ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ﴾، ومل حياورهم س�بحانه يف ه�ذه األقوال ألهن�ا جمرد ح�رسات وأمنيات ، إال يف ق�ول من قال منهم: ﴿ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ﴾، ألن يف هذا القول هتربا من مس�ؤولية اإلعراض عن دع�وة اهلل ورمحته ومغفرته، واهتام�ا هلل تعاىل بأنه

هو س�بب تركهم اهلداية، فقال سبحانه : ﴿ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ﴾، أي ل�و أن اهلل ش�اء منعك من اهلداية ملا أرس�ل إليك رس�له بآياته ، فلام أرس�لها إليك دل عىل أنه مل يمنعك من اهلداية،

ولكنك أعرضت عنها فكذبت واستكربت وكنت من الكافرين)�(.

ث�م ختم س�بحانه احل�وار كله ببي�ان مصري م�ن أن�اب إىل اهلل ومصري من كذب وكفر وتكرب ليعرف كل من الفريقن ثمرة عمله من هداية وضال فقال

سبحانه : ﴿ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چچ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ﴾، وبذل�ك هيل�ك من هلك ع�ن بينة، وحييى من حي

عن بينة .

)�( إذا كانت اهلداية بمعنى الداللة عىل احلق فاآلية عىل ظاهرها ، ويكون كذهبم وتكذيب اهلل هل�م واض�ح املعن�ى ليس فيه غم�وض ، وإذا كانت اهلداية بمعن�ى خلق اهلدى يف قلوهب�م ، ف�اهلل مل هيدهم لعلم�ه أهنم ال خيتارون اهل�دى فهم كاذب�ون يف زعمهم عىل

معنى أنه سبحانه أراد هلم عدم اهلداية فلم خيتاروها بسبب ذلك، واهلل أعلم .

Page 107: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

الفصل الثالث

مناذج من حوار القرآن مع املخالفني

يف قضايا متنوعـــة

Page 108: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح
Page 109: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

10�

الفصل الثالث

مناذج من حوار القرآن مع املخالفني

يف قضايا منوعة

اعبدوا ربكم الذي خلقكم:

ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ﴿ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ۆۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ې ې ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ ی ی ی ی جئ

حئمئ ىئ يئ ﴾)�( .

تفسري البغوي �9 - تفسري أيب السعود �/58

هذه اآليات من احلوار مع الكافرين كام يتضح من معاين احلوار وأجزائه، م�ع م�ا يروى عن ابن عباس ريض اهلل عنهام)2( من أن النداء ب� ) يا أهيا الناس (

موجه إىل الكافرين حسب ما رأى يف أساليب القرآن .

وه�ذا احلوار - من أنواع احلوار القرآين م�ع املخالفن - هو حوار مبارش يبدأ ويس�تمر بتوجيه ال�كام إليهم مبارشة ، وذلك ي�دل املخاطبن عىل عناية

)�( سورة البقرة: اآليات �2�-2 .)2( ابن كثري �/�5 عن علقمة تلميذ ابن مسعود ريض اهلل عنه .

Page 110: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

110

اهلل ع�ز وجل هبم وهبدايتهم إىل احلق وتعريفه�م طريق الصواب، وليس ذلك خاصا هبم بل هو عام لكل الناس، فناداهم هبذا االسم الذي يشملهم ويشمل

غريهم.

وهو سبحانه يدعوهم إىل عبادته بوصفه ربا هلم أي مالكا هلم ملك رعاية وإص�اح ، ث�م ينبههم إىل ما يوجب ه�ذه العبادة لكن بعدما ب�ن هلم بالصفة األوىل » ربك�م « أن�ه يدعوه�م إىل ما هو خري هلم تأليف�ا لقلوهبم وحثا هلم عىل االهت�امم بنصح�ه، ث�م بن هلم ال�ذي يوجب عليه�م العبادة وهو أن�ه خالقهم وخال�ق الذي�ن من قبلهم، وهذا يمهد لبيان القضي�ة التالية قضية التوحيد فإذا كان الذي يوجب عليهم عبادته هو أنه خلقهم فهذا الوصف يقتيض أال يعبدوا غ�ريه، ألن ه�ذا الوصف ال وج�ود له عند غريه مما يتخذه الن�اس آهلة ، ثم بن هل�م س�بحانه أن عبادته جتعلهم ممن ترجى هلم الوقاي�ة دون تعين اليشء الذي

يتقونه، وذلك جيعله عاما شاما لكل ما خيشى منه الرضر إذا هم مل يؤمنوا .

وه�ذا النه�ج يف احل�وار كله ترف�ق فيه ن�داء يش�عر بالعناي�ة ، ودعوة إىل عبادة مالكهم الذي يرعى ش�ؤوهنم باإلصاح ، وبيان ملا يوجب العبادة التي يدعوهم إليها ، وبيان لنفع ذلك ، والرتفق يستدعي االنتباه ويرجى معه القبول واالس�تجابة، كام قال اهلل تعاىل : ﴿ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے﴾)�(، وتس�تمر اآليات الكريمة عىل هنج الرتفق عند انتق�ال احلوار إىل القضية الثانية قضية التوحيد، وهو انتقال مع اتصال تام جيعل القضيتن واحدة ألن موجبات العب�ادة هلل هي نفس�ها موجبات توحي�ده، فكانت األفعال الت�ي ذكر هبا الرب

)�( سورة طه: اآلية �� .

Page 111: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

111

سبحانه عند األمر بعبادته صفة له من جهة األسلوب اللغوي، وجاءت األفعال الت�ي ذكر هبا عند األمر بتوحيده والنهي عن الرشك به صفة له أيضا: ﴿ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ ... ﴾، ﴿ ہ ہ ھ ھ ھ ...﴾، ﴿ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ﴾، وإن�ام فرق�ت حكم�ة اهلل يف كام�ه س�بحانه بن هذي�ن النوعن من األفعال، فأمرت بالعبادة عند ذك�ر اخللق، وبالتوحيد عند ذك�ر املنعم، ألن داللة اخللق عىل وج�وب العبادة أظهر فاملصنوع عبد لصانعه وعليه أن يعبده - وإن كان ذلك يتضمن عدم استحقاق غري الصانع للعبادة إذ موجبه�ا غري موجود عنده - ولكنه معنى مرتتب عىل األول وتابع له ، فيكون األول ممهدا لذكر الثاين رصاحة يف اآلية التالية، ومن جهة أخرى يتضمن ذكر النع�م املتع�ددة تنبيها إىل ما يف تعددها من دالئل التوحي�د ؛ فهذه النعم مل تلق مبعثرة إىل اإلنسان ، وإنام هي نعم مرتابطة تدل عىل صانع واحد، ومل متتد إليها ي�د أخ�رى فهي دالة ع�ىل قدرة واحد أح�د ال رشيك له يتفضل ع�ىل خلقه بام تصنعه قدرته فيس�توجب بذلك أن يش�كروه وحده عىل ه�ذه النعم التي تفرد بخلقه�ا من أجلهم : ﴿ ہ ہ ھ ھ ھ ﴾ فكم يف متهيد األرض

كالفراش من اآليات ؟ لقد جعل ذلك لكم .

﴿ ھ ے ﴾ وك�م يف بناء الس�امء من اآلي�ات ؟ لقد جعل ذلك كله لكم .

﴿ ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ﴾ فتعاض�دت األرض والسامء إلخراج هذه الثمرات، وهذه الثمرات رزق فيه منافع، وكل ذلك كان ﴿ ۇ ۆۆ ﴾، فهل يليق أن تعبدوا غريه وجتعلوه ندا له أي مثا وعديا ؟!

Page 112: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

112

النتيج�ة الطبيعية هلذا كله أن ال جتعلوا له أن�دادا فقد علمتم هذه الدالئل

املوجب�ة لتوحي�ده وهجر ما س�واه ، ولذلك ج�اء النهي عن اخت�اذ األنداد بعد

ه�ذه املقدمات ، وجاءت الف�اء الدالة عىل الرتتيب مقرون�ة بصدر مجلة النهي

﴿ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ﴾، وجاءت بعدها مجلة احلال ﴿ ۋ ۅ ﴾، وذلك يعني أن العلم بام سبق يتناقض مع اختاذ األنداد، ويتنافر معه منافرة بينة

ال خفاء فيها.

واملضم�ون اإلمج�ايل هلذا يعن�ي: إين أنعم�ت عليكم هبذه النع�م العظيمة

وس�خرت ألجلكم السامء واألرض تس�خريا ال يقدر عليه غريي، فاشكروين

وال ترشك�وا مع�ي م�ن مل يفعل ش�يئا من ذل�ك وال يقدر علي�ه ، أي علم وأي

إنصاف يأذن لصاحبه باختاذ األنداد ؟!

ث�م ينتقل احل�وار إىل قضية الرس�الة اإلهلي�ة املنزلة عىل عبد اهلل ورس�وله

س�يدنا � ، دون انتقال عن منهج الرتفق يف احلوار الذي بدأت به اآليات من

قوله سبحانه: ﴿ ڱ ڱ ں ں ... ﴾ منهج تقديم األدلة والدعوة

بالتي هي أحسن واملحاورة العلمية : ﴿ ۉ ۉ ې ې ې ې ى ى

ائ ائ ەئ ەئ ﴾ وما أنزله اهلل تعاىل عىل عبده هو هذا القرآن املش�تمل ع�ىل تفصيات معن�ى عبادة اهلل ومعن�ى توحيده ، واالنتق�ال إىل احلديث عنه

بعدما تقدم هو أمر يس�تدعيه إمتام ما تقدم ألنه ال تتم العبادة وال التوحيد فيها

ب�دون العلم بتفصياهتا واإليامن بمصدر هذه التفصيات وهو القرآن الكريم

أنه منزل من عند اهلل الذي خلق الناس وتفضل بنعمه عليهم .

Page 113: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

113

فك�ام جيء بالقضيت�ن مع برهاهنام كذلك ج�يء بالثالثة ومعه�ا برهاهنا،

حيث نرى أن الربهان س�يق يف ش�أن عبادة اهلل وتوحيده مس�اقا لينا جعل فيه

الربهان صفة هلل تعاىل، وس�يق هنا س�وقا رصحيا فيه حتديات ثاثة ، ولكن هذا

التح�دي في�ه طبيعة احل�وار العلمي با توبيخ وال س�خرية وال هتديد رصيح،

فهو ال خيرج عن هنج الرتفق .

إن كان عندك�م ش�ك يف أن هذا الكت�اب أنزله اهلل ربك�م - ومعنى ذلك

أن�ه ق�ول برش مثلكم - وما كان من قول البرش يمكن لبرش آخر أن يأيت بمثله ،

فعقولكم احلكم يف هذه القضية ﴿ ائ ائ ەئ ەئ ﴾ ال أطالبكم بقرآن

كامل مثله ، وال أطالبكم بعدد من السور ، وال أطالبكم بسورة كربى من سوره

بل أكتفي منكم بأن تأتوا بمثل أي سورة منه ولو كانت األقرص عىل اإلطاق،

وال أطالبك�م بأن ي�أيت هبذا املثل واحد منكم أو مجاعة قليلة بل اس�تعينوا بكل

من يش�هد لكم غري اهلل تعاىل إن كنتم صادقن منصفن يف أنه ليس من عند اهلل

أو أن فيه ما يدعو إىل الشك، فالربهان موكول أمره إليكم .

ولذلك جاء بعده ما يبن واجبهم إن عجزوا : ﴿ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ

ی ی ی ی جئ حئمئ ىئ يئ ﴾ ولكن ال خييل سبحانه احلوار من رفع درجة احلرص عىل التيقن من النتيجة يف نفوسهم بإضافة عنرص

آخر من عنارص التحدي وهو قوله سبحانه : ﴿ ىئ ىئ ﴾ وهو أمر ال جيرؤ

علي�ه م�ن يفكر يف العواقب إال أن يكون له ضامن م�ن اهلل القادر عىل كل يشء

العامل بالصغري والكبري من العواقب .

Page 114: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

114

وم�ن ب�اب الرتفق أنه س�بحانه مل يق�ل هلم مثا ف�إن مل تفعل�وا ومل تؤمنوا

فأنتم معاندون فس�أعاقبكم بالنار الت�ي وقودها الناس واحلجارة ولكن حيثهم ع�ىل وقاي�ة نفوس�هم منه�ا وذل�ك ال يك�ون إال باإليامن هب�ذا الق�رآن أنه من عن�د اهلل ، وال يق�ول هلم فأنت�م كافرون ، ولك�ن يقول عن الن�ار التي يأمرهم بوقاي�ة نفوس�هم منها : إهنا أع�دت للكافرين ، ومضمون ذل�ك أهنم يكونون حينئ�ذ كافري�ن وجزاؤهم جزاء الكافري�ن ، فهو بيان ضمن�ي يتجنب العنف

الذي يدعو املخاطبن إىل العناد .

ويف القرآن آيات أخرى تس�لك س�با أكثر ترفقا يف احلوار مع املخالفن ، كقوله تعاىل يف وصية موس�ى وهارون فيام خياطبان به فرعون : ﴿ ہ ہ ھ

ھ ھ ھ ے ے ﴾)�(.

ث�م بن هل�ام القول اللن فق�ال س�بحانه : ﴿ ې ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئېئ ېئ ىئ ىئ ىئ

ی ی ی ی جئ حئ مئ ىئ يئ جب حب خب ﴾ )2(.

وياح�ظ أن مطلع ه�ذه اآليات يرصح بأن يكون احل�وار مع هذا الكافر املغرق يف الكفر لينا رفيقا، وترصح اآلية بالغاية من هذا اللن ﴿ ھ ھ ے

ے ﴾ فهذا الرتفق منهج له هدف مقصود .

بل نجد يف بعض املواضع ترمحا ودعوة إىل التحرس تس�تثري ش�فقة غريهم

)�( سورة طه: اآلية �� .)2( سورة طه: اآليتان �7، �8 .

Page 115: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

11�

عليهم لعلهم أن يس�تدر ذلك ش�فقتهم عىل أنفس�هم ويدعوهم إىل ترك العناد

فيقبل�ون عىل اإليامن الذي يدرأ عنهم الع�ذاب ، كام جاء يف التعليق عىل هاك

أصحاب القرية يف سورة » يس « : ﴿ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ

ٹ ٹ ڤ ڤڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ﴾ ؟! )�(.

وه�ذا كله ال يعن�ي أنه ليس يف القرآن حوار عنيف م�ع الكافرين، بل هو

موج�ود ولكنه مع أه�ل العناد واجلحود الرافضن له وه�م يعلمونه حقا ، كام

يأيت بيان ذلك يف بيان نامذج منه يف حوار القرآن مع كفار بني إرسائيل .

ولكل مقام مقال ، كام جرى به املثل عند العرب قديام وحديثا .

* * *

)�( سورة يس: اآليات 29-�� .

Page 116: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

11�

اتبعوا من ال يسألكم أجرا :

﴿ ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ

ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گگ گ ڻ ڻ ڻ ڻ ں ں ڱ ڱ ڱ ڱ ڳ ڳ ڳڳ ے ھ ھ ھ ھ ہ ہ ہ ہ ۀ ۀ ے ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ۇ ۇ ۆ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ې ې ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئېئ ىئ ىئ ىئ ی ی ی ی جئ حئ مئ ىئ يئ جب ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ

ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ﴾ )�( .

تفسري البغوي �076 - تفسري أيب السعود �6�/7

)�( سورة يس ��-�2 .

Page 117: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

11�

يف ه�ذه اآليات ح�واران، وكنت أري�د احلديث عن الثاين منه�ام بدءا من

قول�ه تع�اىل : ﴿ ڱ ں ں ڻ ڻ ڻ ﴾، ولك�ن منعن�ي من ذلك

ق�وة التاحم بينهام يف املوضوع، وارتباط العبارات بعضها ببعض، فمن حيث

املوض�وع يتح�دث األول ع�ن قضية الرس�الة يف نفس�ها وعن الرس�ل عليهم

الصاة والس�ام ، ويتم الثاين هذه القضية ، ويربطها بموضوع الرس�الة وهو

الدع�وة إىل التوحي�د ، فم�ن حيث ترابط العب�ارات نجد قوله تع�اىل : ﴿ ڻ

ۀ ۀ ہ﴾ فيه تأييد الرس�ول الثال�ث لاثنن اللذين قبله، ووصفه�م بام يدعو الن�اس إىل طاعته�م : ﴿ ہ ہ ھ ھ ھ ھ

ے ﴾، ث�م يتاب�ع احلدي�ث عن موضوع الدعوة بام ي�دل عىل أن املراد هبا دع�وة هذين االثنن، ثم حياور قوم�ه فيها ، ولذلك كله كان األمر الطبيعي هو

احلديث عن احلوارين معا إن شاء اهلل .

وأول م�ا ياحظ يف احلوارين مجيعا هو قوة العناية اإلهلية هبداية العباد إىل

احلق واخلري والرش�اد؛ فبدال من الرس�ول الواحد أرس�ل اهلل إليه�م اثنن، ثم

عززمه�ا بثالث بع�د تكذيبهام ، والنفس متيل إىل قبول األخبار التي جيمع عليها

ع�دة م�ن املخربين ، وقد كان ه�ذا العدد تفضا وزي�ادة يف طمأنة قلوب أهل

القرية، وإال فإن الرسل يؤيد اهلل الواحد منهم باملعجزات، وفيها الكفاية التامة

يف اإلقناع فا تكون الزيادة يف عدد الرسل إال تفضا منه سبحانه وتعاىل .

وعب�ارات احل�وار دالة عىل أن الق�وم كانوا يؤمنون ب�اهلل لكنهم يرشكون

Page 118: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

11�

به ، ألهنم ذكروا اس�م اهلل وس�موه الرمحن حن نفوا وجود رس�االته س�بحانه

وتع�اىل ﴿ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ﴾ وال يك�ون العل�م بذل�ك إال ع�ن طريق

رسالة سابقة ورسول سابق وإن كان قديام يف الزمان.

وعبارة القوم تدل عىل أهنم ابتدؤوا حوارهم باإلرصار عىل الكفر فور ما

قال هلم الرسل : ﴿ ٿ ٿ ٿ ﴾ رغم ما يف عبارة الرسل من تأكيد اخلرب

بإن واس�مية اجلملة وتقديم » إليكم «، وه�و دال عىل قوة االهتامم هبم، وقابل

قومه�م ذلك كل�ه باإلرصار عىل الكفر، وعضدوا ذل�ك بالدليل - بزعمهم -

وجعل�وه يف أول جواهب�م ليبن�ى علي�ه إنكارهم الرس�الة وتكذيبهم للرس�ل:

﴿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ﴾ .

ويظه�ر ه�ذا اإلرصار من العبارة األوىل : ﴿ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ﴾ أي

ال يمكن أن يرس�لكم اهلل فأنتم برش مثلنا ، وأس�لوب النفي واالس�تثناء يعطي

الق�ول ق�وة وتأكي�د إرصار، وزادوا تأكي�د ذلك بقوهلم » مثلن�ا « عىل معنى ال

يمكن أن تكونوا رسا وأنتم برش مثلنا يف البرشية، ألن اهلل ال يمكن أن يرسل

ب�رشا وإال خلاطبنا كام خاطبكم، وأوح�ى إلينا كام أوحى إليكم ، وهذه دعوى

بربه�ان خاط�ئ ألن البرشي�ة ليس�ت هي الصف�ة الوحي�دة املؤهلة للرس�الة،

فبالبداهة يعرف كل الناس أن الرس�ول ال ب�د أن يكون أمينا يف القول والفعل

فا تلعب به الرغائب اخلاصة واألغراض الشخصية ، وعىل هذا اعتمد الرجل

اآليت من أقىص املدينة حن رد عىل قومه الكافرين كام سيأيت إن شاء اهلل تعاىل.

ويكم�ل اإلرصار ع�ىل التكذي�ب حن يقول هؤالء للرس�ل : ﴿ ڤ ڤ

Page 119: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

11�

ڦ ڦ ڦ﴾ بأسلوب النفي املؤكد بوجوه من التأكيد، أوهلا: تسليط النفي عىل كلمة » يشء« الش�املة للوحي كله، وبإدخال » من « عليها تأكيدا للعموم الشامل ألي جزء من الوحي ، سواء إىل هؤالء الرسل أو إىل أي رسول ، وهذا األس�لوب جيعل التكذي�ب وإنكار الوحي إىل هؤالء الرس�ل مربهنا عليه عند قومهم بربهان ثان كأهنم يقولون هلم : مل ينزل إليكم رس�الة ألنه ما أنزل ش�يئا

أصا ، ثم ختموا هاتن املقدمتن بالنتيجة التي بنوها عليها وهي قوهلم: ﴿ ڦ ڄ ڄ ڄ﴾، وهي نتيجة أكدوها لفظا بأسلوب القرص بالنفي واالستثناء بعدما أكدوها بطريق الربهان، واس�تغنوا عن العطف بكون هذه النتيجة جزءا

من حجتهم الثانية فهام كاليشء الواحد .

ومل يناقش�هم الرس�ل يف الرباه�ن الومهي�ة التي قدموه�ا ، كأهنم تركوا ذل�ك للش�اهد القادم من أقىص املدين�ة ، وإنام أعادوا كامهم الس�ابق ﴿ ٿ ٿ ٿ ﴾ لك�ن بتأكيد أك�رب ﴿ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ﴾ ، فجمل�ة » ربن�ا يعل�م « و- ه�ي بمنزل�ة القس�م - معناها إش�هاد هلل تعاىل عىل صدقهم قدموها عىل اخلرب نفس�ه، ثم

أك�دوا اخلرب بإن وال�ام: ﴿ ڃ چ چ ﴾، وأما قوهلم ﴿چ ڇ ڇ ڇ ڇ﴾ فه�و تأكي�د باملعن�ى واللف�ظ، إذ في�ه إع�ان أدائه�م الرسالة إىل القوم أداء مبينا أي واضحا مقرونا بالرباهن الكافية، وقد ذكروا ذل�ك بالنفي واالس�تثناء كأهنم يقول�ون : فنحن مل نق�رص يف حقكم وال فيام أوجب اهلل علينا ، ومل يذكروا مضمون الرسالة وال براهن الباغ، وال شك أهنم ذكروا ذلك هلم كام هو شأن الرسل ولكن مل تذكره اآليات هنا ألن ذلك

Page 120: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

120

س�يأيت يف كام الش�اهد القادم من أقىص املدينة فيكون إجيازا وتش�ويقا إليه مثريا للرتقب يشد االنتباه إليه إذا ذكر .

أم�ا القوم فأعلنوا إرصارهم عىل التكذيب م�رة ثانية وقرنوا ذلك بإظهار

االنزع�اج من دعوهت�م ومن حماورهت�م فقال�وا : ﴿ ڌ ڌ ڎ ﴾ وأتبعوا

ذلك بالتهديد فقالوا : ﴿ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک﴾،

وه�ي عب�ارات مليئ�ة بالوعي�د املؤكد بوج�وه من التأكي�د، أوهلا: الم القس�م

» ڈ «، وهي مكررة بعد ذلك، ومعها نون التوكيد الثقيلة مرتن ﴿ ژ

ڑ﴾، وحقيق�ة الرجم الرمي باحلج�ارة، ويأيت بمعنى الطرد واملباعدة، والتهدي�د بالع�ذاب مبال�غ فيه م�ن وجهن: أوهل�ام: التعبري بامل�س، ويفيد هنا

مب�ارشة العذاب ألجس�ادهم بخاف م�ا لو قال�وا لنعذبنكم فيفي�د التعذيب

إمج�اال ، وثانيه�ام: وصف العذاب بأنه أليم ، وتعبريا ع�ن احلقد واحلنق قالوا:

﴿ ڑ ڑ ﴾ فكلم�ة » ڑ « يمك�ن فهم املراد منها دون ذكرها، فذكرها

رهم ودعاهم إىل اهلل . إظهارا لغيظهم ورغبتهم يف التعذيب واالنتقام ممن ذك

ومل ي�دع الرس�ل موعظ�ة قومهم - رغ�م التهديد والوعيد الش�ديد - بل

حاوروه�م يف ش�أن هذا الزع�م، فبينوا هلم بذل�ك أهنم ال يبال�ون بالتهديد يف

س�بيل إباغ ما أرس�لوا به بل يف سبيل نصحهم لقومهم فقالوا هلم: ﴿ گ

گ﴾، أي إن ما وقع من الشؤم أو الباء عليكم إنام هو بسبب كفركم وسائر أعاملكم الس�يئة فأنتم الذين أوقعتموه بأنفس�كم وليس بس�ببنا ، ثم اس�تأنفوا

ال�كام يف إقام�ة احلجة عىل بطان ه�ذا االدعاء فقال�وا : ﴿ گ ڳڳ ﴾

Page 121: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

121

أي أتزعمون أنكم أصابكم الشؤم بتذكرينا لكم حقوق اهلل عليكم يف التوحيد

والطاع�ة ؟ فالتذك�ري ال يمك�ن أن يأيت برش ، ث�م أوضحوا هلم ما هو الس�بب

احلقيقي ملا نزل هبم من الشؤم فقالوا : ﴿ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ﴾ فاإلرساف

يف التع�دي واإلع�راض عن طاعة اهلل هو الذي يأيت بالش�ؤم عىل أهله ، وليس

املراد باإلرساف هنا إضاعة املال فيام ال جيدي، بل املراد جتاوز احلد يف الضال

واإلعراض عن اهلدى ، وقد تبن ذلك يف كامهم السابق : ﴿ ٹ ٹ ٹ ڤ

ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ﴾ وقوهل�م للرس�ل : ﴿ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ﴾.

ث�م افتتحت اآليات حوارا آخر عىل لس�ان رجل م�ن القرية يقوي احلوار

األول وه�و أن ه�ؤالء الناصحن رس�ل م�ن عند اهلل س�بحانه وتعاىل - وحق

رسل اهلل أن يطاعوا - وبدأت اآليات ببيان ما يستدعي قبول قوله : ﴿ ڱ ں

ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ﴾، فهو أوال ابن بلدهتم فهم أعرف به وبصدقه وصاحه ، وهم ثانيا قومه ، واملرء حيرص عىل اخلري لقومه

وال يرىض أن يغشهم أحد ، وهو ثالثا جاد جمتهد يف نصحهم مجد فيه، ولذلك ﴿ ڱ ں ں ڻ ﴾ يسعى أي جاء باهتامم ، ثم حن قدم هلم نصحه أقام

ذلك عىل الربهان املوجب التباع الرسل عليهم السام : ﴿ ڻ ۀ ۀ

ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ﴾ فناداهم بصفة القرابة بينه وبينهم، ترفقا هبم واس�تاملة لقلوهبم، ودفعا لتهمة الفسق عن نفسه

يف نصحه�م ، وأمرهم باتباع املرس�لن ، فمن كان مرس�ا م�ن عند اهلل ال يدل

Page 122: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

122

إال عىل اخلري والفاح، فحقه أن يطاع، ثم بن هلم أن حال الرس�ل ينفي عنهم

الشبهة التي متنع من التصديق : ﴿ ہ ہ ھ ھ ھ ﴾ فا ينبغي أن

يظ�ن ب�ه أن يكذب جليا للمنفعة العاجلة ، وتنكري لفظ األجر يف س�ياق النفي

جيعله ش�اما ملا كثر من األجر وما كان يف غاية القلة ، ومن جهة ثانية ﴿ ھ

ے ﴾ أي إن يف حاهل�م م�ن اهل�دى اعتقادا وعما وخلق�ا ما ينفي عنهم التهم�ة بالكذب ، والناس يش�كون يف من ينقل هلم خربا إم�ا ألنه جيلب به إىل

نفس�ه نفعا وإما ألنه ذو س�لوك غري مس�تقيم، وكا األمرين منفي عن هؤالء

الرسل عليهم السام ، وإذا انتفت الشبهة فرض التصديق نفسه بمنطق العقل

والفطرة وفرض االستجابة .

ث�م انتق�ل هذا الناصح إىل إقام�ة احلجة عىل وجوب اتباع الرس�ل عليهم

الس�ام من وجه آخر هو مضمون دعوة الرس�ل عليهم السام وبن بالربهان

أن هذا املضمون يوجب اتباع الرسل فيام يدعون إليه فقال : ﴿ ۓ ۓ ڭ ڭ

ڭ ڭ ۇ ۇ ﴾ .

ويف هذه اآلية من وجوه حكمة الدعوة وترفقها وبراهينها وبياهنا ما يمأل

العن والقلب فقوله : ﴿ ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ﴾ فيه تعجب واستنكار لرتك

عبادة اهلل عىل الوجه القويم أي بتوحيد ، وهو مل يكن مرشكا باهلل فحق الكام يف

األصل أن يقول هلم : » وما لكم ال تعبدون الذي فطركم «، ولكنه عدل عن ذلك

ترفقا هبم لئا ينفروا، ووجه التعجب واإلنكار إىل نفسه وأوضح أهنام موجهان

إليه من أجل هذا الفعل، فيتوجهان إىل كل من فعله - والسامعون أوهلم - وقوله :

Page 123: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

123

﴿ ۓ ۓ ڭ ڭ ڭ ڭ ﴾ يف خط�اب م�ن يعب�دون اهلل ويرشك�ون ب�ه

بيان لكون عبادهتم إلفس�ادهم إياها كمن ال يعب�د اهلل أصا، ويف تعبريه بلفظ

﴿ ڭ ڭ ﴾ وج�وه من أس�اليب البي�ان إذ الكام مراد ب�ه الربهان عىل

فس�اد ترك عبادته س�بحانه وتع�اىل بمنطق العقل والفط�رة ، فاألصل أن يقول

هل�م: ينبغ�ي يل أن أعب�د اهلل ألن�ه فط�رين أي أوجدين م�ن الع�دم، فاملعبود إنام

يس�تحق العب�ادة ألنه أوجد م�ن يعبده، فا داعي يل وال بره�ان وال نفع يف أن

أترك عبادته وحده وأعبد معه غريه، فهذا عجيب مستنكر يف العقل والفطرة ،

ولكن الكام مل يأت يف القرآن الكريم عىل هذا الوجه الذي أفرتض ألنه سياق

حوار فلس�في ال حيرك القلوب كثريا وال هيز الش�عور الفطري الذي يدفع إىل

اخلري دفعا .

فج�اء األس�لوب القرآين موج�زا يف ألفاظ يس�رية هبذه املع�اين كلها فبدأ

باالس�تفهام تعجبا واس�تنكارا من ترك عبادة اهلل ، واختار ذكر الصفة ﴿ ڭ

ڭ ﴾ وهي التي توجب العبادة له وحده واس�تغنى هبا عن ذكر املوصوف س�بحانه وتع�اىل ، وأفاد باإلن�كار نفي كل س�بب معقول يف ترك ه�ذه العبادة

أي ال حج�ة وال نف�ع وال داع�ي مطلقا لرتك عبادته س�بحانه وتع�اىل ويف هذا

ال�كام - بس�بب مب�ارشة ﴿ ڭ ڭ ﴾ ل�� ﴿ ڭ ڭ ﴾، والفطر يوجب

عبادته - تنافر ش�ديد بن ترك العبادة وبن م�ا يوجبها جيعل تارك هذه العبادة

يشعر بشناعة حاله وخزيه من أفعاله .

وكان يكفي إلقامة احلجة أن يقول : ﴿ ڭ ڭ ﴾ ألن عبادته وجبت

Page 124: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

124

بكون�ه فاطرا لكن ي�اء املتكلم أضافت معنى آخر يس�توجب التوحيد من هذا

املتكل�م ش�كرا إلنعامه عليه باإلجي�اد ، ثم أضاف هذا الناصح س�ببا آخر يزيد

نكارة الرشك باهلل تعاىل ويظهر فضيلة مضمون رس�الة الرس�ل عليهم الس�ام

فق�ال: ﴿ ۇ ۇ ﴾ أي أن الرج�وع إلي�ه أيضا يدع�و إىل عبادته وحده

إذ كي�ف يق�دم العبد عىل رب�ه دون أن يعبده وحده وقد قام�ت عليه احلجة يف

وج�وب ذلك ؟ ويظهر م�ن قوله ﴿ ۇ ۇ ﴾ - وهو انتقال من توجيه

اإلنكار إىل نفس�ه يف اجلملة الس�ابقة إىل توجيه اخلطاب إليهم يف هذه اجلملة -

أن القوم مل يكونوا كافرين باليوم اآلخر مع ما هم عليه من الرشك كام هو حال

كثري من املرشكن كالنصارى ، وتوجيه اخلطاب إليهم يف هذه احلال ال ينفرهم

بل هو أدعى إلقامة حجة التوحيد املذكورة عليهم .

ث�م عاد ه�ذا الناص�ح إىل احلوار ح�ول قضي�ة التوحيد وإيض�اح بطان

دعوى وجود الرشكاء ، وعاد إىل هنج الرتفق فوجه اإلنكار والتوبيخ إىل نفسه :

﴿ۆ ۈ ۈ ٴۇ ﴾، وس�اق ه�ذا ال�كام بع�د ذاك ب�دون أدوات

العط�ف، ألن�ه قضية واح�دة، فبعدم�ا تناوهلا هن�اك بإقامة احلج�ة عىل صحة

التوحيد وصوابه، وفيه إبطال للرشك والرشكاء، تناوهلا هنا من جانب آخر وهو

ع�دم اجل�دوى يف عبادهت�ا : ﴿ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ

ۉ ۉ ې ې ې ې ى ﴾ ، لكن الكام متواصل فقوله : ﴿ ۆ ۈ ۈ ٴۇ ﴾ إن�كار توبيخي مبني عىل الربهان الس�ابق ، أي

من كان فاطرا للخلق مرجوعا إليه ال يعقل أن يعبد معه إله آخر .

Page 125: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

12�

وق�د بن أن عدم الفائدة من اختاذه�ا ألهنا ال تدفع رضا أراده اهلل ملخلوق

بش�فاعة عن�د اهلل - إذ ال ش�فيع إال من بعد إذنه - وال ق�درة هلا عىل دفع الرض

بنفس�ها ، فيك�ون اختاذه�ا مس�تنكرا يف العقل والفط�رة خيزى به م�ن يفعله لو

تعق�ل، وقد ع�ربت اآلية بام يفيد نف�ي اجلدوى من اختاذهم أت�م النفي، فنفت

اإلغناء مهام كان قليا ﴿ ې ﴾ والنكرة يف سياق النفي تعم ، ونفت اإلنقاذ

أيض�ا بصيغ�ة الفع�ل يف س�ياق النفي وهو يعم نف�ي أي يشء م�ن اإلنقاذ ، ثم

أظه�ر احلكم عىل الرشك متام اإلظهار - لكن مل يرتك أس�لوب الرتفق - فقال:

﴿ ائ ائ ەئ ەئ وئ ﴾ وقول�ه : ﴿ ائ ﴾ يعن�ي إين إذا فعلت ذلك كنت يف

قل�ب الضال املبن، أي الذي يبن عن نفس�ه أنه ض�ال ، فكلمة » إذا « تنبيه

عىل س�بب الضال وهم آخذون من هذا الس�بب بالنصي�ب األوفر فاخلطاب

يصيبه�م بمضمون�ه وقص�ده وإن مل يصبه�م بلفظه ث�م ختم نصيحت�ه بقوله :

﴿ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ﴾، ويف ذلك معنيان يقويان دواعي س�امع

نصح�ه: أوهل�ام أنه يدعوهم إىل اإليامن برهبم ومل يقل إىل اهلل، وال قال : إىل ريب،

ألن م�ن معاين الرب أنه اخلالق الراعي املصلح لش�ؤون مربوبه وذلك يوجب

اإلي�امن به ولذا عطف عليه األمر بس�امع نصحه » بالف�اء « وهي تفيد الرتتيب

كرتتي�ب املس�بب عن الس�بب ، وإضاف�ة إىل ضمريه�م ﴿ ۆئ ﴾ تنبيها إىل

فضل�ه عليه�م بربوبيته، ثانيهام أنه أخربه�م بأنه آمن به س�بحانه وتعاىل أي قد

س�بقهم إىل ما نصحهم به واملرء ال يغش نفسه وذلك يقوي الثقة به ويرغب به

من يقتدي .

Page 126: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

12�

وق�د ج�اء يف الرواي�ات احلديثية أن قوم�ه قتلوه ، واآلية مش�عرة بذلك :

ىئ مئ حئ جئ ی ی ی ی ىئ ىئ ىئ ېئېئ ېئ ۈئ ﴿

يئ﴾ وذل�ك ال يك�ون إال بعد املوت س�واء قلنا بأنه دخ�ل اجلنة حقيقة أي بروحه كحال الش�هداء ، أو قلنا إنه عرض عليه مقامه يف اجلنة فهو دخول

تقدي�ر ال دخ�ول فع�ل ، وظل حريص�ا عىل هداية قوم�ه بعد موت�ه، ومتنى أن

يعلموا بشأنه وإكرامه عند ربه لعلهم يؤمنون.

وقد اس�توجب القوم بقتل�ه عقاب اهلل فلم يأهتم بعده رس�ول إذ ال فائدة

يف اإلرس�ال إىل من يقتل الرس�ل بل جاء العذاب العام : ﴿ ٻ ٻ ٻ ٻ

پ پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ ڍ ڌ

ڌ ڎ ڎ ﴾ .

ويف ه�ذه اآلي�ات األخرية إخبار م�ن اهلل تعاىل بحال الق�وم ليعترب الناس

هب�م م�ع إيض�اح العربة ، وأعج�ب ما يف ذل�ك قوله س�بحانه وتع�اىل يف هناية

ٹ ڤ ڤڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ اخل�رب وبداي�ة بي�ان الع�ربة ﴿

ڄ ڄ ﴾ ، كأن�ه يق�ول : يا م�ن يريد أن يتحرس عىل أم�ر جدير باحلرسة فليتحرس عىل هذا الش�أن من شؤون العباد وهو أهنم ﴿ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ

ڄ ڄ ڄ ﴾ .

Page 127: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

12�

ووجه كونه عجيبا أن اهلل تعاىل أظهر به أن رمحته هبم أحب إليه من عذاهبم

ل�و آمنوا واتبعوا رس�لهم، وأنه س�بحانه وتعاىل حيب الرف�ق بعباده ولكنهم

يأبون هذا الرفق بكفرهم وإيذاء الرسل عليهم السام ﴿ ڤ ڦ ڦ ڦ

ڦ ڄ ڄ ڄ ﴾ فهم الذين جيلبون ألنفسهم الدمار والعذاب ، وهذا الرف�ق يظهر يف عباده املرس�لن حن يدعون أقوامه�م إىل اإليامن باهلل تعاىل،

ثم بن اهلل س�بحانه وتعاىل العربة للناس م�ن مصائر األقوام اهلالكن فقال :

بمصائ�ر يعت�ربون أال أي ،﴾ چ چ چ ڃ ڃ ڃ ڃ ﴿

األق�وام الكثريي�ن الذي�ن أهلكناهم لكفره�م وتكذيبهم رس�لهم ، ثم ختم

س�بحانه وتعاىل س�وق العربة بقوله : ﴿ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ﴾ أي

ما من قوم من أولئك إال وس�يجمعون لدينا وحيرضون لدينا للحس�اب بعد

عقوبة الدنيا ، وهذه العربة خاصة العرب كلها ، واهلل تعاىل أعلم .

* * *

Page 128: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

12�

خيادعون اهلل :

﴿ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ ڃ

ڌ ڌ ڍ ڍ ڇ ڇ ڇ ڇ چ چ چ چ ڃ

گ گ گ ک ک ک ک ڑ ڑ ژ ژ ڈڈ ڎ ڎ

گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ ڱ ں ں ڻ ڻ

ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ۓۓ ڭ

ۅ ۅ ۋ ۋ ٴۇ ۈ ۈ ۆ ۆ ۇ ۇ ڭ ڭ ڭ

ۉ ۉ ې ې ې ې ى ى ائ ائ ەئ ەئ وئ وئ

ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ

ی ی ی ی ﴾)�(.

تفسري البغوي �7- تفسري أيب السعود �/�9

يف هذه اآليات حوار من حوارات القرآن مع املخالفن ، ولكنه حوار غري

مب�ارش ، يذك�ر أقواهلم وأعامهل�م ويرد عليها من دون أن يوج�ه اخلطاب إليهم

إش�عارا بإبعادهم، وهو حوار فيه ش�دة شديدة كأنام هي رضبات عىل الوجوه،

وذلك يناس�ب م�ا هم عليه م�ن النفاق يظه�رون اإليامن ويفعلون م�ا يناقضه

بقصد اخلداع وجزاؤهم الردع .

)�( سورة البقرة: اآليات �6-8 .

Page 129: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

12�

ويبدأ احلوار - ال معهم بل مع خماطبن غريهم أقرب ما يمكن أن يكونوا

هم املس�لمن - يبدأ بالتعريف هبم كصنف من الناس ال كجامعة موجودة بن

املس�لمن، وهذا يناس�ب قصد إبعاده�م وجمافاهتم ، فيقول س�بحانه : ﴿ ڤ

منافق�ون فه�م إذن ﴾ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦ ڦ ڦ ڤ ضعف�وا عن إبداء كفرهم فلج�ؤوا إىل اخلداع : ﴿ ڃ ڃ چ چ ﴾

ف�ريد اهلل تع�اىل عىل عملهم ه�ذا أوال بأنه ال يرض أح�دا وإنام يرضهم وحدهم

ويق�ع عليه�م وحدهم ، وه�م غافلون عن ذل�ك : ﴿ چ چ ڇ ڇ

ڇ ڇ ﴾ وهذا يش�عرهم برضورة النظر يف ش�أن أنفسهم ومراجعة ما هم عليه، وذلك من دواعي الرتاجع عن الباطل إذا علم صاحبه أنه يرض بنفس�ه ،

وهذا من مقاصد اآلية رغم أن الس�ياق س�ياق زجر وتوبيخ وسخرية ، وليس

حوارا يقدم األدلة ملن جيهلها والرباهن ملن ال يعلمها .

وي�رد عليهم ثانيا ببيان أن س�بب خطئهم هذا ليس جه�ا يداوى بالعلم

ولكنه نفاق دعاهم إليه ش�ك يف الدين ، ويس�مى الش�ك مرضا ليشعرهم بأن

هذا النفاق قد أفسد قلوهبم وأرض هبا، ويبن هلم أنه جازاهم عىل نفاقهم بزيادة

ح مرض هو الشك واحلرية ، وأوجب هلم جزاء آخر هو العذاب األليم، ويرص

بأن سبب ذلك هو كذهبم أي إظهارهم اإليامن وهم غري مؤمنن ، وليس املراد

الكذب الذي يكون يف اخلرب العادي ، وهذا كله مع ما فيه من الزواجر يتضمن

دعوهت�م إىل مراجعة أنفس�هم ، ال ببيان الدالئ�ل والرباهن ألهنم ال جيهلوهنا،

ب�ل بكش�ف إرضارهم بأنفس�هم لعلهم يرجع�ون ، ثم تع�رض اآليات صور

Page 130: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

130

نفاقه�م - وص�ور نفاقهم كثرية - ولكن اآليات تذكر ما يتعلق منها بمواقفهم

القائمة عىل نفاقهم يف عاقتهم مع عموم املس�لمن حيث كانوا يوالون اليهود

ويتآمرون معهم عىل النبي � واملؤمنن به من املهاجرين واألنصار ويس�يئون

إليه � وإليهم وإىل دينهم .

يف الص�ورة األوىل يقول س�بحانه : ﴿ ک گ گ گ گ ڳ ڳ﴾

للنب�ي والذي�ن مع�ه � ﴿ ڳ ڳ ڱ اليه�ود وبكيدك�م بتآمرك�م م�ع

ڱ﴾ وه�ذا عن�اد ومبالغ�ة يف النف�اق فهم ال يدعون أهن�م مصلحون فقط ، بل يزعمون - كام دلت كلمة إنام - أن كل أعامهلم إصاح، وال يفعلون

شيئا من اإلفساد .

ولذل�ك أجاهبم اهلل تعاىل بحرص اإلفس�اد فيهم وكامل هذا اإلفس�اد حتى

إن س�واهم ال يع�د عمله إفس�ادا بالنس�بة إليه�م فيقول س�بحانه : ﴿ ڱ ں

ں ڻ ﴾ ، فيب�دأ ب�أداة التنبي�ه » أال « ليلفت هبا األنظ�ار ويؤكد اجلملة ب�أداة التوكيد » إن « ويعرف اخلرب باأللف والام لبيان أهنم جامعون ألطراف

اإلفس�اد كلها وذلك حيرص اإلفساد فيهم، ثم يؤكد هذا احلرص بضمري الفصل

» هم « بن املبتدأ واخلرب ، وهذا الكام ليس بدفع الش�بهة وإقامة الدالئل عىل

احلق ألهنم ال جيهلون احلق بل يعاندونه ، وإنام هو زجر وتوبيخ وإهانة ، ويأيت

قوله سبحانه : ﴿ ڻ ڻ ڻ ﴾ إكامال هلذا التوبيخ ال التامسا للعذر بإثبات

أهنم جاهلون بام يفس�دون وما هو حقيقة حاهلم ، ومعنى ذلك أهنم إلغراقهم

يف اإلفساد صاروا كمن ال يدري ماذا يفعل بحيث يغفل عن أخطائه املرضة به

Page 131: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

131

فا حيس هبا مع أهنا ظاهرة كل الظهور فهو ميت الشعور كأنه ال شعور له ألبته

وهذه غاية التوبيخ ومنتهاه .

ويف الص�ورة الثانية يقول س�بحانه : ﴿ ۀ ہ ہ ہ ہ ھ ھ

ھ ھ ے ے ۓ ۓ ﴾، ويف كامه�م ه�ذا غ�رور وتك�رب واحتقار ألهل اإلي�امن ف�وق ما فيه من كفر وجح�ود، والعاقل ال يفعل ذل�ك إنام يعتذر حن

يك�ون صادق�ا يف عذره بأن�ه مل يظهر له ما يدع�وه إىل اإلي�امن وبنحو ذلك من

األعذار ، إذ ليس يف قول من قال هلم : ﴿ ہ ہ ھ ھ ﴾ ما يدعو إىل

س�وء اجلواب ، إنام هو دعوة إىل اإليامن بطريق التدبر والنظر الذي يس�ري عليه

الناس من حوهلم وهم يعلمون أن هؤالء الناس عقاء ذوو رأي وتدبري ، وإذا

ه�م - بدال من أن يؤمنوا كام آم�ن الناس أو يعتذروا بعذر الصادقن - جييبون

ج�واب املتكربين اجلاحدين املحتقرين لس�واهم املس�تنكرين ما فعله املؤمنون

فيقول�ون ﴿ ھ ے ے ۓ ﴾ والس�فيه ه�و ضعي�ف العق�ل الطائش يف

أقواله وأفعاله ، وهذا طعن يف دين اهلل تعاىل إذ الس�فهاء ال يعرفون أن خيتاروا

م�ا هو حق وخري ، ولذلك جاءهم اجلواب من اهلل تعاىل ردعا وزجرا وإهانة ،

ال تعليام وتوضيحا للحق إذ هو غري خاف عليهم فقال سبحانه : ﴿ ڭ ڭ ڭ

ڭ ۇ ۇ ۆ ﴾ بعبارة شبيهة بام تقدم من اجلواب يف اآلية السابقة، لكن جاء الكام هنا بنفي العلم وهناك بنفي الش�عور ألن اإلفساد يشء ظاهر

يدرك بالشعور بينام اإليامن أمر عقيل علمي يدرك بالعلم .

Page 132: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

132

ويف الصورة الثانية قال س�بحانه : ﴿ ۈ ۈ ٴۇ ۋ ۋ ۅ ۅ

ۉ ۉ ې ې ې ې ى ى ائ ﴾

ويف ه�ذه الص�ورة ينكش�ف نفاقه�م جلي�ا برصي�ح أقواهل�م : يقول�ون

للمؤمن�ن: » آمن�ا «، ويقول�ون ألصحاهبم يف الكف�ر والنفاق : » إن�ا معكم «

بالتأكي�د )�(، ويؤكدون اس�تهزاءهم بأهنم ليس�وا إال مس�تهزئن ، وأصحاهبم ه�ؤالء ليس�وا منافق�ن عادين يف نفاقه�م بل هم ق�ادة يف النفاق يدع�ون إليه وحيتال�ون يف دعوهت�م ويزينون ألصحاهبم النفاق كام تفعل الش�ياطن ولذلك

أطلق القرآن عليهم اسم الشياطن كشفا حلقيقتهم .

وج�اء ال�رد م�ن اهلل تع�اىل ع�ىل اس�تهزائهم باس�تهزائه، وش�تان م�ا بن االس�تهزاءين، ولذل�ك صدرت اجلملة باس�مه س�بحانه ﴿ ەئ ەئ وئ ﴾ إظه�ارا للف�رق العظيم بن عدواهن�م باالس�تهزاء ورد هذا الع�دوان من عند اهلل تع�اىل ، ثم أضاف إىل ذلك س�بحانه أن�ه ﴿ وئ ۇئ ۇئ ۆئ ﴾ أي يزيده�م - م�ع أهنم طاغ�ون - ويرتكهم ف�ا يعجل بإهاكهم فيس�تمرون يف حريهت�م وتردده�م كام ق�ال س�بحانه ﴿ ں ڻ ڻ ڻ ڻۀ ﴾)2( فتزداد

عقوبتهم .

وهذا الرد كالذي س�بق من الردود ليس فيه عرض للقضية وإقامة لألدلة ولكن توبيخ وزجر وإهانة ألن القوم ليسوا يف حال استعام وال يف حال إنكار

)�( تفسري الطربي �/�0 .)2( سورة آل عمران: اآلية �78 .

Page 133: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

133

حوا بألسنتهم ، جاحدون قائم عىل استدالل أيا كان، إنام هم مستهزئون كام رصرافضون لقبول احلق .

وك�ام بدأت اآلي�ات بذكرهم وهم مس�تبعدون عن احل�وار ختمت بمثل ذل�ك وكأهن�ا ترشح حاهل�م لغريهم وتب�ن حقيقته�م ودوافعه�م وثمرة ذلك

ی ی ىئ ىئ ىئ ېئ ېئ ېئ ۈئ ۈئ ﴿ : فيق�ول ی ﴾.

واإلشارة إليهم بكلمة ﴿ ۈئ ﴾ تصور ما سبق من اعتقادهم وأقواهلم

وأحواهل�م ومعاملته�م، كأهنم مش�اهدون ينظر إليهم الناس، وش�ؤوهنم هذه

بادي�ة يف صورهتم كالربهان عىل أهنم ﴿ ېئ ېئ ېئ ﴾ فهذه األمور

ال تكون إال ممن يأخذون الضالة وهم حريصون عليها حرص املش�رتي عىل

البضاع�ة الت�ي يبذل فيها املال ويرتكون اهلدى ترك املش�رتي م�ا يبذله من مال

يف مقاب�ل بضاع�ة هي عن�ده أهم منه وأع�ز عليه ، ومل�ا كان كل عاقل يعلم أن

اهل�دى خ�ري والضالة رش كانت النتيج�ة الطبيعية لذل�ك التبديل أهنم ﴿ ىئ

ىئ ىئ ﴾، ب�ل ق�د خ�رسوا خس�ارة فادح�ة إذ ق�د ضل�وا ﴿ ی ی ی﴾.

وهذه اآلية خلصت ما س�بق من ش�ؤوهنم وحكمت عليهم بام يستحقون

ومع ذلك مل خترج عن هنج ما تقدم يف احلوار من التوبيخ والذم واإلهانة، فهم

مل يسريوا عىل طريق البحث عن احلق واإليامن به حينام يظهر، بل سلكوا طريق

Page 134: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

134

الغواي�ة وأمعنوا يف ش�عابه ، فا هم نفعوا أنفس�هم وال هم كف�وا أذاهم عمن

س�لك طري�ق اهلداية، وم�ن كان كذل�ك كان األجدى يف احل�وار معه هو هنج

السخرية والذم والتوبيخ ال هنج كشف احلقائق وإقامة الدالئل والرباهن .

واآلي�ات القادم�ة يف القرآن بعد هذا هي تش�بيهات متث�ل حاهلم فتزيدها

وضوحا وتزيدها تأثريا يف النفوس، نفوس من راجع نفسه من هؤالء املنافقن،

ونف�وس من حوهلم من املؤمنن وعموم الناس، وهو تأثري ينفر الس�امعن من

تلك األحوال ويمأل قلوهبم خش�ية من العواقب السيئة التي نالت املنافقن أو

هددوا هبا يف املستقبل من احلياة الدنيا واآلخرة .

ورشح هذه األفعال فيه فائدة إذ هي تكميل هلذا احلوار من جهة اإليضاح

والتأثري ، ويف ما تقدم كفاية إن شاء اهلل عن التوسع دفعا للملل .

* * *

Page 135: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

13�

اخلامتــــــة

لقد كان للقرآن الكريم أثر عظيم يف هداية الناس إىل اإليامن واإلس�ام ،

وما قصة إس�ام عمر ريض اهلل عنه عن قارئ الس�رية ببعيد ، وال قصة إذعان

عتب�ة ب�ن ربيعة ببعيد أيضا ، وال ريب أن حلوار الق�رآن مع املخالفن أثرا كبريا

يف تغ�ري هؤالء ، ولذل�ك كان هذا احلوار جديرا بالدراس�ة التفصيلية املتقصية

ألصوله وأساليبه، وهو أمر كبري وشاق حيتاج إىل عمل متواصل وبحث دؤوب

طويل، وقد اقترصت منه عىل موجز يقرب ويوضح وال يستقيص فكانت هذه

الصفحات التي تقدمت .

وكانت املقدمة بيانا لألمهية وأيضا للمقصود وتتابعت األبواب والفصول

ع�ىل قلتها واختصاره�ا يف تفصيل ذلك فكان الب�اب األول بفصليه يمثل كل

منه�ام مجلة أصول من أصول احلوار القرآين مع املخالفن وهو الفصل األول ،

ومجلة من األساليب وهو الفصل الثاين .

فم�ن األصول أن الق�رآن الكريم كان حيتج عىل املخالف�ن بام ال يمكنهم

إنكاره ال بام هو حق عند املؤمنن أو ذوي العقول السليمة فقط كقوله سبحانه

عىل لس�ان نبي�ه إبراهيم لقوم�ه : ﴿ ۓ ۓ ڭ ﴾)�(، وه�ذا إبراز جهري

للتناقض كام سبق عند ذكر اآلية بيانه .

وم�ن األصول القرآني�ة أن ينقض دعوى اخلصم بام يش�هد الواقع به وال

)�( سورة الصافات: اآلية 95 .

Page 136: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

13�

يمل�ك اخلص�م في�ه جوابا كقوله س�بحانه ع�ىل لس�ان إبراهيم عليه الس�ام :

﴿ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ﴾)�(.

وم�ن أص�ول احلوار القرآين مع املخالفن أن يكش�ف هلم الش�بهات التي

ٹ ٹ ٹٹ ٿٿ ٿ ٿ ٺ ﴿ : س�بحانه كقول�ه أضلته�م

ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ﴾)2( .

ومن أصول احلوار القرآين معهم أن حيتج عليهم بام يقرون ، وإن مل يسلم

هلم كقوله سبحانه : ﴿ک ک گ گ گ گ ڳ﴾)�(، أي

أنتم تفضلون البنن، وزعمكم أن املائكة بنات اهلل س�بحانه يعني أنه اختار

لنفس�ه ش�يئا هو دون ما اختار لكم ، وهذا كله افرتاض ألن املائكة ليس�وا

بناته .

وم�ن أص�ول احلوار القرآين معه�م أن يقررهم بام يقرون به وهو يس�تلزم

اإلق�رار بام ينكرونه من احلق كقول�ه تعاىل : ﴿ ڦ ڦ ڦ ڄ﴾)�(،

وتصديقه�م هبذا معلوم لك�ن املراد إلزامهم بام هو مثله وهو إعادة خلقهم يوم

القيامة .

وم�ن ه�ذه األص�ول أن يلجئ املخاطب�ن إىل أمرين يعج�زون عن ادعاء

)�( سورة البقرة: اآلية 258 .)2( سورة األنبياء: اآليتان 26، 27 .

)�( سورة الزخرف: اآلية �6 .)�( سورة الواقعة: اآلية 57 .

Page 137: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

13�

أحدمها ويدينون أنفس�هم إذا ادعوا اآلخر : كقوله تعاىل : ﴿ ڇ ڍ ڍ

ڌ ڌ ڎ ڎڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ﴾)�(.

ومن هذه األصول أن يظهر النبي � - بأمر القرآن - أنه مس�تعد التباع

م�ا يقولون من الباطل لو اس�تطاعوا إثبات كونه حق�ا، ولكن بعد أن يقدم من

األدل�ة ما يدل عىل أن قوهلم باطل قطعا ، كام حتدث عن التوحيد حديثا مطوال

ثم قال للمرشكن : ﴿ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ ﴾)2(، وكل األدلة

تقول هلم إن هذا مستحيل .

وباب األصول القرآنية يف احلوار مع املخالفن باب واس�ع هذه أمثلة منه

حت�اول أن تظهر عظمة هذا احل�وار وعظمة أصوله بتوفي�ق اهلل تعاىل باختصار

يلفت النظر إليها، ال باستقصاء جيمعها.

وأم�ا الفص�ل الثاين م�ن الب�اب األول وهو أس�اليب احلوار الق�رآين مع

املخالفن فهو ال يتناول تفصيل األس�س العقلي�ة والعلمية يف احلوار كالفصل

الس�ابق بل يتناول جانبا آخر هو طريقة التأثري عىل النفس حن خماطبة العقول

من ترفق وترغيب أو شدة وترهيب ونحو ذلك .

فنرى القرآن الكريم يرتفق يف احلوار مع املخالفن حتى مع أشدهم عنادا

)�( سورة البقرة: اآلية 80 .)2( سورة الزخرف: اآلية �8 .

Page 138: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

13�

قب�ل أن يصب�ح هذا العناد جهارا بواحا كقوله س�بحانه وتع�اىل لبني إرسائيل:

چ چ ڃ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ ڦ ڦ ﴿

چ ﴾)�(، ونح�و ه�ذا بل أظه�ر منه قوله س�بحانه وتعاىل بع�د ذكر أهل

القري�ة الذي�ن هددوا أنبياءه�م وقتلوا من نصحه�م باتباعهم : ﴿ ٹ ڤ

ڤڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڄ ﴾)2(، وه�ذا للتأث�ري ع�ىل م�ن يسمع قصصهم .

وم�ن األس�اليب القرآني�ة يف ح�وار املخالف�ن أن يزجره�م أش�د الزجر

وهيددهم بأشد العذاب - إن مل يستجيبوا - وذلك ليكرس عنادهم فلعلهم بعد

ك�رس العناد يس�تجيبون كقوله س�بحانه وتع�اىل : ﴿ ٻ ٻ ٻ ٻ پ

پ پ پ ڀ ڀ ڀ ڀٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ﴾)�(.

وق�د جيمع احلوار الرتفق والرتغيب مع الش�دة والرتهيب ومعهام براهن

احل�ق كام ج�اء يف حوار مؤم�ن آل فرعون من س�ورة غافر وه�و طويل يمكن

الرجوع إليه .

ومن أساليب احلوار القرآين مع املخالفن أن يكون عقب قصة تثري مكان

العربة يف النفوس، ثم يأيت بعدها احلوار فيكون أثره يف النفس أكرب كقوله تعاىل

)�( سورة البقرة: اآلية �0 .)2( سورة يس: اآلية �0 .

)�( سورة الفرقان: اآليتان �2، 22 .

Page 139: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

13�

بعد عرض قصة قوم هود عليه الس�ام يف س�ورة األحقاف : ﴿ ھ ھ

ے ے ۓ ۓ ﴾)�( ... إىل قول�ه تع�اىل: ﴿ ىئ ىئ ىئ ی ی ،)2(﴾ جت يب ىب مب خب جبحب يئ ىئ حئمئ جئ ی ی

وهذا احلوار جاء بعد القصة ليكون األسلوب أعظم تأثريا واهلل أعلم .

واألس�اليب يف ح�وار القرآن كث�رية وآثارها عظيمة وما ه�ذا املذكور إال

نامذج .

ث�م ج�اء الباب الثاين وهو كله بفصوله الثاث�ة عبارة عن نامذج مرشوحة

من احلوار متتزج فيها األصول واألساليب لتؤدي نتائجها الباهرة، وهو مكون

من ثاثة فصول كل منها يوضح قضية، فالفصل األول نامذج من احلوار حول

قضي�ة )التوحيد( كل منها يتناوهلا من جانب، والفصل الثاين نامذج من احلوار

حول قضية )البعث( وكل منها يتناوهلا من جانب، والثالث هو نامذج متنوعة،

واجلميع جانب تطبيقي لرؤية األصول واألساليب .

وعس�ى أن يك�ون اهلل وفقني إىل الص�واب واخلري ويتقب�ل ذلك مني وهلل

احلمد أوال وأخريا .

وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم .

)�( سورة األحقاف: اآلية 26 .

)2( سورة األحقاف: اآلية 28 .

Page 140: هبيلاسأو هلوصأ86.96.195.109/download/researches/hewarquran.pdfينفلاخلما عم نآرقلا راوح هبيلاسأو هلوصأ نيزلا دحمأ دوممح

140

الفهرس

- االفتتاحية .......................................................................

املقدم��ة ........................................................................ -

الباب األول: األصول واألسـاليب يف حوار القـرآن مع املخالفني ......

الفصل األول: أصول احل�وار القرآين مع املخالفن ........................

الفصل الثاين: أس�اليب احلوار القرآين مع املخالفن .......................

البـاب الثاين : نامذج من حوار القرآن مـع املخالفني ........................

الفصـل األول: حوارات يف قضي�ة توحي�د اهلل .............................

الفصـل الثاين: حوارات يف قضية البعث واجل�زاء ..........................

الفصل الثالـث: حوارات يف قضايا متنوع�ة ................................

- اخلامت���ة ........................................................................

- الفهرس .........................................................................

5

7

��

�5

��

5�

57

87

�07

��5

��0

صاملوضــــــــوع