449
از ج ع الإ ل ئ دلإ ادي د غ ب ل ر ا ه ا ق ل د ا ب ع ! ن# را لق ا از ج ع ى ا ل ل ا خ مد ل ا م ي ح ر ل ن! ا م ح ر ل له ا ل م ا س ب وخده له ل ى ا عل ت ل ك و ت ى ن ا رخ ج ل د ا م ح م! ن ب! ن م ح ر ل د ا ب ع! ن ب ر ه ا ق ل د ا ب ع ر ك ب و ت ا لإم س د الإ ج مام م الإ خ يR ش لل ا ا ق د ب س د م ح م ى عل ه وات ل ص ن! و ب ر ك اR ش ل د ا م ح! ن مي لا غ ل ا ه زب ل لد م ح ل ى ا لا غ ت ه ل ل ه ا م ح ز ل ك و ه ل م ح و حb ن ل ول ا ص ى ا عل رf ظ ا ب ل ه ا ع ت ل ط ي ز ي ج لإم و ك ا ن! هد غي م ح له ا# ا ى عل ن! و لي س ر م ل ا ه ل ت ق ب ل د ا ق ة ن ك م الإ ده اع ب ت م ل ا اء بR س ه الإ رت ت ه# زا م ى ف ه ن م رf ظ ن ي و ه ع ف م دf ظ ن ل ! ا ون ك ب ه ا ت م د ب ي د خ د ا ا ق رب مغ و رق مغ ى ل م ا ض د ق ما ئR ش م ا ه ب ري ت د و ن! واخ ا مك ى ف ا ه# ى زا ت ح ى ل ا اه دع وه ت ف ن! و ب د ي ر د ت د ره ب ت د ه وب ن ل ا ى صغ ن! ا م لإم ك ى ف ره خ ا ب ت ل خ د د وق زقR ش م ق ف و م ل ى ا ل ا غ ت ه ل ل وا اه ا دوب م ت ل ط ى عل هR ن ع ت و اه ب ع ص و ي د ال اب ب ك ل ا ى ف رf ظ ن ل ا ى ل ا غ ت ه ل ل ا ى ض ر ز ه ا ق ل د ا ب ع ال له ق ض ف و ه ن م ب ادR رس ل ى ا ل ا دي و ت ما ل م ه مل ل وا واب صل ل ت ب ش ب ها عض ت ل غ ج و ض ع ب ي ها عض ت م كل ل ا ق ت ل غ ت وي س مf ظ ن ل س ا لي! ن ا وم ل غ م ه ن ع

دلائل الإعجاز للجرجاني

Embed Size (px)

Citation preview

Page 1: دلائل الإعجاز للجرجاني

دالئل اإلعجازعبد القاهر البغدادي

������المدخل إلى إعجاز القرآن بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله وحده

قال الش**يخ اإلم**ام مج**د اإلس**الم أب**و بك**ر عب**د الق**اهر بن عب**د الرحمن بن محمد الجرج**اني رحم**ه الل**ه تع**الى الحم**د لل**ه رب العالمين حمد الش**اكرين وص**لواته على محم**د س**يد المرس**لين وعلى آله أجمعين هذا كالم وج**يز يطل**ع ب**ه الن**اظر على أص**ول النحو جملة وكل ما به يكون النظم دفع**ة وينظ**ر من**ه في م**رآة تريه األشياء المتباعدة األمكنة قد التقت له حتى رآه**ا في مك**ان واحد ويرى بها مشئما ق**د ض**م إلى مع**رق ومغرب**ا ق**د أخ**ذ بي**د مشرق وقد دخلت بأخرة في كالم من أص**غى إلي**ه وت**دبره ت**دبر ذي دين وفتوة دعاه إلى النظر في الكتاب ال**ذي وض**عناه وبعث**ه على طلب ما دوناه والله تع**الى الموف**ق للص**واب والملهم لم**ا يؤدي إلى الرشاد بمنه وفضله قال عبد القاهر رضي الل**ه تع**الى عن**ه معل**وم أن ليس النظم س**وى تعلي**ق الكلم بعض**ها ببعض وجعل بعضها بس**بب من بعض والكلم ثالث اس**م وفع**ل وح**رف وللتعليق فيما بينها طرق معلومة وهو ال يعدو ثالثة أقس**ام تعل**ق

اسم باسم وتعلق اسم بفعل وتعلق حرف بهما فاالس**م يتعل**ق باالس**م ب**أن يكون خبرا عنه أو حاال منه أو تابعا ل**ه ص**فة أو تأكي**دا أو عط**ف بيان أو بدال أو عطفا بحرف أو بأن يكون مضافا األول إلى الثاني أو بأن يكون األول يعمل في الثاني عم**ل الفع**ل ويك**ون الث**اني في حكم الفاعل له أو المفعول وذل**ك في اس**م الفاع**ل كقولن**ا زيد ض**ارب أب**وه عم*را وكقول*ه تع*الى أخرجن**ا من ه**ذه القري*ة الظ**الم أهله**ا وقول**ه تع**الى وهم يلعب**ون الهي**ة قل**وبهم واس**م المفعول كقولنا زي**د مض**روب غلمان**ه وكقول**ه تع**الى ذل**ك ي**وم مجم*وع ل*ه الن**اس والص*فة المش*بهة كقولن**ا زي*د حس*ن وجه**ه وكريم أصله وشديد س**اعده والمص**در كقولن**ا عجبت من ض**رب زيد عمرا وكقوله تعالى أو إطع**ام في ي**وم ذي مس**غبة يتيم**ا أو بأن يكون تمييزا قد جاله منتص**با عن تم**ام االس**م ومع**نى تم**ام

Page 2: دلائل الإعجاز للجرجاني

االسم أن يكون فيه ما يمن**ع من اإلض**افة وذل**ك ب**أن يك*ون في**ه نون تثنية كقولنا قفيزان برا أو نون جمع كقولنا عش**رون درهم**ا أو تنوين كقولنا راقود خال وم**ا في الس*ماء ق**در راح*ة س**حابا أو تقدير تنوين كقولنا خمس**ة عش**ر رجال أو يك**ون ق**د أض**يف إلى شيء فال يمكن إضافته مرة أخرى كقولنا لي ملؤه عسال وكقوله تعالى ملء األرض ذهبا وأما تعلق االسم بالفعل فبأن يكون فاعال

له أو مفعوال فيكون مصدرا قد انتصب به كقولك ضربت ضربا ويقال ل**ه المفع**ول المطل**ق أو مفع**وال ل**ه كقولك ضربت زيدا أو ظرفا مفع**وال في**ه زمان**ا أو مكان**ا كقول**ك خرجت يوم الجمعة ووقفت أمام**ك أو مفع**وال مع**ه كقولن**ا ج**اء البرد والطيالسة ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها أو مفعوال ل**ه كقولن**ا جئت**ك إكرام**ا ل**ك وفعلت ذل**ك إرادة الخ**ير ب**ك وكقول**ه تعالى ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله أو ب*أن يك*ون م*نزال من الفع**ل منزل**ة المفع**ول وذل**ك في خ**بر ك**ان وأخواته**ا والح**ال والتمييز المنتصب عن تمام الكالم مثل طاب زي**د نفس**ا وحس**ن وجها وكرم أصال ومثل*ه االس**م المنتص*ب على االس*تثناء كقول**ك جاءني القوم إال زيدا ألن**ه من قبي**ل م*ا ينتص*ب عن تم*ام الكالم وأما تعلق الحرف بهما فعلى ثالثة أضرب أح**دها أن يتوس**ط بين الفعل واالسم فيكون ذلك في ح*روف الج*ر ال**تي من ش*أنها أن تعدي األفعال إلى ما ال تتعدى إليه بأنفسها من األسماء مثل أن**ك تقول مررت فال يصل إلى نحو زيد وعمرو فإذا قلت مررت بزي**د أو على زيد وجدته قد وص**ل بالب**اء أو على وك**ذلك س**بيل ال**واو الكائنة بمعنى مع في قولن**ا ل**و ت**ركت الناق**ة وفص**يلها لرض**عها بمنزلة حرف الجر في التوسط بين الفعل واالسم وإيص**اله إلي**ه إال أن الفرق أنها ال تعم**ل بنفس**ها ش**يئا لكنه**ا تعين الفع**ل على عمله النصب وكذلك حكم إال في االستثناء فإنه**ا عن**دهم بمنزل**ة هذه ال**واو الكائن**ة بمع**نى م**ع في التوس**ط وعم**ل النص**ب في المستثنى للفعل ولكن بوساطتها وعون منها والضرب الثاني منتعلق الحرف بما يتعلق به العطف وهو أن يدخل الثاني في عمل العامل في األول كقولنا جاءني زي**د وعم**رو ورأيت زي**دا وعم**را ومررت بزي**د وعم**رو والض**رب الث**الث تعلق**ه بمجم**وع الجمل**ة كتعلق حرف النفي واالستفهام والشرط والجزاء بما يدخل علي**ه وذلك أن من شأن ه**ذه المع**اني أن تتن**اول م**ا تتناول**ه بالتقيي**د

Page 3: دلائل الإعجاز للجرجاني

وبعد أن يسند إلى شيء معنى ذلك أنك إذا قلت ما خرج زيد وما زيد خارج لم يكن النفي الواقع بها متن**اوال الخ**روج على اإلطالق بل الخروج واقعا من زيد ومسندا إليه وال يغرنك قولنا في نحو ال رجل في الدار أنها لنفي الجنس فإن المعنى في ذلك أنه**ا لنفي

عن الجنس ول**و ك**ان يتص**ور تعل**ق النفي الكينون**ة في ال**دار باالسم المفرد لكان الذي قالوه في كلمة التوحيد من أن التقدير فيها ال إله لنا أو في الوجود إال الله فضال من القول وتق**ديرا لم**ا ال يحتاج إليه وكذلك الحكم أبدا فإذا قلت ه**ل خ**رج زي**د لم تكن قد استفهمت عن الخروج مطلق**ا ولكن عن**ه واقع**ا من زي**د وإذا قلت إن يأتني زيد أكرمه لم تكن جعلت اإلتيان شرطا بل اإلتيان من زيد وك**ذا لم تجع**ل اإلك**رام على اإلطالق ج**زاء لإلتي**ان ب**ل اإلكرام واقع**ا من**ك كي**ف وذل**ك ي**ؤدي إلى أش**نع م**ا يك**ون من المحال وهو أن يكون هاهن**ا إتي**ان من غ**ير آت وإك**رام من غ**ير مكرم ثم يكون هذا شرطا وذلك جزاء ومختصر ك**ل األم**ر أن**ه ال يكون كالم من جزء واحد وأنه ال بد من مسند ومسند إليه وكذلك السبيل في كل حرف رأيته ي**دخل على جمل**ة ك**إن وأخواته**ا أال ترى أنك إذا قلت كأن يقتضي مشبها ومشبها به كقولك كأن زيدا األسد وكذلك إذا قلت لو و لوال وجدتهما يقتضيان جمل**تين تك**ون

الثانية جوابا لألولى وجملة األمر أنه ال يكون كالم من حرف وفعل أصال وال من حرف واسم إال في النداء نحو يا عبد الل**ه وذل**ك أيض**ا إذا حق**ق األم**ر كان كالما بتقدير الفعل المضمر الذي هو أعني وأريد وأدعو و ي**ا دليل على قيام معناه في النفس فهذه هي الطرق والوج**وه في تعلق الكلم بعضها ببعض وهي كما تراها مع**اني النح**و وأحكام**ه وكذلك السبيل في ك**ل ش**يء ك**ان ل**ه م**دخل في ص**حة تعل**ق الكلم بعضها ببعض ال ترى شيئا من ذلك يعدو أن يكون حكما من أحكام النحو ومعنى من معانيه ثم إنا نرى هذه كلها موج**ودة في كالم العرب ونرى العلم بها مش**تركا بينهم وإذا ك**ان ذل**ك ك**ذلك فما جوابنا لخصم يقول لنا إذا كانت هذه األمور وهذه الوجوه من التعل**ق ال**تي هي محص**ول النظم موج**ودة على حقائقه**ا وعلى الصحة وكما ينبغي في منثور كالم العرب ومنظومه ورأيناهم ق**د استعملوها وتصرفوا فيها وكملوا بمعرفتها وكانت حقائق ال تتبدل وال تختلف بها الحال إذ ال يكون لالسم بكونه خبرا لمبتدأ أو ص**فة

Page 4: دلائل الإعجاز للجرجاني

لموصوف أو حاال ل**ذي ح**ال أو ف**اعال أو مفع**وال لفع**ل في كالم حقيق**ة هي خالف حقيقت**ه في كالم آخ**ر فم**ا ه**ذا ال**ذي تج**دد بالقرآن من عظيم المزي**ة وب**اهر الفض**ل والعجيب من الوص**ف حتى أعجز الخلق قاطبة وحتى قهر من البلغاء والفصحاء الق**وى والقدر وقيد الخواطر والفك**ر وح**تى خرس**ت الشقاش**ق وع**دم نط**ق الن**اطق وح**تى لم يج**ر لس**ان ولم يبن بي**ان ولم يس**اعد

إمكان ولم ينقدح ألحد منهم زند ولم يمض له حد وحتى أس**ال ال**وادي عليهم عج**زا وأخ**ذ مناف**ذ القول عليهم أخذا أيلزمنا أن نجيب هذا الخصم عن سؤاله ونرده عن ضالله وأن نطب لدائه ونزيل الفساد عن رائه فإن كان ذل**ك يلزمن**ا فينبغي لك**ل ذي دين وعق**ل أن ينظ**ر في الكت**اب ال**ذي وضعناه ويستقصي التأمل لما أودعناه فإن علم أنه الطري**ق إلى البيان والكشف عن الحجة والبرهان تبع الحق وأخذ ب**ه وإن رأى أن له طريقا غيره أومى لنا إليه ودلنا علي**ه وهيه**ات ذل**ك وه**ذه أبيات في مثل ذلك البسيط إني أقول مقاال لست أخفيه ولس**ت أرهب خص**ما إن ب**دا في**ه م**ا من س**بيل إلى إثب**ات معج**زة في النظم إال بم**ا أص**بحت أبدي**ه فم**ا لنظم كالم أنت ناظم**ه مع**نى سوى حكم إعراب تزجيه اسم يرى وهو أصل للكالم فما يتم من دونه قصد لمنشيه وآخر هو يعطيك الزي**ادة في م**ا أنت تثبت**ه أو أنت تنفيه تفسير ذلك أن األصل مبتدأ تلقى له خبرا من بعد تثنيه وفاعل مسند فعل تقدمه إليه يكسبه وصفا ويعطيه هذان أص**الن ال تأتيك فائدة من منطق لم يكونا من مبانيه وما يزي**دك من بع**د التمام فما سلطت فعال علي**ه في تعدي**ه ه**ذي ق**وانين يلفى من تتبعها ما يشسبه البحر فيضا من نواحي**ه فلس**ت ت**أتي إلى ب**اب

لتعلمه إال انصرفت بعجز عن تقصيه هذا كذاك وإن ك**ان ال**ذين ت**رى ي**رون أن الم*دى دان لباغي**ه ثم الذي ه**و قص**دي أن يق**ال لهم بم**ا يجيب الف**تى خص**ما يماري**ه يقول من أين أن ال نظم يشبهه وليس من منطق في ذاك يحكيه وق**د علمن**ا ب**أن النظم ليس س**وى حكم من النح**و نمض**ي في توخي**ه ل**و نقب األرض ب**اغ غ**ير ذاك ل**ه مع**نى وص**عد يعل**و في ترقي**ه م**ا ع**اد إال بخس**ر في تطلب**ه وال رأى غ**ير غي في تبغي**ه ونحن ما إن بثثنا الفكر ننظر في أحكامه ونروي في معانيه كانت حقائق يلفى العلم مشتركا بها وكال تراه نافذا فيه فليس معرف**ة

Page 5: دلائل الإعجاز للجرجاني

من دون معرفة في كل ما أنت من ب**اب تس**ميه ت**رى تص**رفهم في الكل مطردا يجرونه باقت**دار في مجاري**ه فم**ا ال**ذي زاد في هذا الذي عرفوا ح**تى غ**دا العج**ز يهمي س**يل وادي**ه قول**وا وإال فأص**غوا للبي**ان ت**روا كالص*بح منبلج*ا في عين رائي**ه الحم*د لل*ه

وحده وصلواته على رسوله محمد وآله مقدمة المؤلف بقلمه بسم الله الرحمن ال**رحيم الحم**د لل**ه رب العالمين حمد الشاكرين نحمده على عظيم نعمائه وجمي**ل بالئ**ه ونس**تكفيه ن**وائب الزم**ان ون**وازل الح**دثان ون**رغب إلي**ه في التوفيق والعصمة ونبرأ إليه من الحول والقوة ونس**أله يقين**ا يمأل الصدر ويعمر القلب ويستولي على النفس حتى يكفها إذا ن**زغت ويردها إذا تطلعت وثقة بأنه عز وج**ل ال**وزر والك**الىء وال**راعي والحافظ وأن الخير والشر بيده وأن النعم كله**ا من عن**ده وأن ال سلطان ألحد م**ع س**لطانه نوج**ه رغباتن**ا إلي**ه ونخلص نياتن**ا في التوكل عليه وأن يجعلنا ممن همه الصدق وبغيت**ه الح**ق وغرض**ه الصواب وم**ا تص**ححه العق**ول وتقبل**ه األلب**اب ونع*وذ ب**ه من أن ندعي العلم بشيء ال نعلمه وأن نسدي قوال ال نلحم**ه وأن نك**ون ممن يغره الكاذب من الثن**اء وينخ**دع للمتج**وز في اإلط**راء وأن يكون س**بيلنا س**بيل من يعجب**ه أن يج**ادل بالباط**ل ويم**وه على السامع وال يبالي إذا راج عنه القول أن يكون ق**د خل**ط في**ه ولم يسدد في معانيه ونستأنف الرغبة إليه عز وجل في الص**الة على خير خلقه والمص**طفى من بريت**ه محم**د س**يد المرس**لين وعلى

الخلفاء الراشدين وعلى آل**ه األخي**ار من بع**دهم أجمعين أصحابه وبعد فإنا إذا تصفحنا الفضائل لنعرف منازلها في الشرف ونت**بين

مواقعها من العظم ونعلم أي أح**ق منه**ا بالتق**ديم وأس**بق في اس**تيجاب التعظيم وجدنا العلم أوالها بذلك وأولها هنالك إذ ال شرف إال وهو السبيل إليه وال خير إال وهو الدليل عليه وال منقبة إال وهو ذروتها وسنامها وال مفخرة إال وبه صحتها وتمامها وال حس*نة إال وه**و مفتاحه**ا وال محمدة إال ومنه يتقد مصباحها وهو ال**وفي إذا خ**ان ك**ل ص**احب والثق**ة إذا لم يوث**ق بناص**ح ل**واله لم**ا ب**ان اإلنس**ان من س**ائر الحيوان إال بتخطيط صورته وهيئة جس**مه وبنيت**ه ال وال وج**د إلى اكتساب الفضل طريقا وال وجد بشيء من المحاس**ن خليق**ا ذاك ألنا وإن كنا ال نصل إلى اكتساب فضيلة إال بالفعل وكان ال يك**ون

Page 6: دلائل الإعجاز للجرجاني

فعل إال بالق**درة فإن**ا لم ن**ر فعال زان فاعل**ه وأوجب الفض**ل ل**ه حتى يكون عن العلم صدره وحتى يتبين ميسمه عليه وأث**ره ولم نر قدرة قط أكسبت صاحبها مجدا وأفادت**ه حم**دا دون أن يك**ون العلم رائ**دها فيم**ا تطلب وقائ**دها حيث ت**ؤم وت**ذهب ويك**ون المصرف لعنانه**ا والمقلب له**ا في مي**دانها فهي إذا مفتق**رة في أن تكون فضيلة إليه وعيال في اس*تحقاق ه**ذا االس*م علي**ه وإذا هي خلت من العلم أو أبت أن تمتث**ل أم**ره وتقتفي رس**مه آلت وال ش**يء أحش**د لل**ذم على ص**احبها منه**ا وال ش**ين أش**ين من إعماله لها فهذا في فضل العلم ال تجد عاقال يخالفك فيه وال ترى أحدا يدفعه أو ينفيه فأما المفاضلة بين بعض**ه وبعض وتق**ديم فن

منه على فن فإنك ترى الناس فيه على آراء مختلفة وأهواء متعادية ترى كال منهم لحبه نفسه وإيثاره أن يدفع النقص عنها يقدم م**ا يحس**ن من أن**واع العلم على م**ا ال يحس**ن ويحاول الزراية على الذي لم يحظ به والطعن على أهله والغض منهم ثم تتفاوت أحوالهم في ذلك فمن مغمور قد استهلكه هواه وبعد في الجور مداه ومن مترجح فيه بين اإلنصاف والظلم يجور تارة ويعدل أخرى في الحكم فأما من يخلص في هذا المعنى من الحيف حتى ال يقضي إال بالعدل وح*تى يص*در في ك*ل أم*ره عن العقل فكالشيء الممتنع وجوده ولم يكن ذلك ك**ذلك إال لش**رف العلم وجليل محله وأن محبت**ه مرك**وزة في الطب**اع ومركب**ة في النفوس وأن الغيرة عليه الزم**ة للجبل**ة وموض**وعة في الفط**رة وأن**ه ال عيب أعيب عن**د الجمي**ع من عدم**ه وال ض**عة أوض**ع من الخل**و عن**ه فلم يع**اد إذا إال من ف**رط المحب**ة ولم يس**مح ب**ه إال لشدة الضن ثم إنك ال ترى علما ه**و أرس**خ أص**ال وأبس**ق فرع**ا وأحلى ج**نى وأع**ذب وردا وأك**رم نتاج**ا وأن**ور س**راجا من علم البي**ان ال**ذي ل**واله لم ت**ر لس**انا يح**وك الوش**ي ويص**وغ الحلي ويلفظ الدر وينفث السحر ويقري الشهد ويريك ب**دائع من الزه**ر ويجنيك الحلو اليانع من الثمر والذي لوال تحفي**ه ب**العلوم وعنايت**ه

بها وتصويره إياها لبقيت كامنة مستورة ولما استبنت له**ا ي**د ال**دهر صورة وال ستمر الس**رار بأهلته**ا واس**تولى الخف**اء على جملته**ا إلى فوائد ال يدركها اإلحصاء ومحاسن ال يحص**رها االستقص**اء اال أنك لن ترى على ذلك نوعا من العلم قد لقي من الضيم ما لقيه

Page 7: دلائل الإعجاز للجرجاني

ومني من الحيف بما مني به ودخ**ل على الن**اس من الغل**ط في معناه ما دخ**ل عليهم في**ه فق**د س**بقت إلى نفوس**هم اعتق**ادات فاسدة وظنون ردية وركبهم فيه جهل عظيم وخطأ ف**احش ت**رى كث**يرا منهم ال ي**رى ل**ه مع**نى أك**ثر مم**ا ي**رى لإلش**ارة ب**الرأس والعين وما يجده للخط والعقد يقول إنما هو خبر واستخبار وأم**ر ونهي ولكل من ذلك لفظ قد وضع له وجعل دليال عليه فك**ل من عرف أوض**اع لغ**ة من اللغ**ات عربي**ة ك**انت أو فارس**ية وع**رف المغزى من كل لفظة ثم ساعده اللسان على النط**ق به**ا وعلى تأدية أجراسها وحروفها فهو بين في تلك اللغ*ة كام*ل األداة ب*الغ من البي**ان المبل**غ ال**ذي ال مزي**د علي**ه منت**ه إلى الغاي**ة ال**تي ال مذهب بعدها يس**مع الفص**احة والبالغ**ة والبراع**ة فال يع**رف له**ا مع**نى س**وى اإلطن**اب في الق**ول وأن يك**ون المتكلم في ذل**ك جهير الصوت جاري اللسان ال تعترضه لكن**ة وال تق**ف ب**ه حبس**ة وأن يس**تعمل اللف**ظ الغ**ريب والكلم**ة الوحش**ية ف**إن اس**تظهر لألمر وبالغ في النظر فأن ال بلحن ف**يرفع في موض**ع النص**ب أو

يخطىء فيجيء باللفظة على غير ما هي علي**ه في الوض**ع اللغ**وي وعلى خالف م**ا ثبتت ب**ه الرواي**ة عن العرب وجملة األم**ر أن**ه ال ي**رى النقص ي**دخل على ص**احبه في ذلك إال من جهة نقص**ه في علم اللغ**ة ال يعلم أن ه**ا هن**ا دق**ائق وأسرارا طريق العلم بها الروية والفكر ولطائف مستقاها العق**ل وخصائص معان ينفرد بها قوم قد هدوا إليها ودلوا عليها وكش**ف لهم عنه***ا ورفعت الحجب بينهم وبينه***ا وأنه***ا الس***بب في أن عرضت المزية في الكالم ووجب أن يفضل بعضه بعضا وأن يبعد الشأو في ذلك وتمتد الغاية ويعلو الم**رتقى ويع**ز المطلب ح**تى ينتهي األمر إلى اإلعجاز وإلى أن يخرج من طوق البشر ولم**ا لم تعرف هذه الطائفة ه**ذه ال**دقائق وه**ذه الخ**واص واللط**ائف لم تتعرض لها ولم تطلبها ثم عن لها بسوء االتفاق رأي صار حج**ازا بينه**ا وبين العلم به**ا وس**دا دون أن تص**ل إليه**ا وه**و أن س**اء اعتقادها في الشعر الذي ه**و مع**دنها وعلي**ه المع**ول فيه**ا وفي علم اإلعراب ال**ذي ه**و له**ا كالناس**ب ال**ذي ينميه**ا إلى أص**ولها ويبين فاضلها من مفض**ولها فجعلت تظه**ر الزه**د في ك**ل واح**د من النوعين وتطرح كال من الصنفين وترى التشاغل عنهم**ا أولى من االش**تغال بهم**ا واإلع**راض عن ت**دبرهما أص**وب من اإلقب**ال

Page 8: دلائل الإعجاز للجرجاني

على تعلمهما أما الشعر فخيل إليها أنه ليس فيه كثير طائ**ل وأنليس إال ملحة أو فكاهة أو بكاء

منزل أو وصف طلل أو نعت ناق*ة أو جم*ل أو إس*راف ق*ول في مدح أو هجاء وأنه ليس بشيء تمس الحاجة إلي**ه في ص**الح دين أو دنيا وأما النح**و فظنت**ه ض**ربا من التكل**ف وباب**ا من التعس**ف وشيئا ال يستند إلى أصل وال يعتمد فيه على عقل وأن ما زاد منه على معرف**ة الرف**ع والنص**ب وم**ا يتص**ل ب**ذلك مم**ا تج**ده في المبادىء فه**و فض**ل ال يج**دي نفع**ا وال تحص**ل من**ه على فائ**دة وضربوا له المثل بالملح كما عرفت إلى أشباه لهذه الظن**ون في القبيلين وآراء لو علموا مغبتها وما تقود إلي**ه لتع**وذوا بالل**ه منه**ا وألنفوا ألنفسهم من الرضا بها ذاك ألنهم بإيث**ارهم الجه**ل ب**ذلك على العلم في معنى الصاد عن سبيل الله والمبتغي إطف**اء ن**ور الله تعالى وذاك أنا إذا كنا نعلم أن الجهة التي منها قامت الحجة ب**القرآن وظه**رت وب**انت وبه**رت هي أن ك**ان على ح**د من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر ومنتهي**ا إلى غاي**ة ال يطمح إليه**ا بالفكر وكان مح**اال أن يع**رف كون**ه ك**ذلك إال من ع**رف الش**عر الذي هو ديوان الع**رب وعن**وان األدب وال**ذي ال يش**ك أن**ه ك**ان مي**دان الق**وم إذا تج**اروا في الفص**احة والبي**ان وتن**ازعوا فيهم**ا قص**ب الره**ان ثم بحث عن العل**ل ال**تي به**ا ك**ان التب**اين في الفضل وزاد بعض الشعر على بعض ك**ان الص**اد عن ذل**ك ص**ادا عن أن تعرف حجة الله تعالى وكان مثله مثل من يتصدى للناس فيمنعهم عن أن يحفظ**وا كت**اب الل*ه تع*الى ويقوم*وا ب*ه ويتل*وه ويق**رؤوه ويص**نع في الجمل**ة ص**نيعا ي**ؤدي إلى أن يق**ل حفاظ**ه

والقائمون به والمقرئون له ذاك ألن**ا لم نتعب**د بتالوت**ه وحفظ**ه والقي**ام ب**أداء لفظ**ه على النحو الذي أن**زل علي**ه وحراس**ته من أن يغ**ير ويب**دل إال لتك**ون الحجة به قائمة على وجه الدهر تع**رف في ك**ل زم**ان ويتوص**ل

في كل أوان ويكون سبيلها سبيل سائر العلوم ال**تي يرويه**ا إليها الخلف عن السلف ويأثرها الثاني عن األول فمن حال بينن**ا وبين ماله كان حفظنا إي*اه واجتهادن*ا في أن نؤدي*ه ونرع**اه ك*ان كمن رام أن ينسيناه جملة ويذهبه من قلوبنا دفع**ة فس**واء من منع**ك الشيء الذي ينتزع منه الشاهد والدليل ومن منع**ك الس**بيل إلى انتزاع تلك الداللة واالطالع على تل**ك الش**هادة وال ف**رق بين من

Page 9: دلائل الإعجاز للجرجاني

أعدمك الدواء الذي تستشفي به من دائك وتستبقي ب*ه حشاش*ة نفسك وبين من أعدمك العلم بأن فيه شفاء وأن لك فيه استبقاء فإن قال منهم قائل إنك قد أغفلت فيما رتبت فإن لنا طريقا إلى إعجاز القرآن غير ما قلت وهو علمنا بعج**ز الع**رب عن أن ي**أتوا بمثل**ه وت**ركهم أن يعارض**وه م**ع تك**رار التح**دي عليهم وط**ول التقريع لهم بالعجز عنه وألن األمر كذلك ما قامت به الحجة على العجم قيامه**ا على الع**رب واس**توى الن**اس قاطب**ة فلم يخ**رج الجاهل بلسان الع**رب من أن يك**ون محجوج**ا ب**القرآن قي**ل ل**ه خبرنا عما اتفق عليه المسلمون من اختصاص نبينا علي**ه الس*الم بأن كانت معجزته باقية على وجه الدهر أتعرف له معنى غ**ير أن ال يزال البرهان منه الئحا معرض**ا لك**ل من أراد العلم ب**ه وطلب الوص**ول إلي**ه والحج**ة في**ه وب**ه ظ**اهرة لمن أراده**ا والعلم به**ا ممكن**ا لمن التمس**ه ف**إذا كنت ال تش**ك في أن ال مع**نى لبق**اء

المعجزة بالقرآن إال أن الوصف الذي له كان معجزا قائم فيه أبدا وأن الطريق إلى العلم به موجود والوص**ول إلي**ه ممكن ف**انظر أي رج**ل تك**ون إذا أنت زهدت في أن تعرف حج**ة الل**ه تع**الى وآث**رت في**ه الجه**ل على العلم وعدم االستبانة على وجودها وكان التقليد فيه**ا أحب إلي**ك والتعويل على علم غيرك آثر لديك ونح الهوى عنك وراجع عقل**ك واصدق نفسك يبن لك فحش الغلط فيم**ا رأيت وقبح الخط**أ في الذي توهمت وهل رأيت رأي**ا أعج**ز واختي**ارا أقبح ممن ك**ره أن تعرف حجة الله تعالى من الجهة التي إذا عرفت منها كانت أن**ور وأبهر وأقوى وأقهر وآثر أن ال يق**وى س**لطانها على الش**رك ك**ل

القوة وال تعلو على الكفر كل العلو والله المستعان فص**ل في الكالم على من زه**د في رواي**ة الش**عر وحفظ**ه وذم االشتغال بعلمه وتتبعه ال يخلو من كان هذا رأيه من أم**ور أح**دها أن يكون رفضه له وذم*ه إي*اه من أج*ل م*ا يج*ده في**ه من ه**زل وس**خف وهج**اء وس**ب وك**ذب وباط**ل على الجمل**ة والث**اني أن يذمه ألنه موزون مقفى ويرى ه**ذا بمج**رده عيب**ا يقتض**ي الزه**د فيه والتنزه عنه والث**الث أن يتعل**ق ب**أحوال الش**عراء وأنه**ا غ**ير جميلة في األكثر ويقول قد ذموا في التنزي**ل وأي ك**ان من ه**ذه رأيا له فهو في ذلك على خطأ ظاهر وغلط ف**احش وعلى خالف ما يوجبه القياس والنظر وبالضد مما جاء به األثر وصح به الخ**بر

Page 10: دلائل الإعجاز للجرجاني

أما من زعم أن ذمه له من أجل ما يج**د في**ه من ه**زل وس**خف وك**ذب وباط**ل فينبغي أن ي**ذم الكالم كل**ه وأن يفض**ل الخ**رس على النطق والعي على البيان فمنثور كالم الناس على كل ح**ال أكثر من منظوم**ه وال**ذي زعم أن**ه ذم الش**عر من أجل**ه وع**اداه بسببه في**ه أك**ثر ألن الش**عراء في ك**ل عص**ر وزم**ان مع**دودون

والعامة ومن ال يق**ول الش**عر من الخاص**ة عدي**د الرم**ل ونحن نعلم أن ل**و ك**ان منثور الكالم يجمع كما يجمع المنظ**وم ثم عم**د عام**د فجم**ع م**ا قيل من جنس الهزل والسخف ن**ثرا في عص**ر واح**د ألربى على جميع ما قاله الشعراء نظما في األزمان الكثيرة ولغمره ح**تى ال يظهر فيه ثم إنك لو لم ترو من هذا الضرب شيئا قط ولم تحفظ إال الجد المحض وإال ما ال معاب عليك في روايته وفي المحاضرة به وفي نسخه وتدوينه لك**ان في ذل**ك غ**نى ومندوح**ة ولوج**دت طلبتك ونلت م**رادك وحص**ل ل**ك م**ا نحن ن**دعوك إلي**ه من علم الفصاحة ف*اختر لنفس*ك ودع م*ا تك*ره إلى م*ا تحب ه**ذا وراوي الشعر ح**اك وليس على الح**اكي عيب وال علي**ه تبع**ة إذا ه**و لم يقصد بحكايته أن ينص**ر ب**اطال أو يس**وء مس**لما وق**د حكى الل**ه تعالى كالم الكفار فانظر إلى الغرض الذي ل**ه روي الش**عر ومن

أن**ك ق**د زغت عن المنهج وأن**ك مس**يء أجله أريد وله دون تعلم في هذه العداوة وهذه العصبية من**ك على الش**عر وق**د استش**هد العلماء لغريب القرآن وإعرابه باألبيات فيه**ا الفحش وفيه**ا ذك**ر الفع**ل الق**بيح ثم لم يعبهم ذل**ك إذ ك**انوا لم يقص**دوا إلى ذل**ك الفحش ولم يري**دوه ولم ي**رووا الش**عر من أجل**ه ق**الوا وك**ان الحس**ن البص**ري رحم**ه الل**ه يتمث**ل في مواعظ**ه باألبي**ات من الشعر وكان من أوجعها عنده الكامل اليوم عن**دك دله**ا وح**ديثها وغدا لغيرك كفها والمعصم وفي الح**ديث عن عم**ر بن الخط**اب

رضي الله عنه ذكره المرزباني في كتابه بإسناد عن عبد الملك بن عم**ير أن**ه ق**ال أتي عم**ر رض**وان الل**ه علي**ه بحلل من اليمن فأتاه محمد بن جعفر بن أبي ط**الب ومحم**د بن أبي بك**ر الص**ديق ومحم**د بن طلح**ة بن عبي**د الل**ه ومحم**د بن حاطب فدخل عليه زيد بن ثابت رض**ي الل**ه عن**ه فق**ال ي**ا أم**ير المؤمنين هؤالء المحمدون بالباب يطلب**ون الكس**وة فق**ال ائ**ذن لهم يا غالم فدعا بحلل فأخذ زيد أجوده**ا وق**ال ه**ذه لمحم**د بن

Page 11: دلائل الإعجاز للجرجاني

حاطب وكانت أمه عنده وهو من بني لؤي فقال عمر رضي الل**ه عنه أيهات أيهات وتمثل بشعر عمارة بن الولي**د الطوي**ل أس**رك لما صرع القوم نشوة خروجي منها سالما غير غ**ارم بريئ**ا ك**أني قبل لم أك منهم وليس الخداع مرتضى في التنادم ردها ثم ق**ال ائتني بثوب فألقه على هذه الحل**ل وق**ال أدخ**ل ي**دك فخ**ذ حل**ة وأنت ال تراها فأعطهم قال عبد الملك فلم أر قسمة أع**دل منه**ا وعمارة هذا ه**و عم**ارة بن الولي**د بن المغ**يرة خطب ام**رأة من قومه فقالت ال أتزوجك أو تترك الشراب فأبى ثم اشتد وجده بها فحلف لها أال يشرب ثم مر بخمار عنده ش**رب يش**ربون ف**دعوه فدخل عليهم وق**د أنف**دوا م**ا عن**دهم فنح**ر لهم ناقت**ه وس**قاهم ببرديه ومكثوا أياما ثم خرج فأتى أهله فلما رأته امرأته قالت ألم تحلف أال تشرب فقال ولسنا بش**رب أم عم**رو إذا انتش**وا ثي**اب

الندامى عندهم كالغنائم ولكننا يا أم عمرو نديمنا بمنزلة الريان ليس بعائم أسرك البي**تين

هزل أداة في جد وكالم جرى في باط**ل ثم اس*تعين ب*ه فإذا رب على حق كما أنه رب شيء خسيس توص**ل ب**ه إلى ش**ريف ب**أن ضرب مثال فيه وجعل مثاال له كما قال أبو تمام الكامل والله ق**د ض**رب األق**ل لن**وره مثال من المش**كاة والن**براس وعلى العكس فرب كلمة حق أريد بها باطل فاستحق عليه**ا ال**ذم كم**ا ع**رفت من خبر الخارجي مع علي رضوان الله عليه ورب قول حسن لم يحسن من قائله حين تسبب به إلى ق**بيح كال**ذي حكى الجاح**ظ قال رجع طاووس يوما عن مجلس محمد بن يوسف وه**و يومئ**ذ والي اليمن فقال ما ظننت أن قول س**بحان الل**ه يك**ون معص**ية

رج**ل كالم**ا لله حتى كان اليوم سمعت رجال أبلغ ابن يوسف عن فقال رج**ل من أه**ل المجلس س**بحان الل**ه كالمس**تعظم ل**ذلك الكالم ليغضب ابن يوسف فبهذا ونحوه فاعتبر واجعله حكما بينك وبين الشعر وبعد فكيف وضع من الش**عر عن**دك وكس**به المقت منك أنك وج**دت في**ه الباط**ل والك**ذب وبعض م**ا ال يحس**ن ولم يرفعه في نفسك ولم يوجب ل**ه المحب**ة من قلب**ك أن ك**ان في**ه الحق والصدق والحكم**ة وفص**ل الخط**اب وأن ك**ان مج**نى ثم**ر العقول واأللب**اب ومجتم**ع ف**رق اآلداب وال**ذي قي**د على الن**اس

المعاني الشريفة وأفادهم الفوائد الجليلة

Page 12: دلائل الإعجاز للجرجاني

وترسل بين الماضي والغابر ينق*ل مك*ارم األخالق إلى الول*د عن الوالد ويؤدي ودائع الشرف عن الغائب إلى الشاهد حتى ترى ب**ه آث**ار الماض**ين مخل**دة في الب**اقين وعق**ول األولين م**رددة في اآلخ***رين وت***رى لك***ل من رام األدب وابتغى الش***رف وطلب محاس**ن الق**ول والفع**ل من**ارا مرفوع**ا وعلم**ا منص**وبا وهادي**ا مرشدا ومعلما مسددا وتجد فيه للنائي عن طلب المآثر والزاه**د في اكتساب المحامد داعي**ا ومحرض**ا وباعث**ا ومحضض**ا وم**ذكرا ومعرفا وواعظا ومثقفا فلو كنت ممن ينصف كان في بعض ذلك ما يغير هذا الرأي من**ك وم**ا يح**دوك على رواي**ة الش**عر وطلب**ه ويمنعك أن تعيبه أو تعيب به ولكنك أبيت إال ظنا س**بق إلي**ك وإال ب**ادىء رأي عن ل**ك ف**أقفلت علي**ه قلب**ك وس**ددت عم**ا س**واه سمعك فعي الناصح ب**ك وعس**ر على الص**ديق والخلي**ط تنبيه**ك نعم وكيف رويت ألن يمتلىء جوف أح**دكم قيح**ا فيري**ه خ**ير ل**ه من أن يمتلىء ش**عرا ولهجت ل**ه وت**ركت قول**ه إن من الش**عر لحكما وإن من البيان لسحرا وكي**ف نس**يت أم**ره بق**ول الش**عر ووع**ده علي**ه الجن**ة وقول**ه لحس**ان ق**ل وروح الق**دس مع**ك وسماعه له واستنشاده إياه وعمله ب**ه واستحس**انه ل**ه وارتياح**ه

عند سماعه أما أمره به فمن المعلوم ضرورة وكذلك سماعه إي**اه فق**د ك**ان حس**ان وعب**د الل**ه بن رواح**ة وكعب بن زه**ير يمدحون**ه ويس**مع منهم ويصغي إليهم ويأمرهم بالرد على المشركين فيقول**ون في ذلك ويعرض**ون علي**ه وك**ان علي**ه الس**الم ي**ذكر لهم بعض ذل**ك كالذي روي من أنه قال لكعب ما نسي ربك وما كان رب**ك نس**يا شعرا قلته قال وما هو يا رسول الله قال أنشده يا أبا بكر فأنشد أبو بكر رضوان الله عليه الكامل زعمت سخينة أن ستغلب ربه**ا وليغلبن مغالب الغالب وأما استنشاده إياه فكثير من ذل**ك الخ**بر المعروف في استنشاده حين استسقى فسقي ق**ول أبي ط**الب الكام**ل وأبيض يستس**قى الغم**ام بوجه**ه ثم**ال اليت**امى عص**مة لألرام**ل يطي**ف ب**ه الهالك من آل هاش**م فهم عن**ده في نعم**ة

وفواضل األبيات وعن الشعبي رضي الله عنه عن مسروق عن عبد الله ق**ال لم**ا نظر رسول الل**ه إلى القتلى ي**وم ب**در مص**رعين ق**ال ألبي بك**ر رضي الله عنه لو أن أبا ط**الب حي لعلم أن أس**يافنا ق**د أخ**ذت

Page 13: دلائل الإعجاز للجرجاني

باألنامل قال وذلك لقول أبي طالب كذبتم وبيت الل**ه إن ج**د م**ا أرى لتلتبس**ن أس**يافنا باألنام**ل وينهض ق**وم في ال**دروع إليهم نهوض الروايا في طريق حالحل ومن المحفوظ في ذل**ك ح**ديث محم**د بن مس**لمة األنص**اري جمع**ه وابن أبي ح**درد األس**لمي الطريق قال فتذاكرنا الش*كر والمع*روف ق*ال فق*ال محم*د كن**ا يوما عند النبي فقال لحسان بن ثابت أنشدني قص**يدة من ش**عر الجاهلية فإن الله تعالى قد وضع عنا آثامه**ا في ش**عرها وروايت**ه فأنشده قصيدة لألعشى هجا بها علقمة بن عالث**ة الس**ريع علقم

والواتر فقال النبي ي**ا حس**ان ال ما أنت إلى عامر الناقض األوتار تعد تنشدني هذه القصيدة بعد مجلسك هذا فقال يا رس**ول الل**ه تنهاني عن رجل مشرك مقيم عند قيصر فق**ال الن**بي ي**ا حس**ان أشكر الن**اس للن**اس أش**كرهم لل**ه تع**الى وإن قيص**ر س**أل أب**ا

سفيان بن حرب عني فتناول مني وفي خبر آخر فشعث مني وإنه سأل ه**ذا ع**ني فأحس**ن الق**ول فشكره رسول الله على ذلك وروي من وجه آخر أن حسان قال يا رسول الله من نالتك ي**ده وجب علين**ا ش**كره ومن المع**روف في ذلك خبر عائشة رضوان الله عليه**ا أنه**ا ق**الت ك**ان رس**ول الله كثيرا ما يقول أبياتك فأقول الكامل ارفع ضعيفك ال يحر ب**ك ضعفه يوما فتدركه العواقب قد نمى يجزي**ك أو يث**ني علي**ك وإن من أثنى عليك بما فعلت فقد ج*زى ق**الت فيق**ول علي**ه الس*الم يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده صنع إليك عبدي معروف**ا فهل شكرته عليه فيقول يا رب علمت أنه من**ك فش**كرتك علي**ه قال فيقول الله ع**ز وج**ل لم تش**كرني إذ لم تش**كر من أجريت**ه على يده وأما علمه علي**ه الس**الم بالش**عر فكم**ا روي أن س**ودة أنش**دت ع**دي وتيم تبتغي من تح**الف فظنت عائش**ة وحفص**ة رضي الله عنهم**ا أنه**ا عرض**ت بهم**ا وج**رى بينهن كالم في ه**ذا المع**نى ف**أخبر الن**بي ف**دخل عليهن وق**ال ي**ا ويلكن ليس في

عديكن وال تيمكن قيل هذا وإنما قيل في عدي تميم وتيم تميم وتم*ام ه**ذا الش*عر وه**و لقيس بن معدان الكلبي من بني يربوع الطويل فحالف وال والله تهبط تلعة من األرض إال أنت للذل عارف أال من رأى العب**دين أو ذكرا له عدي وتيم تبتغي من تح**الف وروى الزب**ير بن بك**ار ق**ال مر رسول الله ومعه أبو بك**ر رض**ي الل**ه عن**ه برج**ل يق**ول في

Page 14: دلائل الإعجاز للجرجاني

بعض أزقة مكة الكامل يا أيها الرجل المحول رحله هال نزلت بآل عبد الدار فقال النبي ي**ا أب**ا بك**ر أهك**ذا ق**ال الش**اعر ق**ال ال ي**ا رسول الله ولكنه قال الكامل ي**ا أيه**ا الرج**ل المح**ول رحل**ه هال سألت عن آل عبد مناف فقال رسول الله هكذا كنا نسمعها وأما ارتياحه للشعر واستحسانه له فقد جاء فيه الخ**بر من وج**وه من ذل**ك ح**ديث النابغ**ة الجع**دي ق**ال أنش**دت رس**ول الل**ه ق**وليالطويل بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال النبي أين المظهر يا أب**ا ليلى فقلت الجن**ة ي**ا رس**ول الل**ه ق**ال أج**ل إن ش**اء الل**ه ثم ق**ال أنش**دني فأنش**دته من ق**ولي الطويل وال خ**ير في حلم إذا لم تكن ل**ه ب**وادر تحمي ص**فوه أن يك**درا وال خ**ير في جه**ل إذا لم يكن ل**ه حليم إذا م**ا أورد األم**ر أصدرا فقال أجدت ال يفضض الله فاك قال الرازي فنظرت إلي**ه فكأن فاه البرد المنهل ما سقطت له سن وال انفلت ترف غروبه ومن ذلك حديث كعب بن زهير روي أن كعبا وأخ**اه بج**يرا خرج**ا إلى رسول الله حتى بلغا أب**رق الع**زاف فق**ال كعب لبج**ير إل**ق هذا الرجل وأنا مقيم ه**ا هن**ا ف**أنظر م**ا يق**ول وق**دم بج*ير على رسول الله فعرض عليه اإلسالم فأسلم وبلغ ذلك كعبا فق**ال في ذلك شعرا فأهدر الن**بي دم**ه فكتب إلي**ه بج**ير ي**أمره أن يس**لم ويقبل إلى النبي ويقول إن من شهد أن ال إله إال الله وأن محمدا رسول الله قبل منه رسول الله وأسقط ما ك**ان قب**ل ذل**ك ق**ال

فقدم كعب وأنشد النبي قصيدته المعروفة البسيط بانت سعاد فقلبي اليوم متب**ول م**تيم إثره**ا لم يف**د مغل**ول وم**ا سعاد غداة البين إذ رحلت إال أغن غضيض الطرف مكحول تجل**و ع**وارض ذي ظلم إذا ابتس**مت كأن**ه منه**ل ب**الراح معل**ول س**ح السقاة عليها ماء محنية من ماء أبطح أضحى وهو مشمول وي**ل امها خلة لو أنها صدقت موعودها أو ل**و ان النص**ح مقب**ول ح**تى أتى على آخرها فلما بلغ م**ديح رس**ول الل**ه إن الرس**ول لس*يف يستضاء به مهند من س**يوف الل**ه مس**لول في فتي**ة من ق**ريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زول**وا زال**وا فم**ا زال أنك**اس وال كش**ف عن**د اللق**اء وال مي**ل معازي**ل ال يق**ع الطعن إال في نحورهم وما بهم عن حياض الموت تهلي**ل ش**م الع**رانين أبط**ال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيل أشار رس**ول الل**ه إلى

الحلق أن اسمعوا قال وكان رسول الله يكون من

Page 15: دلائل الإعجاز للجرجاني

أص**حابه مك**ان المائ**دة من الق**وم يتحلق**ون حلق**ة دون حلق**ة فيلتفت إلى ه**ؤالء وإلى ه**ؤالء واألخب**ار فيم**ا يش**به ه**ذا كث**يرة واألثر به مستفيض وإن زعم أنه ذم الشعر من حيث ه**و م*وزون مقفى ح**تى ك**أن ال**وزن عيب وح**تى ك**أن الكالم إذا نظم نظم الشعر اتض**ع في نفس**ه وتغ**يرت حال**ه فق**د أبع**د وق**ال ق**وال ال يع**رف ل**ه مع**نى وخ**الف العلم**اء في ق**ولهم إنم**ا الش**عر كالم حسنه حسن وقبيحه قبيح وقد روي ذلك عن النبي مرفوعا أيض**ا فإن زعم أنه إنما ك**ره ال**وزن ألن**ه س**بب ألن يغ**نى في الش**عر ويتلهى به فإنا إذا كنا لم ندع**ه إلى الش**عر من أج**ل ذل**ك وإنم**ا دعون**اه إلى اللف**ظ الج**زل والق**ول الفص**ل والمنط**ق الحس**ن والكالم ال**بين وإلى حس**ن التمثي**ل واالس**تعارة وإلى التل**ويح واإلشارة وإلى صنعة تعمد إلى المعنى الخس**يس فتش**رفه وإلى الضئيل فتفخمه وإلى النازل فترفعه وإلى الخامل فتنوه به وإلى العاطل فتحلته وإلى المشكل فتجليه فال متعلق له علينا بما ذكر وال ضرر علينا بما أنكر فليقل في ال**وزن م**ا ش**اء وليض**عه حيث أراد فليس يعنينا أمره وال هو مرادنا من هذا الذي راجعن**ا الق**ول فيه وهذا هو الجواب لمتعلق إن تعلق بقول**ه تع**الى وم**ا علمن**اه الشعر وما ينبغي له وأراد أن يجعل**ه حج*ة في المن**ع من الش*عر ومن حفظه وروايته وذاك أنا نعلم أن**ه لم يمن**ع الش**عر من أج**ل أن كان قوال فضال وكالم**ا ج**زال ومنطق**ا حس**نا وبيان**ا بين**ا كي**ف وذلك يقتضي أن يكون الله تعالى قد منعه البيان والبالغة وحم**اه الفصاحة والبراعة وجعله ال يبلغ مبلغ الشعراء في حسن العب**ارة وش**رف اللف**ظ وه**ذا جه**ل عظيم وخالف لم**ا عرف**ه العلم**اء

وأجمعوا عليه من أنه كان أفصح العرب وإذا بطل أن يكون المنع من أجل هذه المعاني وكنا قد أعلمناه أنا ندعو إلى الش**عر من أجلها ونحذو بطلبه على طلبه**ا ك**ان االع**تراض باآلي**ة مح**اال والتعلق بها خطال من الرأي وانحالال فإن قال إذا قال الله تع**الى وما علمناه الشعر وما ينبغي له فق**د ك**ره للن**بي الش**عر ونزه**ه عنه بال شبهة وهذه الكراهة وإن كانت ال تتوجه إليه من حيث ه**و كالم ومن حيث إنه بليغ بين وفصيح حسن ونحو ذلك فإنها تتوج**ه إلى أمر ال بد لك من التلبس به في طلب ما ذك**رت أن**ه م**رادك من الشعر وذاك أن**ه ال س**بيل ل**ك إلى أن تم**يز كون**ه كالم**ا عن كون**ه ش**عرا ح**تى إذا رويت**ه التبس**ت ب**ه من حيث ه**و كالم ولم

Page 16: دلائل الإعجاز للجرجاني

تلتبس به من حيث هو شعر وهذا مح**ال وإذا ك**ان ال ب**د ل**ك من مالبسة موضع الكراهة فق**د ل**زم العيب برواي**ة الش**عر وإعم**ال اللسان فيه قيل له هذا منك كالم ال يتحص**ل وذل**ك أن**ه ل**و ك**ان

ذلك من قدره وأزرى به وجلب على المف**رغ الكالم إذا وزن حط له في ذلك القالب إثما وكسبه ذما لكان من ح**ق العيب في**ه أن يكون على واضع الشعر أو من يريده لمكان الوزن خصوصا دون من يريده ألمر خارج عنه ويطلبه لشيء سواه فأما قولك إن**ك ال تستطيع أن تطلب من الشعر ما ال يك**ره ح**تى تلتبس بم**ا يك**ره فإني إذا لم أقصده من أجل ذل**ك المك**روه ولم أرده ل**ه وأردت**ه ألعرف به مكان بالغة وأجعله مثاال في براعة أو أحتج في تفسير كتاب وسنة وأنظر إلى نظمه ونظم القرآن فأرى موضع اإلعج**از وأقف على الجهة التي منها كان وأتبين الفص**ل والفرق**ان فح**ق هذا التلبس أن ال يعتد علي وأن ال أؤاخذ ب**ه إذ ال تك**ون مؤاخ**ذة حتى يك**ون عم**د إلى أن تواق**ع المك**روه وقص**د إلي**ه وق**د تتب**ع العلماء الشعوذة والسحر وعن**وا ب**التوقف على حي**ل المم**وهين ليعرفوا فرق ما بين المعجزة والحيلة فكان ذلك منهم من أعظم البر إذ كان الغرض كريم**ا والقص**د ش**ريفا ه**ذا وإذا نحن رجعن**ا

إلى ما قدمناه من األخبار وما صح من اآلثار وجدنا األمر على خالف م**ا ظن ه**ذا الس**ائل ورأين**ا الس**بيل في من**ع الن**بي الوزن وأن ينطلق لسانه بالكالم الموزون غير ما ذهبوا إليه وذاك لو كان منع تنزيه وكراهة لك*ان ينبغي أن يك*ره ل*ه س**ماع الكالم موزونا وأن ينزه سمعه عنه كما نزه لسانه ولكان ال ي**أمر ب**ه وال يحث عليه وكان الشاعر ال يعان على وزن الكالم وصياغته ش**عرا وال يؤيد فيه بروح القدس وإذا كان هذا كذلك فينبغي أن يعلم أن ليس المنع في ذلك منع تنزيه وكراهة بل سبيل الوزن في منع**ه عليه السالم إياه سبيل الخط حين جعل عليه الس**الم ال يق**رأ وال يكتب في أن لم يكن المنع من أجل كراهة ك**انت في الخ**ط ب**ل ألن تكون الحجة أبهر وأقهر والداللة أقوى وأظه**ر ولتك**ون أكعم للجاح**د وأقم**ع للمعان**د وأرد لط**الب الش**بهة وأمن**ع في ارتف**اع الريبة وأما التعلق بأحوال الشعراء بأنهم قد ذموا في كت**اب الل*ه تعالى فما أرى ع**اقال يرض**ى ب**ه أن يجعل**ه حج**ة في ذم الش**عر وتهجينه والمنع من حفظه وروايته والعلم بما فيه من بالغ**ة وم**ا يختص به من أدب وحكمة ذاك ألنه يلزم على قود هذا الق**ول أن

Page 17: دلائل الإعجاز للجرجاني

يعيب العلماء في استشهادهم بشعر امرىء القيس وأشعار أه**ل الجاهلية في تفسير القرآن وفي غريبة وغ**ريب الح**ديث وك**ذلك يلزمه أن يدفع ما تقدم ذكره من أمر النبي بالشعر وإصغائه إليه واستحسانه له هذا ولو كان يسوغ ذم القول من أج**ل قائل**ه وأن يحم**ل ذنب الش**اعر على الش**عر لك**ان ينبغي أن يخص وال يعم وأن يس**تثنى فق**د ق**ال الل**ه ع**ز وج**ل إال ال**ذين آمن**وا وعمل**وا الصالحات وذكروا الله كثيرا ولوال أن القول يجر بعضه بعضا وأن الشيء يذكر لدخول**ه في القس**مة لك**ان ح**ق ه**ذا ونح**وه أن ال

يشاغل به وأن ال يعاد ويبدأ في ذكره وأما زهدهم في النحو واحتقارهم له وإص**غارهم أم**ره وته**اونهم به فصنيعهم في ذلك أشنع من ص**نيعهم في ال**ذي تق**دم وأش**به بأن يكون صدا عن كت**اب الل**ه وعن معرف**ة معاين**ه ذاك ألنهم ال يجدون بدا من أن يعترفوا بالحاجة إلي**ه في**ه إذ ك**ان ق**د علم أن األلفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون اإلعراب هو ال**ذي يفتحه**ا وأن األغراض كامن**ة فيه**ا ح**تى يك**ون ه**و المس**تخرج له**ا وأن**ه المعيار الذي ال يت**بين نقص**ان كالم ورجحان**ه ح**تى يع**رض علي**ه

يعرف ص**حيح من س**قيم ح*تى يرج*ع إلي**ه وال والمقياس الذي ال ينكر ذلك إال من نكر حسه وإال من غالط في الحقائق نفسه وإذا كان األمر كذلك فليت شعري ما ع**ذر من ته**اون ب**ه وزه**د في**ه ولم ير أن يستسقيه من مصبه ويأخذه من معدنه ورضي لنفس**ه بالنقص والكمال له**ا مع**رض وآث**ر الغبين**ة وه**و يج**د إلى ال**ربح س**بيال ف**إن ق**الوا إن**ا لم ن**أب ص**حة ه**ذا العلم ولم ننك*ر مك*ان الحاج**ة إلي**ه في معرف**ة كت**اب الل**ه تع**الى وإنم**ا أنكرن**ا أش**ياء كثرتموه بها وفضول قول تكلفتموها ومس**ائل عويص**ة تجش**متم الفكر فيه**ا ثم لم تحص**لوا على ش**يء أك**ثر من أن تغرب**وا على السامعين وتعايوا بها الحاضرين قيل لهم خبرونا عم**ا زعمتم أن**ه فضول قول وعويص ال يع**ود بطائ**ل م**ا ه**و ف**إن ب**دأوا ف**ذكروا مسائل التص*ريف ال**تي يض*عها النحوي**ون للرياض**ة ولض*رب من تمكين المقاييس في النفوس كق**ولهم كي**ف تب**ني من ك**ذا ك**ذا وكقولهم ما وزن كذا وتتبعهم في ذلك األلفاظ الوحشية كق**ولهم

ما وزن عزويت وما وزن أرونان وكقولهم في باب ما ال ينصرف لو سميت رجال بكذا كيف يكون الحكم وأشباه ذلك وقالوا أتشكون أن ذلك ال يجدي إال كد الفكر وإضاعة الوقت قلنا

Page 18: دلائل الإعجاز للجرجاني

لهم أما هذا الجنس فلسنا نعيبكم إن لم تنظروا فيه ولم تعنوا به وليس يهمنا أمره فقولوا فيه ما ش**ئتم وض**عوه حيث أردتم ف**إن تركوا ذلك وتجاوزوه إلى الكالم على أغراض واض**ع اللغ**ة وعلى وجه الحكمة في األوضاع وتقرير المقاييس ال**تي اط**ردت عليه**ا وذكر العلل التي اقتضت أن تجري على ما أجريت علي**ه ك*القول في المعتل وفيما يلحق الثالثة التي هي ال*واو والي**اء واألل*ف من التغ**ير باإلب**دال والح**ذف واإلس**كان أو ككالمن**ا مثال على التثني**ة وجمع السالمة لم كان إعرابهم**ا على خالف إع**راب الواح**د ولم تبع النصب فيهما الجر وفي النون أنه عوض عن الحركة والتنوين في حال وعن الحركة وحدها في ح**ال والكالم على م**ا ينص**رف وما ال ينصرف ولم كان من**ع الص**رف وبي**ان العل**ة في**ه والق**ول

التسعة وأنها كلها ثوان ألصول وأنه إذا حصل منه**ا على األسباب اثنان في العلم أو تك**رر س**بب ص**ار ب**ذلك ثاني**ا من جه**تين وإذا صار كذلك أشبه الفع*ل ألن الفع*ل ث*ان لألس*م واألس*م المق*دم واألول وكل ما جرى هذا المجرى قلنا إن**ا نس**كت عنكم في ه**ذا الضرب أيض**ا ونع**ذركم في**ه ونس**امحكم على علم من**ا ب**أن ق**د أس**أتم االختي**ار ومنعتم أنفس**كم م**ا في**ه الح*ظ لكم ومنعتموه**ا االطالع على م**دارج الحكم**ة وعلى العل**وم الجم**ة ف**دعوا ذل**ك

وانظروا في الذي اعترفتم بصحته وبالحاجة إليه هل حصلتموه على وجهه وه**ل أحطتم بحقائق**ه وه**ل وفيتم ك**ل باب من**ه حق**ه وأحكمتم**وه إحكام**ا ي**ؤمنكم الخط**أ في**ه إذا أنتم خض**تم في التفس**ير وتع**اطيتم علم التأوي**ل ووازنتم بين بعض األقوال وبعض وأردتم أن تعرفوا الصحيح من السقيم وعدتم في ذل**ك وب**دأتم وزدتم ونقص**تم وه**ل رأيتم إذ ق**د ع**رفتم ص**ورة المبت**دأ والخ**بر وأن إعرابهم**ا الرف**ع أن تج**اوزوا ذل**ك إلى أن تنظروا في أقسام خ*بره فتعلم*وا أن**ه يك*ون مف**ردا وجمل*ة وأن المف**رد ينقس**م إلى م**ا يحتم**ل ض**ميرا ل**ه وإلى م**ا ال يحتم**ل الض**مير وأن الجمل**ة على أربع**ة أض**رب وأن**ه ال ب**د لك**ل جمل**ة وقعت خبرا لمبتدأ من أن يكون فيها ذك**ر يع**ود إلى المبت**دأ وأن هذا الذكر ربما حذف لفظا وأريد مع**نى وأن ذل**ك ال يك**ون ح**تى

دليل عليه إلى سائر ما يتصل بب**اب اإلبت**داء من يكون في الحال المسائل اللطيفة والفوائد الجليلة التي ال بد منها وإذا نظرتم في الصفة مثال فعرفتم أنها تتبع الموصوف وأن مثالها قول**ك ج**اءني

Page 19: دلائل الإعجاز للجرجاني

رجل ظريف ومررت بزيد الظريف هل ظننتم أن وراء ذلك علم**ا وأن هاهنا صفة تخصص وصفة توضح وتبين وأن فائدة التخصيص غير فائدة التوضيح كما أن فائدة الش*ياع غ*ير فائ**دة اإلبه**ام وأن من الصفة صفة ال يكون فيها تخصيص وال توضيح ولكن يؤتى به**ا مؤكدة كقولهم أمس الدابر وكقول**ه تع**الى ف**إذا نفخ في الص**ور نفخة واحدة وصفة يراد بها المدح والثناء كالصفات الجاري**ة على اسم الله تعالى جدة وهل عرفتم الفرق بين الصفة والخ**بر وبين كل واحد منها وبين الحال وهل عرفتم أن ه**ذه الثالث*ة تتف*ق في أن كافته**ا لثب**وت المع**نى للش**يء ثم تختل**ف في كيفي**ة ذل**ك الثبوت وهكذا ينبغي أن تعرض عليهم األبواب كله**ا واح**دا واح*دا ويسألوا عنها بابا بابا ثم يقال ليس إال أحد أمرين إما أن تقتحموا

التي ال يرضاها العاقل فتنكروا أن يكون بكم حاجة في كتاب الل**ه تع*الى وفي خ*بر رس**ول الل**ه وفي معرف**ة الكالم جملة إلى شيء من ذلك وتزعموا أنكم إذا عرفتم مثال أن الفاعل رفع لم يبق عليكم في باب الفاعل ش**يء تحت**اجون إلى معرفته وإذا نظرتم إلى قولنا زيد منطل**ق لم تحت**اجوا من بع**ده إلى شيء تعلمونه في االبتداء والخبر وحتى تزعم**وا مثال أنكم ال تحت**اجون في أن تعرف**وا وج**ه الرف**ع في الص**ابئون في س**ورة المائدة إلى ما قاله العلماء فيه وإلى استشهادهم بقول الش**اعر الوافر وإال فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق وح**تى ك**أن المشكل على الجميع غير مشكل عندكم وحتى كأنكم ق**د أوتيتم أن تس*تنبطوا من المس*ألة الواح*دة من ك*ل ب*اب مس*ائله كله**ا فتخرجوا إلى فن من التجاهل ال يبقى مع**ه كالم وإم**ا أن تعلم**وا أنكم قد أخطأتم حين أصغرتم أم**ر ه**ذا العلم وظننتم م**ا ظننتم فيه فترجعوا إلى الحق وتسلموا الفضل ألهله وتدعوا الذي يزري بكم ويفتح باب العيب عليكم ويطي**ل لس**ان الق**ادح فيكم وبالل**ه التوفيق هذا ولو أن هؤالء القوم إذ تركوا هذا الشأن تركوه جملة وإذ زعم**وا أن ق**در المفتق**ر إلي**ه القلي**ل من**ه ولم يخوض**وا في التفسير ولم يتعاطوا التأويل لكان البالء واحدا ولكانوا إذ لم يبنوا لم يه**دموا وإذ لم يص**لحوا لم يكون**وا س**ببا للفس**اد ولكنهم لم يفعلوا فجلبوا من ال*داء م*ا أع**يى الط*بيب وح*ير الل*بيب وانتهى التخليط بما أتوه فيه إلى ح**د يئس من تالفي**ه فلم يب**ق للع**ارف الذي يكره الشغب إال التعجب والس**كوت وم**ا اآلف**ة العظمى إال

Page 20: دلائل الإعجاز للجرجاني

واحدة وهي أن يجيء من اإلنسان أن يجري لفظه ويمشي له أنيكثر في غير تحصيل

وأن يحسن البناء على غ*ير أس*اس وأن يق*ول الش*يء لم يقتل*ه علما ونسأل الله الهداية ونرغب إليه في العصمة ثم إن**ا وإن كن**ا في زم**ان ه**و على م**ا ه**و علي**ه من إحال**ة األم**ور عن جهاته**ا وتحوي**ل األش**ياء عن حاالته**ا ونق**ل النف**وس عن طباعه**ا وقلب الخالئق المحمودة إلى أضدادها ودهر ليس للفضل وأهله لديه إال الش**ر ص**رفا والغي**ظ بحت**ا وإال م**ا ي**دهش عق**ولهم ويس**لبهم معقولهم حتى صار أعجر الناس رأي**ا عن**د الجمي**ع من ك**انت ل**ه همة في أن يستفيد علما أو يزداد فهما أو يكتسب فضال أو يجعل له ذلك بحال شغال فإن اإللف من طباع الكريم وإذا كان من حق الصديق عليك وال سيما إذا تقادمت صحبته وصحت صداقته أن ال تجفوه بأن تنكبك األيام وتضجرك النوائب وتحرجك محن الزم**ان فتتناساه جملة وتطويه طيا فالعلم الذي هو ص**ديق ال يح**ول عن العهد وال يدغل في الود وصاحب ال يصح علي**ه النكث والغ**در وال يظن به الخيانة والمكر أولى منه بذلك وأجدر وحق**ه علي**ك أك**بر ثم إن التوق إلى أن تقر األمور قرارها وتوضع األش**ياء مواض**عها والنزاع إلى بيان ما يشكل وحل م**ا ينعق**د والكش**ف عم**ا يخفى وتلخيص الصفة حتى يزداد السامع ثقة بالحج**ة واس**تظهارا على الشبهة واستبانة للدليل وتبيينا للسبيل ش**يء في س**وس العق**ل وفي طب**اع النفس إذا ك**انت نفس**ا ولم أزل من**ذ خ**دمت العلم أنظ**ر فيم**ا قال**ه العلم**اء في مع**نى الفص**احة والبالغ**ة والبي**ان والبراعة وفي بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد به**ا فأج**د بعض ذل**ك ك**الرمز واإليم**اء واإلش**ارة في خف**اء وبعض**ه

كالتنبيه على مكان الخبيء ليطلب وموضع الدفين ليبحث عنه فيخرج وكما يفتح لك الطري**ق إلى المطل**وب لتسلكه وتوضع لك القاعدة لتبني عليها ووجدت المع**ول على أن ه**ا هن**ا نظم*ا وترتيب**ا وتأليف*ا وتركيب**ا وص*ياغة وتص*ويرا ونس*جا وتحبيرا وأن سبيل هذه المعاني في الكالم ال**ذي هي مج**از في**ه سبيلها في األشياء التي هي حقيقة فيها وأن**ه كم**ا يفض**ل هن**اك النظم النظم والتأليف التأليف والنسخ النسج والصياغة الص**ياغة ثم يعظم الفض**ل وتك**ثر المزي**ة ح**تى يف**وق الش**يء نظ**يره والمجانس له درجات كثيرة وحتى تتفاوت القيم التفاوت الشديد

Page 21: دلائل الإعجاز للجرجاني

كذلك يفضل بعض الكالم بعضا ويتق**دم من**ه الش**يء الش**يء ثم يزداد فضله ذل*ك وي*ترقى منزل**ة ف**وق منزل*ة ويعل*و مرقب**ا بع*د مرقب وتستأنف له غاية بع**د غاي**ة ح**تى ينتهي إلى حيث تنقط**ع األطماع وتحسر الظن**ون وتس**قط الق**وى وتس**توي األق**دام في العجز وهذه جملة قد يرى في أول األمر وبادىء الظن أنها تكفي

وعدنا وب**دأنا وج**دنا األم**ر على خالف وتغني حتى إذا نظرنا فيها ما حسبناه وصادفنا الحال على غير ما توهمن**اه وعلمن**ا أنهم لئن أقصروا اللفظ لقد أطالوا المعنى وإن لم يغرق*وا في ال*نزع لق*د أبعدوا على ذاك في المرمى وذاك ألنه يقال لنا ما زدتم على أن قستم قياسا فقلتم نظم ونظم وترتيب وترتيب ونس**ج ونس**ج ثم بنيتم عليه أن**ه ينبغي أن تظه**ر المزي**ة في ه**ذه المع**اني هاهن**ا حس**ب ظهوره**ا هن**اك وأن يعظم األم**ر في ذل**ك كم**ا عظم ثم وهذا ص**حيح كم**ا قلتم ولكن بقي أن تعلمون**ا مك**ان المزي**ة في الكالم وتص**فوها لن**ا وت**ذكروها ذك**را كم**ا ينص الش**يء ويعين ويكشف عن وجهه ويبين وال يكفي أن تقول**وا إن**ه خصوص**ية في كيفي**ة النظم وطريق**ة مخصوص**ة في نس**ق الكلم بعض**ها على بعض حتى تصفوا تل**ك الخصوص**ية وتبينوه**ا وت**ذكروا له**ا أمثل**ة وتقول**وا مث**ل كيت وكيت كم**ا ي**ذكر ل**ك من تستوص**فه عم**ل الديباج المنقش ما تعلم به وجه دقة الصنعة أو يعلم**ه بين ي**ديك

حتى ترى عيانا كيف تذهب تلك الخيوط وتجيء وماذا يذهب منه**ا ط**وال وم*اذا ي**ذهب منه**ا عرض**ا وبم يب**دأ وبم يث**ني وبم يثلث وتبص**ر من الحس**اب ال**دقيق ومن عجيب تص**رف الي**د م**ا تعلم من**ه مك**ان الح**ذق وموضع األستاذية ولو كان قول القائل ل**ك في تفس**ير الفص**احة إنها خصوصية في نظم الكلم وضم بعضها إلى بعض على طريق مخصوصة أو على وجوه تظهر بها الفائ**دة أو م**ا أش**به ذل**ك من القول المجمل كافيا في معرفتها ومغنيا في العلم بها لكفى مثله في معرفة الصناعات كلها فكان يكفي في معرف*ة نس*ج ال*ديباج الكثير التصاوير أن تعلم أنه ت**رتيب للغ**زل على وج**ه مخص**وص وضم لطاقات األبريسم بعضها إلى بعض على طرق شتى وذل**ك م**ا ال يقول**ه عاق**ل وجمل**ة األم**ر أن**ك لن تعلم في ش**يء من الصناعات علما تمر فيه وتحلي ح**تى تك**ون ممن يع**رف الخط**أ فيها من الصواب ويفصل بين اإلساءة واإلحسان بل حتى تفاضل

Page 22: دلائل الإعجاز للجرجاني

بين اإلحسان واإلحسان وتعرف طبقات المحسنين وإذا كان ه**ذا الفصاحة أن تنص**ب له**ا قياس**ا هكذا علمت أنه ال يكفي في علم

وأن تصفها وصفا مجمال وتقول فيها قوال مرسال ب**ل ال تك**ون من معرفتها في شيء حتى تفصل الق**ول وتحص**ل وتض**ع الي**د على الخص**ائص ال**تي تع**رض في نظم الكلم وتع**دها واح**دة واح**دة وتسميها شيئا شيئا وتكون معرفتك معرفة الص**نع الح**اذق ال**ذي يعلم علم كل خيط من األبريسم ال**ذي في ال**ديباج وك**ل قطع**ة من القطع المنج**ورة في الب**اب المقط**ع وك**ل آج**رة من اآلج**ر ال**ذي في البن**اء الب**ديع وإذا نظ**رت إلى الفص**احة ه**ذا النظ**ر

وطلبتها هذا الطلب احتجت إلى صبر على التأم**ل ومواظب**ة على الت**دبر وإلى هم**ة ت**أبى ل**ك أن تقن**ع إال بالتمام وأن تربع إال بعد بلوغ الغاية ومتى جشمت ذل**ك وأبيت إال أن تك**ون هنال**ك فق**د أممت إلى غ**رض ك**ريم وتعرض**ت ألم**ر جس**يم وآث**رت ال**تي هي أتم ل**دينك وفض**لك وأنب**ل عن**د ذوي العقول الراجحة لك وذلك أن تعرف حجة الل**ه تع**الى من الوج**ه الذي هو أضوأ له**ا وأن*وه له**ا وأخل*ق ب*أن ي*زداد نوره**ا س*طوعا وكوكبها طلوعا وأن تسلك إليها الطري**ق ال**ذي ه**و آمن ل**ك من الشك وأبعد من الريب وأصح لليقين وأح**رى ب**أن يبلغ**ك قاص**ية التبيين واعلم أنه ال سبيل إلى أن تعرف صحة هذه الجمل**ة ح**تى يبلغ القول غايته وينتهي إلى آخر م**ا أردت جمع**ه ل**ك وتص**ويره

تأملتها تأم**ل في نفسك وتقريره عندك إال أن هاهنا نكتة إن أنت المتثبت ونظرت فيها نظر المتأني رج**وت أن يحس**ن ظن**ك وأن تنش**ط لإلص**غاء إلى م**ا أورده علي**ك وهي أن**ا إذا س**قنا دلي**ل اإلعج**از فقلن**ا ل**وال أنهم حين س**معوا الق**رآن وحين تح**دوا إلى معارض**ته س**معوا كالم**ا لم يس**معوا ق**ط مثل**ه وأنهم ق**د رازوا أنفسهم فأحسوا بالعجز عن أن يأتوا بما يوازيه أو يداني**ه أو يق**ع قريبا منه لكان محاال أن يدعوا معارضته وقد تحدوا إلي**ه وقرع**وا في**ه وطولب**وا ب**ه وأن يتعرض**وا لش**با األس**نة ويقتحم**وا م**وارد الموت فقيل لنا قد سمعنا ما قلتم فخبرونا عنهم عم**ا ذا عج**زوا أعن معان في دقة معانيه وحس**نها وص**حتها في العق**ول أم عن ألفاظ مث**ل ألفاظ**ه ف**إن قلتم عن األلف**اظ فم**اذا أعج**زهم من اللفظ أم ما بهرهم من**ه فقلن**ا أعج**زتهم مزاي**ا ظه**رت لهم في نظمه وخص**ائص ص**ادفوها في س**ياق لفظ**ه وب**دائع راعتهم من

Page 23: دلائل الإعجاز للجرجاني

مبادىء آيه ومقاطعها ومج**اري ألفاظه**ا ومواقعه**ا وفي مض**رب كل مثل ومساق كل خبر وصورة كل عظة وتنبيه وإعالم وت**ذكير وترغيب وترهيب ومع كل حج**ة وبره**ان وص**فة وتبي**ان وبه**رهم

أنهم تأملوه سورة سورة وعش**را عش**را وآي**ة آي**ة فلم يج*دوا في الجمي**ع كلم*ة ينب**و به**ا مكانها ولفظة ينكر شأنها أو يرى أن غيرها أصلح هن**اك أو أش**به أو أحرى وأخلق بل وجدوا اتساقا به**ر العق**ول وأعج**ز الجمه**ور ونظاما والتئاما وإتقانا وإحكاما لم ي**دع في نفس بلي**غ منهم ول**و حك بيافوخه السماء موضع طم**ع ح**تى خرس**ت األلس**ن عن أن تدعي وتقول وخلدت القروم فلم تملك أن تصول نعم ف**إذا ك**ان هو الذي يذكر في جواب السائل فبنا أن ننظ**ر أي أش**به ب**الفتى في عقل**ه ودين**ه وأزي**د ل**ه في علم*ه ويقين**ه أأن يقل**د في ذل**ك ويحفظ متن الدليل وظ**اهر لفظ**ه وال يبحث عن تفس**ير المزاي**ا والخص**ائص م**ا هي ومن أين ك**ثرت الك**ثرة العظيم**ة واتس**عت االتساع المج**اوز لوس**ع الخل**ق وطاق**ة البش**ر وكي**ف يك**ون أن تظه**ر في ألف**اظ محص**ورة وكلم مع**دودة معلوم**ة ب**أن ي**ؤتى

وال ينتهي بها األم**د ببعضها في إثر بعض لطائف ال يحصرها العدد أم أن يبحث عن ذلك كله ويستقص*ي النظ**ر في جميع*ه ويتتبع*ه شيئا فشيئا ويستقص**يه باب**ا فباب**ا ح**تى يع**رف كال من**ه بش**اهده ودليله ويعلمه بتفسيره وتأويله ويوثق بتصوره وتمثيل**ه وال يك**ون كمن قيل فيه الطويل يقولون أقواال وال يعلمونها ولو قي**ل ه**اتوا حققوا لم يحققوا قد قطعت عذر المتهاون ودللت على ما أض**اع من حظه وهديت**ه لرش**ده وص**ح أن ال غ**نى بالعاق**ل عن معرف**ة هذه األمور والوقوف عليها واإلحاط**ة به**ا وأن الجه**ة ال**تي منه**ا يق**ف والس**بب ال**ذي ب**ه يع**رف اس**تقراء كالم الع**رب وتتب**ع أشعارهم والنظر فيها وإذ قد ثبت ذلك فينبغي لنا أن نبت**دىء في

بيان ما أردنا بيانه ونأخذ في شرحه والكشف عنه وجملة ما أردت أن أبينه لك أنه ال بد لكل كالم تستحس**نه ولف**ظ تس**تجيده من أن يك**ون الستحس**انك ذل**ك جه**ة معلوم**ة وعل**ة معقولة وأن يكون لنا إلى العبارة عن ذاك سبيل وعلى صحة م**ا ادعيناه من ذلك دليل وهو ب**اب من العلم إذا أنت فتحت**ه اطلعت منه على فوائد جليل*ة ومع*ان ش*ريفة ورأيت ل*ه أث*را في ال*دين عظيما وفائدة جسيمة ووجدته سببا إلى حسم كث**ير من الفس**اد

Page 24: دلائل الإعجاز للجرجاني

فيم**ا يع**ود إلى التنزي**ل وإص**الح أن**واع من الخل**ل فيم**ا يتعل**ق بالتأوي**ل وإن**ه ليؤمن**ك من أن تغال**ط في دع**واك وت**دافع عن مغزاك ويرب**أ ب**ك عن أن تس**تبين ه**دى ثم ال تهت**دي إلي**ه وت**دل بعرفان ثم ال تستطيع أن تدل علي**ه وأن تك**ون عالم**ا في ظ**اهر مقلد ومس*تبينا في ص*ورة ش*اك وأن يس*ألك الس*ائل عن حج*ة يلقى بها الخصم في آي**ة من كت**اب الل**ه تع**الى أو غ**ير ذل**ك فال ينصرف عنك بمقنع وأن يكون غاي**ة م*ا لص*احبك من**ك أن تحيل*ه على نفسه وتقول قد نظرت فرأيت فضال ومزية وصادفت ل**ذلك أريحية فانظر لتعرف كما عرفت وارجع نفسك واسبر وذق لتج**د مثل الذي وجدت فإن عرف فذاك وإال فبينكما التناكر تنسبه إلى سوء التأم**ل وينس**بك إلى فس**اد في التخي**ل وإن**ه على الجمل**ة

من بحيث ينتقي ل**ك من علم اإلع**راب خالص**ه ولب**ه ويأخ**ذ ل**ك أناسي العيون وحبات القلوب وما ال ي**دفع الفض**ل في**ه داف**ع وال ينك**ر رجحان**ه في م**وازين العق**ول منك**ر وليس يت**أتى لي أن أعلمك من أول األم**ر في ذل**ك آخ**ره وأن أس**مي ل**ك الفص**ول التي في نيتي أن أحررها بمشيئة الله عز وجل ح**تى تك**ون على علم بها قبل موردها عليك فاعمل على أن هاهنا فص**وال ال يجيء

بعضها في إثر بعض وهذا أولها فصل في تحقيق القول على البالغة والفصاحة والبي**ان والبراع**ة في تحقيق القول على البالغة والفصاحة والبي**ان والبراع**ة وك**ل ما شاكل ذلك مما يع**بر ب**ه عن فض**ل بعض الق**ائلين على بعض من حيث نطق***وا وتكلم***وا وأخ***بروا الس***امعين عن األغ***راض والمقاصد وراموا أن يعلموهم ما في نفوسهم ويكش**فوا لهم عن ضمائر قلوبهم ومن المعلوم أن ال معنى لهذه العبارات وسائر ما يجري مجراها مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والص**فة وينس**ب في**ه الفضل والمزية إليه دون المعنى غير وصف الكالم بحسن الداللة وتمامها فيما له كانت داللة ثم تبرجها في صورة هي أبهى وأزين وآنق وأعجب وأحق بأن تستولي على هوى النفس وتن**ال الح**ظ األوفر من ميل القلوب وأولى بأن تطل**ق لس**ان الحام**د وتطي**ل رغم الحاس**د وال جه**ة الس**تعمال ه**ذه الخص**ال غ**ير أن ي**ؤتى المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته ويخت**ار ل**ه اللف**ظ ال**ذي

به وأكشف عنه وأتم له وأحرى بأن يكس**به نبال ويظه**ر هو أخص فيه مزية وإذا كان هذا ك**ذلك فينبغي أن ينظ**ر إلى الكلم**ة قب**ل

Page 25: دلائل الإعجاز للجرجاني

دخولها في التأليف وقبل أن تصير إلى الص**ورة ال**تي به**ا يك**ون الكلم إخبارا وأم**را ونهي**ا واس**تخبارا وتعجب**ا وت**ؤدي في الجمل**ة معنى من المعاني التي ال س*بيل إلى إفادته**ا إال بض*م كلم*ة إلى كلمة وبناء لفظة على لفظة هل يتصور أن يك**ون بين اللفظ**تين تفاضل في الداللة حتى تكون هذه أدل على معناها الذي وضعت من ص*احبتها على م*ا هي موس*ومة ب*ه ح*تى يق*ال إن رجال أدل على معن**اه من ف**رس على م**ا س**مي ب**ه وح**تى يتص**ور في

أن يكون هذا أحس**ن نب**أ عن**ه االسمين الموضوعين لشيء واحد وأبين كش**فا عن ص**ورته من اآلخ**ر فيك**ون الليث مثال أدل على السبع المعلوم من األسد وحتى إنا لو أردن**ا الموازن**ة بين لغ**تين كالعربي**ة والفارس**ية س**اغ لن**ا أن نجع**ل لفظ**ة رج**ل أدل على اآلدمي ال**ذكر من نظ**يره في الفارس**ية وه**ل يق**ع في وهم وإن

جهد أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ينظر إلى مكان تقع**ان في**ه من الت**أليف والنظم ب**أكثر من أن تك**ون ه**ذه مألوفة مستعملة وتلك غريب**ة وحش*ية أو أن تك*ون ح*روف ه**ذه أخف وامتزاجها أحسن ومما يك**د اللس**ان أبع**د وه**ل تج**د أح**دا يقول هذه اللفظة فصيحة إال وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن مالئمة معناها لمعنى جاراتها وفضل مؤانستها ألخواتها وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبول**ة وفي خالف**ه قلق**ة ونابي**ة ومس**تكرهة إال وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن االتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما وبالقلق والنبو عن سوء التالؤم وأن األولى لم تل**ق بالثانية في معناها وأن السابقة لم تص**لح أن تك**ون لفق**ا للتالي**ة في مؤداها وهل تشك إذا فكرت في قوله تع**الى وقي**ل ي**ا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي األمر واس**توت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين فتجلى لك منها اإلعج**از وبه**رك ال*ذي ت*رى وتس*مع أن*ك لم تج*د م*ا وج*دت من المزي*ة الظاهرة والفضيلة القاهرة إال ألمر يرجع إلى ارتب**اط ه**ذه الكلم بعضها ببعض وأن لم يع**رض له**ا الحس**ن والش**رف إال من حيث القت األولى بالثانية والثالثة بالرابعة وهكذا إلى أن تستقربها إلى آخرها وأن الفضل تناتج ما بينها وحصل من مجموعها إن شككت فتأم**ل ه**ل ت**رى لفظ**ة منه**ا بحيث ل**و أخ**ذت من بين أخواته**ا وأفردت ألدت من الفصاحة م**ا تؤدي**ه وهي في مكانه**ا من اآلي**ة قل ابلعي واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وإلى ما

Page 26: دلائل الإعجاز للجرجاني

بع**دها وك**ذلك ف**اعتبر س**ائر م**ا يليه**ا وكي**ف بالش**ك في ذل**ك ومعلوم أن مبدأ العظمة في أن ن**وديت األرض ثم أم**رت ثم في أن كان النداء ب يا دون أي نحو يا أيته**ا األرض ثم إض**افة الم**اء إلى الك**اف دون أن يق**ال ابلعي الم**اء ثم أن أتب**ع ن**داء األرض وأمرها بما هو من شأنها ونداء السماء وأمرها كذلك بم**ا يخص**ها ثم أن قيل وغيض الماء فجاء الفعل على صيغة فعل الدال**ة على أنه لم يغض إال بأمر آمر وقدرة قادر ثم تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى قضي األمر ثم ذكر ما هو فائدة هذه األم**ور وه**و اس**توت على الج**ودي ثم إض**مار الس**فينة قب**ل ال**ذكر كم**ا ه**و ش**رط الفخامة والداللة على عظم الشأن ثم مقابل**ة قي**ل في الخاتم**ة

ب قيل في الفاتحة أفترى لشيء من هذه الخصائص ال**تي تمل**ؤك باإلعج*از روع**ة وتحض**رك عن**د تصورها هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلق**ا باللف**ظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تت**والى في النط**ق أم ك**ل ذل**ك لم**ا بين معاني األلفاظ من االتساق العجيب فقد اتض**ح إذا اتض**احا ال ي**دع للش**ك مج**اال أن األلف**اظ ال تتفاض**ل من حيث هي ألف**اظ مج***ردة وال من حيث هي كلم مف***ردة وأن األلف***اظ تثبت له***ا الفضيلة وخالفها في مالءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما ال تعلق له بصريح اللف**ظ ومم*ا يش**هد ل**ذلك أن**ك ترى الكلم*ة تروق**ك وتؤنس**ك في موض**ع ثم تراه**ا بعينه**ا تثق**ل عليك وتوحشك في موضع آخر كلفظ األخ**دع في بيت الحماس**ة من الطويل تلفت نح**و الحي ح**تى وج**دتني وجعت من اإلص**غاء ليتا وأخدعا وبيت البحتري الطويل وإني وإن بلغتني شرف الغنى وأعتقت من رق المطامع أخدعي فإن لها في هذين المكانين م**ا ال يخفى من الحس***ن ثم إن***ك تتأمله***ا في بيت أبي تم***ام من المنسرح يا دهر قوم من أخدعيك فق**د أض**ججت ه**ذا األن**ام من خرقك فتج*د له**ا من الثق**ل على النفس ومن التنغيص والتك*دير أضعاف ما وجدت هناك من الروح والخفة واإليناس والبهجة ومن

أعجب ذلك لفظة الشيء فإنك تراها مقبولة حسنة في موض**ع وض**عيفة مس**تكرهة في موض**ع وإن أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى قول عمر بن أبي ربيع**ة المخ**زومي ومن

من شيء غيره إذا راح يخو الجمرة ال*بيض كال*دمى مالىء عينيه وإلى ق**ول أبي حي**ة الطوي**ل إذا م**ا تقاض**ي الم**رء ي**وم وليل**ة

Page 27: دلائل الإعجاز للجرجاني

تقاضاه شيء ال يمل التقاض**يا فإن**ك تع**رف حس**نها ومكانه**ا من القبول ثم انظر إليها في بيت المتنبي الطويل ل**و الفل**ك ال**دوار أبغضت سعيه لعوقه شيء عن الدوران فإنك تراها تق**ل وتض**ؤل بحسب نبلها وحسنها فيما تقدم وهذا باب واسع فإن**ك تج*د م**تى شئت الرجلين قد اس**تعمال كلم**ا بأعيانه**ا ثم ت**رى ه**ذا ق**د ف**رع السماك وت**رى ذاك ق**د لص**ق بالحض**يض فل**و ك**انت الكلم**ة إذا حس***نت حس***نت من حيث هي لف***ظ وإذا اس***تحقت المزي***ة والشرف واستحقت ذلك في ذاتها وعلى انفرادها دون أن يك**ون السبب في ذلك حال لها مع أخواتها المجاورة لها في النظم لم**ا اختلف بها الحال ولكانت إما أن تحسن أبدا أو ال تحسن أب**دا ولم تر قوال يضطرب على قائله حتى ال يدري كيف يعبر وكي**ف ي**رؤد ويصدر كهذا الق**ول ب**ل إن أردت الح**ق فإن**ه من جنس الش**يء يجري به الرج**ل لس**انه ويطلق**ه ف**إذا فتش نفس**ه وج**دها تعلم

بطالنه وتنطوي على خالفه ذاك ألنه مم**ا ال يق**وم بالحقيق**ة في اعتق**اد وال يك**ون ل**ه ص**ورة في ف**ؤاد فص**ل في الف**روق بين الح**روف المنظومة والكلم ومما يجب إحكام**ه بعقب ه**ذا الفص**ل الف**رق بين قولنا حروف منظومة وكلم منظومة وذلك أن نظم الح**روف هو تواليها في النطق فقط وليس نظمها بمقتضى عن مع**نى وال الناظم لها بمقتف في ذلك رسما من العق**ل اقتض**ى أن يتح**رى في نظمه لها ما تحراه فلو أن واض**ع اللغ**ة ك**ان ق**د ق**ال ربض مكان ض**رب لم*ا ك*ان في ذل*ك م*ا ي*ؤدي إلى فس*اد وأم*ا نظم الكلم فليس األم**ر في**ه ك**ذلك ألن**ك تقتض**ي في نظمه**ا آث**ار المعاني وترتبها على حسب ت**رتيب المع**اني في النفس فه**و إذا نظم يعتبر فيه حال المنظ**وم بعض**ه م**ع بعض وليس ه**و النظم الذي معناه ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق وكذلك كان عندهم نظيرا للنسج والتأليف والصياغة والبناء والوشي والتحب**ير وما أشبه ذلك مما يوجب اعتب**ار األج**زاء بعض**ها م**ع بعض ح**تى يكون لوضع كل حيث وض**ع عل**ة تقتض**ي كون**ه هن**اك وح**تى ل**و وضع في مكان غيره لم يصح والفائدة في معرفة هذا الفرق أنك إذا عرفته عرفت أن ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النط**ق ب*ل أن تناس*قت داللته**ا وتالقت معانيه**ا على الوج*ه الذي اقتضاه العقل وكيف يتصور أن يقصد به إلى توالي األلفاظ

Page 28: دلائل الإعجاز للجرجاني

في النطق بعد أن ثبت أنه نظم يعتبر فيه ح**ال المنظ**وم بعض**ه مع بعض وأنه نظير الصياغة والتحبير والتفويف والنقش وكل م**ا يقصد به التصوير وبعد أن كنا ال نشك في أن ال ح**ال للفظ**ة م**ع صاحبتها تعتبر إذا أنت عزلت داللتهما جانبا وأي مساغ للشك في أن األلف**اظ ال تس**تحق من حيث هي ألف**اظ أن تنظم على وج**ه دون وجه ولو فرضنا أن تنخلع من هذه األلف**اظ ال**تي هي لغ**ات داللتها لما كان شيء منها أحق بالتقديم من شيء وال يتص**ور أن يجب فيها ترتيب ونظم ول**و حفظت ص**بيا ش**طر كت**اب العين أو

الجمهرة من غير أن تفسر له شيئا منه وأخذته بأن يضبط صور األلفاظ وهيئتها ويؤديه**ا كم**ا ي**ؤدي أص**ناف أص**وات الطيور لرأيته وال يخطر ببال أن من شأنه أن يؤخر لفظ**ا ويق**دم آخر بل كان حاله حال من يرمي الحصى ويعد الجوز اللهم إال أن تس**ومه أنت أن ي**أتي به**ا على ح**روف المعجم ليحف**ظ نس**ق الكتاب ودليل آخر وه**و أن**ه ل**و ك**ان القص**د ب**النظم إلى اللف**ظ نفس**ه دون أن يك**ون الغ**رض ت**رتيب المع**اني في النفس ثم النطق باأللفاظ على حذوها لكان ينبغي أال يختلف حال اثنين في العلم بحسن النظم أو غ**ير الحس**ن في**ه ألنهم**ا يحس**ان بت**والي األلفاظ في النطق إحساس**ا واح**دا وال يع**رف أح**دهما في ذل**ك ش**يئا يجهل**ه اآلخ**ر وأوض**ح من ه**ذا كل**ه وه**و أن النظم ال**ذي يتواصفه البلغاء وتتفاضل مراتب البالغة من أجله صنعة يس**تعان عليها ب**الفكرة ال محال**ة وإذا ك**انت مم**ا يس**تعان علي**ه ب**الفكرة

تلبس ويس***تخرج بالروي***ة فينبغي أن ينظ***ر في الفك***ر بم***اذا أبالمعاني أم باأللفاظ فأي شيء وجدته الذي تلبس به فكرك من بين المعاني واأللفاظ فه**و ال**ذي تح*دث في**ه ص**نعتك وتق**ع في**ه صياغتك ونظمك وتصويرك فمح**ال أن تتفك**ر في ش**يء وأنت ال تصنع فيه شيئا وإنما تصنع في غيره لو ج**از ذل**ك لج**از أن يفك**ر البناء في الغزل ليجعل فكره فيه وصلة إلى أن يص**نع من اآلج**ر

وهو من اإلحالة المفرطة فإن قيل النظم موجود في األلفاظ على كل ح*ال وال س*بيل إلى أن يعقل الترتيب الذي تزعمه في المع*اني م**ا لم تنظم األلف**اظ ولم ترتبها على الوجه الخاص قي**ل إن ه**ذا ه**و ال**ذي يعي**د ه**ذه الشبهة جذعة أبدا والذي يحلها أن تنظر أتتصور أن تكون معت**برا مفكرا في حال اللفظ مع اللفظ م**تى تض**عه بجنب**ه أو قبل**ه وأن

Page 29: دلائل الإعجاز للجرجاني

تقول هذه اللفظة إنما صلحت هاهنا لكونها على ص**فة ك**ذا أم ال يعقل إال أن تقول صلحت هاهنا ألن معناها كذا ولداللتها على كذا وألن معنى الكالم والغرض فيه يوجب ك**ذا وألن مع**نى م**ا قبله**ا يقتضي معناها فإن تصورت األول فقل ما شئت واعلم أن كل ما ذكرن***اه باط***ل وإن لم تتص***ور إال الث***اني فال تخ***دعن نفس***ك باألضاليل ودع النظر إلى ظواهر األمور واعلم أن ما ت**رى أن**ه ال بد منه من ترتيب األلفاظ وتواليه**ا على النظم الخ**اص ليس ه**و الذي طلبته ب**الفكر ولكن**ه ش**يء يق**ع بس**بب األول ض**رورة من حيث إن األلف**اظ إذا ك**انت أوعي**ة للمع**اني فإنه**ا ال محال**ة تتب**ع المعاني في مواقعها فإذا وجب لمعنى أن يك**ون أوال في النفس وجب اللفظ الدال عليه أن يك**ون مثل**ه أوال في النط**ق فأم**ا أن تتص**ور في األلف**اظ أن تك*ون المقص**ودة قب**ل المع*اني ب**النظم والترتيب وأن يكون الفكر في النظم الذي يتواصفه البلغاء فك**را في نظم األلف**اظ أو أن تحت**اج بع**د ت**رتيب المع**اني إلى فك**ر تستأنفه ألن تجيء باأللفاظ على نسقها فباط**ل من الظن ووهم يتخيل إلى من ال يوفي النظر حقه وكيف تك**ون مفك**را في نظم األلفاظ وأنت ال تعقل أوصافا وأحواال إذا عرفتها عرفت أن حقه**ا أن تنظم على وجه كذا ومما يلبس على الناظر في هذا الموض**ع ويغلطه أنه يستبعد أن يقال هذا كالم قد نظمت معاني**ه ف**العرف كأن**ه لم يج**ر ب**ذلك إال أنهم وإن ك**انوا لم يس**تعملوا النظم في المعاني قد استعملوا فيها ما هو بمعناه ونظير ل**ه وذل**ك ق**ولهم إنه يرتب المعاني في نفسه وينزلها ويبني بعضها على بعض كم**ا

يقولون يرتب الفروع على األصول ويتبع المعنى المع**نى ويلح**ق النظ**ير وإذا كنت تعلم أنهم اس**تعاروا النس**ج والوشي والنقش والصياغة لنفس ما استعاروا له النظم وك**ان ال يشك في أن ذلك كله تش**بيه وتمثي**ل يرج**ع إلى أم**ور وأوص**اف

األلفاظ فمن حقك أن تعلم أن سبيل النظم تتعلق بالمعاني دون ذل**ك الس**بيل وأعلم أن من س**بيلك أن تعتم**د ه**ذا الفص**ل ح**دا وتجعل النكت التي ذكرته**ا في**ه على ذك**ر من**ك أب**دا فإنه**ا عم*د وأصول في هذا الباب إذ أنت مكنته**ا في نفس**ك وج**دت الش**به تنزاح عنك والشكوك تنتفي عن قلبك وال سيما ما ذكرت من أن**ه ال يتصور أن تعرف للفظ موضعا من غير أن تعرف معن**اه وال أن تت**وخى في األلف**اظ من حيث هي ألف**اظ ترتيب**ا ونظم**ا وأن**ك

Page 30: دلائل الإعجاز للجرجاني

تتوخى الترتيب في المعاني وتعمل الفكر هناك فإذا تم ل**ك ذل**ك أتبعتها األلف**اظ وقف**وت به**ا آثاره**ا وأن**ك إذا ف**رغت من ت**رتيب المع**اني في نفس**ك لم تحتج إلى أن تس**تأنف فك**را في ت**رتيب األلفاظ بل تجدها تترتب لك بحكم أنها خدم للمع**اني وتابع**ة له**ا والحق**ة به**ا وأن العلم بمواق**ع المع**اني في النفس علم بمواق**ع األلفاظ الدالة عليها في النطق فص**ل واعلم أن**ك إذا رجعت إلى نفس**ك علمت علم**ا ال يعترض**ه الش**ك أن ال نظم في الكلم وال ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويب**نى بعض**ها على بعض وتجع**ل هذه بسبب من تلك ه**ذا م*ا ال يجهل*ه عاق*ل وال يخفى على أح*د من الناس وإذا كان كذلك فبنا أن ننظر إلى التعليق فيه**ا والبن**اء وجعل الواحدة منها بسبب من صاحبتها م**ا معن**اه وم**ا محص**وله وإذا نظرنا في ذلك علمن**ا أن ال محص**ول له**ا غ**ير أن تعم**د إلى اسم فتجعله فاعال لفعل أو مفعوال أو تعم**د إلى اس**مين فتجع**ل أحدهما خبرا عن اآلخر أو تتبع االسم اسما على أن يكون الث**اني

صفة لألول أو تأكيدا له أو بدال منه أو تجيء باسم بعد تمام كالمك على أن يكون الثاني صفة أو حاال أو تمييزا أو تت**وخى في كالم هو إلثبات معنى أن يصير نفيا أو اس**تفهاما أو تمني**ا فت**دخل علي**ه الح**روف الموض**وعة ل**ذلك أو تري**د في فعلين أن تجع**ل أحدهما شرطا في اآلخر فتجيء بهما بعد الحرف الموضوع له**ذا المعنى أو بعد اسم من األسماء التي ضمنت معنى ذل*ك الح*رف وعلى هذا القياس وإذا كان ال يكون في الكلم نظم وال ترتيب إال بأن يصنع بها هذا الصنيع ونحوه وكان ذلك كله مم*ا ال يرج**ع من**ه إلى اللفظ شيء ومما ال يتص**ور أن يك**ون في**ه ومن ص**فته ب**ان بذلك أن األمر على ما قلناه من أن اللفظ تبع للمعنى في النظم وأن الكلم ت**ترتب في النط**ق بس**بب ت**رتب معانيه**ا في النفس وأنها لو خلت من معانيها حتى تتجرد أصواتا وأصداء ح**روف لم**ا وقع في ضمير وال هجس في خ**اطر أن يجب فيه**ا ت**رتيب ونظم وأن يجعل لها أمكنة ومنازل وأن يجب النطق به**ذه قب**ل النط**ق بتلك والله الموفق للص**واب فص**ل وه**ذه ش**بهة أخ**رى ض**عيفة عسى أن يتعلق بها متعلق ممن يقدم على القول من غ**ير روي**ة وهي أن ي***دعي أن ال مع***نى للفص***احة س***وى التالؤم اللفظي وتعديل مزاج الح*روف ح**تى ال يتالقى في النط**ق ح**روف تثق**ل على اللسان كال**ذي أنش*ده الجاح*ظ من ق*ول الش*اعر الس*ريع

Page 31: دلائل الإعجاز للجرجاني

وقبر حرب بمكان قف**ر وليس ق**رب ق**بر ح**رب ق**بر وق**ول ابنيسير الخفيف

ال أذيل اآلمال بعدك إني بعدها باآلمال ج**د بخي**ل كم له**ا موقف**ا بباب ص**ديق رجعت من ن**داه بالتعطي**ل لم يض**رها والحم**د لل**ه شيء وانثنت نحو عزف نفس ذهول قال الجاحظ فتفقد النص**ف األخير من هذا ال**بيت فإن**ك س**تجد بعض ألفاظ**ه يت**برأ من بعض ويزعم أن الكالم في ذلك على طبقات فمنه المتناهي في الثقل المفرط فيه كالذي مضى ومنه ما هو أخف منه كق**ول أبي تم**ام الطويل كريم متى أمدحه أمدحه والورى جميعا ومهما لمته لمت**ه وحدي ومنه ما يكون فيه بعض الكلفة على اللسان إال أنه ال يبل**غ أن يعاب به صاحبه ويشهر أمره في ذلك ويحفظ عليه ويزعم أن الكالم إذا سلم من ذلك وصفا من شوبه كان الفصيح المشاد ب**ه والمشار إليه وأن الصفاء أيض**ا يك**ون على م**راتب يعل**و بعض**ها بعضا وأن له غاية إذا انتهى إليها كان اإلعجاز وال**ذي يبط**ل ه**ذه الشبهة إن ذهب إليها ذاهب أن**ا إن قص**رنا ص**فة الفص**احة على كون اللفظ كذلك وجعلناه الم**راد به**ا لزمن**ا أن نخ**رج الفص**احة

من حيز البالغة ومن أن تكون ذلك لم نخل من أح**د أم**رين إم**ا أن نجعل**ه نظيرة لها وإذا فعلنا

العمدة في المفاضلة بين العبارتين وال نعرج على غ**يره وإم**ا أن نجعله أحد ما نفاضل به ووجها من الوج**وه ال**تي تقتض**ي تق**ديم كالم على كالم فإن أخذنا باألول لزمن**ا أن نقص**ر الفض**يلة علي**ه حتى ال يكون اإلعجاز إال ب**ه وفي ذل**ك م**ا ال يخفى من الش**ناعة ألنه يؤدي إلى أن ال يكون للمعاني التي ذكروها في حدود البالغة من وضوح الدالل**ة وص**واب اإلش**ارة وتص**حيح األقس**ام وحس**ن الترتيب والنظام واإلبداع في طريقة التشبيه والتمثيل واإلجم**ال ثم التفصيل ووض**ع الفص**ل والوص**ل موض**عهما وتوفي**ه الح**ذف والتأكيد والتقديم والتأخير شروطهما مدخل فيما له ك*ان الق*رآن معجزا حتى ندعي أن**ه لم يكن معج**زا من حيث ه**و بلي**غ وال من حيث هو قول فصل وكالم شريف النظم بديع التأليف وذل**ك أن**ه ال تعل**ق لش**يء من ه**ذه المع**اني بتالؤم الح**روف وإن أخ**ذنا بالثاني وه**و أن يك**ون تالؤم الح**روف وجه**ا من وج**وه الفض**يلة وداخال في ع**داد م**ا يفاض**ل ب**ه بين كالم وكالم على الجمل**ة لم يكن لهذا الخالف ض**رر علين**ا ألن**ه ليس ب**أكثر من أن يعم**د إلى

Page 32: دلائل الإعجاز للجرجاني

الفصاحة فيخرجها من حيز البالغة والبيان وأن تكون نظيرة لهم**ا وفي عداد ما هو شبههما من البراعة والجزالة وأشباه ذل**ك مم**ا

ش**رحت ل**ك أمره**ا ينبىء عن ش**رف النظم وعن المزاي**ا ال**تي وأعلمتك جنسها أو يجعلها اسما مشتركا يقع تارة لما تقع له تلك وأخرى لما يرجع إلى سالمة اللفظ مما يثقل على اللسان وليس واحد من األمرين بقادح فيما نحن بص**دده وإن تعس**ف متعس**ف في تالؤم الحروف فبلغ به أن يك*ون األص**ل في اإلعج*از وأخ*رج سائر ما ذكروه في أقسام البالغة من أن يكون له مدخل أو تأثير فيما له كان القرآن معجزا ك**ان الوج**ه أن يق**ال ل**ه إن**ه يلزم**ك على قياس قولك أن تجوز أن يكون هاهنا نظم لأللف**اظ وت**رتيب ال على نسق المعاني وال على وجه يقصد به الفائدة ثم يكون مع ذلك معجزا وكفى به فس**ادا ف**إن ق**ال قائ**ل إني ال أجع**ل تالؤم الحروف معجزا حتى يكون اللفظ ذلك داال وذاك أنه إنما تص**عب مراع**اة التع**ادل بين الح**روف إذا اح**تيج م**ع ذل**ك إلى مراع**اة

المعاني كما أنه إنم**ا تص**عب مراع**اة الس**جع وال**وزن ويص**عب ك**ذلك التج**نيس والترصيع إذا روعي معه المعنى قيل له فأنت اآلن إن عقلت م**ا تقول قد خرجت من مسألتك وتركت أن يس**تحق اللف**ظ المزي**ة من حيث هو لفظ وجئت تطلب لصعوبة النظم فيما بين المعاني طريقا وتضع ل**ه عل**ة غ**ير م**ا يعرف**ه الن**اس وت**دعي أن ت**رتيب المعاني سهل وأن تفاضل الناس في ذلك إلى ح**د وأن الفض**يلة تزداد وتقوى إذا توخي في حروف األلفاظ التعادل والتالؤم وه**ذا منك وهم وذلك أنا ال نعلم لتعادل الحروف معنى سوى أن تسلم من نحو ما تج**ده في بيت أبي تم**ام ك**ريم م**تى أمدح**ه أمدح**ه وال**ورى وبيت ابن يس**ير وانثنت نح**و ع**زف نفس ذه**ول وليس اللفظ السليم من ذل**ك بمع**وز وال بعزي**ز الوج**ود وال بالش**يء ال يستطيعه إال الشاعر المفل**ق والخطيب البلي**غ فيس**تقيم قياس**ه على السجع والتجنيس ونحو ذل**ك مم**ا إذا رام**ه المتكلم ص**عب عليه تصحيح المعاني وتأدية األغ**راض فقولن**ا أط**ال الل**ه بق**اءك وأدام عزك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه عندك لفظ س**ليم مما يك**د اللس**ان وليس في حروف**ه اس**تكراه وهك**ذا ح**ال كالم

ال تكاد تجد فيه هذا االستكراه ألن**ه الناس في كتبهم ومحاوراتهم إنما هو شيء يع**رض للش**اعر إذا تكل**ف وتعم**ل فأم**ا المرس**ل

Page 33: دلائل الإعجاز للجرجاني

نفسه على سجيتها فال يعرض ل**ه ذل**ك ه**ذا والمتعل**ل بمث**ل م**ا ذكرت من أن**ه إنم*ا يك*ون تالؤم الح*روف معج*زا بع*د أن يك*ون اللفظ داال ألن مراعاة التعادل إنما تصعب إذا احتيج مع ذل**ك إلى مراع**اة المع**اني إذا ت**أملت ي**ذهب إلى ش**يء ظري**ف وه**و أن يصعب مرام اللفظ بسبب المعنى وذلك محال ألن ال**ذي يعرف**ه العقالء عكس ذلك وهو أن يصعب م**رام المع**نى بس**بب اللف**ظ فصعوبة ما صعب من الس*جع هي ص**عوبة عرض**ت في المع*اني من أجل األلفاظ وذاك أنه صعب عليك أن توفق بين معاني تل**ك األلفاظ المسجعة وبين مع**اني الفص**ول ال**تي جعلت أرداف**ا له**ا فلم تستطع ذلك إال بع**د أن ع**دلت عن أس**لوب إلى أس**لوب أو

دخلت في ضرب من المجاز أو أخذت في نوع من االتساع وبع**د أن تلطفت على الجمل**ة ض**ربا من التلطف وكيف يتصور أن يصعب مرام اللفظ بسبب المع**نى وأنت إن أردت الحق ال تطلب اللفظ بحال وإنم**ا تطلب المع**نى وإذا ظفرت بالمعنى فاللفظ معك وإزاء ناظرك وإنما كان يتصور أن يصعب م*رام اللف*ظ من أج*ل المع*نى أن ل*و كنت إذا طلبت المعنى فحص**لته احتجت إلى أن تطلب اللف**ظ على ح**دة وذل**ك محال هذا وإذا توهم متوهم أن*ا نحت**اج إلى أن نطلب اللف*ظ وأن من شأن الطلب أن يكون هناك فإن الذي يتوهم أن**ه يحت**اج إلى طلب**ه ه**و ت**رتيب األلف**اظ في النط**ق ال محال**ة وإذا ك**ان ذل**ك فينبغي لن**ا أن نرج**ع إلى نفوس**نا فننظ**ر ه**ل يتص**ور أن ن**رتب مع***اني أس***ماء وأفع***ال وح***روف في النفس ثم تخفى علين***ا مواقعها في النطق حتى يحتاج في ذلك إلى فكر وروية وذلك ما ال يشك في**ه عاق**ل إذا ه**و رج*ع إلى نفس**ه وإذا بط**ل أن يك*ون ترتيب اللف**ظ مطلوب**ا بح**ال ولم يكن المطل**وب أب**دا إال ت**رتيب المعاني وكان معول هذا المخالف على ذلك فقد اض**محل كالم**ه وبان أنه ليس لمن حام في حديث المزية واإلعجاز ح**ول اللف**ظ ورام أن يجعله السبب في هذه الفض**يلة إال التس**كع في الح**يرة والخروج عن فاسد من القول إلى مثله والل**ه الموف**ق للص**واب فإن قيل إذا ك**ان اللف**ظ بمع**زل عن المزي**ة ال**تي تنازعن**ا فيه**ا وكانت مقصورة على المعنى فكيف ك**انت الفص**احة من ص**فات اللفظ البت**ة وكي**ف امتن**ع أن يوص**ف به**ا المع**نى فيق**ال مع**نى فصيح وكالم فصيح المعنى قي**ل إنم**ا اختص**ت الفص**احة باللف**ظ

Page 34: دلائل الإعجاز للجرجاني

وك**انت من ص**فته من حيث ك**انت عب**ارة عن ك**ون اللف**ظ على وصف إذا كان علي**ه دل على المزي**ة ال**تي نحن في ح**ديثها وإذا ك**انت لك**ون اللف**ظ داال اس**تحال أن يوص**ف به**ا المع**نى كم**ا يستحيل أن يوصف المعنى بأنه دال مثال فاعرفه فإن قيل فم**اذا

إلى أن قسموا الفضيلة بين المع*نى واللف**ظ فق**الوا دعا القدماء معنى لطيف ولفظ شريف وفخموا شأن اللف**ظ وعظم**وه ح**تى تبعهم في ذلك من بعدهم وحتى قال أه**ل النظ**ر إن المع**اني ال

تتزايد وإنما تتزايد األلفاظ فأطلقوا كما ترى كالما يوهم كل من يس*معه أن المزي*ة في ح*اق اللف*ظ قي**ل ل**ه لم*ا ك**انت المعاني إنما تتبين باأللفاظ وكان ال س**بيل للم**رتب له**ا والج**امع ش**ملها إلى أن يعلم**ك م**ا ص**نع في ترتيبه**ا بفك**ره إال ب**ترتيب األلف**اظ في نطق**ه تج**وزوا فكن**وا عن ت**رتيب المع**اني ب**ترتيب األلفاظ ثم باأللفاظ بحذف ال**ترتيب ثم أتبع**وا ذل**ك من الوص**ف والنعت ما أبان الغرض وكشف عن المراد كق**ولهم لف**ظ متمكن يريدون أنه بموافقة معناه لمعنى ما يلي**ه كالش**يء الحاص**ل في مكان صالح يطمئن فيه ولفظ قلق ناب يريدون أن**ه من أج**ل أن معناه غير موافق لما يليه كالحاصل في مكان ال يصلح له فه**و ال يستطيع الطمأنينة فيه إلى سائر ما يجيء في ص**فة اللف**ظ مم*ا يعلم أنه مستعار له من معناه وأنهم نحلوه إياه بس**بب مض**مونه ومؤداه هذا ومن تعل*ق به**ذا وش**بهه واعتراض**ه الش*ك في**ه بع*د الذي مض**ى من الحجج فه**و رج**ل ق**د أنس بالتقلي**د فه**و ي**دعو الشبهة إلى نفسه من هاهنا وثم ومن كان ه**ذا س**بيله فليس ل**ه دواء سوى الس**كوت عن**ه وترك**ه وم**ا يخت**اره لنفس**ه من س**وء النظر وقلة الت**دبر ق**د فرغن**ا اآلن من الكالم على جنس المزي**ة وأنها من حيز المعاني دون األلفاظ وأنها ليست ل**ك حيث تس**مع بأذن**ك ب**ل حيث تنظ**ر بقلب**ك وتس**تعين بفك**رك وتعم**ل رويت**ك وتراجع عقلك وتستنجد في الجملة فهم**ك وبل**غ الق**ول في ذل**ك أقص**اه وانتهى إلى م**داه وينبغي أن نأخ**ذ اآلن في تفص**يل أم**ر المزية وبيان الجهات التي منها تعرض وإنه لمرام صعب ومطلب عسير ولوال أنه على ذل**ك لم**ا وج**دت الن**اس بين منك**ر ل**ه من أصله ومتخيل له على غير وجهه ومعتقد أن**ه ب**اب ال تق**وى علي**ه العبارة وال تملك فيه إال اإلشارة وأن طريق التعليم إلي**ه مس**دود وباب التفهيم دونه مغلق وأن معانيك فيه معان تأبى أن تبرز من

Page 35: دلائل الإعجاز للجرجاني

الضمير وأن ت**دين للتب**يين والتص**وير وأن ت**رى س**افرة ال نق**اب عليها ونادية ال حجاب دونه**ا وأن ليس للواص**ف له**ا إال أن يل**وح ويشير أو يض*رب مثال ين**بىء عن حس*ن ق*د عرف*ه على الجمل*ة وفضيلة قد أحسها من غير أن يتبع ذل**ك بيان**ا ويقيم علي**ه برهان**ا ويذكر له عل**ة وي**ورد في**ه حج**ة وأن**ا أن**زل ل**ك الق**ول في ذل**ك

وأدرجه شيئا فشيئا وأستعين بالله تعالى عليه وأسأله التوفيق فصل في اللف**ظ يطل**ق والم**راد ب**ه غ**ير ظ**اهره اعلم أن له**ذا الضرب اتساعا وتفننا ال إلى غاية إال أن**ه على اتس**اعه ي**دور في األمر األعم على شيئين الكناية والمجاز والمراد بالكناية هاهنا أن يري***د المتكلم إثب***ات مع***نى من المع***اني فال ي***ذكره باللف***ظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومىء به إليه ويجعله دليال عليه مث**ال ذل**ك ق**ولهم ه**و طويل النجاد يريدون طويل القامة وكثير رماد القدر يعن**ون كث**ير القرى وفي المرأة نؤوم الضحى والمراد أنها مترفة مخدومة له**ا من يكفيها أمرها فقد أرادوا في هذا كل**ه كم*ا ت**رى مع*نى ثم لم يذكروه بلفظه الخاص به ولكنهم توص**لوا إلي**ه ب**ذكر مع**نى آخ**ر من شأنه أن يردفه في الوج**ود وأن يك**ون إذا ك**ان أفال ت**رى أن

النجاد وإذا كثر القرى كثر رماد الق**در وإذا القامة إذا طالت طال كانت المرأة مترفة لها من يكفيها أمرها ردف ذل**ك أن تن**ام إلى الضحى وأما المجاز فقد عول الناس في حده على حديث النق**ل وأن ك**ل لف**ظ نق**ل عن موض**وعه فه**و مج**از والكالم في ذل**ك يطول وقد ذكرت ما هو الص**حيح من ذل**ك في موض**ع آخ**ر وأن**ا أقتصر هاهنا على ذكر ما هو أشهر منه وأظهر واالسم والش**هرة

فيه لشيئين االستعارة والتمثيل وإنما يكون التمثي**ل مج**ازا إذا ج**اء على ح**د االستعارة فاالس**تعارة أن تري**د تش**بيه الش**ي بالش**يء فت**دع أن تفص**ح بالتش**بيه وتظه**ره وتجيء إلى اس**م المش**به ب**ه فتع**يره

وتجريه علي**ه تري**د أن تق**ول رأيت رجال ه**و كاألس**د في المشبه شجاعته وقوة بطشه سواء فتدع ذلك وتقول رأيت أسدا وضرب آخر من االستعارة وهو ما كان نحو قوله الكام**ل إذ أص**بحت بي**د الشمال زمامها هذا الضرب وإن ك**ان الن**اس يض**مونه إلى األول حيث يذكرون االستعارة فليسا سواء وذاك أن**ك في األول تجع**ل الشيء الشيء ليس به وفي الثاني تجعل للش**يء الش**يء ليس

Page 36: دلائل الإعجاز للجرجاني

له تفسير هذا أنك إذا قلت رأيت أسدا فقد ادعيت في إنسان أنه أسد وجعلته إياه وال يكون اإلنسان أسدا وإذا قلت إذ أصبحت بيد الشمال زمامها فقد ادعيت أن للشمال يدا ومعلوم أن**ه ال يك**ون للريح يد وهاهنا أصل يجب ضبطه وهو أن جعل المش**به المش**به به على ضربين أحدهما أن تنزله منزلة الش**يء ت**ذكره ب**أمر ق**د ثبت له ف**أنت ال تحت**اج إلى أن تعم**ل في إثبات**ه وتزجيت**ه وذل**ك حيث تس**قط ذك**ر المش**به من الش**يئين وال ت**ذكره بوج**ه من الوجوه كقولك رأيت أسدا والث**اني أن تجع**ل ذل**ك ك**األمر ال**ذي يحتاج إلى أن تعمل في إثباته وتزجيت**ه وذل**ك حيث تج**ري اس**م المشبه به صراحة على المشبه فتقول زيد أسد وزيد ه**و األس**د أو نجيء به على وجه يرجع إلى ه**ذا كقول**ك إن لقيت**ه لقيت ب**ه أسدا وإن لقيته ليلقينك منه األسد فأنت في ه**ذا كل**ه تعم*ل في

إثبات كونه أسدا أو األسد وتضع كالمك له وأما في األول فتخرجه مخرج ما ال يحتاج فيه إلى إثبات وتقرير والقي**اس يقتضي أن يقال في هذا الضرب أع**ني م*ا أنت تعم*ل في إثبات**ه وتزجيته أنه تشبيه على حد المبالغة ويقتصر على ه**ذا الق**در وال يسمى استعارة وأما التمثيل الذي يكون مجازا لمجيئ**ك ب**ه على حد االستعارة فمثاله قولك للرج**ل ي**تردد في الش**يء بين فعل**ه وتركه أراك تقدم رجال وت**ؤخر أخ**رى فاألص**ل في ه**ذا أراك في ترددك كمن يقدم رجال ويؤخر أخرى ثم اختصر الكالم وجعل كأنه يقدم الرجل ويؤخرها على الحقيق**ة كم*ا ك**ان األص**ل في قول**ك رأيت أسدا رأيت رجال كاألسد ثم جعل كأنه األس**د على الحقيق**ة وكذلك تقول للرجل يعمل غير معم**ل أراك تنفخ في غ**ير فحم و تخ**ط على الم**اء فتجعل**ه في ظ**اهر األم**ر كأن**ه ينفخ ويخ**ط والمعنى على أنك في فعلك كمن يفعل ذلك وتقول للرجل يعمل الحيلة حتى يميل صاحبه إلى الشيء قد كان يأباه ويمتنع منه م**ا زال يفت**ل في ال**ذروة والغ**ارب ح**تى بل**غ من**ه م**ا أراد فتجعل**ه بظاهر اللفظ كأنه كان منه فتل في ذروة وغ**ارب والمع**نى على أنه لم يزل يرفق بصاحبه رفقا يشبه حاله فيه حال الرجل يجيىء إلى البعير الصعب فيحكه ويفتل الشعر في ذروت**ه وغارب**ه ح**تى يسكن ويستأنس وهو في المعنى نظ**ير ق**ولهم فالن يف**رد فالن**ا يعنى به أنه يتلطف له فعل الرجل ينزع الق**راد من البع**ير ليل**ذه ذلك فيسكن ويثبت في مكانه حتى يتمكن من أخ**ذه وهك**ذا ك**ل

Page 37: دلائل الإعجاز للجرجاني

كالم رأيتهم قد نحوا فيه التمثي**ل ثم لم يفص**حوا ب**ذلك وأخرج*وااللفظ مخرجه إذا لم يريدوا تمثيال

فص**ل ق**د أجم**ع الجمي**ع على أن الكناي**ة أبل**غ من اإلفص**اح والتع**ريض أوق**ع من التص**ريح وأن لالس**تعارة مزي**ة وفض**ال وأن المجاز أبدا أبل**غ من الحقيق**ة إال أن ذل**ك وإن ك**ان معلوم**ا على الجملة فإنه ال تطمئن نفس العاق**ل في ك**ل م**ا يطلب العلم ب**ه حتى يبلغ فيه غايته وحتى يغلغل الفكر إلى زواياه وح**تى ال يبقى علي**ه موض**ع ش**بهة ومك*ان مس*ألة فنحن وإن كن**ا نعلم أن*ك إذا قلت هو طويل النجاد وه**و جم الرم**اد ك**ان أبهى لمعن**اك وأنب**ل من أن تدع الكناية وتصرح بالذي تريد وك**ذا إذا قلت رأيت أس**دا ك**ان لكالم**ك مزي**ة ال تك**ون إذا قلت رأيت رجال ه**و في مع**نى الشجاعة وفي قوة القلب وشدة البطش وأش**باه ذل**ك وإذا قلت بلغني أنك تقدم رجال وتؤخر أخرى ك**ان أوق**ع من ص**ريحه ال**ذي هو قولك بلغني أنك تتردد في أم**رك وأن**ك في ذل**ك كمن يق**ول أخرج وال أخرج فيقدم رجال ويؤخر أخرى ونقطع على ذل**ك ح**تى ال يخالجنا شك فيه فإنما تسكن أنفسنا تم*ام الس*كون إذا عرفن**ا السبب في ذلك والعلة ولم كان كذلك وهيأنا له عب**ارة تفهم عن**ا

وهذا هو ق**ول في ذل**ك أعلم أن س**بيلك أوال أن من نريد إفهامه تعلم أن ليس**ت المزي**ة ال**تي تثبته**ا له**ذه األجن**اس على الكالم الم**تروك على ظ**اهره والمبالغ**ة ال**تي ت**دعي له**ا في أنفس المعاني التي يقصد المتكلم إليها بخبره ولكنها في طري**ق إثبات**ه لها وتقريره إياها تفسير هذا أن ليس المعنى إذا قلن**ا إن الكناي**ة أبلغ من التصريح أنك لم**ا ك**نيت عن المع**نى زدت في ذات**ه ب**ل المع*نى أن**ك زدت في إثبات**ه فجعلت**ه أبل**غ وآك**د وأش**د فليس**ت المزية في قولهم جم الرماد أنه دل على قرى أك**ثر ب**ل المع**نى أنك أثبت له القرى الكثير من وجه وهو أبل**غ وأوجبت**ه إيجاب**ا ه**و

بها أنطق وبصحتها أوثق وك**ذلك ليس**ت أشد وادعيته دعوى أنت المزية ال**تي تراه**ا لقول**ك رأيت أس**دا على قول**ك رأيت رجال ال يتميز من األسد في شجاعته وجرأته أنك قد أفدت ب**األول زي**ادة في مساواته األسد بل أنك أفدت تأكيدا وتشديدا وقوة في إثباتك له هذه المساواة وفي تقريرك لها فليس تأثير االس**تعارة إذا في ذات المع*نى وحقيقت**ه ب*ل في إيجاب*ه والحكم ب*ه وهك*ذا قي**اس

Page 38: دلائل الإعجاز للجرجاني

التمثيل ترى المزية أبدا في ذلك تق**ع في طري**ق إثب**ات المع**نىدون

المعنى نفسه فإذا سمعتهم يقولون إن من ش**أن ه**ذه األجن**اس أن تكسب المعاني نبال وفضال وتوجب لها شرفا وأن تفخمه**ا في نفوس السامعين وترفع أقدارها عند المخاطبين فإنهم ال يريدون الشجاعة والقرى وأشباه ذل**ك من مع**اني الكلم المف**ردة وإنم**ا يعنون إثبات معاني هذه الكلم لمن تثبت له ويخبر بها عنه هذا ما ينبغي للعاقل أن يجعله على ذكر منه أب**دا وأن يعلم أن ليس لن**ا إذا نحن تكلمنا في البالغة والفص**احة م**ع مع**اني الكلم المف**ردة شغل وال هي من**ا بس*بيل وإنم*ا نعم*د إلى األحك*ام ال**تي تح*دث بالتأليف والتركيب وإذ ق**د ع**رفت مك**ان ه**ذا المزي**ة والمبالغ**ة التي ال تزال تسمع بها وأنها في اإلثبات دون المثبت فإن لها في كل واحد من هذه األجناس سببا وعل**ة أم**ا الكناي**ة ف**إن الس**بب في أن كان لإلثبات بها مزية ال تكون للتصريح أن كل عاقل يعلم إذا رجع إلى نفسه أن إثبات الصفة بإثبات دليلها وإيجابها بما ه**و ش**اهد في وجوده**ا آك**د وأبل**غ في ال**دعوى من أن تجيء إليه**ا فتثبتها ساذجا غفال وذلك أن*ك ال ت*دعي ش*اهد الص*فة ودليله**ا إال واألم**ر ظ**اهر مع**روف وبحيث ال يش**ك في**ه وال يظن ب**المخبر التجوز والغلط وأم**ا االس**تعارة فس**بب م**ا ت**رى له**ا من المزي**ة والفخام**ة أن**ك إذا قلت رأيت أس**دا كنت ق**د تلطفت لم**ا أردت إثباته له من فرط الشجاعة حتى جعلتها كالشيء ال**ذي يجب ل**ه الثبوت والحصول وك*اآلمر ال*ذي نص*ب ل*ه دلي**ل يقط**ع بوج*وده وذل**ك أن**ه إذا ك**ان أس**دا ف**واجب أن تك**ون ل**ه تل**ك الش**جاعة العظيم**ة وكالمس**تحيل أو الممتن**ع أن يع**رى عنه**ا وإذا ص**رحت بالتشبيه فقلت رأيت رجال كاألسد كنت ق**د أثبته**ا إثب**ات الش**يء ي***ترجح بين أن يك***ون وبين أن ال يك***ون ولم يكن من ح***ديث الوجوب في شيء وحكم التمثيل حكم االستعارة سواء فإن**ك إذا

قلت أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى فأوجبت له الصورة التي يقطع معها بالتحير وال*تردد ك*ان أبل*غ ال محال**ة من أن تج*ري على الظ**اهر فتق**ول ق**د جعلت ت**تردد في أمرك فأنت كمن يقول أخرج وال أخرج فيقدم رجال ويؤخر أخ**رى فصل اعلم أن من شأن ه**ذه األجن**اس أن تج**ري فيه**ا الفض**يلة

ت**رى أن**ك تج**د في االس**تعارة وأن تتفاوت التفاوت الش**ديد أفال

Page 39: دلائل الإعجاز للجرجاني

الع**امي المبت**ذل كقولن**ا رأيت أس**دا ووردت بح**را ولقيت ب**درا والخاصي النادر الذي ال تجده إال في كالم الفحول وال يقوى عليه إال أفراد الرجال كقوله الطويل وس**الت بأعن**اق المطي األب**اطح أراد أنها سارت سيرا حثيثا في غاية السرعة وك**انت س**رعة في لين وسالسة كأنه كانت سيوال وقعت في تلك األباطح فجرت بها ومثل هذه االستعارة في الحسن واللطف وعلو الطبقة في ه**ذه اللفظة بعينها قول اآلخر البسيط سالت علي**ه ش**عاب الحي حين دع**ا أنص**اره بوج**وه كال**دنانير أراد أن**ه مط**اع في الحي وأنهم

ن**ازل خطب إال يسرعون إلى نص**رته وأن**ه ال ي**دعوهم لح*رب أو أتوه وكثروا عليه وازدحموا حواليه حتى تج**دهم كالس**يول تجيء

من هاهن**ا وهاهن**ا وتنص**ب من ه**ذا المس**يل وذل**ك ح**تى يغص به**ا ال**وادي ويطفح منه**ا ومن ب**ديع االس**تعارة ونادره**ا إال أن جه**ة الغرابة فيه غ**ير جهته**ا في ه**ذا ق**ول يزي**د بن مس**لمة بن عب**د الملك يصف فرسا له وأنه مؤدب وأنه إذا نزل عن**ه وألقى عنان**ه في قربوس سرجه وقف مكانه إلى أن يعود إليه الكام**ل عودت**ه فيما أزور حبائبي إهماله وكذاك كل مخاطر وإذا احت**بى قربوس**ه بعنانه علك الشكيم إلى انصراف الزائر فالغرابة هاهنا في الشبه نفسه وفي أن استدراك أن هيئة العنان في موقع**ه من قرب**وس الس**رج كالهيئ**ة في موض**ع الث**وب من ركب**ة المحت**بي وليس**ت الغراب**ة في قول**ه وس**الت بأعن**اق المطي األب**اطح على ه**ذه الجملة وذلك أنه لم يغرب ألن جع**ل المطي في س**رعة س**يرها وسهولته كالماء يجري في األبطح فإن هذا ش**به مع**روف ظ**اهر ولكن الدقة واللطف في خصوصية أفاده**ا ب**أن جع**ل س**ال فعال لألباطح ثم عداه بالب**اء ثم ب**أن أدخ**ل األعن**اق في ال**بيت فق**ال بأعن**اق المطي ولم يق**ل ب**المطي ول**و ق**ال س**الت المطي في األباطح لم يكن شيئا وك**ذلك الغراب**ة في ال**بيت اآلخ**ر ليس في مطلق معنى س**ال ولكن في تعديت**ه ب على والب**اء وب**أن جعل**ه فعال لقول**ه ش**عاب الحي ول**وال ه**ذه األم**ور كله**ا لم يكن ه**ذا الحسن وهذا موضع يدق الكالم في**ه وه**ذه أش**ياء من ه**ذا الفن من البسيط اليوم يومان مذ غيبت عن بصري نفسي ف**داؤك م**ا ذن**بي فأعت**ذر أمس**ي وأص**بح ال ألق**اك واحزن**ا لق**د ت**أنق في

مكروهي القدر

Page 40: دلائل الإعجاز للجرجاني

سوار بن المضرب وهو لطيف ج**دا ال**وافر بع**رض تنوف**ة لل**ريح فيها نسيم ال يروع الترب وان بعض األعراب الكامل ولرب خصم جاهدين ذوي شذا تقذي عيونهم به**تر ه**اتر ل**د ظ**أرتهم على م**ا ساءهم وخسأت باطلهم بحق ظاهر المقصود لفظ*ة خس*أت ابن المعتز الرجز حتى إذا ما عرف الصيد الضار وأذن الصبح لن**ا في اإلبصار المعنى ح*تى إذا تهي**أ لن**ا أن نبص*ر ش**يئا لم*ا ك**ان تع*ذر اإلبصار منعا من الليل جع**ل إمكان**ه عن**د ظه**ور الص**بح إذن**ا منالصبح وله من مجزوء الوافر بخيل قد بليت به يكد الوعد بالحجج وله الطوي**ل ين**اجيني اإلخالف من تحت مطل**ه فتختص**م اآلم**ال والي**أس في ص**دري ومم**ا ه**و في غاي**ة الحس**ن وه**و من الفن األول ق**ول الش**اعر أنش**ده الجاح**ظ لق**د كنت في ق**وم علي**ك أش**حة بنفس**ك إال أن م**ا ط**اح ط**ائح ي**ودون ل**و خ**اطوا علي**ك جلودهم وال يدفع الموت النفوس الشحائح قال وإليه ذهب بش**ار في قول*ه الرج*ز وص*احب كال*دمل المم*د حملت**ه في رقع*ة من جل**دي ومن س**ر ه**ذا الب**اب أن**ك ت**رى اللفظ**ة المس**تعارة ق**د استعيرت في عدة مواضع ثم ت**رى له**ا في بعض ذل**ك مالح**ة ال تجدها في الباقي مث**ال ذل**ك أن**ك تنظ**ر إلى لفظ**ة الجس**ر في قول أبي تمام البسيط ال يطمع المرء أن يجتاب لجته بالقول م**ا

لم يكن جسرا له العمل وقوله البسيط بصرت بالراحة العظمى فلم ترها تن**ال إال على جس**ر من التعب فترى لها في الث**اني حس*نا ال ت**راه في األول ثم تنظ**ر إليه**ا في قول ربيعة الرقي البسيط قولي نعم ونعم إن قلت واجب**ة ق**الت عسى وعسى جسر إلى نعم فترى لها لطفا وخالبة وحس**نا ليس الفضل فيه بقليل ومما هو أص**ل في ش**رف االس**تعارة أن ت**رى الشاعر قد جمع بين عدة استعارات قصدا إلى أن يلحق الش**كل بالشكل وأن يتم المعنى والش**به فيم**ا يري**د مثال**ه ق**ول ام**رىء القيس الطويل فقلت له لم*ا تمطى بص**لبه وأردف أعج*ازا ون**اء بكلكل لما جع*ل للي**ل ص*لبا ق*د تمطى ب*ه ث*نى ذل*ك فجع*ل ل*ه أعجازا ق**د أردف به**ا الص**لب وثلث فجع**ل ل**ه كلكال ق**د ن**اء ب**ه فاستوفى له جملة أرك**ان الش**خص وراعى م**ا ي**راه الن**اظر من سواده إذا نظر قدام**ه وإذا نظ**ر إلى م**ا خلف**ه وإذا رف**ع البص**ر

ومدده في عرض الجو

Page 41: دلائل الإعجاز للجرجاني

القول في النظم وفي تفسيره واعلم أن هاهنا أسرارا ودقائق ال يمكن بيانه**ا إال بع**د أن نع**د جمل**ة من الق**ول في النظم وفي تفس**يره والم**راد من**ه وأي ش**يء ه**و وم**ا محص**وله ومحص**ول

ذك**ره وبي**ان أم**ره وبي**ان الفضيلة في**ه فينبغي لن**ا أن نأخ**ذ في المزية التي تدعى له من أين تأتيه وكيف تعرض فيه وما أس**باب ذل**ك وعلل**ه وم**ا الم**وجب ل**ه وق**د علمت إطب**اق العلم**اء على تعظيم شأن النظم وتفخيم قدره والتنويه بذكره وإجماعهم أن ال فضل مع عدمه وال قدر لكالم إذا هو لم يس**تقم ل**ه ول**و بل**غ في غرابة معناه ما بلغ وبتهم الحكم بأنه الذي ال تمام دون**ه وال ق**وام إال به وأنه القطب الذي عليه المدار والعمود الذي ب**ه االس**تقالل وما كان بهذا المحل من الشرف وفي ه**ذه المنزل**ة من الفض**ل وموضوعا هذا الموضع من المزية وبالغا هذا المبل*غ من الفض*يلة كان حرى بأن توق**ظ ل**ه الهمم وتوك**ل ب**ه النف**وس وتح**رك ل**ه األفكار وتستخدم فيه الخواطر وكان العاقل ج**ديرا أن ال يرض**ى من نفس**ه ب**أن يج**د في**ه س**بيال إلى مزي**ة علم وفض**ل اس**تبانة وتلخيص حجة وتحرير دلي**ل ثم يع**رض عن ذل**ك ص**فحا ويط**وي دونه كشحا وأن يربأ بنفسه وتدخل عليه األنفة من أن يك**ون في

سبيل المقلد الذي ال يبت حكم**ا وال يقت**ل الش**يء علم**ا وال يج**د م**ا ي**برىء من الش**بهة ويشفي غليل الشاك وه**و يس**تطيع أن يرتف**ع عن ه**ذه المنزل**ة ويباين من هو بهذه الصفة فإن ذل**ك دلي**ل ض**عف ال**رأي وقص**ر الهمة ممن يختاره ويعمل عليه واعلم أن ليس النظم إال أن تضع كالم**ك الوض**ع ال**ذي يقتض**يه علم النح**و وتعم**ل على قوانين**ه وأص**وله وتع**رف مناهج**ه ال**تي نهجت فال تزي**غ عنه**ا وتحف**ظ الرسوم التي رسمت لك فال تخل بش**يء منه**ا وذل**ك أن**ا ال نعلم ش**يئا يبتغي**ه الن**اظم بنظم**ه غ**ير أن ينظ**ر في وج**وه ك**ل ب**اب وفروقه فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراه**ا في قول**ك زي**د منطلق و زيد ينطلق وينطلق زيد و منطلق زيد و زيد المنطلق و المنطلق زيد و زيد هو المنطلق و زيد هو منطل**ق وفي الش**رط والجزاء إلى الوجوه ال**تي تراه**ا في قول**ك إن تخ**رج أخ**رج وإن خرجت خرجت وإن تخرج فأنا خارج وأنا خارج إن خرجت وأنا إن خ**رجت خ**ارج وفي الح**ال إلى الوج**وه ال**تي تراه**ا في قول**ك جاءني زيد مسرعا وج**اءني يس**رع وج**اءني وه**و مس**رع أو ه**و

Page 42: دلائل الإعجاز للجرجاني

يسرع وجاءني قد أس**رع وج*اءني وق**د أس**رع فيع*رف لك*ل من ذلك موضعه ويجيء به حيث ينبغي له وينظر في الح**روف ال**تي تشترك في معنى ثم ينفرد ك**ل واح**د منه**ا بخصوص**ية في ذل**ك المعنى فيضع كال من ذلك في خاص معن**اه نح**و أن يجيء ب م**ا في نفي الحال وب ال إذا أراد نفي االستقبال وب إن فيما يترجح بين أن يكون وأن ال يكون وب إذا فيما علم أنه ك**ائن وينظ**ر في الجمل التي تسرد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوص**ل ثم يعرف فيما حقه الوصل موضع الواو من موضع الفاء وموض**ع

الفاء من موضع ثم وموضع أو من موضع أم وموض**ع لكن من موض**ع ب**ل ويتص**رف في التعري**ف والتنك**ير والتق**ديم والت**أخير في الكالم كل**ه وفي الحذف والتك**رار واإلض**مار واإلظه**ار فيض**ع كال من ذل**ك مكان**ه ويستعمله على الصحة وعلى ما ينبغي له هذا هو السبيل فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إن كان صوابا وخطؤه إن كان خط**أ إلى النظم ويدخل تحت هذا االسم إال وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه ووضع في حقه أو عومل بخالف هذه المعامل**ة فأزيل عن موضعه واستعمل في غير ما ينبغي له فال ت**رى كالم**ا قد وصف بصحة نظم أو فساده أو وص**ف بمزي**ة وفض**ل في**ه إال وأنت تجد مرجع تلك الص*حة وذل*ك الفس*اد وتل*ك المزي*ة وذل*ك الفضل إلى معاني النحو وأحكام**ه ووجدت**ه ي**دخل في أص**ل من أصوله ويتصل بباب من أبوابه هذه جمل**ة ال ت**زداد فيه**ا نظ**را إال ازددت لها تصورا وازدادت عن**دك ص**حة وازددت به**ا ثق**ة وليس من أحد ألن يقول في أمر النظم شيئا إال وجدته قد اع**ترف ل**ك بها أو ببعضها ووافق فيها درى ذل**ك أو لم ي**در ويكفي**ك أنهم ق**د كشفوا عن وجه م**ا أردن**اه حيث ذك**روا فس**اد النظم فليس من أحد يخالف في نحو قول الفرزدق الطويل وم**ا مثل**ه في الن**اس إال مملكا أبو أم**ه حي أب**وه يقارب**ه وق**ول المتن**بي الكام**ل ول**ذا اسم أغطية العيون جفونها من أنها عمل السيوف عوامل وقول**ه الطيب أنت إذا أص**ابك طيب**ه والم**اء أنت إذا اغتس**لت الغاس**ل

وقوله الطويل وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه وقول أبي تمام الكامل ثانيه في كبد السماء ولم يكن الثنين ث**ان إذ هما في الغار وقوله البسيط يدي لمن شاء رهن لم يذق جرعا

Page 43: دلائل الإعجاز للجرجاني

من راحتيك درى ما الصاب والعسل وفي نظائر ذلك مما وصفوه بفساد النظم وعابوه من جهة س**وء الت**أليف أن الفس**اد والخل**ل كانا من أن تعاطى الشاعر ما تعاطاه من ه**ذا الش**أن على غ**ير الصواب وصنع في تقديم أو تأخير أو حذف وإضمار أو غ**ير ذل**ك ما ليس ل**ه أن يص**نعه وم**ا ال يس**وغ وال يص**ح على أص**ول ه**ذا العلم وإذا ثبت أن س***بب فس***اد النظم واختالل***ه أن ال يعم***ل بقوانين هذا الشأن ثبت أن س**بب ص**حته أن يعم**ل عليه**ا ثم إذا ثبت أن مس**تنبط ص**حته وفس**اده من ه**ذا العلم ثبت أن الحكم كذلك في مزيته والفضيلة التي تعرض في**ه وإذا ثبت جمي**ع ذل**ك ثبت أن ليس هو شيئا غير توخي معاني هذا العلم وأحكامه فيم**ا بين الكلم والله الموفق للصواب وإذ قد عرفت ذلك فاعم**د إلى ما تواصفوه بالحسن وتشاهدوا له بالفضل ثم جعل**وه ك**ذلك من أجل النظم خصوصا دون غيره مما يستحسن ل**ه الش**عر أو غ**ير

أو اس**تعارة أو تج**نيس الشعر من معنى لطيف أو حكمة أو أدب أو غير ذلك مما ال يدخل في النظم وتأمله فإذا رأيتك ق**د ارتحت واه**تززت واستحس**نت ف**انظر إلى حرك**ات األريحي**ة مم ك**انت وعند ماذا ظهرت فإنك ت**رى عيان**ا أن ال**ذي قلت ل**ك كم**ا قلت

اعمد إلى قول البحتري من المتقارب بلونا ضرائب من قد نرى فما إن رأينا لفتح ضريبا هو المرء أبدت ل**ه الحادث**ات عزم**ا وش**يكا ورأي**ا ص**ليبا تنق**ل في خلقي س**ؤدد سماحا مرجى وبأسا مهيبا فكالسيف إن جئته صارخا وكالبحر إن جئته مستثيبا فإذا رأيتها ق**د راقت**ك وك**ثرت عن**دك ووج**دت له**ا اهتزازا في نفسك فعد فانظر في الس**بب واس**تقص في النظ**ر فإنك تعلم ضرورة أن ليس إال أنه قدم وأخر وعرف ونكر وحذف وأضمر وأعاد وكرر وتوخى على الجمل**ة وجه**ا من الوج*وه ال**تي يقتضيها علم النحو فأصاب في ذلك كله ثم لطف موض**ع ص**وابه وأتى مأتى يوجب الفضيلة أفال ت**رى أن أول ش**يء يروق**ك منه**ا قوله هو المرء أبدت له الحادثات ثم قوله تنقل في خلقي س**ؤدد بتنكير السؤدد وإضافة الخلقين إليه ثم قول**ه فكالس**يف وعطف**ه بالفاء مع حذف**ه المبت**دأ ألن المع**نى ال محال**ة فه**و كالس**يف ثم تكريره الكاف في قوله وك**البحر ثم أن ق**رن إلى ك**ل واح**د من التش**بيهين ش**رطا جواب**ه في**ه ثم أن أخ**رج من ك**ل واح**د من الشرطين حاال على مثال ما أخرج من اآلخر وذلك قول**ه ص**ارخا

Page 44: دلائل الإعجاز للجرجاني

هناك ومستثيبا هاهنا ال ترى حسنا تنس**به إلى النظم ليس س**ببه ما عددت أو ما هو في حكم م**ا ع**ددت ف**أعرف ذل**ك وإن أردت أظهر أمرا في هذا المعنى فانظر إلى ق**ول إب**راهيم بن العب**اس فلو إذ نبا دهر وأنكر صاحب وسلط أعداء وغاب نصير تك**ون عن األهواز داري بنجوة ولكن مق**ادير ج*رت وأم**ور وإني ألرج*و بع*د هذا محمدا ألفضل م**ا ي**رجى أخ ووزي**ر فإن**ك ت**رى م**ا ت**رى من

الرونق والطالوة ومن الحسن والحالوة ثم تتفقد السبب في ذلك فتجده إنما كان من أج**ل تقديم**ه الظ**رف ال**ذي ه**و إذ نب**ا على عامله الذي هو تك**ون وأن لم يق**ل فل**و تك**ون عن األه**واز

إذ نبا دهر ثم أن قال تكون ولم يقل كان ثم أن نك**ر داري بنحوة الدهر ولم يقل فلو إذ نبا الدهر ثم أن ساق هذا التنكير في جميع ما أتى به من بع**د ثم أن ق**ال وأنك**ر ص**احب ولم يق**ل وأنك**رت صاحبا ال ترى في البيتين األولين شيئا غير الذي عددته لك تجعله حسنا في النظم وكله من معاني النحو كما ت**رى وهك**ذا الس**بيل أبدا في ك**ل حس*ن ومزي**ة رأيتهم*ا ق**د نس**با إلى النظم وفض**ل

وشرف أحيل فيهما عليه فص**ل في أن مزاي**ا النظم بحس**ب الموض**ع وبحس**ب المع**نى المراد والغرض المقصود وإذ قد عرفت أن مدار أمر النظم ع**ل معاني النحو وعلى الوجوه والفروق التي من شأنها أن تكون فيه ف**اعلم أن الف**روق والوج**وه كث**يرة ليس له**ا غاي**ة تق**ف عن**دها ونهاية ال تجد لها ازديادا بعدها ثم اعلم أن ليست المزي**ة بواجب**ة لها في أنفسها ومن حيث هي على اإلطالق ولكن تعرض بس**بب المعاني واألغراض التي يوضع لها الكالم ثم بحسب موقع بعض**ها من بعض واس**تعمال بعض**ها م**ع بعض تفس**ير ه**ذا أن**ه ليس إذا راقك التنك**ير في س**ؤدد من قول**ه تنق**ل في خلقي س**ؤدد وفي دهر من قوله فلو إذ نبا دهر فإنه يجب أن يروق**ك أب**دا وفي ك**ل شيء وال إذا استحسنت لفظ ما لم يسم فاعله في قول**ه وأنك**ر ص***احب فإن***ه ينبغي أن ال ت***راه في مك***ان إال أعطيت***ه مث***ل

فضل ومزي**ة إال بحس**ب الموض**ع استحسانك هاهنا بل ليس من وبحسب المعنى الذي تريد والغرض الذي تؤم وإنم**ا س**بيل ه**ذه المعاني سبيل األصباغ التي تعم**ل منه**ا الص**ور والنق**وش فكم**ا أنك ترى الرجل قد تهدى في األص**باغ ال*تي عم*ل منه**ا الص*ورة والنقش في ثوبه الذي نس**ج إلى ض**رب من التخ**ير والت**دبر في

Page 45: دلائل الإعجاز للجرجاني

أنفس األصباغ وفي مواقعها ومقاديرها وكيفية مزجه لها وترتيب**ه إياها إلى ما لم يتهد إليه صاحبه فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب وصورته أغرب كذلك حال الشاعر والشاعر في توخيهم**ا مع**اني

النحو ووجوهه التي علمت أنها محصول النظم واعلم أن من الكالم م**ا أنت ت**رى المزي**ة في نظم**ه والحس**ن كاآلجزاء من الصبغ تتالح**ق وينض**م بعض**ها إلى بعض ح**تى تك*ثر في العين فأنت لذلك ال تكبر شأن صاحبه وال تقضي ل**ه بالح**ذق واألستاذية وسعة الذرع وشدة المنة حتى تستوفي القطعة وتأتي على عدة أبيات وذلك ما كان من الشعر في طبق**ة م**ا أنش**دتك من أبيات البحتري ومنه م**ا أنت ت**رى الحس**ن يهجم علي**ك من**ه دفع**ة ويأتي**ك من**ه م**ا يمأل العين ض**ربة ح**تى تع**رف من ال**بيت الواحد مكان الرجل من الفضل وموضعه من الح**ذق وتش**هد ل**ه بفضل المنة وطول الباع وح**تى تعلم إن لم تعلم القائ**ل أن**ه من قبل شاعر فحل وأنه خرج من تحت يد صناع وذلك ما إذا أنشدته وضعت فيه اليد على شيء فقلت هذا هذا وم**ا ك**ان ك**ذلك فه**و الشعر الشاعر والكالم الفاخر والنمط العالي الش**ريف وال**ذي ال تجده إال في شعر الفح**ول ال**بزل ثم المطب**وعين ال**ذي يلهم*ون القول إلهاما ثم إنك تحتاج إلى أن تس**تقري ع**دة قص**ائد ب**ل أن تفلي ديوانا من الشعر حتى تجمع منه عدة أبيات وذل**ك م**ا ك**ان مثل قول األول وتمثل به أبو بكر الصديق رضوان الله علي**ه حين أتاه كتاب خالد بالفتح في هزيم**ة األع**اجم ال**وافر تمنان**ا ليلقان**ا بقوم تخال بياض ألمهم السرابا فق**د القيتن**ا ف**رأيت حرب**ا عوان**ا تمنع الشيخ الشرابا انظر إلى موضع الفاء في قول**ه فق**د القيتن**ا

فرأيت حربا ومثل قول العباس بن األحنف البسيط قالوا خراسان أقصى ما يراد بن**ا ثم القف**ول فق**د جئن**ا خراس**انا انظر إلى موضع الفاء و ثم قبلها ومثل قول ابن الدمينة الطوي**ل أبيني أفي يم*نى ي**ديك جعلت**ني ف**أفرح أم ص**يرتني في ش*مالك أبيت كأني بين شقين من عصا جذار ال**ردى أو خيف**ة من زيال**ك تعاللت كي أشجى وما بك عل**ة تري**دين قتلي ق**د ظف**رت ب**ذلك انظر إلى الفصل واالستئناف في قوله تريدين قتلي ق**د ظف**رت بذلك ومثل قول أبي حفص الشطرنجي وقاله على لس**ان علي**ة أخت الرشيد وقد كان الرشيد عتب عليها البسيط ل**و ك**ان يمن**ع حسن العقل صاحبه من أن يكون ل**ه ذنب إلى أح**د ك**انت علي**ة

Page 46: دلائل الإعجاز للجرجاني

أبرا الناس كلهم من أن تكافا بسوء آخر األبد م**ا أعجب الش**يء ترجوه فتحرم**ه ق**د كنت أحس**ب أني ق**د مألت ي**دي انظ**ر إلى

قوله قد كنت أحسب وإلى مكان هذا االستئناف ومثل قول أبي دؤاد الخفيف ولقد أغتدي يدافع رك**ني أح**وذي ذو ميع*ة إض**ريج س*لهب ش**رجب ك**أن رماح*ا حملت**ه وفي الس*راة دم**وج انظ**ر إلى التنك*ير في قول**ه ك**أن رماح*ا ومث**ل ق**ول ابن البواب من مجزوء الوافر أتيتك عائذا بك منك لما ض**اقت الحي**ل وصيرني هواك وبي لحيني يضرب المثل فإن سلمت لكم نفسي فما القيته جلل وإن قتل الهوى رجال فإني ذلك الرجل انظ**ر إلى اإلشارة والتعريف في قوله ف*إني ذل*ك الرج*ل ومث**ل ق*ول عب**د الصمد السريع مكتئب ذو كبد حرى تبكي عليه مقلة عبرى يرف**ع يمناه إلى ربه يدعو وفوق الكب**د اليس**رى انظ**ر إلى لف**ظ ي**دعو وإلى موقعها ومثل ق**ول جري**ر لمن ال**ديار ببرق**ة الروح**ان إذ ال

نبيع زماننا بزمان صدع الغواني إذ رمين فؤاده صدع الزجاجة ما لذاك ت**دان انظ**ر إلى قوله م**ا ل**ذاك ت**دان وتأم**ل ح**ال ه**ذا االس**تئناف ليس من بصير عارف بجواهر الكالم حساس متفهم لسر هذا الشأن ينشد أو يقرأ هذه األبيات إال لم يلبث أن يض**ع ي**ده في ك**ل بيت منه**ا على الموضع الذي أش**رت إلي**ه يعجب ويك**بر ش**أن المزي**ة في**ه

والفضل في**ه الص**نع فصل في شواهد على النظم يتحد في الوضع وي**دق

واعلم أن مما هو أصل في أن يدق النظ**ر ويغمض المس**لك في توخي المعاني التي عرفت أن تتحد أجزاء الكالم وي**دخل بعض**ها في بعض ويشتد ارتباط ثان منها بأول وأن يحتاج في الجملة إلى أن تضعها في النفس وض**عا واح**دا وأن يك**ون حال**ك فيه**ا ح**ال الباني يضع بيمينه هاهنا في حال ما يضع بيساره هن**اك نعم وفي حال ما يبص*ر مك*ان ث*الث وراب*ع يض*عها بع*د األولين وليس لم*ا شأنه أن يجيء على هذا الوصف ح*د يحص*ره وق*انون يحي**ط ب*ه فإنه يجيء على وجوه شتى وأنحاء مختلف*ة فمن ذل*ك أن ت*زاوج بين معنيين في الشرط والجزاء معا كقول البح**تري الطوي**ل إذا ما نهى الناهي فلج بي الهوى أصاخت إلى الواشي فلج بها الهجر وقوله طويل إذا احتربت يوم**ا ففاض**ت دماؤه**ا ت**ذكرت الق**ربى ففاضت دموعها فهذا نوع ونوع من**ه آخ**ر ق**ول س**ليمان بن داود

Page 47: دلائل الإعجاز للجرجاني

القضاعي ال**وافر فبين**ا الم**رء في علي**اء أه**وى ومنح**ط أتيح ل**ه اعتالء وبينا نعمة إذ حال بؤس وبؤس إذ تعقب**ه ث**راء ون**وع ث**الث

وهو ما كان كقول كثير طويل وإني وتهيامي بع**زة بع**دما تخليت مم**ا بينن**ا وتخلت لك**المرتجي ظل الغمامة كلما تبوأ منه**ا للمقي**ل اض**محلت وكق**ول البح**تري طوي**ل لعم**رك إن**ا والزم**ان كم**ا جنت على األض**عف الموه**ون عادي**ة األق**وى ومن**ه التقس**يم وخصوص**ا إذا قس**مت ثم جمعت كقول حسان البسيط ق**وم إذا ح**اربوا ض**روا ع**دوهم أو ح**اولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم غير محدثة إن الخالئق فاعلم شرها البدع ومنه ومن ذلك وه**و ش*يء في غاي**ة الحس*ن قول القائل البسيط لو أن ما أنتم فيه يدوم لكم ظننت ما أنا فيه دائما أبدا لكن رأيت الليالي غير تاركة ما سر من ح**ادث أو س**اء مطردا فقد سكنت إلى أني وأنكم سنستجد خالف الح**التين غ**دا قوله سنستجد خالف الحالتين غدا جمع فيم**ا قس**م لطي**ف وق**د ازداد لطفا بحسن ما بناه عليه ولطف ما توصل به إليه من قوله فقد سكنت إلى أني وأنكم وإذا قد عرفت هذا النم**ط من الكالم وهو ما تتحد أجزاؤه حتى يوضع وض**عا واح**دا ف**اعلم أن**ه النم**ط العالي والباب األعظم ال ت**رى س**لطان المزي**ة يعظم في ش**يء كعظمه فيه ومما ندر منه ولطف مأخذه ودق نظر واض**عه وجلى

لك عن شأو قد تحسر دون**ه العت**اق وغاي**ة يعي**ا من قبله**ا الم**ذاكي الق**رح األبي**ات المشهورة في تشبيه شيئين بشيئين بيت امرىء القيس الكام**ل كأن قل**وب الط**ير رطب**ا ويابس**ا ل**دى وكره**ا العن**اب والحش**ف الب**الي وبيت الف**رزدق من الكام**ل والش**يب ينهض في الش**باب كأنه ليل يصيح بجانبيه نه**ار وبيت بش**ار طوي**ل ك**أن مث**ار النق**ع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه ومما أتى في هذا الباب مأتى أعجب مما مض*ى كل*ه ق*ول زي*اد األعجم طوي*ل وإن*ا وم*ا تلقي لنا إن هجوتنا لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق وإنما ك**انأعجب ألن عمله أدق وطريقه أغمض ووجه المشابكة فيه أغرب

واعلم أن من الكالم ما أنت تعلم إذا تدبرت**ه أن لم يحتج واض**عه إلى فكر وروية حتى انتظم له بل ترى سبيله في ضم بعض**ه إلى بعض سبيل من عمد إلى آلل فخرطها في سلك ال يبغي أكثر من أن يمنعها التفرق وكمن نضد أشياء بعضها على بعض ال يريد في

Page 48: دلائل الإعجاز للجرجاني

نضده ذلك أن تجيء له منه هيئة أو صورة ب**ل ليس إال أن تك**ون مجموعة في رأي العين وذلك إذا كان معناك مع**نى ال يحت**اج أن تصنع فيه شيئا غير أن تعط**ف لفظ**ا على مثل**ه كق**ول الجاح**ظ جنبك الله الشبهة وعصمك من الحيرة وجعل بينك وبين المعرفة نس**با وبين الص**دق س**ببا وحبب إلي**ك التثبت وزين في عين**ك اإلنصاف وأذاق**ك حالوة التق**وى وأش**عر قلب**ك ع**ز الح**ق وأودع صدرك برد اليقين وطرد عنك ذل اليأس وعرفك م**ا في الباط**ل من الذلة وما في الجهل من القلة وكقول بعضهم لل**ه در خطيب ق**ام عن**دك ي**ا أم**ير المؤم**نين م**ا أفص**ح لس**انه وأحس**ن بيان**ه وأمضى جنانه وأبل ريقه وأسهل طريقه ومث**ل ق**ول النابغ**ة في الثناء المسجوع أيفاخرك الملك اللخمي فوالل**ه لقف**اك خ**ير من وجه**ه ولش**مالك خ**ير من يمين**ه وألخمص**ك خ**ير من رأس**ه

صوابه ولعيك خير من كالمه ولخدمك خ**ير من ولخطؤك خير من قومه وكقول بعض البلغاء في وصف اللسان اللس*ان أداة يظه**ر بها حسن البيان وظاهر يخبر عن الضمير وشاهد ينبئك عن غائب وحاكم يفصل به الخطاب وواعظ ينهى عن الق*بيح وم*زين ي*دعو إلى الحسن وزارع يحرث الم*ودة وحاص*د يحص*د الض*غينة ومل*ه يونق األس**ماع فم**ا ك**ان من ه**ذا وش**بهه لم يجب ب**ه فض**ل إذا وجب إال بمعناه أو بمتون ألفاظه دون نظمه وتأليفه وذلك ألن**ه ال

فضيلة حتى ترى في األمر مصنعا وحتى تجد إلى التخير سبيال وحتى تكون قد استدركت صوابا فإن قلت أفليس ه**و كالم**ا ق**د اط**رد على الص**واب وس**لم من العيب أفم**ا يك**ون في ك**ثرة الصواب فضيلة قيل أما والصواب كما ترى فال ألنا لسنا في ذك**ر تقويم اللسان والتحرز من اللحن وزيغ اإلعراب فنعتد بمث**ل ه**ذا الصواب وإنما نحن في أمور تدرك بالفكر اللطيفة ودقائق يوصل إليها بثاقب الفهم فليس درك صواب درك**ا فيم**ا نحن في**ه ح**تى يشرف موضعه ويصعب الوصول إليه وكذلك ال يكون ت**رك خط**أ تركا حتى يحتاج في التحفظ من**ه إلى لط**ف نظ**ر وفض**ل رؤي**ة وقوة ذهن وشدة تيقظ وهذا باب ينبغي أن تراعيه وأن تع**نى ب**ه حتى إذا وازنت بين كالم وكالم ودريت كيف تص**نع فض**ممت إلى كل شكل شكله وقابلته بما هو نظير له وميزت م**ا الص**نعة من**ه في لفظه مما هي منه في نظمه واعلم أن هذا أعني الفرق بين أن تكون المزية في اللفظ وبين أن تك**ون في النظم ب**اب يك**ثر

Page 49: دلائل الإعجاز للجرجاني

فيه الغلط ترى مستحسنا قد أخطأ باالستحسان موض**عه فينح**ل اللفظ م**ا ليس ل**ه وال ت**زال ت**رى الش**بهة ق**د دخلت علي**ك في الكالم قد حسن من لفظ**ه ونظم**ه فظننت أن حس**نه ذل**ك كل**ه للفظ منه دون النظم مثال ذل**ك أن تنظ**ر إلى ق**ول ابن المع**تز طويل وإني على إشفاق عي**ني من الع**دا لتجمح م**ني نظ**رة ثم أطرق فترى أن ه**ذه الطالوة وه**ذا الظ**رف إنم**ا ه**و ألن جع**ل النظر يجمح وليس ه**و ل**ذلك ب**ل ألن ق**ال في أول ال**بيت وإني حتى دخل الالم في قوله لتجمح ثم قوله مني ثم ألن قال نظ**رة ولم يقل النظر مثال ثم لمك**ان ثم في قول**ه ثم أط**رق وللطيف**ة أخرى نصرت هذه اللطائف وهي اعتراضه بين اس**م إن وخبره**ا بقول**ه على إش**فاق عي**ني من الع**دا وإن أردت أعجب من ذل**ك

فيما ذكرت لك فانظر إلى قوله وقد تقدم إنشاده قبل سالت عليه شعاب الحي حين دعا أنصاره بوجوه كالدنانير فإن**ك ترى ه**ذه االس**تعارة على لطفه**ا وغرابته**ا إنم**ا تم له**ا الحس**ن وانتهى إلى حيث انتهى بم**ا ت**وخي في وض**ع الكالم من التق**ديم والتأخير وتجدها قد ملحت ولطفت وبمعاونة ذل**ك ومؤازرت**ه له**ا وإن ش**ككت فاعم**د إلى الج**ارين والظ**رف ف**أزل كال منه**ا عن مكانه الذي وضعه الشاعر فيه فقل س**الت ش**عاب الحي بوج*وه كالدنانير عليه حين دعا أنصاره ثم انظر كيف يكون الحال وكي**ف يذهب الحسن والحالوة وكيف تعدم أريحيت**ك ال**تي ك**انت وكي**ف ت**ذهب النش**وة ال**تي كنت تج**دها وجمل**ة األم**ر أن هاهن**ا كالم**ا حسنه للفظ دون النظم وآخر حسنه للنظم دون اللفظ وثالثا ق**د أت***اه الحس***ن من الجه***تين ووجبت ل***ه المزي***ة بكال األم***رين واإلش**كال في ه**ذا الث**الث وه**و ال**ذي ال ت**زال ت**رى الغل**ط ق**د عارضك فيه وت**راك ق**د حفت في**ه على النظم فتركت**ه وطمحت ببصرك إلى اللفظ وقدرت في حسن كان به وباللفظ أن**ه للف**ظ خاصة وهذا هو الذي أردت حين قلت لك إن في االستعارة م**ا ال يمكن بيانه إال من بعد العلم بالنظم والوقوف على حقيقت**ه ومن دقيق ذلك وخفيه أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تع*الى واش*تعل ال**رأس ش**يبا لم يزي**دوا في**ه على ذك**ر االس**تعارة ولم ينس**بوا الشرف إال إليها ولم يروا للمزية موجبا سواها هك**ذا ت**رى األم**ر في ظاهر كالمهم وليس األمر على ذلك وال هذا الش**رف العظيم وال هذه المزية الجليلة وهذه الروع**ة ال**تي ت**دخل على النف**وس

Page 50: دلائل الإعجاز للجرجاني

عند هذا الكالم لمجرد االستعارة ولكن ألن س**لك ب**الكالم طري**ق ما يسند الفعل فيه إلى الشيء وهو لما هو من س**ببه ف**يرفع ب**ه ما يسند إليه ويؤتى بال*ذي الفع*ل ل**ه في المع*نى منص*وبا بع*ده مبينا أن ذلك اإلسناد وتلك النس**بة إلى ذل**ك األول إنم**ا ك**ان من أجل هذا الثاني ولما بينه وبين**ه من االتص**ال والمالبس**ة كق**ولهم

طاب زيد نفسا وقر عمرو عينا وتصبب عرقا وكرم أصال وحسن وجها وأشباه ذلك مما تجد الفعل فيه منقوال عن الش**يء إلى ما ذلك الشيء من سببه وذلك أن**ا نعلم أن اش**تعل للش**يب في المعنى وإن كان هو للرأس في اللفظ كما أن ط**اب للنفس وقر للعين وتصبب للعرق وإن أسند إلى م**ا أس**ند إلي**ه ي**بين أن الشرف كان ألن سلك فيه هذا المسلك وتوخي به ه**ذا الم**ذهب أن ت**دع ه**ذا الطري**ق في**ه وتأخ**ذ اللف**ظ فتس**نده إلى الش**يب صريحا فتقول اشتعل شيب الرأس والشيب في الرأس ثم تنظر هل تجد ذلك الحسن وتلك الفخامة وهل ترى الروع**ة ال**تي كنت تراه**ا ف**إن قلت فم**ا الس**بب في أن ك**ان اش**تعل إذا اس**تعير للش*يب على ه**ذا الوج*ه ك**ان ل**ه الفض*ل ولم ب**ان بالمزي**ة من الوجه اآلخر هذه البينونة فإن السبب أنه يفيد مع لمع**ان الش**يب في الرأس الذي هو أصل المع**نى الش**مول وأن**ه ق**د ش**اع في**ه وأخذه من نواحيه وأنه قد استغرقه وعم جملته حتى لم يب**ق من السواد شيء أو لم يبق منه إال ما ال يعتد به وهذا ما ال يك**ون إذا قيل اشتعل ش**يب ال**رأس أو الش**يب في ال**رأس ب**ل ال ي**وجب اللفظ حينئذ أكثر من ظه**وره في**ه على الجمل*ة ووزان ه**ذا أن**ك تقول اشتعل البيت نارا فيك*ون المع**نى أن الن**ار ق**د وقعت في**ه وق**وع الش**مول وأنه**ا ق**د اس**تولت علي**ه وأخ**ذت في طرفي**ه ووس**طه وتق**ول اش**تعلت الن**ار في ال**بيت فال يفي**د ذل**ك ب**ل ال يقتضي أكثر من وقوعها فيه وإص**ابتها جانب**ا من**ه فأم**ا الش**مول وأن تكون قد استولت على ال**بيت وابتزت**ه فال يعق**ل من اللف**ظ البتة ونظير هذا في التنزيل قوله عز وجل وفجرن**ا األرض عيون**ا التفجير للعي**ون في المع**نى وأوق**ع على األرض في اللف**ظ كم**ا أسند هن**اك االش**تعال إلى ال**رأس وق**د حص**ل ب**ذلك من مع**نى الشمول هاهنا مثل الذي حصل هناك وذلك أنه قد أفاد أن األرض قد كانت صارت عيونا كلها وأن الماء قد كان يفور من كل مكان منها ولو أجري اللفظ على ظاهره فقيل وفجرنا عي**ون األرض أو

Page 51: دلائل الإعجاز للجرجاني

العيون في األرض لم يفد ذلك ولم يدل عليه ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان ف**ار من عي**ون متفرق**ة في األرض وتبجس من

أماكن منها واعلم أن في اآلية األولى شيئا آخر من جنس النظم وهو تعريف الرأس باأللف والالم وإفادة معنى اإلضافة من غ**ير إض**افة وه**و أحد ما أوجب المزية ولو قيل واش**تعل رأس**ي فص**رح باإلض**افة ل**ذهب بعض الحس**ن فاعرف**ه وأن**ا أكتب ل**ك ش**يئا مم**ا س**بيل االس**تعارة في**ه ه**ذا الس**بيل ليس**تحكم ه**ذا الب**اب في نفس**ك ولتأنس به فمن عجيب ذلك قول بعض األعراب الرجز الليل داج كنف**ا جلباب**ه وال**بين محج**ور على غراب**ه ليس ك**ل م**ا ت**رى من المالحة ألن جعل للي**ل جلباب**ا وحج**ر على الغ**راب ولكن في أن وضع الكالم الذي ت**رى فجع**ل اللي**ل مبت**دأ وجع**ل داج خ**برا ل**ه وفعال لما بعده وهو الكنف**ان وأض**اف الجلب**اب إلى ض**مير اللي**ل وألن جع*ل ك*ذلك ال*بين مبت**دأ وأج*رى محج*ورا خ*برا علي**ه وأن أخرج اللفظ على مفعول يبين ذل**ك أن**ك ل**و قلت وغ**راب ال**بين محجور عليه أو قد حجر على غراب البين لم تجد له هذه المالحة وك**ذلك ل**و قلت ق**د دج**ا كنف**ا جلب**اب اللي**ل لم يكن ش**يئا ومن النادر فيه ق**ول المتن**بي الخفي**ف غص**ب ال**دهر والمل**وك عليه**ا فبناها في وجنة الدهر خاال قد ترى في أول األمر أن حسنه أجمع في أن جع*ل لل*دهر وجن**ة وجع*ل البني**ة خ*اال في الوجن**ة وليس األمر على ذلك فإن موضع األعجوبة في أن أخرج الكالم مخرجه الذي ترى وأن أتى بالخال منص**وبا على الح**ال من قول**ه فبناه**ا أفال ترى أنك لو قلت وهي خال في وجنة الدهر لوجدت الص**ورة

غير ما ترى وشبيه بذلك أن ابن المعتز قال يا مسكة العطار وخال وجه النه**ار وك**انت المالح**ة في اإلض**افة بعد اإلضافة ال في استعارة لفظة الخال إذ معلوم أنه لو ق**ال ي**ا خاال في وجه النه**ار أو ي**ا من ه**و خ**ال في وج**ه النه**ار لم يكن

هذا الضرب أن يدخله االس**تكراه ق**ال الص**احب شيئا ومن شأن إياك واإلضافات المتداخلة فإن ذلك ال يحسن وذكر أن**ه يس**تعمل في الهجاء كق**ول القائ**ل الخفي**ف ي**ا علي بن حم**زة بن عم**اره أنت والل**ه ثلج**ة في خي**اره وال ش**بهة في ثق**ل ذل**ك في األك**ثر ولكنه إذا سلم من االستكراه لطف وملح ومما حس**ن في**ه ق**ول ابن المعتز أيضا طويل وظلت تدير الراح أيدي جآذر عتاق دن**انير

Page 52: دلائل الإعجاز للجرجاني

الوجوه مالح ومما جاء منه حسنا جميال ق**ول الخال**دي في ص**فة غالم له من المسرح ويعرف الشعر مث**ل معرف**تي وه**و على أن يزيد مجتهد وصيرفي القريض وزان دينار المعاني ال**دقاق منتق**د ومنه قول أبي تمام الكامل خذها ابنة الفكر المهذب في ال**دجى والليل أسود رقعة الجلباب ومما أكثر الحسن في**ه بس**بب النظم

قول المتنبي طويل وقيدت نفس**ي في ذراك محب**ة ومن وج**د اإلحس**ان قي**دا تقي**دا االستعارة في أصلها مبتذل**ة معروف**ة فإن**ك ت**رى الع**امي يق**ول للرجل يكثر إحسانه إليه وبره له حتى يألفه ويختار المق*ام عن**ده قد قي**دني بك**ثرة إحس**انه إلي وجمي**ل فعل**ه معي ح**تى ص**ارت نفسي ال تطاوعني على الخروج من عنده وإنما كان ما ت**رى من الحس**ن بالمس**لك ال**ذي س**لك في النظم والت**أليف فص**ل في التق**ديم والت**أخير ه**و ب**اب كث**ير الفوائ**د جم المحاس**ن واس**ع التصرف بعيد الغاية ال يزال يفتر لك عن بديع**ة ويفض**ي ب**ك إلى لطيفة وال تزال ترى شعرا يروقك مسمعه ويلطف ل**ديك موقع**ه ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أن ق**دم في**ه ش**يء وحول اللفظ عن مكان إلى مكان واعلم أن تق**ديم الش**يء على وجهين تق**ديم يق**ال إن**ه على ني**ة الت**أخير وذل**ك في ك**ل ش**يء أقررته مع التقديم على حكمه الذي كان عليه وفي جنس**ه ال**ذي كان فيه كخبر المبتدأ إذا قدمته على المبتدأ والمفعول إذا قدمته على الفاعل كقولك منطل**ق زي**د وض**رب عم**را زي**د معل**وم أن منطلق وعمرا لم يخرجا بالتقديم عم**ا كان**ا علي**ه من ك**ون ه**ذا خبر مبتدأ ومرفوعا بذلك وكون ذل**ك مفع**وال ومنص**وبا من أجل**ه كما يك**ون إذا أخ**رت وتق**ديم ال على ني**ة الت**أخير ولكن على أن

تنقل الشيء عن حكم إلى حكم وتجعل له بابا غير بابه وإعرابا غ**ير إعراب**ه وذل**ك أن تجيء إلى اس**مين يحتمل كل واح**د منهم**ا أن يك**ون مبت**دأ ويك**ون اآلخ**ر خ**برا ل**ه فتقدم تارة هذا على ذاك وأخرى ذاك على هذا ومثاله ما تص**نعه بزيد والمنطلق حيث تقول مرة زيد المنطل**ق وأخ**رى المنطل**ق زيد فأنت في هذا لم تقدم المنطلق على أن يك*ون متروك*ا على حكمه الذي كان عليه مع التأخير فيكون خبر مبتدأ كم**ا ك**ان ب**ل على أن تنقله عن كون**ه خ**برا إلى كون**ه مبت**دأ وك**ذلك لم ت**ؤخر زيدا على أن يكون مبتدأ كما كان ب**ل على أن تخرج**ه عن كون**ه

Page 53: دلائل الإعجاز للجرجاني

مبتدأ إلى كون**ه خ**برا وأظه**ر من ه**ذا قولن**ا ض**ربت زي**دا وزي**د ضربته لم تقدم زيدا على أن يكون مفع**وال منص**وبا بالفع**ل كم**ا كان ولكن على أن ترفعه باالبتداء وتشغل الفعل بضميره وتجعله في موض*ع الخ*بر ل*ه وإذ ق*د ع**رفت ه**ذا التقس*يم ف*إني أتبع*ه بجملة من الشرح واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا في**ه ش**يئا يج**ري مجرى األصل غير العناية واالهتمام قال صاحب الكتاب وهو يذكر

لهم وهم بش**أنه الفاعل والمفعول كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم أعنى وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم ولم يذكر في ذل**ك مث**اال وقال النحويون إن معنى ذلك أنه ق**د تك**ون أغ**راض الن**اس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه وال يبالون من أوقعه كمثل م**ا يعلم من ح**الهم في ح**ال الخ**ارجي يخ**رج فيعيث ويفس**د ويك**ثر في األذى أنهم يريدون قتله وال يبالون من كان القتل منه وال يع**نيهم منه شيء ف**إذا قت**ل وأراد مري**د اإلخب**ار ب**ذلك فإن**ه يق**دم ذك**ر الخارجي فيقول قتل الخارجي زيد وال يق**ول قت**ل زي**د الخ*ارجي ألنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له زي**د ج**دوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم ويتصل بمسرتهم ويعلم من ح**الهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه متى يكون وقوع القت**ل بالخارجي المفسد وأنهم قد كف**وا ش**ره وتخلص**وا من**ه ثم ق**الوا فإن كان رجل ليس له بأس وال يق**در في**ه أن**ه يقت**ل فقت**ل رجال وأراد المخبر أن يخبر بذلك فإنه يقدم ذكر القاتل فيقول قتل زيد رجال ذاك ألن ال**ذي يعني**ه ويع**ني الن**اس من ش**أن ه**ذا القت**ل طرافته وموضع الندرة فيه وبعده كان من الظن ومعل**وم أن**ه لم يكن نادرا وبعي**دا من حيث ك**ان واقع**ا بال**ذي وق**ع ب**ه ولكن من حيث كان واقعا من الذي وقع منه فه**ذا جي**د ب**الغ إال أن الش**أن

في أنه ينبغي أن يعرف في كل شيء قدم في موضع من الكالم مثل هذا المعنى ويفسر وجه العناية فيه هذا التفس**ير وقد وقع في ظنون الن**اس أن**ه يكفي أن يق**ال إن**ه ق**دم للعناي**ة وألن ذكره أهم من غير أن يذكر من أين ك**انت تل**ك العناي**ة وبم ك**ان أهم ولتخيلهم ذل**ك ق**د ص**غر أم**ر التق**ديم والت**أخير في نفوسهم وهونوا الخطب فيه حتى إنك ل*ترى أك*ثرهم ي*رى تتبع*ه والنظر فيه ضربا من التكلف ولم تر ظن**ا أزرى على ص**احبه من هذا وشبهه وكذلك صنعوا في س*ائر األب*واب فجعل*وا ال ينظ**رون في الحذف والتكرار واإلظهار واإلضمار والفصل والوصل وال في

Page 54: دلائل الإعجاز للجرجاني

نوع من أنواع الفروق والوجوه إال نظرك فيما غ*يره أهم ل*ك ب*ل يض**رك ال ج**رم أن ذل**ك ق**د ذهب بهم عن فيما إن لم تعلم**ه لم

معرف**ة البالغ**ة ومنعهم أن يعرف**وا مقاديره**ا وص**د أوجههم عن الجهة التي هي فيها والشق الذي يحويها والم**داخل ال**تي ت**دخل منها اآلف**ة على الن**اس في ش**أن العلم ويبل**غ الش**يطان م**راده منهم في الصد عن طلبه وإحراز فضيلته كثيرة وهذه من أعجبه**ا إن وجدت متعجبا وليت شعري إن كانت ه**ذه أم**ورا هين**ة وك**ان المدى فيه**ا قريب**ا والج**دا يس**يرا من أين ك**ان نظم أش**رف من نظم وبم عظم التفاوت واشتد التباين وترقى األم**ر إلى اإلعج**از وإلى أن يقهر أعناق الجبابرة أو هاهنا أمور أخر نحيل في المزية

تل**ك الحوال**ة لن**ا ع**ذرا في عليها ونجعل اإلعجاز كان بها فتكون ترك النظر في هذه التي معنا واإلعراض عنها وقل**ة المب**االة به**ا أو ليس ه**ذا الته**اون إن نظ**ر العاق**ل خيان**ة من**ه لعقل**ه ودين**ه ودخوال فيما يزري بذي الخطر ويغض من ق**در ذوي الق**در وه**ل يكون أضعف رأيا وأبعد من حسن التدبر منك إذا أهمك أن تعرف الوجوه في أأن**ذرتهم واإلمال**ة في رأى القم**ر وتع**رف الص**راط والزراط وأش**باه ذل**ك مم**ا ال يع**دو علم**ك في**ه اللف**ظ وج**رس

الصوت وال يمنعك إن لم تعلمه بالغة وال يدفعك عن بيان وال ي**دخل علي**ك ش**كا وال يغلق دونك باب معرفة وال يفضي ب**ك إلى تحري**ف وتب**ديل وإلى الخطأ في تأويل وإلى ما يعظم فيه المعاب عليك ويطيل لس**ان القادح فيك وال يعنيك وال يهمك أن تع*رف م**ا إذا جهلت**ه عرض**ت نفسك لك**ل ذل**ك وحص**لت فيم**ا هنال**ك وك**ان أك**ثر كالم**ك في التفسير وحيث تخوض في التأويل كالم من ال يبني الش**يء على أص**له وال يأخ**ذه من مأخ**ذه ومن ربم**ا وق**ع في الف**احش من الخطأ الذي يبقى ع**اره وتش**نع آث**اره ونس**أل الل**ه العص**مة من الزل**ل والتوفي**ق لم**ا ه**و أق**رب إلى رض**اه من الق**ول والعم**ل واعلم أن من الخطأ أن يقسم األمر في تقديم الش**يء وت**أخيره قسمين فيجعل مفيدا في بعض الكالم وغير مفي**د في بعض وأن يعلل تارة بالعناية وأخرى بأنه توسعة على الشاعر والكاتب حتى

لهذا قوافيه ولذاك سجعه ذاك ألن من البعيد أن يك*ون في تطرد جملة النظم ما يدل ت**ارة وال ي**دل أخ**رى فم**تى ثبت في تق**ديم المفع**ول مثال على الفع**ل في كث**ير من الكالم أن**ه ق**د اختص

Page 55: دلائل الإعجاز للجرجاني

بفائدة ال تكون تلك الفائدة مع التأخير فق**د وجب أن تك**ون تل**ك قضية في كل ش**يء وك**ل ح**ال ومن س**بيل من يجع**ل التق**ديم وترك التقديم سواء أن يدعي أنه كذلك في عموم األح**وال فأم**ا أن يجعله بين بين فيزعم أن**ه للفائ**دة في بعض*ها وللتص*رف في اللفظ من غير معنى في بعض فمما ينبغي أن يرغب عن الق**ول به وهذه مسائل ال يستطيع أحد أن يمتنع من التفرق*ة بين تق*ديم ما قدم فيها وترك تقديم**ه ومن أبين ش**يء في ذل**ك االس**تفهام ب**الهمزة ف**إن موض**ع الكالم على أن**ك إذا قلت أفعلت فب**دأت بالفعل كان الشك في الفعل نفسه وكان غرضك من اس**تفهامك أن تعلم وجوده وإذا قلت أأنت فعلت فبدأت باالسم ك**ان الش**ك في الفاعل من هو وكان التردد فيه ومثال ذلك أنك تق**ول أب**نيت الدار التي كنت على أن تبنيها أقلت الشعر الذي كان في نفسك أن تقوله أفرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه تبدأ في هذا ونحوه بالفعل ألن السؤال عن الفعل نفسه والشك فيه ألنك في جمي**ع

ذلك متردد في وجود الفعل وانتفائه مجوز أن يكون قد ك**ان وأن يك**ون لم يكن وتق**ول أأنت بنيت ه**ذه ال**دار أأنت قلت ه**ذا الش**عر أأنت كتبت ه**ذا الكت**اب فتبدأ في ذلك كله باألسم ذلك ألنك لم تشك في الفعل أنه ك**ان وكيف وقد أشرت إلى الدار مبنية والشعر مقوال والكتاب مكتوب**ا وإنما شككت في الفاعل من هو فهذا من الف**رق ال يدفع**ه داف**ع وال يشك فيه شاك وال يخفى فساد أحدهما في موضع اآلخر فل**و قلت أأنت بنيت الدار التي كنت على أن تبنيها أأنت قلت الش**عر الذي ك**ان في نفس**ك أن تقول**ه أأنت ف**رغت من الكت**اب ال**ذي كنت تكتبه خرجت من كالم الن**اس وك**ذلك ل**و قلت أب**نيت ه**ذه الدار أقلت ه**ذا الش**عر أكتبت ه**ذا الكت**اب قلت م**ا ليس بق**ول ذاك لفساد أن تقول في الشيء المشاهد الذي هو نصب عيني**ك أموجود أم ال ومما يعلم به ض**رورة أن**ه ال تك**ون البداي**ة بالفع**ل كالبداية باالتسم أنك تقول أقلت شعرا ق**ط أرأيت الي**وم إنس**انا فيكون كالما مستقيما ولو قلت أأنت قلت شعرا ق**ط أأنت رأيت إنسانا أخطأت وذاك أنه ال معنى للسؤال عن الفاعل من هو في مث**ل ه**ذا ألن ذل**ك إنم**ا يتص**ور إذا ك**انت اإلش**ارة إلى فع**ل مخصوص نحو أن تقول من قال هذا الشعر ومن بنى ه**ذه ال**دار ومن أتاك اليوم ومن أذن لك في الذي فعلت وما أشبه ذلك مما

Page 56: دلائل الإعجاز للجرجاني

يمكن أن ينص فيه على معين فأما قيل شعر على الجملة ورؤي**ة إنسان على اإلطالق فمحال ذلك فيه ألن**ه ليس مم**ا يختص به**ذا دون ذاك حتى يس*أل عن عين فاعل*ه ول*و ك*ان تق*ديم االس*م ال يوجب ما ذكرنا من أن يكون السؤال عن الفاع**ل من ه**و وك**ان يصح أن يكون سؤاال عن الفعل أك**ان أم لم يكن لك**ان ينبغي أن يستقيم ذل**ك واعلم أن ه**ذا ال**ذي ذك**رت ل**ك في الهم**زة وهي لالستفهام قائم فيها إذا كانت هي للتقري**ر ف**إذا قلت أأنت فعلت ذاك كان غرضك أن تقرره بأن**ه الفاع**ل ي**بين ذل**ك قول**ه تع**الى حكاية عن قول نمروذ أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إب**راهيم ال ش**بهة

في أنهم لم يقولوا ذلك له عليه السالم وهم يري**دون أن يق**ر لهم ب**أن كس**ر

ل**ه إلى األصنام قد كان ولكن أن يقر بأنه منه ك**ان وق**د أش**اروا الفع**ل في ق**ولهم أأنت فعلت ه**ذا وق**ال ه**و علي**ه الس**الم في الجواب ب**ل فعل**ه كب**يرهم ه**ذا ول**و ك**ان التقري**ر بالفع**ل لك**ان الجواب فعلت أو لم أفعل فإن قلت أو ليس إذا قال أفعلت فه**و يريد أيضا أن يقرره بأن الفعل كان منه ال بأنه ك**ان على الجمل**ة فأي فرق بين الحالين فإنه إذا قال أفعلت فهو يقرره بالفعل من غير أن يردده بينه وبين غيره وك**ان كالم**ه كالم من ي**وهم أن**ه ال يدري أن ذلك الفعل كان على الحقيقة وإذا قال أأنت فعلت كان قد ردد الفعل بينه وبين غيره ولم يكن منه في نفي الفع**ل ت**ردد

أم لم يكن ولم يكن كالمه كالم من يوهم أنه ال يدري أكان الفعل بداللة أنك تقول ذلك والفعل ظاهر موجود مشار إلي**ه كم**ا رأيت في اآلية واعلم أن الهمزة فيما ذكرنا تقرير بفعل قد كان وإنك**ار له لم كان وتوبيخ لفاعله علي**ه وله**ا م**ذهب آخ**ر وه**و أن يك**ون إلنكار أن يك**ون الفع**ل ق**د ك**ان من أص**له ومثال**ه قول**ه تع**الى أفأصفاكم ربكم ب**البنين واتخ**ذ من المالئك**ة إناث**ا إنكم لتقول**ون قوال عظيما وقوله عز وجل أصطفى البن**ات على الب**نين م*ا لكم كيف تحكمون فهذا رد على المشركين وتك**ذيب لهم في ق**ولهم ما يؤدي إلى هذا الجه**ل العظيم وإذا ق**دم االس**م في ه**ذا ص**ار اإلنكار في الفاعل ومثال**ه قول**ك للرج**ل ق**د انتح**ل ش**عرا أأنت قلت هذا الشعر كذبت لست ممن يحسن مثله أنك**رت أن يك**ون القائل ولم تنكر الشعر وقد تكون إذ يراد إنكار الفع**ل من أص**له ثم يخرج اللفظ مخرجه إذا ك**ان اإلنك**ار في الفاع**ل مث**ال ذل**ك

Page 57: دلائل الإعجاز للجرجاني

قوله تعالى قل آلله أذن لكم اإلذن راجع إلى قوله ق**ل أرأيتم م**ا أن**زل الل**ه لكم من رزق فجعلتم من**ه حرام**ا وحالال ومعل**وم أن

المعنى على إنكار أن يكون قد كان من الله تعالى إذن فيما قالوه من غير أن يكون هذا اإلذن قد كان من غير الل**ه فأضافوه إلى الله إال أن اللفظ أخرج مخرجه إذا كان األمر كذلك ألن يجعلوا في صورة من غلط فأضاف إلى الله تعالى إذن**ا ك**ان من غير الله ف**إذا حق**ق علي**ه ارت**دع ومث**ال ذل*ك قول*ك للرج*ل يدعي أن قوال كان ممن تعلم أنه ال يقوله أهو قال ذاك بالحقيق**ة أم أنت تغلط تض*ع الكالم وض*عه إذا كنت علمت أن ذل*ك الق*ول قد كان من قائل لينصرف اإلنكار إلى الفاعل فيك**ون أش**د لنفي ذلك وإبطاله ونظير هذا قوله تعالى قل آلذكرين حرم أم األنثيين أما اشتملت عليه أرحام األنثيين أخرج اللفظ مخرجه إذا كان ق**د ثبت تحريم في أحد أش**ياء ثم أري**د معرف**ة عين المح**رم م**ع أن المراد إنكار التحريم من أصله ونفي أن يكون قد حرم شيء مما ذك**روا أن**ه مح**رم وذل**ك أن ك**ان الكالم وض**ع على أن يجع**ل التحريم كأنه قد كان ثم يقال لهم أخبرونا عن هذا التحريم ال**ذي زعمتم فيم ه**و أفي ه**ذا أم ذاك أم في الث**الث ليت**بين بطالن قولهم ويظه**ر مك**ان الفري**ة منهم على الل**ه تع**الى ومث**ل ذل**ك قولك للرجل يدعي أمرا وأنت تنكره متى ك**ان ه**ذا أفي لي**ل أم نهار تضع الكالم وضع من سلم أن ذلك قد كان ثم تطالب**ه ببي**ان وقته لكي يتبين كذبه إذا لم يقدر أن يذكر له وقتا ويفتضح ومثل**ه قولك من أمرك بهذا منا وأينا أذن لك فيه وأنت ال تعني أن أم**را قد كان بذلك من واحد منكم إال أنك تضع الكالم هذا الوض**ع لكي تض**يق علي**ه وليظه**ر كذب**ه حين ال يس**تطيع أن يق**ول فالن وأن يحي**ل على واح*د وإذ ق**د بين**ا الف**رق بين تق**ديم الفع*ل وتق**ديم االسم والفعل ماض فينبغي أن ينظر فيه والفعل مضارع والقول في ذلك أن**ك إذا قلت أتفع**ل وأأنت تفع**ل لم يخ**ل من أن تري**د الح*ال أو االس**تقبال ف**إن أردت الح*ال ك**ان المع*نى ش**بيها بم*ا مضى في الماضي فإذا قلت أتفعل كان المع*نى على أن*ك أردت أن تقرره بفعل هو يفعله وكنت كمن يوهم أن**ه ال يعلم بالحقيق**ة أن الفعل كائن وإذا قلت أأنت تفعل كان المعنى على أن**ك تري**د

أن

Page 58: دلائل الإعجاز للجرجاني

تقرره بأنه الفاعل وكان أمر الفعل في وج**وده ظ**اهرا وبحيث ال يحتاج إلى اإلقرار بأنه كائن وإن أردت ب تفع**ل المس**تقبل ك**ان المعنى إذا بدأت بالفعل على أنك تعمد باإلنكار إلى الفعل نفس**ه وتزعم أنه ال يكون أو أنه ال ينبغي أن يك**ون فمث**ال األول طوي**ل أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغ**وال فه**ذا تك**ذيب من**ه إلنس**ان ته**دده بالقت**ل وإنك**ار أن يق**در على ذل**ك ويستطيعه ومثله أن يطمع طامع في أمر ال يك**ون مثل**ه فتجهل**ه في طمعه فتقول أيرض**ى عن**ك فالن وأنت مقيم على م**ا يك**ره أتجد عنده ما تحب وقد فعلت وص**نعت وعلى ذل**ك قول**ه تع**الى أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ومثال الثاني قول**ك للرج**ل ي**ركب الخطر أتخ**رج في ه**ذا ال**وقت أت**ذهب في غ**ير الطري**ق أتغ**رر

فالن بنفسك وقولك للرج**ل يض**يع الح**ق أتنس**ى ق**ديم إحس**ان أتترك صحبته وتتغير عن حال**ك مع*ه ألن تغ*ير الزم**ان كم*ا ق**ال طويل أأترك إن قلت دراهم خالد زيارته إني إذا للئيم جملة األمر أنك تنحو باإلنكار نحو الفعل فإن بدأت باالسم فقلت أأنت تفع**ل أو قلت أهو يفعل كنت وجهت اإلنك**ار إلى نفس الم**ذكور وأبيت

أن تكون بموضع أن يجيء منه الفعل وممن يجيء منه وأن يكون بتلك المثابة تفسير ذلك أنك إذا قلت أأنت تمنعني أأنت تأخذ على يدي ص**رت كأن**ك قلت إن غ**يرك ال**ذي يس**تطيع منعي واألخ**ذ على ي**دي ولس**ت بذاك ولقد وضعت نفسك في غير موضعك هذا إذا جعلته ال يكون

أن تجعل**ه ال منه الفعل للعجز وألنه ليس في وس**عه وق**د يك**ون يحيء منه ألنه ال يختاره وال يرتضيه وأن نفس**ه نفس ت**أبى مثل**ه وتكرهه ومثاله أن تقول أهو يسأل فالنا ه**و أرف**ع هم**ة من ذل**ك أهو يمنع الناس حقوقهم هو أكرم من ذاك وقد يك**ون أن تجعل**ه ال يفعله لصغر قدره وقصر همته وأن نفسه نفس ال تسمو وذل**ك قولك أهو يسمح بمثل هذا أهو يرتاح للجميل هو أقص**ر هم**ة من ذلك وأقل رغبة في الخير مما تظن وجملة األمر أن تقديم االسم يقتضي أنك عمدت باإلنكار إلى ذات من قي**ل إن**ه يفع**ل أو ق**ال ه**و إني أفع**ل وأردت م**ا تري**ده إذا قلت ليس ه**و بال**ذي يفع**ل وليس مثله يفعل وال يكون ه**ذا المع**نى إذا ب**دأت بالفع**ل فقلت أتفعل أال ترى أن المحال أن تزعم أن المع**نى في ق**ول الرج**ل لصاحبه أتخرج في ه**ذا ال**وقت أتغ**رر بنفس**ك أتمض**ي في غ**ير

Page 59: دلائل الإعجاز للجرجاني

الطريق أنه أنك**ر أن يك**ون بمثاب**ة من يفع**ل ذل**ك وبموض**ع من يجيء منه ذاك ذاك ألن العلم محيط بأن الناس ال يريدونه وأنه ال يليق بالحال التي يستعمل فيها هذا الكالم وكذلك محال أن يكون المعنى في قوله جل وعال أنلزمكموها وأنتم لها كارهون أنا لسنا بمثابة من يجيء منه هذا اإللزام وأن غيرن**ا من يفعل**ه ج**ل الل**ه تعالى وقد يتوهم المتوهم في الشيء من ذل**ك أن**ه يحتم**ل ف**إذا نظر لم يحتمل فمن ذلك قوله أيقتلني والمشرفي مضاجعي وقد يظن الظان أنه يجوز أن يكون في مع**نى أن**ه ليس بال**ذي يجيء منه أن يقتل مثلي ويتعلق بأنه قال قبل يغط غطي**ط البك**ر ش**د

خناقه ليقتلني والمرء ليس بقتال ولكن**ه إذا نظ**ر علم أن**ه ال يج**وز وذاك ألن**ه ق**ال والمش**رفي مضاجعي فذكر ما يك**ون منع**ا من الفع**ل ومح**ال أن يق**ول ه**و ممن ال يجيء منه الفع**ل ثم يق**ول إني أمنع**ه ألن المن**ع يتص**ور فيمن يجيء منه الفعل ومع من يصح من**ه ال من ه**و من**ه مح**ال ومن ه**و نفس**ه عن**ه ع**اجز فاعرف**ه واعلم أن**ا وإن كن**ا نفس**ر االستفهام في مثل هذا باإلنكار فإن الذي ه**و محض المع*نى أن*ه لتنبي**ه الس**امع ح**تى يرج**ع إلى نفس**ه فيخج**ل ويرت**دع ويعي**ا بالجواب إما ألنه قد ادعى الق**درة على فع**ل ال يق**در علي**ه ف**إذا ثبت على دعواه قيل فافعل فيفضحه ذلك وإما ألنه هم بأن يفعل ما ال يستصوب فعله فإذا روجع فيه تنبه وعرف الخطأ وإم**ا ألن**ه ج**وز وج**ود أم**ر ال يوج**د مثل**ه ف**إذا ثبت على تج**ويزه وبخ على تعنته وقيل له فأرناه في موضع وفي حال وأقم ش**اهدا على أن**ه كان في وقت ولو كان يكون لإلنكار وك**ان المع**نى في**ه من ب**دء األمر لكان ينبغي أن ال يجيء فيما ال يقول عاقل إنه يك**ون ح**تى ينكر عليه كقولهم أتصعد إلى السماء أتس**تطيع أن تنق**ل الجب**ال أإلى رد ما مضى سبيل وإذ قد عرفت ذلك فإنه ال يقرر بالمح**ال

ال يقول أحد إنه يكون إال على سبيل التمثيل وعلى أن يق**ال وبما له إنك في دعواك ما ادعيت بمنزلة من يدعي هذا المحال وإن**ك في طمعك في الذي طمعت فيه بمنزل**ة من يطم*ع في الممتن**ع وإذ قد عرفت هذا فمما هو من هذا الضرب قول**ه تع**الى أف**أنت تسمع الصم أو تهدي العمي ليس إسماع الص*م مم*ا يدعي**ه أح*د فيكون ذلك لإلنكار وإنما المعنى فيه التمثيل والتشبيه وأن ي**نزل الذي يظن بهم أنهم يس**معون أو أن**ه يس**تطيع إس**ماعهم منزل**ة

Page 60: دلائل الإعجاز للجرجاني

من يرى أن**ه يس**مع الص**م ويه**دي العمي ثم المع**نى في تق**ديم االسم وأن لم يقل أتسمع الصم هو أن يقال للنبي أأنت خصوصا ق**د أوتيت أن تس**مع الص**م وأن يجع**ل في ظن**ه أن**ه يس**تطيع إسماعهم بمثابة من يظن أنه قد أوتي ق**درة على إس**ماع الص**م

ومن لطيف ذلك قول ابن أبي عيينة الكامل فدع الوعيد فما وعي**دك ض**ائري أطنين أجنحة الذباب يضير جعله كأن**ه ق**د ظن أن ط**نين أجنح**ة الذباب بمثابة ما يضير حتى ظن أن وعيده يض**ير واعلم أن ح**ال المفعول فيما ذكرنا كحال الفاع**ل أع**ني تق**ديم إس**م المفع**ول يقتضي أن يكون اإلنكار في طريق اإلحال**ة والمن**ع من أن يك**ون بمثابة أن يوقع به مثل ذلك الفع**ل ف**إذا قلت أزي**دا تض**رب كنت قد أنكرت أن يكون زي**د بمثاب**ة أن يض**رب أو بموض**ع أن يج**ترأ عليه ويستجاز ذلك فيه ومن أجل ذلك قدم غير في قول**ه تع**الى قل أغير الله أتخ**ذ ولي**ا وقول**ه ع**ز وج**ل ق**ل أرأيتكم إن أت**اكم ع**ذاب الل**ه أو أتتكم الس**اعة أغ**ير الل**ه ت**دعون وك**ان ل**ه من الحسن والمزية والفخامة ما علم أنه ال يكون لو أخ**ر فقي**ل ق**ل أتتخذ غير الله وليا وأتدعون غير الله وذل**ك ألن*ه حص*ل بالتق**ديم معنى قولك أيكون غير الله بمثابة أن يتخ*ذ ولي**ا وأيرض**ى عاق**ل من نفسه أن يفع**ل ذل**ك وأيك**ون جه**ل أجه**ل وعمى أعمى من ذلك وال يكون شيء من ذلك إذا قيل أأتخذ غ**ير الل**ه ولي**ا وذل**ك ألنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط وال يزيد على ذلك فاعرفه وكذلك الحكم في قوله تعالى فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه وذلك ألنهم بنوا كفرهم على أن من كان مثلهم بشرا لم يكن بمثابة أن يتب**ع ويط**اع وينتهى إلى م**ا ي**أمر ويص**دق أن**ه مبع**وث من الل**ه تعالى وأنهم مأمورون بطاعت**ه كم**ا ج**اء في األخ**رى إن أنتم إال بشر مثلنا تريدون أن تصدونا وكقوله ع**ز وج**ل م**ا ه**ذا إال بش**ر

مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الل**ه ألن**زل مالئك**ة فه**ذا ه**و الق**ول في الضرب األول وهو أن يكون يفعل بعد الهمزة لفعل لم يكن وأم**ا الضرب الث**اني وه**و أن يك**ون يفع**ل لفع**ل موج**ود ف**إن تق**ديم االسم يقتضي شبها بما اقتضاه في الماضي من األخ**ذ ب**أن يق**ر أنه الفاعل أو اإلنكار أن يكون الفاعل فمثال األول قولك للرج**ل يبغي ويظلم أأنت تجيء إلى الضعيف فتغض**ب مال**ه أأنت ت**زعم

Page 61: دلائل الإعجاز للجرجاني

أن األمر كيت وكيت وعلى ذلك قوله تعالى أف**أنت تك**ره الن**اسحتى يكونوا مؤمنين ومثال الثاني أهم يقسمون رحمة ربك

فص**ل في التق**ديم والت**أخير في النفي وإذ ق**د ع**رفت ه**ذه المس**ائل في االس**تفهام فه**ذه مس**ائل في النفي إذا قلت م**ا فعلت كنت نفيت عنك فعال لم يثبت أنه مفعول وإذا قلت م**ا أن**ا فعلت كنت نفيت عنك فعال ثبت أنه مفعول تفسير ذل**ك أن**ك إذا قلت م***ا قلت ه***ذا كنت نفيت أن تك***ون ق***د قلت ذاك وكنت نوظرت في شيء ثبت أنه مقول وكذلك إذا قلت ما ضربت زيدا

ضربه ولم يجب أن يكون قد ضرب بل يج**وز أن كنت نفيت عنك يكون قد ضربه غيرك وأن ال يكون قد ض**رب أص**ال وإذا قلت م**ا أنا ضربت زيدا لم تقله إال وزيد مض**روب وك**ان القص**د أن تنفي أن تكون أنت الضارب ومن أجل ذل**ك ص**لح في الوج**ه األول أن يكون المنفي عاما كقولك م**ا قلت ش**عرا ق**ط وم**ا أكلت الي**وم شيئا وما رأيت أحدا من الناس ولم يصلح في الوجه الثاني فكان خلفا أن تقول ما أنا قلت شعرا قط وما أنا أكلت اليوم شيئا وم**ا أنا رأيت أحدا من الناس وذلك ألنه يقتضي المحال وهو أن يكون هاهنا إنسان قد قال كل شعر في الدنيا وأك**ل ك**ل ش**يء يؤك**ل ورأى كل أحد من الناس فنفيت أن تكونه ومما هو مثال بين في

أن تقديم االسم يقتضي وجود الفعل قوله من المتقارب وما أنا أسقمت جسمي به وال أنا أضرمت في القلب نارا المعنى كما ال يخفي على أن السقم ثابت موج**ود وليس القص**د ب**النفي إليه ولكن إلى أن يكون هو الجالب له ويكون قد جره إلى نفسه ومثله في الوضوح قوله طويل وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كل**ه الشعر مقول على القطع والنفي ألن يكون هو وح**ده القائ**ل ل**ه وهاهنا أمران يرتفع معهما الشك في وجوب ه**ذا الف**رق ويص**ير العلم به كالضرورة أحدهما أنه يصح لك أن تقول ما قلت هذا وال قاله أحد من الناس وم*ا ض*ربت زي*دا وال ض*ربه أح*د س*واي وال يصح ذلك في الوجه اآلخر فلو قلت ما أنا قلت هذا وال قاله أح**د من الناس وما أنا ضربت زيدا وال ضربه أحد سواي كان خلفا من القول وكان في التناقض بمنزل**ة أن تق*ول لس*ت الض*ارب زي**دا أمس فتثبت أنه قد ضرب ثم تقول من بعده م**ا ض**ربه أح**د من الناس ولست القائل ذلك فتثبت أنه قد قيل ثم تجيء فتقول وما قاله أحد من الناس والثاني من األمرين أنك تقول م**ا ض**ربت إال

Page 62: دلائل الإعجاز للجرجاني

زيدا فيكون كالما مستقيما ولو قلت ما أن**ا ض**ربت إال زي**دا ك**ان لغ**وا من الق**ول وذل**ك ألن نقض النفي ب**إال يقتض**ي أن تك**ون ضربت زيدا وتقديمك ضميرك وإيالؤه ح**رف النفي يقتض**ي نفي أن تكون ضربته فهما يت**دافعان فاعرف**ه ويجيء ل**ك ه**ذا الف**رق على وجهه في تقديم المفعول وتأخيره فإذا قلت ما ضربت زي**دا فقدمت الفعل كان المعنى أنك قد نفيت أن يكون قد وقع ضرب منك على زيد ولم تعرض في أم*ر غ*يره لنفي وال إثب**ات وتركت**ه مبهما محتمال وإذا قلت ما زي**دا ض**ربت فق**دمت المفع**ول ك**ان المع**نى على أن ض**ربا وق**ع من**ك على إنس**ان وظن أن ذل**ك اإلنسان زيد فنفيت أن يكون إياه فلك أن تقول في الوج**ه األول

ما ضربت زيدا وال أحدا من الناس وليس لك في الوجه الثاني فلو قلت م**ا زي**دا ض**ربت وال أح*دا من الن**اس ك*ان فاس*دا على م*ا مض*ى في الفاع**ل ومم*ا ينبغي أن تعلمه أنه يص**ح ل**ك أن تق**ول م**ا ض**ربت زي**دا ولك**ني أكرمته فتعقب الفعل المنفي بإثبات فعل ه**و ض**ده وال يص**ح أن تقول ما زيدا ضربت ولكني أكرمت**ه وذاك أن**ك لم ت**رد أن تق**ول لم يكن الفعل هذا ولكن ذاك ولكنك أردت أن**ه لم يكن المفع**ول هذا ولكن ذاك فالواجب إذا أن تقول ما زيدا ضربت ولكن عم**را وحكم الجار مع المجرور في جميع ما ذكرنا حكم المنصوب ف**إذا قلت ما أمرتك بهذا ك**ان المع**نى على نفي أن تك**ون ق**د أمرت**ه بذلك ولم يجب أن تكون قد أمرته بشيء آخر وإذا قلت م**ا به**ذا أمرتك كنت قد أمرته بش**يء غ**يره التق**ديم والت**أخير في الخ**بر المثبت واعلم أن ه**ذا ال**ذي ب**ان ل**ك في االس**تفهام والنفي من المعنى في التقديم قائم مثله في الخبر المثبت فإذا عم**دت إلى الذي أردت أن تحدث عنه بفع*ل فق*دمت ذك*ره ثم ب*نيت الفع*ل عليه فقلت زيد قد فعل وأنا فعلت وأنت فعلت اقتض**ى ذل**ك أن يكون القصد إلى الفاعل إال أن المع**نى في ه**ذا القص**د ينقس**م قس**مين أح**دهما جلي ال يش**كل وه**و أن يك**ون الفع**ل فعال ق**د أردت أن تنص فيه على واحد فتجعله له وت**زعم أن**ه فاعل**ه دون واحد آخ**ر أو دون ك**ل أح**د ومث**ال ذل**ك أن تق**ول أن**ا كتبت في معنى فالن وأنا ش**فعت في باب**ه تري**د أن ت**دعي االنف**راد ب**ذلك

زعم أن ذل**ك واالستبداد به وتزي**ل االش**تباه في**ه وت**رد على من كان من غيرك أو أن غيرك قد كتب فيه كما كتبت ومن البين في

Page 63: دلائل الإعجاز للجرجاني

ذلك قولهم في المثل أتعلمني بضب أنا حرش**ته والقس**م الث**اني أن ال يكون القصد إلى الفاعل على هذا المع**نى ولكن على أن**ك أردت أن تحقق على السامع أنه قد فعل وتمنعه من الشك فأنت

لذلك تبدأ بذكره وتوقعه أوال ومن قبل أن تذكر الفع**ل في نفس**ه لكي تباع**ده ب**ذلك في الشبهة وتمنع**ه من اإلنك**ار أو من أن يظن ب**ك الغل**ط أو التزي**د ومثاله قولك هو يعطي الجزيل وهو يحب الثناء ال تري**د أن ت**زعم أن**ه ليس هاهن**ا من يعطي الجزي**ل ويحب الثن**اء غ**يره وال أن تعرض بانسان وتحطه عنه وتجعله ال يعطي كما يعطي وال يرغب كما يرغب ولكنك تريد أن تحقق على السامع أن إعطاء الجزي**ل وحب الثن**اء دأب**ه وأن تمكن ذل**ك في نفس**ه ومثال**ه في الش**عر طويل هم يفرشون اللبد كل طمرة وأجرد سباح يب**ذ المغالي**ا لم ي**رد أن ي**دعي لهم ه**ذه الص**فة دع**وى من يف**ردهم به**ا وينص عليهم فيه**ا ح**تى كأن**ه يع**رض بق**وم آخ**رين فينفي أن يكون**وا أصحابها هذا محال وإنما أراد أن يصفهم بأنهم فرس**ان يمته**دون صهوات الخي**ل وأنهم يقتع**دون الجي**اد منه**ا وأن ذل**ك دأبهم من غير أن يعرض لنفيه عن غيرهم إال أنه بدأ بذكرهم لينب**ه الس**امع لهم ويعلم ب**ديا قص**ده إليهم بم**ا في نفس**ه من الص**فة ليمنع**ه بذلك من الشك ومن توهم أن يك*ون ق*د وص*فهم بص*فة ليس*ت هي لهم أو أن يكون قد أراد غيرهم فغلط إليهم وعلى ذلك ق**ول اآلخ**ر طوي**ل هم يض**ربون الكبش ي**برق بيض**ه على وجه**ه من الدماء سبائب لم يرد أن يدعي لهم االنفراد ويجعل ه**ذا الض**رب ال يك***ون إال منهم ولكن أراد ال***ذي ذك***رت من تنبي***ه الس***امع

لقصدهم بالحديث من قبل ذكر الحديث ليحقق األمر ويؤكده ومن البين فيه ق**ول ع**روة بن أذين**ة من اله**زج س**ليمى أزمعت بينا فأين تقولها أينا وذلك أنه ظاهر معلوم أنه لم ي**رد أن يجعل هذا اإلزماع لها خاصة ويجعلها من جماع**ة لم يزم**ع ال**بين منهم أحد سواها هذا مح*ال ولكن**ه أراد أن يحق*ق األم*ر ويؤك**ده فأوقع ذكرها في سمع الذي كلم ابتداء ومن أول األمر ليعلم قبل هذا الحديث أنه أرادها بالحديث فيكون ذل**ك أبع**د ل**ه من الش**ك ومثله في الوضوح قوله طويل هما يلبسان المجد أحس**ن لبس**ة شحيحان م**ا اس**طاعا علي**ه كالهم*ا ال ش**بهة في أن**ه لم ي**رد أن يقصر هذه الص**فة عليهم**ا ولكن نب**ه لهم**ا قب**ل الح**ديث عنهم**ا

Page 64: دلائل الإعجاز للجرجاني

وأبين من الجميع قوله تعالى واتخ**ذوا من دون**ه آله**ة ال يخلق**ون شيئا وهم يخلقون وقوله عز وج*ل وإذا ج*اؤوكم ق*الوا آمن**ا وق*د دخلوا بالكفر وهم قد خرج**وا ب**ه وه**ذا ال**ذي ق**د ذك**رت من أن تقديم ذكر المحدث عنه يفيد التنبيه له قد ذك*ره ص*احب الكت**اب في المفعول إذا قدم فرفع باالبتداء وبني الفعل الناصب كان ل**ه عليه وعدي إلى ضميره فشغل به كقولن**ا في ض**ربت عب**د الل**ه عبد الله ضربته فقال وإنما قلت عبد الله فنبهته له ثم بنيت عليه الفعل ورفعته باالبتداء فإن قلت فمن أين وجب أن يكون تق**ديم ذكر المحدث عنه بالفعل آكد إلثب**ات ذل**ك الفع**ل ل**ه وأن يك**ون

قوله هما يلبسان المجد أبلغ في جعلهما يلبسانه من أن يقول يلبسان المجد فإن ذلك من أجل أنه ال ي**ؤتى باالس**م مع**رى من العوامل إال لحديث قد نوي إسناده إليه وإذا كان كذلك ف**إذا قلت عبد الله فقد أشعرت قلبه بذلك أنك قد أردت الحديث عن**ه ف**إذا جئت بالح**ديث فقلت مثال ق**ام أو قلت خ**رج أو قلت ق**دم فق**د علم ما جئت به وقد وطأت له وق**دمت اإلعالم في**ه ف**دخل على القلب دخول المأنوس به وقبله قبول المتهيء له المطمئن إلي**ه وذلك ال محالة أشد لثبوته وأنفى للشبهة وأمنع للشك وأدخل في التحقيق وجملة األمر أنه ليس إعالمك الشيء بغتة مثل إعالم**ك له بعد التنبيه علي**ه والتقدم**ة ل**ه ألن ذل**ك يج**ري مج**رى تكري**ر اإلعالم في التأكي**د واإلحك**ام ومن هاهن**ا ق**الوا إن الش**يء إذا أضمر ثم فسر ك**ان ذل**ك أفخم ل**ه من أن ي**ذكر من غ**ير تق**دم إضمار ويدل على صحة ما قالوه أنا نعلم ضرورة في قوله تعالى فإنها ال تعمى األبصار فخامة وشرفا وروعة ال نجد منها ش**يئا في قولنا فإن األبصار ال تعمى وكذلك السبيل أبدا في ك**ل كالم ك**ان فيه ضمير قصة فقوله تعالى إنه ال يفلح الكافرون يفيد من القوة في نفي الفالح عن الكافرين ما لو قيل إن الك**افرين ال يفلح**ون لم يف**د ذل**ك ولم يكن ذل**ك ك**ذلك إال ألن**ك تعلم**ه إي**اه من بع**د تقدمة وتنبيه أنت به في حكم من بدأ وأعاد ووط**د ثم بين ول**وح ثم صرح وال يخفى مكان المزية فيما طريقه هذا الطريق ويشهد لما قلنا من أن تقديم المحدث عنه يقتضي تأكيد الخ**بر وتحقيق**ه له أنا إذا تأملنا وجدنا ه**ذا الض**رب من الكالم يجيء فيم**ا س**بق فيه إنك**ار من منك**ر نح**و أن يق**ول الرج**ل ليس لي علم بال**ذي تقول فتقول له أنت تعلم أن األم**ر على م**ا أق**ول ولكن**ك تمي**ل

Page 65: دلائل الإعجاز للجرجاني

إلى خص**مي وكق**ول الن**اس ه**و يعلم ذاك وإن أنك**ر وه**و يعلم الكذب فيما قال وإن حل**ف علي**ه وكقول**ه تع**الى ويقول**ون على

الله الكذب وهم يعلمون فهذا من أبين شيء وذاك أن الكاذب ال سيما في الدين ال يعترف بأن**ه ك**اذب وإذا لم يعترف بأنه كاذب كان أبعد من ذلك أن يعترف بالعلم بأنه ك**اذب أو يجيء فيما اعترض فيه شك نحو أن يقول الرجل كأنك ال تعلم ما ص**نع فالن ولم يبلغ**ك فيق**ول أن**ا أعلم ولك**ني أداري**ه أو في تكذيب مدع كقوله عز وجل وإذا جاؤوكم ق**الوا آمن**ا وق**د دخل**وا بالكفر وهم قد خرجوا به وذلك أن قولهم آمن**ا دع**وى منهم أنهم لم يخرجوا بالكفر كما دخلوا به فالموضع موضع تك**ذيب أو فيم**ا القياس في مثله أن ال يكون كقوله تعالى واتخذوا من دونه آله**ة ال يخلقون شيئا وهم يخلقون وذلك أن عبادتهم لها تقتض**ي أن ال تكون مخلوقة وكذلك في كل شيء كان خبرا على خالف الع**ادة وعما يستغرب من األمر نحو أن نقول أال تعجب من فالن ي**دعي العظيم وهو يعيا باليسير ويزعم ان*ه ش*جاع وه**و يف*زع من أدنى شيء ومما يحسن ذلك فيه ويكثر الوعد والضمان كق**ول الرج**ل أنا أعطيك أنا أكفيك أنا أقوم بهذا األم**ر وذل**ك أن من ش**أن من تعده وتضمن له أن يعترضه الشك في تمام الوعد وفي الوفاء به فهو من أحوج شيء إلى التأكيد وكذلك يك**ثر في الم**دح كقول**ك أنت تعطي الجزيل أنت تقري في المحل أنت تجود حين ال يج**ود أحد وكما قال الكامل وألنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخل**ق ثم ال يف**ري وكق**ول اآلخ**ر من الرم**ل نحن في المش**تاة ن**دعو

الجفلى وذلك أن من ش**أن الم**ادح أن يمن**ع الس**امعين من الش**ك فيم**ا يمدح به ويباعدهم من الشبهة وكذلك المفتخر ويزي**دك بيان**ا أن**ه إذا كان الفعل مما ال يشك فيه وال ينكر بحال لم يك**د يجيء على ه**ذا الوج**ه ولكن ي**ؤتى ب**ه غ**ير مب**ني على اس**م ف**إذا أخ**برت بالخروج مثال عن رجل من عاداته أن يخرج في كل غداة قلت قد خرج ولم تحتج إلى أن تقول هو قد خ**رج ذاك ألن**ه ليس بش**يء يش**ك في**ه الس**امع فتحت**اج أن تحقق**ه وإلى أن تق**دم في**ه ذك**ر المحدث عنه وكذلك إذا علم السامع من حال رجل أن**ه على ني**ة الركوب والمضي إلى موضع ولم يكن شك وتردد أنه ي**ركب أو ال

تقول ق**د ركب وال تق**ول ه**و ق**د ركب يركب كان خبرك فيه أن

Page 66: دلائل الإعجاز للجرجاني

فإن جئت بمثل هذا في صلة كالم ووضعته بعد واو الح**ال حس**ن حينئذ وذلك قولك جئت**ه وه**و ق**د ركب وذاك أن الحكم يتغ**ير إذا صارت الجملة في مثل هذا الموضع ويصير األمر بمعرض الش**ك وذاك أنه إنما يقول هذا من ظن أنه يصادفه في منزله وأن يصل إليه من قبل أن يركب فإن قلت فإنك قد تق**ول جئت**ه وق**د ركب بهذا المعنى ومع هذا الشك فإن الشك ال يق**وى حينئ**ذ قوت**ه في الوج**ه األول أفال ت**رى أن**ك إذا اس**تبطأت إنس**انا فقلت أتان**ا والش**مس ق**د طلعت ك**ان ذل**ك أبل**غ في اس**تبطائك ل**ه من أن

أتى تق**ول أتان**ا وق**د طلعت الش**مس وعكس ه**ذا أن**ك إذا قلت والشمس لم تطلع كان أق**وى في وص**فك ب**ه بالعجل**ة والمجيء قبل الوقت الذي ظن أنه يجيء فيه من أن تقول أتى ولم تطل**ع الش*مس بع*د ه**ذا وه**و كالم ال يك*اد يجيء إال نابي**ا وإنم*ا الكالم البليغ هو أن تبدأ باالسم وتب**ني الفع**ل علي**ه كقول**ه الكام**ل ق**د أغتدي والطير لم تكلم فإذا كان الفعل فيما بعد هذه ال**واو ال**تي يراد بها الحال مضارعا لم يصلح إال مبنيا على اسم كقولك رأيت**ه وه**و يكتب ودخلت علي**ه وه**و يملي الح**ديث وكقول**ه طوي**ل

تمززتها والديك يدعو صباحه إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا ليس يصلح شيء من ذلك إال على ما تراه ل**و قلت رأيت**ه ويكتب ودخلت عليه ويملي الحديث وتمززته**ا وي**دعو ال**ديك ص**باحه لم يكن شيئا ومما هو بهذه المنزلة في أنك تجد المع**نى ال يس**تقيم إال على ما جاء عليه من بناء الفعل على االس**م قول**ه تع**الى إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين وقالوا أس**اطير واألولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيال وقوله تعالى وحشر لسليمان جن**وده من الجن واإلنس والط*ير فهم يوزع**ون فإن*ه ال يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذل**ك بالفع**ل غ**ير مب**ني على االس**م فقي**ل إن ول**يي الل**ه ال**ذي ن**زل الكت**اب ويت**ولى الصالحين واكتتبها فتملى عليه وحشر لسليمان جن**وده من الجن واإلنس والط**ير فيوزع**ون لوج**د اللف**ظ ق**د نب**ا عن المع**نى والمعنى قد زال عن صورته والحال ال**تي ينبغي أن يك**ون عليه**ا واعلم أن هذا الصنيع يقتضي في الفع**ل المنفي م**ا اقتض**اه في المثبت فإذا قلت أنت ال تحسن هذا كان أشد لنفي إحس**ان ذل**ك عنه من أن تقول ال تحسن ه**ذا ويك**ون الكالم في األول م**ع من هو أشد إعجابا بنفسه وأعرض دعوى في أنه يحسن حتى إنك لو

Page 67: دلائل الإعجاز للجرجاني

أتيت بأنت فيما بعد تحسن فقلت ال تحسن أنت لم يكن ل**ه تل**ك القوة وكذلك قوله تعالى والذين هم بربهم ال يش**ركون يفي**د من التأكيد في نفي اإلش**راك عنهم م**ا ل**و قي**ل وال**ذين ال يش**ركون بربهم أو بربهم ال يشركون لم يفد ذلك وكذا قوله تعالى لقد حق القول على أكثرهم فهم ال يؤمن**ون وقول**ه تع**الى فعميت عليهم األنباء يومئذ فهم ال يتساءلون و إن شر الدواب عن**د الل**ه ال**ذين كفروا فهم ال يؤمنون تقديم مثل وغير ومم**ا ي**رى تق**ديم االس**م

فيه كالالزم مثل وغير في نحو قوله السريع مثل**ك يث**ني الم**زن عن ص**وبه ويس**ترد ال**دمع عن غرب**ه وق**ول الناس مثلك رعى الحق والحرمة وكقول ال**ذي ق**ال ل**ه الحج**اج ألحملنك على األدهم يريد القيد فقال على سبيل المغالطة ومثل األمير يحمل على األدهم واألشهب وما أشبه ذل**ك مم**ا ال يقص**د فيه بمثل إلى إنسان سوى ال**ذي أض**يف إلي**ه ولكنهم يعن**ون أن كل من كان مثله في الحال والص**فة ك**ان من مقتض**ى القي**اس وموجب العرف والعادة أن يفعل ما ذكر أو أن ال يفعل ومن أجل أن المعنى كذلك قال السريع ولم أقل مثلك أعني ب**ه س**واك ي**ا فردا بال مش**به وك**ذلك حكم غ**ير إذا س**لك ه**ذا المس**لك فقي**ل غيري يفعل ذاك على معنى أني ال أفعل**ه ال أن ي**ومىء بغ*ير إلى إنسان فيخبر عنه بأن يفعل كما ق**ال البس**يط غ**يري ب**أكثر ه**ذا الناس ينخدع وذاك أنه معلوم أنه لم ي**رد أن يع**رض بواح**د ك**ان هناك فيستنقصه ويصفه بأنه مضعوف يغر ويخ*دع ب**ل لم ي**رد إال أن يقول إني لست ممن ينخدع ويغ**تر وك**ذلك لم ي**رد أب**و تم**ام بقوله الوافر وغيري يأكل المع**روف س**حتا وتش**حب عن**ده بيض األيادي أن يعرض مثال بشاعر س**واه ف**يزعم أن ال**ذي ق**رف ب**ه عند المم**دوح من أن**ه هج*اه ك**ان من ذل**ك الش**اعر ال من**ه ه**ذا محال بل ليس إال أنه نفى عن نفسه أن يكون ممن يكفر النعم**ة ويلؤم واستعمال مثل و غير على هذا الس**بيل ش**يء مرك**وز في

الطباع وهو جار في عادة كل ق*وم ف*أنت اآلن إذا تص*فحت الكالم وج*دت ه**ذين االس*مين يقدمان أبدا على الفعل إذا نحي بهما هذا النحو الذي ذك**رت ل**ك وترى هذا المعنى ال يستقيم فيهما إذا لم يقدما أفال ترى أن**ك ل**و قلت يثني المزن عن ص**وبه مثل**ك ورعى الح**ق والحرم**ة مثل**ك ويحمل على االدهم واألشهب مثل األمير وينخدع غيري بأكثر هذا

Page 68: دلائل الإعجاز للجرجاني

الناس ويأكل غيري المعروف سحتا رأيت كالما مقلوبا عن جهت**ه ومغيرا عن صورته ورأيت اللفظ قد نبا عن معن**اه ورأيت الطب**ع يأبى أن يرضاه وأعلم أن معك دستورا ل**ك في**ه إن ت**أملت غ**نى عن كل ما سواه وهو أنه ال يجوز أن يك**ون لنظم الكالم وت**رتيب أجزائه في االستفهام معنى ال يكون ل**ه ذل**ك المع**نى في الخ**بر وذاك أن االستفهام استخبار واالستخبار هو طلب من المخ**اطب أن يخبرك فإذا كان كذلك كان محاال أن يفترق الح*ال بين تق*ديم االسم وتأخيره في االستفهام فيكون المع**نى إذا قلت أزي**د ق**ام غيره إذا قلت أقام زيد ثم ال يكون هذا االفتراق في الخبر ويكون قولك زيد قام وقام زيد س**واء ذاك ألن**ه ي**ؤدي إلى أن تس**تعمله أمرا ال سبيل فيه إلى جواب وأن تستثبته المعنى على وجه ليس عنده عبارة يثبته لك بها على ذلك الوجه وجملة األمر أن المعنى في إدخال**ك ح**رف االس**تفهام على الجمل**ة من الكالم ه**و أن**ك تطلب أن يقفك في مع**نى تل**ك الجمل**ة ومؤداه**ا على إثب**ات أو نفي فإذا قلت أزيد منطل**ق ف**أنت تطلب أن يق**ول ل**ك نعم ه**و

ال ما هو منطلق وإذا كان ذلك كذلك ك**ان مح**اال منطلق أو يقول أن ال تك**ون الجمل**ة إذا دخلته**ا هم**زة االس**تفهام اس**تخبارا عن المعنى على وجه ال تكون هي إذا نزعت منه**ا الهم**زة إخب**ارا ب**ه

على ذلك الوجه فاعرفه فصل هذا كالم في النكرة إذا قدمت على الفع**ل أو ق**دم الفع**ل عليها إذا قلت أجاءك رجل فأنت تريد أن تسأله ه**ل ك**ان مجيء من أحد من الرجال إليه فإن ق**دمت االس**م فقلت أرج**ل ج**اءك فأنت تساله عن جنس من جاءه أرجل هو أم ام**رأة ويك**ون ه**ذا منك إذا كنت علمت أنه ق**د أت**اه آت ولكن**ك لم تعلم جنس ذل**ك اآلتي فس**بيلك في ذل**ك س**بيلك إذا أردت أن تع**رف عين اآلتي فقلت أزيد جاءك أم عمرو وال يج**وز تق**ديم االس**م في المس**الة األولى ألن تق**ديم االس**م يك**ون إذا ك**ان الس**ؤال عن الفاع**ل والسؤال عن الفاعل يكون إما عن عين**ه أو عن جنس**ه وال ث**الث وإذا كان كذلك كان مح*اال أن تق*دم االس*م النك*رة وأنت ال تري**د السؤال عن الجنس ألنه ال يكون لسؤالك حينئذ متعل**ق من حيث ال يبقى بع**د الجنس إال العين والنك**رة ال ت**دل على عين ش**يء فيس**ال به**ا عن**ه ف**إن قلت أرج*ل طوي**ل ج*اءك أم قص**ير ك**ان السؤال عن أن الجائي من جنس طوال الرجال أم قصارهم فإن

Page 69: دلائل الإعجاز للجرجاني

وصفت النكرة بالجملة فقلت أرجل كنت عرفته من قبل أعطاك ه**ذا أم رج**ل لم تعرف**ه ك**ان الس**ؤال عن المعطي أك**ان ممن عرفه قبل أم كان إنسانا لم تتق**دم من**ه معرف**ة وإذا ق**د ع**رفت الحكم في االبتداء بالنكرة في االستفهام ف**ابن الخ*بر علي**ه ف**إذا قلت رجل جاءني لم يصلح حتى تري**د أن تعلم**ه أن ال**ذي ج**اءك رجل ال امرأة ويكون كالم**ك م**ع من ق**د ع**رف أن ق**د أت**اك آت فإن لم ترد ذاك كان الواجب أن تقول جاءني رجل فتقدم الفعل وكذلك إن قلت رجل جاءني لم يستقم ح**تى يك**ون الس**امع ق**د ظن أنه قد أتاك قصير أو نزلته من ظن ذلك وقولهم شر أه**ر ذا

ناب إنما قدم فيه شر ألن المراد أن يعلم أن الذي أهر ذا الناب هو من جنس الشر ال جنس الخير فجرى مج**رى أن تق**ول

تريد أنه رجل ال امرأة وقول العلماء إن**ه إنم**ا يص**لح رجل جاءني ألنه بمعنى ما أهر ذا ناب إال شر بيان لذلك أال ترى أن**ك ال تق**ول ما أتاني إال رجل إال حيث يتوهم السامع أنه ق**د أتت**ك ام**رأة ذاك ألن الخ**بر بنقض النفي يك**ون حيث ي**راد أن يقص**ر الفع**ل على شيء وينفى عما عداه فإذا قلت ما ج*اءني إال زي*د ك*ان المع*نى أنك قد قصرت المجيء على زيد ونفيته عن كل من ع**داه وإنم**ا يتصور قصر الفعل على معلوم ومتى لم ي**رد ب**النكرة الجنس لم يقف منها السامع على معلوم حتى ي**زعم أني أقص**ر ل**ه الفع**ل عليه وأخبره أنه كان منه دون غيره وأعلم أن**ا لم ن**رد بم**ا قلن**اه من أنه إنما حسن االبتداء بالنكرة في قولهم شر أهر ذا ناب ألنه أريد به الجنس أن معنى شر والشر سواء وإنما أردنا أن الغ**رض من الكالم أن نبين أن الذي أهر ذا الن**اب ه**و من جنس الش**ر ال جنس الخير كما أنا إذا قلنا في ق**ولهم أرج**ل أت**اك أم ام**رأة أن السؤال عن الجنس لم نرد بذلك أنه بمنزل**ة أن يق**ال الرج**ل أم المرأة أتاك ولكنا نعني أن المعنى على أنك سألت عن اآلتي أهو من جنس الرج**ال أم جنس النس**اء ف**النكرة إذا على أص**لها من كونه**ا لواح**د من الجنس إال أن القص**د من**ك لم يق**ع إلى كون**ه واحدا وإنما وقع إلى كونه من جنس الرجال وعكس هذا أن**ك إذا قلت أرجل أتاك أم رجالن كان القصد منك إلى كونه واح**دا دون كونه رجال فاعرف ذلك أصال وهو أنه ق**د يك**ون في اللف**ظ دلي**ل على أمرين ثم يقع القصد إلى أح*دهما دون اآلخ*ر فيص*ير اآلخ*ر ب**أن لم ي**دخل في القص**د كأن**ه لم ي**دخل في دالل**ة اللف**ظ وإذا

Page 70: دلائل الإعجاز للجرجاني

اعتبرت ما قدمته من ق**ول ص**احب الكت**اب أن**ك قلت عب**د الل**ه فنبهته له ثم بنيت عليه الفعل وحدته يطابق هذا وذاك أن التنبي**ه ال يك**ون إال على معل**وم كم**ا أن قص**ر الفع**ل ال يك**ون إال على معلوم فإذا بدأت بالنكرة فقلت رج**ل وأنت ال تقص**د به**ا الجنس وأن تعلم الس**امع أن ال**ذي أردت بالح**ديث رج**ل ال ام**رأة ك**ان

ألنبه المخاطب له ألن**ه يخ*رج ب**ك إلى محاال أن تقول إني قدمته أن تقول إني أردت أن أنبه السامع لشيء ال يعلمه في جمل**ة وال

تفصيل وذلك ما ال يشك في استحالته فاعرفه القول في الحذف هو باب دقيق المس**لك لطي**ف المأخ**ذ عجيب األمر شبيه بالسحر فإنك ت**رى ب**ه ت**رك ال**ذكر أفص**ح من ال**ذكر والصمت عن اإلفادة أزيد لإلفادة وتجدك أنط**ق م**ا تك**ون إذا لم تنطق وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن وهذه جملة قد تنكره**ا ح**تى تخبر وتدفعها حتى تنظر أنا أكتب لك بديئا أمثلة مم*ا ع**رض في**ه الحذف ثم أنبهك على صحة ما أشرت إليه واقيم الحجة من ذلك عليه صاحب الكتاب البسيط اعتاد قلب**ك من ليلى عوائ**ده وه**اج أهواءك المكنونة الطلل ربع قواء أذاع المعصرات به وكل حيران جار ماؤه خضل قال أراد ذاك ربع قواء أو هو ربع قال ومثله قول اآلخر البسيط هل تعرف الي**وم رس**م ال**دار والطلال كم*ا ع**رفت

بجفن الصيقل الخلال دار لمروة إذ أهلي وأهلهم بالكانس**ية ن**رعى الله**و والغ**زال كأن**ه قال تلك دار قال شيخنا رحمه الله ولم يحم**ل ال**بيت األول على أن الربع بدل من الطلل ألن الربع أكثر من الطلل والشيء يبدل مما هو مثله أو أك**ثر من**ه فأم**ا الش**يء من أق**ل من**ه ففاس**د ال يتصور وهذه طريقة مستمرة لهم إذ ذكروا الديار والمنازل وكم**ا يضمرون في المبتدأ ف**يرفعون فق**د يض**مرون الفع**ل فينص**بون كبيت الكت**اب أيض**ا البس**يط دي**ار مي**ة إذ مي تس**اعفنا وال ي**رى مثلها عجم وال عرب أنشده بنص**ب دي**ار على إض**مار فع**ل كأن**ه قال أذكر ديار مية ومن المواضع التي يطرد فيه**ا ح**ذف المبت**دأ القطع واالستئناف يبدؤون بذكر الرجل ويق**دمون بعض أم**ره ثم يدعون الكالم األول ويستأنفون كالم**ا آخ**ر وإذا فعل**وا ذل**ك أت**وا في أكثر األمر بخبر من غير مبت**دأ مث**ال ذل**ك قول**ه من مج**زوء الكامل وعلمت أني يوم ذاك من**ازل كعب**ا ونه**دا ق**وم إذا لبس**وا

الحديد تنمروا حلقا وقدا

Page 71: دلائل الإعجاز للجرجاني

وقوله الوافر هم حلوا من الشرف المعلى ومن حسب العش**يرة حيث شاؤوا بناة مك**ارم واس**اة كلم دم**اؤهم من الكلب الش**فاء وقوله طويل رآني على ما بي عميل**ة فاش**تكى إلى مال**ه ح**الي أسر كما جهر غالم رم**اه الل**ه ب**الخير مقبال ل**ه س**يمياء ال تش**ق على البصر وقوله طوي**ل إذا ذك**ر ابن**ا العنبري**ة لم تض**ق ذراعي وألقى باسته من أفاخر هالالن حماالن في ك**ل ش**توة من الثق**ل ما ال تستطيع األباعر حماالن خبر ثان وليس بصفة كما يك**ون ل**و قلت مثال رجالن حماالن ومما اعتيد فيه أن يجيء خ**برا ق**د ب**ني على مبتدأ محذوف قولهم بعد أن يذكروا الرجل ف**تى من ص**فته

كذا وأغر من صفته كيت وكيت كقوله طويل أال ال فتى بعد ابن ناشرة الفتى وال عرف إال قد تولى وأدبرا فتى حنظلي ما تزال ركابه تجود بمعروف وتنكر منكرا وقول**ه طوي**ل سأش**كر عم**را إن ت**راخت مني**تي أي**ادي لم تمنن وإن هي جلت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه وال مظهر الشكوى إذا النعل زلت ومن ذلك قول جميل البسيط وهل بثينة يا للن**اس قاض**يتي ديني وفاعلة خيرا فأجزيها ترنو بعيني مه**اة أقص*دت بهم*ا قل*بي عشية ترميني وأرميها هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ري**ا العظ**ام بال عيب ي**رى فيه**ا من األوانس مكس**ال مبتل**ة خ**ود غ**ذاها بلين العيش غاذيها وقوله الكامل إني عشية رحت وهي حزين**ة تش**كو إلي صبابة لصبور وتقول بت عندي فديتك ليلة أش**كو إلي**ك ف**إن

ذاك يسير غراء مبسام كأن حديثها در تحدر نظمه منثور محطوطة المتنين مض**مرة الحش**ا ري**ا ال**روادف خلقه**ا ممك**ور وق**ول األقيش**ر في ابن عم ل**ه موس**ر س**أله فمنع**ه وق**ال كم أعطيك مالي وأنت تنفقه فيما ال يعني**ك والل**ه ال أعطي**ك فترك**ه حتى اجتمع القوم في ناديهم وهو فيهم فشكاه إلى الق**وم وذم**ه فوثب إليه ابن عمه فلطم*ه فأنش*أ يق*ول طوي**ل س*ريع إلى ابن العم يلطم وجه**ه وليس إلى داعي الن**دى بس**ريع ح**ريص على الدنيا مضيع لدين**ه وليس لم**ا في بيت**ه بمض**يع فتأم**ل اآلن ه**ذه األبي**ات كله**ا واس**تقرها واح**دا واح**دا وانظ**ر إلى موقعه**ا في نفس**ك وإلى م**ا تج**ده من اللط**ف والظ**رف إذا أنت م**ررت بموضع الحذف منه**ا ثم قلبت النفس عم**ا تج**د وألطفت النظ**ر فيما تحس به ثم تكلف أن ترد ما حذف الشاعر وأن تخرج**ه إلى لفظك وتوقع**ه في س**معك فإن**ك تعلم أن ال**ذي قلت كم**ا قلت

Page 72: دلائل الإعجاز للجرجاني

وأن رب حذف هو قالدة الجيد وقاعدة التجويد وإن أردت م**ا ه**و أصدق في ذلك شهادة وأدل داللة فانظر إلى ق**ول عب**د الل**ه بن الزبير يذكر غريما له قد ألح عليه طويل عرضت على زي**د ليأخ**ذ بعض ما يحاوله قبل اع**تراض الش**واغل ف**دب دبيب البغ**ل ي**ألم ظهره وقال تعلم أنني غير فاعل تثاءب ح**تى قلت داس**ع نفس**ه وأخرج أنيابا له كالمعاول األصل ح**تى قلت ه**و داس**ع نفس**ه أي حسبته من شدة التثاؤب ومم**ا ب**ه من الجه**د يق**ذف نفس**ه من جوفه ويخرجها من صدره كما يدس**ع البع**ير جرت**ه ثم إن**ك ت**رى

نصبة الكالم وهيئته تروم منك أن تنسى هذا المبتدأ وتباعده عن وهمك وتجتهد أن ال يدور في خل**دك وال يع**رض لخ**اطرك وت**راك كأن**ك تتوقاه توقي الشيء يك**ره مكان**ه والثقي**ل يخش**ى هجوم**ه ومن لطيف الحذف ق**ول بك**ر بن النط**اح الس**ريع العين تب**دي الحب والبغضا وتظهر اإلبرام والنقض**ا درة م**ا أنص**فتني في اله**وى وال رحمت الجسد المنضى غضبى وال والله يا أهلها ال أطعم البارد أو ترضى يقول في جارية كان يحبها وسعي ب**ه إلى أهله**ا فمنعوه**ا من**ه والمقص**ود قول**ه غض**بى وذل**ك أن التق**دير هي غض**بى أو غضبى هي ال محالة أال ت**رى أن**ك ت**رى النفس كي**ف تتف**ادى من إظهار هذا المح*ذوف وكي**ف ت*أنس إلى إض**ماره وت**رى المالح*ة كي**ف ت**ذهب إن أنت رمت التكلم ب**ه ومن جي**د األمثل**ة في ه**ذا الباب قول اآلخر يخاطب امرأته وق**د المت**ه على الج**ود الكام**ل قالت سمية ق**د غ**ويت ب**أن رأت حق**ا تن**اوب مالن**ا ووف**ودا غي لعمرك ال أزال أعوده ما دام مال عندنا موجودا المع**نى ذاك غي ال أزال أعود إليه فدعي عنك لومي وإذ ق**د ع**رفت ه**ذه الجمل*ة من حال الحذف في المبتدأ فاعلم أن ذلك سبيله في ك**ل ش**يء فما من اسم أو فعل تجده قد حذف ثم أصيب به موضعه وحذف

في الحال ينبغي أن يحذف فيها إال وأنت تجد حذفه هناك أحس**ن من ذك**ره وترى إضماره في النفس أولى وآنس من النطق به وإذ قد ب**دأنا في الحذف بذكر المبتدأ وهو ح**ذف اس**م إذ ال يك**ون المبت**دأ إال اسما فإني أتبع ذل**ك ذك**ر المفع**ول ب**ه إذا ح**ذف خصوص**ا ف**إن الحاجة إليه أمس وهو بما نحن به أخص واللطائف كأنها فيه أكثر وما يظهر بسببه من الحسن والرونق أعجب وأظهر وهاهنا أصل

Page 73: دلائل الإعجاز للجرجاني

يجب ضبطه وهو أن حال الفعل مع المفع**ول ال**ذي يتع**دى إلي**ه حاله مع الفاعل وكما أن**ك إذا قلت ض**رب زي**د فاس**ندت الفع**ل إلى الفاعل كان غرضك من ذلك أن تثبت الض**رب فعال ل**ه ال أن تفيد وجود الض**رب في نفس**ه وعلى اإلطالق وك**ذلك إذا ع**ديت الفعل إلى المفعول فقلت ضرب زيد عمرا كان غرضك أن تفي**د التباس الضرب الواقع من األول بالثاني ووقوعه عليه فقد اجتمع الفاعل والمفعول في أن عمل الفعل فيهم**ا إنم**ا ك**ان من أج**ل أن يعلم التباس المعنى الذي اشتق من**ه بهم**ا فعم**ل الرف**ع في الفاعل ليعلم التباس الضرب به من جه**ة وقوع**ه من**ه والنص**ب في المفعول ليعلم التباس**ه ب**ه من جه**ة وقوع**ه علي**ه ولم يكن ذلك ليعلم وقوع الضرب في نفس**ه ب**ل إذا أري**د اإلخب**ار بوق**وع الض**رب ووج**وده في الجمل**ة من غ**ير أن ينس**ب إلى فاع**ل أو مفعول أو يتعرض لبيان ذلك بالعبارة فيه أن يقال كان ض**رب أو وقع ضرب أو وجد ضرب وما شاكل ذلك من ألفاظ تفيد الوج**ود المجرد في الشيء وإذ قد عرفت هذه الجملة فاعلم أن أغ**راض الن**اس تختل**ف في ذك**ر األفع**ال المتعدي**ة فهم ي**ذكرونها ت**ارة وم**رادهم أن يقتص**روا على إثب**ات المع**اني ال**تي اش**تقت منه**ا لفاعلين من غير أن يتعرض**وا ل**ذكر المفع**ولين ف**إذا ك**ان األم**ر كذلك كان الفع**ل المتع**دي كغ**ير المتع**دي مثال في أن**ك ال ت**رى مفع*وال ال لفظ**ا وال تق*ديرا ومث**ال ذل**ك ق**ول الن**اس فالن يح*ل ويعق**د وي**أمر وينهى ويض**ر وينف**ع وكق**ولهم ه**و يعطي ويج**زل ويقري ويضيف المع**نى في جمي**ع ذل**ك على إثب**ات المع**نى في نفس**ه للش**يء على اإلطالق وعلى الجمل**ة من غ**ير أن يتع**رض لحديث المفعول حتى كأنك قلت ص**ار إلي**ه الح**ل والعق**د وص**ار بحيث يكون من**ه ح**ل وعق**د وأم**ر ونهي وض**ر ونف**ع وعلى ه**ذا القياس وعلى ذلك قوله تعالى ق**ل ه**ل يس**توي ال**ذين يعلم**ون

والذين ال يعلمون المعنى هل يستوي من له علم ومن ال علم له من غير أن يقصد النص على معلوم وكذلك قول**ه تع**الى وأن**ه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وقوله وأنه هو أغنى وأقنى المعنى هو الذي منه اإلحياء واإلماتة واإلغناء واإلقناء وهك**ذا ك**ل موضع كان القصد في**ه أن يثبت المع*نى في نفس*ه فعال للش*يء وأن يخبر ب**أن من ش**أنه أن يك**ون من**ه أو ال يك**ون إال من**ه أو ال يكون منه ف*إن الفع*ل ال يع*دى هن**اك ألن تعديت**ه تنقص الغ*رض

Page 74: دلائل الإعجاز للجرجاني

وتغير المعنى أال ترى أنك إذا قلت هو يعطي الدنانير كان المعنى على أنك قصدت أن تعلم السامع أن ال**دنانير ت**دخل في عطائ**ه أو أنه يعطيها خصوصا دون غيرها وكان غرضك على الجملة بيان جنس ما تناوله اإلعطاء ال اإلعطاء في نفسه ولم يكن كالمك مع من نفى أن يكون كان منه إعطاء بوجه من الوج**وه ب**ل م**ع من أثبت له إعطاء إال أنه لم يثبت إعطاء الدنانير فاعرف ذل**ك فإن**ه أصل كبير عظيم النفع فهذا قسم من خل**و الفع**ل عن المفع**ول وهو أن ال يكون له مفعول يمكن النص عليه وقسم ث**ان وه**و أن يكون له مفعول مقصود قصده معلوم إال أن**ه يح**ذف من اللف**ظ لدليل الحال عليه وينقس*م إلى جلي ال ص**نعة في**ه وخفي تدخل*ه الصنعة فمث**ال الجلي ق**ولهم أص**غيت إلي**ه وهم يري**دون أذني و أغضيت عليه والمع*نى جف**ني وأم**ا الخفي ال**ذي تدخل**ه الص**نعة فيتفنن ويتنوع فنوع منه أن تذكر الفعل وفي نفس**ك ل**ه مفع**ول مخصوص قد علم مكان**ه إم**ا لج**ري ذك**ر أو دلي**ل ح**ال إال أن**ك تنسيه نفسك وتخفيه وتوهم أنك لم تذكر ذلك الفعل إال ألن تثبت نفس معناه من غير أن تعديه إلى شيء أو تع**رض في**ه لمفع**ول ومثاله قول البحتري الخفيف شجو حساده وغيظ ع**داه أن ي**رى

المع**نى ال محال**ة أن ي**رى مبص**ر محاس**نه مبص**ر ويس**مع واعويسمع واع أخباره وأوصافه ولكنك تعلم

على ذلك أنه كأنه يسرق علم ذلك من نفسه وي**دفع ص**ورته عن وهمه ليحصل ل**ه مع**نى ش**ريف وغ**رض خ**اص وذاك أن**ه يم**دح خليفة وهو المعتز ويعرض بخليفة وهو المستعين فأراد أن يق**ول إن محاسن المعتز وفضائله والمحاسن والفض**ائل يكفي فيه**ا أن يقع عليها بص**ر ويعيه**ا س**مع ح**تى يعلم أن**ه المس**تحق للخالف**ة والفرد الوحي**د ال**ذي ليس ألح**د أن ينازع**ه مرتبته**ا ف**أنت ت**رى حس*اده وليس ش*يء أش*جى لهم وأغي**ظ من علمهم ب*أن هاهن**ا مبصرا يرى وسامعا يعي حتى ليتمنون أن ال يكون في ال**دنيا من ل**ه عين يبص**ر به**ا وأذن يعي معه**ا كي يخفى مك**ان اس**تحقاقه لشرف اإلمامة فيجدوا بذلك سبيال إلى منازعت**ه إياه**ا وه**ذا ن**وع آخر منه وهو أن يكون مع*ك مفع*ول معل*وم مقص*ود قص*ده ق*د علم أنه ليس للفعل الذي ذكرت مفعول سواه بدليل الحال أو ما س**بق من الكالم إال أن**ك تطرح**ه وتتناس**اه وتدع**ه يل**زم ض**مير النفس لغرض غير الذي مض**ى وذل**ك الغ**رض أن تت**وفر العناي**ة

Page 75: دلائل الإعجاز للجرجاني

على إثبات الفعل للفاعل وتخلص له وتنصرف بجملتها وكم**ا هي إليه ومثاله ق**ول عم**رو بن مع**دي ك**رب طوي**ل فل**و أن ق**ومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت أج**رت فع**ل متع**د ومعلوم أنه لو عداه لم**ا ع**داه إال إلى ض**مير المتكلم نح*و ولكن الرماح أجرتني وأنه ال يتصور أن يكون هاهن**ا ش**يء آخ**ر يتع**دى إليه الستحالة أن يقول فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ثم يق**ول ولكن الرماح أجرت غيري إال أنك تجد المعنى يلزمك أن ال تنطق بهذا المفعول وال تخرجه إلى لفظك والسبب في ذلك أن تعديتك له توهم ما هو خالف الغرض وذلك أن الغ**رض ه**و أن تثبت أن**ه ك**ان من الرم**اح إج**رار وحبس األلس**ن عن النط**ق وأن تص**حح وجود ذلك ولو قال أجرتني جاز أن يت**وهم أن**ه لم يعن ب**أن يثبتللرماح إجرارا بل الذي عناه أن يبين أنها أجرته فقد يذكر الفعل

كثيرا والغرض منه ذكر المفعول مثال**ه أن**ك تق**ول أض**ربت زي**دا وأنت ال تنكر أن يكون كان من المخ*اطب ض**رب وإنم*ا تنك*ر أن يكون وقع الضرب منه على زيد وأن يس**تجيز ذل**ك أو يس**تطيعه فلما كان في تعدية أجرت ما يوهم ذلك وقف فلم يعد البت**ة ولم ينطق بالمفعول لتخلص العناية إلثب**ات اإلج*رار للرم*اح وتص*حيح أنه كان منها وتسلم بكليتها لذلك ومثله قول جرير الوافر أم**نيت المنى وخلبت حتى تركت ضمير قلبي مستهاما الغ**رض أن يثبت أنه كان منها تمنية وخالب**ة وأن بق**ول له**ا أهك**ذا تص**نعين وه**ذه حيلتك في فتنة الناس ومن بارع ذلك ون**ادره م**ا تج**ده في ه**ذه األبيات روى المرزباني في كتاب الشعر بإسناد قال لم**ا تش**اغل أبو بكر الصديق رضي الل**ه عن**ه بأه**ل ال**ردة اس**تبطأته األنص**ار فقال إما كلفتموني أخالق رسول الل*ه فوالل*ه م*ا ذاك عن**دي وال عند أحد من الناس ولكني والله ما أوتى من مودة لكم وال حسن رأي فيكم وكيف ال نحبكم فوالله ما وج**دت مثال لن**ا ولكم إال م**ا قال طفيل الغنوي لب**ني جعف**ر بن كالب طوي**ل ج**زى الل**ه عن**ا جعفرا حين أزلقت بنا نعلنا في الواط**ئين ف**زلت أب**وا أن يملون**ا ولو أن أمنا تالقي ال**ذي الق**وه من**ا لملت هم خلطون**ا ب**النفوس وألجؤوا إلى حجرات أدفأت وأظلت فيها ح**ذف مفع**ول مقص**ود قصده في أربعة مواضع قوله لملت وألجؤوا وأدفأت وأظلت ألن األصل لملتنا وألجؤونا إلى حج*رات أدفأتن**ا وأظلتن**ا إال أن الح*ال على ما ذكرت لك من أنه في حد المتناس**ي ح**تى ك**أن ال قص**د

Page 76: دلائل الإعجاز للجرجاني

إلى مفعول وكأن الفعل قد أبهم أمره فلم يقصد به قص**د ش**يءيقع عليه كما يكون إذا قلت قد مل فالن تريد أن تقول قد

دخله المالل من غ**ير أن تخص ش**يئا ب**ل ال تزي**د على أن تجع**ل المالل من صفته وكما تقول هذا بيت يدفىء ويظل تريد أنه بهذه الصفة واعلم أن لك في قوله أجرت ولملت فائ**دة أخ*رى زائ**دة على ما ذكرت من توفير العناية على إثبات الفعل وهي أن تقول كان من سوء بالء القوم ومن تكذيبهم عن القت**ال م**ا يج**ر مثل**ه وما القضية فيه أن**ه ال يتف**ق على ق**وم إال خ**رس ش**اعرهم فلم يستطع نطقا وتعديتك الفعل تمنع من هذا المع**نى ألن**ك إذا قلت ولكن الرماح أجرتني لم يكن أن يتأول على معنى أنه ك**ان منه**ا ما شأن مثله أن يجر قضية مستمرة في كل شاعر ق**وم ب**ل ق**د يجوز أن يوجد مثله في ق**وم آخ**رين فال يج**ر ش**اعرهم ونظ**يره أنك تقول قد كان منك ما يؤلم تريد ما الشرط مثله أن يؤلم كل أحد وكل إنسان ولو قلت ما يؤلمني لم يفد ذلك ألنه قد يجوز أن يؤلمك الشيء ال يؤلم غيرك وهكذا قوله ولو أن أمنا تالقي ال**ذي القوه منا لملت يتضمن أن من حكم مثله في كل أم تمل وتسأم وأن المشقة في ذلك إلى حد يعلم أن األم تمل ل**ه االبن وتت**برم مع م**ا في طب**اع األمه**ات من الص**بر على المك**اره في مص**الح األوالد وذلك أنه وإن قال أمنا فإن المعنى على أن ذلك حكم كل أم مع أوالدها ولو قلت لملتنا لم يحتمل ذلك ألن**ه يج**ري مج**رى أن تقول لو لقيت أمنا ذلك لدخلها ما يملها منا وإذا قلت ما يملها منا فقيدت لم يصلح ألن يراد به مع**نى العم**وم وأن**ه بحيث يم**ل كل أم من كل ابن وكذلك قوله إلى حج**رات أدف**أت وأظلت ألن فيه معنى قولك حجرات من شأن مثلها أن تدفىء وتظل أي هي بالص**فة ال**تي إذا ك**ان ال**بيت عليه**ا أدف**أ وأظ**ل وال يجيء ه**ذا المعنى مع إظهار المفعول إذ ال تقول حجرات من شأن مثلها أن تدفئنا وتظلنا هذا لغو من الكالم فاعرف هذه النكتة فإنك تج**دها في كث**ير من ه**ذا الفن مض**مومة إلى المع**نى اآلخ**ر ال**ذي ه**و توفير العناية على إثبات الفعل والداللة على أن القص**د من ذك**ر الفعل أن تثبته لفاعله ال أن تعلم التباسه بمفعول**ه وإن أردت أن تزداد تبيينا لهذا األصل أعني وجوب أن تس**قط المفع**ول لتت**وفر العناية على إثب**ات الفع**ل لفاعل**ه وال ي**دخلها ش**وب ف**انظر إلى

Page 77: دلائل الإعجاز للجرجاني

قوله تعالى ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يس**قونووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا ال

لهم**ا ثم ت**ولى نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى إلى الظل ففيها حذف مفعول في أربعة مواضع إذ المع**نى وج**د علي**ه أم**ة من الن**اس يس**قون أغن**امهم أو مواش**يهم وام**رأتين تذودان غنمهما وقالتا ال نسقي غنمنا فسقى لهما غنمهم**ا ثم إن**ه ال يخفى على ذي بصر أنه ليس في ذلك كل**ه إال أن ي**ترك ذك**ره ويؤتى بالفعل مطلقا وما ذاك إال أن الغرض في أن يعلم أنه كان من الناس في تلك الحال سقي ومن المرأتين ذود وأنهما قالتا ال يكون منا سقي حتى يص**در الرع**اء وأن**ه ك**ان من موس**ى علي**ه السالم من بعد ذلك سقي فأما ما كان المس**قي غنم**ا أم إبال أم غير ذلك فخارج عن الغرض وموهم خالفه وذاك أنه لو قيل وج**د من دونهم امرأتين تذودان غنمهما ج**از أن يك**ون لم ينك**ر ال**ذود من حيث هو ذود بل من حيث ه**و ذود غنم ح**تى ل**و ك**ان مك**ان الغنم إبل لم ينكر الذود كما أنك إذا قلت ما لك تمنع أخ**اك كنت منكرا المنع ال من حيث هو منع بل من حيث هو من**ع أخ فاعرف**ه تعلم أن**ك لم تج**د لح**ذف المفع**ول في ه**ذا النح**و من الروع**ة والحسن ما وجدت إال ألن في حذفه وترك ذكره فائدة جليلة وأن الغرض ال يصح إال على تركه ومما هو كأنه نوع آخر غير ما مضى قول البحتري الطويل إذا بعدت أبلت وإن قربت شفت فهجرانه**ا يبلي ولقيانها يشفي ق**د علم أن المع**نى إذا بع**دت ع**ني أبلت**ني وإن قربت مني شفتني إال أنك تجد الشعر يأبى ذكر ذلك ويوجب اطراحه وذاك ألنه أراد أن يجعل البلى كأنه واجب في بعاده**ا أن يوجبه ويجلبه وكأنه كالطبيعة فيه وكذلك حال الشفاء مع الق**رب حتى كأنه قال أتدري ما بعادها هو الداء المض**ني وم**ا قربه**ا ه**و الشفاء والبرء من كل داء وال سبيل لك إلى هذه اللطيف**ة وه**ذه النكتة إال بحذف المفعول البتة فاعرفه وليس لنتائج هذا الح**ذف أعني حذف المفعول نهاية فإنه طري**ق إلى ض**روب من الص**نعة وإلى لطائف ال تحصى وهذا نوع منه آخر اعلم أن هاهن**ا باب**ا من اإلضمار والحذف يس**مى اإلض**مار على ش**ريطة التفس**ير وذل**ك

مثل قولهم أكرمني وأكرمت عبد الله أردت أكرمني عبد الله وأكرمت عبد الله ثم تركت ذك**ره في األول اس**تغناء ب**ذكره في الثاني فه**ذا طري**ق مع**روف وم**ذهب ظ**اهر وش**يء ال يعب**أ ب**ه

Page 78: دلائل الإعجاز للجرجاني

ويظن أنه ليس فيه أكثر مما تريك األمثلة المذكورة منه وفيه إذا أنت طلبت الش**يء من معدن**ه من دقي**ق الص**نعة ومن جلي**ل الفائدة ما ال تجده إال في كالم الفحول فمن لطي**ف ذل**ك ون**ادره قول البحتري الكامل لو شئت لم تفسد سماحة ح**اتم كرم**ا ولم تهدم مآثر خالد األص**ل ال محال**ة ل**و ش**ئت أن ال تفس**د س**ماحة ح*اتم لم تفس*دها ثم ح*ذف ذل**ك من األول اس**تغناء بداللت**ه في الثاني عليه ثم هو على ما تراه وتعلمه من الحسن والغرابة وه**و على ما ذكرت لك من أن ال**واجب في حكم البالغ**ة أن ال ينط**ق بالمحذوف وال يظهر إال اللف**ظ فليس يخفى أن**ك ل**و رجعت في**ه إلى ما هو أص**له فقلت ل**و ش**ئت أن ال تفس**د س**ماحة ح**اتم لم تفسدها ص**رت إلى كالم غث وإلى ش**يء يمج**ه الس**مع وتعاف**ه النفس وذلك أن في البيان إذا ورد بعد اإلبهام وبع*د التحري**ك ل**ه أبدا لطفا ونبال ال يكون إذا لم يتقدم م**ا يح**رك وأنت إذا قلت ل**و ش**ئت علم الس**امع أن**ك ق**د علقت ه**ذه المش**يئة في المع**نى بشيء فهو يضع في نفسه أن هن**ا ش**يئا تقتض**ي مش**يئته ل**ه أن يكون أو أن ال يكون فإذا قلت لم تفسد سماحة حاتم عرف ذل**ك الش**يء ومجيء المش**يئة بع**د ل**و وبع**د ح**روف الج**زاء هك**ذا موقوفة غير معداة إلى شيء كثير شائع كقوله تع**الى ول**و ش**اء الله لجمعهم على الهدى ولو ش**اء له**داكم أجمعين والتق**دير في ذلك كله على ما ذكرت فاألصل لو شاء الله يجمعهم على الهدى لجمعهم و لو شاء أن يه**ديكم أجمعين له**داكم إال أن البالغ**ة في

أن يجاء به كذلك مح**ذوفا وق**د يتف**ق في بعض**ه أن يك**ون إظه**ار المفع**ول ه**و األحسن وذلك نحو قول الشاعر الطويل ولو ش**ئت أن أبكي دم**ا لبكيته عليه ولكن ساحة الصبر أوسع فقي**اس ه**ذا ل**و ك**ان على حد ولو شاء الله لجمعهم على اله**دى أن يق**ول ل**و ش**ئت بكيت دما ولكنه كأنه ترك تلك الطريق**ة وع**دل إلى ه**ذه ألنه**ا أحس**ن في هذا الكالم خصوص**ا وس**بب حس*نه أن**ه كأن**ه ب**دع عجيب أن يشاء اإلنسان أن يبكي دما فلما كان كذلك كان األولى أن يصرح بذكره ليقرره في نفس السامع ويؤنسه به وإذا استقريت وجدت األمر كذلك أبدا متى كان مفعول المشيئة أم**را عظيم**ا أو ب**ديعا غريبا كان األحسن أن يذكر وال يضمر يقول الرجل يخبر عن عزة نفس**ه ل**و ش**ئت أن أرد على األم**ير رددت ول**و ش**ئت أن ألقى

Page 79: دلائل الإعجاز للجرجاني

الخليفة كل يوم لقيت فإذا لم يكن مما يك**بره الس**امع فالح**ذف كقولك لو شئت خرجت ولو شئت قمت ولو ش**ئت أنص**فت ول**و

مثل ه**ذا وك**ذا تق**ول ل**و شئت لقلت وفي التنزيل لو نشاء لقلنا شئت كنت كزيد قال البسيط لو شئت كنت كك**رز في عبادت**ه أو ك**ابن ط**ارق ح**ول ال**بيت والح**رم وك**ذلك الحكم في غ**يره من حروف المجازاة أن تق**ول إن ش**ئت قلت وإن أردت دفعت ق**ال الله تعالى فإن يشأ الله يختم على قلبك وقال عز اسمه من يشأ

الله يضلله ومن يش**أ يجعل**ه على ص**راط مس**تقيم ونظ**ائر ذل**ك من اآلي ترى الح**ذف فيه**ا المس**تمر ومم**ا يعلم أن ليس في**ه لغ**ير الحذف وجه قول طرفة الطويل وإن شئت لم ترق**ل وإن ش**ئت أرقلت مخافة مل**وي من الق**د محص**د وق**ول حمي**د الطوي**ل إذا شئت غنتني بأجزاع بيشة أو الزرق من تثليث أو بيلملما مطوق**ة

كلم**ا دن**ا الص**يف وانج**اب الربي**ع فأنجم**ا وق**ول ورق**اء تس**جع البحتري الطويل إذا شاء غادى صرمة أو غدا على عقائ**ل س**رب أو تقنص ربرب**ا وقول**ه الكام**ل ل**و ش**ئت ع**دت بالد نج**د ع**ودة فحللت بين عقيقه وزروده معلوم أن**ك ل**و قلت وإن ش**ئت أن ال

ترقل لم ترقل أو قلت إذا شئت أن تغنيني بأجزاع بيشة غنتني وإذا شاء أن يغادي ص**رمة غ**ادى ول**و ش**ئت أن تعود بالد نجد عودة عدتها أذهبت الماء والرونق وخ**رجت إلى كالم غث ولفظ رث وأما قول الج*وهري الطوي**ل فلم يب**ق م*ني الشوق غير تفكري فلو شئت أن أبكي بكيت تفكرا فق**د نح**ا ب**ه نحو قوله ولو شئت أن أبكي دما لبكيته فأظهر مفعول شئت ولم يقل فل*و ش**ئت بكيت تفك*را ألج*ل أن ل*ه غرض**ا ال يتم إال ب**ذكر المفعول وذلك أن**ه لم ي**رد أن يق**ول ول**و ش**ئت أن أبكي تفك**را بكيت كذلك ولكنه أراد أن يقول قد أفناني النحول فلم يبق م**ني وفي غير خ**واطر تج**ول ح**تى ل**و ش**ئت بك**اء فم**ريت ش**ؤوني وعصرت عي**ني ليس**يل منه**ا دم**ع لم أج**ده ولخ**رج ب**دل ال**دمع التفكر فالبكاء الذي أراد إيقاع المش**يئة علي**ه مطل**ق مبهم غ**ير معدى إلى التفكر البت**ة والبك*اء الث**اني مقي**د مع*دى إلى التفك*ر وإذا كان األمر كذلك ص**ار الث**اني كأن**ه ش**يء غ**ير األول وج**رى مجرى أن تقول لو ش**ئت أن تعطي درهم**ا أعطيت درهمين في أن الثاني ال يص**لح أن يك**ون تفس**يرا لألول واعلم أن ه**ذا ال**ذي

Page 80: دلائل الإعجاز للجرجاني

ذكرنا ليس بصريح أكرمت وأكرمني عبد الله ولكنه شبيه ب**ه في أنه إنما حذف الذي حذف من مفعول المشيئة واإلرادة ألن الذي يأتي في جواب لو وأخواتها يدل عليه وإذا أردت ما هو صريح في ذلك ثم هو نادر لطيف ينط**وي على مع**نى دقي**ق وفائ**دة جليل**ة ف**انظر إلى بيت البح**تري الخفي**ف ق**د طلبن**ا فلم نج**د ل**ك في السؤدد والمجد والمكارم مثال المعنى قد طلبنا لك مثال ثم ح*ذف ألن ذك**ره في الث**اني ي**دل علي**ه ثم إن للمجيء ب**ه ك**ذلك من الحسن والمزية والروعة ما ال يخفى ولو أنه ق**ال طلبن**ا ل**ك في السؤدد والمجد والمكارم مثال فلم نجده لم ت**ر من ه**ذا الحس**ن ال**ذي ت**راه ش**يئا وس**بب ذل**ك أن ال**ذي ه**و األص**ل في الم**دح والغ**رض بالحقيق**ة ه**و نفي الوج**ود عن المث**ل فأم**ا الطلب

فكالشيء يذكر ليبنى عليه الغرض ويؤكد به أمره وإذا ك**ان ه**ذا ك**ذلك فل**و أن**ه قال قد طلبنا لك السؤدد والمجد والمكارم مثال فلم نج**ده لك**ان يك**ون ق**د ت**رك أن يوق**ع نفي الوج**ود على ص**ريح لف**ظ المث**ل وأوقعه على ضميره ولن تبلغ الكناية مبلغ الصريح أبدا ويبين هذا كالم ذكره أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وأنا أكتب لك الفصل حتى يستبين الذي هو المراد قال والس**نة في خطب**ة النكاح أن يطي**ل الخ**اطب ويقص**ر المجيب أال ت**رى أن قيس بن خارجة لما ضرب بسيفه مؤخرة راحلة الحاملين في شأن حمال**ة داحس وقال ما لي فيها أيها العش**متان ق**اال ب**ل م**ا عن**دك ق**ال عندي قرى كل نازل ورض**ا ك**ل س**اخط وخطب**ة من ل**دن تطل**ع الش**مس إلى أن تغ**رب آم**ر فيه**ا بالتواص**ل وأنهى فيه**ا عن التقاطع قالوا فخطب يوما إلى اللي**ل فم**ا أع**اد كلم*ة وال مع**نى فقي**ل ألبي يعق**وب هال اكتفى ب**األمر بالتواص**ل عن النهي عن التقاطع أوليس األمر بالصلة ه**و النهي عن القطيع**ة ق**ال أو م**ا علمت أن الكناية والتعريض ال يعمالن في العقول عم**ل اإليض**اح والتكشيف انتهى الفصل الذي أردت أن أكتبه فقد بصرك هذا أن

إيقاع نفي الوجود على صريح لفظ المثل كإيقاعه على لن يكون ضميره وإذ قد عرفت هذا فإن هذا المع**نى بعين**ه ق**د أوجب في بيت ذي الرم**ة أن يض**ع اللف**ظ على عكس م**ا وض**عه البح**تري فيعمل األول من الفعلين وذلك قول**ه ال**وافر ولم أم**دح ألرض**يه

Page 81: دلائل الإعجاز للجرجاني

بشعري لئيما أن يكون أصاب ماال أعمل لم أمدح الذي ه**و األولفي صريح لفظ اللئيم وأرضى الذي هو الثاني

في ض**ميره وذل**ك ألن إيق**اع نفي الم**دح على الل**ئيم ص**ريحا والمجيء ب*ه مكش*وفا ظ**اهرا ه**و ال*واجب من حيث ك*ان أص*ل الغرض وكان اإلرضاء تعليال ل**ه ول**و أن**ه ق**ال ولم أم**دح ألرض**ي بشعري لئيما لكان يكون ق**د أبهم األم**ر فيم*ا ه**و األص**ل وأبان**ه فيما ليس باألص**ل فاعرف**ه وله**ذا ال**ذي ذكرن**ا من أن للتص**ريح عمال ال يكون مثل ذلك العمل للكناية كان إلعادة اللفظ في مث**ل قوله تعالى وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وقوله تعالى قل هو الل**ه أحد الله الصمد من الحسن والبهج*ة ومن الفخام**ة والنب**ل م**ا ال يخفى موضعه على بصير وكان لو ترك فيه اإلظهار إلى اإلض**مار فقيل وب**الحق أنزلن**اه وب**ه ن**زل وق**ل ه**و الل**ه أح*د ه**و الص**مد

لعدمت الذي أنت واجده اآلن فصل في تحليل شاهد متميز للحذف عند البح**تري ق**د ب**ان اآلن واتضح لمن نظر نظر المتثبت الحصيف الراغب في اقت**داح زن**اد العق**ل واالزدي**اد من الفض**ل ومن ش**أنه الت**وق إلى أن يع**رف األشياء على حقائقها ويتغلغل إلى دقائقها ويربأ بنفسه عن مرتبة المقل**د ال**ذي يج**ري م**ع الظ**اهر وال يع**دو ال**ذي يق**ع في أول الخ***اطر أن ال***ذي قلت في ش***أن الح***ذف وفي تفخيم أم***ره والتنويه بذكره وأن مأخذه مأخذ يشبه السحر ويبهر الفكر كالذي قلت وهذا فن آخر من معانيه عجيب وأنا ذاكره لك قال البحتري في قصيدته التي أوله**ا الطوي**ل أعن س**فه ي**وم األب**يرق أم حلم وهو يذكر محاماة الممدوح عليه وصيانته له ودفعه نوائب الزمان عنه وكم ذدت عني من تحام**ل ح**ادث وس**ورة أي**ام ح**ززن إلى العظم األصل ال محالة حززن اللحم إلى العظم إال أن في مجيئه به مح**ذوفا وإس**قاطه ل**ه من النط**ق وترك**ه في الض**مير مزي**ة عجيبة وفائدة جليلة وذاك أن من حذق الشاعر أن يوق**ع المع**نى في نفس السامع إيقاعا يمنع**ه ب**ه من أن يت**وهم في ب**دء األم**ر شيئا غير الم**راد ثم ينص**رف إلى الم**راد ومعل**وم أن**ه ل**و أظه**ر

المفعول فقال وسورة أيام حززن اللحم إلى العظم لجاز أن يقع في وهم السامع إلى أن يجيء إلى قوله إلى العظم أن هذا الح**ز ك**ان في بعض اللحم دون كل**ه وأن**ه قط**ع م**ا يلي الجل**د ولم ينت**ه إلى م**ا يلي العظم فلم**ا ك**ان ك**ذلك ت**رك ذك**ر

Page 82: دلائل الإعجاز للجرجاني

اللحم وأسقطه من اللفظ ليبرىء السامع من هذا الوهم ويجعله بحيث يقع المعنى منه في أنف الفهم ويتصور في نفسه من أول األمر أن الحز مضى في اللحم ح**تى لم ي**رده إال العظم أفيك**ون دليل أوضح من هذا وأبين وأجلى في صحة ما ذكرت لك من أنك قد ترى ترك الذكر أفصح من الذكر واالمتناع من أن يبرز اللف**ظ من الضمير أحسن للتصوير فصل الق**ول على ف**روق في الخ**بر أول م**ا ينبغي أن يعلم من**ه أن**ه ينقس**م إلى خ**بر ه**و ج**زء من الجملة ال تتم الفائدة دون**ه وخ**بر ليس بج**زء من الجمل**ة ولكن**ه

ف**األول خ**بر المبت**دأ كمنطل**ق في زيادة في خبر آخر س**ابق ل**ه قولك زيد منطلق والفعل كقولك خرج زيد فكل واح**د من ه**ذين جزء من الجملة وهو األصل في الفائدة والثاني هو الحال كقولك جاءني زيد راكبا وذاك ألن الحال خبر في الحقيقة من حيث إن**ك تثبت به**ا المع**نى ل**ذي الح**ال كم**ا تثبت بخ**بر المبت**دأ للمبت**دأ وبالفعل للفاعل أال تراك قد أثبت الركوب في قولك ج**اءني زي**د راكبا لزيد إال أن الفرق أنك جئت به لتزيد معنى في إخبارك عن**ه بالمجيء وهو أن تجعله بهذه الهيئة في مجيئ**ه ولم تج**رد إثبات**ك للركوب ولم تباشره به بل ابتدأت فأثبت المجيء ثم وص**لت ب**ه

سبيل التبع للمجيء وبشرط أن الركوب فالتبس به اإلثبات على يكون في صلته وأما في الخبر المطلق نحو زي**د منطل**ق وخ**رج عمرو فإنك مثبت للمعنى إثباتا جردته له وجعلته يباشره من غير واسطة ومن غير أن تتسبب بغيره إلي**ه فاعرف**ه وإذ ق**د ع**رفت هذا الفرق فالذي يليه من فروق الخبر هو الفرق بين اإلثب**ات إذا

كان باالسم وبينه إذا كان بالفعل وهو فرق لطي**ف تمس الحاج**ة في علم البالغ**ة إلي**ه وبيان**ه أن موض**وع االس**م على أن يثبت ب**ه المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده ش**يئا بع**د ش**يء وأم**ا الفعل فموضوعه على أنه يقتضي تجدد المعنى المثبت ب**ه ش**يئا بعد شيء فإذا قلت زيد منطل**ق فق**د أثبت االنطالق فعال ل**ه من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه ش**يئا فش**يئا ب**ل يك**ون المع**نى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعم**رو قص**ير فكم**ا ال تقص**د هاهنا إلى أن تجعل الطول أو القصر يتجدد ويح*دث ب*ل توجبهم*ا وتثبتهما فقط وتقضي بوجودهم**ا على اإلطالق ك**ذلك ال تتع**رض في قولك زيد منطلق ألكثر من إثباته لزيد وأما الفعل فإنه يقصد

Page 83: دلائل الإعجاز للجرجاني

في**ه إلى ذل**ك ف**إذا قلت زي**د ه**ا ه**و ذا ينطل**ق فق**د زعمت أن االنطالق يقع منه جزءا فجزءا وجعلته يزاول**ه ويزجي**ه وإن ش**ئت أن تحس الفرق بينهما من حيث يلطف فتأمل هذا البيت البسيط ال يألف الدرهم المضروب خرقتن**ا لكن يم**ر عليه**ا وه**و منطل**ق هذا هو الحسن الالئق بالمعنى ولو قلت**ه بالفع**ل لكن يم**ر عليه**ا وه**و ينطل**ق لم يحس**ن وإذا أردت أن تعت**بره بحيث ال يخفى أن أحدهما ال يصلح في موضع صاحبه فانظر إلى قوله تعالى وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فإن أحدا ال يشك في امتناع الفع**ل هاهن**ا وأن قولنا كلبهم يبس**ط ذراعي**ه ال ي**ؤدي الغ**رض وليس ذل**ك إال ألن الفعل يقتض**ي مزاول**ة وتج**دد الص**فة في ال**وقت ويقتض**ي االسم ثبوت الص**فة وحص**ولها من غ**ير أن يك**ون هن**اك مزاول**ة وتزجي**ة فع**ل ومع**نى يح**دث ش**يئا فش**يئا وال ف**رق بين وكلبهم باسط وبين أن يقول وكلبهم واح**د مثال في أن**ك ال تثبت مزاول**ة وال تجعل الكلب يفعل شيئا بل تثبته بصفة هو عليها ف**الغرض إذا تأدية هيئ**ة الكلب وم**تى اعت**برت الح**ال في الص**فات المش**بهة وجدت الفرق ظاهرا بينا ولم يعترض**ك الش**ك في أن أح**دهما ال يصلح في موضع صاحبه فإذا قلت زي**د طوي**ل وعم**رو قص**ير لم يصلح مكانه يطول ويقص**ر وإنم**ا تق**ول يط**ول ويقص**ر إذا ك**ان الحديث عن شيء يزي*د وينم*و كالش*جر والنب**ات والص*بي ونح*و

ذلك مما يتجدد فيه الطول أو يحدث فيه القصر فأما وأنت تحدث عن هيئة ثابتة وعن شيء ق**د اس**تقر طول**ه ولم يكن ثم تزاي**د وتج**دد فال يص**لح في**ه إال االس**م وإذا ثبت الف**رق بين الش**يئين في مواض**ع كثيرة وظهر األمر بأن ترى أح**دهما ال يص**لح في موض**ع ص**احبه وجب أن تقضي بثبوت الف**رق حيث ت**رى أح**دهما ق**د ص**لح في مكان اآلخر وتعلم أن المعنى مع أحدهما غيره مع اآلخر كم**ا ه**و الع**برة في حم**ل الخفي على الجلي وينعكس ل**ك ه**ذا الحكم أعني أن*ك كم*ا وج*دت االس*م يق**ع حيث ال يص*لح الفع*ل مكان**ه كذلك تجد الفعل يقع ثم ال يصلح االسم مكانه وال ي**ؤدي م**ا ك**ان يؤديه فمن ال**بين في ذل**ك ق**ول األعش**ى الطوي**ل لعم**ري لق**د الحت عيون كثيرة إلى ضوء نار في يفاع تحرق تشب لمق**رورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق معلوم أنه لو قيل إلى ضوء نار محرقة لنبا عنه الطب**ع وأنكرت**ه النفس ثم ال يك*ون ذاك

Page 84: دلائل الإعجاز للجرجاني

النبو وذاك اإلنكار من أجل القافية وأنها تفسد به من جه**ة أن**ه ال يشبه الغرض وال يليق بالحال وكذلك قوله الكامل أو كلم**ا وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي عريفهم يتوسم وذاك ألن المعنى في بيت األعشى على أن هناك موقدا يتجدد منه اإلله**اب واإلش**عال ح**اال فحاال وإذا قيل محرقة ك**ان المع**نى أن هن**اك ن**ارا ق**د ثبتت له**ا وفيها هذه الصفة وجرى مج*رى أن يق**ال إلى ض**وء ن**ار عظيم*ة

في أنه ال يفيد فعال يفعل وكذلك الحال في قوله بعث**وا إلي ع**ريفهم يتوس**م وذل**ك ألن المع**نى على توس**م وتأمل ونظر يتج**دد من العري**ف هن**اك ح**اال فح**اال وتص**فح من**ه للوجوه واحدا بعد واحد ولو قيل بعث**وا إلي ع**ريفهم متوس**ما لم يفد ذلك حق اإلفادة ومن ذلك قوله تعالى هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء واألرض لو قيل هل من خالق غير الله رازق لكم لكان المعنى غير م**ا أري**د وال ينبغي أن يغ**رك أن**ا إذ تكلمن**ا في مس**ائل المبت**دأ والخ*بر ق**درنا الفع*ل في ه**ذا النح*و تق**دير االسم كما نقول في زيد يقوم إنه في موضع زيد قائم ف**إن ذل**ك ال يقتض**ي أن يس**توي المع**نى فيه**ا اس**تواء ال يك**ون من بع**ده افتراق فإنهما لو استويا هذا االستواء لم يكن أحدهما فعال واآلخر اسما بل كان ينبغي أن يكونا جميعا فعلين أو يكون**ا اس**مين ومن

تقول زيد منطلق و زيد المنطل**ق و المنطل**ق فروق اإلثبات أنك زي**د فيك**ون ل**ك في ك**ل واح**د من ه**ذه األح**وال غ**رض خ**اص وفائدة ال تكون في الباقي وأنا أفسر لك ذلك اعلم ان**ك إذا قلت زيد منطلق ك**ان كالم**ك م**ع من لم يعلم أن انطالق**ا ك**ان ال من زيد وال من عمرو فأنت تفيده ذلك ابتداء وإذا قلت زيد المنطل**ق كان كالمك مع من عرف أن انطالق**ا ك**ان إم**ا من زي**د وإم**ا من عمرو فأنت تعلمه أنه كان من زيد ودون غيره والنكتة أن**ك تثبت في األول الذي هو قول**ك زي**د منطل**ق فعال لم يعلم الس**امع من أصله أنه كان وتثبت في الثاني الذي ه**و زي**د المنطل**ق فعال ق**د علم السامع أنه كان ولكنه لم يعلمه لزيد فأفدته ذلك فقد واف**ق األول في المعنى الذي له ك**ان الخ**بر خ**برا وه**و إثب**ات المع**نى للشيء وليس يقدح في ذلك أنك كنت قد علمت أن انطالقا كان من أحد الرجلين ألنك إذا لم تصل إلى القط**ع على أن**ه ك**ان من زيد دون عمرو كان حالك في الحاجة إلى من يثبته لزي**د كحال**ك إذا لم تعلم أنه كان من أصله وتمام التحقيق أن ه**ذا كالم يك**ون

Page 85: دلائل الإعجاز للجرجاني

معك إذا كنت قد بلغت أنه كان من إنسان انطالق من موضع كذا في وقت كذا لغرض كذا فجوزت أن يكون ذلك كان من زيد فإذا

قيل لك زيد المنطلق صار الذي كان معلوما على جهة الجواز معلوم**ا على جهة الوجوب ثم إنهم إذا أرادوا تأكي**د ه**ذا الوج**وب أدخل**وا الضمير المس*مى فص*ال بين الج*زءين فق*الوا زي*د ه**و المنطل*ق ومن الفرق بين المسألتينوهو ما تمس الحاجة إلى معرفت**ه أن**ك إذا نكرت الخبر جاز أن تأتي بمبتدأ ث**ان على أن تش**ركه بح**رف العطف في المع**نى ال**ذي أخ**برت ب**ه عن األول وإذا ع**رفت لم يجز ذلك تفسير هذا أنك تقول زيد منطلق وعم**رو تري**د وعم**رو منطلق أيضا وال تقول زيد المنطلق وعمرو ذلك ألن المع**نى م**ع التعريف على أنك أردت أن تثبت انطالقا مخصوصا ق**د ك**ان من واحد فإذا أثبته لزيد لم يصح إثباته لعمرو ثم إن كان قد كان ذلك االنطالق من اثنين فإنه ينبغي أن يجمع بينهم**ا في الخ**بر فتق**ول زيد وعمرو هما المنطلقان ال أن تفرق فتثبت**ه أوال لزي*د ثم تجيء فتثبته لعمرو ومن الواضح في تمثيل هذا النحو قولن**ا ه**و القائ**ل بيت ك**ذا كقول**ك جري**ر ه**و القائ**ل الطوي**ل وليس لس**يفي في العظام بقية ف**أنت ل**و ح**اولت أن تش**رك في ه**ذا الخ**بر غ**يره فتقول جرير هو القائل هذا البيت وفالن حاولت محاال ألن**ه قول**ه بعينه فال يتصور أن يشرك جريرا فيه غيره واعلم أنك تجد األل**ف والالم في الخبر على معنى الجنس ثم ترى ل**ه في ذل**ك وجوه**ا أحدها أن تقصر جنس المعنى على المخبر عنه لقصدك المبالغ**ة

أنه الكامل إال وذلك قولك زيد هو الجواد وعمرو هو الشجاع تريد أنك تخرج الكالم في صورة توهم أن الجود والش**جاعة لم توج**د إال فيه وذلك ألنك لم تعتد بما كان من غيره لقصوره عن أن يبلغ الكمال فهذا كاألول في امتناع العطف علي**ه لإلش**راك فل**و قلت زيد هو الج*واد وعم*رو ك**ان خلف**ا من الق**ول والوج*ه الث**اني أن

تقصر جنس المعنى الذي تفيده بالخبر على المخبر عنه ال على معنى المبالغة وترك االعت**داد بوج*وده في غ*ير المخ*بر عن**ه ب*ل على دعوى أنه ال يوجد إال منه وال يكون ذلك إال إذا قيدت المعنى بشيء يخصصه ويجعله في حكم نوع برأسه وذلك كنحو أن يقي**د بالحال والوقت كقولك هو الوفي حين ال تظن نفس بنفس خ**يرا وهك**ذا إذا ك**ان الخ**بر بمع**نى يتع**دى ثم اش**ترطت ل**ه مفع**وال

Page 86: دلائل الإعجاز للجرجاني

مخصوص**ا كق**ول األعش**ى من المتق**ارب ه**و ال**واهب المئ**ة المصطفاة إما مخاضا وإما عشارا فأنت تجعل الوفاء في ال**وقت الذي ال يفي فيه أحد نوع**ا خاص**ا من الوف**اء وك**ذلك تجع*ل هب**ة المئة من اإلبل نوعا خاصا من الوفاء وكذا الباقي ثم إن**ك تجع**ل كل هذا خبرا على معنى االختصاص وأنه للمذكور دون من ع**داه أال ت**رى أن المع**نى في بيت األعش**ى أن**ه ال يهب ه**ذه الهب**ة إال الممدوح وربم**ا ظن أن الالم في ه**و ال**واهب المئ**ة المص**طفاة بمنزلتها في نحو زيد هو المنطلق من حيث كان القصد إلى هب**ة مخصوصة كم**ا ك**ان القص**د إلى انطالق مخص**وص وليس األم**ر كذلك ألن القصد هاهنا إلى جنس من الهبة مخصوص ال إلى هب**ة مخصوصة بعينها يدلك على ذلك أن المعنى على أن**ه يتك**رر من**ه وعلى أن**ه يجعل*ه يهب المئ**ة م*رة بع*د أخ*رى وأم*ا المع*نى في قولك زيد هو المنطلق فعلى القصد إلى انطالق كان مرة واحدة ال إلى جنس من االنطالق فالتكرر هناك غير متص**ور كي**ف وأنت تقول جرير هو القائل وليس لس**يفي في العظ**ام بقي**ة تري**د أن تثبت له قيل هذا ال*بيت وتأليف*ه فافص*ل بين أن تقص*د إلى ن*وع فعل وبين أن تقصد إلى فعل واحد متعين حاله في المعاني حال زيد في الرجال في أن**ه ذات بعينه**ا والوج**ه الث**الث أن ال تقص**د

قصر المعنى في جنسه على المذكور ال كما كان في زيد هو الشجاع تريد أن ال تعتد بش**جاعة غ**يره وال كم**ا ت**رى في قوله هو الواهب المئة المصطفاة لكن على وجه ثالث وهو الذي عليه قول الخنساء الوافر إذا قبح البكاء على قتي**ل رأيت بك**اءك الحسن الجميال لم ترد أن ما عدا البك**اء علي**ه فليس بحس**ن وال جميل ولم تقيد الحسن بشيء فيتصور أن يقصر على البكاء كم**ا قصر األعشى هب**ة المئ**ة على المم**دوح ولكنه**ا أرادت أن تق**ره في جنس ما حسنه الحسن الظاهر الذي ال ينكره أح**د وال يش**ك فيه شاك ومثله ق**ول حس**ان الطوي**ل وإن س**نام المج**د من آل هاشم بنو بنت مخ**زوم ووال**دك العب**د أراد أن يثبت العبودي**ة ثم يجعله ظاهر األمر فيها ومعروفا بها ولو قال ووالدك عبد لم يكن قد جعل حاله في العبودية حالة ظاهرة متعارفة وعلى ذلك ق**ول اآلخر الطويل أسود إذا ما أبدت الح**رب نابه**ا وفي س**ائر ال**دهر الغيوث المواطر واعلم أن للخ**بر المع**رف ب**األلف والالم مع**نى غير ما ذكرت لك ول**ه مس**لك ثم دقي**ق ولمح**ة ك**الخلس يك**ون

Page 87: دلائل الإعجاز للجرجاني

المتأمل عنده كم*ا يق**ال يع**رف وينك**ر وذل**ك قول**ك ه**و البط**ل المحامي وهو المتقى الم**رتجى وأنت ال تقص**د ش**يئا مم**ا تق**دم فلست تش**ير إلى مع**نى ق**د علم المخ**اطب أن**ه ك**ان ولم يعلم ممن كان كما مضى في قولك زيد هوالمنطلق وال تريد أن تقصر معنى عليه على معنى أنه لم يحصل لغيره على الكمال كما كان في قولك ولكنك تري**د أن تق**ول لص**احبك ه**ل س**معت بالبط**ل المحامي وهل حصلت معنى هذه الص**فة وكي**ف ينبغي أن يك**ون

الرجل حتى يستحق أن يقال ذلك له وفيه فإن كنت قتلته علما وتصورته حق تصوره فعليك ص**احبك واش**دد ب**ه ي**دك فه**و ضالتك وعنده بغيتك وطريقه طري*ق قول*ك ه**ل س*معت باألس**د وهل تعرف ما هو فإن كنت تعرفه فزيد هو هو بعينه وي**زداد ه**ذا المعنى ظهورا بأن تكون الصفة التي تريد اإلخبار بها عن المبت**دأ مج**راة على موص**وف كق**ول ابن ال**رومي الطوي**ل ه**و الرج**ل المشروك في جل ماله ولكنه بالمجد والحمد مفرد تق**ديره كأن**ه يقول للسامع فكر في رجل ال يتميز عفاته وجيرانه ومعارفه عنه في ماله وأخذ م**ا ش**اؤوا من**ه ف**إذا حص**لت ص**ورته في نفس**ك فاعلم أن**ه ذل**ك الرج**ل وه**ذا فن عجيب الش**أن ول**ه مك**ان من الفخامة والنب**ل وه**و من س**حر البي**ان ال**ذي تقص**ر العب**ارة عن تأدية حقه والمعول فيه على مراجع**ة النفس واستقص**اء التأم**ل فإذا علمت أنه ال يريد بقوله الرجل المش**روك في ج**ل مال**ه أن يقول هو الذي بلغك حديثه وعرفت من حاله وقص**ته أن**ه يش**رك في جل ماله على حد قولك هو الرجل الذي بلغك أنه أنف**ق ك**ذا

من اإلب**ل وال أن يق**ول إن**ه على وال**ذي وهب المئ**ة المص**طفاة معنى هو الكامل في هذه الصفة حتى كأن هاهنا أقواما يشركون في جل أموالهم إال أن**ه في ذل**ك أكم**ل وأتم ألن ذل**ك ال يتص**ور وذاك أن كون الرجل بحيث يشرك في جل ماله ليس بمعنى يقع فيه تفاضل كما أن بذل الرجل كل ما يملك كذلك ولو قيل ال**ذي يشرك في ماله جاز أن يتفاوت وإذا كان كذلك علمت أنه مع**نى ثالث وليس إال ما أشرت إليه من أن*ه يق*ول للمخ*اطب ض*ع في نفسك معنى قولك رجل مش**روك في ج**ل مال**ه ثم تأم**ل فالن**ا فإنك تستملي هذه الصورة منه وتجده يؤديها لك نصا ويأتي**ك به**ا كمال وإن أردت أن تسمع في هذا المعنى ما تس**كن النفس إلي**ه

Page 88: دلائل الإعجاز للجرجاني

سكون الصادي إلى برد الماء فاس**مع قول**ه الطوي**ل أن**ا الرج**لالمدعو عاشق فقره إذا لم تكارمني صروف زماني

وإن أردت أعجب من ذلك فقوله الكامل أهدى إلي أب**و الحس**ين يدا أرجو الثواب بها لديه غدا وكذاك عادات الك**ريم إذا أولى ي**دا حسبت عليه يدا إن كان يحسد نفسه أحد فألزعمنك ذل**ك األح**دا فهذا كله على معنى الوهم والتقدير وأن يصور في خاطره ش**يئا لم يره ولم يعلمه ثم يجري**ه مج*رى م**ا عه**د وعلم وليس ش**يء أغلب على هذا الضرب الموهوم من الذي فإنه يجيء كث**يرا على أنك تقدر شيئا في وهمك ثم تعبر عن**ه بال**ذي ومث**ال ذل**ك قول**ه

إن تدع**ه لملم**ة يجب**ك وإن تغض**ب إلى الطوي**ل أخ**وك ال**ذي السيف يغضب وقول اآلخر الطويل أخوك الذي إن ربته قال إنما أربت وإن عاتبته الن جانبه فهذا ونح*وه على أن**ك ق**درت إنس**انا هذه صفته وه**ذا ش**أنه وأحلت الس**امع على م**ا يعن في ال**وهم دون أن يكون قد عرف رجال بهذه الصفة فأعلمت**ه أن المس**تحق السم األخوة هو ذلك الذي عرفه حتى كأنك قلت أخوك زيد الذي عرفت أنك إن تدعه لملمة يجبك ولكون هذا الجنس معه**ودا من طريق الوهم والتخيل جرى على م**ا يوص**ف باالس**تحالة كقول**ك للرجل وقد تمنى ه**ذا ه**و ال**ذي ال يك**ون وه**ذا م**ا ال ي**دخل في

الوجود وقوله الكامل ما ال يكون فال يكون بحيلة أبدا وما هو كائن سيكون ومن لطي**ف هذا الب**اب قول**ه الطوي**ل وإني لمش**تاق إلى ظ**ل ص**احب ي**رق ويصفو إن كدرت عليه قد ق**در كم**ا ت**رى م**ا لم يعلم**ه موج**ودا ولذلك قال المأمون خذ مني الخالفة وأعطني هذا الصاحب فهذا التعريف الذي تراه في الصاحب ال يعرض في**ه ش**ك أن**ه موه**وم وأما قولنا المنطلق زيد والفرق بينه وبين زيد المنطل**ق ف**القول في ذلك أن**ك وإن كنت ت**رى في الظ**اهر أنهم**ا س**واء من حيث كان الغرض في الحالين إثب**ات انطالق ق**د س**بق العلم ب**ه لزي**د فليس األمر كذلك ب*ل بين الكالمين فص*ل ظ**اهر وبيان*ه أن*ك إذا قلت زي**د المنطل**ق ف**أنت في ح**ديث انطالق ق**د ك**ان وع**رف السامع كونه إال أنه لم يعلم أمن زيد كان أم من عمرو فإذا قلت زيد المنطلق أزلت عنك الشك وجعلته يقطع وبأنه ك**ان من زي**د بعد أن كان يرى ذلك على سبيل الجواز وليس ك**ذلك إذا ق**دمت المنطلق فقلت المنطلق زيد بل يك**ون المع**نى حينئ**ذ على أن**ك

Page 89: دلائل الإعجاز للجرجاني

رأيت إنسانا ينطلق بالبعد من**ك فلم يثبت**ه ولم تعلم أزي**د ه**و أم عمرو فقال لك صاحبك المنطلق زيد أي هذا الشخص الذي تراه من بعد هو زيد وقد ترى الرجل قائما بين يديك وعليه ثوب ديباج والرجل ممن عرفته قديما ثم بعد عهدك به فتناسيته فيق**ال ل**ك الالبس الديباج صاحبك الذي كان يكون عندك في وقت ك**ذا أم**ا تعرفه لشد ما نسيت وال يكون الغرض أن يثبت ل**ه لبس ال**ديباج الستحالة ذلك من حيث إن رؤيتك الديباج علي**ه تغني**ك عن إخب**ار مخبر وإثبات مثبت لبسه له فمتى رأيت اسم فاعل أو ص**فة من الصفات قد بدىء به فجعل مبتدأ وجعل الذي هو ص**احب الص**فة في المعنى خبرا ف*اعلم أن الغ*رض هن**اك غ*ير الغ*رض إذا ك*ان اسم الفاعل أو الصفة خبرا كقولك زيد المنطلق واعلم أنه ربم**ااشتبهت الصورة في بعض المسائل من هذا الباب حتى يظن أن المعرفتين إذا وقعتا مبتدأ وخبرا لم يختلف المعنى فيهما بتق**ديم وتأخير ومما يوهم ذلك ق**ول النح**ويين في ب**اب ك**ان إذا اجتم**ع معرفتان كنت بالخيار في جعل أيهم**ا ش**ئت اس**ما واآلخ**ر خ**برا كقولك كان زيد أخاك وكان أخوك زيدا فيظن من هاهنا أن تكافؤ االسمين في التعريف يقتضي أن ال يختلف المعنى بأن تب**دأ به**ذا وتثني بذاك وحتى كان الترتيب ال**ذي ي**دعى بين المبت**دأ والخ**بر وما يوضع لهما في المنزلة في التقدم والتأخر يسقط ويرتفع إذا كان الجزآن معا معرفتين ومما يوهم ذلك أنك تق**ول األم**ير زي**د وجئتك والخليفة عبد المل**ك فيك**ون المع**نى على إثب**ات اإلم**ارة لزيد والخالفة لعبد المل**ك كم**ا يك**ون إذا قلت زي**د األم**ير وعب**د الملك الخليفة وتقوله لمن ال يشاهد ومن ه**و غ**ائب عن حض**رة اإلمارة ومعدن الخالفة وهكذا يتوهم في نح**و قول**ه من الطوي**ل أبوك حباب سارق الضيف ب**رده وج**دي ي**ا حج**اج ف**ارس ش**مرا وأنه ال فصل بينه وبين أن يقال حباب أبوك وف**ارس ش**مر ج**دي وهو موضع غامض والذي يبين وجه الص**واب وي**دل على وج**وب الفرق بين المسألتين أنك إذا تأملت الكالم وج**دت م**ا ال يحتم**ل التسوية وما تجد الفرق قائما في**ه قيام**ا ال س**بيل إلى دفع**ه ه**و األعم األكثر وإن أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى م**ا ق**دمت ل**ك من قولك الالبس الديباج زيد وأنت تشير ل**ه إلى رج**ل بين يدي**ه ثم انظر إلى قول الع**رب ليس الطيب إال المس**ك وق**ول جري**ر

الوافر ألستم خير من ركب المطايا

Page 90: دلائل الإعجاز للجرجاني

ونح**و ق**ول المتن**بي ال**وافر ألس**ت ابن األلى س**عدوا وس**ادوا وأشباه ذلك مما ال يحص**ى وال يع**د وأراد المع**نى على أن يس**لم لك مع قلب طرفي الجملة وقل ليس المسك إال الطيب و أليس خ**ير من ركب المطاي**ا إي**اكم و أليس ابن األلى س**عدوا وس**ادوا إياك تعلم أن األمر على م**ا عرفت**ك من وج**وب اختالف المع**نى بحسب التقديم والتأخير وهاهنا نكت**ة يجب القط**ع معه**ا بوج**وب هذا الفرق أبدا وهي أن المبتدأ لم يكن مبتدأ ألنه منطوق ب**ه أوال وال كان الخبر خبرا ألنه مذكور بعد المبتدأ بل ك**ان المبت**دأ مبت**دأ ألنه مسند إليه ومثبت له المعنى والخبر خبرا ألن**ه مس**ند ومثبت ب**ه المع**نى تفس**ير ذل**ك أن**ك إذا قلت زي**د منطل**ق فق**د أثبت االنطالق لزيد وأسندته إليه فزيد مثبت له ومنطلق مثبت به وأما تقدم المبتدأ على الخ**بر لفظ**ا فحكم واجب من ه**ذه الجه**ة أي من جهة أن كان المبتدأ ه**و ال**ذي يثبت ل**ه المع**نى ويس**ند إلي**ه والخبر هو الذي يثبت به المعنى ويسند ولو كان المبتدأ مبتدأ ألنه في اللفظ مقدم مبدوء به لكان ينبغي أن يخ*رج عن كون**ه مبت**دأ بأن يقال منطلق زيد ول**وجب أن يك**ون ق**ولهم إن الخ**بر مق**دم في اللفظ والنية به التأخير مح**اال وإذا ك**ان ه**ذا ك**ذلك ثم جئت بمعرفتين فجعلتهما مبتدأ وخبرا فقد وجب وجوبا أن تك**ون مثبت**ا بالثاني معنى لألول فإذا قلت زيد أخوك كنت ق**د أثبت ب أخ**وك معنى لزيد وإذا قدمت وأخرت فقلت أخوك زي**د وجب أن تك**ون مثبتا بزيد معنى ل أخوك وإال كان تسميتك له اآلن مبتدأ وإذ ذاك خبرا تغي**يرا لالس**م علي**ه من غ**ير مع**نى وألدى إلى أن ال يك**ون لقولهم المبتدأ والخبر فائدة غير أن يتقدم اس**م في اللف**ظ على اسم من غير أن ينفرد ك**ل واح**د منهم**ا بحكم ال يك**ون لص**احبه وذلك مم**ا ال يش**ك في س**قوطه ومم**ا ي**دل دالل**ة واض**حة على اختالف المع**نى إذا جئت بمعرف**تين ثم جعلت ه**ذا مبت**دأ وذاك خبرا تارة وتارة بالعكس قولهم الحبيب أنت وأنت الح**بيب وذاك

أن معنى الحبيب أنت أنه ال فصل بينك وبين من تحب**ه إذا ص**دقت المحب**ة وأن مثل المتحابين مث**ل نفس يقتس**مها شخص**ان كم*ا ج*اء عن بعض الحكماء أنه قال الحبيب أنت إال أنه غ**يرك فه**ذا كم**ا ت**رى فرق لطي**ف ونكت**ة ش**ريفة ول**و ح**اولت أن تفي**دها بقول**ك أنت الحبيب حاولت ما ال يصح ألن الذي يعقل من قولك أنت الح**بيب

Page 91: دلائل الإعجاز للجرجاني

هو ما عناه المتنبي في قوله البسيط أنت الح**بيب ولك**ني أع**وذ به من أن أكون محبا غير محبوب وال يخفى بعد ما بين الغرض**ين فالمعنى في قولك أنت الحبيب أن**ك أنت ال**ذي أختص**ه بالمحب**ة من بين الناس وإذا كان كذلك عرفت أن الفرق واجب أب**دا وأن**ه ال يجوز أن يكون أخ**وك زي**د و زي**د أخ**وك بمع**نى واح**د وهاهن**ا شيء يجب النظ**ر في**ه وه**و أن قول**ك أنت الح**بيب كقولن**ا أنت الش**جاع تري**د أن**ه ال**ذي كملت في**ه الش**جاعة أو كقولن**ا زي**د المنطلق تريد أنه الذي كان منه االنطالق الذي س**مع المخ**اطب به وإذا نظرنا وجدناه ال يحتمل أن يكون كقولنا أنت الشجاع ألن**ه يقتضي أن يكون المعنى أنه ال محبة في الدنيا إال ما هو به حبيب كما أن المعنى في هو الش**جاع أن**ه ال ش**جاعة في ال**دنيا إال م**ا تجده عنده وم*ا ه**و ش*جاع ب*ه وذل*ك مح*ال وأم*ر آخ*ر وه**و أن الحبيب فعيل بمعنى مفعول فالمحبة إذا ليست هي له بالحقيق**ة وإنم**ا هي ص**فة لغ**يره ق**د ال بس**ته وتعلقت ب**ه تعل**ق الفع**ل بالمفعول والصفة إذا وصفت بالكمال وص**فت ب**ه على أن يرج**ع ذل**ك الكم**ال إلى من هي ص**فة ل**ه دون من تالبس**ه مالبس**ة المفعول وإذا كان كذلك بعد أن تقول أنت المحب**وب على مع**نى أنت الكام**ل في كون**ك محبوب**ا كم**ا أن بعي***دا أن يق**ال ه***و

المضروب على معنى أنه الكامل في كونه مضروبا وإن جاء شيء من ذلك جاء على تعس**ف في**ه وتأوي**ل ال يتصور هاهنا وذلك أن يقال مثال زيد هو المظلوم على مع**نى أن**ه لم يصب أحدا ظلم يبلغ في الشدة والشناعة الظلم ال**ذي لحق**ه فصار كل ظلم س*واه ع**دال في جنب**ه وال يجيء ه**ذا التأوي*ل في قولنا أنت الحبيب ألنا نعلم أنهم ال يريدون به**ذا الكالم أن يقول*وا إن أحدا لم يحب أحدا محبتي ل**ك وإن ذل**ك ق**د أبط**ل المحب**ات كلها حتى صرت الذي ال يعقل للمحبة مع*نى إال في**ه وإنم*ا ال**ذي يريدون أن المحبة مني بجملتها مقصورة علي**ك وأن**ه ليس ألح**د غيرك حظ في محبة مني وإذا كان كذلك بان أنه ال يكون بمنزل**ة أنت الشجاع تريد الذي تكامل الوصف فيه إال أن**ه ينبغي من بع**د أن تعلم أن بين أنت الحبيب وبين زيد المنطلق فرقا وهو أن ل**ك في المحبة التي أثبتها طرفا من الجنسية من حيث ك**ان المع**نى أن المحب**ة م**ني بجملته**ا مقص**ورة علي**ك ولم تعم**د إلى محب**ة واحدة من محباتك أال ترى أن**ك ق**د أعطيت بقول**ك أنت الح**بيب

Page 92: دلائل الإعجاز للجرجاني

أنك ال تحب غيره وأن ال محبة ألحد سواه عن**دك وال يتص**ور ه**ذا في زي**د المنطل**ق ألن**ه ال وج**ه هن**اك للجنس**ية إذ ليس ثم إال انطالق واحد قد ع**رف المخ**اطب أن**ه ك**ان واحت**اج أن يعين ل**ه الذي كان منه وينص له عليه فإن قلت زيد المنطلق في حاجت**ك تري**د ال**ذي من ش**أنه أن يس**عى في حاجت**ك ع**رض في**ه مع*نى الجنسية حينئذ على حدها في أنت الحبيب وهاهنا أص**ل يجب أن تحكمه وه**و أن من ش**أن أس**ماء األجن**اس كله**ا إذا وص**فت أن تتنوع بالص**فة فيص**ير الرج**ل ال**ذي ه**و جنس واح**د إذا وص**فته فقلت رجل ظريف ورجل قصير ورجل شاعر ورجل كاتب أنواعا

ح*دة ويس*تأنف في اس*م الرج*ل مختلفة يعد كل منها شيئا على بكل صفة تقرنها إليه جنس**ية وهك**ذا الق**ول في المص**ادر تق**ول العلم والجهل والضرب والقتل والسير والقيام والقعود فتجد ك**ل واحد من ه**ذه المع**اني جنس**ا كالرج**ل والف**رس والحم**ار ف**إذا

وصفت فقلت علم كذا وعلم كذا كقولك علم ض**روري وعلم مكتس**ب وعلم جلي وعلم خفي وض**رب ش**ديد وضرب خفيف وسير سريع سير بطيء وم*ا ش*اكل ذل*ك انقس*م الجنس منه**ا أقس**اما وص**ار أنواع**ا وك**ان مثله**ا مث**ل الش**يء المجموع المؤلف تفرقه فرقا وتشعبه شعبا وهذا مذهب معروف عندهم وأصل متعارف في كل جيل وأم**ة ثم إن هاهن**ا أص**ال ه**و

ل**ه وه**و أن من ش**أن ك**المتفرع على ه**ذا األص**ل أو ك**النظير المصدر أن يفرق بالصالت كما يفرق بالصفات ومعنى هذا الكالم أنك تقول الضرب فتراه جنسا واحدا فإذا قلت الض**رب بالس**يف ص**ار تع**ديتك ل**ه إلى الس**يف نوع**ا مخصوص**ا أال ت**راك تق**ول الضرب بالسيف غير الضرب بالعصا تريد أنهم**ا نوع**ان مختلف**ان وأن اجتماعهما في اسم الضرب ال يوجب اتفاقهما ألن الصلة قد فصلت بينهما وفرقتهما ومن المثال البين في ذلك قول المتن**بي الكامل وتوهموا اللعب ال**وغى والطعن في الهيج**اء غ**ير الطعن في الميدان ل**وال أن اختالف ص**لة المص**در تقتض**ي اختالف**ه في نفسه وأن يحدث في انقسام وتنوع لم**ا ك**ان له**ذا الكالم مع**نى ولكان في االستحالة كقولك والطعن غير الطعن فقد بان إذا أن**ه إنما كان كل واحد من الطعنين جنسا برأسه غير اآلخر ب**أن ك**ان هذا في الهيجاء وذاك في المي**دان وهك**ذا الحكم في ك**ل ش**يء تعدى إليه المصدر وتعلق به فاختالف مفع**ولي المص**در يقتض**ي

Page 93: دلائل الإعجاز للجرجاني

اختالفه وأن يكون المتعدي إلى هذا المفع**ول غ**ير المتع**دي إلى ذاك وعلى ذل**ك تق**ول ليس إعط**اؤك الكث**ير كإعطائ**ك القلي**ل وهك**ذا إذا عديت**ه إلى الح**ال كقول**ك ليس إعط**اؤك معس**را كإعطائك موسرا وليس بذلك وأنت مقل كب**ذلك وأنت مك**ثر وإذ قد عرفت هذا من حكم المصدر فاعتبر به حكم االس**م المش**تق

قولك هو الوفي حين ال يفي أحد منه وإذا اعتبرت ذلك علمت أنوهو الواهب المئة المصطفاة وقوله الخفيف

وهو الضارب الكتيبة والطعنة تغلو والضرب أغلى وأغلى واش**باه ذل*ك كله**ا أخب**ار فيه**ا مع*نى الجنس*ية وأنه**ا في نوعه**ا الخ*اص بمنزلة الجنس المطلق إذا جعلته خبرا فقلت أنت الش**جاع وكم**ا أنك ال تقصد بقول**ك أنت الش**جاع إلى ش**جاعة بعينه**ا ق**د ك**انت وع**رفت من إنس**ان وأردت أن تع**رف ممن ك**انت ب**ل تري**د أن تقصر جنس الشجاعة عليه وال تجعل ألحد غيره فيه حظ**ا ك**ذلك ال تقصد بقولك أنت الوفي حين ال يفي أحد إلى وفاء واحد كي**ف وأنت تقول حين ال يفي أحد وهكذا محال أن يقصد من قول**ه ه**و

المئة المصطفاة إلى هبة واح*دة ألن**ه يقتض*ي أن يقص*د الواهب إلى مئة من اإلبل قد وهبها م**رة ثم لم يع**د لمثله**ا ومعل**وم أن**ه خالف الغرض ألن المعنى أنه الذي من شأنه أن يهب المئ**ة أب**دا والذي يبلغ عطاؤه هذا المبلغ كما تقول ه**و ال**ذي يعطي مادح**ه األلف واأللفين وكقوله الرجز وحاتم الطائي وهاب الم**ئي وذل**ك أوض**ح من أن يخفى وأص**ل آخ**ر وه**و أن من حقن**ا أن نعلم أن م**ذهب الجنس**ية في االس**م وه**و خ**بر غ**ير م**ذهبها وه**و مبت**دأ تفسير هذا أنا وإن قلنا إن الالم في قول**ك أنت الش**جاع للجنس كما هو له في قولهم الشجاع موقى والجب**ان ملقى ف**إن الف**رق بينهم*ا عظيم وذل**ك أن المع*نى في قول**ك الش**جاع م**وقى أن**ك تثبت الوقاية لكل ذات من صفتها الشجاعة فهو في معنى قول**ك الشجعان كلهم موقون ولست أقول إن الشجاع كالشجعان على اإلطالق وإن كان ذلك ظن كثير من الناس ولكني أريد أنك تجعل الوقاية تستغرق الجنس وتشمله وتشيع فيه وأما في قول**ك أنت الشجاع فال معنى في**ه لالس**تغراق إذ لس**ت تري**د أن تق**ول أنت الشجعان كلهم حتى كأنك ت**ذهب ب**ه م**ذهب ق**ولهم أنت الخل**ق

كلهم وأنت العالم كما قال السريع

Page 94: دلائل الإعجاز للجرجاني

ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد ولكن لح**ديث الجنسية هاهنا مأخذا آخر غير ذلك وهو أنك تعمد بها إلى المصدر المشتق منه الصفة وتوجهها إليه ال إلى نفس الص**فة ثم ل**ك في توجيهها إليه مس**لك دقي**ق وذل**ك أن**ه ليس القص**د أن ت**أتي إلى ش**جاعات كث**يرة فتجمعه**ا ل**ه وتوج**دها في**ه وال أن تق**ول إن الشجاعات التي يتوهم وجوده**ا في الموص**وفين بالش**جاعة هي موجودة فيه ال فيهم هذا كله محال ب**ل المع**نى على أن**ك تق**ول كنا قد عقلنا الشجاعة وعرفنا حقيقته**ا وم*ا هي وكي**ف ينبغي أن يكون اإلنس**ان في إقدام**ه وبطش**ه ح**تى يعلم أن**ه ش**جاع على الكم**ال واس**تقرينا الن**اس فلم نج**د في واح**د منهم حقيق**ة م**ا عرفناه حتى إذا صرنا إلى المخاطب وج**دناه ق**د اس**تكمل ه**ذه الصفة واستجمع ش**رائطها وأخلص جوهره**ا ورس**خ في**ه س**نخها ويبين لك أن األمر كذلك اتفاق الجميع على تفسيرهم له بمع**نى الكامل ولو كان المعنى على أنه استغرق الشجاعات التي يتوهم كونها في الموصوفين بالشجاعة لما قالوا إنه بمعنى الكام**ل في الشجاعة ألن الكمال هو أن تكون الصفة على ما ينبغي أن تكون عليه وأن ال يخالطها ما يقدح فيها وليس الكمال أن تجتم**ع آح**اد الجنس وينضم بعضها إلى بعض فالغرض إذا بقولنا أنت الش**جاع هو الغرض بقولهم هذه هي الش**جاعة على الحقيق**ة وم**ا ع**داها جبن وهكذا يك**ون العلم وم**ا ع**داه تخي**ل وه**ذا ه**و الش**عر وم**ا سواه فليس بشيء وذل**ك أظه**ر من أن يخفى وض**رب آخ*ر من االستدالل في إبط**ال أن يك**ون أنت الش**جاع بمع**نى أن**ك كأن**ك جميع الشجعان على ح**د أنت الخل**ق كلهم وه**و أن**ك في قول**ك أنت الخلق وأنت الن**اس كلهم وق*د جم*ع الع*الم من**ك في واح*د تدعي له جميع المعاني الشريفة المتفرقة في الناس من غير أن تبط**ل تل**ك المع**اني وتنفيه**ا عن الن**اس ب**ل على أن ت**دعي ل**ه أمثالها أال ترى أن**ك إذا قلت في الرج**ل إن**ه مع**دود ب**ألف رج**ل فلست تعني أنه معدود بألف رجل ال مع**نى فيهم وال فض**يلة لهم بوجه بل تريد أنه يعطيك من معاني الشجاعة أو العلم أو ك**ذا أو كذا مجموعا ما ال تجد مقداره مفرقا إال في ألف رج**ل وأم**ا في

له أنه قد انف**رد بحقيق**ة الش**جاعة نحو أنت الشجاع فإنك تدعيوأنه قد أوتي فيها مزية وخاصية لم يؤتها أحد

Page 95: دلائل الإعجاز للجرجاني

حتى صار الذي كان يعده الناس شجاعة غير شجاعة وحتى ك**أن كل إقدام إحجام وكل قوة عرفت في الحرب ضعف وعلى ذل**ك قالوا جاد حتى بخل كل جواد وحتى منع أن يستحق اس**م الج*واد أحد كم**ا ق**ال ال**وافر وأن**ك ال تج**ود على ج**واد هبات**ك أن يلقب بالجواد وكما يقال جاد حتى كأن لم يعرف ألحد جود وح**تى ك**أن قد كذب الواصفون الغيث بالجود كما قال البسيط أعطيت ح**تى

تركت الريح حاسرة وجدت حتى كأن الغيث لم يجد هذا فصل في الذي خصوصا أعلم أن ل**ك في ال**ذي علم**ا كث**يرا وأسرارا جمة وخفايا إذا بحثت عنها وتصورتها اطلعت على فوائد تؤنس النفس وتثلج الصدر بما يفضي بك إليه من اليقين ويؤدي**ه إليك من حسن التب**يين والوج*ه في ذل*ك أن تتأم*ل عب**ارات لهم فيه لم وضع وألي غ**رض اجتلب وأش**ياء وص**فوه به**ا فمن ذل**ك قولهم إن الذي اجتلب ليكون وصلة إلى وصف المعارف بالجمل كما اجتلب ذو ليتوصل به إلى الوص**ف بأس**ماء األجن**اس يعن**ون بذلك أنك تقول مررت بزيد الذي أبوه منطلق وبالرجل الذي كان عندنا أمس فتجدك قد توصلت بالذي إلى أن يبين أبنت زي**دا من غيره بالجملة التي هي قولك أبوه منطل**ق ول**وال ال**ذي لم تص**ل

مال فيتوص**ل ب**ذي إلى إلى ذلك كما أنك تقول مررت برجل ذي أن يبين الرجل من غيره بالمال ولوال ذو لم يت**أت ل**ك ذل**ك إذ ال تستطيع أن تقول برجل م**ال فه**ذه جمل**ة مفهوم**ة إال أن تحته**ا خبايا تحتاج إلى الكش**ف عنه**ا فمن ذل**ك أن تعلم من أين امتن**ع أن توص**ف المعرف**ة بالجمل**ة ولم لم يكن حاله**ا في ذل**ك ح**ال النكرة ال**تي تص**فها به**ا في قول**ك م**ررت برج**ل أب**وه منطل**ق ورأيت إنسانا تقاد الجنائب بين يديه وقالوا إن السبب في امتناع ذلك أن الجم**ل نك**رات كله**ا بدالل**ة أنه**ا تس**تفاد وإنم**ا يس**تفاد المجهول دون المعلوم قالوا فلما كانت كذلك كانت وفقا للنك**رة

لم تكن وفق**ا فجاز وصفها بها ولم يجز أن توصف بها المعرفة إذلها

والقول المبين في ذلك أن يقال إنه إنما اجتلب حتى إذا كان ق**د عرف رجل بقصة وأمر ج**رى ل**ه فتخص**ص بتل**ك القص**ة وب**ذلك األمر عند السامع ثم أريد القصد إليه ذكر الذي تفسير هذا أنك ال تصل ال**ذي إال بجمل*ة من الكالم ق**د س*بق من الس*امع علم به**ا وأمر قد عرفه له نحو أن ترى عنده رجال ينشده شعرا فتقول ل**ه

Page 96: دلائل الإعجاز للجرجاني

من غد ما فعل الرجل الذي كان عن**دك ب*األمس ينش*دك الش*عر هذا حكم الجملة بعد الذي إذا أنت وصفت به ش**يئا فك**ان مع**نى قولهم إنه اجتلب ليتوصل ب**ه إلى وص**ف المع**ارف بالجمل**ة أن**ه جيء ب**ه ليفص**ل بين أن ي**راد ذك**ر الش**يء بجمل**ة ق**د عرفه**ا السامع له وبين أن ال يكون األمر كذلك فإن قلت ق**د ي**ؤتى بع**د الذي بالجملة غير المعلومة للسامع وذلك حيث يكون الذي خ**برا كقولك هذا الذي كان عندك باألمس وهذا ال**ذي ق**دم رس**وال من الحضرة أنت في هذا وشبهه تعلم المخاطب أمرا لم يسبق له به علم وتفي**ده في المش**ار إلي**ه ش**يئا لم يكن عن**ده ول**و لم يكن كذلك لم يكن الذي خبرا إذ كان ال يكون الشيء خبرا ح**تى يف**اد به فالقول في ذلك إن الجملة في هذا النحو وإن كان المخ**اطب ال يعلمها لعين من أشرت إليه فإنه ال بد من أن يكون ق**د علمه**ا على الجملة وحدث بها فإن**ك على ك**ل ح*ال ال تق*ول ه**ذا ال*ذي قدم رسوال لمن لم يعلم أن رسوال قدم ولم يبلغه ذلك في جملة وال تفصيل وكذا ال تقول هذا الذي كان عندك أمس لمن قد نسي أنه كان عنده إنسان وذهب عن وهمه وإنما تقوله لمن ذاك على ذكر منه إال أنه رأى رجال يقبل من بعي**د فال يعلم أن**ه ذاك ويظن**ه إنسانا غيره وعلى الجمل**ة فك**ل عاق**ل يعلم ب**ون م**ا بين الخ**بر بالجملة مع الذي وبينها مع غير الذي فليس من أحد ب**ه ط**رق إال وهو ال يشك أن ليس المعنى في قولك هذا الذي قدم رسوال من الحضرة كالمعنى إذا قلت هذا قدم رس**وال من الحض**رة وال ه**ذا الذي يسكن في محلة كذا كقولك ه**ذا يس**كن محل**ة ك**ذا وليس ذاك إال أنك في قولك هذا قدم رسوال من الحضرة مبتدىء خ**برا بأمر لم يبلغ السامع ولم يبلغه ولم يعلم**ه أص**ال وفي قول**ك ه**ذا الذي قدم رسوال معلم في أمر قد بلغه أن هذا صاحبه فلم يخ**ل

إذا من الذي بدأنا به في أمر الجملة مع الذي من أنه ينبغي أن تكون جملة قد سبق من السامع علم به**ا فاعرف**ه فإن**ه من المس*ائل ال**تي من جهلها جهل كثيرا من المع**اني ودخ**ل علي**ه الغل**ط في كث**ير من األمور والله الموفق للصواب فروق في الح**ال له**ا فض**ل تعل**ق

وجمل**ة بالبالغة اعلم أن أول ف**رق في الح**ال أنه**ا تجيء مف**ردا والقصد هاهن**ا إلى الجمل**ة وأول م**ا ينبغي أن يض**بط من أمره**ا أنها تجيء تارة مع الواو وأخرى بغير الواو فمثال مجيئها مع الواو

Page 97: دلائل الإعجاز للجرجاني

قولك أتاني وعليه ث**وب ديب**اج ورأيت**ه وعلى كتف**ه س**يف ولقيت األمير والجند حواليه وجاءني زيد وهو متقلد سيفه ومثال مجيئه**ا بغير واو جاءني زيد يس**عى غالم**ه بين يدي**ه وأت**اني عم**رو يق**ود فرسه وفي تمييز ما يقتضي الواو مما ال يقتضيه صعوبة والق**ول في ذلك أن الجملة إذا كانت من مبت**دأ وخ*بر فالغ*الب عليه**ا أن تجيء مع الواو كقولك جاءني زيد وعم**رو أمام**ه وأت**اني وس**يفه

لم يصلح على كتفه فإن كان المبتدأ من الجملة ضمير ذي الحال بغير الواو البتة وذلك كقولك جاءني زي**د وه**و راكب ورأيت زي**دا وهو جالس ودخلت عليه وهو يملي الح**ديث وانتهيت إلى األم**ير وهو يعبىء الجيش فلو تركت الواو في شيء من ذلك لم يص**لح فلو قلت جاءني زيد هو راكب ودخلت عليه هو يملي الح**ديث لم يكن كالما فإن كان الخبر في الجملة من المبتدأ والخبر ظرفا ثم كان قد قدم على المبتدأ كقولنا عليه سيف وفي يده س**وط ك**ثر فيها أن تجيء بغير واو فمما جاء منه كذلك ق**ول بش**ار الطوي**ل

إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها خرجت مع البازي علي سواد يعني علي بقية من الليل وقول أمية البسيط فاشرب هنيئا عليك الت**اج مرتفق**ا في رأس غم**دان دارا من**ك محالال وق**ول اآلخ**ر الطويل لقد صبرت للذل أعواد منبر تقوم عليها في يديك قضيب كل ذلك في موضع الحال وليس فيه واو كما ترى وال هو محتمل لها إذا نظرت وقد يجيء ترك الواو فيم*ا ليس الخ*بر في**ه ك**ذلك ولكنه ال يكثر فمن ذلك قولهم كلمته ف**وه إلى في و رج**ع ع**وده على بدئه في ق**ول من رف**ع ومن**ه بيت اإلص**الح الكام**ل نص**ف

النهار الماء غامره ورفيقه بالغيب ال يدري ومن ذلك ما أنشده الش*يخ أب**و علي في اإلغف**ال الطوي**ل ول**وال جنان الليل ما آب عامر إلى جعفر سرباله لم يمزق ومما ظاهره أنه منه قوله البسيط إذا أتيت أبا مروان تس**أله وجدت**ه حاض**راه الجود والكرم فقوله حاضراه الجود جملة من المبتدأ والخبر كم**ا ترى وليس فيها واو والموضع موض**ع ح**ال أال ت**راك تق**ول أتيت**ه فوجدته جالسا فيكون جالسا حاال ذاك ألن وج**دت في مث**ل ه**ذا من الكالم ال تك**ون المتعدي**ة إلى مفع**ولين ولكن المتعدي**ة إلى مفع**ول واح**د كقول**ك وج**دت الض**الة إال أن**ه ينبغي أن تعلم أن لتقديمه الخبر الذي هو حاضراه تأثيرا في معنى الغنى عن ال**واو وأنه لو قال وجدته الجود والكرم حاضراه لم يحس**ن حس**نه اآلن

Page 98: دلائل الإعجاز للجرجاني

وكان السبب في حسنه مع التق**ديم أن**ه يق**رب في المع**نى من قولك وجدته حاضره الجود والكرم أو حاضرا عنده الجود والكرم وإن كانت الجمل**ة من فع**ل وفاع**ل والفع**ل مض**ارع مثبت غ**ير منفي لم يكد يجيء بالواو بل ترى الكالم على مجيئها عاري**ة من الواو كقولك جاءني زيد يسعى غالمه بين يدي**ه وكقول**ه البس**يط

وقد علوت قتود الرحل يسفعني يوم قديديمة الجوزاء مسموم وقوله الخفيف ولقد أغتدي يدافع ركني أح**وذي ذو ميع**ة إض**ريج وكذلك قولك جاءني زيد يسرع ال فصل بين أن يكون الفعل لذي الحال وبين أن يكون لمن ه**و من س**ببه ف**إن ذل**ك كل**ه يس**تمر على الغنى عن الواو وعلي**ه التنزي**ل والكالم ومثال**ه في التنزي**ل قوله عز وج**ل وال تمنن تس**تكثر وقول**ه تع**الى وس**يجنبها األتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وكقوله عز اس**مه وي**ذرهم في طغي**انهم يعمهون فأما قول ابن همام السلولي من المتقارب فلما خشيت أظافيره نجوت وأرهنهم مالك**ا في رواي**ة من روى وأرهنهم وم**ا شبهوه به من قولهم قمت وأصك وجهه فليست الواو فيها للحال وليس المعنى نجوت راهنا مالكا وقمت ص**اكا وجه**ه ولكن أرهن وأصك حكاية حال مثل قوله الكامل ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيت ثمت قلت ال يعنيني فكما أن أمر هاهنا في مع**نى م**ررت ك**ذلك يك**ون أرهن وأص**ك هناك في معنى رهنت وصككت ويبين ذلك أنك ترى الف**اء تجيء مكان الواو في مثل هذا وذلك كنحو ما في الخبر في حديث عبد الل**ه بن عتي**ك حين دخ**ل على أبي راف**ع اليه**ودي حص**نه ق**ال فانتهيت إليه فإذا ه**و في بيت مظلم ال أدري أين ه**و من ال**بيت فقلت أب**ا راف**ع فق**ال من ه**ذا ف**أهويت نح**و الص**وت فأض**ربه بالسيف وأنا دهش فكما أن أضربه مضارع قد عطفه بالفاء على ماض ألنه في المعنى م**اض ك**ذلك يك**ون أرهنهم معطوف**ا على الماضي قبله وكم**ا ال يش**ك في أن المع**نى في الخ**بر ف**أهويت فض**ربت ك**ذلك يك**ون المع**نى في ال**بيت نج**وت ورهنت إال أن الغرض في أخراجه على لف**ظ الح**ال أن يحكي الح**ال في أح**د الخبرين ويدع اآلخ**ر على ظ**اهره كم**ا ك**ان في ولق**د أم**ر على الل**ئيم يس**بني فمض**يت إال أن الماض**ي في ه**ذا ال**بيت م**ؤخر معطوف وفي بيت ابن همام وم**ا ذكرن**اه مع**ه مق**دم معط**وف عليه فاعرفه ف**إن دخ**ل ح**رف نفي على المض**ارع تغ**ير الحكم

Page 99: دلائل الإعجاز للجرجاني

فج**اء ب**الواو وبتركه**ا كث**يرا وذل**ك مث**ل ق**ولهم كنت وال أخش**ى بالذئب وقول مسكين الدارمي من الرمل أكسبته ال**ورق ال**بيض

أبا ولقد كان وال يدعى ألب وقول مالك بن رفيع وكان جنى جناية فطلب**ه مص**عب بن الزب**ير الوافر أتاني مصعب وبنوا أبيه فأين أحيد عنهم ال أحيد أقادوا من دمي وتوعدوني وكنت وما ينهنهني الوعيد كان في هذا كله تام**ة والجملة الداخل عليها الواو في موضع الحال أال ترى أن المع**نى وجدت غير خاش للذئب ولقد وجد غير م**دعو ألب ووج**دت غ**ير منهنه بالوعيد وغير مبال به وال معنى لجعلها ناقصة وجع**ل ال**واو مزيدة وليس مجيء الفعل المضارع حاال على ه**ذا الوج*ه بعزي*ز في الكالم أال تراك تقول جعلت أمشي وما أدري أين أضع رجلي وجعل يقول وال يدري وقال أبو األس**ود ويص**يب وم**ا ي**دري وه**و شائع كثير فأما مجيء المضارع منفيا ح**اال من غ**ير ال**واو فيك**ثر ويحسن فمن ذلك قوله الطويل مضوا ال يريدون ال**رواح وغ**الهم من الدهر أسباب ج**رين على ق**در وق**ال أرط**اة بن س**هية وه**و

لطيف جدا البسيط إن تلقني ال ترى غيري بناظرة تنس السالح وتعرف جبه**ة األس**د فقوله ال ترى في موضع حال ومثل**ه في اللط**ف والحس**ن ق**ول أعشى همدان وصحب عتاب بن ورقاء إلى أص**بهان فلم يحم**ده فقال الوافر أتينا أصبهان فهزلتنا وكن**ا قب**ل ذل**ك في نعيم وك**ان سفاهة مني وجهال مسيري ال أسير إلى حميم قول**ه ال أس**ير إلى حميم حال من ضمير المتكلم ال**ذي ه**و الي**اء في مس**يري وه**و فاعل في المعنى فكأنه قال وكان سفاهة م**ني وجهال أن س**رت غير سائر إلى حميم وأن ذهبت غير متوجه إلى قريب وقال خالد بن يزي**د بن معاوي**ة الكام**ل ل**و أن قوم**ا الرتف**اع قبيل**ة دخل**وا السماء دخلته**ا ال أحجب وه**و كث**ير إال أن**ه ال يهت**دي إلى وض**عه

كان ص**حيح الطب**ع ومم**ا يجيء ب**الواو بالموضع المرضي إال من وغير الواو الماضي وهو ال يقع حاال إال مع ق**د مظه**رة أو مق**درة أما مجيئها بالواو فالكثير الشائع كقولك أتاني وق**د جه**ده الس**ير وأما بغير الواو فكقوله البسيط متى أرى الصبح قد الحت مخايله

والليل قد مزقت عنه السرابيل وقول اآلخر الوافر فآبوا بالرم**اح مكس**رات وأبن**ا بالس**يوف ق**د انحنينا وقال آخر وه**و لطي**ف ج**دا الكام**ل يمش**ون ق**د كس**روا

Page 100: دلائل الإعجاز للجرجاني

الجفون إلى الوغى متبسمين وفيهم استبشار ومما يجيء ب**الواو في األكثر األشيع ثم يأتي في مواضع بغير ال**واو فيلط**ف مكان**ه ويدل على البالغة الجملة قد دخلها ليس تقول أتاني وليس علي**ه ثوب ورأيته وليس معه غيره فهذا هو المعروف المستعمل ثم قد جاء بغير الواو فكان من الحسن على ما ترى وهو قول األعرابي الرجز لنا فتى وحبذا األفتاء تعرفه األرسان وال**دالء إذا ج**رى في كفه الرشاء خلى القليب ليس فيه الم**اء ومم**ا ينبغي أن ي**راعى في هذا الباب أنك ترى الجملة قد جاءت حاال بغير واون ويحسن ذلك ثم تنظر فترى ذلك إنما حسن من أج**ل ح**رف دخ**ل عليه**ا

مثاله قول الفرزدق الطويل فقلت عسى أن تبصريني كأنما بني حوالي األسود الحوارد قول**ه كأنما بني إلى آخره في موض**ع الح**ال من غ**ير ش**بهة ول**و أن**ك

حوالي كاألسود رأيته ال تركت كأن فقلت عسى أن تبصريني بني يحسن حسنه األول ورأيت الكالم يقتضي الواو كقولك عس**ى أن تبصريني وبني ح**والي كاألس**ود الح**وارد وش**بيه به**ذا أن**ك ت**رى الجملة قد جاءت حاال بعقب مفرد فلطف مكانها ول**و أن**ك أردت أن تجعلها حاال من غير أن يتقدمها ذلك المف**رد لم يحس**ن مث**ال ذلك قول ابن الرومي السريع والله يبقيك لنا سالما برداك تبجيل وتعظيم فقول**ه ب**رداك تبجي**ل في موض**ع ح**ال ثاني**ة ول**و أن**ك أسقطت سالما من ال**بيت فقلت والل**ه يبقي**ك ب**رداك تبجي**ل لم يكن شيئا وإذ قد رأيت الجمل الواقعة حاال قد اختلف به**ا الح**ال هذا االختالف الظاهر فال بد من أن يكون ذلك إنما ك**ان من أج**ل علل توجبه وأسباب تقتضيه فمحال أن يكون هاهنا جملة ال تص**ح إال مع الواو وأخرى ال تصلح فيها الواو وثالثة تصلح أن تجيء فيها بالواو وأن تدعها فال تجيء بها ثم ال يكون لذلك سبب وعلة وفي الوقوف على العلة في ذل*ك إش*كال وغم*وض ذاك ألن الطري*ق إليه غير مسلوك والجهة التي منها تعرف غير معروفة وأن**ا أكتب لك أصال في الخبر إذا عرفته انفتح لك وجه العلة في ذلك واعلم أن الخبر ينقسم إلى خبر هو جزء من الجملة ال تتم الفائدة دون**ه وخبر ليس بجزء من الجملة ولكنه زيادة في خبر آخ**ر س**ابق ل**ه ف**األول خ**بر المبت**دا كمنطل**ق في قول**ك زي**د منطل**ق والفع**ل كقول**ك خ*رج زي**د وك**ل واح*د من ه**ذين ج*زء من الجمل**ة وه**و األصل في الفائدة والثاني ه**و الح**ال كقول**ك ج**اءني زي**د راكب**ا

Page 101: دلائل الإعجاز للجرجاني

وذاك ألن الحال خبر في الحقيقة من حيث إنك تثبت بها المع**نى لذي الحال كما تثبته بالخبر للمبتدأ وبالفعل للفاعل أال ت**راك ق**د

أثبت الركوب في قولك جاءني زيد راكبا لزيد إال أن الفرق أنك جئت به لتزيد مع**نى في إخب**ارك عن**ه ب**المجيء وه**و أن تجعل**ه بهذه الهيئة في مجيئه ولم تجرد إثباتك للرك**وب ولم تباش**ره ب**ه ابتداء بل بدأت فأثبت المجيء ثم وصلت به الركوب ف*التبس ب*ه اإلثبات على سبيل التبع لغيره وبشرط أن يكون في ص**لته وأم**ا في الخ**بر المطل**ق نح**و زي**د منطل**ق وخ**رج عم**رو فإن**ك أثبت المعنى إثباتا جردته له وجعلته يباشره من غير واسطة ومن غ**ير أن تتسبب بغيره إليه وإذ ق**د ع**رفت ه**ذا ف**اعلم أن ك**ل جمل**ة وقعت ح**اال ثم امتنعت من ال**واو ف**ذاك ألج**ل أن**ك عم**دت إلى الفعل الواق**ع في ص**درها فض**ممته إلى الفع**ل األول في إثب**ات واحد وكل جملة جاءت حاال ثم اقتضت الواو فذاك ألنك مستأنف بها خبرا وغير قاصد إلى أن تضمها إلى الفع**ل األول في اإلثب**ات تفسير هذا أن**ك إذا قلت ج**اءني زي**د يس**رع ك**ان بمنزل**ة قول**ك جاءني زيد مسرعا في أنك تثبت مجيئ**ا في**ه إس**راع وتص**ل أح*د المعنيين باآلخر وتجعل الكالم خبرا واحدا وتريد أن تق**ول ج**اءني كذلك وجاءني بهذه الهيئة وهكذا قوله وق**د عل**وت قت**ود الرح**ل يسفعني يوم قديديمة الجوزاء مسموم كأنه قال وقد علوت قتود الرحل بارزا للشمس ضاحيا وك**ذلك قول**ه م**تى أرى الص**بح ق**د الحت مخايل**ه ألن**ه في مع**نى م**تى أرى الص**بح بادي**ا الئح**ا بين**ا متجليا وعلى هذا القي**اس أب**دا وإذا قلت ج**اءني وغالم**ه يس**عى بين يديه ورأيت زي*دا وس*يفه على كتف*ه ك*ان المع*نى على أن*ك بدأت فأثبت المجيء والرؤي**ة ثم اس**تأنفت خ**برا وابت**دأت إثبات**ا ثانيا لسعي الغالم بين يديه ولكون السيف على كتف**ه ولم**ا ك**ان المعنى على استئناف اإلثبات احتيج إلى ما يربط الجمل**ة الثاني**ة باألولى فجيء بالواو كما جيء بها في قولك زيد منطلق وعم**رو ذاهب والعلم حس**ن والجه**ل ق**بيح وتس**ميتنا له**ا واو الح**ال ال يخرجها عن أن تكون مجتلبة لضم جملة إلى جمل**ة ونظيره**ا في

هذا الفاء في جواب الشرط نحو إن تأتني فأنت مكرم فإنه**ا وإن لم تكن عاطف**ة ف**إن ذل**ك ال يخرجه**ا من أن تك**ون بمنزلة العاطفة في أنها جاءت لترب**ط جمل**ة ليس من ش**أنها أن ترتبط بنفسها فاعرف ذل**ك ون**زل الجمل**ة في نح**و ج**اءني زي**د

Page 102: دلائل الإعجاز للجرجاني

يسرع وقد علوت قتود الرحل يسفعني يوم منزل**ة الج**زاء ال**ذي يستغني عن الفاء ألن من شأنه أن يرتبط بالشرط من غير رابط وهو قولك إن تعطني أشكرك ونزل الجملة في جاءني زي**د وه**و راكب منزل**ة الج**زاء ال**ذي ليس من ش**أنه أن يرتب**ط بنفس**ه ويحتاج إلى الفاء كالجملة في نحو إن تأتني ف**أنت مك**رم قياس**ا سويا وموازنة صحيحة فإن قلت لقد علمنا أن عل**ة دخ**ول ال**واو على الجملة أن تستأنف اإلثبات وال تص*ل المع*نى الث**اني ب**األول في إثب**ات واح**د وال ت**نزل الجمل**ة منزل**ة المف**رد ولكن بقي أن تعلم لم كان بعض الجمل بأن يك**ون تق**ديرها تق**دير المف**رد في أن ال يستأنف بها اإلثبات أولى من بعض وما الذي منع في قولك جاءني زيد وهو يسرع أو وهو مسرع أن يدخل اإلسراع في ص**لة المجيء ويضامه في اإلثبات كما كان ذلك حين قلت ج**اءني زي**د يسرع فالجواب أن السبب في ذلك أن المعنى في قولك جاءني زيد وهو يسرع على استئناف إثب**ات للس**رعة ولم يكن ذل**ك في جاءني زيد يسرع وذلك أنك إذا أع**دت ذك**ر زي**د فجئت بض**ميره المنفصل المرف**وع ك**ان بمنزل**ة أن تعي**د اس**مه ص**ريحا فتق**ول جاءني زيد وزيد يسرع في أنك ال تجد سبيال إلى أن تدخل يس**رع في صلة المجيء وتضمه إليه في اإلثبات وذل**ك أن إعادت**ك ذك**ر زيد ال تكون حتى تقصد اس**تئناف الخ*بر عن**ه بأن**ه يس**رع وح**تى تبتدىء إثباتا للسرعة ألنك إن لم تفعل ذلك تركت المبت**دأ ال**ذي هو ضمير زيد أو اسمه الظ**اهر بمض**يعة وجعلت**ه لغ*وا في ال**بين وجرى مجرى أن تقول جاءني زيد وعمرو يسرع أمامه ثم ت**زعم أنك لم تستأنف كالما ولم تبتدىء للسرعة إثباتا وأن ح**ال يس**رع هاهنا حاله إذا قلت ج*اءني زي**د يس**رع فجعلت الس**رعة ل**ه ولم تذكر عمرا وذلك محال فإن قلت إنما استحال في قول**ك ج**اءني زيد وعمرو يس*رع أمام**ه أن ت**رد يس*رع إلى زي**د وتنزل**ه منزل**ة

قولك جاءني زيد يسرع من حيث كان في يسرع ضمير لعمرو وتضمنه ضمير عمرو يمنع أن يكون لزيد وأن يقدر حاال له وليس كذلك جاءني زيد وه**و يس*رع ألن الس*رعة هن**اك لزي*د ال محال*ة فكيف ساغ أن تقيس إحدى المس**ألتين على األخ**رى قي**ل ليس المانع أن يكون يسرع في قولك جاءني زيد وعمرو يسرع أمام**ه حاال من زيد أنه فعل لعمرو فإنك لو أخرت عمرا فرفعته بيس**رع وأوليت يسرع زيدا فقلت جاءني زيد يسرع عم**رو أمام**ه وجدت**ه

Page 103: دلائل الإعجاز للجرجاني

قد صلح حاال لزيد مع أنه فعل لعمر وإنما الم**انع م**ا عرفت**ك من أنك تدع عمرا بمضيعة وتجيء به مبت**دأ ثم ال تعطي**ه خ**برا ومم**ا يدل على فساد ذلك أنه يؤدي إلى أن يكون يسرع قد اجتم**ع في موضعه النصب والرفع وذلك أن جعل**ه ح**اال من زي**د يقتض**ي أن يكون في موضع نصب وجعله خبرا عن عمرو المرف**وع باالبت**داء يقتضي أن يكون في موضع رفع وذلك بين الت**دافع وال يجب ه**ذا

فقلت ج**اءني زي**د يس**رع عم**رو أمام**ه التدافع إذا أخرت عم**را ألنك ترفعه بيسرع على أنه فاعل له وإذا ارتفع به لم ي**وجب في موضعه إعرابا فيبقى مفرغا ألن يقدر فيه النصب على أن**ه ح**ال من زيد وجرى مجرى أن تقول جاءني زيد مس**رعا عم**رو أمام**ه فإن قلت فقد ينبغي على هذا األصل أن ال تجيء جملة من مبتدأ وخبر ح**اال إال م**ع ال**واو وق**د ذك**رت قب**ل أن ذل**ك ق**د ج**اء في مواض**ع من كالمهم ف**الجواب أن القي**اس واألص**ل أن ال تجيء جملة من مبتدأ وخبر حاال إال مع ال**واو وأم**ا ال**ذي ج**اء من ذل**ك فسبيله س**بيل الش**يء يخ**رج عن أص**له وقياس**ه والظ**اهر في**ه

ف**وه إلى في بضرب من التأويل ونوع من التشبيه فقولهم كلمته إنما حسن بغير واو من أجل أن المعنى كلمته مشافها له وكذلك قولهم رجع عوده على بدئه إنما جاء الرفع فيه واالبتداء من غ**ير واو ألن المعنى رجع ذاهبا في طريقه الذي ج**اء في**ه وأم**ا قول**ه وجدته حاضراه الجود والكرم فألن تقديم الخبر الذي هو حاضراه يجعله كأنه قال وجدته حاضرا عنده الجود والك**رم وليس الحم**ل على المعنى وتنزيل الشيء منزلة غ**يره بعزي**ز في كالمهم وق**د قالوا زيد اضربه فأجازوا أن يكون مث**ال األم**ر في موض**ع الخ*بر ألن المعنى على النصب نح**و اض**رب زي**دا ووض**عوا الجمل**ة من المبت**دأ والخ**بر موض**ع الفع**ل والفاع**ل في نح**و قول**ه تع**الى أدعوتموهم أم أنتم ص**امتون ألن األص**ل في المعادل**ة أن تك**ون

الثانية كاألولى نحو أدعوتموهم أم صمتم ويدل على أن ليس مجيء الجملة من المبت**دأ والخ*بر ح*اال بغ*ير الواو أص**ال قلت**ه وأن**ه ال يجيء إال في الش**يء بع**د الش**يء ه**ذا ويجوز أن يكون ما جاء من ذل**ك إنم*ا ج*اء على إرادة ال*واو كم*ا جاء الماضي على إرادة قد واعلم أن الوجه فيما كان مث**ل ق**ول بشار خرجت م**ع الب**ازي علي س**واد أن يؤخ**ذ في**ه بم**ذهب أبي الحس**ن األخفش ف**يرفع س**واد ب**الظرف دون االبت**داء ويج**ري

Page 104: دلائل الإعجاز للجرجاني

الظرف هاهنا مج**راه إذا ج**رت الجمل**ة ص**فة على النك**رة نح**و مررت برجل معه صقر صائدا ب**ه غ*دا وذل*ك أن ص**احب الكت**اب يوافق أبا الحسن في هذا الموضع فيرفع صقر بم**ا في مع**ه من الفعل فلذلك يجوز أن يجري الحال مجرى الصفة فيرفع الظ**اهر بالظرف إذا هو جاء حاال فيك**ون ارتف**اع س**واد بم**ا في علي من مع**نى الفع**ل ال باالبت**داء ثم ينبغي أن يق**در هاهن**ا خصوص**ا أن الظرف في تقدير اس**م فاع**ل ال فع**ل أع**ني أن يك**ون المع**نى خرجت كائنا علي سواد أو باقيا علي سواد وال يقدر يك**ون س**واد علي ويبقى علي سواد اللهم إال أن تقدر فيه فعال ماض**يا م**ع ق**د كقولك خرجت مع البازي ق**د بقي علي س**واد واألول أظه**ر وإذا تأملت الكالم وجدت الظرف وقد وقع مواق**ع ال يس**تقيم فيه**ا إال أن يقدر تقدير اسم فاعل ول**ذلك ق**ال أب**و بك**ر بن الس**راج في قولنا زيد في الدار إنك مخير بين أن تقدر فيه فعال فتقول استقر في الدار وبين أن تقدر إسم فاعل فتقول مستقر في ال**دار وإذا عاد األمر إلى هذا كان الحال في ترك الواو ظاهرة وك**ان س**واد في قوله خرجت م**ع الب**ازي علي س**واد بمنزل**ة قض**اء الل**ه في

قوله الطويل سأغسل عني العار بالسيف جالبا علي قضاء الله م**ا ك**ان جالب**ا في كونه اسما ظاهرا قد ارتفع باسم فاع**ل ق**د اعتم**د على ذي حال فعمل عمل الفع**ل وي**دلك على أن التق**دير في**ه م**ا ذك**رت وأنه من أجل ذلك حس**ن أن**ك تق**ول ج**اءني زي**د والس**يف على كتفه وخرج والتاج عليه فتجده ال يحسن إال ب**الواو وتعلم أن**ك ل**و قلت جاءني زيد السيف على كتفه وخرج الت**اج علي**ه ك**ان كالم**ا نافرا ال يكاد يقع في االستعمال وذلك ألنه بمنزل**ة قول**ك ج**اءني وهو متقلد سيفه وخرج وهو البس التاج في أن المعنى على أنك استأنفت كالما وابتدأت إثبات**ا وأن**ك لم ت**رد ج**اءني ك**ذلك ولكن

جاءني وهو كذلك فاعرفه بسم الله الرحمن ال**رحيم الق**ول في الفص**ل والوص**ل اعلم أن العلم بم**ا ينبغي أن يص**نع في الجم**ل من عط**ف بعض**ها على بعض أو ترك العطف فيها والمجيء بها منث**ورة تس**تأنف واح**دة منها بعد أخرى من أسرار البالغة ومم**ا ال يت**أتى لتم**ام الص**واب فيه إال األعراب الخلص واإل قوم طبع**وا على البالغ**ة وأوت**وا فن**ا من المعرفة في ذوق الكالم هم بها أفراد وقد بلغ من قوة األم**ر

Page 105: دلائل الإعجاز للجرجاني

في ذلك أنهم جعلوه حدا للبالغة فقد جاء عن بعض**هم أن**ه س**ئل عنها فقال معرفة الفصل من الوصل ذاك لغموضه ودقة مسلكه وأنه ال يكم**ل إلح**راز الفض**يلة في**ه أح**د إال كم**ل لس**ائر مع**اني البالغة واعلم أن سبيلنا أن ننظر إلى فائدة العط**ف في المف**رد ثم نعود إلى الجملة فننظر فيها ونتعرف حالها ومعلوم أن فائ**دة العطف في المفرد أن يشرك الث**اني في إع**راب األول وأن**ه إذا أشركه في إعرابه فقد أش**ركه في حكم ذل**ك اإلع**راب نح**و أن المعط**وف على المرف**وع بأن**ه فاع**ل مثل**ه والمعط**وف على المنصوب بأنه مفعول به أو في**ه أو ل**ه ش**ريك ل**ه في ذل**ك وإذا كان هذا أص**له في المف*رد ف*إن الجم*ل المعط**وف بعض*ها على بعض على ضربين أحدهما أن يكون للمعطوف عليه**ا موض**ع من اإلعراب وإذا ك*انت ك*ذلك ك*ان حكمه**ا حكم المف*رد إذ ال يك*ون للجملة موضع من اإلعراب حتى تكون واقع*ة موق**ع المف**رد وإذا كانت الجملة األولى واقعة موقع المفرد كان عطف الثانية عليه**ا

جاريا مجرى عطف المفرد وكانت وجه الحاجة إلى الواو ظاهرا واإلشراك بها في الحكم موجودا فإذا قلت م*ررت برج*ل خلق*ه حس*ن وخلق*ه

الجمل**ة الثاني**ة في حكم األولى وذل**ك ق**بيح كنت ق**د أش**ركت الحكم كونها في موضع جر بأنها صفة للنكرة ونظ**ائر ذل**ك تك**ثر واألمر فيها يسهل والذي يشكل أمره هو الضرب الثاني وذلك أن تعطف على الجملة العاري**ة الموض**ع من اإلع**راب جمل**ة أخ**رى كقولك زيد قائم وعمرو قاعد والعلم حسن والجهل قبيح ال سبيل لنا إلى أن ندعي أن الواو أش**ركت الثاني**ة في إع**راب ق**د وجب لألولى بوج****ه من الوج****وه وإذا ك****ان ك****ذلك فينبغي أن تعلم المطلوب من هذا العطف والمغزى منه ولم لم يستو الح**ال بين أن تعطف وبين أن تدع العطف فتقول زيد قائم عمرو قاعد بع**د أن ال يكون هنا أم*ر معق*ول ي*ؤتى بالع*اطف ليش*رك بين األولى والثانية فيه واعلم أنه إنما يعرض اإلشكال في ال**واو دون غيره**ا من حروف العطف وذاك ألن تلك تفيد مع اإلشراك مع**اني مث**ل أن الفاء توجب ال**ترتيب من غ*ير ت**راخ وثم توجب**ه م*ع ت**راخ وأو ت**ردد الفع**ل بين ش**يئين وتجعل**ه ألح**دهما ال بعين**ه ف**إذا عطفت بواحد منها الجملة على الجملة ظهرت الفائدة فإذا قلت أعطاني فشكرت ظهر بالفاء أن الشكر كان معقب**ا على العط**اء ومس**ببا

Page 106: دلائل الإعجاز للجرجاني

عنه وإذا قلت خرجت ثم خرج زيد أفادت ثم أن خروجه كان بع**د خروج**ك وأن مهل**ة وقعت بينهم**ا وإذا قلت يعطي**ك أو يكس**وك دلت أو على أنه يفعل واح**دا منهم**ا ال بعين**ه وليس لل**واو مع**نى سوى اإلشراك في الحكم الذي يقتضيه اإلعراب الذي أتبعت فيه الثاني األول فإذا قلت جاءني زيد وعمرو لم تفد بالواو شيئا أكثر من إشراك عمرو في المجيء الذي أثبته لزيد والجمع بينه وبين**ه وال يتصور إشراك بين شيئين حتى يك**ون هن**اك مع**نى يق**ع ذل**ك اإلشراك فيه وإذا كان ذل**ك ك**ذلك ولم يكن معن**ا في قولن**ا زي**د ق**ائم وعم**رو قاع**د مع**نى ت**زعم أن ال**واو أش**ركت بين ه**اتين الجمل**تين في**ه ثبت إش**كال المس**ألة ثم إن ال**ذي يوجب**ه النظ**ر والتأمل أن يقال في ذلك إنا وإن كن**ا إذا قلن**ا زي**د ق**ائم وعم**رو قاعد فإنا ال نرى هاهنا حكم**ا ن**زعم أن ال**واو ج**اءت للجم**ع بين الجملتين فيه فإنا نرى أمرا آخر نحص**ل مع**ه على مع**نى الجم**ع

وذلك أنا ال نقول زيد قائم وعمرو قاعد ح**تى يك**ون عم**رو بس**بب من زي**د وح**تى يكون**ا ك**النظيرين والشريكين وبحيث إذا عرف السامع ح**ال األول عن**اه أن يع**رف ح**ال الث**اني ي**دلك على ذل**ك أن**ك إن جئت فعطفت على األول شيئا ليس من**ه بس**بب وال ه**و مم*ا ي**ذكر ب**ذكره ويتص**ل حديث**ه بحديث**ه لم يس**تقم فل**و قلت خ**رجت الي**وم من داري ثم قلت وأحسن الذي يقول بيت كذا قلت ما يضحك منه ومن هاهنا عابوا أبا تمام في قوله الكامل ال والذي هو ع**الم أن الن**وى ص**بر وأن أبا الحس*ين ك**ريم وذل**ك ألن**ه ال مناس**بة بين ك**رم أبي الحس*ين ومرارة النوى وال تعل**ق ألح**دهما ب**اآلخر وليس يقتض**ي الح**ديث بهذا الحديث بذاك واعلم أن**ه كم**ا يجب أن يك**ون المح**دث عن**ه في إحدى الجملتين بسبب من المحدث عن**ه في األخ**رى ك**ذلك ينبغي أن يك**ون الخ**بر عن الث**اني مم**ا يج**ري مج**رى الش**بيه والنظير أو النقيض للخبر عن األول فلو قلت زي**د طوي**ل القام**ة وعمرو شاعر كان خلقا ألنه ال مشاكلة وال تعلق بين طول القامة وبين الشعر وإنما الواجب أن يقال زيد كاتب وعمرو شاعر وزي**د طويل القامة وعمرو قصير وجملة األمر أنها ال تجيء حتى يك**ون المعنى في هذه الجملة لفقا للمعنى في األخرى ومضاما له مثل

إذا كان**ا أخ**وين أو نظ**يرين أو مش**تبكي األح**وال أن زيدا وعمرا على الجملة كانت الحال التي يك**ون عليه**ا أح**دهما من قي**ام أو

Page 107: دلائل الإعجاز للجرجاني

قع*ود أو م*ا ش*اكل ذل*ك مض*مومة في النفس إلى الح*ال ال*تي عليها اآلخر من غير شك وك**ذا الس**بيل أب**دا والمع**اني في ذل**ك كاألشخاص فإنما قلت مثال العلم حس**ن والجه**ل ق**بيح ألن ك**ون العلم حسنا مضموم في العقول إلى كون الجهل قبيحا واعلم أنه إذا كان المخبر عنه في الجملتين واحدا كقولنا ه**و يق**ول ويفع**ل ويضر وينفع ويسيء ويحس**ن وي**أمر وينهى ويح**ل ويعق**د ويأخ**ذ ويعطي ويبيع ويشتري ويأكل ويش**رب واش**باه ذل**ك ازداد مع**نى الجمع في الواو قوة وظهورا وكان األمر حينئذ صريحا وذلك أن**ك إذا قلت ه**و يض**ر وينف**ع كنت ق**د أف**دت ب**الواو أن**ك أوجبت ل**ه الفعلين جميعا وجعلته يفعلهما معا ول*و قلت يض*ر ينف*ع من غ*ير واو لم يجب ذلك بل قد يج*وز أن يك*ون قول**ك ينف**ع رجوع**ا عن

قولك يضر وإبطاال له وإذا وقع الفعالن في مثل هذا في الصلة ازداد االشتباك واالقتران ح**تى ال يتص**ور تق**دير إف**راد في أح**دهما عن اآلخ**ر وذل**ك في مث**ل قول**ك العجب من أني أحسنت وأسأت ويكفيك ما قلت وسمعت وأيحس**ن أن تنهى عن شيء وتأتي مثله وذلك أنه ال يش**به على عاق**ل أن المع**نى على جعل الفعلين في حكم فع**ل واح**د ومن ال**بين في ذل**ك قول**ه ال تطمع**وا أن تهينون**ا ونك**رمكم وأن نك**ف األذى عنكم وتؤذون**ا المعنى ال تطمعوا أن تروا إكرامنا وقد وجد مع إه**انتكم وجامعه**ا في الحصول ومما له مأخذ لطيف في هذا الباب ق**ول أبي تم**ام الطوي**ل له**ان علين**ا أن نق**ول وتفعال ون**ذكر بعض الفض**ل من**ك وتفضال وأعلم أنه كما كان في األسماء م**ا يص**له معن**اه باالس**م قبله فيستغني بصلة معن**اه ل**ه عن واص**ل يص**له وراب**ط يربط**ه وذلك كالصفة التي ال تحت**اج في اتص**الها بالموص**وف إلى ش**يء يصلها به وكالتأكيد الذي يفتقر كذلك إلى ما يص**له بالمؤكدك**ذلك يكون في الجمل ما تتصل من ذات نفسها بالتي قبله**ا وتس**تغني بربط معناها لها عن حرف عطف يربطها وهي ك**ل جمل**ة ك**انت مؤكدة لل**تي قبله**ا ومبين**ة له**ا وك**انت إذا حص**لت لم تكن ش**يئا سواها كما ال تكون الصفة غير الموص**وف والتأكي**د غ**ير المؤك**د ف**إذا قلت ج**اءني زي**د الظري**ف وج**اءني الق**وم كلهم لم يكن الظريف وكلهم غير زيد وغ**ير الق**وم ومث**ال م**ا ه**و من الجم**ل كذلك قوله تعالى آلم ذلك الكتاب ال ريب في**ه قول**ه ال ريب في**ه بيان وتوكيد وتحقيق لقوله ذلك الكتاب وزيادة تثبيت ل*ه وبمنزل*ة

Page 108: دلائل الإعجاز للجرجاني

أن تقول هو ذلك الكتاب هو ذلك الكتاب فتعيده مرة ثانية لتثبت**ه وليس تثبيت الخبر غير الخبر وال شيء يتميز به عنه فيحت**اج إلى ضام يضمه إليه وعاطف يعطفه عليه ومثل ذلك قول**ه تع**الى إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تن**ذرهم ال يؤمن**ون ختم

الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غش**اوة ولهم ع**ذاب عظيم قوله تعالى ال يؤمنون تأكيد لقول**ه س**واء عليهم أأن**ذرتهم أم لم تنذرهم وقوله ختم الله على قلوبهم وعلى س**معهم تأكي**د ثان أبلغ من األول ألن من ك**ان حال**ه إذا أن**ذر مث**ل حال**ه إذا لم ين**ذر ك**ان في غاي**ة الجه**ل وك**ان مطبوع**ا على قلب**ه ال محال**ة وكذلك قوله عز وج**ل ومن الن**اس من يق**ول آمن**ا بالل**ه ب**اليوم اآلخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله إنما قال يخادعون ولم يق**ل

غ**ير ق**ولهم آمن**ا من ويخادعون ألن هذه المخادعة ليس**ت ش**يئا غ*ير أن يكون**وا مؤم*نين فه**و إذا كالم أك**د ب**ه كالم آخ*ر ه**و في معناه وليس شيئا سواه وهكذا قول**ه ع**ز وج**ل وإذا لق**وا ال**ذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون وذلك ألن معنى قولهم إنا معكم أن**ا لم ن**ؤمن ب**النبي ولم نترك اليهودية وقولهم إنما نحن مستهزئون خبر بهذا المعنى بعينه ألنه ال فرق بين أن يقولوا إنا لم نقل ما قلن**اه من أن**ا آمن**ا إال استهزاء وبين أن يقولوا إنا لم نخرج من دينكم وإنا معكم ب**ل هم**ا في حكم الش**يء الواح**د فص**ار ك**أنهم ق**الوا إن**ا معكم لم

لم نفارقكم شيئا غير أنا معكم كذلك ال نفارقكم فكما ال يكون إنا يكون إنما نحن مستهزئون غيره فاعرفه ومن الواض**ح ال**بين في هذا المعنى قوله تعالى وإذا تتلى عليه آياتن**ا ولى مس**تكبرا ك**أن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا لم ي**أت معطوف**ا نح**و وك**أن في أذنيه وقرا ألن المقصود من التشبيه بمن في أذنيه وقر هو بعين**ه المقصود من التشبيه بمن لم يسمع إال أن الث**اني أبل**غ وأك**د في الذي أري**د وذل**ك أن المع**نى في التش**بيهين جميع**ا أن ينفي أن يكون لتالوة ما تلي عليه من اآليات فائدة مع*ه ويك*ون له**ا ت*أثير فيه وأن يجعل حاله إذا تليت عليه كحاله إذا لم تتل وال شبهة في أن التش*بيه بمن في أذني**ه وق**ر ابل**غ وآك**د في جعل**ه ك**ذلك من حيث كان من ال يصح منه السمع وإن اراد ذلك أبعد من أن يكون

لتالوة ما يتلى عليه

Page 109: دلائل الإعجاز للجرجاني

فائدة من الذي يصح منه السمع إال أنه ال يس*مع إم*ا اتفاق**ا وإم*ا قصدا إلى أن ال يسمع فاعرفه وأحسن ت**دبره ومن اللطي**ف في ذلك قوله تعالى م**ا ه**ذا بش**را إن ه**ذا إال مل**ك ك**ريم وذل**ك أن قوله إن هذا إال ملك كريم مشابك لقوله ما ه**ذا بش**را وم**داخل في ضمنه من ثالثة أوجه وجهان هو فيهما شبيه بالتأكيد ووجه هو

فأحد وجهي كونه شبيها بالتأكيد هو أنه إذا كان فيه شبيه بالصفة ملكا لم يكن بشرا وإذا كان كذلك كان إثبات كونه ملكا تحقيقا ال محالة وتأكيدا لنفي أن يكون بشرا والوجه الثاني أن الج**اري في العرف والعادة أنه إذا قيل ما هذا بشرا وما ه**ذا ب**آدمي والح**ال حال تعظيم وتعجب مما يشاهد في اإلنس**ان من حس**ن خل**ق أو خلق أن يكون الغرض والمراد من الكالم أن يقال إن**ه مل**ك وأن يكنى به عن ذلك حتى إنه يكون مفهوم اللفظ وإذا ك**ان مفهوم**ا من اللفظ قبل أن يذكر كان ذكره إذا ذكر تأكيدا ال محالة ألن حد التأكيد أن تحقق باللفظ معنى ق**د فهم من لف**ظ آخ**ر ق**د س**بق منك أفال ترى أنه إنما ك**ان كلهم في قول**ك ج**اءني الق**وم كلهم تأكيدا من حيث كان الذي فهم منه وه**و الش**مول ق**د فهم ب**ديئا من ظاهر لف**ظ الق**وم ول**و أن**ه لم يكن فهم الش**مول من لف**ظ القوم وال كان هو من موجبه لم يكن كل تأكي**دا ولك**ان الش**مول مستفادا من كل ابتداء وأما الوج**ه الث**الث ال**ذي ه**و في**ه ش**بيه بالصفة فهو أنه إذا نفي أن يكون بشرا فقد أثبت له جنس سواه إذ من المحال أن يخ*رج من جنس البش**ر ثم ال ي**دخل في جنس آخر وإذا كان األم**ر ك**ذلك ك**ان إثبات**ه ملك**ا تبيين**ا وتعيين**ا ل**ذلك الجنس الذي أريد إدخاله فيه وإغناء عن أن تحت**اج إلى أن تس**أل

فما ه**و وم**ا جنس**ه كم**ا أن**ك إذا قلت فتقول فإن لم يكن بشرا مررت بزيد الظريف كان الظريف تبيين**ا وتعيين**ا لل**ذي اردت من بين من له هذا االسم وكنت قد أغنيت المخاطب عن الحاجة إلى أن يقول أي الزيدين أردت ومما ج**اء في**ه اإلثب**ات ب**إن وإال على هذا الحد قوله عز وجل وما علمناه الشعر وم**ا ينبغي ل**ه إن ه**و

إال ذكر وقرآن مبين وقوله وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى فال ترى أن اإلثبات في اآليتين جميعا تأكيد وتثبيت لنفي ما نفي فإثبات ما علمه النبي وأوحي إليه ذكرا وقرآنا تأكيد وتث**بيت لنفي أن يكون قد علم الشعر وكذلك إثبات ما يتلوه عليهم وحي**ا

تأكيد وتقري**ر لنفي أن يك**ون نط**ق ب**ه عن ه**وى من الله تعالى

Page 110: دلائل الإعجاز للجرجاني

وأعلم أنه ما من علم من علوم البالغة أنت تقول إن**ه في**ه خفي غ**امض ودقي**ق ص**عب إال وعلم ه**ذا الب**اب أغمض وأخفى وأدق وأصعب وقد قنع الناس فيه ب**أن يقول**وا إذا رأوا جمل**ة ق**د ت**رك فيها العط**ف إن الكالم ق**د اس**تؤنف وقط**ع عم**ا قبل**ه ال تطلب أنفسهم منه زيادة على ذلك ولقد غفلوا غفل**ة ش**ديدة ومم*ا ه**و أصل في هذا الباب أنك ترى الجملة وحالها مع ال**تي قبله**ا ح**ال م**ا يعط**ف ويق**رن إلى م**ا قبل**ه ثم تراه**ا ق**د وجب فيه**ا ت**رك العطف ألمر عرض فيها صارت به أجنبي**ة مم**ا قبله**ا مث**ال ذل**ك قوله تع*الى الل*ه يس*تهزىء بهم ويم*دهم في طغي**انهم يعمه**ون الظاهر كما ال يخفى يقتضي أن يعط**ف على م**ا قبل**ه من قول**ه إنما نحن مستهزئون وذلك أنه ليس باجنبي منه بل هو نظ**ير م**ا جاء معطوفا من قوله تعالى يخادعون الله وه**و خ**ادعهم وقول**ه ومكروا ومكر الله وما أشبه ذلك مما يرد فيه العجز على الص**در ثم إنك تجده قد جاء غير مطوف وذلك ألم**ر أوجب أن ال يعط**ف وهو أن قوله إنما نحن مستهزئون حكاية عنهم أنهم ق**الوا وليس بخبر من الله تعالى وقوله تعالى الله يستهزىء بهم خبر من الله تعالى أنه يجازيهم على كفرهم واستهزائهم وإذا كان ك**ذلك ك**ان العطف ممتنعا الستحالة أن يكون الذي هو خ**بر من الل**ه تع**الى معطوفا على م**ا ه**و حكاي**ة عنهم وال يج**اب ذل**ك أن يخ**رج من كونه خبرا من الله تعالى إلى كونه حكاي**ة عنهم وإلى أن يكون**وا قد شهدوا على أنفسهم بأنهم مؤاخذون وأن الله تع*الى يع*اقبهم

عليه وليس كذلك الحال في قوله تعالى يخادعون الل**ه وه**و خ**ادعهم ومكروا ومكر الله ألن األول من الكالمين فيهما كالث**اني في أن**ه خبر من الله تعالى وليس بحكاية وهذا هو العلة في قول**ه تع**الى وإذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض قالوا إنم**ا نحن مص**لحون أال إنهم هم المفس****دون ولكن ال يش****عرون إنم****ا ج****اء إنهم هم المفسدون مستأنفا مفتتحا ب**أال ألن**ه خ**بر من الل**ه تع**الى ب**أنهم كذلك والذي قبله من قوله إنما نحن مصلحون حكاي**ة عنهم فل**و عطف للزم عليه مثل الذي قدمت ذكره من الدخول في الحكاية ولصار خبرا من اليه**ود ووص**فا منهم ألنفس**هم ب**أنهم مفس**دون ولص**ار كأن**ه قي**ل ق**الوا إنم**ا نحن مص**لحون وق**الوا إنهم هم المفسدون وذلك ما ال يشك في فساده وكذلك قول**ه تع**الى وإذا

Page 111: دلائل الإعجاز للجرجاني

قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كم**ا آمن الس**فهاء أال إنهم هم السفهاء ولكن ال يعلمون ول**و عط**ف إنهم هم الس**فهاء على ما قبله لكان يكون قد أدخل في الحكاية ولصار حديثا منهم عن أنفسهم بأنهم هم السفهاء من بعد أن زعموا أنهم إنما تركوا أن يؤمنوا لئال يكونوا من السفهاء على أن في هذا أمرا آخر وهو أن قوله أنؤمن استفهام وال يعط**ف الخ**بر على االس**تفهام ف**إن قلت هل كان يجوز أن يعطف قوله تعالى الله يستهزئ بهم على قالوا من قوله قالوا إنا معكم ال على ما بعده وكذلك ك**ان يفع**ل في إنهم هم المفسدون و إنهم هم الس**فهاء وك**ان يك**ون نظ**ير قوله تعالى وقالوا لوال أنزل علي**ه مل**ك ول**و أنزلن**ا ملك**ا لقض**ي األمر وذلك أن قوله ولو أنزلنا ملكا معطوف من غ**ير ش**ك على قالوا دون ما بعده قيل إن حكم المعطوف على ق**الوا فيم**ا نحن فيه مخالف لحكمه في اآلية التي ذكرت وذل**ك أن ق**الوا ه**ا هن**ا

فل*و عط**ف قول**ه الل*ه يس*تهزىء بهم علي**ه لل*زم جواب ش*رط إدخاله في حكمه من كون**ه جواب**ا وذل**ك ال يص**ح وذاك أن**ه م**تى عطف على جواب الشرط شيء ب**الواو ك**ان ذل**ك على ض**ربين أحدهما أن يكونا شيئين يتصور وجود كل واحد منهم**ا دون اآلخ**ر

ومثاله قولك إن تأتني أكرمك أعطك وأكسك والثاني أن يكون المعطوف شيئا ال يكون حتى يك**ون المعط**وف عليه ويكون الشرط ل**ذلك س**ببا في**ه بوس**اطة كون**ه س**ببا ألول ومثاله قولك إذا رجع األمير إلى الدار استأذنته وخرجت فالخروج ال يكون حتى يكون االستئذان وقد صار الرجوع سببا في الخروج

ه**ذا من أجل كونه سببا في االستئذان فيك**ون المع**نى في مث**ل على كالمين نحو إذا رجع األمير اس**تأذنت وإذا اس**تأذنت خ**رجت وإذ قد عرفت ذلك فإنه لو عطف قوله تعالى الل**ه يس**تهزئ بهم على قالوا كما زعمت كان ال**ذي يتص**ور في**ه أن يك**ون من ه**ذا الضرب الثاني وأن يكون المعنى وإذا خلوا إلى ش**ياطينهم ق**الوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ف*إذا ق**الوا ذل**ك اس**تهزأ الل*ه بهم ومدهم في طغيانهم يعمه**ون وه**ذا وإن ك**ان ي**رى أن**ه يس**تقيم فليس ه***و بمس***تقيم وذل***ك أن الج***زاء إنم***ا ه***و على نفس االس**تهزاء وفعلهم ل**ه وإرادتهم إي**اه في ق**ولهم إن**ا آمن**ا ال على أنهم حدثوا عن أنفس*هم ب*أنهم مس*تهزئون والعط**ف على ق*الوا يقتضي أن يكون الجزاء على حديثهم عن أنفس**هم باالس**تهزاء ال

Page 112: دلائل الإعجاز للجرجاني

عليه نفسه ويبين ما ذكرناه من أن الج**زاء ينبغي أن يك**ون على قصدهم االس*تهزاء وفعلهم ل*ه ال على ح*ديثهم عن أنفس*هم بإن*ا مستهزئون أنهم ل**و ك**انوا ق**الوا لك**برائهم إنم**ا نحن مس**تهزئون وهم يريدون بذلك دفعهم عن أنفس**هم به**ذا الكالم وأن يس**لموا من شرهم وأن يوهموهم أنهم منهم وإن لم يكونوا كذلك لكان ال يكون عليهم مؤاخذة فيما قالوه من حيث كانت المؤاخ**ذة تك**ون على اعتقاد االستهزاء والخديعة في إظهار اإليم**ان ال في الق**ول إن*ا اس*تهزأنا من غ*ير أن يق*ترن ب*ذلك الق*ول اعتق*اد وني**ة ه**ذا وهاهنا أمر سوى ما مضى يوجب االستئناف وترك العط**ف وه**و أن الحكاي**ة عنهم ب**أنهم ق**الوا كيت وكيت تح**رك الس**امعين ألن يعلموا مصير أمرهم وما يصنع بهم وأتنزل بهم النقمة عاجال أم ال تنزل ويمهلون وتوقع في أنفسهم التمني ألن يتبين لهم ذلك وإذا كان كذلك كان هذا الكالم الذي هو قوله الل**ه يس**تهزىء بهم في معنى ما صدر جوابا عن هذا المقدر وقوعه في أنفس السامعين وإذا كان مصدره كذلك كان حقه أن يؤتى به مبتدأ غير معط**وف ليكون في صورته إذا قيل فإن س**ألتم قي**ل لكم الل**ه يس**تهزىء بهم ويم**دهم في طغي**انهم يعمه**ون وإذا اس**تقريت وج**دت ه**ذا

الذي ذكرت لك من تنزيلهم الكالم إذا جاء بعقب ما يقتضي سؤاال منزلته إذا صرح بذلك السؤال كثيرا فمن لطيف ذلك قوله من الكامل زعم العواذل أنني في غمرة صدقوا ولكن غم**رتي ال تنجلي لما حكى عن العواذل أنهم قالوا هو في غمرة وكان ذل**ك مما يحرك الس**امع ألن يس*أله فيق**ول فم*ا قول**ك في ذل**ك وم**ا جوابك عنه أخرج الكالم مخرجه إذا كان ذلك ق**د قي**ل ل**ه وص**ار كأن**ه ق**ال أق**ول ص**دقوا أن**ا كم**ا ق**الوا ولكن ال مطم**ع لهم في فالحي ولو قال زعم العواذل أنني في غمرة وصدقوا لكان يكون لم يص**ح في نفس**ه أن**ه مس**ؤول وأن كالم**ه كالم مجيب ومثل**ه قول اآلخ**ر في الحماس**ة الكام**ل زعم الع**واذل أن ناق**ة جن**دب بجن**وب خبت ع**ريت وأجمت ك**ذب الع**واذل ل**و رأين مناخن**ا بالقادس**ية قلن لج وذلت وق**د زاد ه**ذا أم**ر القط**ع واالس**تئناف وتقدير الجواب تأكيدا ب**أن وض**ع الظ**اهر موض**ع المض**مر فق**ال كذب العواذل ولم يقل ك*ذبن وذل*ك أن*ه لم*ا أع**اد ذك*ر الع*واذل ظاهرا كان ذلك أبين وأقوى لكونه كالما مستأنفا من حيث وضعه وضعا ال يحتاج فيه إلى ما قبله وأتى فيه مأتى ما ليس قبله كالم

Page 113: دلائل الإعجاز للجرجاني

ومما هو على ذلك قول اآلخر ال**وافر زعمتم أن إخ**وتكم ق**ريشلهم إلف وليس لكم إالف

وذلك أن قوله لهم إلف تكذيب لدعواهم أنهم من قريش فهو إذا بمنزلة أن يقول كذبتم لهم إلف وليس لكم ذلك ولو ق**ال زعمتم أن إخوتكم ق*ريش ولهم إل**ف وليس لكم إالف لص*ار بمنزل**ة أن يقول زعمتم إن إخوتكم قريش وك**ذبتم في أن**ه ك**ان يخ**رج عن أن يكون موضوعا على أ نه جواب سائل يق**ول ل**ه فم**اذا تق**ول في زعمهم ذلك وفي دعواهم فاعرفه واعلم أنه لو أظهر ك**ذبتم لكان يجوز له أن يعطف هذا الكالم الذي هو قوله لهم إلف علي**ه بالفاء فيقول كذبتم فلهم إلف وليس لكم ذلك أما اآلن فال مساغ لدخول الفاء البت**ة ألن**ه يص**ير حينئ**ذ معطوف**ا بالف**اء على قول**ه زعمتم أن إخ**وتكم ق**ريش وذل**ك يخ**رج إلى المح**ال من حيث يصير كأنه يستشهد بقوله لهم إلف على أن هذا الزعم كان منهم كما أنك إذا قلت كذبتم فلهم إلف كنت قد استشهدت بذلك على أنهم كذبوا فاعرف ذلك ومن اللطيف في االستئناف على مع**نى جعل الكالم جوابا في التقدير قول اليزيدي الس**ريع ملكت**ه حبلي ولكن**ه ألق**اه من زه**د على غ**اربي وق**ال إني في اله**وى ك**اذب انتقم الله من الكاذب استأنف قوله انتقم الل**ه من الك**اذب ألن**ه جعل نفسه كأنه يجيب سائال قال له فما تقول فيما اتهمك به من أنك كاذب فقال أقول انتقم الله من الكاذب ومن النادر أيضا في ذلك قول اآلخر الخفيف قال لي كيف أنت قلت عليل س**هر دائم وحزن طويل لما كان في العادة إذا قيل للرجل كي**ف أنت فق**ال عليل أن يسأل ثانيا فيقال ما بك وما علتك قدر كأنه قد قي**ل ل**ه ذلك فأتى بقوله سهر دائم جوابا عن ه**ذا الس**ؤال المفه**وم من

فحوى الحال فاعرفه ومن الحسن البين في ذلك قول المتنبي الوافر وما عفت الرياح له محال عفاه من حدا بهم وساقا لما نفى أن يكون الذي يرى به من الدروس والعفاء من الرياح وأن تكون التي فعلت ذلك وك**ان في العادة إذا نفي الفعل الموج**ود الحاص**ل عن واح**د فقي**ل لم يفعله فالن أن يقال فمن فعله قدر كأن قائال ق**ال ق**د زعمت أن الرياح لم تعف له محال فما عف**اه إذا فق**ال مجيب**ا ل**ه عف**اه من حدا بهم وس**اقا ومثل**ه ق**ول الولي**د بن يزي**د من اله**زج ع**رفت المنزل الخالي عفا من بعد أحوال عفاه كل حنان عسوف الوب**ل

Page 114: دلائل الإعجاز للجرجاني

هطال لما قال عفا من بعد أحوال قدر كأن**ه قي**ل ل**ه فم**ا عف**اه فقال عفاه كل حنان واعلم أن الس**ؤال إذا ك**ان ظ**اهرا م**ذكورا في مثل هذا كان األكثر أن ال ي**ذكر الفع**ل في الج**واب ويقتص**ر على االسم وحده فأما مع اإلض*مار فال يج*وز إال أن ي*ذكر الفع*ل تفسير هذا أنه يجوز ل*ك إذا قي**ل إن ك*انت الري*اح لم تعف*ه فم*ا عفاه أن تقول من حدا بهم وساقا وال تق**ول عف**اه من ح**دا كم**ا تقول في جواب من يقول من فع**ل ه**ذا زي**د وال يجب أن تق**ول فعله زيد وأما إذا لم يكن السؤال مذكورا كالذي عليه البيت فإنه

الفعل فل**و قلت مثال وم**ا عفت الري**اح ل**ه ال يجوز أن يترك ذكر محال من حدا بهم وساقا تزعم أن**ك أردت عف**اه من ح**دا بهم ثم تركت ذكر الفعل أحلت ألنه إنما يجوز تركه حيث يك**ون الس**ؤال مذكورا ألن ذكره فيه يدل على إرادته في الجواب ف**إذا لم ي**ؤت بالسؤال لم يكن إلى العلم به سبيل فاعرف ذلك واعلم أن الذي تراه في التنزيل من لف**ظ ق**ال مفص**وال غ*ير معط**وف ه**ذا ه**و

التقدير فيه والله أعلم أعني مث**ل قول**ه تع**الى ه**ل أت**اك ح**ديث ض**يف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فق**الوا س**الما ق**ال س**الم ق**وم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل س**مين فقرب**ه إليهم ق**ال أال تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا ال تخ**ف ج**اء على م**ا يق**ع في أنفس المخلوقين من السؤال فلما كان في العرف والعادة فيم**ا بين المخلوقين إذا قيل لهم دخل ق**وم على فالن فق**الوا ك**ذا أن يقولوا فما قال ه**و ويق**ول المجيب ق**ال ك**ذا أخ*رج الكالم ذل**ك المخرج ألن الناس خوطبوا بم**ا يتعارفون**ه وس**لك باللف**ظ معهم المسلك الذي يس**لكونه وك**ذلك قول**ه ق**ال أال ت**أكلون وذل**ك أن قوله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم يقتضي أن يتب**ع ه**ذا الفع*ل بق**ول فكأن**ه قي**ل والل**ه أعلم فم**ا ق**ال حين وض**ع الطع**ام بين أيديهم فأتى قوله ق**ال أال ت**أكلون جواب**ا عن ذل**ك وك**ذا ق**الوا ال

يكون من المالئكة تخف ألن قوله فأوجس منهم خيفة يقتضي أن كالم في تأنيسه وتسكينه مما خامره فكأنه قي**ل فم**ا ق**الوا حين رأوه وقد تغير ودخلته الخيف**ة فقي**ل ق**الوا ال تخ**ف وذل**ك والل**ه أعلم المعنى في جمي**ع م**ا يجيء من**ه على كثرت**ه كال**ذي يجيء في قصة فرعون عليه اللعنة وفي رد موسى عليه السالم كقوله قال فرعون وما رب العالمين ق**ال رب الس**ماوات واألرض وم**ا

Page 115: دلائل الإعجاز للجرجاني

بينهما إن كنتم موقنين ق**ال لمن حول**ه أال تس**تمعون ق**ال ربكم ورب آبائكم األولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجن**ون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ق**ال لئن اتخ**ذت إله**ا غ**يري ألجعلن**ك من المس**جونين ق**ال أو ل**و جئت**ك بشيء مبين قال فأت ب**ه إن كنت من الص**ادقين ج**اء ذل**ك كل**ه والله أعلم على تقدير السؤال والجواب كالذي ج**رت ب**ه الع**ادة فيما بين المخلوقين فلما كان السامع إذا سمع الخبر عن فرعون بأنه قال وم**ا رب الع**المين وق**ع في نفس**ه أن يق**ول فم**ا ق**ال موسى له أتى قوله قال رب الس**ماوات واألرض م**أتى الج**واب مبتدأ مفصوال غير معطوف وهكذا التقدير والتفسير أبدا في ك**ل ما جاء فيه لفظ قال هذا المجيء وقد يكون األمر في بعض ذلك اشد وضوحا فمما ه**و في غاي**ة الوض**وح قول**ه تع**الى ق**ال فم**ا

خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين وذلك أنه ال يخفى على عاق**ل أن**ه ج**اء على معنى الجواب وعلى أن ينزل الس**امعون ك**أنهم ق**الوا فم**ا قال له المالئكة فقيل قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مج**رمين وك**ذلك قوله عز وجل في سورة يس واض**رب لهم مثال أص**حاب القري**ة إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا م**ا أنتم إال بش**ر مثلن**ا وم**ا أن**زل الرحمن من شيء إن أنتم إال تك**ذبون ق**الوا ربن**ا يعلم إن**ا إليكم لمرسلون وما علينا إال البالغ المبين قالوا إنا تطيرن**ا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ق**الوا ط**ائركم معكم

من أقصى المدين**ة رج**ل أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون وجاء يسعى قال يا قوم اتبع**وا المرس**لين اتبع**وا من ال يس**ألكم أج**را وهم مهتدون التقدير الذي ق**درناه من مع**نى الس**ؤال والج**واب بين في ذلك كل**ه ونس**أل الل**ه التوفي**ق للص**واب والعص**مة من

الزلل باب الفصل والوص**ل فص**ل في األص**ول العام**ة لوص**ل الجم**ل وفصلها وإذ قد عرفت ه**ذه األص**ول والق**وانين في ش**أن فص**ل الجمل ووصلها فاعلم أنا قد حصلنا من ذلك على أن الجمل على ثالثة أضرب جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة مع الموصوف والتأكيد مع المؤكد فال يك*ون فيه**ا العط**ف البت**ة لش*به العط**ف فيها لو عطفت بعطف الشيء على نفسه وجملة حالها مع ال**تي

Page 116: دلائل الإعجاز للجرجاني

قبلها حال االسم يكون غير ال**ذي قبل**ه إال أن**ه يش**اركه في حكم ويدخل معه في معنى مثل أن يكون كال االسمين فاعال أو مفعوال أو مضافا إليه فيكون حقها العطف وحملة ليس**ت في ش**يء من الحالين بل سبيلها مع التي قبلها سبيل االسم مع االسم ال يك**ون منه في شيء فال يكون إي**اه وال مش**اركا ل**ه في مع**نى ب**ل ه**و شيء إن ذكر لم يذكر إال بأمر ينفرد ب**ه ويك*ون ذك**ر ال**ذي قبل**ه وترك الذكر سواء في حاله لعدم التعلق بين**ه وبين**ه رأس**ا وح**ق هذا ت**رك العط**ف البت**ة ف**ترك العط**ف يك*ون إم**ا لالتص**ال إلى الغاي**ة أو االنفص**ال إلى الغاي**ة والعط**ف لم**ا ه**و واس**طة بين

له حال بين حالين فاعرفه فصل في مسائل دقيقة األمرين وكان في عطف الجمل هذا فن من الق*ول خ*اص دقي**ق اعلم أن مم*ا يقل نظر الناس فيه من أمر العط**ف أن**ه ق**د ي**ؤتى بالجمل**ة فال تعطف على م**ا يليه**ا ولكن تعط**ف على جمل**ة بينه**ا وبين ه**ذه

التي تعطف جملة أو جملتان مثال ذلك قول المتنبي الوافر تولوا بغتة فكأن بينا تهيبني ففاجأني اغتياال فكان مس**ير عيس**هم ذميال وس**ير ال**دمع إث**رهم انهم**اال قول**ه فك**ان مس**ير عيس**هم معطوف على تولوا بغتة دون ما يليه من قول**ه ففاج**أني ألن**ا إن عطفناه على هذا الذي يليه أفسدنا المع**نى من حيث إن**ه ي**دخل في معنى كأن وذلك يؤدي إلى أن ال يكون مسير عيسهم حقيق**ة ويك**ون متوهم**ا كم**ا ك**ان تهيب ال**بين ك**ذلك وه**ذا أص**ل كب**ير والس**بب في ذل**ك أن الجمل**ة المتوس**طة بين ه**ذه المعطوف**ة أخيرا ويبن المعطوف عليها األولى ترتبط في معناها بتلك األولى كالذي ترى أن قوله فكأن بينا تهيب**ني مرتب**ط بقول**ه تول**وا بغت**ة وذلك أن الثانية مسبب واألولى سبب أال ت**رى أن المع**نى تول**وا بغتة فتوهمت أن بينا تهيني وال شك أن هذا الت**وهم ك**ان بس**بب أن كان التولي بغت**ة وإذا ك**ان ك**ذلك ك**انت م**ع األولى كالش**يء الواحد وكان منزلتها منه**ا منزل**ة المفع**ول والظ**رف وس**ائر م**ا

إف**راده يجيء بعد تمام الجملة من معموالت الفعل مم**ا ال يمكن عل الجملة وأن يعتد كالما على حدت**ه وهاهن**ا ش**يء آخ**ر دقي**ق وهو أنك إذا نظرت إلى قوله فكان مس**ير عيس**هم ذميال وجدت**ه لم يعطف هو وحده على ما عطف عليه ولكن تج**د العط**ف ق**د تناول جملة البيت مربوطا آخره بأوله أال ترى أن الغرض من هذا الكالم أن يجعل توليهم بغتة وعلى الوجه الذي توهم من أجله أن

Page 117: دلائل الإعجاز للجرجاني

البين تهيبه مستدعيا بكاءه وموجبا أن ينهمل دمع**ه فلم يعن**ه أن ي**ذكر ذمالن العيس إال لي**ذكر همالن ال**دمع وأن يوف**ق بينهم**ا وك**ذلك الحكم في األول فنحن وإن قلن**ا إن العط**ف على تول**وا بغتة فإنا ال نعني أن العطف عليه وحده مقطوع**ا عم**ا بع**ده ب**ل العطف عليه مضموما إليه ما بعده إلى أخره وإنم**ا أردن**ا بقولن**ا إن العطف عليه أن نعلمك أنه األصل والقاعدة وأن نص**رفك عن

أن تطرحه وتجعل العطف على ما يلي هذا الذي تعطفه فتزعم أن قوله فكان مسير عيسهم معط**وف على فاجأني فتقع في الخطأ كالذي أريناك فأمر العط**ف إذا موض**وع على أنك تعطف تارة جملة على جملة وتعمد أخرى إلى جمل**تين أو جمل فتعطف بعضا على بعض ثم تعط**ف مجم**وع ه**ذي على مجموع تلك وينبغي أن يجعل ما يص**نع في الش**رط والج**زاء من هذا المعنى أصال يعتبر به وذلك أنك ترى متى شئت جمل**تين ق**د عطفت إحداهما على األخرى ثم جعلنا بمجموعهما شرطا ومثال ذلك قوله تعالى ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فق**د احتم**ل بهتان**ا وإثم**ا مبين**ا الش**رط كم**ا ال يخفى في مجم**وع الجمل**تين ال في ك**ل واح**دة منهم**ا على االنف**راد وال في واح**دة دون األخرى ألنا إن قلنا إنه في ك**ل واح**دة منهم**ا ع**ل االنف**راد جعلناهما شرطين وإذا جعلناهما شرطين اقتض**تا ج**زاءين وليس معنا إال جزاء واحد وإن قلن**ا إن**ه في واح**دة منهم**ا دون األخ**رى لزم منه إشراك ما ليس بشرط في الجزم بالشرط وذل**ك م**ا ال يخفى فساده ثم إنا نعلم من طريق المعنى أن الجزاء ال**ذي ه**و احتمال البهتان واإلثم المبين أمر يتعلق إيجابه لمجموع ما حص**ل من الجمل**تين فليس ه**و االكتس**اب الخطيئ**ة على االنف**راد وال لرمي البريء بالخطيئة أو اإلثم على اإلطالق بل ل**رمي اإلنس**ان البريء بخطيئة أو إثم كان من الرامي وكذلك الحكم أب**دا فقول**ه تعالى ومن يخرج من بيت**ه مه**اجرا إلى الل**ه ورس**وله ثم يدرك**ه الموت فقد وق**ع أج**ره على الل**ه لم يعل**ق الحكم في**ه ب**الهجرة على االنفراد بل بها مقرونا إليها أن يدرك**ه الم**وت عليه**ا واعلم أن سبيل الجملتين في هذا وجعلهما بمجموعهما بمنزل**ة الجمل**ة الواحدة سيبل الجزءين تعقد منهم**ا الجمل**ة ثم يجع**ل المجم**وع خ**برا أو ص**فة أو ح**اال كق**ول زي**د ق**ام غالم**ه وزي**د أب**وه ك**ريم ومررت برجل أبوه كريم وجاءني زيد يعدو به فرسه فكما يك**ون

Page 118: دلائل الإعجاز للجرجاني

الخ**بر والص**فة والح**ال ال محال**ة في مجم**وع الج**زءين ال في أحدهما كذلك يكون الشرط في مجموع الجملتين ال في إحداهما وإذا علمت ذلك في الشرط فاحتذه في العطف فإنك تجده مثله

سواء ومما ال يكون العطف فيه إال على هذا الحد قوله تعالى وما كنت بج***انب الغ***ربي إذ قض***ينا إلى موس***ى األم***ر وم***ا كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين لو جريت على الظاهر فجعلت كل جملة معطوفة على ما يليها منع منه المع**نى وذلك أنه يلزم منه أن يكون قوله وما كنت ثاوي**ا في أه**ل م**دين معطوفا على قوله فتط**اول عليهم العم*ر وذل*ك يقتض*ي دخول*ه في معنى لكن ويصير كأنه قيل ولكنك ما كنت ثاوي**ا وذل**ك م**ا ال يخفى فساده وإذا كان ذلك بان من**ه أن*ه ينبغي أن يك*ون عط**ف مجموع وما كنت ثاويا في أهل مدين إلى مرسلين على مجم**وع قوله وم**ا كنت بج**انب الغ**ربي إذ قض**ينا إلى موس**ى األم**ر إلى قوله العمر ف**إن قلت فهال ق**درت أن يك**ون وم**ا كنت ثاوي**ا في أهل مدين معطوفا على وم**ا كنت من الش**اهدين دون أن ت**زعم أنه معطوف عليه مضموما إليه ما بعده إلى قوله العمر قيل ألن**ا إن قدرنا ذلك وجب أن ينوى به التقديم على قول**ه ولكن**ا أنش**أنا قرونا وأن يكون الترتيب وما كنت بج**انب الغ**ربي إذ قض**ينا إلى موسى األم**ر وم**ا كنت من الش**اهدين وم**ا كنت ثاوي**ا في أه**ل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا أنشأنا قرون**ا فتط**اول عليهم العم**ر ولكنا كنا مرسلين وفي ذلك إزالة لكن عن موض**عها ال**ذي ينبغي أن تك**ون في**ه ذاك ألن س**بيل لكن س**بيل إال فكم**ا ال يج**وز أن تقول جاءني القوم وخ**رج أص**حابك إال زي**دا وإال عم**را بجع**ل إال زيدا استثناء من جاءني القوم وإال عمرا من خرج أصحابك ك**ذلك ال يجوز أن تصنع مثل ذلك بلكن فتقول ما جاءني زي**د وم**ا خ**رج عمرو ولكن بكرا حاضر ولكن أخاك خارج فإذا لم يجز ذلك وكان تقديرك الذي زعمت يؤدي إليه وجب أن تحكم بامتناعه فاعرف**ه وهذا وإنما تجوز ني**ة الت**أخير في ش**يء معن**اه يقتض**ي ل**ه ذل**ك التأخير مثل أن كون االسم مفع**وال ال يقتض**ي ل**ه أن يك**ون بع**د الفاعل فإذا قدم على الفاع**ل ن**وي ب**ه الت**أخير ومع*نى لكن في

Page 119: دلائل الإعجاز للجرجاني

اآلية يقتضي أن تكون في موضعها الذي هي فيه فكيف يج*وز أنينوى بها التأخير عنه إلى موضع آخر

ه**ذه فص**ول ش**تى في أم**ر اللف**ظ والنظم فيه**ا فض**ل ش**حذ للبصيرة وزيادة كشف عما فيها من السريرة فصل البالغ**ة ليس مرجعها إلى العلم باللغة ب**ل العلم بمواض**ع المزاي**ا والخص**ائص

فمن ذلك أن**ك تج**د كث**يرا ممن وغلط الناس في هذا الباب كثير يتكلم في شأن البالغ**ة إذا ذك**ر أن للع**رب الفض**ل والمزي**ة في حسن النظم والتأليف وأن لها في ذلك شأوا ال يبلغه الدخالء في كالمهم والمولدون جعل يعلل ذلك بأن يق**ول ال غ**رو ف**إن اللغ**ة لها بالطبع ولنا ب**التكلف ولن يبل**غ ال**دخيل في اللغ**ات واأللس**نة مبلغ من نشأ عليها وبدأ من أول خلقه بها وأشباه هذا مما ي**وهم أن المزية أتته**ا من ج**انب العلم باللغ**ة وه**و خط**أ عظيم منك**ر يفضي بقائله إلى رفع اإلعجاز من حيث ال يعلم وذلك أنه ال يثبت إعجاز حتى تثبت مزايا تفوق علوم البشر وتقص**ر ق**وى نظ**رتهم عنها ومعلوم**ات ليس في منن أفك**ارهم وخ**واطرهم أن تفض**ي بهم إليها وأن تطلعهم عليها وذلك محال فيم**ا ك**ان علم**ا باللغ**ة ألنه يؤدي إلى أن يحدث في دالئل اللغة ما لم يتواضع عليه أه**ل اللغةوذلك م*ا ال يخفى امتناع**ه على عاق**ل واعلم أن**ا لم ي**وجب المزية من أجل العلم بأنفس الفروق والوجوه فنستند إلى اللغ**ة ولكنا أوجبناها للعلم بمواض**عها وم**ا ينبغي أن يص**نع فيه**ا فليس الفضل للعلم بأن الواو للجمع والفاء للتعقيب بغ**ير ت**راخ وثم ل**ه

بشرط التراخي وإن لكذا وإذا لكذا ولكن ألن يت**أتى ل**ك إذا نظمت ش**عرا والفت رس**الة أن تحس**ن التخ**ير وأن تع**رف لك**ل من ذل**ك موض**عه وأم**ر آخ**ر إذا تأمل**ه اإلنسان أنف من حكاي**ة ه**ذا الق**ول فض**ال عن اعتق**اده وه**و أن المزية لو كانت تجب من أجل اللغ*ة والعلم بأوض**اعها وم**ا أراده الواضع فيها لكان ينبغي أن ال تجب إال بمثل الفرق بين الفاء وثم وإن وإذا وما أشبه ذلك مما يعبر عنه وضع لغوي فك**انت ال تجب بالفصل وترك العطف بالحذف والتكرار والتقديم والتأخير وسائر م**ا ه**و هيئ**ة يح**دثها ل**ك الت**أليف ويقتض**يها الغ**رض ال**ذي ت**ؤم والمعنى الذي تقص**د وك**ان ينبغي أن ال تجب المزي**ة بم**ا يبتدئ**ه الش**اعر والخطيب في كالم**ه من اس**تعارة اللف**ظ لش**يء لم يستعر له وأن ال تكون الفضيلة إال في استعارة ق**د تع**ورفت في

Page 120: دلائل الإعجاز للجرجاني

كالم العرب وكفى بذلك جهال ولم يكن هذا االشتباه وه**ذا الغل**ط إال ألن**ه ليس في جمل**ة الخفاي**ا والمش**كالت أغ**رب م**ذهبا في الغم**وض وال أعجب ش**أنا من ه**ذه ال**تي نحن بص**ددها وال أك**ثر تفلتا من الفهم وانسالال منها وأن الذي قاله العلماء والبلغ**اء في صفتها واإلخبار عنها رموز ال يفهمه**ا إال من ه**و في مث**ل ح**الهم من لطف الطبع ومن هو مهيأ لفهم تلك اإلشارات حتى كأن تلك الطباع اللطيفة وتلك القرائح واألذه**ان ق**د تواض**عت فيم**ا بينه**ا على ما سبيله سيبل الترجمة يتواطأ عليه**ا ق**وم فال تع**دوهم وال يعرفه***ا من ليس منهم وليت ش**عري من أين لمن لم يتعب في هذا الشأن ولم يمارسه ولم يوفر عنايته عليه أن ينظر إلى ق**ول الجاحظ وهو يذكر إعجاز القرآن ولو أن رجال قرأ على رج**ل من خطبائهم وبلغائهم سورة قصيرة أو طويلة لت**بين ل**ه في نظامه**ا ومخرجها من لفظها وطابعها أنه عاجز عن مثلها ول**و تح**دى به**ا

أبلغ العرب ألظهر عجزه عنها وقوله وهو يذكر رواة األخبار ورأيت عامتهم فقد طالت مش**اهدتي لهم وهم ال يقف**ون إال على األلفاظ المتخيرة والمع*اني المنتخب**ة والمخ*ارج الس*هلة والديباج**ة الكريم**ة وعلى الطب**ع المتمكن وعلى الس**بك الجي**د وعلى كل كالم له ماء ورون**ق وقول**ه في بيت الحطيئ**ة الطوي**ل متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موق**د وم**ا كان ينبغي أن يمدح بهذا البيت إال من هو خ**ير أه**ل األرض على أني لم أعجب بمعن**اه أك**ثر من عج**بي بلفظ**ه وطبع**ه ونحت**ه وسبكه فيفهم منه شيئا أو يقف للطابع والنظام والنحت والسبك والمخ*ارج الس*هلة على مع*نى أو يحلى من**ه بش*يء وكي**ف ب**أن يعرف**ه ولربم*ا خفي على كث**ير من أهل*ه واعلم أن ال*داء ال*دوي والذي أعيا أمره في هذا الباب غلط من قدم الشعر بمعناه وأقل االحتفال باللفظ وجعل ال يعطيه من المزية إن ه**و أعطى إال م**ا فضل عن المعنى يقول ما في اللفظ لوال المعنى وهل الكالم إال بمعناه فأنت تراه ال يقدم شعرا حتى يكون قد أودع حكمة أو أدبا واشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر فإن مال إلى اللفظ شيئا ورأى أن ينحله بعض الفضيلة لم يعرف غير االستعارة ثم ال ينظر في حال تلك االس**تعارة أحس**نت بمج**رد كونه**ا اس**تعارة أم من أجل فرق ووجه أم لألمرين ال يحفل بهذا وشبهه قد قنع بظ**واهر األمور وبالجمل وبأن يكون كمن يجلب المتاع للبيع إنم**ا هم**ه أن

Page 121: دلائل الإعجاز للجرجاني

يروج عنه يرى أنه إذا تكلم في األخذ والسرقة وأحسن أن يق**ولأخذه من فالن وألم فيه بقول

كذا فقد استكمل الفضل وبلغ أقصى ما ي**راد واعلم أن**ا وإن كن**ا إذا اتبعنا العرف والعادة وما يهجس في الضميروما علي**ه العام**ة

أن الص*واب معهم وأن التعوي*ل ينبغي أن يك*ون على أران*ا ذل*ك المعنى وأنه الذي ال يس**وغ الق**ول بخالف**ه ف**إن األم**ر بالض**د إذا جئنا إلى الحقائق وإلى ما عليه المحص**لون ألن**ا لم ن**رى متق**دما في علم البالغة مبرزا في شأوها إال وهو ينكر هذا ال**رأي ويعيب**ه ويزري على القائل به ويغض منه فمن ذلك ما روي عن البحتري روي أن عبيد الله بن عبد الله بن ط**اهر س**أله عن مس**لم وأبي نواس أيهما أشعر فقال أبو نواس فق**ال إن أب**ا العب**اس ثعلب**ا ال يوافق**ك على ه**ذا فق**ال ليس ه**ذا من ش**أن ثعلب وذوي**ه من المتعاطين لعلم الش**عر دون عمل**ه إنم**ا يعلم ذل**ك من دف**ع في س**لك طري**ق الش**عر إلى مض**ايقه وانتهى إلى ض**روراته وعن بعضهم أنه قال رآني البح**تري ومعي دف**تر ش**عر فق**ال م**ا ه**ذا فقلت ش**عر الش**نفرى فق**ال وإلى أين تمض**ي فقلت إلى أبي العباس أقرؤه عليه فقال قد رأيت أبا عباسكم هذا منذ أيام عن**د ابن ثوابة فما رأيته ناقدا للشعر وال مميزا لأللفاظ ورأيته يستجيد شيئا وينشده وما هو بأفضل الشرع فقلت له أم**ا نق**ده وتمي**يزه فهذه صناعة أخرى ولكنه أعرف الناس بإعرابه وغريبه فم**ا ك**ان

ينشد قال قول الحارث بن وعلة الكامل ق**ومي هم قتل**وا أميم أخي ف**إذا رميت يص**يبني س**همي فلئن عفوت ألعفون جلال ولئن سطوت ألوهنن عظمي فقلت والله ما أنشد إال أحسن شعر في أحسن مع*نى ولف**ظ فق**ال أين الش*عر الذي فيه ع**روق ال**ذهب فقلت مث**ل م**اذا فق**ال مث**ل ق**ول أبي ذؤاب الكامل إن يقتلوك فقد ثللت عروش**هم بعتيب**ة بن الح**ارث بن شهاب بأشدهم كلبا على أعدائه وأعزهم فقدا على األصحاب وفي مثل هذا قال الشاعر الطويل زوامل لألشعار ال علم عندهم بجيدها إال كعلم األباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأوساقه أو

راح ما في الغرائر وقال اآلخر الخفيف يا أبا جعف**ر تحكم في الش**عر وم**ا في**ك آل**ة الحكام إن نقد الدينار إال على الصيرف صعب فكي**ف نق**د الكالم قد رأيناك لست تفرق في األش**عار بين األرواح واألجس**ام واعلم

Page 122: دلائل الإعجاز للجرجاني

أنهم لم يعيبوا تقديم الكالم بمعناه من حيث جهلوا أن المعنى إذا كان أدبا وحكمة وكان غريبا نادرا فهو أشرف مما ليس كذلك بل عابوه من حيث كان من حكم من قضى في جنس من األجن**اس بفض**ل أو نقص أن ال يعت**بر في قض**يته تل**ك إال األوص**اف ال**تي تخص ذل**ك الجنس وترج**ع إلى حقيقت**ه وأن ال ينظ**ر فيه**ا إلى جنس آخر وإن كان من األول بس**بيل أو متص**ال ب**ه اتص**ال م**ا ال ينفك منه ومعلوم أن سبيل الكالم سبيل التص**وير والص**ياغة وأن سبيل المعنى الذي يعبر عنه س**بيل الش**يء ال**ذي يق**ع التص**وير والصوغ فيه كالفضة والذهب يصاغ منهما خاتم أو سوار فكما أن محاال إذا أنت أردت النظ**ر في ص*وغ الخ*اتم وفي ج*ودة العم*ل ورداءته أن ينظر إلى الفضة الحاملة تلك الصورة أو الذهب الذي وقع فيه العم*ل وتل*ك الص*نعة ك*ذلك مح*ال إذا أردت أن تع*رف مكان الفضل والمزية في الكالم أن تنظر في مجرد معن**اه وكم*ا أنا لو فضلنا خاتما على خاتم بأن تكون فضة ه**ذا أج**ود أو فص**ه أنفس لم يكن ذلك تفضيال له من حيث هو خاتم ك**ذلك ينبغي إذا فضلنا بيتا على بيت من أجل معناه أن ال يك**ون ذل**ك تفض**يال ل**ه من حيث هو شعر وكالم وهذا ق**اطع فاعرف**ه واعلم أن**ك لس**ت تنظر في كتاب صنف في شأن البالغة وكالم جاء عن القدماء إال وجدته يدل على فساد هذا المذهب ورأيتهم يتشددون في إنكاره وعيبه والعيب به وإذا نظ**رت في كتب الجاح*ظ وجدت**ه يبل**غ في ذلك كل مبلغ ويتشدد غاي**ة التش**دد وق**د انتهى في ذل**ك إلى أن جعل العلم ب**المعنى مش**تركا وس**وى في**ه بين الخاص**ة والعام**ة

فقال ورأيت ناسا يبهرجون أشعار المول**دين ويستس**قطون من رواه**ا ولم أر ذلك قط إال في رواية غير بصير بجوهر ما يروي ولو ك**ان له بصر لعرف موضع الجي**د ممن ك**ان وفي أي زم**ان ك**ان وأن**ا سمعت أبا عمرو الشيباني وقد بلغ من اس**تجادته له**ذين البي**تين ونحن في المس**جد الج**امع ي**وم الجمع**ة أن كل**ف رجال ح**تى أحضره قرطاسا ودواة حتى كتبهم**ا ق**ال الجاح**ظ وأن**ا أزعم أن ص**احب ه**ذين البي**تين ال يق**ول ش**عرا أب**دا ول**وال أن أدخ**ل في الحكومة بعض الغيب لزعمت أن ابنه ال يقول الشعر أيض**ا وهم**ا قوله السريع ال تحسبن الموت موت البلى وإنم**ا الم**وت س**ؤال الرجال كالهما موت ولكن ذا أشد من ذاك على كل حال ثم قال

Page 123: دلائل الإعجاز للجرجاني

وذهب الش**يخ إلى استحس**ان المع**اني والمع**اني مطروح**ة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي وإنما الش**أن في إقامة الوزن وتخ**ير اللف**ظ وس**هولة المخ**رج وص**حة الطب**ع

وكثرة الماء وجودة السبك وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير فقد تراه كيف اسقط أمر المع**اني وأبى أن يجب لها فض**ل فق**ال وهي مطروح**ة في الطري**ق ثم ق**ال وأن**ا أزعم أن صاحب ه**ذين البي**تين ال يق**ول ش**عرا أب**دا فأعلم**ك أن فضل الشعر بلفظه ال بمعن**اه وأن**ه إذا ع**دم الحس**ن في لفظ**ه ونظمه لم يس**تحق ه**ذا االس**م بالحقيق**ة وأع**اد طرف**ا من ه**ذا الحديث في البيان فق**ال ولق**د رأيت أب**ا عم**رو الش**يباني يكتب أشعارا من أفواه جلسائه ليدخلها في باب التحفظ والتذكر وربما خيل إلي أن أبناء أولئ**ك الش**عراء ال يس**تطيعون أب**دا أن يقول**وا شعرا جي**دا لمك**ان أع**راقهم من أولئ**ك اآلب**اء ثم ق**ال ول**وال أن أكون عيابا ثم للعلماء خاصة لص**ورت ل**ك بعض م**ا س**معت من أبي عبيدة ومن هو أبعد في وهمك من أبي عبيدة واعلم أنهم لم يبلغوا في إنكار هذا المذهب ما بلغ**وه إال ألن الخط**أ في**ه عظيم وأن**ه يفض**ي بص**احبه إلى أن ينك*ر اإلعج*از ويبط**ل التح*دي من حيث ال يشعر وذلك أنه إن كان العمل على م**ا ي**ذهبون إلي**ه من أن ال يجب فضل ومزي**ة إال من ج*انب المع*نى وح**تى يك**ون ق**د قال حكمة أو أدب**ا واس**تخرج مع**نى غريب**ا أو تش**بيها ن**ادرا فق**د وجب اطراح جمي**ع م*ا قال*ه الن**اس في الفص*احة والبالغ*ة وفي شأن النظم والتأليف وبط**ل أن يجب ب**النظم فض**ل وأن تدخل**ه المزية وأن تتف**اوت في**ه المن**ازل وإذا بط**ل ذل**ك فق**د بط**ل أن يكون في الكالم معجز وصار األمر إلى ما يقوله اليهود ومن قال

في هذا الباب ودخل في مثل تلك الجه**االت ونع**وذ بمثل مقالهمبالله من العمى بعد اإلبصار

فصل باب اللف**ظ والنظم ال يك**ون إلح**دى العب**ارتين مزي**ة على األخرى حتى يكون لها في المعنى ت**أثير ال يك**ون لص**احبتها ف**إن قلت فإذا أفادت هذه ما ال تفيد تل**ك فليس**تا عب**ارتين عن مع**نى واحد بل هما عبارتان عن معنيين اثنين قيل لك إن قولنا المع**نى في مثل هذا يراد به الغرض والذي أراد المتكلم أن يثبته أو ينفيه نحو إن تقصد تشبيه الرجل باألس*د فتق*ول زي*د كاألس*د ثم تري*د هذا المعنى بعين**ه فتق**ول ك**أن زي*دا األس*د فتفي**د تش*بيهه أيض*ا

Page 124: دلائل الإعجاز للجرجاني

باألسد إال أنك تزيد في معنى تشبيهه به زي**ادة لم تكن في األول وهي أن تجعله من فرط شجاعته وقوة قلبه وأنه ال يروعه شيء بحيث ال يتميز عن األسد وال يقصر عنه حتى يت**وهم أن أس**د في صورة أدمي وإذا كان هذا كذلك ف**انظر ه**ل ك**انت ه**ذه الزي**ادة وه**ذا الف**رق إال بم**ا ت**وخي في نظم اللف**ظ وترتيب**ه حيث ق**دم الك**اف إلى ص**در الكالم وركبت م**ع أن وإذا لم يكن إلى الش**ك سبيل أن ذلك كان بالنظم فاجعل**ه الع**برة في الكالم كل**ه ورض نفسك على تفهم ذلك وتتبعه واجعل فيه**ا أن*ك ت*زاول من**ه أم*را عظيما ال يقادر قدره وتدخل في بحر عميق ال يدرك قعره فص**ل هو فن آخره يرج**ع إلى ه**ذا الكالم ق**د علم أن المع**ارض للكالم معارض له من الجهة التي منها يوصف بأنه فصيح وبلي**غ ومتخ**ير اللفظ جي**د الس**بك ونح*و ذل**ك من األوص**اف ال**تي نس*بوها إلى

اللفظ وإذا كان هذا هكذا فبنا أن ننظر فيما إذا أتي به كان معارض**ا م**ا هو أهو أن يجيء بلفظ فيضعه مكان لفظ آخر نحو أن يقول بدل أسد ليث وبدل بعد نأى ومكان قرب دنا أم ذلك م ال يذهب غلي**ه عاقل وال يقوله من به طرق كيف ولو ك**ان ذل**ك معارض**ة لك**ان الناس ال يفصلون يبن الترجمة والمعارضة ولك**ان ك**ل من فس**ر كالما معارضا له وإذا بطل أن يك**ون جه**ة للمعارض**ة وأن يك**ون الواضع نفسه في هذه المنزل**ة معارض**ا ل**ه وإذا بط**ل أن يك**ون جهة للمعارضة وأن يكون الواضع نفسه في هذه المنزلة معارضا على وج**ه من الوج**وه علمت أن الفص**احة والبالغ**ة وس**ائر م**ا يجري في طريقهما أوص**اف راجع**ة إلى المع**اني وإلى م**ا ي**دل عليه باأللفاظ دون األلفاظ أنفس**ها ألن**ه إذا لم يكن في القس**مة إال المعاني واأللفاظ وكان ال يعقل تعارض في األلف**اظ المج**ردة إال ما ذك**رت لم يب**ق إال أن تك**ون المعارض**ة معارض**ة من جه**ة ترجع إلى مع**اني الكالم المعقول**ة دون ألفاظ**ه المس**موعة وإذا عادت المعارضة إلى جهة المعنى وك**ان الكالم يع**ارض من حيث ه**و فص**يح وبلي**غ ومتخ**ير اللف**ظ حص**ل من ذل**ك أن الفص**احة والبالغة وتخير اللفظ عب**ارة عن خص**ائص ووج**وه تك**ون مع**اني الكالم عليها وعن زيادات تحدث في أصول المعاني كالذي أريتك فيما بين زيد كاألسد وكأن زيدا األسد وبأن ال نصيب لأللف**اظ من حيث هي ألفاظ فيها بوجه من الوجوه واعلم أنك ال تشفي الغلة

Page 125: دلائل الإعجاز للجرجاني

وال تنتهي إلى ثلج اليقين ح**تى تتج**اوز ح**د العلم بالش**يء مجمال إلى العلم ب***ه مفص***ال وح***تى ال يقنع***ك إال النظ***ر في زواي***اه والتغلغل في مكامنه وح**تى تك**ون كمن تتب**ع الم**اء ح**تى ع**رف منبعه وانتهى في البحث عن جوهر العود الذي يصنع في**ه إلى أن يعرف منبته ومجرى ع**روق الش**جر ال**ذي ه**و من**ه وإن**ا ل**نراهم يقيس**ون الكالم في مع**نى المعارض**ة على األعم**ال الص**ناعية كنسج الديباج وصوغ الشنف والسوار وأنواع ما يصاغ وكل ما هو صنعة وعمل يد بع**د أن يبل**غ مبلغ**ا يق**ع التفاض**ل في**ه ثم يعظم حتى يزي**د في**ه الص**انع على الص**انع زي**ادة يك**ون ل**ه به**ا ص**يت

ويدخل في حد ما يعجز عنه األكثرون وهذا القياس وإن كان قياسا ظاهرا معلوم**ا وكالش**يء المرك**وز في الطباع حتى ترى العامة في**ه كالخاص**ة ف**إن في**ه أم**را يجب العلم به وهو أن**ه يتص**ور أن يب**دأ ه**ذا فيعم**ل ديباج**ا ويب**دع في نقشه وتصويره فيجيء آخر ويعم*ل ديباج*ا آخ*ر مثل*ه في نقش*ه وهيئته وجملة صفته حتى ال يفصل الرائي بينهما وال يق**ع لمن لم يعرف القصة ولم يخبر الحال إال أنهما صنعة رجل واحد وخارجان من تحت يد واحدة وهكذا الحكم في سائر المصنوعات كالس**وار يصوغه هذا ويجيء ذاك فيعمل س**وارا مثل**ه وي**ؤدي ص**نعته كم*ا هي حتى ال يغ*ادر منه**ا ش**يئا البت**ة وليس يتص**ور مث**ل ذل**ك في الكالم ألنه ال س**بيل إلى أن تجيء إلى مع**نى بيت من الش**عر أو فصل من النثر فتؤديه بعينه وعلى خاصيته وصفته بعب**ارة أخ**رى حتى يكون المفهوم من هذه هو المفهوم من تل**ك ال يخالف**ه في صفة وال وجه وال أمر من األمور وال يغرن**ك ق**ول الن**اس ق**د أتى بالمعنى بعينه وأخذ معنى كالم**ه ف**أداه على وجه**ه فإن**ه تس**امح منهم والمراد أنه أدى الغرض فأما أن ي**ؤدي المع**نى بعين**ه على الوجه الذي يكون عليه في كالم األول حتى ال تعقل ها هنا إال م**ا عقلت**ه هن**اك وح**تى يك**ون حالهم**ا في نفس**ك ح**ال الص**ورتين المشتبهتين في عينك كالس**وارين والش**نفين ففي غاي**ة اإلحال**ة وظن يفضي بصاحبه إلى جهالة عظيم**ة وهي أن تك**ون األلف**اظ مختلفة المعاني إذا فرقت ومتفقته**ا إذا جمعت وأل**ف منه**ا كالم وذلك أن ليس كالمنا فيما يفهم من لفظتين مف**ردتين نح**و قع**د وجلس ولكن فيما فهم من مجموع كالم ومجموع كالم آخ**ر نح**و أن تنظر في قوله تعالى ولكم في القصاص حي**اة وق**ول الن**اس

Page 126: دلائل الإعجاز للجرجاني

قتل البعض إحياء للجميع فإنه وإن كان قد جرت عادة الناس بأن يقول**وا في مث**ل ه**ذا إنهم*ا عبارت**ان معبرهم*ا واح*د فليس ه**ذا القول قوال منهم يمكن األخذ بظاهره أو يقع لعاقل شك أن ليس

المفهوم من أحد الكالمين المفهوم من اآلخر فص**ل الكالم على ض**ربين ض**رب أنت تص**ل من**ه إلى الغ**رض بدالل**ة اللف**ظ وح**ده وذل**ك إذا قص**دت أن تخ**بر عن زي**د مثال ب**الخروج على الحقيق**ة فقلت خ**رج زي**د وب**االنطالق عن عم**رو فقلت عمرو منطلق وعلى هذا القياس وضرب آخر أنت ال تص**ل من**ه إلى الغ**رض بدالل**ة اللف**ظ وح**ده ولكن ي**دلك اللف**ظ على معناه ال*ذي يقتض*يه موض*وعه في اللغ*ة ثم تج*د ل*ذلك المع*نى داللة ثانية تصل به**ا إلى الغ**رض وم**دار ه**ذا األم**ر على الكناي**ة واالستعارة والتمثيل وقد مضت األمثله فيها مشروحة مستقص**اة أو ال ترى أنك إذا قلت هو كثير رماد القدر أو قلت طوي**ل النج**اد أو قلت في الم**رأة ن**ؤوم الض**حا فإن**ك في جمي**ع ذل**ك ال تفي**د غرضك الذي تعني من مجرد اللفظ ولكن يدل اللفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره ثم يعقل السامع من ذلك المعنى على سبيل االستدالل معنى ثانيا هو غرضك كمعرفتك من كث**ير رم**اد الق**در أنه مضياف ومن طويل النجاد انه طويل القامة ومن نؤوم الضحا في المرأة أنه مترفة مخدومة لها من يكفيها أمرها وكذا إذا ق**ال رأيت أسدا ودلك الح*ال على أن*ه لم ي*رد الس*بع علمت أن*ه أراد التشبيه إال أنه بالغ فجعل الذي رآه بحيث ال يتميز من األس**د في ش**جاعته وك**ذلك تعلم في قول**ه بلغ**ني أن**ك تق**دم رجال وت**ؤخر أخرى أنه أراد التردد في أم**ر البيع**ة واختالف الع**زم في الفع**ل وتركه على ما مضى الشرح فيه وإذ قد عرفت هذه الجمل**ة فه**ا هنا عبارة مختصرة وهي أن تقول المعنى ومع**نى المع**نى تع**ني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغير واس**طة

وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى

ع**رفت ذل**ك ف**إذا رأيتهم معنى آخر كال**ذي فس**رت ل**ك وإذ ق**د يجعلون األلفاظ زينة للمع*اني وحلي**ة عليه**ا أو يجعل**ون المع*اني كالجواري واأللف*اظ كالمع*ارض له**ا وكالوش*ي المح*بر واللب**اس الفاخر والكسوة الرائقة إلى أش**باه ذل**ك مم**ا يفخم**ون ب**ه أم**ر اللفظ ويجعلون المع**نى ينب**ل ب**ه ويش**رف ف**اعلم أنهم يض**عون

Page 127: دلائل الإعجاز للجرجاني

كالما قد يفخمون به أمر اللفظ ويجعلون المعنى أعطاك المتكلم أغراض**ه في**ه من طري**ق مع**نى المع**نى فك**نى وع**رض ومث**ل واستعار ثم أحسن في ذلك كله وأصاب ووضع كل شيء م**ه في موضعه وأصاب به شاكلته وعمد فيما كنى ب**ه وش**به ومث**ل لم**ا حسن مأخذه ودق مسلكه ولطفت إشارته وأن المعرض وما في

اللفظ المنطوق به ولكن معنى اللفظ الذي دللت معناه ليس هو به على المعنى الث**اني كمع**نى قول**ه ال**وافر ف**إني جب**ان الكلب مهزول الفصيل الذي هو دليل على أنه مض**ياف فالمع**اني األول المفهوم**ة من أنفس األلف**اظ هي المع**ارض والوش**ي والحلي وأشباه ذلك والمعاني الثواني التي يومأ إليه**ا بتل**ك المع**اني هي التي تكسى تلك المعارض وتزين بذلك الوشي والحلي وذل**ك إذا جعلوا المع**نى يتص**ور من أج**ل اللف**ظ بص**ورة ويب**دو في هيئ**ة

ويتشكل بشكل يرجع المعنى في ذلك كله إلى ال**دالالت المعنوي**ة وال يص**لح ش**يء من**ه حيث الكالم على ظاهره وحيث ال يكون كناية وتمثيل ب**ه وال اس**تعارة وال اس**تعانة في الجملة بمع*نى على مع*نى وتك*ون الدالل**ة على الغ*رض من مجرد اللفظ فلو أن قائال قال رأيت األسد وقال آخر لقيت الليث لم يجز أن يق**ال في الث**اني إن**ه ص**ور المع**نى في غ**ير ص**ورته األولى وال أن يقال أبرزه في معرض سوى معرضه وال ش**يئا من هذا الجنس وجمل**ة األم**ر أن ص**ور المع**اني ال تتغ**ير بنقله**ا من لفظ إلى لفظ حتى يكون هناك اتساع ومج**از وح**تى ال ي**راد من األلفاظ ظواهر ما وضعت له في اللغة ولكن يش**ار بمعانيه**ا إلى معان أخر واعلم أن هذا كذلك ما دام النظم واحدا فأم*ا إذا تغ*ير النظم فال بد حينئذ من أن يتغير المعنى على ما مضى من البيان في مسائل التقديم والت**أخير وعلى م**ا رأيت في المس**ألة ال**تي مضت اآلن أعني قولك إن زيدا كاألسد وكأن زيدا األسد ذاك ألنه لم يتغير من اللفظ شيء وإنما تغير النظم فقط وأم**ا فتح**ك أن عن**د تق**ديم الك**اف وك**انت مكس**ورة فال اعت**داد به**ا ألن مع**نى الكسر باق بحاله واعلم أن السبب في أن أحالوا في أشباه ه**ذه المحاسن التي ذكرتها لك على اللفظ أنها ليست بأنفس المعاني بل هي زيادات فيه**ا وخص**ائص أال ت**رى أن ليس**ت المزي**ة ال**تي تجدها لقولك كأن زيدا األسد على قولك زيد كاألسد بشيء خارج عن التشبيه الذي هو أصل المعنى وإنما هو زيادة في**ه وفي حكم

Page 128: دلائل الإعجاز للجرجاني

الخصوصية في الشكل نحو أن يصاغ خاتم على وج**ه وآخ**ر على وجه آخر تجمعهما صورة الخاتم ويفترقان بخاصة وشيء يعلم إال أنه ال يعلم منفردا ولما ك**ان األم**ر ك**ذلك لم يمكنهم أن يطلق**وا اسم المعاني على هذه الخصائص إذا كان ال يفترق الح**ال حينئ**ذ بين أص**ل المع**نى وبين م**ا ه**و زي**ادة في المع**نى وكيفي**ة ل**ه وخصوصية فيه فلم*ا امتن**ع ذل*ك توص*لوا إلى الدالل*ة عليه**ا ب*أن وصفوا اللفظ في ذلك بأوصاف يعلم أنها ال تكون أوصافا ل**ه من حيث هو لفظ كنحو وصفهم ل**ه بأن**ه لف**ظ ش**ريف وأن**ه ق**د زان المعنى وأن له ديباجة وأن عليه طالوة وأن المعنى منه في مث**ل الوشي وأنه عليه كالحلي إلى أشباه ذلك مما يعلم ضرورة أنه ال

يعنى بمثله الصوت والحرف ثم إنه لما جرت به العادة واس**تمر علي**ه الع*رف وص**ار الناس يقول**ون اللف**ظ واللف**ظ ل**ز ذل**ك ب**أنفس أق**وام باب**ا من

الفساد وخامرهم منه شيء لست أحسن وصفه فصل في داللة المعنى على المعنى ومن الص*فات ال*تي تج*دهم يجرونها على اللفظ ثم ال تعترضك ش**بهة وال يك**ون من**ك توق**ف في أنها ليست ل**ه ولكن لمعن**اه ق**ولهم ال يك**ون الكالم يس**تحق اسم البالغة حتى يس**ابق معن**اه لفظ**ه ولفظ**ه معن**اه وال يك**ون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك وق**ولهم ي**دخل في األذن بال إذن فهذا مما ال يش**ك العاق**ل في أن**ه يرج*ع إلى دالل**ة المعنى على المعنى وأنه ال يتصور أن يراد ب**ه دالل**ة اللف**ظ على معناه الذي وضع ل*ه في اللغ*ة ذاك ألن*ه ال يخل*و الس*امع من أن يكون عالما باللغة وبمعاني األلفاظ التي يسمعها أو يك**ون ج**اهال بذلك فإن ك**ان عالم*ا لم يتص**ور أن يتف**اوت ح**ال األلف**اظ مع**ه فيكون معنى لفظ أسرع إلى قلبه من معنى لفظ آخ**ر وإن ك**ان جاهال كان ذلك في وصفه أبعد وجملة األم**ر أن**ه إنم**ا يتص**ور أن يكون لمعنى أسرع فهما منه لمعنى آخر إذا كان ذلك مم**ا ي**درك بالفكر وإذا كان مما يتجدد له العلم به عن**د س**معه للكالم وذل**ك

معرفته**ا التوقي**ف محال في دالالت األلفاظ اللغوي**ة ألن طري**ق والتق**دم ب**التعريف وإذا ك**ان ذل**ك ك**ذلك علم علم الض**رورة أن مصرف ذل**ك إلى دالالت المع**اني على المع**اني وأنهم أرادوا أن من شرط البالغة أن يكون المع*نى األول ال*ذي تجعل*ه دليال على المعنى الث**اني ووس**يطا بين**ك وبين**ه متمكن**ا في داللت**ه مس**تقال

Page 129: دلائل الإعجاز للجرجاني

بوساطته يسفر بينك وبينه أحس**ن س**فارة ويش**ير ل**ك إلي**ه أبين إشارة حتى يخيل إليك أن*ك فهمت**ه من ح*اق اللف*ظ وذل*ك لقل*ة الكلفة فيه عليك وس**رعة وص**وله إلي**ك فك**ان من الكناي**ة مث**ل

قوله المنسرح ال أمتع العوذ بالفصال وال أبت**اع إال قريب**ة األج**ل ومن االس**تعارة

هم*ه تض*اعف في**ه مثل قوله الطوي*ل وص*در أراح اللي**ل ع**ازب الح**زن من ك**ل ج**انب ومن التمثي**ل مث**ل قول**ه المدي**د ال أذود الطير عن شجر قد بلوت المر من ثمره وإن أردت أن تعرف م**ا حاله بالضد من هذا فكان منقوص القوة في تأدي**ة م**ا أري**د من**ه ألنه يعترضه ما يمنعه أن يقض**ي ح**ق الس**فارة فيم**ا بين**ك وبين معناك ويوضح تمام اإليضاح عن مغزاك فانظر إلى قول العب**اس بن األحنف من الطويل سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا ب**دأ ف**دل بس**كب ال**دموع على م**ا يوجب**ه الفراق من الحزن والكمد فأحسن وأص**اب ألن من ش**أن البك**اء أبدا أن يكون أم**ارة للح**زن وأن يجع**ل دالل**ة علي**ه وكناي**ة عن**ه

كقولهم أبكاني وأضحكني على معنى ساءني وسرني وكما ق**ال الس**ريع أبكاني الدهر ويا ربما أضحكني ال**دهر بم**ا يرض**ي ثم س**اق ه**ذا القياس إلى نقيضه فالتمس أن يدل على ما يوجب**ه دوام التالقي من السرور بقول**ه لتجم**دا وظن أن الجم**ود يبل**غ ل**ه في إف**ادة المسرة والسالمة من الح**زن م**ا بل**غ س**كب ال**دمع في الدالل**ة على الكآبة والوقوع في الحزن ونظر إلى أن الجمود خل**و العين من البكاء وانتفاء الدموع عنها وأن**ه إذا ق**ال لتجم**دا فكأن**ه ق**ال أحزن اليوم لئال أحزن غ**دا وتبكي عين**اي جه**دهما لئال تبكي**ا أب**دا وغل**ط فيم**ا ظن وذاك أن الجم**ود ه**و أن ال تبكي العين م**ع أن

بكاء وم**ع أن العين ي**راد منه**ا أن تبكي ويش**تكى من الحال حال أن ال تبكي ول**ذلك ال ت**رى أح**دا ي**ذكر عين**ه ب**الجمود إال وه**و يشكوها ويذمها وينسبها إلى البخل ويعد امتناعها نم البك**اء ترك**ا لمعونة صاحبها على ما به من الهم أال ترى إلى قوله الطوي**ل أال إن عينا لم تج**د ي**وم واس**ط علي**ك بج**اري دمعه**ا لجم**ود ف**أتى ب**الجمود تأكي**دا لنفي الج**ود ومح**ال أن يجعله**ا ال تج**ود بالبك**اء وليس هناك التم**اس بك**اء ألن الج**ود والبخ**ل يقتض**يان مطلوب**ا يبذل أو يمنع ول**و ك**ان الجم**ود يص**لح ألن ي**راد ب**ه الس**المة من

Page 130: دلائل الإعجاز للجرجاني

البكاء ويصح أن يدل به على أن الحال حال مس**رة وحب**ور لج**از أن يدعى به للرجل فيقال ال زالت عينك جامدة كما يقال ال أبكى

الله عينك وذاك مما ال يشك في بطالنه وعلى ذلك قول أهل اللغة عين جم**ود ال م**اء فيها وسنة جم**اد ال مط**ر فيه**ا وناق**ة جم**اد ال لبن فيه**ا وكم**ا ال تجعل السنة والناقة جمادا إال على معنى أن السنة بخيلة بالقطر والناقة ال تسخو بالدر كذلك حكم العين ال تجعل جمودا إال وهناك ما يقتضي إرادة البكاء منها وما يجعلها إذا بكت محسنة موصوفة بأن قد جادت وسخت وإذا لم تبك مسيئة موصوفة بأن قد ض**نت وبخلت ف**إن قي**ل إن**ه أراد أن يق**ول إني الي**وم أتج**رع غص**ص الفراق وأحمل نفسي على مره وأحتمل ما يؤديني إليه من حزن يفيض الدموع من عيني ويس**كبها لكي أتس**بب ب**ذلك إلى وص**ل يدوم ومس**رة تتص**ل ح**تى ال أع**رف بع**د ذل**ك الح**زن أص**ال وال تعرف عيني البكاء وتصير في أن ال ترى باكية أبدا كالجمود ال**تي ال يكون لها دم**ع ف**إن ذل**ك ال يس**تقيم ويس**تتب ألن**ه يوقع*ه في التناقض ويجعله كأنه قال أحتمل البكاء لهذا الفراق عاجال ألص**ير في اآلجل بدوام الوصل واتصال السرور في صورة من يريد من عينه أن تبكي ثم ال تبكي ألنها خلقت جامدة ال ماء فيها وذلك من التهافت واالضطراب بحيث ال تنجع الحيلة فيه وجملة األمر أن**ا ال نعلم أحدا جعل جمود العين دليل سرور وأمارة غبطة وكناية عن أن الحال حال فرح فهذا مثال فيما هو بالضد مما شرطوا من أن ال يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك ألن**ك ت**رى اللفظ يصل إلى س**معك وتحت**اج إلى أن تخب وتوض**ع في طلب المعنى ويجري لك ه**ذا الش**رح والتفس**ير في النظم كم**ا ج**رى في اللف**ظ ألن**ه إذا ك**ان النظم س**ويا والت**أليف مس**تقيما ك**ان وصول المعنى إلى قلبك تلو وصول اللفظ إلى سمعك وإذا ك**ان على خالف ما ينبغي وصل اللفظ إلى السمع وبقيت في المع**نى تطلب**ه وتتعب في**ه وإذا أف**رط األم**ر في ذل**ك ص**ار إلى التعقي**د الذي قالوا إنه يس**تهلك المع**نى واعلم أن لم تض**ق العب**ارة ولم

الكالم في هذا الباب إال ألنه يقصر اللفظ ولم ينغلق قد تناهى في الغموض والخفاء إلى أقصى الغايات وأن**ك ال ت**رى أغرب مذهبا وأعجب طريقا وأحرى بأن تضطرب في**ه اآلراء من**ه وما قولك في شيء قد بلغ من أمره أن يدعى على كبار العلم**اء

Page 131: دلائل الإعجاز للجرجاني

بأنهم لم يعلموه ولم يفطنوا له فقد ت**رى أن البح**تري ق**ال حين سئل عن مسلم وأبي نواس أيهما أشعر فقال أب**و ن**واس فقي**ل فإن أب**ا العب**اس ثعلب**ا ال يوافق**ك على ه**ذا فق**ال ليس ه**ذا من ش**أن ثعلب وذوي**ه من المتع**اطين لعلم الش**عر دون عمل**ه إنم**ا يعلم ذلك من دفع في مسلك طريق الشعر إلى مض**ايقه وانتهى إلى ضروراته ثم لم ينفك العالمون ب**ه وال**ذين هم من أهل**ه من دخول الشبهة فيه عليهم ومن اعتراض الس**هو والغل**ط لهم روي عن األصمعي أنه قال كنت أسير مع أبي عم**رو بن العالء وخل**ف األحم**ر وكان**ا يأتي**ان بش**ارا فيس**لمان علي**ه بغاي**ة اإلعظ**ام ثم يق**والن ي**ا أب**ا مع**اذ م**ا أح**دثت فيخبرهم**ا وينش**دهما ويس**أالنه ويكتبان عنه متواضعين له حتى ي**أتي وقت ال**زوال ثم ينص**رفان وأتياه يوما فقاال ما هذه القصيدة التي أحدثتها في سلم بن قتيبة قال هي التي بلغتكم قالوا بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب قال نعم بلغني أن س**لم بن قتيب**ة يتباص**ر ب**الغريب ف**أحببت أن أورد علي**ه م**ا ال يع**رف ق**الوا فأنش**دناها ي**ا أب**ا مع**اذ فأنش**دهما من الخفيف بكرا صاحبي قبل الهجير إن ذاك النجاح في التبكير حتى فرغ منها فاقل له خلف لو قلت يا أبا معاذ مكان إن ذاك النج**اح في التبكير بكرا فالنجاح في التبكير كان أحسن فقال بش*ار إنم*ا بنيتها أعرابية وحشية فقلت إن ذاك النجاح في التبكير كما يقول

األعراب البدويون ولو قلت بكرا فالنجاح كان هذا من كالم المولدين وال يشبه ذاك الكالم وال يدخل في معنى القصيدة ق**ال فقام خلف فقبل بشارا بين عينيه فهل كان هذا القول من خل**ف والنقد على بشار إال للط**ف المع**نى في ذل**ك وخفائ**ه واعلم أن من ش**أن إن إذا ج**اءت على ه**ذا الوج**ه أن تغ**ني غن**اء الف**اء العاطفة مثال وأن تفي**د من رب**ط الجمل**ة بم**ا قبله**ا أم**را عجيب**ا فأنت ترى الكالم بها مستأنفا غير مستأنف مقطوعا موصوال مع**ا أفال ترى أنك لو أسقطت إن من قوله إن ذاك النجاح في التبكير لم تر الكالم يل**تئم ول**رأيت الجمل**ة الثاني**ة ال تتص**ل ب**األولى وال تكون منها بسبيل ح**تى تجيء بالف**اء فتق**ول بك**را ص**احبي قب**ل الهجير فذاك النجاح في التبكير ومثله ق**ول بعض الع**رب الرج**ز فغنها وهي لك الفداء إن غناء اإلبل الح**داء ف**انظر إلى قول**ه إن غناء اإلب**ل الح**داء وإلى مالءمت**ه الكالم قبل**ه وحس**ن تش**بثه ب**ه وإلى حس**ن تعط**ف الكالم األول علي**ه ثم انظ**ر إذا ت**ركت إن

Page 132: دلائل الإعجاز للجرجاني

فقلت فغنه**ا وهي ل**ك الف**داء غن**اء اإلب**ل الح**داء كي**ف تك**ون الصورة وكي**ف ينب**و أح**د الكالمين عن اآلخ**ر وكي**ف يش**ئم ه**ذا ويعرق ذاك حتى ال تجد حيلة في ائتالفهما حتى تجتلب لهما الفاء فتق**ول فغنه**ا وهي ل**ك الف**داء فغن**اء اإلب**ل الح**داء ثم تعلم أن ليست األلفة بينهما من جنس ما كان وأن قد ذهبت األنسة ال**تي كنت تجد والحس**ن ال**ذي كنت ت**رى وروي عن عنبس**ة أن**ه ق**ال ق**دم ذو الرم**ة الكوف**ة فوق**ف ينش**د الن**اس الكناس**ة قص**يدته

الحائية التي منها الطويل هي البرء واألسقام والهم والمنى وموت اله**وى في القلب م**ني المبرح وكان اله**وى بالن**أي يمحى فيمحي وحب**ك عن**دي يس**تجد ويربح إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس اله**وى من حب مي**ة يبرح قال فلما انتهى إلى ه**ذا ال**بيت ن**اداه ابن ش**برمة ي**ا غيالن أراه قد برح قال فشنق ناقته وجعل يتأخر بها ويتفكر ثم ق**ال إذا غير النأي المحبين لم أجد رسيس الهوى من حب مية يبرح ق**ال فلما انصرفت حدثت أبي قال أخط**أ ابن ش**برمة حين أنك*ر على ذي الرمة وأخطأ ذو ذو الرمة حين غير شعره لق**ول ابن ش**برمة إنما هذا كقول الله تعالى ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها وإنما هو لم يرها ولم يك**د واعلم أن س**بب الش**بهة في ذلك أنه قد جرى في العرف أن يقال ما ك**اد يفع**ل ولم يك**د يفعل في فعل قد فعل على مع**نى أن**ه لم يفع**ل إال بع**د الجه**د وبعد أن كان بعيدا في الظن أن يفعله كقوله تعالى فذبحوها وما

كادوا يفعلون فلما كان مجيء النفي في ك**اد على ه**ذا الس**بيل ت**وهم ابن ش**برمة أن**ه إذا ق**ال لم يك**د رسيس الهوى من حب مي**ة ي**برح فق**د زعم أن اله**وى ق**د ب**رح ووقع لذي الرمة مثل ه**ذا الظن وليس األم**ر كال**ذي ظن**اه ف**إن الذي يقتضيه اللفظ إذا قيل لم يكد يفعل وما كاد يفعل أن يكون المراد أن الفع**ل لم يكن من أص**له وال ق**ارب أن يك**ون وال ظن أنه يكون وكيف بالشك في ذلك وقد علمن**ا أن ك**اد موض**وع ألن يدل على شدة ق**رب الفع**ل من الوق**وع وعلى أن**ه ق**د ش**ارف الوجود وإذا كان كذلك كان محاال أن يوجب نفيه وجود الفعل ألنه يؤدي إلى أن يوجب نفي مقاربة الفعل الوجود وأن يك**ون قول**ك ما قارب أن يفعل مقتض**يا على البت أن**ه ق**د فع**ل وإذ ق**د ثبت ذلك فمن س**بيلك أن تنظ**ر فم*تى لم يكن المع**نى على أن**ه ق**د

Page 133: دلائل الإعجاز للجرجاني

كان هناك صورة تقتضي أن ال يكون الفعل وح**ال يبع**د معه**ا أن يكون ثم تغير األمر كال**ذي ت**راه في قول**ه تع**الى ف**ذبحوها وم**ا كادوا يفعلون فليس إال أن تلزم الظاهر وتجعل المعنى على أنك تزعم أن الفعل لم يقارب أن يكون فضال عن أن يكون ف**المعنى إذا في بيت ذي الرم**ة على أن اله**وى من رس**وخه في القلب وثبوته فيه وغلبته على طباع**ه بحيث ال يت**وهم علي**ه ال**براح وأن ذلك ال يقارب منه أن يكون فضال عن أن يكون كما تقول إذا سال المحبون وفتروا في محبتهم لم يقع لي وهم ولم يجر م**ني على بال أنه يجوز علي ما يش**به الس**لوة م**ا يع**د ف**ترة فض**ال عن أن يوجد ذلك مني وأص**ير إلي**ه وينبغي أن تعلم أنهم إنم**ا ق**الوا في التفسير لم يرها ولم يكد فبدؤوا فنفوا الرؤية ثم عطفوا لم يك**د عليه ليعلموك أن ليس سبيل لم يكد هاهن**ا س**بيل م**ا ك**ادوا في قوله تعالى فذبحوها وما كادوا يفعل**ون في أن**ه نفي معقب على إثبات وأن ليس المعنى على أن رؤية كانت من بع**د أن ك**ادت ال تكون ولكن المعنى على أن رؤيتها ال تقارب أن تك**ون فض**ال عن أن تكون ولو كان لم يكد ي**وجب وج**ود الفع**ل لك**ان ه**ذا الكالم منهم محاال جاريا مجرى أن تقول لم يرها ورآها فاعرف**ه وهاهن**ا نكت**ة وهي أن لم يك**د في اآلي**ة وال**بيت واق**ع في ج**واب إذا والماض**ي إذا وق**ع في ج**واب الش**رط على ه**ذا الس**بيل ك**ان مستقبال في المعنى فإذا قلت إذا خرجت لم أخرج كنت قد نفيت خروجا فيم**ا يس**تقبل وإذا ك**ان األم**ر ك**ذلك اس**تحال أن يك**ون

المعنى في ال**بيت أو اآلي**ة على أن الفع**ل ق**د ك**ان ألن**ه ي**ؤدي إلى أن يجيء بلم أفع**ل ماض**يا ص**ريحا في ج**واب الش**رط فتق**ول إذا خرجت لم أخرج أمس وذلك محال ومما يتضح في**ه ه**ذا المع**نى قول الشاعر المتقارب ديار لجهمة بالمنحنى سقاهن مرتجز باكر وراح عليهن ذو هيدب ضعيف القوى ماؤه زاخر إذا رام نهضا به**ا لم يكد كذي الساق أخطأها الجابر وأع**ود إلى الغ**رض ف**إذا بل**غ من دقة هذه المعاني أن يشتبه األمر فيها على مثل خلف األحمر وابن شبرمة وحتى يشتبه على ذي الرمة في صواب قاله ف**يرى أنه غير صواب فما ظنك بغيرهم وما تعجبك من أن يكثر التخليط في**ه ومن العجب في ه**ذا المع**نى ق**ول أبي النجم الرج**ز ق**د أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصنع قد حمل**ه الجمي**ع

Page 134: دلائل الإعجاز للجرجاني

على أن**ه أدخ**ل نفس**ه من رف**ع ك**ل في ش**يء إنم**ا يج**وز عن**د الضرورة من غير أن كانت به ضرورة قالوا ألن**ه ليس في نص**ب كل ما يكسر له وزنا أو يمنعه من معنى أراده وإذا تأملت وجدت**ه لم يرتكبه ولم يحمل نفسه عليه إال لحاجة ل**ه إلى ذل**ك وإال ألن**ه رأى النصب يمنعه ما يريد وذاك أنه أراد أنها تدعي علي**ه ذنب**ا لم يصنع منه شيئا البت**ة ال قليال وال كث**يرا وال بعض**ا وال كال والنص**ب يمنع من هذا المعنى ويقتضي أن يكون قد أتى من ال**ذنب ال**ذي

ادعته بعضه وذلك أنا إذا تأملنا وجدنا إعمال الفعل في كل والفعل منفي ال يصلح أن يكون إال حيث ي**راد أن بعض**ا ك**ان وبعضا لم يكن تق**ول لم أل**ق ك**ل الق**وم ولم آخ**ذ ك**ل ال**دراهم فيك**ون المع**نى أن**ك لقيت بعض**ا من الق**وم ولم تل**ق الجمي**ع وأخذت بعضا من الدراهم وتركت الباقي وال يك**ون أن تري**د أن**ك لم تلق واحدا من القوم ولم تأخذ شيئا من الدراهم وتعرف ذل**ك بأن تنظر إلى كل في اإلثب**ات وتتع**رف فائدت**ه في**ه وإذا نظ**رت وجدته قد اجتلب ألن يفيد الشمول في الفع*ل ال**ذي تس**نده إلى الجملة أو توقعه بها تفسير ذلك أنك إنما قلت جاءني القوم كلهم ألنك لو قلت جاءني القوم وسكت لكان يجوز أن يت**وهم الس**امع أنه ق**د تخل**ف عن**ك بعض**هم إال أن**ك لم تعت**د بهم أو أن**ك جعلت الفعل إذا وقع من بعض الق**وم فكأنم*ا وق**ع من الجمي**ع لك*ونهم في حكم الشخص الواحد كما يقال للقبيل**ة فعلتم وص**نعتم ي**راد فعل قد كان من بعض**هم أو واح**د منهم وهك**ذا الحكم أب**دا ف**إذا قلت رأيت القوم كلهم ومررت بالقوم كلهم كنت ق**د جئت بك**ل لئال يتوهم أن*ه ق*د بقي علي**ك من لم ت*ره ولم تم*ر ب*ه ينبغي أن يعلم أنا ال نعني بقولنا يفي**د الش**مول أن س**بيله في ذل**ك س**بيل الشيء يوجب المعنى من أصله وأن**ه ل**وال مك**ان ك**ل لم**ا عق**ل الشمول ولم يكن فيما سبق من اللفظ دليل عليه كيف ولو ك**ان كذلك لم يكن يسمى تأكيدا ف**المعنى أن**ه يمن**ع أن يك**ون اللف**ظ المقتضي الشمول مستعمال على خالف ظاهره ومتجوزا في**ه وإذ قد عرفت ذلك فها هن**ا أص**ل وه**و أن**ه من حكم النفي إذا دخ**ل على كالم ثم كان في ذلك الكالم تقييد على وجه من الوج**وه أن يتوجه إلى ذلك التقييد وأن يقع له خصوصا تفس**ير ذل**ك أن**ك إذا قلت أتاني القوم مجتمعين فقال قائ**ل لم يأت**ك الق**وم مجتمعين كان نفيه ذلك متوجها إلى االجتم**اع ال**ذي ه**و تقيي**د في اإلتي**ان

Page 135: دلائل الإعجاز للجرجاني

دون اإلتي**ان نفس**ه ح**تى إن**ه إن أراد أن ينفي اإلتي**ان من أص**له كان من سبيله أن يق*ول إنهم لم ي*أتوك أص*ال فم*ا مع*نى قول*ك مجتمعين هذا مما ال يشك فيه عاقل وإذا كان هذا حكم النفي إذا دخل على كالم فيه تقييد ف**إن التأكي**د ض**رب من التقيي**د فم**تى نفيت كالما فيه تأكيد فإن نفيك ذلك يتوج**ه إلى التأكي**د خصوص**ا ويقع له فإذا قلت لم أر الق**وم كلهم أو لم ي**أتني الق**وم كلهم أو لم يأتني كل القوم أو لم أر ك**ل الق**وم كنت عم**دت بنفي**ك إلى معنى كل خاصة وكان حكمه حكم مجتمعين في قول**ك لم ي**أتني الق**وم مجتمعين وإذا ك**ان النفي يق**ع لك**ل خصوص**ا ف**واجب إذا

قلت أن يك**ون ق**د أت**اك لم يأتني القوم كلهم أو لم يأتني ك**ل الق**وم

بعضهم كما يجب إذا قلت لم يأتني القوم مجتمعين أن يكونوا قد أتوك أش*تاتا وكم*ا يس*تحيل أن تق*ول لم ي*أتني الق*وم مجتمعين وأنت تري**د أنهم لم ي**أتوك أص**ال ال مجتمعين وال منف**ردين ك**ذلك محال أن تقول لم ي**أتني الق**وم كلهم وأنت تري**د أنهم لم ي**أتوك أصال فاعرفه واعلم أنك إذا نظرت وجدت اإلثب**ات ك**النفي فيم**ا ذكرت لك ووجدت النفي قد احتذاه فيه وتبعه وذلك أنك إذا قلت جاءني القوم كلهم كان كل فائدة خبرك ه**ذا وال**ذي يتوج**ه إلي**ه إثباتك بداللة أن المعنى على أن الشك لم يقع في نفس المجيء أنه كان من القوم على الجملة وإنما وقع في شموله الكل وذلك الذي عناك أمره في كالمك وجملة األمر أنه ما من كالم كان فيه أمر زائد على مجرد إثبات المعنى للشيء إال كان الغرض الخاص من الكالم والذي يقصد إليه ويزجى القول فيه ف**إذا قلت ج**اءني زيد راكبا وما جاءني زيد راكبا كنت ق**د وض**عت كالم**ك ألن تثبت مجيئه راكبا أو تنفي ذلك ال ألن تثبت المجيء وتنفيه مطلق**ا ه**ذا م*ا ال س*بيل إلى الش*ك في**ه واعلم أن*ه يل*زم من ش*ك في ه**ذا فتوهم أنه يجوز أن تقول لم أر الق**وم كلهم على مع**نى أن**ك لم تر واح**دا منهم أن يج**ري النهي ه**ذا المج**رى فتق**ول ال تض**رب القوم كلهم على معنى ال تضرب واحدا منهم وأن تقول ال تضرب الرجلين كليهما على معنى ال تضرب واحدا منهما فإذا ق**ال ذل**ك لزمه أن يحيل قول الناس ال تضربهما معا ولكن اض**رب أح**دهما وال تأخذهما جميعا ولكن واحدا منهما وكفى بذلك فس**ادا وإذ ق**د بان لك من حال النصب أنه يقتضي أن يكون المعنى على أنه قد

Page 136: دلائل الإعجاز للجرجاني

صنع من الذنب بعض**ا وت**رك بعض**ا ف**اعلم أن الرف**ع على خالف ذلك وأنه يقتضي نفي أن يكون قد صنع منه شيئا وأتى من**ه قليال أو كثيرا وأنك إذا قلت كلهم ال يأتيك وكل ذلك ال يكون وك**ل ه**ذا ال يحس***ن كنت نفيت أن يأتي***ه واح***د منهم وأبيت أن يك***ون أو يحسن شيء مما أشرت إليه ومما يش**هد ل**ك ب**ذلك من الش**عر

قوله من الطويل فكيف وكل ليس يعدو حمامه وال المرئ عم*ا قض*ى الل*ه مزح*ل المعنى على نفي أن يعدو أحد من الن**اس حمام**ه بال ش**بهة ول**و قلت فكيف وليس يعدو كل حمامه فأخرت كال ألفس*دت المع*نى وصرت كأنك تقول إن من الن**اس من يس**لم من الحم**ام ويبقى خالدا ال يموت ومثله قول دعبل من الطويل فوالله ما أدري ب**أي س**هامها رمت**ني وك**ل عن**دنا ليس بالمك**دي أبالجي**د أم مج**رى الوشاح وإنني ألتهم عينيها مع الفاحم الجعد المعنى على نفي أن يكون في سهامها مكد على وجه من الوجوه ومن البين في ذلك م**ا ج**اء في ح**ديث ذي الي**دين ق**ال للن**بي أقص**رت الص**الة أم نسيت يا رسول الله فقال كل ذلك لم يكن فقال ذو اليدين بعض ذلك قد كان المعنى ال محالة على نفي األمرين جميعا وعلى أن**ه عليه السالم أراد أنه لم يكن واح**د منهم**ا ال القص**ر وال النس**يان ولو قيل لم يكن كل ذلك لكان المعنى أنه قد ك**ان بعض**ه واعلم أنه لما كان المع**نى م**ع إعم**ال الفع**ل المنفي في ك**ل نح**و لم يأتني القوم كلهم ولم أر القوم كلهم على أن الفعل قد ك**ان من البعض ووقع على البعض قلت لم يأتني القوم كلهم ولكن أت**اني بعض**هم ولم أر الق**وم كلهم ولكن رأيت بعض**هم ف**أثبت بع**د م**ا نفيت وال يكون ذلك مع رفع كل باالبتداء فلو قلت كلهم لم يأتني

وك**ل ذل**ك لم يكن ولكن ك**ان بعض ذل**ك لم ولكن أتاني بعضهميجز ألنه يؤدي إلى التناقض

وهو أن تقول لم يأتني واحد منهم ولكن أتاني بعضهم واعلم أن**ه ليس الت**أثير لم**ا ذكرن**ا من إعم**ال الفع**ل وت**رك إعمال**ه على الحقيقة وإنما التأثير ألمر آخر وهو دخول كل في حيز النفي وأن ال ي**دخل في**ه وإنم**ا علقن**ا الحكم في ال**بيت وس**ائر م**ا مض**ى بإعمال الفعل وترك إعمال**ه من حيث ك**ان إعمال**ه في**ه يقتض**ي دخوله في حيز النفي وترك عماله ي**وجب خروج*ه من**ه من حيث كان الحرف النافي في البيت حرفا ال ينفصل عن الفعل وه**و لم

Page 137: دلائل الإعجاز للجرجاني

ال أن كون**ه معم**وال للفع**ل وغ**ير معم**ول يقتض**ي م**ا رأيت من الفرق أفال ت**رى أن**ك ل**و جئت بح**رف نفي يتص**ور انفص**اله عن الفعل لرأيت المعنى في ك**ل م**ع ت**رك إعم**ال الفع**ل مثل**ه م**ع إعماله ومثال ذلك قوله البسيط ما كل م**ا يتم**نى الم**رء يدرك**ه وقول اآلخر البسيط ما كل رأي الفتى ي**دعو إلى رش**د ك**ل كم**ا ترى غير معمل فيه الفعل ومرفوع إما باالبتداء وإما بأنه اسم م**ا ثم إن المعنى مع ذلك على ما يكون عليه إذا أعملت في**ه الفع**ل فقتل ما يدرك المرء كل ما يتمناه وما يدعو ك**ل رأي الف**تى إلى رشد وذلك أن التأثير لوقوع**ه في ح**يز النفي وذل**ك حاص**ل في الحالين ول**و ق**دمت كال في ه**ذا فقلت ك**ل م**ا يتم**نى الم**رء ال يدركه وكل رأي الف**تى ال ي**دعو إلى رش**د لتغ**ير المع**نى ولص**ار بمنزلة أن يقال إن المرء ال يدرك شيئا مما يتمن**اه وال يك**ون في رأي الفتى ما ي**دعو إلى رش**د بوج**ه من الوج**وه واعلم أن**ك إذا أدخلت كال في حيز النفي وذلك ب**أن تق**دم النفي علي**ه لفظ**ا أو تق**ديرا ف**المعنى على نفي الش**مول دون نفي الفع**ل والوص**ف

نفسه وإذا أخرجت كال في حيز النفي ولم تدخله فيه ال لفظ*ا وال تق*ديرا ك*ان المع*نى على أن*ك تتبعت الجملة فنفيت الفعل والوصف عنه**ا واح**دا واح**دا والعل**ة في أن كان ذلك كذلك أنك إذا ب**دأت بك**ل كنت ق**د ب**نيت النفي عليه وس**لطت الكلي**ة على النفي وأعملته**ا في**ه وإعم**ال مع**نى الكلي**ة في النفي يقتض**ي أن ال يش**ذ ش**يء عن النفي فاعرف**ه واعلم أن من شأن الوج**وه والف**روق أن ال ي**زال يح**دث بس**ببها وعلى حسب األغراض والمعاني التي تقع فيه**ا دق**ائق وخفاي**ا ال إلى ح**د ونهاي**ة وأنه**ا خفاي**ا تكتم أنفس**ها جه**دها ح**تى ال ينتب**ه ألكثرها وال يعلم أنها هي وح**تى ال ت**زال ت**رى الع**الم يع**رض ل**ه السهو فيه وحتى إنه ليقص**د إلى الص**واب فيق**ع أثن**اء كالم**ه م**ا

يوهم الخطأ وكل ذلك لشدة الخفاء وفرط الغموض فصل في وجوب تنك**ير بعض المف**ردات واعلم أن**ه إذا ك**ان بين**ا في الشيء أنه ال يحتمل إال الوجه الذي هو علي**ه ح**تى ال يش**كل وحتى ال يحتاج في العلم بأن ذل**ك حق**ه وأن**ه الص**واب إلى فك**ر وروية فال مزية وإنما تكون المزية ويجب الفض**ل إذا احتم**ل في ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه وجها آخر ثم رأيت النفس تنبو عن ذلك الوجه اآلخ**ر ورأيت لل**ذي ج**اء علي**ه حس**نا وقب**وال

Page 138: دلائل الإعجاز للجرجاني

يعدمهما إذا أنت تركته إلى الثاني ومثال ذلك قوله تعالى وجعلوا لله شركاء الجن ليس بخاف أن لتق**ديم الش**ركاء حس**نا وروع**ة ومأخذا من القلوب أنت ال تج**د ش**يئا من**ه إن أنت أخ**رت فقلت وجعل**وا الجن ش**ركاء لل**ه وأن**ك ت**رى حال**ك ح**ال من نق**ل عن الصورة المبهجة والمنظ**ر الرائ**ق والحس**ن الب**اهر إلى الش**يء الغفل ال**ذي ال تحلى من**ه بكث**ير طائ**ل وال تص**ير النفس ب**ه إلى حاصل والس*بب في أن ك**ان ذل*ك ك**ذلك ه**و أن للتق*ديم فائ**دة شريفة ومعنى جليال ال سبيل إلي**ه م**ع الت**أخير بيان**ه أن**ا وإن كن**ا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن ش**ركاء وعب**دوهم مع الله تعالى وكان هذا المعنى يحص**ل م**ع الت**أخير حص**وله م**ع التقديم فإن تقديم الشركاء يفيد هذا المع**نى ويفي**د مع**ه مع**نى آخر وهو أنه ما ك**ان ينبغي أن يك**ون لل**ه ش**ريك ال من الجن وال غير الجن وإذا أخر فقيل جعلوا الجن شركاء لله لم يفد ذلك ولم يكن فيه شيء أكثر من اإلخبار عنهم بأنهم عب**دوا الجن م**ع الل**ه تعالى فأما إنكار أن يعبد مع الله غيره وأن يك**ون ل**ه ش**ريك من الجن وغير الجن فال يكون في اللف**ظ م**ع ت**أخير الش**ركاء دلي**ل عليه وذلك أن التقدير يكون مع التق**ديم أن ش**ركاء مفع**ول أول لجعل ولل**ه في موض**ع المفع**ول الث**اني ويك**ون الجن على كالم

ثان على تقدير أنه كأنه قيل فمن جعلوا شركاء الله تعالى فقيل الجن وإذا كان التق**دير في ش**ركاء أن**ه مفع**ول أول ولل**ه في موض**ع المفع**ول الث**اني وق**ع اإلنك**ار على ك**ون شركاء الل**ه تع**الى على اإلطالق من غ**ير اختص**اص ش**يء دون شيء وحصل من ذلك أن اتخاذ الشريك من غ**ير الجن ق**د دخ**ل في اإلنكار دخول اتخاذه من الجن ألن الصفة إذا ذك**رت مج**ردة غير مجراة على شيء كان ال**ذي تعل**ق به**ا من النفي عام**ا في كل ما يجوز أن تكون له تلك الصفة فإذا قلت ما في الدار ك**ريم كنت نفيت الكينونة في الدار عن كل من يكون الك**رم ص**فة ل**ه وحكم اإلنكار أبدا حكم النفي وإذا أخر فقيل وجعلوا الجن شركاء لله كان الجن مفعوال أول والشركاء مفعوال ثانيا وإذا ك**ان ك**ذلك كان الشركاء مخصوصا غير مطلق من حيث كان محاال أن يجري خبرا على الجن ثم يكون عاما فيهم وفي غيرهم وإذا كان ك**ذلك احتم**ل أن يك**ون القص**د باإلنك**ار إلى الجن خصوص**ا أن يكون**وا ش*ركاء دون غ*يرهم ج*ل الل*ه وتع*الى عن أن يك*ون ل*ه ش*ريك

Page 139: دلائل الإعجاز للجرجاني

وشبيه بحال ف*انظر اآلن إلى ش*رف م*ا حص*ل من المع*نى ب*أن قدم الشركاء واعتبره فإنه ينبه**ك لكث**ير من األم**ور وي**دلك على عظم شأن النظم وتعلم به كي**ف يك**ون اإليج**از ب**ه وم**ا ص**ورته وكيف يزاد في المعنى من غير أن يزاد في اللفظ إذ قد ت**رى أن ليس إال تقديم وتأخير وأنه قد حصل لك بذلك من زي**ادة المع**نى ما إن حاولت مع تركه لم يحصل لك واحتجت إلى أن تستأنف له كالما نحو أن تقول وجعلوا الجن شركاء لله وم**ا ينبغي أن يك**ون لله شريك ال من الجن وال من غيرهم ثم ال يكون له إذا عقل من كالمين من الشرف والفخام**ة ومن ك**رم الموق**ع في النفس م**ا تجده له اآلن وقد عق**ل من ه**ذا الكالم الواح**د ومم**ا ينظ**ر إلى مثل ذلك قوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حي**اة إذا أنت راجعت نفسك وأذكيت حسك وجدت لهذا التنك**ير وأن قي**ل على حياة ولم يقل على الحياة حس**نا وروع**ة ولط**ف موق**ع ال يق**ادر قدره وتجدك تعدم ذلك مع التعريف وتخرج عن األريحي**ة واألنس

إلى خالفهما والسبب في ذلك أن المعنى على االزدياد من الحياة ال الحي**اة من أص*لها وذل*ك ال يح*رص علي**ه إال الحي فأم*ا العادم للحياة فال يصح من**ه الح**رص على الحي**اة وال على غيره**ا وإذا كان كذلك صار كأنه قيل ولتجدنهم أحرص الناس ولو عاشوا ما عاشوا على أن يزدادوا إلى حياتهم في ماضي الوقت وراهن**ه حياة في الذي يستقبل فكما أنك ال تق**ول هاهن**ا أن ي**زدادوا إلى حياتهم الحياة بالتعريف وإنما تقول حياة إذ ك**ان التعري**ف يص**لح حيث تراد الحياة على اإلطالق كقولنا كل أحد يحب الحياة ويكره الموت كذلك الحكم في اآلية والذي ينبغي أن يراعى أن المع**نى الذي يوصف اإلنسان بالحرص عليه إذا كان موجودا حال وص**فك له بالحرص عليه لم يتصور أن تجعله حريصا عليه من أصله كيف وال يحرص على الراهن وال الماضي وإنما يكون الحرص على م**ا لم يوجد بعد وشيبه بتنكير الحياة في هذه اآلية تنكيرها في قول**ه ع**ز ولج ولكم في القص**اص حي**اة وذل**ك أن الس**بب في حس**ن التنك**ير وأن لم يحس**ن التعري**ف أن ليس المع**نى على الحي**اة نفسها ولكن على أنه لما كان اإلنسان إذا علم أن**ه إذا قت**ل قت**ل ارتدع بذلك عن القتل فسلم صاحبه ص**ارت حي**اة ه**ذا المهم**وم بقتله في مستأنف ال**وقت مس**تفادة بالقص**اص وص**ار كأن**ه ق**د حيي في باقي عمره به أي بالقصاص وإذا كان المعنى على حياة

Page 140: دلائل الإعجاز للجرجاني

في بعض أوقات**ه وجب التنك**ير وامتن**ع التعري**ف من حيث ك**ان التعريف يقتضي أن تكون الحياة قد ك**انت بالقص**اص من أص**لها وأن يكون القصاص قد ك**ان س**ببا في كونه**ا في كاف**ة األوق**ات وذلك خالف المعنى وغير ما هو المقصود ويبين ذل**ك أن**ك تق**ول ل**ك في ه**ذا غ**نى فتنك**ر إذا أردت أن تجع**ل ذل**ك من بعض م**ا يستغنى به فإن قلت لك في الغنى كان الظاهر أنك جعلت غن**اه به وأمر آخر وهو أنه ال يكون ارتداع ح**تى يك**ون هم وإرادة ليس بواجب أن ال يكون إنس**ان في ال**دنيا إال ول**ه ع**دو يهم بقتل**ه ثم يردع**ه خ**وف القص**اص وإذا لم يجب ذل**ك فمن لم يهم إنس**ان بقتل**ه فكفي ذل**ك الهم لخ**وف القص**اص ليس ه**و ممن ح**يي بالقصاص وإذا دخل الخصوص فقد وجب أن يقال حي**اة وال يق**ال

الحياة كما وجب أن يقال شفاء وال يقال الشفاء في قوله تعالى يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس حيث لم يكن شفاء للجمي**ع واعلم أن**ه ال يتصور أن يكون الذي هم بالقتل فلم يقتل خوف القص**اص داخال في الجملة وأن يكون القصاص أف**اده حي**اة كم**ا أف**اد المقص**ود قتله وذلك أن هذه الحياة إنما هي لمن كان يقتل ل**وال القص**اص وذلك محال في صفة القاصد للقتل فإنما يصح في وصفه ما ه**و كالض**د له**ذا وه**و أن يق**ال إن**ه ك**ان ال يخ**اف علي**ه القت**ل ل**وال القصاص وإذا كان هذا كذلك ك**ان وجه**ا ثالث**ا من وج**وب لتنك*ير فصل في الذوق والمعرفة واعلم أنه ال يص**ادف الق**ول في ه**ذا

من السامع وال يجد لديه قبوال ح*تى يك*ون من أه**ل الباب موقعا الذوق والمعرفة وحتى يكون ممن تحدثه نفسه ب**أن لم**ا ي**ومىء إليه من الحسن واللطف أص**ال وح**تى يختل**ف الح**ال علي**ه عن**د تأم*ل الكالم فيج*د األريحي**ة ت*ارة ويع*رى منه**ا أخ*رى وح*تى إذا عجبته عجب وإذ نبهته لموضع المزية انتبه فأما من كانت الحاالن والوجهان عنده أبدا على سواء وك**ان ال يفق**ه من أم**ر النظم إال الصحة المطلقة وإال إعرابا ظاهرا فما أقل ما يج**دي الكالم مع**ه فليكن من هذه صفته عن**دك بمنزل**ة من ع**دم اإلحس**اس ب**وزن الشعر والذوق الذي يقيم**ه ب**ه والطب**ع ال**ذي يم**يز ص**حيحه من مكسوره ومزاحفه من سالمه وما خرج من البحر مم**ا لم يخ**رج

منه في أنك ال تتصدى له وال

Page 141: دلائل الإعجاز للجرجاني

تتكل**ف تعريف**ه لعلم**ك أن**ه ق**د ع**دم األداة ال**تي معه**ا يع**رف والحاسة التي بها يجد فليكن قدحك في زند وار والحك في ع**ود أنت تطم**ع من**ه في ن**ار واعلم أن ه**ؤالء وإن ك**انوا هم اآلف**ة العظمى في هذا الباب فإن من اآلفة أيضا من زعم أنه ال س**بيل إلى معرفة العلة في قليل ما تعرف المزية فيه وكثيره وأن ليس إال أن تعلم أن هذا التقديم وه**ذا التنك**ير أو ه**ذا العط**ف أو ه**ذا الفصل حسن وأن له موقعا من النفس وحظ**ا من القب**ول فأم**ا أن تعلم لم كان كذلك وما السبب فمما ال سبيل إلي**ه وال مطم**ع في االطالع عليه فهو بتوانيه والكسل فيه في حكم من قال ذلك واعلم أنه ليس إذا لم يمكن معرفة الك**ل وجب ت**رك النظ**ر في الكل وأن تعرف العلة والسبب فيما يمكنك معرفة ذلك في**ه وإن ق**ل فتجعل**ه ش**اهدا فيم**ا لم تع**رف أح**رى من أن تس**د ب**اب المعرفة على نفسك وتأخذها عن الفهم والتفهم وتعودها الكسل والهوينى قال الجاحظ وكالم كث**ير ق**د ج**رى على ألس**نة الن**اس وله مضرة ش**ديدة وثم**رة م**رة فمن أض**ر ذل**ك ق**ولهم لم ي**دع األول لآلخر شيئا قال فل**و أن علم**اء ك**ل عص**ر م**ذ ج**رت ه**ذه الكلمة في أس**ماعهم ترك**وا االس**تنباط لم**ا لم ينت**ه إليهم عمن

إنما هو معدن فكما أنه قبلهم لرأيت العلم مختال واعلم أن العلم ال يمنعك أن ترى ألف وقر قد أخ**رجت من مع**دن ت**بر أن تطلب فيه وأن تأخذ ما تجد ولو كقدر تومة كذلك ينبغي أن يك**ون رأي**ك

في طلب العلم ومن الله تعالى نسأل التوفيق فصل هذا فن من المجاز لم ن**ذكره فيم**ا تق**دم اعلم أن طري**ق المجاز واالتساع في الذي ذكرناه قبل أنك ذكرت الكلمة وأنت ال تريد معناها ولكن تريد معنى ما ه**و ردف ل**ه أو ش**بيه فتج**وزت ب**ذلك في ذات الكلم**ة وفي اللف**ظ نفس**ه وإذ ق**د ع**رفت ذل**ك فاعلم أن في الكالم مجازا على غير هذا الس**بيل وه**و أن يك**ون التجوز في حكم يجري على الكلمة فقط وتكون الكلم**ة متروك**ة على ظاهرها ويكون معناها مقصودا في نفس**ه وم**رادا من غ**ير تورية وال تعريض والمثال فيه ق**ولهم نه**ارك ص**ائم وليل**ك ق**ائم ونام ليلي وتجلى همي وقوله تع**الى فم**ا ربحت تج**ارتهم وق**ول الفرزدق الطويل سقتها خ**روق في المس**امع لم تكن عالط**ا وال مخبوطة في المالغم أنت ت**رى مج**ازا في ه**ذا كل**ه ولكن ال في ذوات الكلم وأنفس األلفاظ ولكن في أحك**ام أج**ريت عليه**ا أفال

Page 142: دلائل الإعجاز للجرجاني

ترى أنك لم تتجوز في قولك نهارك صائم وليل**ك ق**ائم في نفس ص**ائم وق**ائم ولكن في أن أجريتهم**ا خ**برين على النه**ار واللي**ل

وكذلك ليس المجاز في اآلية في لفظه ربحت نفسها ولكن في إسنادها إلى التج**ارة

في قول**ه س**قتها خ**روق ليس التج**وز في نفس وهك**ذا الحكم س**قتها ولكن في أن أس**نده إلى الخ**روق أفال ت**رى أن**ك ال ت**رى ش**يئا منه**ا إال وق**د أري**د ب**ه معن**اه ال**ذي وض**ع ل**ه على وجه**ه وحقيقته فلم يرد بصائم غير الصوم وال بق**ائم غ**ير القي**ام وال ب ربحت غير الربح وال ب سقت غ**ير الس**قي كم**ا أري**د ب س**الت في قوله الطوي**ل وس**الت بأعن**اق المطي األب**اطح غ**ير الس**يل واعلم أن الذي ذكرت لك في المجاز هن**اك من أن من ش**أنه أن يفخم عليه المعنى وتحدث فيه النباهة قائم لك مثله هاهنا فليس يشتبه على عاقل أن ليس حال المعنى وموقعه في قوله الرج**ز فن**ام ليلي وتجلى همي كحال**ه وموقع**ه إذا أنت ت**ركت المج**از وقلت فنمت في ليلي وتجلى همي كما لم يكن الحال في قول**ك رأيت رجال كاألسد ومن ذا الذي يخفى عليه مكان العل**و وموض**ع المزية وصورة الفرقان بين قوله تعالى فما ربحت تجارتهم وبين أن يقال فما ربحوا في تج**ارتهم وإن أردت أن ت**زداد لألم**ر تبين**ا ف**انظر إلى بيت الف**رزدق الكام**ل يحمي إذا اخ**ترط الس**يوف

نساءنا ضرب تطير له السواعد أرعل وإلى رونقه ومائه وإلى ما علي**ه من الطالوة ثم ارج**ع إلى ال**ذي هو الحقيقة وقل نحمي إذا اخترط السيوف نساءنا بضرب تط**ير له السواعد أرعل ثم اسبر حالك هل ت**رى مم**ا كنت ت**راه ش**يئا وهذا الضرب من المجاز على حدته كنز من كن**وز البالغ**ة وم**ادة الشاعر المفلق والكاتب البلي**غ في اإلب**داع واإلحس**ان واالتس**اع في طرق البيان وأن تجيء بالكالم مطبوع**ا مص**نوعا وأن يض**عه بعي**د الم**رام قريب**ا من األفه**ام وال يغرن**ك من أم**ره أن**ك ت**رى الرج*ل يق**ول أتى بي الش**وق إلى لقائ**ك وس**ار بي الح*نين إلى رؤيتك وأقدمني بلدك حق لي على إنسان وأشباه ذلك مما تجده لس**عته وش**هرته يج**ري مج**رى الحقيق**ة ال**تي ال يش**كل أمره**ا فليس هو كذلك أبدا بل ي**دق ويلط**ف ح**تى يمتن**ع مثل**ه إال على الشاعر المفلق والكاتب البلي**غ وح**تى يأتي**ك بالبدع**ة لم تعرفه**ا والنادرة تأنق به**ا وجمل**ة األم**ر أن س**بيله س**بيل الض**رب األول

Page 143: دلائل الإعجاز للجرجاني

ال**ذي ه**و مج**از في نفس اللف**ظ وذات الكلم**ة فكم**ا أن من االستعارة والتمثيل عاميا مثل رأيت أسدا ووردت بحرا وشاهدت بدرا وسل من رأيه سيفا ماضيا وخاصيا ال يكمل له كل أحد مث**ل قوله وسالت بأعناق المطي األباطح كذلك األمر في هذا المج**از الحكمي واعلم أنه ليس بواجب في هذا أن يك**ون للفع**ل فاع**ل في التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه عدت به إلى الحقيق**ة مث**ل أن تق**ول في ربحت تج**ارتهم ربح**وا في تج**ارتهم وفي يحمي نساءنا ضرب نحمي نس**اءنا بض**رب ف**إن ذل**ك ال يت**أتى في ك**ل شيء أال ترى أن**ه ال يمكن**ك أن تثبت للفع**ل في قول**ك أق**دمني

على إنسان فاعال س*وى الح*ق وك*ذلك ال تس*تطيع بلدك حق ليفي قوله مجزوء الوافر وصيرني هواك وبي لحيني يضرب المثل وقوله مجزوء الوافر يزي**دك وجه**ه حس**نا إذا م**ا زدت**ه نظ**را أن تزعم أن لصيرني فاعال قد نق**ل عن**ه الفع**ل فجع**ل لله**وى كم**ا فعل ذلك في ربحت تجارتهم ويحمي نساءنا ض**رب وال تس**تطيع كذلك أن تقدر ل يزيد في قوله يزي**دك وجه**ه ف**اعال غ**ير الوج**ه فاالعتبار إذا بأن يكون المعنى الذي يرجع إليه الفعل موجودا في الكالم على حقيقت**ه مع**نى ذل**ك أن الق**دوم في قول**ك أق**دمني بلدك حق على إنس**ان موج**ود على الحقيق**ة وك**ذلك الص**يرورة

يزي**دك وجه**ه في قول**ه وص**يرني ه**واك والزي**ادة في قول**ه موجودت**ان على الحقيق**ة وإذا ك**ان مع**نى اللف**ظ موج**ودا على الحقيقة لم يكن المجاز فيه نفسه وإذا لم يكن المج**از في نفس اللف**ظ ك*ان ال محال**ة في الحكم ف**اعرف ه**ذه الجمل*ة وأحس*ن ضبطها حتى تكون على بصيرة من األمر ومن اللطي**ف في ذل**ك قول حاجز بن عوف ال**وافر أبي ع**بر الف**وارس ي**وم داج وعمي مالك وضع السهاما فلو صاحبتنا لرض*يت عن**ا إذا لم تغب**ق المئ**ة الغالما يريد إذا كان العام عام جدب وجفت ضروع اإلبل وانقط**ع الدر حتى إن جلب منها مئة لم يحصل من لبنها م**ا يك**ون غب**وق غالم واح**د فالفع**ل ال**ذي ه**و غب**ق مس**تعمل في نفس**ه على

معناه وأصله إلى معنى شيء آخر فيك*ون حقيقته غير مخرج عن قد دخله مجاز في نفس**ه وإنم**ا المج**از في أن أس**ند إلى اإلب**ل وجعل فعال لها وإسناد الفعل إلى الشيء حكم في الفع**ل وليس هو نفس معنى الفعل فاعرف**ه واعلم أن من س**بب اللط**ف في ذل**ك أن**ه ليس ك**ل ش**يء يص**لح ألن يتع**اطى في**ه ه**ذا المج**از

Page 144: دلائل الإعجاز للجرجاني

الحكمي بسهولة بل تج**دك في كث**ير من األم**ر وأنت تحت**اج إلىأن تهيىء الشيء

وتصلحه لذلك بشيء تتوخاه في النظم وإن أردت مثاال في ذل**ك فانظر إلى قوله الطوي**ل تن**اس طالب العامري**ة إذ ن**أت بأس**جح مرقال الضحى قلق الضفر إذا ما أحسته األفاعي تم**يزت ش**واة األفاعي في مثلمة س**مر تج**وب ل**ه الظلم**اء عين كأنه**ا زجاج**ة شرب غير مألى وال صفر يصف جمال ويريد أنه يهتدي بن**ور عين**ه في الظلماء ويمكنه بها أن يخرقها ويمض**ي فيه**ا ولواله**ا لك*انت الظلماء كالس**د والح**اجز ال**ذي ال يج**د ش**يئا يفرج**ه ب**ه ويجع**ل لنفسه فيه سبيال فأنت اآلن تعلم أنه لوال أنه قال تجوب له فعلق له ب تجوب لما ص**لحت العين ألن يس**ند تج**وب إليه**ا ولك**ان ال تتبين جهة التجوز في جعل تج**وب فعال للعين كم**ا ينبغي وك**ذلك تعلم أنه ل**و ق**ال مثال تج**وب ل**ه الظلم**اء عين**ه لم يكن ل**ه ه**ذا الموقع وال ضرب عليه معناه وانقطع السلك من حيث كان يعيب**ه

ه**ذا واعت**بره حينئذ أن يص**ف العين بم**ا وص**فها ب**ه اآلن فتأم**ل فهذه التهيئة وهذا االستعداد في هذا المج**از الحكمي نظ**ير أن**ك تراك في االستعارة التي هي مجاز في نفس الكلمة وأنت تحتاج في األمر األكثر إلى أن تمهد لها وتقدم أو تؤخر ما يعلم ب**ه أن**ك مس**تعير ومش**به ويفتح طري**ق المج**از إلى الكلم**ة أال ت**رى إلى قوله الطويل وصاعقة من نصله تنكفي به**ا على أرؤس األق**ران خمس سحائب عنى بخمس السحائب أنامله ولكنه لم يأت به**ذه االستعارة دفع*ة ولم يرمه**ا إلي**ك بغت**ة ب*ل ذك*ر م*ا ين**بىء عنه**ا ويستدل به عليها فذكر أن هناك صاعقة وقال من نصله فبين أن تل*ك الص*اعقة من نص*ل س*يفه ثم ق*ال على أرؤس األق*ران ثم

قال خمس فذكر الخمس التي هي عدد أنام**ل الي**د فب**ان من مجم**وع ه**ذه األمور غرضه وأنش*دوا لبعض الع*رب الرج*ز ف**إن تع*افوا الع*دل واإليمانا فإن في أيماننا نيرانا يريد أن في أيماننا سيوفا نض**ربكم بها ولوال قوله أوال فإن تعافوا العدل واإليمان وأن في ذلك دالل**ة على أن جوابه أنهم يحاربون ويقسرون على الطاعة بالس*يف ثم قوله فإن في أيماننا لما عقل مراده ولما جاز أن يستعير النيران للس**يوف ألن**ه ك**ان ال يعق**ل ال**ذي يري**د ألن**ا وإن كن**ا نق**ول في أيديهم سيوف تلمع كأنها ش**عل ن**ار كم**ا ق**ال الكام**ل ناهض**تهم

Page 145: دلائل الإعجاز للجرجاني

والبارقات كأنها شعل على أيديهم تتلهب فإن هذا التشبيه ال يبلغ م**ا يع**رف م**ع اإلطالق كمعرفتن**ا إذا ق**ال رأيت أس**دا أن**ه يري**د الشجاعة وإذا قال لقيت شمسا وبدرا أنه يريد الحسن وال يق**وى تلك القوة فاعرفه ومما طريق المجاز فيه الحكم ق**ول الخنس**اء البسيط ترتع ما رتعت ح**تى إذا ادك**رت فإنم**ا هي إقب**ال وإدب**ار وذاك أنها لم ترد باإلقبال واإلدبار غير معناهما فتكون قد تجوزت في نفس الكلمة وإنم**ا تج**وزت في أن جعلته**ا لك**ثرة م**ا تقب**ل وتدبر ولغلبة ذاك عليها واتصاله بها وأنه لم يكن لها حال غيرهم**ا كأنها قد تجسمت من اإلقبال واإلدبار وإنما كان يكون المجاز في نفس الكلمة لو أنها كانت قد اس**تعارت اإلقب**ال واإلدب**ار لمع**نى غير معناهما الذي وضعا له في اللغة ومعلوم أن ليس االس**تعارة

مما أرادته في شيء واعلم أن ليس بالوجه أن يعد ه**ذا على اإلطالق مع**د م**ا ح**ذف منه المضاف وأقيم المض**اف إلي**ه مقام**ه مث**ل قول**ه ع**ز وج**ل وأسأل القرية ومثل قول النابغة الجعدي المتقارب وكيف تواصل من أصبحت خاللته كأبي مرحب وقول األع**رابي ال**وافر حس**بت بغام راحلتي عناقا وم**ا هي ويب غ**يرك بالعن**اق وإن كن**ا ن**راهم يذكرونه حيث يذكرون ح**ذف المض**اف ويقول**ون إن**ه في تق**دير فإنما هي ذات إقبال وإدبار ذاك ألن المضاف المحذوف من نح**و اآلية والبيتين في سبيل ما يح*ذف من اللف*ظ وي*راد في المع*نى كمثل أن يحذف خبر المبت**دأ أو المبت**دأ إذا دل ال**دليل علي**ه إلى سائر ما إذا حذف كان في حكم المنطوق به وليس األم**ر ك**ذلك في بيت الخنساء ألنا إذا جعلنا المعنى فيه اآلن كالمعنى إذا نحن قلن**ا فإنم**ا هي ذات إقب**ال وإدب**ار أفس**دنا الش**عر على أنفس**نا وخرجنا إلى شيء مغسول وإلى كالم عامي مرذول وكان سبيلنا سبيل من يزعم مثال في بيت المتنبي الوافر ب**دت قم**را وم**الت

خوط بان وفاحت عنبرا ورنت غزاال أنه في تق**دير مح**ذوف وأن معن**اه اآلن ك**المعنى إذا قلت ب**دت مثل قمر ومالت مثل خوط ب**ان وف**احت مث**ل عن**بر ورنت مث**ل غ**زال في أن**ا نخ**رج إلى الغثاث**ة وإلى ش**يء يع**زل البالغ**ة عن سلطانها ويخفض من شأنها ويص**د بأوجهن**ا عن محاس**نها ويس**د باب المعرفة بها وبلطائفها علينا فالوجه أن يكون تقدير المضاف في هذا على معنى أنه لو ك**ان الكالم ق**د جىء ب**ه على ظ**اهره

Page 146: دلائل الإعجاز للجرجاني

ولم يقص**د إلى ال**ذي ذكرن**ا من المبالغ**ة واالتس**اع وأن تجع**ل الناق**ة كأنه**ا ق**د ص**ارت بجملته**ا إقب**اال وإدب**ارا ح**تى كأنه**ا ق**د تجسمت منهما لكان حقه حينئذ أن يجاء فيه بلفظ ال**ذات فيق**ال إنما هي ذات إقبال وإدب**ار فأم**ا أن يك**ون الش**عر اآلن موض**وعا على إرادة ذل**ك وعلى تنزيل**ه منزل**ة المنط**وق ب**ه ح**تى يك**ون الح**ال في**ه كالح**ال في حس**بت بغ**ام راحل**تي عناق**ا حين ك**ان المعنى والقصد أن يقول حسبت بغام راحلتي بغام عن**اق مم**ا ال مس**اغ ل**ه عن**د من ك**ان ص**حيح ال**ذوق ص**حيح المعرف**ة نس**ابة

للمعاني فصل في ته**ور بعض المفس**رين ه**ذه مس**ألة ق**د كنت عملته**ا قديما وقد كتبتها هاهنا ألن لها اتصاال بهذا ال**ذي ص**ار بن**ا الق**ول إليه قوله تعالى إن في ذل**ك ل**ذكرى لمن ك**ان ل**ه قلب أي لمن كان أعمل قلبه فيما خلق القلب ل**ه من الت**دبر والتفك*ر والنظ**ر فيم**ا ينبغي أن ينظ**ر في**ه فه**ذا على أن يجع**ل ال**ذي ال يعي وال يسمع وال ينظ**ر وال يتفك**ر كأن**ه ق**د ع**دم القلب من حيث ع**دم

كما جع**ل االنتفاع به وفاته الذي هو فائدة القلب والمطلوب منه الذي ال ينتفع ببصره وسمعه وال يفكر فيما يؤديان إليه وال يحصل من رؤية ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة بمنزلة من ال سمع له وال بصر فأما تفسير من يفسره على أنه بمع**نى من ك**ان ل**ه عقل فإنه إنما يصح على أن يكون ق**د أراد الدالل**ة على الغ**رض على الجملة فأما أن يؤخذ به على هذا الظاهر ح**تى ك**أن القلب اسم للعقل كما يتوهمه أهل الحشو ومن ال يعرف مخ**ارج الكالم فمح**ال باط**ل ألن**ه ي**ؤدي إلى إبط**ال الغ**رض من اآلي**ة وإلى تحري**ف الكالم عن ص**ورته وإزال**ة المع**نى عن جهت**ه وذاك أن المراد به الحث على النظر والتقريع على تركه وذم من يخل ب**ه ويغفل عن**ه وال يحص**ل ذل**ك إال ب**الطريق ال**ذي قدمت**ه وإال ب**أن يكون قد جعل من ال يفق**ه بقلب**ه وال ينظ**ر وال يتفك**ر كأن**ه ليس بذي قلب كم**ا يجع**ل كأن**ه جم**اد وكأن**ه ميت ال يش**عر وال يحس وليس س**بيل من فس**ر القلب هاهن**ا على العق**ل إال س**بيل من فسر عليه العين والسمع في قول الناس هذا بين لمن ك**انت ل**ه عين ولمن كان له سمع وفسر العمى والصمم والموت في صفة من يوصف بالجهالة على مجرد الجه**ل وأج**رى جمي**ع ذل**ك ع**ل

الظاهر فاعرفه

Page 147: دلائل الإعجاز للجرجاني

ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم أن يتوهم**وا أب**دا في األلفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنها على ظواهره**ا فيفسدوا المعنى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضع البالغ**ة وبمك**ان الش**رق وناهي**ك بهم إذا هم أخذوا في ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون في غير طائل هن**اك ت**رى ما شئت من ب**اب جه**ل ق**د فتح**وه وزن**د ض**اللة ق**د ق**دحوا ب**ه ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق فصل في الكناية والتع**ريض هذا فن من القول دقيق المسلم لطيف المأخ**ذ وه**و أن**ا ن**راهم كم**ا يص**نعون في نفس الص**فة ب**أن ي**ذهبوا به**ا م**ذهب الكناي**ة والتع**ريض ك**ذلك ي**ذهبون في إثب**ات الص**فة ه**ذا الم**ذهب وإذا فعلوا ذلك بدت هناك محاسن تمأل الطرف ودقائق تعجز الوصف ورأيت هناك شعرا شاعرا وسحرا ساحرا وبالغ*ة ال يكم*ل له**ا إال الشاعر المفلق والخطيب المص*قع وكم*ا أن الص*فة إذا لم تأت*ك مصرحا بذكرها مكشوفا عن وجهها ولكن مدلوال بغيرها كان ذلك أفخم لشأنها وألطف لمكانها كذلك إثباتك الص**فة للش**يء تثبته**ا له إذا لم تلقه إلى السامع صريحا وجئت إليه من جانب التعريض والكناي**ة والرم**ز واإلش**ارة ك**ان ل**ه من الفض**ل والمزي**ة ومن الحسن والرونق ما ال يق**ل قليل**ه ال يجه**ل موض**ع الفض**يلة في**ه وتفسير هذه الجملة وشرحها أنهم يرومون وصف الرجل ومدح**ه وإثبات معنى من المعاني الش**ريفة ل**ه في**دعون التص**ريح ب**ذلك ويكنون عن جعلها فيه بجعلها في شيء يشتمل عليه ويتلبس ب**ه ويتوص**لون في الجمل**ة إلى م**ا أرادوا من اإلثب**ات ال من الجه**ة الظاهرة المعروف**ة ب**ل من طري**ق يخفى ومس**لك ي**دق ومثال**ه

قول زياد األعجم الكامل إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على ابن الحش**رج وبعده ملك أغر متوج ذو نائل للمعتفين يمينه لم تشنج يا خير من صعد المنابر ب**التقى بع**د الن**بي المص**طفى المتح**رج لم**ا أتيت**ك راجيا لنوالكم ألفيت ب**اب ن**والكم لم ي**رتج أراد كم**ا ال يخفى أن يثبت هذه المعاني واألوصاف خالال للمدوح وض**رائب في**ه ف**ترك أن يصرح فيقول إن السماحة والمروءة والندى مجموعة في ابن الحشرج أو مقصورة عليه أو مختصة به وما شاكل ذلك مم**ا ه**و صريح في إثبات األوصاف للمذكورين بها وعدل إلى ما ت**رى من الكناية والتلويح فجعل كونها في القبة المضروبة عليه عبارة عن

Page 148: دلائل الإعجاز للجرجاني

كونها فيه وإشارة إليه فخرج كالمه ب**ذلك إلى م**ا خ**رج إلي**ه من الجزالة وظهر فيه ما أنت ترى من الفخامة ولو أنه أس**قط ه**ذه الواسطة من البيت لما كان إال كالم**ا غفال وح**ديثا س**اذجا فه**ذه الص**نعة في طري**ق اإلثب**ات هي نظ**ير الص**نعة في المع**اني إذا جاءت كنايات عن معان أخر نح**و قول**ه ال**وافر وم**ا ي**ك في من

عيب فإني جبان الكلب مهزول الفصيل فكما أنه إنما كان من فاخر الشعر ومم*ا يق*ع في االختي**ار ألج*ل

نفس**ه ب**القرى والض**يافة فكن عن ذل**ك بجبن أن أراد أن ي**ذكر الكلب وه**زال الفص**يل وت**رك أن يص**رح فيق**ول ق**د ع**رف أن جنابي مألوف وكل**بي م**ؤدب ال يه**ر في وج**وه من يغش**اني من األضياف وأني أنحر المتالي من إبلي وأدع فص**الها ه**زلى ك**ذلك إنم**ا راق**ك بيت زي**اد ألن**ه ك**نى عن إثبات**ه الس**ماحة والم**روءة والندى كائنة في الممدوح بجعلها كائنة في القبة المضروبة عليه هذاوكما أن من شأن الكناية الواقع**ة في نفس الص**فة أن تجيء على صورة مختلفة كذلك من شأنها إذا وقعت في طريق إثب**ات الصفة أن تجيء على هذا الحد ثم يكون في ذلك ما يتناسب كما كان ذلك في الكناية عن الصفة نفسها تفسير هذا أنك تنظر إلى ق**ول يزي**د بن الحكم يم**دح بن يزي**د بن المهلب وه**و في حبس الحج**اج المنس**رح أص**بح في قي**دك الس**ماحة والمج**د وفض**ل الصالح والحسب فتراه نظ**يرا ل**بيت زي**اد وتعلم أن مك**ان القي**د هاهنا هو مكان القبة هناك كما أنك تنظر إلى قول**ه جب**ان الكلب فتعلم أنه نظير لقوله الطويل زجرت كالبي أن يه**ر عقوره**ا من حيث لم يكن ذل**ك الجبن إال ألن دام من**ه الزج**ر واس**تمر ح**تى

أخرج الكلب بذلك عما هو عادته من الهري**ر والنبح في وج*ه من ي**دنو من دار ه**و مرص**د ألن يعس دونه**ا وتنظ**ر إلى قول**ه مه**زول الفص**يل فتعلم أنه نظير قول ابن هرمة ال أمتع العوذ بالفصال وتنظ**ر إلى ق**ول نص**يب المتق**ارب لعب**د العزي**ز على قوم**ه وغ**يرهم منن ظاهره فبابك أسهل أبوابهم ودارك مأهول**ة ع**امره وكلب**ك آنس ب**الزائرين من األم باالبن**ة الزائ**ره فتعلم أن**ه من ق**ول اآلخ**ر الطويل يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبال يكلمه من حبه وه**و أعجم وأن بينهما قرابة ش**ديدة ونس**با الص**قا وأن ص**ورتهما في ف**رط التناسب ص**ورة بي**تي زي**اد ويزي**د ومم*ا ه**و إثب**ات للص**فة على

Page 149: دلائل الإعجاز للجرجاني

طري**ق الكناي**ة والتع**ريض ق**ولهم المج**د بين ثوبي**ه والك**رم في بردي**ه وذل**ك أن قائ**ل ه**ذا يتوص**ل إلى إثب**ات المج**د والك**رم للممدوح بأن يجعلهما في ثوبه الذي يلبسه كما توص**ل زي**اد إلى إثبات السماحة والم*روءة والن**دى البن الحش*رج ب*أن جعله**ا في

القبة التي هو جالس فيها ومن ذلك قوله البسيط وحيثما يك أمر صالح فكن وما جاء في معناه من قوله المتقارب يصير أبان قرين السماح والمكرمات مع**ا حيث ص**ارا وق**ول أبي نواس الطويل فما ج**ازه ج**ود وال ح**ل دون**ه ولكن يص**ير الج**ود حيث يصير كل ذلك توصل إلى إثبات الصفة في الممدوح بإثباتها في المكان ال**ذي يك*ون في**ه وإلى لزومه**ا ل**ه بلزومه**ا الموض**ع الذي يحله وهكذا إن اعتبرت قول الشنفرى يصف ام**رأة بالعف**ة الطويل يبيت بمنجاة من اللوم بيتها إذا م**ا بي**وت بالمالم**ة حلت وجدته يدخل في معنى بيت زياد وذلك أنه توصل إلى نفي الل**وم عنها وإبعادها عنه بأن نفاه عن بيتها وباعد بينه وبينه وكان مذهبه في ذلك مذهب زياد في التوصل إلى جع**ل الس**ماحة والم**روءة والندى في ابن الحش**رج ب**أن جعله**ا في القب**ة المض**روبة علي**ه وإنما الف**رق أن ه**ذا ينفي وذاك يثبت وذل**ك ف**رق ال في موض**ع

الجمع فهو ال يمنع أن يكونا من نصاب واحد ومما هو في حكم المناسب لبيت زياد وأمثال**ه ال**تي ذك**رت وإن كان قد أخرج في صورة أغرب وأبدع قول حسان رضي الله عنه الطويل بنى المجد بيتا فاستقرت عم**اده علين**ا فأعي**ا الن**اس أن يتحوال وقول البحتري الكامل أو م**ا رأيت المج**د ألقى رحل**ه في

ثم لم يتحول ذاك ألن مدار األمر على أنه جعل المج**د آل طلحة والممدوح في مكان وجعله يكون حيث يكون واعلم أنه ليس كل ما جاء كناي**ة في إثب**ات الص**فة يص**لح أن يحكم علي**ه بالتناس**ب مع**نى ه**ذا أن جعلهم الج**ود والك**رم والمج**د يم**رض بم**رض الممدوح كما قال البحتري الطويل ظللنا نعود الج**ود من وعك**ك الذي وجدت وقلنا اعتل عضو من المجد وإن ك**ان يك**ون القص**د منه إثبات الجود والمجد للممدوح فإنه ال يصح أن يقال إنه نظ**ير لبيت زياد كم**ا قلن**ا ذاك في بيت أبي ن**واس ولكن يص**ير الج**ود حيث يصير وغيره مما ذكرن**ا أن**ه نظ**ير ل**ه كم**ا أن**ه ال يج**وز أن يجع**ل قول**ه وكلب**ك أرأف ب**الزائرين مثال نظ**يرا لقول**ه مه**زول الفصيلوإن كان الغرض منهما جميع**ا الوص**ف ب**القرى والض**يافة

Page 150: دلائل الإعجاز للجرجاني

وكانا جميعا كن**ايتين عن مع**نى واح**د ألن تع**اقب الكناي**ات على المعنى الواحد ال يوجب تناسبها ألنه في عروض أن تتفق األشعار الكثيرة في كونها مدحا بالشجاعة مثال أو الجود أو ما أش**به ذل**ك

وقد يجتمع في البيت الواحد كنايتان المغزى منهما شيء واحد ثم ال تكون إح**داهما في حكم النظ**ير لألخ**رى مث**ال ذل**ك أن**ه ال يكون قوله جب**ان الكلب نظ*يرا لقول*ه مه**زول الفص*يل ب*ل ك*ل واحدة من هاتين الكنايتين أصل بنفسه وجنس على حدة وك**ذلك قول ابن هرمة المنسرح ال أمتع العوذ بالفصال وال أبتاع إال قريبة األج**ل ليس إح**دى كنايتي**ه في حكم النظ**ير لألخ**رى وإن ك**ان المك**نى بهم**ا عن**ه واح**دا فاعرف**ه وليس لش**عب ه**ذا األص**ل وفروعه وأمثلته وصوره وطرقه ومسالكه حد ونهاية ومن لطيف ذلك ونادره قول أبي تم**ام ال**وافر أبين فم**ا ي**زرن س**وى ك**ريم وحسبك أن يزرن أبا سعيد ومثله وإن لم يبلغ مبلغ**ه ق**ول اآلخ**ر ال**وافر م**تى تخل**و تميم من ك**ريم ومس**لمة بن عم**رو من تميم وكذلك قول بعض العرب المتقارب إذا الل**ه لم يس**ق إال الك**رام فس**قى وج**وه ب**ني حنب**ل وس**قى دي**ارهم ب**اكرا من الغيث في ال**زمن الممح**ل وفن من**ه غ**ريب ق**ول بعض**هم في البرامك**ة

الطويل سألت الندى والجود ما لي أراكما تبدلتما ذال بعز مؤيد وما بال ركن المجد أمسى مهدما فقاال أصبنا ب**ابن يح**يى محم**د فقلت فهال متما عند موته فقد كنتما عبديه في كل مش**هد فق**اال أقمنا كي نعزى بفقده مس**افة ي**وم ثم نتل**وه في غ**د فص**ل في التوكيد وعالمات**ه واعلم أن مم**ا أغمض الطري**ق إلى معرف**ة م**ا نحن بص**دده أن هاهن**ا فروق**ا خفي**ة تجهله**ا العام**ة وكث**ير من الخاصة ليس أنهم يجهلونها في موضع ويعرفونها في آخ**ر ب**ل ال يدرون أنها هي وال يعلمونه**ا في جمل**ة وال تفص**يل روي عن ابن األنباري أنه قال ركب الكندي المتفلسف إلى أبي العب**اس وق**ال له إني ألجد في كالم العرب حشوا فقال له أب**و العب**اس في أي موضع وجدت ذلك فقال أجد الع**رب يقول**ون عب**د الل**ه ق**ائم ثم يقولون إن عبد الله قائم ثم يقولون إن عبد الله لقائم فاأللف**اظ متكررة والمعنى واح**د فق**ال أب**و العب**اس ب**ل المع**اني مختلف**ة الختالف األلفاظ فقولهم عبد الله قائم إخبار عن قيام**ه وق**ولهم إن عبد الله قائم جواب عن س**ؤال س**ائل وق**ولهم إن عب**د الل**ه لقائم جواب عن إنكار منكر قيام**ه فق**د تك**ررت األلف**اظ لتك**رر

Page 151: دلائل الإعجاز للجرجاني

المعاني قال فما أحار المتفلسف جوابا وإذا ك**ان الكن**دي ي**ذهب هذا عليه حتى يركب فيه ركوب مستفهم أو مع**ترض فم**ا ظن**ك

بالعامة ومن هو في عداد العامة ممن ال يخطر شبه هذا بباله واعلم أن هاهنا دقائق لو أن الكندي استقرأ وتصفح وتتبع مواق**ع إن ثم ألط**ف النظ**ر وأك**ثر الت**دبر لعلم علم ض**رورة أن ليس سواء دخولها وأن ال تدخل فأول ذلك وأعجبه ما قدمت لك ذك**ره في بيت بش**ار بك**را ص**احبي قب**ل الهج**ير إن ذاك النج**اح في التبكير وما أنشدته مع**ه من ق**ول بعض الع**رب فغنه**ا وهي ل**ك الفداء إن غناء اإلبل الحداء وذلك أنه هل ش**يء أبين في الفائ**دة وأدل على أن ليس س**واء دخوله**ا وأن ال ت**دخل من أن**ك ت**رى الجملة إذا هي دخلت ترتبط بما قبلها وتأتلف معه وتتحد به ح**تى كأن الكالمين قد أفرغا إفراغا واحدا وكأن أحدهما ق**د س**بك في اآلخر ه**ذه هي الص**ورة ح**تى إذا جئت إلى إن فأس**قطتها رأيت الثاني منهما قد نبا عن األول وتجافى معناه عن معن**اه ورأيت**ه ال يتصل به**وال يك**ون من**ه بس**بيل ح**تى تجيء بالف**اء فتق**ول بك**را صاحبي قب**ل الهج**ير ف**ذاك النج**اح في التبك**ير وغنه**ا وهي ل**ك الفداء فغناء اإلبل الحداء ثم ال ترى الفاء تعي**د الجمل**تين إلى م**ا كانت**ا علي**ه من األلف**ة وال ت**رد علي**ك ال**ذي كنت تج**د ب إن من المعنى وهذا الضرب كثير في التنزيل جدا من ذلك قوله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم وقول**ه ع**ز اسمه يا بني أقم الصالة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واص**بر على ما أصابك إن ذلك من عزم األم**ور وقول**ه س**بحانه خ**ذ من أم**والهم ص**دقة تطه**رهم وت**زكيهم به**ا وص**ل عليهم إن ص**التك س**كن لهم ومن أبين ذل**ك قول**ه تع**الى وال تخ**اطبني في ال**ذين ظلموا إنهم مغرق**ون وق**د يتك**رر في اآلي**ة الواح**دة كقول**ه ع**ز اسمه وم*ا أب**رىء نفس*ي إن النفس ألم*ارة بالس*وء إال م*ا رحم ربي إن ربي غف**ور رحيم وهي على الجمل**ة من الك**ثرة بحيث ال

يدركها اإلحصاء ومن خصائصها أنك ترى لضمير األمر والش*أن معه**ا من الحس*ن واللطف ما ال تراه إذا هي لم تدخل عليه بل ت**راه ال يص**لح حيث صلح إال بها وذلك في مثل قوله تعالى إن**ه من يت**ق ويص**بر ف**إن الله ال يضيع أجر المحسنين وقول**ه أن**ه من يح**ادد الل**ه ورس**وله فأن له نار جهنم وقوله أنه من عمل منكم سوءا بجهال**ة ثم ت**اب

Page 152: دلائل الإعجاز للجرجاني

وقوله إنه ال يفلح الكافرون ومن ذلك قوله فإنها ال تعمى األبصار وأجاز أبو الحسن فيها وجها آخر وهو أن يك**ون الض**مير في إنه**ا لألبصار أضمرت قبل الذكر على ش**ريطة التفس**ير والحاج**ة في هذا الوجه أيضا إلى إن قائمة كما كانت في الوج**ه األول فإن**ه ال يقال هي ال تعمى األبصار كما ال يق**ال ه**و من يت**ق ويص**بر ف**إن

ض**مير األم**ر مبت**دأ ب**ه الله ال يض**يع ف**إن قلت أو ليس ق**د ج**اء معرى من العوامل في قوله تعالى قل هو الله أحد قيل وإن جاء هاهنا فإنه ال يكاد يوجد مع الجملة من الشرط والجزاء بل تراه ال يجيء إال ب إن على أنهم قد أجازوا في ق**ل ه**و الل**ه أح**د أن ال يكون الضمير لألمر ومن لطيف ما جاء في هذا الباب ون**ادره م**ا تج***ده في آخ***ر ه***ذه األبي***ات ال***تي أنش***دها الجاح***ظ لبعض

الحجازيين الطويل إذا طمع يوما عراني قريته كتائب يأس كرها وطرادها أكد ثمادي والمياه كثيرة أعالج منها حفرها واكت**دادها وأرض**ى به**ا من بح**ر آخر إنه هو الري أن ترضى النفوس ثمادها المقصود قوله إنه هو

في إن**ه تحتم*ل أم**رين أح**دهما أن تك**ون ال**ري وذل**ك أن اله**اء ضمير األمر ويكون قوله ه**و ض**مير أن ترض**ى وق**د أض**مر قب**ل الذكر على شريطة التفسير األصل أن األمر أن ترض**ى النف**وس ثمادها الري ثم أضمر قبل الذكر كما أضمرت األبص**ار في فإنه**ا ال تعمى األبص***ار على م***ذهب أبي الحس***ن ثم أتى بالمض***مر مصرحا به في آخر الكالم فعلم بذلك أن الضمير السابق له وأن**ه المراد به والثاني أن تكون اله**اء في إن**ه ض**مير أن ترض**ى قب**ل الذكر ويكون هو فصال ويكون أصل الكالم إن أن ترضى النف**وس ثمادها ه**و ال*ري ثم أض**مر على ش**ريطة التفس*ير وأي األم*رين ك**ان فإن**ه ال ب**د في**ه من إن وال س**بيل إلى إس**قاطها ألن**ك إن أسقطتها أفضى ذلك بك إلى شيء شنيع وهو أن تق**ول وأرض**ى بها من بحر آخر وهو الري أن ترض**ى النف**وس ثماده**ا ه**ذا وفي إن هذه شيء آخر يوجب الحاجة إليها وه**و أنه**ا تت**ولى من رب**ط الجملة بما قبلها نحوا مما ذكرت لك في بيت بشار أال ت**رى أن**ك لو أسقطت إن والضميرين معا واقتصرت على ذكر م**ا يبقى من الكالم لم تقله إال بالفاء كقولك وأرضى بها من بح**ر آخ**ر ف**الري أن ترضى النفوس ثمادها فلو أن الفيلسوف ق**د ك**ان تتب**ع ه**ذه

Page 153: دلائل الإعجاز للجرجاني

المواض**ع لم**ا ظن ال**ذي ظن ه**ذا وإذا ك**ان خل**ف األحم**ر وه**والقدوة ومن يؤخذ عنه ومن هو بحيث يقول

الش**عر فينحل**ه الفح**ول والج**اهليين فيخفى ذل**ك ل**ه ويج**وز أن يشتبه ما نحن فيه عليه حتى يقع له أن ينتقد على بشار فال غ**رو أن ت**دخل الش**بهة في ذل**ك على الكن**دي ومم**ا تص**نعه إن في الكالم أن**ك تراه**ا ته**يىء النك**رة وتص**لحها ألن يك**ون له**ا حكم المبتدأ أعني أن تكون محدثا عنها بحديث من بعدها ومث**ال ذل**ك قوله مخلع البسيط إن ش**واء ونش**وة وخبب الب**ازل األم**ون ق**د ترى حسنها وصحة المعنى معها ثم إنك إن جئت به**ا من غ**ير إن فقلت ش**واء ونش**وة وخبب الب**ازل األم**ون لم يكن كالم**ا ف**إن كانت النكرة موصوفة وكانت لذلك تصلح أن يبتدأ بها فإنك تراه**ا مع إن أحسن وترى المعنى حينئذ أولى بالصحة وأمكن أفال ت**رى إلى قول**ه الخفي**ف إن ده**را يل**ف ش**ملي بس**عدى لزم**ان يهم باإلحس**ان ليس بخفي وإن ك**ان يس**تقيم أن تق**ول ده**ر يل**ف شملي بسعدى دهر صالح أن ليس الحاالن علىسواء وكذلك ليس يخفى أنك لو عمدت إلى قول**ه مش**طور المدي**د إن أم**را فادح**ا عن ج**وابي ش**غلك فأس**قطت من**ه إن لع**دمت من**ه الحس**ن

والطالوة والتمكن الذي أنت واجده اآلن ووجدت ضعفا وفتورا ومن تأثير إن في الجملة أنها تغني إذا كانت فيه**ا عن الخ**بر في بعض الكالم ووضع صاحب الكتاب في ذلك بابا فقال هذا باب م**ا يحسن عليه السكوت في األحرف الخمس**ة إلض**مارك م**ا يك**ون مس**تقرا له**ا وموض**عا ل**و أض**مرته وليس ه**ذا المض**مر بنفس المظهر وذلك إن ماال وإن ولدا وإن عددا أي إن لهم م**اال فال**ذي أضمرت هو لهم ويقول الرج**ل للرج**ل ه**ل لكم أح**د إن الن**اس ألب عليكم فيقول إن زيدا وإن عمرا أي لن**ا وق**ال المنس**رح إن محال وإن مرتحال وإن في السفر إن مضوا مهال وتقول إن غيره**ا إبال وشاء كأنه ق**ال إن لن**ا أو عن**دنا غيره**ا ق**ال وانتص**ب اإلب**ل والشاء كانتص**اب الف**ارس إذا قلت م**ا في الن**اس مثل**ه فارس**ا وقال ومثل ذلك قوله من الرجز يا ليت أي**ام الص**با رواجع**ا ق**ال فهذا كقولهم أال ماء باردا كأنه قال أال ماء لنا باردا وكأنه ق**ال ي**ا ليت أيام الص**با أقبلت رواج**ع فق**د أراك في ه**ذا كل**ه أن الخ**بر محذوف وقد ترى حسن الكالم وصحته مع حذفه وترك النطق به

Page 154: دلائل الإعجاز للجرجاني

ثم إنك إن عمدت إلى إن فأسقطتها وجدت الذي كان حسن منحذف

الخبر ال يحسن أو ال يسوغ فلو قلت مال وع**دد ومح**ل ومرتح**ل وغيرها إبال وشاء لم يكن شيئا وذلك أن إن كانت الس**بب في أن حسن حذف الذي حذف من الخبر وأنها حاض**نته والم**ترجم عن**ه والمتكفل بشأنه واعلم أن الذي قلنا في إن من أنها ت**دخل على الجملة من شأنها إذا هي أسقطت منها أن يحتاج فيه**ا إلى الف**اء ال يطرد في ك**ل ش**يء وك**ل موض**ع ب**ل يك**ون في موض**ع دون موضع وفي حال دون حال فإنك قد تراها قد دخلت على الجمل**ة

مما يقتضي الفاء وذلك فيما ال يحص**ى كقول**ه تع**الى ليست هي إن المتقين في مق*ام أمين في جن**ات وعي**ون وذاك أن قبل*ه إن هذا ما كنتم به تمترون ومعلوم أنك ل*و قلت إن ه**ذا م*ا كنتم ب*ه تمترون فالمتقون في جنات وعيون لم يكن كالم**ا وك**ذلك قول**ه إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنه**ا مبع**دون ألن**ك ل**و قلت لهم فيها زفير وهم فيها ال يسمعون فالذين سبقت لهم من**ا الحسنى لم تجد إلدخالك الف**اء في**ه وجه**ا وك**ذا قول**ه إن ال**ذين آمن**وا وال**ذين ه**ادوا والص**ابئين والنص**ارى والمج**وس وال**ذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة الذين آمنوا اسم إن وما بعده معطوف عليه وقوله إن الله يفصل بينهم يوم القيامة جملة في موضع الخبر ودخول الف**اء فيه**ا مح**ال ألن الخ**بر ال يعط**ف على المبتدأ ومثله سواء إن الذين آمنوا وعملوا الص**الحات إن**ا ال نضيع أجر من أحسن عمال فإذا إنما يكون الذي ذكرنا في الجملة من حديث اقتضاء الفاء إذا كان مصدرها مصدر الكالم يصحح ب**ه ما قبله ويحتج له ويبين وجه الفائدة فيه أال ت**رى أن الغ**رض من قوله إن ذاك النجاح في التكبير جل**ه أن ي**بين المع**نى في قول**ه لص**احبيه بك**را وأن يحتج لنفس**ه في األم**ر ب**التبكير وي**بين وج**ه الفائدة فيه وكذلك الحكم في اآلي التي تلوناها فقول**ه إن زلزل**ة

عظيم بيان لمعنى في قوله تع**الى ي**ا أيه**ا الن**اس الساعة شيءاتقوا

ربكم ولم أمروا بأن يتق**وا وك**ذلك قول**ه إن ص**التك س**كن بي**ان للمعنى في أمر النبي بالصالة أي بالدعاء لهم ولهذا سبيل كل ما أنت ترى فيه الجمل**ة يحت**اج فيه**ا إلى الف**اء ف**اعرف ذل**ك فأم**ا الذي ذكر عن أبي العباس من جعله له**ا ج**واب س**ائل إذا ك**انت

Page 155: دلائل الإعجاز للجرجاني

وحدها وجواب منكر إذا كان معها الالم فال**ذي ي**دل على أن له**ا أص**ال في الج**واب أن**ا رأين**اهم ق**د ألزموه**ا الجمل**ة من المبت**دأ والخبر إذا كانت جوابا للقسم نحو والله إن زيدا منطلق وامتنعوا من أن يقولوا والله زيد منطلق ثم إنا إذا اس**تقرينا الكالم وج**دنا األمر بينا في الكثير من مواقعها أنه يقصد بها إلى الجواب كقوله تعالى ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم من**ه ذك**را إن**ا مكنا له في األرض وكقوله عز وجل في أول الس**ورة نحن نقص عليك نبأهم ب**الحق إنهم فتي**ة آمن**وا ب**ربهم وكقول**ه تع**الى ف**إن عصوك فقل إني برىء مما تعملون وقول**ه تع**الى ق**ل إني نهيت أن أعبد الذين ت*دعون من دون الل*ه وقول*ه وق*ل إني أن*ا الن**ذير المبين وأشباه ذلك مما يعلم به أنه كالم أمر النبي بأن يجيب ب**ه الكفار في بعض ما جادلوا وناظروا فيه وعلى ذل**ك قول**ه تع**الى فأتيا فرع**ون فق**وال إن**ا رس**ول رب الع**المين وذاك أن**ه يعلم أن المعنى فأتياه فإذا قال لكما ما شأنكما وما جاء بكما وما تق**والن فقوال إنا رسول رب العالمين وكذا قوله وقال موسى يا فرع**ون

إني رسول من رب العالمين هذا سبيله ومن البين في ذلك قوله تعالى في قصة الس**حرة ق**الوا إن**ا إلى ربنا منقلبون وذاك ألنه عيان أنه ج**واب فرع**ون عن قول**ه آمنتم له قبل أن آذن لكم فهذا هو وجه القول في نصرة ه**ذه الحكاي**ة ثم إن األصل الذي ينبغي أن يكون عليه البناء ه**و ال**ذي دون في الكتب من أنها للتأكيد وإذا كان قد ثبت ذلك فإذا كان الخبر ب**أمر ليس للمخاطب ظن في خالفه البتة وال يكون قد عقد في نفسه أن الذي تزعم أنه كائن غ**ير ك**ائن وأن ال**ذي ت**زعم أن**ه لم يكن كائن فأنت ال تحتاج هناك إلى إن وإنم**ا تحت**اج إليه**ا إذا ك**ان ل**ه ظن في الخالف وعقد قلب على نفي ما تثبت أو إثبات م**ا تنفي ولذلك تراها تزداد حسنا إذا كان الخبر بأمر يبع**د مثل**ه في الظن وبشيء قد جرت عادة الناس بخالف**ه كق**ول أبي ن**واس الس*ريع إن غنى نفسك في الياس فقد ترى حسن موقعه**ا وكي**ف قب**ول النفس لها وليس ذلك إال ألن الغالب على الناس أنهم ال يحملون أنفسهم على اليأس وال يدعون الرج**اء والطم**ع وال يع**ترف ك**ل أحد وال يسلم أن الغنى في اليأس فلما كان كذلك ك**ان الموض**ع موضع إلى التأكيد فلذلك كان من حس**نها م**ا ت**رى ومثل**ه س**واء قول محمد بن وهيب الطويل أجارتنا إن التعفف بالي**اس وص**برا

Page 156: دلائل الإعجاز للجرجاني

على استدرار دنيا بإبساس حريان أن ال يقذفا بمدلة كريما وأن ال يحوجاه إلى الناس أجارتنا إن القداح كواذب وأكثر أسباب النجاح مع الياس هو كما ال يخفى كالم مع من ال يرى أن األمر كما ق**ال بل ينكره ويعتقد خالفه ومعل**وم أن**ه لم يقل**ه إال والم**رأة تح**دوه

وتبعثه على التعرض للناس وعلى الطلب ومن لطي**ف مواقعه**ا أن ي**دعى على المخ**اطب ظن لم يظن**ه ولكن يراد التهكم به وأن يقال إن حالك والذي صنعت يقتضي أن تكون قد ظننت ذلك ومثال ذلك قول األول الس**ريع ج**اء ش**قيق عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح يقول إن مجيئه هكذا م**دال بنفسه وبشجاعته قد وضع رمحه عرضا دليل على إعجاب ش**ديد وعلى اعتقاد منه أنه ال يقوم له أحد حتى كأن ليس م*ع أح*د من**ا رمح يدفعه به وكأنا كلنا عزل وإذا كان ك**ذلك وجب إذا قي**ل أنه**ا جواب سائل أن يشترط فيه أن يكون للسائل ظن في المسؤول عنه على خالف ما أنت تجيبه ب**ه فأم**ا أن يجع**ل مج**رد الج**واب أصال فيه فال ألنه يؤدي أن ال يستقيم لنا إذا قال الرجل كيف زي**د أن تقول صالح وإذا قال أين هو أن تق**ول في ال**دار وأن ال يص**ح حتى تقول إنه صالح وإنه في الدار وذل**ك م**ا ال يقول**ه أح**د وأم**ا جعلها إذا جمع بينها وبين الالم نحو إن عبد الله لق**ائم للكالم م**ع المنكر فجيد ألن**ه إذا ك**ان الكالم م**ع المنك**ر ك**انت الحاج**ة إلى التأكيد أشد وذل**ك أن**ك أح**وج م**ا تك**ون إلى الزي**ادة في تث**بيت خبرك إذا كان هناك من يدفعه وينكر صحته إال أنه ينبغي أن يعلم أنه كما يكون لإلنكار قد ك**ان من الس**امع فإن**ه يك**ون لإلنك**ار أو يرى أن يكون من السامعين وجملة األمر أنك ال تقول إنه لكذلك حتى تريد أن تضع كالم**ك وض**ع من ي**زع في**ه عن اإلنك**ار واعلم أنها قد تدخل للداللة على أن الظن قد كان منك أيها المتكلم في ال**ذي ك**ان إن**ه ال يك**ون وذل**ك قول**ك للش**يء ه**و م**رأى من المخاطب ومسمع إنه كان من األمر ما ترى وكان مني إلى فالن إحسان ومعروف ثم إنه جعل جزائي ما رأيت فتجعلك كأن*ك ت*رد على نفسك ظنك الذي ظننت وتبين الخطأ ال**ذي ت**وهمت وعلى ذلك والله أعلم قوله تعالى حكاية عن أم مريم رض**ي الل**ه عنه**ا

قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وكذلك قوله عز وجل حكاية عن ن**وح علي**ه الس**الم ق**ال رب إن قومي كذبون وليس الذي يعرض بسبب هذا الح**رف من

Page 157: دلائل الإعجاز للجرجاني

الدقائق واألمور الخفية يدرك بالهوينا ونحن نقتص**ر اآلن على م**ا ذكرنا ونأخذ في القول عليها إذا اتصلت بها ما فصل في مس**ائل إنم**ا ق**ال الش**يخ أب**و علي في الش**يرازيات يق**ول ن**اس من النحويين في نحو قوله تعالى ق**ل إنم**ا ح**رم ربي الف**واحش م**ا ظهر منها وما بطن إن المعنى م**ا ح**رم ربي إال الف**واحش ق**ال وأصبت ما يدل على ص**حة ق**ولهم في ه**ذا وه**و ق**ول الف**رزدق الطويل أنا الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحس**ابهم أن**ا أو مثلي فليس يخلو ه**ذا الكالم من أن يك**ون موجب**ا أو منفي**ا فل**و كان المراد به اإليجاب لم يستقم أال ترى أنك ال تق**ول ي**دافع أن**ا وال يقاتل أنا وإنما تقول أدافع وأقاتل أال أن المعنى لم**ا ك**ان م**ا يدافع إال أنا فصلت الضمير كما تفصله مع النفي إذا ألحقت مع**ه إال حمال على المعنى وقال أبو إس**حاق الزج**اج في قول**ه تع**الى

إنما حرم عليكم الميتة والدم النصب في الميتة هو القراءة ويجوز إنما حرم عليكم ق**ال أب**و إس*حاق وال**ذي أخت**اره أن تك*ون م*ا هي ال*تي تمن**ع إن من العمل ويكون المعنى ما حرم عليكم إال الميتة ألن إنما تأتي إثباتا لما يذكر بعدها ونفيا لما س**واه وق**ول الش**اعر وإنم**ا ي**دافع عن أحسابهم أن**ا أو مثلي المع**نى م**ا ي**دافع عن أحس**ابهم إال أن**ا أو مثلي انتهى أبي كالم أبي علي اعلم أنهم وإن كانوا قد قالوا ه**ذا ال**ذي كتبت**ه ل**ك ف**إنهم لم يعن**وا ب**ذلك أن المع**نى في ه**ذا ه**و المع**نى في ذل**ك بعين**ه وأن س**بيلهما س**بيل اللفظين يوض**عان لمعنى واحد وفرق بين أن يكون في الشيء معنى الش**يء وبين أن يكون الشيء للشيء على اإلطالق يبين ل**ك أنهم**ا ال يكون**ان سواء أنه ليس كل كالم يصلح فيه ما وإال يصلح فيه إنم*ا أال ت**رى أنها ال تصلح في مثل قوله تعالى وما من إله إال الله وال في نح**و قولنا ما أحد إال وهو يقول ذاك إذ لو قلت إنما من إله الله وإنم**ا أحد وهو يقول ذاك قلت ما ال يكون له معنى فإن قلت إن س**بب ذلك أن أح**دا ال يق**ع إال في النفي وم**ا يج**ري مج**رى النفي من النهي واالستفهام وأن من المزيدة في ما من إله إال الل**ه ك**ذلك ال تكون إال في النفي قيل ففي هذا كفاية بأنه اعتراف بأن ليس**ا س*واء ألنهم*ا ل*و كان*ا س*واء لك*ان ينبغي أن يك*ون في إنم*ا من النفي مثل ما يكون في ما وإال وكما وج**دت إنم**ا ال تص**لح فيم**ا ذكرنا تجد ما وإال ال تصلح في ضرب من الكالم ق**د ص**لحت في**ه

Page 158: دلائل الإعجاز للجرجاني

إنما وذلك في مثل قولك إنما هو درهم ال ينار لو قلت م**ا ه**و إالدرهم ال دينار لم يكن شيئا وإذ قد بان بهذه الجملة

أنهم حين جعلوا إنما في معنى ما وإال لم يعنوا أن المعنى فيهم**ا واحد على اإلطالق وأن يسقطوا الفرق فإني أبين لك أمرها وم**ا هو أصل في كل واحد منهما بعون الله وتوفيقه اعلم أن موضوع إنما على أن تجيء لخبر ال يجهل**ه المخ**اطب وال ي**دفع ص**حته أو

هذه المنزل**ة تفس**ير ذل**ك أن**ك تق**ول للرج**ل إنم**ا ه**و لما ينزل أخوك وإنما هو صاحبك الق*ديم ال تقول*ه لمن يجه**ل ذل*ك وي*دفع صحته ولكن لمن يعلمه ويقر به إال أنك تريد أن تنبهه لل**ذي يجب عليه من حق األخ وحرمة الصاحب ومثله قول اآلخر الخفيف إنما أنت والد واألب القاطع أح**نى من واص**ل األوالد لم ي**رد أن يعلم كافورا أنه والد وال ذاك مما يحتاج ك**افور في**ه إلى اإلعالم ولكن**ه أراد أن يذكره ب**األمر المعل**وم لينب**ني علي**ه اس**تدعاء م**ا يوجب**ه كونه بمنزل**ة الوال**د ومث**ل ذل**ك ق**ولهم إنم**ا يعج**ل من يخش**ى الف**وت وذل**ك أن من المعل**وم الث**ابت في النف**وس أن من لم يخش الف**وت لم يعج**ل ومثال**ه من التنزي**ل قول**ه تع**الى إنم**ا يستجيب الذين يسمعون وقوله تعالى إنم**ا تن**ذر من اتب**ع ال**ذكر وخشي الرحمن بالغيب وقوله تعالى إنما أنت من**ذر من يخش**اها كل ذلك تذكير بأمر ثابت معلوم وذلك أن ك**ل عاق**ل يعلم أن**ه ال تكون استجابة إال ممن يسمع ويعقل ما يقال له ويدعى إلي**ه وأن من لم يسمع ولم يعقل لم يستجب وكذلك معلوم أن اإلنذار إنما يكون إنذارا ويكون له تأثير إذا كان مع من ي**ؤمن بالل**ه ويخش**اه ويصدق بالبعث والساعة فأما الكافر الجاهل فاإلن**ذار مع**ه واح**د فهذا مثال ما الخ**بر في**ه خ**بر ب**أمر يعلم**ه المخ**اطب وال ينك**ره

بحال وأما مثال ما ينزل هذه المنزلة فكقوله الخفيف إنما مصعب شهاب من الله تجلت عن وجه**ه الظلم**اء ادعى في كون الممدوح بهذه الص**فة أن**ه أم**ر ظ**اهر معل**وم للجمي**ع على عادة الشعراء إذا مدحوا أن يدعوا في األوصاف التي يذكرون بها الممدوحين أنها ثابتة لهم وأنهم قد شهروا بها وأنهم لم يصفوا إال بالمعلوم الظاهر الذي ال يدفعه أحد كما قال وتعذلني أفناء س**عد عليهم وما قلت إال بالذي علمت سعد وكما قال البحتري ال أدعي ألبي العالء فضيلة حتى يسلمها إليه عداه ومثله ق**ولهم إنم**ا ه**و أسد وإنما هو نار وإنما هو سيف صارم إذا أدخلوا إنما جعل**وا في

Page 159: دلائل الإعجاز للجرجاني

حكم الظاهر المعلوم الذي ال ينكر وال يدفع وال يخفى وأما الخ**بر بالنفي واإلثبات نحو ما هذا إال كذا وإن ه**و إال ك**ذا فيك*ون لألم*ر ينكره المخاطب ويشك فيه فإذا قلت ما هو إال مصيب أو م**ا ه**و إال مخطىء قلت**ه لمن ي**دفع أن يك**ون األم**ر على م**ا قلت**ه وإذا رأيت شخصا من بعيد فقلت ما هو إال زي**د لم تقل**ه إال وص**احبك يتوهم أنه ليس بزيد وأنه إنسان آخر ويج**د في اإلنك**ار أن يك**ون زيدا وإذا كان األمر ظاهرا كالذي مضى لم تقله ك**ذلك فال تق**ول للرجل ترققه على أخيه وتنبهه للذي يجب عليه من ص**لة ال**رحم ومن حسن التحاب ما هو إال أخوك وكذلك ال يصلح في إنم**ا أنت

إال والد فأما نحو إنما مصعب شهاب فيص**لح في**ه أن والد ما أنت تقول ما مصعب إال ش**هاب ألن**ه ليس من المعل**وم على الص**حة وإنما ادعى الشاعر فيه أن**ه ك**ذلك وإذا ك**ان ه**ذا هك**ذا ج**از أن تقوله بالنفي واإلثبات إال أن**ك تخ*رج الم*دح حينئ**ذ عن أن يك*ون على حد المبالغ**ة من حيث ال تك**ون ق**د ادعيت في**ه أن**ه معل**وم

وأنه بحيث ال ينكره منكر وال يخالف فيه مخالف قوله تعالى إن أنتم إال بشر مثلن**ا تري**دون أن تص**دونا عم**ا ك**ان يعبد آباؤنا إنما جاء والل**ه أعلم ب**إن وإال دون إنم**ا فلم يق**ل إنم**ا أنتم بشر مثلن**ا ألنهم جعل**وا الرس**ل ك**أنهم بادع**ائهم النب**وة ق**د أخرجوا أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم وادعوا أم**را ال يج**وز أن يكون لمن هو بشر ولما كان األمر كذلك أخرج اللفظ مخرجه حيث ي**راد إثب**ات أم**ر يدفع**ه المخ**اطب وي**دعي خالف**ه ثم ج**اء الجواب من الرسل الذي هو قول**ه تع**الى ق**الت لهم رس**لهم إن نحن إال بش**ر مثلكم ك**ذلك ب**إن وإال دون إنم**ا ألن من حكم من ادعى عليه خصمه الخالف في أمر هو ال يخالف فيه أن يعيد كالم الخصم على وجهه ويجيء ب**ه على هيئت**ه ويحكي**ه كم**ا ه**و ف**إذا قلت للرجل أنت من ش**أنك كيت وكيت ق**ال نعم أن**ا من ش**أني كيت وكيت ولكن ال ضير علي وال يلزمني من أجل ذلك ما ظننت أنه يلزم فالرسل صلوات الله عليهم كأنهم قالوا إن م**ا قلتم من أنا بشر مثلكم كما قلتم لسنا ننكر ذل**ك وال نجهل**ه ولكن ذل**ك ال يمنعنا من أن يكون الله تع**الى ق**د من علين**ا وأكرمن**ا بالرس**الة وأما قوله تعالى قل إنما أن*ا بش*ر مثلكم فج*اء بإنم*ا ألن*ه ابت**داء كالم قد أمر النبي بأن يبلغه إياهم ويقوله معهم وليس ه**و جواب**ا لكالم سابق قد قيل فيه إن أنت إال بشر مثلنا فيجب أن يؤتى ب**ه

Page 160: دلائل الإعجاز للجرجاني

على وفق ذلك الكالم ويراعى فيه حذوه كما كان ذل**ك في اآلي**ة األولى وجملة األمر أنك متى رأيت شيئا هو من المعلوم ال**ذي ال يشك فيه قد جاء بالنفي ف**ذلك لتق**دير مع**نى ص**ار ب**ه في حكم

وم**ا أنت بمس*مع من في المشكوك فيه فمن ذل**ك قول**ه تع*الى القبور إن أنت إال نذير إنما جاء والله أعلم ب**النفي واإلثب**ات ألن**ه لما قال تعالى وما أنت بمسمع من في القبور وكان المع**نى في

ذلك أن يقال للنبي إنك لن تستطيع أن تحول قلوبهم عم*ا هي علي**ه من اإلب**اء وال تمل*ك أن توق***ع اإليم***ان في نفوس***هم م***ع إص***رارهم على كف***رهم واس**تمرارهم على جهلهم وص**دهم بأس**ماعهم عم**ا تقول**ه لهم وتتلوه عليهم كان الالئق بهذا أن يجعل ح**ال الن**بي ح**ال من ق**د ظن أنه يملك ذلك ومن ال يعلم يقينا أن**ه ليس في وس**عه ش**يء أكثر من أن ينذر ويحذر فأخرج اللفظ مخرج**ه إذا ك**ان الخط**اب

ويبين ذلك أن**ك تق**ول للرج**ل مع من يشك فقل إن أنت إال نذير يطيل مناظرة الجاهل ومقاولته إنك ال تستطيع أن تس**مع الميت وأن تفهم الجم**اد وأن تح**ول األعمى بص**يرا وليس بي**دك إال أن تبين وتحتج ولست تملك أكثر من ذلك ال تقول هاهنا فإنم**ا ال**ذي بيدك أن ت**بين وتحتج ذل**ك ألن**ك لم تق**ل ل**ه إن**ك ال تس**تطيع أن تسمع الميت حتى جعلته بمثابة من يظن أنه يملك وراء االحتجاج والبيان شيئا وهذا واضح فاعرف**ه ومث**ل ه**ذا في أن ال**ذي تق**دم من الكالم اقتضى أن يكون اللفظ كالذي تراه من كونه ب**إن وإال قوله تعالى قل ال أملك لنفسي نفعا وال ضرا إال ما شاء الله ول**و كنت أعلم الغيب الستكثرت من الخير وما مسني الس**وء إن أن**ا إال نذير وبشير لقوم يؤمنون فصل ه**ذا بي**ان آخ**ر في إنم**ا اعلم أنها تفيد في الكالم بعدها إيجاب الفعل لش**يء ونفي**ه عن غ**يره فإذا قلت إنما جاءني زيد عقل منه أنك أردت أن تنفي أن يك**ون الجائي غيره فمعنى الكالم معها شبيه بالمعنى في قولك ج**اءني زيد ال عمرو إال أن لها مزية وهي أنك تعقل معه**ا إيج**اب الفع**ل لش**يء ونفي**ه عن غ**يره دفع**ة واح**دة وفي ح**ال واح**دة وليس كذلك األم**ر في ج*اءني زي**د ال عم*رو فإن**ك تعقلهم*ا في ح**الين ومزية ثانية وهي أنها تجعل األمر ظ**اهرا في أن الج**ائي زي**د وال يكون هذا الظهور إذا جعلت الكالم بال فقلت جاءني زيد ال عم**رو ثم اعلم أن قولنا في ال العاطف*ة إنه**ا تنفي عن الث**اني م*ا وجب

Page 161: دلائل الإعجاز للجرجاني

لألول ليس المراد به أنه**ا تنفي عن الث**اني أن يك*ون ق**د ش**ارك األول في الفعل بل إنها تنفي أن يكون الفعل الذي قلت إنه كانمن األول قد كان من الثاني دون األول أال ترى أن ليس المعنى

في قولك جاءني زيد ال عمرو أنه لم يكن من عمرو مجيء إلي**ك مثل ما كان من زيد حتى كأنه عكس قول**ك ج**اءني زي**د وعم**رو بل المعنى أن الجائي هو زي**د ال عم**رو فه**و كالم تقول**ه م**ع من يغلط في الفعل قد كان من هذا فيتوهم أنه كان من ذلك والنكتة أنه ال شبهة في أن ليس ها هنا جائي**ان وأن**ه ليس إال ج**اء واح**د وإنما الشبهة في أن ذلك الجائي زيد أم عمرو فأنت تحق**ق على المخاطب بقولك جاءني زيد ال عمرو أنه زيد وليس بعمرو ونكت**ة أخرى وهي أنك ال تقول جاءني زيد ال عمرو ح**تى يك**ون ق**د بل**غ المخاطب أنه كان مجيء إليك من جاء إال أن**ه ظن أن**ه ك**ان من عم**رو فأعلمت**ه أن**ه لم يكن من عم**رو ولكن من زي**د وإذ ق**د عرفت هذه المعاني في الكالم ب ال العاطفة فاعلم أنها بجملتها قائم**ة ل**ك في الكالم بإنم**ا ف**إذا قلت إنم**ا ج**اءني زي**د لم يكن غرضك أن تنفي أن يكون قد جاء مع زيد غيره ولكن أن تنفي أن يكون المجيء الذي قلت إن**ه ك**ان من**ه ك**ان من عم**رو وك**ذلك تكون الشبهة مرتفعة في أن ليس هاهنا جائيان وأن ليس إال جاء واحد وإنما تكون الشبهة في أن ذلك الجائي زي**د أم عم**رو ف**إذا قلت إنما جاءني زيد حتى يكون قد بلغ المخ**اطب أن ق**د ج**اءك جاء ولكنه ظن أنه عمرو مثال فأعلمته أنه زيد فإن قلت فإن**ه ق**د يصح أن تقول إنما جاءني من بين القوم زي**د وح**ده وإنم**ا أت**اني من جملتهم عمرو فق**ط ف**إن ذل**ك ش**يء ك**التكلف والكالم ه**و األول ثم االعتبار به إذا أطلق فلم يقيد ب وح**ده وم**ا في معن**اه ومعلوم أنك إذا قلت إنم*ا ج*اءني زي*د ولم ت*زد على ذل*ك أن*ه ال يسبق إلى القلب من المعنى إال ما قدمنا ش**رحه من أن**ك أردت النص على زيد أنه الجائي وأن تبطل ظن المخ**اطب أن المجيء لم يكن منه ولكن كان من عمرو حسب ما يكون إذا قلت جاءني زيد ال عمرو فاعرفه وإذ قد عرفت هذه الجملة فإن**ا ن**ذكر جمل**ة من القول في ما وإال وما يك**ون من حكمهم**ا اعلم أن**ك إذا قلت ما جاءني إال زيد احتم*ل أم**رين أح*دهما أن تري**د اختص**اص زي**د ب**المجيء وأن تنفي**ه عمن ع**داه وأن يك**ون كالم**ا تقول**ه ال ألن بالمخ*اطب حاج*ة إلى أن تعلم أن زي*دا ق*د ج*اءك ولكن ألن ب*ه

Page 162: دلائل الإعجاز للجرجاني

حاجة إلى أن يعلم أنه لم يجئ إليك غيره والثاني أن تري**د ال**ذي ذكرناه في إنما ويكون كالما تقوله ليعلم أن الجائي زي**د ال غ**يره فمن ذلك قولك للرجل يدعي أن**ك قلت ق**وال ثم قلت خالف**ه م**ا

قلت اليوم إال ما قلته أمس بعينه ويقول لم تر زيدا وإنما رأيت فالنا فتقول بل لم أر إال زيدا وعلى ذلك قوله تعالى ما قلت لهم إال ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ألن**ه ليس المع**نى أني لم أزد على م**ا أمرت**ني ب**ه ش**يئا ولكن المع**نى أني لم أدع م**ا أمرت**ني ب**ه أن أقول**ه لهم وقلت خالفه ومثال ما جاء في الشعر من ذلك قوله السريع ق**د علمت سلمى وجاراتها ما قطر الف**ارس إال أن**ا المع**نى أن**ا ال**ذي قط**ر الفارس وليس المع**نى على أن**ه يري**د أن ي**زعم أن**ه انف**رد ب**أن قطره وأنه لم يشركه فيه غ**يره وهاهن**ا كالم ينبغي أن تعلم**ه إال أني أكتب لك من قبله مسألة ألن فيه**ا عون**ا علي**ه قول**ه تع**الى إنما يخشى الله من عباده العلماء في تقديم اسم الله ع**ز وج**ل معنى خالف ما يكون ل**و أخ**ر وإنم**ا ي**بين ل**ك ذل**ك إذا اعت**برت الحكم في ما وإال وحصلت الفرق بين أن تقول ما ضرب زي**دا إال عمرو وبين قولك ما ضرب عمرو إال زيدا والفرق بينهم**ا أن**ك إذا قلت ما ضرب زيدا إال عمرو فقدمت المنصوب كان الغرض بيان الضارب من هو واإلخبار بأنه عمرو خاصة دون غيره وإذا قلت ما ض**رب عم**رو إال زي**دا فق**دمت المرف**وع ك**ان الغ**رض بي**ان

ق**د المض**روب من ه**و واإلخب**ار بأن**ه زي**د خاص**ة دون غ**يره وإذ عرفت ذلك فاعتبر به اآلية وإذا اعتبرتها به علمت أن تقديم اسم الله تعالى إنما كان ألجل أن الغ**رض أن ي**بين الخاش**ون من هم ويخبر بأنهم العلماء خاصة دون غيرهم ول**و أخ**ر ذك**ر اس**م الل**ه وقدم العلماء فقيل إنما يخشى العلماء الل**ه لص**ار المع**نى على ض**د م**ا ه**و علي**ه اآلن ولص**ار الغ**رض بي**ان المخش**ي من ه**و واإلخب**ار بأن**ه الل**ه تع**الى دون غ**يره ولم يجب حينئ**ذ أن تك**ون

الخشية من الله تعالى مقصورة على العلماء وأن يكونوا مخصوصين بها كما هو الغ**رض في اآلي**ة ب**ل ك**ان يك**ون المع**نى أن غ**ير العلم**اء يخش**ون الل**ه تع**الى أيض**ا إال أنهم م**ع خشيتهم الله تعالى يخشون معه غ*يره والعلم*اء ال يخش**ون غ**ير الله تعالى وهذا المع*نى وإن ك*ان ق*د ج*اء في التنزي*ل في غ*ير هذه اآلية كقوله تعالى وال يخشون أحدا إال الله فليس هو الغرض

Page 163: دلائل الإعجاز للجرجاني

في اآلية وال اللفظ بمحتمل له البتة ومن أجاز حمله**ا علي**ه ك**ان قد أبطل فائدة التقديم وسوى بين قوله تعالى إنما يخش**ى الل**ه من عباده العلم**اء وبين أن يق**ال إنم**ا يخش**ى العلم**اء الل**ه وإذا سوى بينهما لزمه أن يسوي بين قولنا م**ا ض**رب زي**دا إال عم**رو وبين ما ضرب عمرو إال زيدا وذلك ما ال شبهة في امتناعه فه**ذه هي المسألة وإذ قد عرفتها فاألمر فيها بين أن الكالم بما وإال قد يك**ون في مع**نى الكالم بإنم**ا أال ت**رى إلى وض**وح الص**ورة في قولك ما ضرب زيدا إال عمرو وما ض**رب عم**رو إال زي**دا أن**ه في األول لبي**ان من الض**ارب وفي الث**اني لبي**ان من المض**روب وإن كان تكلفا أن تحمله على نفي الشركة فتريد بما ض**رب زي**دا إال عم**رو أن**ه لم يض**ربه اثن**ان وبم**ا ض**رب عم**رو إال زي**دا أن**ه لم يضرب اثنين ثم اعلم أن السبب في أن لم يكن تقديم المفع**ول في هذا كتأخيره ولم يكن م**ا ض**رب زي**دا إال عم**رو وم**ا ض**رب عمرو إال زيدا سواء في المعنى أن االختصاص يقع في واح**د من الفاعل والمفعول وال يقع فيهما جميعا ثم إنه يقع في الذي يكون بعد إال منهما دون الذي قبلها الستحالة أن يح**دث مع**نى الح*رف في الكلمة قبل أن يجيء الحرف وإذا كان األمر ك**ذلك وجب أن يفترق الح**ال بين أن تق**دم المفع**ول على إال فتق**ول م**ا ض**رب زيدا إال عمرو وبين أن تقدم الفاعل فتق**ول م**ا ض**رب عم**رو إال زيدا ألنا إن زعمنا أن الحال ال يفترق جعلنا المتقدم كالمتأخر في جواز حدوثه فيه وذلك يقتضي المحال الذي هو أن يح**دث مع**نى إال في االسم من قب**ل أن تجيء به**ا فاعرف*ه وإذ ق*د ع**رفت أن االختصاص م**ع إال يق**ع في ال**ذي ت**ؤخره من الفاع**ل والمفع**ول فكذلك يقع مع إنما في المؤخر منهما دون المقدم فإذا قلت إنما ضرب زي**دا عم**رو ك**ان االختص**اص في الض**ارب وإذا قلت إنم**ا

ضرب عمرو زيدا كان االختصاص في المضروب وكما ال يجوز أن يستوي الح**ال بين التق**ديم والت**أخير مع إال كذلك ال يجوز م**ع إنم*ا وإذا اس**تبنت ه**ذه الجمل**ة ع**رفت منها أن الذي صنعه الفرزدق في قوله وإنما يدافع عن أحس**ابهم أن**ا أو مثلي ش**يء ل**و لم يص**نعه لم يص**ح ل**ه المع**نى ذاك ألن غرض***ه أن يخص الم***دافع ال الم***دافع عن***ه وأن***ه ال ي***زعم أن المدافع**ة من**ه تك**ون عن أحس**ابهم ال عن أحس**اب غ**يرهم كم**ا

أدافع إال عن أحسابهم وليس ذل**ك معن**اه إنم**ا يكون إذا قال وما

Page 164: دلائل الإعجاز للجرجاني

معناه أن يزعم أن المدافع هو ال غيره فاعرف ذل**ك ف**إن الغل**ط كم**ا أظن ي**دخل على كث**ير ممن تس**معهم يقول**ون إن**ه فص**ل الضمير للحمل على المعنى فيرى أنه لو لم يفص**له لك**ان يك**ون معناه مثله اآلن هذا وال يجوز أن ينسب فيه إلى الضرورة فيجعل مثال نظير قول اآلخر الهزج كأن**ا ي**وم ق**رى إنم*ا نقت**ل إيان**ا ألن**ه ليس به ض**رورة إلى ذل**ك من حيث إن أداف**ع وي**دافع واح**د في الوزن فاعرف هذا أيضا وجملة األمر أن الواجب أن يكون اللفظ على وجه يجعل االختصاص فيه للف**رزدق وذل**ك ال يك**ون إال ب**أن يق**دم األحس**اب على ض**ميره وه**و ل**و ق**ال وإنم**ا أداف**ع عن أحسابهم استكن ضميره في الفعل فلم يتصور تق**ديم األحس**اب علي**ه ولم يق**ع األحس**اب إال م**ؤخرا عن ض**مير الف**رزدق وإذا ت**أخرت انص**رف االختص**اص إليه**ا ال محال**ة ف**إن قلت إن**ه ك**ان يمكنه أن يقول وإنم**ا أداف**ع عن أحس**ابهم أن**ا فيق**دم األحس**اب على أنا قيل إنه إذا قال أدافع كان الفاعل الضمير المستكن في الفعل وكان أنا الظاهر تأكيدا له أع**ني للمس**تكن والحكم يتعل**ق

بالمؤكد دون التأكيد ألن التأكيد كالتكرير فهو يجيء من بعد نف**وذ الحكم وال يك**ون تق**ديم الج**ار مع المجرور الذي هو قوله عن أحسابهم على الض**مير ال**ذي ه**و تأكيد تقديما ل**ه على الفاع**ل ألن تق**ديم المفع**ول على الفاع**ل إنما يكون إذا ذكرت المفعول قبل أن تذكر الفاعل وال يكون ل**ك إذا قلت وإنما أدافع عن أحسابهم س**بيل إلى أن ت**ذكر المفع**ول قبل أن تذكر الفاعل ألن ذكر الفاعل هاهن**ا ه**و ذك**ر الفع**ل من حيث إن الفاعل مستكن في الفعل فكي**ف يتص**ور تق**ديم ش**يء علي**ه فاعرف**ه واعلم أن**ك إن عم**دت إلى الفاع**ل والمفع**ول فأخرتهما جميعا إلى م**ا بع**د إال ف**إن االختص**اص يق**ع حينئ**ذ في ال**ذي يلي إال منهم**ا ف**إذا قلت م**ا ض**رب إال عم**رو زي**دا ك**ان االختصاص في الفاعل وكان المعنى أنك قلت إن الضارب عمرو ال غيره وإن قلت ما ض**رب إال زي**دا عم**رو ك**ان االختص**اص في المفعول وكان المعنى أنك قلت إن المضروب زي**د ال من س**واه وحكم المفعولين حكم الفاعل والمفعول فيما ذك**رت ل**ك تق**ول لم يكس إال زيدا جبة فيكون المعنى أنه خص الجب**ة من أص**ناف الكس**وة وك**ذلك الحكم حيث يك**ون ب**دل أح**د المفع**ولي ج**ار ومجرور كقول السيد الحميري السريع لو خير المنبر فرسانه م**ا

Page 165: دلائل الإعجاز للجرجاني

اختار إال منكم فارسا االختصاص في منكم دون فارسا ول**و قلت ما اخت**ار إال فارس**ا منكم ص**ار االختص**اص في فارس**ا واعلم أن األمر في المبتدأ والخبر إن كانا بعد إنما على العبرة التي ذك**رت ل**ك في الفاع**ل والمفع**ول إذا أنت ق**دمت أح**دهما على اآلخ**ر مع**نى ذل**ك أن**ك إن ت**ركت الخ**بر في موض**عه فلم تقدم**ه على

المبتدأ كان االختصاص فيه وإن قدمته على المبتدأ صار االختصاص الذي كان فيه في المبتدأ تفسير هذا أن**ك تق**ول إنم**ا هذا لك فيكون االختصاص في لك بداللة أنك تقول إنما هذا لك ال لغيرك وتقول إنما لك هذا فيكون االختصاص في لك بدالل**ة أن**ك تقول إنما هذا لك ال لغيرك وتقول إنما لك هذا فيكون االختصاص في هذا بداللة أنك تقول إنما ل*ك ه**ذا ال ذاك واالختص*اص يك*ون أبدا في الذي إذا جئت بال العاطفة كان العط**ف علي**ه وإن أردت أن يزداد ذلك عندك وضوحا فانظر إلى قوله تع**الى فإنم**ا علي**ك البالغ وعلينا الحساب وقول**ه ع**ز وعال إنم**ا الس**بيل على ال**ذين يستأذنونك فإنك ترى األمر ظاهرا أن االختصاص في اآلية األولى في المبتدأ الذي هو البالغ والحساب دون الخبر ال**ذي ه**و علي**ك وعلينا وأنه في اآلية الثانية في الخبر ال**ذي ه**و على ال**ذين دون المبتدأ الذي هو الس**بيل واعلم أن**ه إذا ك**ان الكالم بم**ا وإال ك**ان ال**ذي ذكرت**ه من أن االختص**اص يك**ون في الخ**بر إن لم تقدم**ه وفي المبتدأ إن قدمت الخبر أوضح وأبين تقول م**ا زي**د إال ق**ائم فيك**ون المع**نى أن**ك اختصص**ت القي**ام من بين األوص**اف ال**تي يتوهم كون زي*د عليه**ا بجعل*ه ص**فة ل*ه وتق*ول م*ا ق*ائم إال زي**د فيكون المعنى أنك اختصصت زي**دا بك**ون موص**وفا بالقي**ام فق**د قصرت في األول الصفة على الموصوف وفي الثاني الموص**وف على الصفة واعلم أن قولنا في الخبر إذا أخر نحو ما زيد إال قائم أنك اختصصت القي**ام من بين األوص**اف ال**تي يت**وهم ك**ون زي**د عليه**ا ونفيت م**ا ع**دا القي**ام عن**ه فإنم**ا نع**ني أن**ك نفيت عن**ه األوصاف التي تنافي القيام نحو أن يكون جالس**ا أو مض**طجعا أو متكئا أو ما ش*اكل ذل**ك ولم ن**رد أن**ك نفيت م*ا ليس من القي**ام بسبيل إذ لسنان ننفي عنه بقولنا ما هو إال قائم أن يك**ون أس**ود أو أبيض أو طويال أو قصيرا أو عالما أو جاهال كما إن**ا إذا قلن**ا م**ا

ليس في الدنيا قائم سواه وإنما نع**ني م**ا قائم إال زيد لم نرد أنهقائم حيث نحن وبحضرتنا وما أشبه ذلك

Page 166: دلائل الإعجاز للجرجاني

واعلم أن األمر بين في قولن**ا م**ا زي**د إال ق**ائم أن ليس المع**نى على نفي الش**ركة ولكن على نفي أن ال يك**ون الم**ذكور ويك**ون بدله شيء آخر أال ترى أن ليس المعنى أن**ه ليس ل**ه م**ع القي**ام صفة أخ**رى ب**ل المع**نى أن ليس ل**ه ب**دل القي**ام ص**فة ليس**ت بالقيام وأن ليس القيام منفي**ا عن**ه وكائن**ا مكان**ه في**ه القع**ود أو االضطجاع أو نحوهم**ا ف**إن قلت فص**ورة المع**نى إذا ص**ورته إذا وضعت الكالم بإنما فقلت إنما هو قائم ونحن نرى أن**ه يج**وز في

ذلك جائزا هذا أن تعطف بال فتقول إنما هو قائم ال قاعد وال نرى مع ما وإال إذ ليس من كالم الناس أن يقول**وا م**ا زي**د إال ق**ائم ال قاعد فإن ذلك إنما لم يجز من حيث إنك إذا قلت ما زيد إال قائم فقد نفيت عنه كل صفة تنافي القيام وصرت كأنك قلت ليس هو بقاعد وال مضطجع وال متكىء وهكذا حتى ال تدع صفة يخ**رج به**ا من القي**ام ف**إذا قلت من بع**د ذل**ك ال قاع**د كنت ق**د نفيت بال العاطفة شيئا قد ب**دأت فنفيت**ه وهي موض**وعة ألن تنفي به**ا م**ا بدأت فأوجبته ال ألن تفيد بها النفي في ش**يء ق**د نفيت**ه ومن ثم لم يجز أن تقول ما جاءني أحد ال زيد على أن تعمد إلى بعض ما دخ**ل في النفي بعم**وم أح**د فتنفي**ه على الخص**وص ب**ل ك**ان الواجب إذا أردت ذلك أن تق**ول م**ا ج**اءني أح**د وال زي**د فتجىء بالواو من قبل ال حتى تخرج بذلك عن أن تكون عاطف**ة ف**اعرف ذلك وإذ قد عرفت فساد أن تقول ما زيد إال ق**ائم ال قاع**د فإن**ك تعرف بذلك امتناع أن تقول ما جاءني إال زيد ال عمرو وما ضربت إال زيدا ال عمرا وما شاكل ذلك وذلك أنك إذا قلت م**ا ج**اءني إال زيد فقد نفيت أن يكون قد جاءك أح**د غ**يره ف**إذا قلت ال عم**رو كنت ق**د طلبت أن تنفي بال العاطف**ة ش**يئا ق**د تق**دمت فنفيت**ه وذلك كما عرفتك خ**روج به**ا عن المع**نى ال**ذي وض**عت ل**ه إلى خالفه فإن قيل فإنك إذا قلت إنما جاءني زيد فقد نفيت فيه أيضا أن يكون المجىء قد كان من غيره فك*ان ينبغي أن ال يج*وز في**ه أيضا أن تعطف بال فتقول إنما جاءني زيد ال عمرو قي**ل إن ال**ذي قلت**ه من أن**ك إذا قلت إنم**ا ج**اءني زي**د فق**د نفيت في**ه أيض**ا المجىء عن غيره غير مس**لم ل**ك على حقيقت**ه وذل**ك أن**ه ليس معك إال قولك جاءني زيد وهو كالم كما تراه مثبت ليس فيه نفي البتة كما كان في قولك ما جاءني إال زيد وإنما في**ه أن**ك وض**عت

يدك على زيد فجعلته الجائي وذلك

Page 167: دلائل الإعجاز للجرجاني

وإن أوجب انتف**اء المجيء عن غ**يره فليس يوجب**ه من أج**ل أن ك**ان ذل**ك إعم**ال نفي في ش**يء وإنم**ا أوجب**ه من ح**ييث ك**ان

يكن المجيء الذي أخبرت ب**ه مجيئ**ا مخصوص**ا إذا ك**ان لزي**د لم لغيره والذي أبيناه أن تنفي بال العاطفة عن شيء وقد نفيته عن**ه لفظ**ا ونظ**ير ه**ذا أن**ا نعق**ل من قولن**ا زي**د ه**و الج**ائي أن ه**ذا المجيء لم يكن من غ**يره ثم ال يمن**ع ذل**ك من أن تجيء في**ه بال العاطفة فتقول زيد هو الجائي ال عمرو ألنا لم نعق**ل م**ا عقلن**اه من انتفاء المجيء عن غيره بنفي أوقعناه على شيء ولكن بأن**ه لما كان المجيء المقصود مجيئا واحدا ك*ان النص على زي*د بأن*ه فاعله وإثباته له نفيا ل**ه عن غ**يره ولكن من طري**ق المعق**ول ال من طريق أن كان في الكالم نفي كما كان ثم فاعرفه فإن قي**ل فإن**ك إذا قلت م**ا ج**اءني إال زي**د ولم يكن غرض**ك أن تنفي أن يكون قد جاء معه واحد آخر كان المجيء أيضا مجيئا واح**دا قي**ل إنه وإن كان واحدا فإنك إنما تثبت أن زيدا الفاعل ل**ه ب**أن نفيت المجيء عن كل من سوى زي**د كم**ا تص**نع إذا أردت أن تنفي أن يكون قد جاء معه جاء آخر وإذا كان كذلك كان ما قلن**اه من أن**ك إن جئت بال العاطفة فقلت م**ا ج**اءني إال زي**د ال عم**رو كنت ق**د نفيت الفعل عن شيء قد نفيته عنه مرة ص**حيحا ثابت**ا كم**ا قلن**ا فاعرف**ه واعلم أن حكم غ**ير في جمي**ع م**ا ذكرن**ا حكم إال ف**إذا قلعت ما جاءني غير زيد احتمل أن تري**د نفي أن يك**ون ق**د ج**اء معه إنسان آخر وأن تريد نفي أن ال يك**ون ق**د ج**اء وج**اء مكان**ه واحد آخر وال يصح أن تقول ما جاءني غ**ير زي**د ال عم**رو كم**ا لم يجز ما جاءني إال زيد ال عمرو فصل في نكتة تتصل بالكالم ال**ذي تضعه ب ما و إال اعلم أن الذي ذكرناه من أنك تق**ول م**ا ض**رب إال عمرو زيدا فتوقع الفاعل والمفعول جميعا بع**د إال ليس ب**أكثر الكالم وإنما األكثر أن تقدم المفعول على إال نحو ما ض**رب زي**دا إال عمرو حتى إنهم ذهبوا فيه أعني في قولك ما ضرب إال عمرو

زيدا إلى أنه على كالمين وأن زيدا منص**وب بفع*ل مض**مر ح*تى ك**أن المتكلم بذلك أبهم في أول أم**ره فق**ال م**ا ض**رب إال عم**رو ثم قيل ل**ه من ض**رب فق**ال ض**رب زي**دا وهاهن**ا إذا ت**أملت مع**نى لطيف يوجب ذلك وهو أنك إذا قلت ما ضرب زيدا إال عمرو ك**ان غرضك أن تختص عمرا بضرب زيد ال بالض**رب على اإلطالق وإذا

Page 168: دلائل الإعجاز للجرجاني

كان كذلك وجب أن تعدي الفعل إلى المفعول من قبل أن ت**ذكر عمرا الذي هو الفاعل ألن السامع ال يعقل عن**ك ان**ك اختصص**ته بالفعل معدى حتى تكون قد بدأت فعديته أعني ال يفهم عنك أنك أردت أن تختص عمرا بضرب زيد حتى تذكره له مع**دى إلى زي**د فأما إذا ذكرته غير معدى فقلت ما ضرب إال عمرو فإن الذي يقع في نفسه أن**ك أردت أن ت*زعم أن**ه لم يكن من أح*د غ*ير عم*رو ضرب وأنه ليس هاهنا مضروب إال وضاربه عم**رو فاعرف**ه أص**ال

في شأن التقديم والتأخير فصل في إنما وظن إن قيل مضيت في كالمك كله على أن إنم**ا للخبر ال يجهله المخاطب وال يكون ذكرك له ألن تفي**ده إي**اه وإن**ا لنراها في كثير من الكالم والقصد بالخبر بعدها أن تعلم الس**امع أمرا قد غلط فيه بالحقيقة واحتاج إلى معرفته كمث**ل م**ا ذك**رت في أول الفصل الثاني من قولك إنما جاءني زيد ال عمرو وتراه**ا كذلك ت**دور في الكتب للكش**ف عن مع**ان غ**ير معلوم**ة ودالل**ة المتعلم منه**ا على م**ا ال يعلم قي**ل أم**ا م**ا يجيء في الكالم من نحو إنما جاء زي**د ال عم**رو فإن**ه وإن ك**ان يك**ون إعالم**ا ألم**ر ال يعلم**ه الس**امع فإن**ه ال ب**د م**ع ذل**ك من أن ي**دعى هن**اك فض**ل

في أن األمر كالذي ذك**ر وق**د قس**مت في أول انكشاف وظهور ما افتتحت القول فيها فقلت إنها تجيء للخ**بر ال يجهل**ه الس**امع وال ينكر صحته أو لما تنزل هذه المنزلة وأما م**ا ذك**رت من أنه**ا تجيء في الكتب لدالل***ة المتعلم على م***ا لم يعلم***ه فإن***ك إذا تأملت مواقعها وجدتها في األمر األكثر قد ج**اءت ألم**ر ق**د وق**ع العلم بموجبه وشيء يدل عليه مثال ذلك أن صاحب الكتاب ق**ال في باب كان إذا قلت كان زيد قد ابتدأت بما ه**و مع**روف عن**ده مثله عندك وإنما ينتظر الخبر فإذا قلت حليما فق**د أعلمت**ه مث**ل ما علمت وإذا قلت ك**ان حليم**ا فإنم**ا ينتظ**ر أن تعرف**ه ص**احب الصفة وذاك أنه إذا كان معلوما أنه ال يك**ون مبت**دأ من غ**ير خ**بر وال خ**بر من غ**ير مبت**دأ ك**ان معلوم**ا أن**ك إذا قلت ك**ان زي**د فالمخاطب ينتظر الخبر وإذا قلت ك*ان حليم*ا أن*ه ينتظ*ر االس*م فلم يقع إذا بعد إنما إال شيء ك**ان معلوم**ا للس**امع من قب**ل أن ينتهي إليه ومما األمر فيه بين قوله في ب**اب ظننت وإنم**ا تحكي

بعد قلت ما كان كالما ال

Page 169: دلائل الإعجاز للجرجاني

قوال وذلك أنه معلوم أن**ك ال تحكي بع**د قلت إذا كنت تنح**و نح**و المعنى إال ما كان جملة مفيدة فال تقول ق**ال فالن زي**د وتس*كت اللهم إال أن تريد أنه نطق باالسم على هذه الهيئة كأنك تريد أن**ه ذكره مرفوعا ومثل ذلك قولهم إنما يح**ذف الش**يء إذا ك**ان في الكالم دليل عليه إلى أشباه ذل*ك مم*ا ال يحص*ى ف*إن رأيته**ا ق*د دخلت على كالم هو ابتداء إعالم بش**يء لم يعلم**ه الس**امع فألن الدليل عليه حاضر منع**ه والش**يء بحيث يق**ع العلم ب**ه عن كثب واعلم أن**ه ليس يك**اد ينتهي م**ا يع**رض بس**بب ه**ذا الح**رف من الدقائق ومما يجب أن يعلم أنه إذا كان الفعل بعدها فعال ال يص**ح إال من الم**ذكور وال يك**ون من غ**يره كالت**ذكر ال**ذي يعلم أن**ه ال يكون إال من أولي األلباب لم يحسن العطف بال فيه كم**ا يحس**ن فيما ال يختص بالمذكور ويصح من غيره تفسير هذا أنه ال يحس**ن أن تقول إنما يتذكر أولو األلباب ال الجهال كم**ا يحس**ن أن تق**ول إنما يجيء زيد ال عمرو ثم إن النفي فيما يجيء فيه النفي يتق**دم تارة ويتأخر أخرى فمثال الت**أخير م**ا ت**راه في قول**ك إنم**ا يجيء زيد ال عمرو وكقوله تعالى إنما أنت مذكر لست عليهم بمس**يطر وكقول لبيد الرمل إنما يجزي الفتى ليس الجمل ومث**ال التق**ديم قولك ما جاءني زيد وإنما ج*اءني عم*رو وه**ذا مم*ا أنت تعلم ب**ه مكان الفائدة فيه**ا وذل**ك أن**ك تعلم ض**رورة أن**ك ل**و لم ت**دخلها وقلت ما جاءني زيد وجاءني عمرو لكان الكالم مع من ظن أنهما جاءاك جميعا وأن المعنى اآلن مع دخولها أن الكالم مع من غل**ط في عين الجائي فظن أنه كان زيدا ال عمرا وأمر آخ**ر وه**و ليسببعيد أن يظن الظان أنه ليس في انضمام ما إلى إن فائدة أكثر

من أنها تبط**ل عمله**ا ح**تى ت**رى النح**ويين ال يزي**دون في أك**ثر كالمهم على أنه**ا كاف**ة ومكانه**ا هاهن**ا يزي**ل ه**ذا الظن ويبطل**ه وذلك أنك ترى أنك لو قلت ما ج*اءني زي**د وإن عم*را ج*اءني لم يعقل منه أنك أردت أن الجائي عمرو ال زيد بل يك**ون دخ**ول إن كالشيء الذي ال يحتاج إلي**ه ووج**دت المع**نى ينب**و عن**ه ثم اعلم أنك إذا استقريت وجدتها أقوى ما تكون وأعلق م**ا ت**رى ب**القلب إذا كان ال يراد بالكالم بعدها نفس معناه ولكن التعريض بأمر ه**و مقتضاه نحو أنا نعلم أن ليس الغرض من قوله تعالى إنما يت**ذكر

األلباب أن يعلم السامعون ظاهر معناه ولكن أن يذم الكفار أولو وأن يقال إنهم من فرط العناد ومن غلبة اله**وى عليهم في حكم

Page 170: دلائل الإعجاز للجرجاني

من ليس ب****ذي عق****ل وإنكم إن طمعتم منهم في أن ينظ****روا ويتذكروا كنتم كمن طمع في ذلك من غير أولي األلب**اب وك**ذلك قوله إنما أنت منذر من يخشاها وقوله عز اسمه إنما تنذر ال**ذين يخش***ون ربهم ب***الغيب المع***نى على أن من لم تكن ل***ه ه***ذه الخشية فهو كأنه ليس له أذن تس**مع وقلب يعق**ل فاإلن**ذار مع**ه كال إنذار ومثال ذلك من الشعر قوله مجزوء الرم**ل أن**ا لم أرزق محبتها إنما للعبد ما رزقا الغرض أن يفهمك من طريق التع**ريض أنه قد صار ينصح نفسه ويعلم أنه ينبغي له أن يقطع الطم**ع من وصلها وييأس من أن يكون منها إسعاف ومن ذلك قوله البس**يط

وإنما يعذر العشاق من عشقا يقول إنه ليس ينبغي للعاشق أن يلوم من يلومه في عشقه وأنه ينبغي أن ال ينكر ذلك من**ه فإن**ه ال يعلم كن**ه البل**وى في العش**ق ولو كان ابتلي به لعرف ما هو فيه فعذره وقوله الكام**ل م**ا أنت بالسبب الضعيف وإنما نجح األمور بقوة األس**باب ف**اليوم حاجتن**ا إليك وإنما يدعى الطبيب لساعة األوصاب يقول في ال**بيت األول إنه ينبغي أن أنجح في أمري حين جعلتك السبب إليه ويق**ول في

جهت**ه الثاني إنا قد وضعنا الشيء في موض**عه وطلبن**ا األم**ر من حين استعنا بك فيما عرض من الحاجة وعولن**ا على فض**لك كم**ا أن من عول على الطبيب فيم*ا يع*رض ل**ه من الس**قم ك**ان ق**د أصاب بالتعويل موضعه وطلب الش**يء من معدن**ه ثم إن العجب في أن هذا التعريض الذي ذكرت لك ال يحصل من دون إنما فل**و قلت يتذكر أولو األلباب لم يدل على م**ا دل علي**ه في اآلي**ة وإن ك**ان الكالم لم يتغ**ير في نفس**ه وليس إال أن**ه ليس في**ه إنم**ا والسبب في ذلك أن هذا التعريض إنما وق**ع ب**أن ك**ان من ش**أن إنم**ا أن تض**من الكالم مع**نى النفي من بع**د اإلثب**ات والتص**ريح بامتناع التذكر ممن ال يعقل وإذا أسقطت من الكالم فقيل يتذكر أولو األلباب كان مجرد وصف ألولي األلباب ب**أنهم يت**ذكرون ولم يكن في**ه مع**نى نفي للت**ذكر عمن ليس منهم ومح**ال أن يق**ع تع**رض لش**يء ليس ل**ه في الكالم ذك**ر وال في**ه دلي**ل علي**ه فالتعريض بمثل هذا أعني بأن يقول يتذكر أولو األلب**اب بإس**قاط إنما يقع إذا إن وقع بمدح إنسان بالتيقظ وبأنه فعل ما فعل وتنبه لما تنبه له لعقله ولحسن تمييزه كما يق**ال ك**ذلك يفع**ل العاق**ل وهكذا يفعل الكريم وهذا موضع في**ه دق**ة وغم**وض وه**و مم**ا ال

Page 171: دلائل الإعجاز للجرجاني

يكاد يق**ع في نفس أح**د أن**ه ينبغي أن يتع*رف س**ببه ويبحث عن حقيقة األم*ر في**ه ومم*ا يجب ل*ك أن تجعل*ه على ذك*ر من**ك من

معاني إنما ما عرفتك أوال من أنها قد تدخل في الشيء على أن يخيل فيه المتكلم أنه معل**وم وي**دعي أنه من الصحة بحيث ال يدفعه داف**ع كقول**ه إنم*ا مص**عب ش**هاب من الله ومن اللطيف في ذلك ق**ول قتب بن حص**ن الطوي**ل أال أيها الناهي فزارة بع*دما أج*دت لغ*زو إنم*ا أنت ح*الم ومن ذل**ك قوله تعالى حكاية عن اليهود وإذا قيل لهم ال تفس**دوا في األرض قالوا إنما نحن مصلحون دخلت إنم**ا لت**دل على أنهم حين ادع**وا ألنفس**هم أنهم مص**لحون أظه**روا أنهم ي**دعون من ذل**ك أم**را ظاهرا معلوما وكذلك أكد األمر في تكذيبهم وال**رد عليهم فجم**ع بين أال الذي هو للتنبيه وبين إن ال**ذي ه**و للتأكي**د فق**ال أال إنهم هم المفس**دون ولكن ال يش**عرون فص**ل في المحاك**اة والنظم أعلم أنه ال يصح تقدير الحكاية في النظم والترتيب ب**ل لن تع**دو الحكاية األلفاظ وأجراس الحروف وذلك أن الحاكي هو من ي**أتي بمثل ما أتى به المحكي عنه وال بد أن تكون حكايته فعال ل**ه وأن يك**ون به**ا ع**امال عمال مث**ل عم**ل المحكي عن**ه نح**و أن يص**وغ إنسان خاتما فيبدع فيه صنعة ويأتي في صناعته بخاصة تستغرب فيعمد واحد آخر فيعمل خاتما على تل**ك الص**ورة والهيئ**ة ويجيء بمثل صنعته فيه ويؤديها كما هي فيق**ال عن**د ذل**ك إن**ه ق**د حكى عم**ل فالن وص**نعة فالن والنظم وال**ترتيب في الكالم كم**ا بين**ا

عمل يعمله مؤلف الكالم في معاني الكلم ال في ألفاظها وهو بم**ا يص**نع في سبيل من يأخذ األصباغ المختلفة فيتوخى فيها ترتيبا يح**دث عن**ه ضرب من النقش والوشي وإذا كان األم**ر ك**ذلك فإن**ا إن تع**دينا بالحكاية األلفاظ إلى النظم والترتيب أدى ذلك إلى المح*ال وه**و أن يك**ون المنش**د ش**عر ام**رىء القيس ق**د عم**ل في المع**اني وترتيبها واستخراج النتائج والفوائد مثل عمل امرىء القيس وأن يكون حاله إذا أنشد قول**ه الطوي**ل فقلت ل**ه لم**ا تمطى بص**لبه وأردف أعج**ازا ون**اء بكلك**ل ح**ال الص**ائغ ينظ**ر إلى ص**ورة ق**د عملها صائغ من ذهب له أو فضة فيجيء بمثلها في ذهبه وفض**ته

أن يكون الراوي مستحقا ألن وذلك يخرج بمرتكب إن ارتكبه إلى يوصف بأنه استعار وشبه وأن يجعل كالشاعر في ك**ل م**ا يك**ون

Page 172: دلائل الإعجاز للجرجاني

به ناظما فيقال إنه جعل هذا فاعال وذاك مفعوال وهذا مبتدأ وذاك خبرا وجعل هذا ح**اال وذاك ص**فة وأن يق**ال نفى ك**ذا واثبت ك**ذا وأبدل كذا من كذا وأضاف كذا إلى ك**ذا وعلى ه**ذا الس**بيل كم**ا يقال ذاك في الشاعر وإذا قيل ذاك لزم منه أن يقال في**ه ص*دق وكذب كما يقال في المحكي عنه وكفى بهذا بعدا وإحالة ويجم**ع هذا كله أنه يلزم من**ه أن يق**ال إن**ه ق**ال ش**عرا كم**ا يق**ال فيمن حكى صنعة الصائغ في خاتم قد عمله إنه قد صاغ خاتم**ا وجمل**ة

أن ننظم كالم**ا من غ**ير الحديث أنا نعلم ضرورة أنه ال يتأتى لن**ا روية وفكر فإن ك**ان راوي الش*عر ومنش**ده يحكي نظم الش**اعر على حقيقته فينبغي أن ال يتأتى له رواية شعره إال بروية وإال بأن ينظر في جميع ما نظر في**ه الش**اعر من أم**ر النظم وه**ذا م**ا ال يبقى معه موضع عذر للشاك هذا وسبب دخول الشبهة على من دخلت عليه نه لما رأى المعاني ال تتجلى للسامع إال من األلف**اظ وكان ال يوقف على األمور التي بتوخيها يكون النظم إال بأن ينظر إلى األلفاظ مرتبة على األنحاء التي يوجبه**ا ت**رتيب المع**اني في النفس وجرت العادة بأن تكون المعاملة م**ع األلف**اظ فيق**ال ق**د

فأجاد تأليفها نظم ألفاظا فأحسن نظمها وألف كلما جعل األلفاظ األصل في النظم وجعله يتوخى فيها أنفسها وت**رك أن يفكر في الذي بيناه من أن النظم هو توخي معاني النحو في معاني الكلم وأن توخيها في متون األلفاظ محال فلما جع**ل ه**ذا في نفسه ونشب هذا االعتقاد به خرج له من ذلك أن الحاكي إذا أدى ألفاظ الشعر على النسق الذي سمعها علي**ه ك**ان ق**د حكى نظم الشاعر كما حكى لفظه وهذه شبهة قد ملكت قلوب الناس وعششت في صدورهم وتشربتها نفوسهم حتى إنك ل**ترى كث**يرا منهم وه**و من حلوله**ا عن**دهم مح**ل العلم الض**روري بحيث إن أومأت له إلى شيء مما ذكرناه اشمأز ل**ك وس**ك س**معه دون**ك وأظهر التعجب منك وتلك جريرة ت**رك النظ**ر وأخ**ذ الش**يء من غير معدن**ه ومن الل**ه التوفي**ق فص**ل في ض**رورة ت**رتيب الكالم ونسبته إلى صاحبه اعلم أنا إذا أضفنا الش**عر أو غ**ير الش**عر من ض**روب الكالم إلى قائل**ه لم تكن إض**افتنا ل**ه من حيث ه**و كلم وأوضاع لغة ولكن من حيث توخي فيها النظم الذي بينا أنه عبارة عن ت**وخي مع**اني النح**و في مع**اني الكلم وذاك أن من ش**أن اإلضافة االختصاص فهي تتن**اول الش**يء من الجه**ة ال**تي تختص

Page 173: دلائل الإعجاز للجرجاني

منها بالمضاف إليه فإذا قلت غالم زيد تناولت اإلضافة للغالم من الجهة التي يختص منها بزي**د وه**و كون**ه مملوك**ا وإذا ك**ان األم**ر كذلك فينبغي لن**ا أن ننظ**ر في الجه**ة ال**تي يختص منه**ا الش**عر بقائله وإذا نظرنا وج**دناه يختص ب**ه من جه**ة توخي**ه في مع**اني الكلم التي ألف**ه منه**ا م**ا توخ*اه من مع*اني النح*و ورأين**ا أنفس الكلم بمعزل عن االختصاص ورأينا حالها معها حال اإلبريسم م**ع الذي ينس**ج من**ه ال**ديباج وح**ال الفض**ة وال**ذهب م**ع من يص**وغ منهما الحلي فما ال يشتبه األمر في أن الديباج ال يختص بناس**جه من حيث اإلبريس**م والحلي بص**ائغها من حيث الفض**ة وال**ذهب ولكن من جه**ة العم**ل والص**نعة ك**ذلك ينبغي أن ال يش**تبه أن

الشعر ال يختص بقائله من جهة أنفس الكلم وأوضاع اللغة ويزداد تبين**ا ل**ذلك ب**أن ينظ**ر في القائ**ل إذا

إلى الشعر فقلت امرؤ القيس قائ**ل ه**ذا الش**عر من أين أضفته جعلته قائال له أمن حيث نطق بالكلم وس**معت ألفاظه**ا من في**ه أم من حيث صنع في معانيها ما صنع وتوخى فيها ما ت**وخى ف**إن زعمت أنك جعلته قائال ل**ه من حيث إن**ه نط**ق ب**الكلم وس**معت ألفاظها من في**ه على النس**ق المخص**وص فاجع**ل راوي الش**عر قائال له فإنه ينط**ق به**ا ويخرجه**ا من في**ه على الهيئ**ة والص*ورة التي نطق بها الشاعر وذلك م**ا ال س**بيل ل**ك إلي**ه ف**إن قلت إن الراوي وإن كان نطق بألفاظ الشعر على الهيئ**ة والص**ورة ال**تي نطق بها الشاعر فإن*ه لم يبت**دئىء فيه**ا النس*ق وال*ترتيب وإنم*ا

جعلته القائل له دون الراوي قي**ل ذلك شيء ابتدأه الشاعر لذلك لك خبرنا عنك أترى أنه يتصور أن يجب أللفاظ الكلم التي تراه**ا في قوله الطويل قفا نبك من ذكرى حبيب وم**نزل ه**ذا ال**ترتيب من غير أن يتوخى في معانيها ما تعلم أن أمرا القيس توخاه من كون نبك جوابا لألمر وكون من معدية له إلى ذكرى وكون ذكرى مضافة إلى حبيب وكون منزل معطوفا على حبيب أم ذلك محال فإن شككت في استحالته لم تكلم وإن قلت نعم هو مح**ال قي**ل ل**ك ف**إذا ك**ان مح**اال أن يجب في األلف**اظ ت**رتيب من غ**ير أن يتوخى في معانيها معاني النحو كان قولك إن الشاعر ابت**دأ فيه**ا

أن**ه ال يك*ون ت**رتيب في ترتيبا قوال بم*ا ال يتحص**ل وجمل**ة األم**ر شيء حتى يكون هناك قصد إلى صورة وصنعة إن لم يق**دم في**ه ما قدم ولم يؤخر ما أخر وبدىء بالذي ثني به أو ثني بال**ذي ثلث

Page 174: دلائل الإعجاز للجرجاني

ب**ه لم تحص**ل ل**ك تل**ك الص**ورة وتل**ك الص**نعة وإذا ك**ان ك**ذلك فينبغي أن ينظر إلى الذي يقصد واضع الكالم أن يحص**ل ل**ه من الص**ورة والص**نعة أفي األلف**اظ يحص**ل ل**ه ذل**ك أم في مع**اني األلفاظ وليس في اإلمكان أن يشك عاقل إذا نظر أن ليس ذل**ك في األلفاظ وإنما الذي يتصور أن يكون مقصودا في األلفاظ ه**و ال**وزن وليس ه**و من كالمن**ا في ش**يء ألن**ا نحن فيم**ا ال يك**ون

الكالم إال به وليس للوزن مدخل في ذلك فصل في ضرورة ربط اللفظ بالمعنى واعلم أني على ط**ول م**ا عدت وأبدأت وقلت وشرحت في هذا الذي قام في أوهام الناس من حديث اللفظ لربما ظننت أني لم أصنع شيئا وذاك أن**ك ت**رى الناس كأنه قد قضي عليهم أن يكونوا في هذا الذي نحن بص**دده على التقليد البحت وعلى التوهم والتخيل وإطالق اللفظ من غير معرفة بالمعنى قد صار ذاك الدأب والديدن واستحكم الداء من**ه االستحكام الشديد وه**ذا ال**ذي بين**اه وأوض**حناه كأن**ك ت**رى أب**دا حجابا بينهم وبين أن يعرفوه وكأن**ك تس**معهم من**ه ش**يئا تلفظ**ه أسماعهم وتنكره نفوسهم وحتى كأنه كلما كان األمر أبين وكانوا عن العلم به أبعد وفي توهم خالفه اقعد وذاك ألن االعتقاد األول قد نشب في قل**وبهم وتأش**ب فيه**ا ودخ**ل بعروق**ه في نواحيه**ا وصار كالنبات السوء الذي كلما قلعته عاد فنبت والذي له صاروا كذلك أنهم حين رأوهم يفردون اللفظ عن المع**نى ويجعل**ون ل**ه حسنا على ح**دة ورأوهم ق**د قس**موا الش**عر فق**الوا إن من**ه م**ا حسن لفظه ومعناه ومنه م**ا حس**ن لفظ**ه دون معن**اه ومن**ه م**ا حس**ن معن**اه دون لفظ**ه ورأوهم يص**فون اللف**ظ بأوص**اف ال يص**فون به**ا المع**نى ظن**وا أن للف**ظ من حيث ه**و لف**ظ حس**نا ومزية ونبال وشرفا وأن األوصاف التي نحل**وه إياه**ا هي أوص**افه على الصحة وذهبوا عما قدمنا ش**رحه من أن لهم في ذل**ك رأي**ا وت**دبيرا وه**و أن يفص**لوا بين المع**نى ال**ذي ه**و الغ**رض وبين الصورة التي يخرج فيها فنسبوا ما كان من الحسن والمزي**ة في

صورة المعنى إلى اللفظ ووصفوه في ذلك بأوصاف هي تخبر عن أنفسها أنه**ا ليس**ت ل**ه كق*ولهم إن**ه حلي المع*نى وإن**ه كالوش*ي علي**ه وإن**ه ق**د كس*ب المعنى دال وشكال وإنه رشيق أني**ق وإن**ه متمكن وإن**ه على ق**در المعنى ال فاضل وال مقصر إلى أش**باه ذل**ك مم**ا ال يش**ك أن**ه ال

Page 175: دلائل الإعجاز للجرجاني

يكون وصفا له من حيث هو لف**ظ وص**دى ص**وت إال أنهم ك**أنهم رأوا بسال حراما أن يكون لهم في ذل**ك فك**ر وروي**ة وأن يم**يزوا فيه قبيال من دبير ومما الصفة فيه للمعنى وإن ج**رى في ظ**اهر المعاملة على اللفظ إال أنه يبعد عند الناس ك**ل البع**د أن يك**ون األمر فيه كذلك وأن ال يكون من صفة اللف**ظ بالص**حة والحقيق**ة وصفنا اللفظ بأنه مجاز وذاك أن العادة قد ج**رت ب**أن يق**ال في الفرق بين الحقيقة والمجاز إن الحقيقة أن يقر اللفظ على أصله في اللغة والمج*از أن ي**زال عن موض**عه ويس**تعمل في غ*ير م**ا وضع له فيقال أسد ويراد شجاع وبحر ويراد جواد وه**و وإن ك**ان شيئا قد استحكم في النفوس حتى إنك ترى الخاصة فيه كالعامة فإن األمر بعد فيه على خالف**ه وذاك أن**ا إذا حققن**ا لم نج**د لف**ظ أسد قد استعمل على القطع والبت في غير ما وضع له ذاك ألنه لم يجع**ل في مع**نى ش**جاع على اإلطالق ولكن جع**ل الرج**ل بش**جاعته أس**دا ف**التجوز في أن ادعيت للرج**ل أن**ه في مع**نى األسد وأنه كأنه هو في قوة قلبه وشدة بطش**ه وفي أن الخ**وف ال يخامره والذعر ال يعرض له وه**ذا إن أنت حص**لت تج**وز من**ك في معنى اللفظ وإنما يكون اللفظ م**زاال بالحقيق**ة عن موض**عه ومنقوال عما وضع له أن لو كنت تجد عاقال يقول هو أس**د وه**و ال يضمر في نفسه تشبيها له باألسد وال يريد إال م**ا يري**ده إذا ق**ال هو شجاع وذلك م**ا ال يش**ك في بطالن**ه وليس العجب إال أنهم ال ي**ذكرون ش**يئا من المج*از إال ق**الوا إن**ه أبل**غ من الحقيق**ة فليت شعري إن كان لفظ أسد قد نقل عما وضع ل**ه في اللغ**ة وأزي**ل عنه وجعل يراد به الش**جاع هك**ذا غفال س**اذجا فمن أين يجب أن يك**ون قولن**ا أس**د أبل**غ من قولن**ا ش**جاع وهك**ذا الحكم في

االستعارة هي وإن كانت في ظاهر المعاملة من صفة اللفظ وكنا نقول هذه لفظة مستعارة قد استعير له اسم األسد إن مآل األمر إلى أن القصد به**ا إلى المع**نى ي**دلك على ذل**ك أن**ا نق**ول جعله أسدا وجعله بدرا وجعله بح**را فل**و لم يكن القص**د به**ا إلى المعنى لم يكن لهذا الكالم وجه ألن جعل ال تص**لح إال حيث ي**راد إثبات صفة للشيء كقولنا جعلته أميرا وجعلته واح**د ده**ره تري**د أثبت له ذلك وحكم جعل إذا تعدى إلى مفعولين حكم صير فكم**ا ال تقول صيرته أميرا إال على مع**نى أن**ك أثبت ل**ه ص**فة اإلم**ارة كذلك ال يصح أن تقول جعلته أسدا إال على معنى أنك جعلت**ه في

Page 176: دلائل الإعجاز للجرجاني

معنى األسد وال يقال جعلت**ه زي**دا بمع**نى س**ميته زي**دا وال يق**ال للرجل اجعل ابنك زيدا بمعنى سمه زي*دا وول*د لفالن ابن فجعل*ه زيدا وإنما يدخل الغل**ط في ذل**ك على من ال يحص**ل فأم**ا قول**ه تعالى وجعلوا المالئكة ال**ذين هم عب**اد ال**رحمن إناث**ا فإنم**ا ج**اء على الحقيق**ة ال**تي وص**فتها وذاك أن المع**نى على أنهم أثبت**وا للمالئكة صفة اإلناث واعتق**دوا وجوده**ا فيهم وعن ه**ذا االعتق**اد صدر عنهم ما صدر من االس**م أع**ني إطالق اس**م البن**ات وليس المعنى أنهم وضعوا لها لفظ اإلناث أو لفظ البنات اسما من غير اعتقاد معنى وإثبات صفة هذا مح**ال ال يقول**ه عاق**ل أم**ا تس**مع قول الله تعالى أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويس**ألون ف**إن كانوا لم يزيدوا على أن أجروا االسم على المالئك**ة ولم يعتق**دوا إثبات صفة ومعنى بإجرائه عليهم ف**أي مع**نى ألن يق**ال اش**هدوا خلقهم هذا ولو كانوا لم يقصدوا إثبات ص*فة ولم يزي*دوا على أن وضعوه اسما لم*ا اس**تحقوا إال اليس*ير من ال**ذم ولم*ا ك**ان ه**ذا الق**ول منهم كف**را واألم**ر في ذل**ك أظه**ر من أن يخفى وجمل**ة األمر أنه إن قيل إنه ليس في الدنيا علم ق**د ع**رض للن**اس في**ه من فحش الغل**ط ومن ق**بيح الت**ورط من ال**ذهاب م**ع الظن**ون الفاسدة ما عرض لهم في هذا الش**أن ظننت أن ال يخش**ى على من يقوله الكذب وهل عجب أعجب من ق**وم عقالء يتل**ون ق**ول

الله تعالى قل لئن اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا الق**رآن ال يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ويؤمن**ون ب**ه وي**دينون بأن القرآن معجز ثم يصدون بأوجههم عن برهان اإلعجاز ودليل**ه

ويسلكون غير سبيله ولقد جنوا لو دروا ذاك عظيما فصل في تحليل بعض الشواهد على اللف**ظ والمع**نى واعلم أن**ه وإن كانت الصورة في ال**ذي أع**دنا وأب**دأنا في**ه من أن ال مع**نى للنظم غ**ير ت**وخي مع**اني النح**و فيم**ا بين الكلم ق**د بلغت في الوضوح والظهور واالنكش**اف إلى أقص**ى الغاي**ة وإلى أن تك**ون الزيادة عليه كالتكلف لما ال يحتاج إليه فإن النفس تنازع إلى تتبع ك**ل ض**رب من الش**بهة ي**رى أن**ه يع**رض للمس**لم نفس**ه عن**د اعتراض الشك وإنا ل**نرى أن في الن**اس من إذا رأى أن**ه يج**ري في القياس وضرب المث**ل أن تش**به الكلم في ض**م بعض**ها إلى بعض بضم غزل اإلبريسم بعضه إلى بعض ورأى أن ال**ذي ينس**ج

Page 177: دلائل الإعجاز للجرجاني

الديباج ويعمل النقش والوش**ي ال يص**نع باإلبريس**م ال**ذي ينس**ج منه شيئا غير أن يضم بعضه إلى بعض ويتخير لألص**باغ المختلف**ة المواقع التي يعلم أنه إذا أوقعها فيها حدث له في نسجه ما يريد من النقش والص**ورة ج**رى في ظن**ه أن ح**ال الكلم في ض**م بعضها إلى بعض وفي تخ**ير المواق**ع له**ا ح**ال خي**وط اإلبريس**م سواء ورأيت كالمه كالم من ال يعلم أنه ال يكون الضم فيه**ا ض**ما وال الموقع موقعا حتى يكون قد توخى فيها معاني النحو وأنك إن عمدت إلى ألفاظ فجعلت تتبع بعض**ها بعض**ا من غ**ير أن تت**وخى فيها معاني النحو لم تكن ص**نعت ش**يئا ت**دعى ب**ه مؤلف**ا وتش**به معه بمن عمل نسجا أو صنع على الجمل**ة ص**نيعا ولم يتص**ور أن تكون قد تخيرت لها المواقع وفساد ه**ذا وش**بيهه من**ا الظن وإن كان معلوما ظاهرا فإن هاهنا استدالال لطيفا تكثر بس**ببه الفائ**دة وهو أنه يتص**ور أن يعم**د عام**د إلى نظم كالم بعين**ه فيزيل**ه عن الصورة التي أرادها الناظم له ويفسدها علي**ه من غ*ير أن يح*ول منه لفظ**ا عن موض**عه أو يبدل**ه بغ**يره أو يغ**ير ش**يئا من ظ**اهر أم**ره على ح**ال مث**ال ذل**ك أن**ك إن ق**درت في بيت أبي تم**ام

الطويل لعاب األفاعي القاتالت لعابه وأري الجنى اشتارته أيد عواسل أن لعاب األفاعي مبتدأ ولعابه خبر كما يوهمه الظاهر أفسدت علي**ه كالم**ه وأبطلت الص**ورة ال**تي أراده**ا في**ه وذل**ك أن الغ**رض أن يش**به م**دار قلم**ه بلع**اب األف**اعي على مع**نى أن**ه إذا كتب في إقامة السياسات وك**ذلك الغ**رض أن يش**به م**داده ب**أري الج**ني

في العطاي**ا والص**الت أوص**ل ب**ه إلى على مع**نى أن**ه إذا كتب النفوس ما تحلو مذاقته عندها وأدخل السرور واللذة عليها وه**ذا المعنى إنما يكون إذا كان لعابه مبتدأ ولعاب األف**اعي خ*برا فأم**ا تقديرك أن يكون لعاب األفاعي مبتدأ ولعاب**ه خ**برا فيبط**ل ذل**ك ويمنع منه البتة ويخرج بالكالم إلى ما ال يجوز أن يكون مرادا في مثل غرض أبي تمام وهو أن يكون أراد أن يش**به لع**اب األف**اعي بالمداد ويشبه كذلك األري به فلو كان حال الكلم في ضم بعضها إلى بعض كحال غزل اإلبريسم لك**ان ينبغي أن ال تتغ**ير الص**ورة الحاص**لة من نظم كلم ح**تى ت**زال عن مواض**عها كم**ا ال تتغ**ير الصورة الحادثة عن ض**م غ**زل اإلبريس**م بعض**ه إلى بعض ح**تى تزال الخيوط عن مواض**عها واعلم أن**ه ال يج**وز أن يك**ون س**بيل

Page 178: دلائل الإعجاز للجرجاني

قوله لعاب األفاعي القاتالت لعابه س**بيل ق**ولهم عتاب**ك الس**يف وذلك أن المعنى في بيت أبي تمام على أنك تشبه ش**يئا بش**يء لجامع بينهما في وص**ف وليس المع*نى في عتاب**ك الس*يف على أنك تشبه عتابه بالسيف ولكن على أن تزعم أن**ه يجع**ل الس**يف بدال من العتاب أفال ترى أنه يصح أن تقول مداد قلمه قاتل كسم األفاعي وال يصح أن تقول عتابك كالسيف اللهم إال أن تخرج إلى باب آخر وشيء ليس هو غرضهم بهذا الكالم فتريد أنه قد ع**اتب عتابا خشنا مظلما ثم إنك إن قلت السيف عتابك خرجت ب**ه إلى معنى ث**الث وه**و أن ت**زعم أن عتاب**ه ق**د بل**غ في إيالم**ه وش**دة تأثيره مبلغا صار له السيف كأنه ليس بسيف واعلم أن*ه إن نظ**ر ن**اظر في ش**أن المع**اني واأللف**اظ إلى ح**ال الس**امع ف**إذا رأى المعاني تق*ع في نفس*ه من بع*د وق*وع األلف*اظ في س*معه ظن

لذلك أن المعاني تبع لأللفاظ في ترتيبها فإن هذا الذي بيناه يري**ه فس**اد ه**ذا الظن وذل**ك أن**ه ل**و كانت المعاني تكون تبعا لأللفاظ في ترتيبها لكان محاال أن تتغ**ير المعاني واأللفاظ بحالها لم تزل عن ترتيبها فلما رأينا المعاني قد جاز فيه**ا التغ**ير من غ**ير أن تتغ**ير األلف**اظ وت**زول عن أماكنه**ا علمنا أن األلفاظ هي التابع*ة والمع*اني هي المتبوع**ة واعلم أن*ه ليس من كالم يعم*د واض**عه في**ه إلى معرف**تين فيجعلهم**ا مبت**دأ وخبرا ثم يقدم الذي ه**و الخ**بر إال أش**كل األم**ر علي**ك في**ه فلم تعلم أن المقدم خبر حتى ترجع إلى المعنى وتحسن التدبر أنش**د الشيخ أبو علي في التذكرة الخفيف نم وإن لم أنم ك**راي كراك**ا ثم قال ينبغي أن يكون كراي خبرا مق**دما ويك**ون األص**ل ك**راك كراي أي نم وإن لم أنم فنومك نومي كما تقول قم وإن جلس**ت فقيامك قيامي هذا هو ع**رف االس**تعمال في نح**وه ثم ق**ال وإذا كان كذلك فقد قدم الخبر وهو معرفة وهو ين**وي ب**ه الت**أخير من

كبيت الحماسة الطويل بنون**ا بن**و أبنائن**ا حيث كان خبرا قال فهو وبناتنا بنوهن أبناء الرجال األباعد فقدم خبر المبت**دأ وه**و معرف**ة وإنما دل على أنه ينوي التأخير المعنى ولوال ذلك لكانت المعرفة

إذا قدمت هي المبتدأ لتقدمها فافهم ذلك هذا كله لفظه واعلم أن الفائ***دة تعظم في ه***ذا الض***رب من الكالم إذا أنت أحسنت النظر فيما ذكرت لك من أن**ك تس**تطيع أن تنق**ل الكالم في معناه عن صورة إلى صورة من غير أن تغير من لفظه ش**يئا

Page 179: دلائل الإعجاز للجرجاني

أو تحول كلمة عن مكانها إلى مكان آخر وهو ال**ذي وس**ع مج**ال التأويل والتفسير حتى صاروا يتأولون في الكالم الواح**د ت**أويلين أو أك**ثر ويفس**رون ال**بيت الواح**د ع**دة تفاس**ير وه**و على ذاك الطريق المزلة الذي ورط كثيرا من الناس في الهلكة وه**و مم**ا يعلم به العاقل شدة الحاجة إلى هذا العلم وينكش**ف مع**ه ع**وار الجاهل به ويفتضح عنده المظهر الغ*نى عن**ه ذاك ألن**ه ق**د ي**دفع إلى الشيء ال يصح إال بتقدير غير ما يريه الظاهر ثم ال يك**ون ل**ه سبيل إلى معرفة ذلك التقدير إذا كان جاهال به**ذا العلم فيتس**كع عند ذلك في العمى ويقع في الضالل مثال ذلك أن من نظ**ر إلى قوله تعالى قل ادعوا الل**ه أو ادع**وا ال**رحمن أي**ا م**ا ت**دعوا فل**ه األسماء الحسنى ثم لم يعلم أن ليس المع**نى في ادع**وا ال**دعاء ولكن الذكر باالسم كقولك هو يدعى زيدا ويدعى األم**ير وأن في الكالم محذوفا وأن التقدير قل أدعوه الله أو ادع**وه ال*رحمن أي*ا ما تدعوا فله األسماء الحسنى ك**ان بع**رض أن يق**ع في الش**رك من حيث إنه إن ج**رى في خ**اطره أن الكالم على ظ**اهره خ**رج ذلك به ولعياذ بالله تعالى إلى إثبات مدعوين تعالى عن أن يكون له شريك وذلك من حيث كان محاال أن تعمد إلى اسمين كالهم**ا اسم شيء واحد فتعطف أحدهما على اآلخر فتق**ول مثال ادع لي زيدا األمير واألمير هو زيد وكذلك محال أن تقول أيا ت**دعو وليس هناك إال مدعو واح**د ألن من ش**أن أي أن تك**ون أب**دا واح**دا من اثنين أو جماعة ومن لم يكن له ب**د من اإلض**افة إم**ا لفظ**ا وإم**ا تقديرا وهناك باب واسع من المشكل فيه قراءة من ق*رأ وق*الت اليهود عزي**ر ابن الل**ه بغ**ير تن**وين وذل**ك أنهم ق**د حملوه**ا على

وجهين أح**دهما أن يك**ون الق**ارىء ل**ه أراد التن**وين ثم حذف**ه اللتق**اء الساكنين ولم يحركه كقراءة من قرأ قل هو الله أحد الله الصمد بترك التنوين من أحد وكما حكي عن عمارة بن عقيل أنه قرأ وال الليل سابق النهار بالنصب فقيل ل**ه م**ا تري**د فق**ال أري**د س**ابق النهار قيل فهال قلته فق**ال فل**و قلت**ه لك**ان أوزن وكم**ا ج**اء في الشعر من قوله المتقارب فألفيته غير مستعتب وال ذاكر الل**ه إال قليال إلى نظائر ذلك فيكون المع**نى في ه**ذه الق**راءة مثل**ه في القراءة األخرى سواء والوجه الثاني أن يكون االبن صفة ويك**ون التنوين ق**د س**قط على ح**د س**قوطه في قولن**ا ج**اءني زي**د بن

Page 180: دلائل الإعجاز للجرجاني

عم**رو ويك**ون في الكالم مح**ذوف ثم اختلف**وا في المح**ذوف فمنهم من جعله مبت**دأ فق**در وق**الت اليه**ود ه**و عزي**ر ابن الل**ه ومنهم من جعله خبرا فقدر وقالت اليهود عزير ابن الل**ه معبودن**ا وفي ه**ذا أم*ر عظيم وذل*ك أن*ك إذا حكيت عن قائ*ل كالم*ا أنت تريد أن تكذبه فيه فإن التكذيب ينص*رف إلى م*ا ك*ان في**ه خ*برا دون ما كان صفة تفسير هذا أنك إذا حكيت عن إنسان أن**ه ق**ال زيد بن عمرو سيد ثم كذبت**ه في**ه ولم تكن ق**د أنك**رت ب**ذلك أن يكون زي**د بن عم*رو ولكن أن يك*ون س*يدا وك**ذلك إذا ق*ال زي**د الفقيه قد قدم فقلت له كذبت أو غلطت لم تكن ق**د أنك**رت أن يكون زيد فقيها ولكن أن يكون قد قدم هذا ما ال شبهة فيه وذلك أنك إذا كذبت ق**ائال في كالم أو ص**دقته فإنم**ا ينص**رف التك**ذيب منك والتصديق إلى إثباته ونفيه واإلثب**ات والنفي يتن**اوالن الخ**بر دون الصفة يدلك على ذلك أنك تجد الصفة ثابتة في ح**ال النفي كثبوتها في حال اإلثبات فإذا قلت م**ا ج*اءني زي**د الظري**ف ك**ان الظرف ثابتا لزيد كثبوته إذا قلت جاءني زي**د الظري**ف وذل**ك أن ليس ثبوت الصفة للذي هي صفة له بالمتكلم وبإثباته لها فتنتفي

بنفيه وإنما ثبوتها بنفسها وبتقرر الوج**ود فيه**ا عن**د المخ**اطب مثل**ه عن**د المتكلم ألن**ه إذا وقعت الحاجة في العلم إلى الصفة كان االحتي**اج إليه**ا من أج**ل خيفة اللبس على المخاطب تفسير ذلك أنك إذا قلت جاءني زي**د الظريف فإنك إنما تحتاج إلى أن تص**فه ب**الظريف إذا ك**ان فيمن يجيء إليك واحد آخر يسمى زيدا ف**أنت تخش**ى إن قلت ج**اءني زيد ولم تقل الظريف أن يلتبس على المخ**اطب فال ي**دري أه**ذا ع**نيت أم ذاك وإذا ك**ان الغ**رض من ذك**ر الص**فة إزال**ة اللبس والتبيين كان محاال أن تكون غ**ير معلوم**ة عن**د المخ**اطب وغ**ير ثابتة ألنه يؤدي إلى أن تروم تبيين الشيء للمخاطب بوص**ف ه**و ال يعلمه في ذلك الشيء وذلك ما ال غاية وراءه في الفس**اد وإذا كان األمر كذلك كان جعل االبن صفة في اآلي**ة مؤدي**ا إلى األم**ر العظيم وهو إخراجه عن موضع النفي واإلنكار إلى موضع الثبوت واالستقرار جل الله تع**الى عن ش**به المخل**وقين وعن جمي**ع م**ا يقول الظالمون عل**وا كب**يرا ف**إن قي**ل إن ه**ذه ق**راءة معروف**ة والق**ول بج**واز الوص**فية في االبن ك**ذلك مع**روف وم**دون في الكتب وذلك يقتضي أن يكونوا قد عرفوا في اآلية تأويال يدخل به

Page 181: دلائل الإعجاز للجرجاني

االبن في اإلنكار م**ع تق**دير الوص**فية في**ه قي**ل إن الق**راءة كم**ا ذكرت معروفة والقول بجواز أن يكون االبن صفة مثبت مسطور في الكتب كما قلت ولكن األصل الذي قدمناه من أن اإلنك**ار إذا لحق الخبر دون الصفة ليس بالشيء الذي يع**ترض في**ه ش**ك أو تتسلط عليه ش**بهة فليس يتج**ه أن يك**ون االبن ص**فة ثم يلحق**ه اإلنكار مع ذلك إال على تأوي**ل غ**امض وه**و أن يق**ال إن الغ**رض الداللة على أن اليهود قد كان بلغ من جهلهم ورسوخهم في ه**ذا الشرك أنهم كانوا يذكرون عزيرا هذا الذكر كم**ا تق**ول في ق**وم تريد أن تصفهم بأنهم قد اس**تهلكوا في أم**ر ص**احبهم وغل**وا في تعظيمه إني أراهم قد اعتقدوا أمرا عظيما فهم يقولون أبدا زي**د األمير تريد أنه كذلك يكون ذكرهم إذا ذكروه إال أنه إنما يس**تقيم هذا التأويل فيه إذا أنت لم تقدر ل**ه خ**برا معين**ا ولكن تري**د أنهم كانوا ال يخبرون عنه بخبر إال كان ذكرهم ل**ه هك**ذا ومم**ا ه**و من

هذا الذي نحن فيه قوله تعالى وال تقولوا ثالثة انتهوا خيرا لكم وذلك أنهم قد ذهبوا في رفع ثالث**ة إلى أنه**ا خ*بر مبت**دأ مح*ذوف وق**الوا إن التق**دير وال تقول**وا آلهتن**ا ثالث**ة وليس ذل**ك بمس*تقيم وذلك أنا إذا قلنا وال تقولوا آلهتنا ثالثة كان ذلك والعياذ بالله شبه اإلثبات أن هاهنا آلهة من حيث إنك إذا نفيت فإنم**ا تنفي المع**نى المستفاد من الخبر عن المبتدأ وال تنفي معنى المبت**دأ ف**إذا قلت ما زيد منطلقا كنت نفيت االنطالق الذي هو معنى الخبر عن زيد ولم تنف معنى زيد ولم توجب عدمه وإذا ك**ان ذل**ك ك**ذلك ف**إذا قلنا وال تقولوا آلهتنا ثالثة كنا قد نفينا أن تكون ع**دة اآلله**ة ثالث**ة ولم ننف أن تكون آلهة جل الله تعالى عن الشريك والنظير كم**ا أن**ك إذا قلت ليس أمراؤن**ا ثالث**ة كنت ق**د نفيت أن تك**ون ع**دة األمراء ثالثة ولم تنف أن يكون لكم أم**راء ه**ذا م**ا ال ش**بهة في**ه وإذا إن أدى ه**ذا التق**دير إلى الفس**اد وجب أن يع**دل عن**ه إلى غيره والوجه والله أعلم أن تكون ثالثة ص*فة مبت**دأ ال خ*بر مبت**دأ ويكون التقدير وال تقولوا لنا آلهة ثالث**ة أو في الوج**ود آله**ة ثالث**ة ثم حذف الخبر الذي هو لنا أو في الوجود كما حذف من ال إله إال الله و م**ا من إل**ه إال الل**ه فبقي وال تقول**وا آله**ة ثالث**ة ثم ح*ذف المصوف الذي هو آلهة فبقي وال تقولوا ثالثة وليس في حذف ما قدرنا حذفه ما يتوقف في صحته أما حذف الخبر ال**ذي قلن**ا إن**ه لن**ا أو في الوج**ود فمط**رد في ك**ل م**ا معن**اه التوحي**د ونفي أن

Page 182: دلائل الإعجاز للجرجاني

يكون مع الله تعالى عن ذل**ك إل**ه وأم**ا ح**ذف المص**وف بالع**دد فكذلك شائع وذلك أنه كما يسوغ أن تقول عندي ثالثة وأنت تريد ثالثة أث**واب ثم تح**ذف لعلم**ك أن الس**امع يعلم م**ا تري**د ك**ذلك يسوغ أن تقول عندي ثالثة وأنت تريد أث**واب ثالث**ة ألن**ه ال فص**ل بين أن تجع**ل المقص**ود بالع**دد مم**يزا وبين أن تجعل**ه موص**وفا بالعدد في أنه يحسن حذفه إذا علم المراد ويبين ذل**ك أن**ك ت**رى المقص**ود بالع**دد ق**د ت**رك ذك**ره ثم ال تس**تطيع أن تق**دره إال موص**وفا وذل**ك في قول**ك عن**دي اثن**ان وعن**دي واح**د يك**ون المحذوف هاهنا موصوفا ال محالة نحو عندي رجالن اثنان وعندي درهم واح**د وال يك**ون مم**يزا البت**ة من حيث ك**انوا ق**د رفض**وا إضافة الواحد واالثنين إل الجنس فتركوا أن يقول**وا واح**د رج**الواثنان رجال على حد ثالثة رجال ولذلك كان قول الشاعر الرجز

في**ه ثنت**ا حنظ**ل ش**اذا ه**ذا وال يمتن**ع أن تجع**ل ظ**رف عج**وز المح*ذوف من اآلي**ة في موض**ع التمي**يز دون موض**ع الموص**وف فتجعل التقدير وال تقول**وا ثالث**ة آله**ة ثم يك*ون الحكم في الخ*بر على ما مضى ويك**ون المع**نى والل**ه أعلم وال تقول**وا لن**ا أو في الوجود ثالثة آلهة فإن قلت فلم صار ال يلزم على هذا التقدير م**ا لزم على قول من قدر وال تقولوا آلهتنا ثالثة فذاك ألن**ا إذا جعلن**ا التقدير وال تقولوا لنا أو في الوجود آلهة ثالثة أو ثالثة آلهة كنا قد نفينا الوجود عن اآللهة كما نفيناه في ال إله إال الله و وما من إله إال الله وإذا زعموا أن التقدير وال تقولوا آلهتنا ثالثة كانوا قد نف**وا أن تكون عدة اآللهة ثالثة ولم ينفوا وج*ود اآلله**ة ف**إن قي**ل ف**إن يلزم على تقديرك الفساد من وجه آخر وذاك أن**ه يج**وز إذا قلت ليس لنا أمراء ثالثة أن يكون المعنى ليس لن**ا أم**راء ثالث**ة ولكن لنا أميران اثنان وإذا كان ك**ذلك ك**ان تق**ديرك وتق**ديرهم جميع**ا خطأ قيل إن هاهنا أمرا قد أغفلته وه**و أن ق**ولهم آلهتن**ا ي**وجب ثبوت آلهة جل الله تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا وقولن**ا ليس لن**ا آله**ة ال ي**وجب ثب**وت اث*نين البت**ة ف**إن قلت إن ك**ان ال يوجبه فإنه ال ينفيه فقيل ينفيه ما بعده من قوله تعالى إنم**ا الل**ه إله واحد فإن قيل فإنه كما ينفي اإللهين ك**ذلك ينفي اآلله**ة وإذا كان كذلك وجب أن يكون تقديرهم صحيحا كتقديرك قيل هو كما قلت ينفي اآللهة ولكنهم إذا زعم**وا أن التق**دير وال تقول**وا آلهتن**ا ثالثة وكان ذلك والعياذ بالله من الشرك يقتضي إثبات آلهة ك**انوا

Page 183: دلائل الإعجاز للجرجاني

قد دفعوا هذا النفي وخالفوه وأخرجوه إلى المناقض**ة ف**إذا ك**ان كذلك ك*ان مح*اال أن يك*ون للص*حة س*بيل إلى م*ا ق*الوه وليس كذلك الحال فيما قدرناه ألنا لم نق*در ش*يئا يقتض*ي إثب**ات إلهين تعالى الله حتى يكون حالنا حال من ي**دفع م**ا يوجب**ه ه**ذا الكالم

من نفيهما يبين لك ذلك أنه يصح لنا أن نتبع ما قدرناه نفي االثنين وال يصح لهم تفسير ذلك أن**ه يص**ح أن تقول وال تقولوا لنا آلهة ثالثة وال إلهان ألن ذلك يجري مج**رى أن تقول ليس لنا آلهة ثالثة وال إلهان وه**ذا ص**حيح وال يص**ح لهم أن يقولوا وال تقولوا آلهتنا ثالثة وال إلهان ألن ذلك يج**ري مج**رى أن يقولوا وال تقولوا آلهتنا إله**ان وذل**ك فاس**د فاعرف**ه وأحس**ن تأمل**ه ثم إن هاهن**ا طريق**ا آخ**ر وه**و أن تق**در وال تقول**وا الل**ه والمسيح وأمه ثالثة أي نعبدهما كم**ا نعب**د الل**ه ي**بين ذل**ك قول**ه تعالى لقد كفر الذين ق**الوا إن الل*ه ث*الث ثالث**ة وق**د اس**تقر في الع***رف أنهم إذا أرادوا إلح***اق اث***نين بواح***د في وص***ف من األوصاف وأن يجعلوهما شبيهين له قالوا هم ثالثة كما يقولون إذا أرادوا إلحاق واحد ب**آخر وجعل**ه في معن**اه هم**ا اثن**ان على ه**ذا الس**بيل ك**أنهم يقول**ون هم يع**دون مع**دا واح**دا وي**وجب لهم التساوي والتشارك في الصفة والرتبة وما شاكل ذلك واعلم أن**ه ال معنى ألن يقال إن القول حكاية وإن**ه إذا ك**ان حكاي**ة لم يل**زم منه إثبات اآللهة ألنه يج*ري مج*رى أن تق*ول إن من دين الكف*ار أن يقول**وا اآلله**ة ثالث**ة وذل**ك ألن الخط**اب في اآلي**ة للنص**ارى أنفس**هم أال ت**رى إلى قول**ه تع**الى ي**ا أه**ل الكت**اب ال تغل**وا في دينكم وال تقول**وا على الل**ه إال الح**ق إنم**ا المس**يح عيس**ى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالل**ه ورس**له وال تقول**وا ثالث**ة انته**وا خ**يرا لكم وإذا ك**ان الخط**اب للنصارى كان تقدير الحكاية مح**اال ف ال تقول**وا إذا في مع**نى ال تعتقدوا وإذا كان في معنى االعتقاد لزم إذا قدر وال تقولوا آلهتن**ا ثالثة ما قلنا إنه يلزم من إثبات اآلله**ة وذل**ك ألن االعتق**اد يتعل**ق بالخبر ال بالمخبر عنه ف**إذا قلت ال تعتق**د أن األم**راء ثالث**ة نهيت**ه عن أن يعتقد ك**ون األم**راء على ه**ذه الع**دة ال عن أن يعتق**د أن هاهنا أمراء هذا ما ال يشك فيه عاقل وإنما يكون النهي عن ذل**ك إذا قلت ال تعتقد أن هاهنا أمراء ألن**ك حينئ**ذ تص**ير كأن**ك قلت ال تعتقد وجود أمراء هذا ولو كان الخطاب مع المؤمنين لكان تقدير

Page 184: دلائل الإعجاز للجرجاني

الحكاية ال يصح أيضا ذاك ألنه ال يجوز أن يقال إن المؤمنين نه**وا عن أن يحكوا عن النصارى مقالتهم ويخبروا عنهم بأنهم يقول**ون كيت وكيت كيف وقد قال الله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله

وقالت النصارى المسيح ابن الل**ه ومن أين يص**ح النهي عن حكاي**ة ق**ول المبط**ل وفي ت**رك حكايت**ه ت**رك ل**ه وكف**ر وامتن**اع من النفي علي**ه واإلنك**ار لقول**ه واالحتج**اج علي**ه وإقام**ة ال**دليل على بطالن**ه ألن**ه ال س**بيل إلى

شيء من ذلك إال من بعد حكاية القول واإلفصاح به فاعرفه بسم الله الرحمن ال**رحيم فص**ل في أن الفص**احة في اللف**ظ ال المعنى قد أردنا أن نستأنف تقريرا نزي**د ب**ه الن**اس تبص**يرا أنهم في عمي**اء من أم**رهم ح**تى يس**لكوا المس**لك ال**ذي س**لكناه ويفرغ**وا خ**واطرهم لتأم**ل م**ا اس**تخرجناه وأنهم م**ا لم يأخ**ذوا أنفسهم بذلك ولم يجردوا عناياتهم له في غرور كمن يع**د نفس**ه الري من السراب الالمع ويخادعه**ا بأك**اذيب المط**امع يق**ال لهم إنكم تتلون قول الله تع**الى ق**ل لئن اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يأتون بمثله وقوله عز وجل قل فأتوا بعشر سور مثله وقول**ه بس**ورة من مثل**ه فق**الوا اآلن أيج**وز أن يكون تع*الى ق**د أم**ر نبي**ه ب**أن يتح*دى الع*رب إلى أن يعارض**وا القرآن بمثله من غير أن يكونوا قد عرفوا الوصف ال**ذي إذا أت**وا بكالم على ذلك الوصف كانوا قد أت**وا بمثل**ه وال ب**د منال ألنهم إن ق**الوا يج**وز أبطل**وا التح**دي من حيث إن التح**دي كم**ا ال يخفى مطالبة بأن يأتوا بكالم على وصف وال تصح المطالبة باإلتي**ان ب**ه على وصف من غ**ير أن يك**ون ذل**ك الوص**ف معلوم**ا للمط**الب ويبطل بذلك دعوى اإلعجاز أيضا وذلك ألنه ال يتصور أن يقال إنه كان عجز حتى يثبت معجوز عنه معلوم فال يقوم في عقل عاق**ل أن يقول لخصم له قد أعجزك أن تفعل مثل فعلي وه**و ال يش**ير إلى وصف يعلمه في فعله ويراه قد وق**ع علي**ه أفال ت**رى أن**ه ل**و قال رج**ل آلخ**ر إني ق**د أح**دثت في خ**اتم عملت**ه ص**نعة أنت ال تستطيع مثلها لم تتجه له عليه حجة ولم يثبت به أنه قد أتى بم**ا يعج*زه إال من بع**د أن يري**ه الخ**اتم ويش**ير ل**ه إلى م**ا زعم أن**ه أبدعه فيه من الصنعة ألنه ال يصح وصف اإلنس**ان بأن**ه ق**د عج**ز

عن شيء حتى يريد

Page 185: دلائل الإعجاز للجرجاني

ذلك الشيء ويقصد إليه ثم ال يت**أتى ل**ه وليس يتص**ور أن يقص**د إلى شيء ال يعلمه وأن تكون منه إرادة ألمر لم يعلمه في جمل**ة وال تفصيل ثم إن ه**ذا الوص**ف ينبغي أن يك**ون وص**فا ق**د تج**دد بالقرآن وأمرا لم يوجد في غيره ولم يعرف قبل نزوله وإذا ك**ان كذلك فقد وجب أن يعلم أنه ال يجوز أن يكون في الكلم المفردة ألن تقدير كونه فيه**ا ي**ؤدي إلى المح**ال وه**و أن تك**ون األلف**اظ المف**ردة ال**تي هي أوض**اع اللغ*ة ق**د ح*دث في حذاق**ة حروفه**ا وأصدائها أوصاف لم تكن لتكون تلك األوص**اف فيه**ا قب**ل ن**زول القرآن وتكون قد اختصت في أنفسها بهيئ**ات وص**فات يس**معها السامعون عليها إذا كانت متل*وة في الق*رآن ال يج*دون له**ا تل*ك الهيئات والصفات خ**ارج الق**رآن وال يج**وز أن تك**ون في مع**اني الكلم المفردة التي هي لها بوضع اللغة ألنه ي**ؤدي إلى أن يك**ون قد تجدد في معنى الحمد والرب ومعنى العالمين والملك والي**وم والدين وهكذا وصف لم يكن قبل نزول القرآن وهذا م**ا ل**و ك**ان هاهنا شيء أبعد من المحال وأشنع لكان إياه وال يج**وز أن يك**ون هذا الوصف في تركيب الحركات والس*كنات ح*تى ك**أنهم تح*دوا إلى أن ي**أتوا بكالم تك**ون كلمات**ه على تواليه**ا في زن**ة كلم**ات القرآن وحتى كأن الذي ب**ان ب**ه الق**رآن من الوص**ف في س**بيل بينونة بحور الش*عر بعض*ها من بعض ألن*ه يخ*رج إلى م*ا تعاط**اه مس**يلمة من الحماق**ة في إن**ا أعطين**اك الجم**اهر فص**ل لرب**ك وجاهر والطاحنات طحنا وكذلك الحكم إن زعم زاعم أن الوصف الذي تحدوا إليه هو أن يأتوا بكالم يجعل**ون ل**ه مق**اطع وفواص**ل كالذي تراه في الق**رآن ألن**ه أيض**ا ليس ب**أكثر من التعوي**ل على مراعاة وزن وإنما الفواصل في اآلي ك**القوافي في الش**عر وق**د علمنا اقتدارهم على القوافي كي**ف ه**و فل**و لم يكن التح**دي إال إلى فصول من الكالم يكون لها أواخر أشباه القوافي لم يعوزهم ذلك ولم يتع*ذر عليهم وق*د خي**ل إلى بعض*هم إن ك*انت الحكاي*ة صحيحة شيء من ه**ذا ح**تى وض**ع على م**ا زعم**وا فص**ول كالم

أواخرها كأواخر اآلي مثل يعلمون ويؤمنون وأشباه ذلك وال يجوز أن يكون اإلعجاز بأن لم يلتق في حروفه ما يثق**ل على اللس**ان وجمل**ة األم**ر أن**ه لن يع*رض ه**ذا وشبهه من الظن**ون لمن يع**رض ل**ه إال من س**وء المعرف**ة به**ذا الشأن أو للخذالن أو لشهوة اإلغراب في الق**ول ومن ه**ذا ال**ذي

Page 186: دلائل الإعجاز للجرجاني

يزعم أن البرهان الذي بان لهم واألمر الذي يرضى من نفسه أن بهرهم والهيئة التي مألت ص**دورهم والروع**ة ال**تي دخلت عليهم وأزعجتهم حتى قالوا إن ل**ه لحالوةوإن علي**ه لطالوة وإن أس**فله لمغ**دق وإن أعاله لمثم**ر إنم**ا ك**ان بش**يء راعهم من مواق**ع حركاته ومن ترتيب بينها وبين سكناته أو لفواصل في أواخر آياته من أين تلي**ق ه**ذه الص**فة وه**ذا التش**بيه ب**ذلك أم ت**رى أن ابن مسعود حين قال في ص**فة الق**رآن ال يتف**ه وال يتش**ان وق**ال إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهم أي أتتبع محاسنهن قال ذلك من أجل أوزان الكلمات ومن أجل الفواص**ل في أواخر اآلي**ات أم ت**رى أنهم ل**ذلك ق**الوا ال تف**نى عجائب**ه وال يخلق على كثرة الرد أم ترى الجاحظ حين قال في كتاب النب**وة ولو أن رجال قرأ على رجل من خطبائهم وبلغائهم س**ورة واح**دة لتبين له في نظامها ومخرجها من لفظها وطابعها أن**ه ع**اجز عن مثلها ولو تحدي بها أبلغ العرب ألظهر عجزه عنها لغا ولغط انظر إلى مثل ذلك فليس كالمه هذا مما ذهبوا إلي**ه في ش**يء وينبغي أن تكون موازنتهم بين بعض اآلي وبين ما قاله الناس في معناها

كموازنتهم بين ولكم في القص**اص حي**اة وبين قت**ل البعض إحي**اء للجمي**ع خط**أ منهم ألن**ا ال نعلم لح**ديث التحري**ك والتس**كين وح**ديث الفاص**لة

وال نعلمهم أرادوا غير ما يريده الناس إذا مذهبا في هذه الموازنة وازنوا بين كالم وكالم في الفصاحة والبالغة ودق**ة النظم وزي**ادة الفائدة ولوال أن الشيطان قد استحوذ على كث**ير من الن**اس في هذا وأنهم بترك النظر وإهمال التدبر وضعف الني**ة وقص*ر الهم*ة وقد طرقوا ل**ه ح**تى جع**ل يلقي في نفوس**هم ك**ل مح**ال وك**ل باطل وجعلوا هم يعطون الذي يلقي**ه حظ**ا من قب**ولهم ويبوؤن**ه مكانا من قلوبهم لما بلغ من قدر هذه األقوال الفاسدة أن تدخل في تصنيف ويعاد ويبدأ في تبيين لوجه الفس**اد فيه**ا وتعري**ف ثم إن هذه الشناعات التي تقدم ذكرها تلزم أصحاب الص**رفة أيض**ا

عن معارض**ة الق**رآن وعن أن ي**أتوا وذاك أنه لو لم يكن عجزهم بمثل**ه ألن**ه معج**ز في نفس**ه لكن ألن أدخ**ل عليهم العج**ز عن**ه وصرفت هممهم وخواطرهم عن ت**أليف كالم مثل**ه وك**ان ح**الهم على الجملة حال من أعدم العلم بش**يء ق**د ك**ان يعلم**ه وحي**ل بينه ويبن أمر قد كان يتس**ع ل**ه لك**ان ينبغي أن ال يتع**اظمهم وال

Page 187: دلائل الإعجاز للجرجاني

يكون ومنهم ما يدل على إكبارهم أم**ره وتعجبهم من**ه وعلى أن**ه قد بهرهم وعظم كل العظم عن**دهم ولك**ان التعجب لل**ذي دخ**ل من العجز عليهم ولما رأوه من تغ**ير ح**الهم ومن أن حي**ل بينهم ويبن ش*يء ق**د ك**ان عليهم س*هال وأن س**د دون**ه ب**اب ك*ان لهم

على مفتوحا أرأيت لو أن نبيا قال لقومه إن آي**تي أن أض**ع ي**دي رأس**ي ه**ذه الس**اعة وتمنع**ون كلكم من أن تس**تطيعوا وض**ع أيديكم على رؤوسكم وكان األمر كما قال كم يكون تعجب القوم أمن وضعه يده على رأسه أم من عجزهم أن يضعوا أيديهم على رؤوسهم ونعود إلى النسق فنقول ف**إذا بط**ل أن يك*ون الوص**ف الذي أعجزهم من القرآن في ش**يء مم**ا ع**ددناه لم يب**ق إال أن يك**ون في االس**تعارة وال يمكن أن تجع**ل االس**تعارة األص**ل في اإلعجاز وأن يقصر عليها ألن ذلك يؤدي إلى أن يكون اإلعجاز في آي معدودة في مواضع من السور الطوال مخصوص**ة وإذا امتن**ع ذلك فيها لم يبق إال أن يكون في النظم والت**أليف ألن**ه ليس من

بعد ما أبطلنا أن يكون فيه إال النظم وإذا ثبت أنه في النظم والتأليف وكنا قد علمنا أن ليس النظم ش**يئا غ**ير ت**وخي مع**اني النحو وأحكامه فيما بين الكلم وأنا إن بقين**ا ال**دهر نجه**د أفكارن**ا ح**تى نعلم للكلم المف**ردة س**لكا ينظمه**ا وجامع**ا يجم**ع ش**ملها ويؤلفها ويجعل بعضها بسبب من بعض غير ت**وخي مع**اني النح**و وأحكام**ه فيه**ا طلبن**ا م**ا ك**ل مح**ال دون**ه فق**د ب**ان وظه**ر أن المتعاطي القول في النظم والزاعم أنه يحاول بيان المزي**ة في**ه وهو ال يعرض فيما يعيده ويبدي*ه للق*وانين واألص*ول ال*تي ق*دمنا ذكرها وال يسلك إليك المسالك التي نهجناها في عمياء من أمره وفي غرور من نفسه وفي خداع من األماني واألضاليل ذاك ألن**ه إذا كان ال يكون النظم ش**يئا غ**ير ت**وخي مع**اني النح*و وأحكام**ه فيم***ا بين الكلم ك***ان من أعجب العجب حين ي***زعم زاعم أن***ه يطلب المزية في النظم ثم ال يطلبها في معاني النح**و وأحكام**ه التي النظم عبارة عن توخيها فيما بين الكلم فإن قي**ل قول**ك إال النظم يقتض**ي إخ**راج م**ا في الق**رآن من االس**تعارة وض**روب المجاز من جملة ما هو به معجز وذلك ما ال مساغ ل**ه قي**ل ليس األمر كما ظننت بل ذلك يقتضي دخول االستعارة ونظائرها فيم**ا هو به معجز وذلك ألن هذه المعاني التي هي االستعارة والكناي**ة والتمثيل وسائر ضروب المج**از من بع**دها من مقتض**يات النظم

Page 188: دلائل الإعجاز للجرجاني

وعنها يحدث وبها يكون ألنه ال يتص**ور أن ي**دخل ش**يء منه**ا في الكلم وهي أفراد لم يت**وخ فيم**ا بينه**ا حكم من أحك**ام النح**و فال يتصور أن يكون هاهنا فعل أو اسم قد دخلته االس**تعارة من دون أن يكون قد ألف مع غيره أفال ترى أن**ه إن ق**در في اش**تعل من قوله تعالى واشتعل ال**رأس ش**يبا أن ال يك**ون ال**رأس ف**اعال ل**ه ويك**ون ش**يبا منص**وبا عن**ه على التمي**يز لم يتص**ور أن يك**ون مستعارا وهكذا السبيل في نظائر االستعارة فاعرف ذل**ك واعلم أن الس**بب في إن لم يق**ع النظ**ر منهم موقع**ه أنهم حين ق**الوا نطلب المزية ظنوا أن موضعها اللف**ظ بن**اء على أن النظم نظم األلفاظ وأنه يلحقها دون المع**اني وحين ظن**وا أن موض**عها ذل**ك واعتق**دوه وقف**وا على اللف**ظ وجعل**وا ال يرم**ون بأوه**امهم إلى ش***يء س***واه إال أنهم على ذاك لم يس***تطيعوا أن ينطق***وا في تصحيح هذا الذي ظنوه بحرف بل لم يتكلموا بشيء إال كان ذل**ك

نقضا وإبطاال ألن يكون اللفظ من حيث هو لفظ موضعا للمزية وإال رأيتهم قد اعترفوا من حيث لم يدروا بأن ليس للمزي**ة ال**تي طلبوها موضع ومكان تكون فيه إال معاني النح**و وأحكام**ه وذل**ك أنهم قالوا إن الفصاحة ال تظهر في أفراد الكلم**ات وإنم**ا تظه**ر بالضم على طريقة مخصوصة فقولهم بالنظم ال يصح أن يراد ب**ه النطق باللفظة بعد اللفظة من غ**ير اتص**ال يك**ون بين معنييهم**ا ألنه لو ج**از أن يك**ون لمج**رد ض**م اللف**ظ إلى اللف**ظ ت**أثير في الفصاحة لكان ينبغي إذا قيل ضحك خرج أن يحدث من ضم خرج إلى ضحك فصاحة وإذا بط**ل ذل**ك لم يب**ق إال أن يك**ون المع**نى في ضم الكلمة إلى الكلمة توخي مع**نى من مع**اني النح**و فيم**ا بينهما وقولهم على طريقة مخصوصة يوجب ذلك أيضا وذلك أن**ه ال يكون للطريقة إذا أنت أردت مجرد اللفظ مع**نى وه**ذا س**بيل كل ما قالوه إذا أنت تأملته تراهم في الجميع قد دفعوا إلى جعل المزية في معاني النحو وأحكامه من حيث لم يشعروا ذل**ك ألن**ه أم**ر ض**روري ال يمكن الخ**روج من**ه ومم**ا تج**دهم يعتمدون**ه ويرجعون إليه قولهم إن المعاني ال تتزاي**د وإنم**ا تتزاي**د األلف**اظ وهذا كالم إذا تأملته لم تجد له مع**نى يص**ح علي**ه غ**ير أن تجع**ل تزايد األلفاظ عب**ارة عن المزاي**ا ال**تي تح*دث من ت**وخي مع*اني النحو وأحكامه فيما بين الكلم ألن التزاي**د في األلف**اظ من حيث هي ألفاظ ونطق لسان مح**ال ثم إن**ا نعلم أن المزي**ة المطلوب**ة

Page 189: دلائل الإعجاز للجرجاني

في هذا الباب مزية فيم*ا طريق*ه الفك*ر والنظ*ر من غ*ير ش*بهة ومحال أن يكون اللفظ له صفة تستنبط ب**الفكر ويس**تعان عليه**ا بالروية اللهم إال أن تريد ت**أليف النغم وليس ذل**ك مم**ا نحن في**ه بسبيل ومن هاهنا لم يجز إذا عدت الوجوه التي تظهر بها المزية أن يع**د فيه**ا اإلع**راب وذل**ك أن العلم ب**اإلعراب مش**ترك بين العرب كلهم وليس هو مما يستنبط بالفكر ويستعان عليه بالروية فليس أحدهم بأن إع**راب الفاع**ل يحت**اجون في**ه إلى ح**دة ذهن وقوة خاطر إنما الذي تقع الحاجة فيه إلى ذلك العلم بم**ا ي**وجب الفاعلية للشيء إذا كان إيجابها من طريق المجاز كقول**ه تع**الى

فما ربحت تجارتهم وكقول الفرزدق سقتها خروق في المسامع وأشباه ذلك مم**ا يجع**ل الش**يء في**ه فاعال على تأويل يدق ومن طريق تلطف وليس يكون ه**ذا علم**ا باإلعراب ولكن بالوصف الم**وجب لإلع**راب ومن ثم ال يج**وز لن**ا أن نعتد في شأننا هذا بأن يكون المتكلم قد استعمل من اللغتين في الشيء ما يق**ال إن**ه أفص**حهما وب**أن يك*ون ق**د تحف**ظ مم*ا تخطىء فيه العامة ال بأن يك**ون ق**د اس**تعمل الغ**ريب ألن العلم بجميع ذلك ال يعدو أن يكون علم*ا باللغ*ة ب*أنفس الكلم المف*ردة وبما طريقه الحفظ دون ما يس**تعان علي**ه ب**النظر ويوص**ل إلي**ه بإعم**ال الفك**ر ولئن ك**انت العام**ة وأش**باه العام**ة ال يك**ادون يعرفون الفصاحة غير ذلك فإن من ضعف النح**يزة إخط**ار مثل**ه في الفكر وإجراءه في ال**ذكر وأنت ت**زعم أن**ك ن**اظر في دالئ**ل اإلعجاز أت**رى أن الع**رب تح**دوا أن يخت**اروا الفتح في الميم من الشمع والهاء من النهر على اإلس**كان وأن يتحفظ**وا من تخلي**ط العامة في مثل هذا يسوى ألفا أو إلى أن يأتوا بالغريب الوحشي في الكالم معارض**ون ب**ه الق**رآن كي**ف وأنت تق**رأ الس**ورة من السور الطوال فال تجد فيها من الغ**ريب ش**يئا وتأم**ل م**ا جمع**ه العلماء في غريب القرآن فترى الغريب من**ه إال في القلي**ل إنم**ا كان غريبا من أجل استعارة هي فيه كمثل وأش**ربوا في قل**وبهم العجل ومثل خلصوا نجيا ومثل فاص**دع بم**ا ت**ؤمر دون أن تك**ون اللفظة غريبة في نفسها إنما ترى ذلك في كلمات معدودة كمثل

عجل لنا قطنا و ذات ألواح ودسر و جعل ربك تحتك سريا أن ي**دخل في ثم إنه لو كان أكثر ألفاظ القرآن غريبا لكان محاال

اإلعجاز وأن يصح التحدي به ذاك ألنه ال يخلو إذا وقع التح**دي ب**ه

Page 190: دلائل الإعجاز للجرجاني

من أن يتحدى من ل**ه علم بأمثال**ه من الغ*ريب أو من ال علم ل**ه بذلك فلو تح**دي ب**ه من يعلم أمثال**ه لم يتع**ذر علي**ه أن يعارض**ه بمثل**ه أال ت**رى أن**ه ال يتع**ذر علي**ك إذا أنت ع**رفت م**ا ج**اء من الغريب في معنى الطوي**ل أن تع**ارض من يق**ول الش**وقب ب**أن تقول أنت الشوذب وإذا قال األم**ق أن تق**ول األش**ق وعلى ه**ذا السبيل ولو تحدي به من ال علم ل**ه بأمث**ال م**ا في**ه من الغ**ريب كان ذلك بمنزلة أن يتحدى العرب إلى أن يتكلموا بلس**ان ال**ترك هذا وكيف بأن يدخل الغ**ريب في ب**اب الفض**يلة وق**د ثبت عنهم أنهم كانوا يرون الفضيلة في ترك استعماله وتجنبه أفال ترى إلى قول عمر رضي الله عنه في زهير إنه كان ال يعاظ**ل بين الق**ول وال يتتبع حوشي الكالم فقرن تتبع الحوشي وهو الغريب من غ**ير شبهة إلى المعاظلة التي هي التعقي**د وق**ال الجاح**ظ في كت**اب البيان والتبيين ورأيت الناس يتداولون رسالة يحيى بن يعم**ر عن لسان يزيد بن المهلب إلى الحجاج إنا لقينا الع**دو فقتلن**ا طائف**ة ولحقت طائفة بعراع**ر األودي**ة وأهض**ام الغيط**ان وبتن**ا بعرع**رة الجبل وبات العدو بحضيضه فقال الحجاج ما يزيد بأبي ع**ذر ه**ذا

الكالم فحمل إليه فقال أين ولدت فقال باألهواز فقال فأنى لك هذه الفص**احة ق**ال أخ**ذتها عن أبي ق**ال ورأيتهم يديرون في كتبهم أن امرأة خاصمت زوجه**ا إلى يح*يى بن يعم*ر فانتهرها مرارا فقال ل**ه يح**يى إن س**ألتك ثمن ش**كرها وش**برك أنشأت تطلها وتضهلها ثم قال وإن كانوا قد رووا هذا الكالم لكي ي**دل على فص**احة وبالغ**ة فق**د باع**ده الل**ه من ص**فة البالغ**ة والفصاحة واعلم أنك كلما نظ**رت وج**دت س**بب الفس**اد واح**دا وهو ظنهم الذي ظنوه في اللفظ وجعلهم األوصاف ال**تي تج**ري عليه كلها أوصافا له في نفس**ه ومن حيث ه**و لف**ظ وت**ركهم أن يميزوا بين ما كان وصفا له في نفسه ويبن ما كانوا ق**د أكس**بوه إياه من أجل أمر عرض في معن**اه ولم**ا ك**ان ه**ذا دأبهم ثم رأوا الناس وأظهر شيء عندهم في معنى الفص**احة تق**ويم اإلع**راب والتحفظ من اللحن لم يش**كوا أن**ه ينبغي أن يعت**د ب**ه في جمل**ة المزايا التي يفاضل بها بين كالم وكالم في الفصاحة وذهب عنهم أن ليس هو من الفصاحة التي يعنينا أمرها في شيء وإن كالمن**ا في فصاحة تجب للفظ ال من أجل شيء يدخل في النط**ق ولكن من أجل لطائف تدرك بالفهم وإن**ا نعت**بر في ش**أننا ه**ذا فض**يلة

Page 191: دلائل الإعجاز للجرجاني

تجب ألح**د الكالمين على اآلخ**ر من بع**د أن يكون**ا ق**د برئ**ا من اللحن وسلما في ألفاظهما من الخطأ ومن العجب أن**ا إذا نظرن**ا في اإلعراب وجدنا التفاضل في**ه مح**اال ألن**ه ال يتص**ور أن يك**ون للرفع والنصب في كالم مزية عليهم**ا في كالم آخ**ر وإنم**ا ال**ذي يتصور أن يكون هاهنا كالمان قد وقع في إعرابهما خل**ل ثم ك**ان أحدهما أكثر صوابا من اآلخ**ر وكالم**ان ق**د اس**تمر أح**دهما على الصواب ولم يس**تمر اآلخ**ر وال يك**ون ه**ذا تفاض**ال في اإلع**راب ولكن ترك**ا ل**ه في ش**يء واس**تعماال ل**ه في آخ**ر ف**اعرف ذل**ك وجملة األمر أنك ال ترى ظن**ا ه**و أن**أى بص**احبه عن أن يص**ح ل**ه كالم أو يستمر له نظام أو تثبت له قدم أو ينطق منه إال بالمحال فم من ظنهم ه***ذا ال***ذي ح***ام بهم ح***ول اللف***ظ وجعلهم ال يع**دونهوال ي**رون للمزي**ة مكان**ا دون**ه واعلم أن**ه ق**د يج**ري في

العبارة منا شيء هو يعيد الشبهة جذعة عليهم وهو أنه يقع في كالمنا أن الفصاحة تك**ون في المع**نى دون اللف**ظ ونراه**ا ال تدخل في صفة المعنى البتة ألنا نرى الناس قاطبة يقول**ون ه**ذا لفظ فصيح وهذه ألفاظ فصيحة وال نرى عاقال يق**ول ه**ذا مع**نى فصيح وهذه معان فصاح ولو ك**انت الفص**احة تك**ون في المع**نى لكان ينبغي أن يقال ذاك كما أنه لما كان الحسن يكون فيه قي**ل هذا معنى حسن وهذه معان حس**نة وه**ذا ش**يء يأخ**ذ من الغ**ر مأخذا والجواب عنه أن يق**ال إن غرض**نا من قولن**ا إن الفص**احة تك**ون في المع**نى أن المزي**ة ال**تي من أجله**ا اس**تحق اللف**ظ الوصف بأنه فصيح عائدة في الحقيق*ة إلى معن**اه ول*و قي**ل إنه**ا تكون فيه دون معناه لكان ينبغي إذا قلنا في اللفظة إنها فصيحة أن تكون تلك الفص**احة واجب**ة له**ا بك**ل ح**ال ومعل**وم أن األم**ر بخالف ذلك فإنا نرى اللفظة تكون في غاية الفصاحة في موض**ع ونراه***ا بعينه***ا فيم**ا ال يحص***ى من المواض***ع وليس فيه***ا من الفصاحة قلي**ل وال كث**ير وإنم**ا ك**ان ك**ذلك ألن المزي**ة ال**تي من أجلها نصف اللفظ في شأننا هذا بأنه فصيح مزية تحدث من بع**د أن ال تك**ون وتظه**ر في الكلم من بع**د أن ي**دخلها النظم وه**ذا شيء إن أنت طلبته فيها وقد جئت بها أفرادا لم ترم فيه**ا نظم**ا ولم تحدث لها تأليفا طلبت محاال وإذا ك**ان ك**ذلك وجب أن يعلم قطعا وضرورة أن تل**ك المزي**ة في المع**نى دون اللف**ظ وعب**ارة أخرى في هذا بعينه وهي أن يقال قد علمنا علما ال تعترض مع**ه

Page 192: دلائل الإعجاز للجرجاني

شبهة أن الفصاحة فيما نحن فيه عب**ارة عن مزي**ة هي ب**المتكلم دون واضع اللغة وإذا كان كذلك فينبغي لنا أن ننظ**ر إلى المتكلم هل يستطيع أن يزيد من عند نفسه في اللفظ شيئا ليس ه**و ل**ه في اللغة حتى يجعل ذلك من صنيعه مزية يع**بر عنه**ا بالفص**احة وإذا نظرنا وجدناه ال يستطيع أن يصنع باللفظ ش**يئا أص**ال وال أن يحدث فيه وصفا كيف وهو إن فعل ذلك أفسد عل نفسه وابط**ل أن يكون متكلما ألنه ال يكون متكلما ح**تى يس**تعمل أوض**اع لغ**ة

ما وضعت هي علي**ه وإذا ثبت من حال**ه أن**ه ال يس**تطيع أن على يصنع باأللفاظ شيئا ليس هو لها في اللغة وكنا ق**د اجتمعن**ا على أن الفصاحة فيما نحن في**ه عب**ارة عن مزي**ة هي ب**المتكلم البت**ة وجب أن نعلم قطعا وضرورة أنهم وإن كانوا قد جعلوا الفص**احة في ظاهر االستعمال من صفة اللفظ فإنهم لم يجعلوها وصفا له في نفس**ه ومن حيث ه**و ص**دى ص**وت ونط**ق لس**ان ولكنهم جعلوها عبارة عن مزية أفاده**ا المتكلم ولم**ا لم ت**زد إفادت**ه في

اللفظ شيئا لم يبق إال أن تكون عبارة عن مزية في المعنى وجملة األمر أنا ال ن**وجب الفص**احة للفظ**ة مقطوع**ة مرفوع**ة من الكالم ال**ذي هي في**ه ولكن**ا نوجبه**ا له**ا موصولة بغيرها ومعلقا معناها بمعنى ما يليها فإذا قلنا في لفظة اش**تعل من قول**ه تع**الى واش**تعل ال**رأس ش**يبا إنه**ا في أعلى المرتبة من الفصاحة لم ن*وجب تل*ك الفص*احة له**ا وح*دها ولكن موصوال به**ا ال**رأس معرف**ا ب**األلف والالم ومرون**ا إليه**ا الش**يب منكرا منصوبا هذا وإنما يقع ذلك في الوهم لمن يقع له أعني أن توجب الفصاحة للفظة وحدها فيما كان استعارة فأما م**ا خال من االستعارة من الكالم الفص**يح البلي**غ فال يع**رض ت**وهم ذل**ك في**ه لعاقل أصال أفال ترى أن**ه ال يق**ع في نفس من يعق*ل أدنى ش*يء إذا هو نظر إلى قوله ع**ز وج**ل يحس**بون ك**ل ص**يحة عليهم هم العدو فاحذرهم وإلى إكبار الناس شأن ه**ذه اآلي**ة في الفص**احة أن يض**ع ي**ده على كلم**ة كلم**ة منه**ا فيق**ول إنه**ا فص**يحة كي**ف وسبب الفصاحة فيها أمور ال يشك عاق**ل في أنه**ا معنوي**ة أوله**ا أن كانت على فيها متعلقة بمحذوف في موضع المفع**ول الث**اني والثاني أن ك**انت الجمل**ة ال**تي هي هم الع**دو بع**دها عاري**ة من حرف عطف والث**الث التعري*ف في الع*دو وأن لم يق*ل هم ع**دو ولو أن**ك علقت على بظ**اهر وأدخلت على الجمل**ة ال**تي هي هم

Page 193: دلائل الإعجاز للجرجاني

الع**دو ح**رف عط**ف وأس**قطت األل**ف والالم من الع**دو فقلت يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وهم ع**دو ل**رأيت الفص**احة ق**د ذهبت عنه**ا بأس**رها ول**و أن**ك أخط**رت ببال**ك أن يك**ون عليهم متعلقا بنفس الصيحة ويكون حال**ه معه**ا كحال**ه إذا قلت ص**حت عليه ألخرجته عن أن يكون كالما فضال عن أن يكون فصيحا وهذا هو الفيص**ل لمن عق**ل ومن العجيب في ه**ذا م**ا روي عن أم**ير المؤمنين علي رضوان الله عليه أنه قال ما سمعت كلم*ة عربي**ةمن العرب إال وسمعتها من رسول الله وسمعته يقول مات حتف أنفه وما سمعتها من عربي قبل**ه ال ش**بهة في أن وص**ف اللف**ظ بالعربي في مثل هذا يك**ون في مع**نى الوص**ف بأن**ه فص**يح وإذا كان األمر كذلك فانظر هل يقع في وهم متوهم أن يك**ون رض**ي الله عنه قد جعلها عربية من أجل ألفاظه**ا وإذا نظ**رت لم تش*ك في ذلك واعلم أنك تجد هؤالء الذين يش**كون فيم**ا قلن**اه تج**ري على ألسنتهم ألف**اظ وعب**ارات ال يص**ح له**ا مع**نى س**وى ت**وخي معاني النحو وأحكامه فيما بين معاني الكلم ثم تراهم ال يعلم**ون ذلك فمن ذلك ما يقوله الناس قاطب**ة من أن العاق**ل ي**رتب في نفسه ما يريد أن يتكلم به وإذا رجعن**ا إلى أنفس**نا لم نج*د ل**ذلك معنى سوى أنه يقص**د إلى قول**ك ض**رب فيجعل**ه خ**برا عن زي**د ويجعل الضرب الذي أخبر بوقوعه منه واقعا ع**ل عم**رو ويجع**ل يوم الجمعة زمانه الذي وق**ع في**ه ويجع**ل الت**أديب غرض**ه ال**ذي فعل الضرب من أجله فيقول ضرب زيد عمرا يوم الجمعة تأديب**ا له وهذا كما ترى هو ت*وخي مع*اني النح*و فيم*ا بين مع*اني ه**ذه الكلم ولو أنك فرضت أن ال تتوخى في ضرب أن تجعله خبرا عن زيد وفي عمرو أن تجعله مفعوال به لضرب وفي يوم الجمع**ة أن تجعله زمانا لهذا الضرب وفي التأديب أن تجعل**ه غ**رض زي**د من فعل الضرب ما تصور في عقل وال وقع في وهم أن تكون مرتب**ا لهذه الكلم وإذ قد عرفت ذلك فه**و الع**برة في الكالم كل**ه فمن ظن ظنا يؤدي إلى خالف**ه ظن م**ا يخ**رج ب**ه عن المعق**ول ومن ذل**ك إثب**اتهم التعل**ق واالتص**ال فيم**ا بين الكلم وص**واحبها ت**ارة ونفيهم لهما أخرى ومعلوم علم الضرورة أن لن يتصور أن يك*ون للفظة تعلق بلفظة أخرى من غير أن تعتبر حال مع**نى ه**ذه م**ع معنى تلك ويراعى هناك أمر يصل إحداهما بأخرى كمراع**اة نب**ك جوابا لألمر في قوله قفا نبك وكيف بالشك في ذل**ك ول**و ك**انت

Page 194: دلائل الإعجاز للجرجاني

األلف**اظ يتعل**ق بعض**ها ببعض من حيث هي ألف**اظ وم**ع اط**راح النظر في معانيها ألدى ذل**ك إلى أن يك**ون الن**اس حين ض**حكوا مما يصنعه المجان من ق**راء أنص**اف الكتب ض**حكوا عن جهال**ة

وأن يكون أبو تمام قد أخطأ حين قال عذال شبيها بالجنون كأنما قرأت به الورهاء شطر كت**اب ألنهم لم يضحكوا إال من عدم التعلق ولم يجعله أب**و تم**ام جنون**ا إال ل**ذلك فانظر إلى ما يلزم هؤالء القوم من طرائ**ف األم**ور فص**ل وه**ذا فن من االستدالل لطي**ف على بطالن أن تك**ون الفص**احة ص**فة للفظ من حيث هو لفظ ال تخلو الفصاحة من أن تكون ص**فة في اللفظ محسوسة تدرك بالسمع أو تكون صفة فيه معقولة تعرف بالقلب فمحال أن تكون صفة اللف**ظ محسوس**ة ألنه**ا ل**و ك**انت كذلك لكان ينبغي أن يستوي السامعون للفظ الفص**يح في العلم بكونه فصيحا وإذا بطل أن تكون محسوسة وجب الحكم ض**رورة بأنها صفة معقولة وإذا وجب الحكم بكونها ص**فة معقول**ة فإن**ا ال نعرف للفظ ص**فة يك**ون طري**ق معرفته**ا العق**ل دون الحس إال داللت**ه على معن**اه وإذا ك**ان ك**ذلك ل**زم من**ه العلم ب**أن وص**فنا اللفظ بالفصاحة وصف له من جهة معناه ال من جهة نفسه وه**ذا

ما ال يبقى لعاقل معه عذر في الشك والله الموفق للصواب فصل في أن الفصاحة في الكلمة ال في حروفها وبيان آخ**ر وه**و أن القارىء إذا قرأ قوله تعالى واشتعل الرأس شيبا فإنه ال يج**د الفصاحة التي يجدها إال من بع**د أن ينتهي الكالم إلى آخ**ره فل**و ك**انت الفص**احة ص**فة للف**ظ اش**تعل لك**ان ينبغي أن يحس**ها القارىء فهي حال نطقه به فمحال أن تكون للش**يء ص**فة ثم ال يصح العلم بتلك الصفة إال من بعد عدمه ومن ذا رأى صفة يعرى موصوفها عنها في حال وجوده حتى إذا عدم صارت موجودة فيه وه**ل س**مع الس**امعون في ق**ديم ال**دهر وحديث**ه بص**فة ش**رط حصولها لموصوفها أن يعدم الموص**وف ف**إن ق**الوا إن الفص**احة التي ادعيناها للفظ اشتعل تكون في**ه في ح**ال نطقن**ا ب**ه إال أن**ا نعلم في تلك الحال أنها فيه ف**إذا بلغن**ا آخ**ر الكالم علمن**ا حينئ**ذ أنها كانت فيه حين نطقنا قي**ل ه**ذا فن آخ*ر من العجب وه**و أن تكون هاهنا صفة موجودة في شيء ثم ال يك**ون في اإلمك**ان وال يسع في الجواز أن نعلم وجود تل**ك الص**فة في ذل**ك الش**يء إال بعد أن يعدم ويكون العلم بها وبكونها فيه محجوبا عنا حتى يع**دم

Page 195: دلائل الإعجاز للجرجاني

في**ه حين ك**ان ثم إن**ه ال ش**بهة في أن فإذا عدم علمنا أنها كانت هذه الفصاحة ال*تي ي*دعونها للف*ظ هي م*دعاة لمجم*وع الكلم*ة دون آحاد حروفها إذ ليس يبل**غ بهم ته**افت ال**رأي إلى أن ي**دعوا لكل واحد من حروف اشتعل فصاحة فيجعلوا الش**ين على حدت**ه فص**يحا وك**ذلك الت**اء والعين والالم وإذا ك**انت الفص**احة م**دعاة لمجموع الكلمة لم يتصور حصولها لها إال من بع**د أن تع**دم كله**ا وينقضي أمر النطق به**ا ذل**ك ألن**ه ال يتص**ور أن ت**دخل الح*روف بجملتها في النطق دفعة واح**دة ح**تى تجع**ل الفص**احة موج**ودة فيه**ا في ح**ال وجوده**ا وم**ا بع**د ه**ذا إال أن نس**أل الل**ه تع**الى

العصمة والتوفيق فقد بلغ األمر في الشناعة إلى حد إذا انتبه العاقل ل**ف رأسه حياء من العقل حين يراه قد قال ق**وال ه**ذا م**ؤداه وس**لك مسلكا إلى هذا مفض**اه وم**ا مث**ل من ي**زعم أن الفص**احة ص**فة اللف**ظ من حيث ه**و لف**ظ ونط**ق لس**ان ثم ي**زعم أن**ه ي**دعيها لمجموع حروفه دون آحادها إال مثل من يزعم أن هاهن**ا غ**زال إذا نسج منه ثوب كان أحم**ر وإذا ف**رق ونظ**ر إلي**ه خيط**ا خيط**ا لم تكن في**ه حم*رة أص*ال ومن طري*ف أم*رهم أن*ك ت*رى ك*افتهم ال ينكرون أن اللفظ المستعار إذا كان فص**يحا ك**انت فص**احته تل**ك من أجل استعارته ومن أجل لطف وغرابة كانا فيه**ا وت**راهم م**ع ذل**ك ال يش**كون في أن االس**تعارة ال تح**دث في ح**روف اللف**ظ

تغير أجراسها عما تكون عليه إذا لم يكن مستعارا وكان صفة وال متروك**ا على حقيقت**ه وأن الت**أثير من االس**تعارة إنم**ا يك**ون في المعنى كيف وهم يعتقدون أن اللفظ إذا استعير لشيء نق**ل عن معناه الذي وضع له بالكلية وإذا كان األمر ك**ذلك فل**وال إهم**الهم أنفسهم وتركهم النظر لقد كان يك**ون في ه**ذا م**ا ي**وقظهم من غفلتهم ويكشف الغطاء عن أعينهم فص**ل عالق**ة الفك**ر بمع**اني النح**و ومم**ا ينبغي أن يعلم**ه اإلنس**ان ويجعل**ه على ذك**ر أن**ه ال يتصور أن يتعلق الفكر بمعاني الكلم أف*رادا ومج*ردة من مع*اني النحو فال يقوم في وهم وال يصح في عقل أن يتفك**ر متفك**ر في

أن يري**د إعمال**ه في اس**م وال أن يتفك**ر في معنى فعل من غير معنى اسم من غير أن يريد إعمال فعل فيه وجعل**ه ف**اعال ل**ه أو مفعوال أو يريد منه حكما س**وى ذل**ك من األحك**ام مث**ل أن يري**د جعله مبتدأ أو خبرا أو صفة أو حاال أو م**ا ش**اكل ذل**ك وإن أردت

Page 196: دلائل الإعجاز للجرجاني

أن ترى ذلك عيان**ا فاعم**د إلى أي كالم ش**ئت وأزل أج**زاءه عن مواضعها وضعها وضعا يمتنع معه دخول ش**يء من مع**اني النح**و فيها فق**ل في قف**ا نب**ك من ذك**رى ح**بيب وم**نزل من نب**ك قف**ا حبيب ذكرى منزل ثم انظر ه**ل يتعل**ق من**ك فك**ر بمع**نى كلم**ة

منها واعلم أني لست أقول إن الفكر ال يتعلق بمعاني الكلم المف**ردة

مج**ردة من مع**اني النح**و أص**ال ولك**ني أق**ول إن**ه ال يتعل**ق به**ا ومنطوقا بها على وجه ال يتأتى معه تقدير مع**اني النح**و وتوخيه**ا فيها كالذي أريت**ك وإال فإن**ك إذا فك**رت في الفعلين أو االس**مين تريد أن تخبر بأحدهما عن الش**يء أيهم**ا أولى أن تخ**بر ب**ه عن**ه وأش**به بغرض**ك مث**ل أن تنظ**ر أيهم**ا أم**دح وأذم أو فك**رت في الشيئين تريد أن تشبه الشيء بأحدهما أيهم**ا أش**به ب**ه كنت ق**د فكرت في معاني أنفس الكلم إال أن فك*رك ذل*ك لم يكن إال من بعد أن توخيت فيها من معاني النحو وه**و أن أردت جع**ل االس**م الذي فكرت فيه خبرا عن شيء أردت فيه مدحا أو ذما أو تشبيها أو غير ذلك من األغراض ولم تجىء إلى فعل أو اسم فكرت فيه ف**ردا ومن غ**ير أن ك**ان ل**ك قص**د أن تجعل**ه خ**برا أو غ**ير خ**بر فاعرف ذلك وإن أردت مثاال فخذ بيت بش**ار الطوي**ل ك**أن مث**ار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه وانظر هل يتص**ور أن يكون بشار قد أخطر معاني هذا الكلم بباله أفرادا عاري**ة من معاني النحو التي تراها فيها وأن يكون ق**د وق**ع ك**أن في نفس**ه من غير أن يكون قصد إيقاع التشبيه منه على ش**يء وأن يك**ون فك**ر في مث**ار النق**ع من غ**ير أن يك**ون أراد إض**افة األول إلى الث**اني وفك**ر في ف**وق رؤوس**نا من غ**ير أن يك**ون ق**د أراد أن يضيف فوق إلى الرؤوس وفي األس**ياف من دون أن يك**ون أراد عطفه***ا ب***الواو على مث***ار وفي ال***واو من دون أن يك***ون أراد العطف بها وأن يكون ذلك فكر في الليل من دون أن يك**ون أراد أن يجعله خبرا لكأن وفي ته**اوى كواكب**ه من دون أن يك**ون أراد أن يجعل تهاوى فعال للكواكب ثم يجعل الجمل**ة ص**فة للي**ل ليتم الذي أراد من التشبيه أم لم تخطر ه**ذه األش**ياء ببال**ه إال م**رادا فيه ه**ذه األحك**ام والمع**اني ال**تي تراه**ا فيه**ا وليت ش**عري كييتصور وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها

Page 197: دلائل الإعجاز للجرجاني

بمع**نى كلم**ة أخ**رى ومع**نى القص**د إلى مع**اني الكلم أن تعلم السامع بها شيئا ال يعلمه ومعلوم أنك أيه**ا المتكلم لس**ت تقص**د

الكلم المفردة التي تكلم**ه به**ا فال تق**ول أن تعلم السامع معاني خرج زيد لتعلمه معنى خرج في اللغة ومع**نى زي**د كي**ف ومح**ال أن تكلمه بألفاظ ال يعرف هو معانيه**ا كم**ا تع**رف وله**ذا لم يكن الفعل وحده من دون االسم وال االسم وحده من دون اس**م آخ**ر أو فعل كالما وكنت لو قلت خرج ولم تأت باس**م وال ق**درت في**ه ض**مير الش**يء أو قلت زي**د ولم ت**أت بفع**ل وال اس**م آخ**ر ولم تضمره في نفسك كان ذلك وصوتا تصوته س**واء فاعرف**ه واعلم أن مثل واضع الكالم مثل من يأخ**ذ قطع**ا من ال**ذهب أو الفض**ة فيذيب بعضها في بعض حتى تصير قطع**ة واح**دة وذل**ك أن**ك إذا

ل**ه فإن**ك قلت ضرب زيد عمرا يوم الجمع*ة ض**ربا ش**ديدا تأديب**ا تحصل من مجموع هذه الكلم كلها على مفهوم هو معنى واحد ال عدة معان كم**ا يتوهم**ه الن**اس وذل**ك ألن**ك لم ت**أت به**ذه الكلم لتفيده أنفس معانيها وإنما جئت به**ا لتفي**ده وج**وه التعل**ق ال**تي بين الفعل الذي هو ضرب وبين ما عمل فيه واألحك**ام ال**تي هي محصول التعلق وإذا ك**ان األم**ر ك**ذلك فينبغي لن**ا أن ننظ**ر في المفعولية من عم**رو وك**ون ي**وم الجمع**ة زمان**ا للض**رب وك**ون الضرب ضربا شديدا وكون التأديب علة للضرب أيتص**ور فيه**ا أن تفرد عن المعنى األول الذي هو أصل الفائدة وه**و إس**ناد ض**رب إلى زيد وإثبات الضرب به له حتى يعقل ك*ون عم*رو مفع*وال ب*ه وكون يوم الجمعة مفعوال فيه وكون ضربا ش**ديدا مص**درا وك**ون الت**أديب مفع**وال ل**ه من غ**ير أن يخط**ر ببال**ك ك**ون زي**د ف**اعال للضرب وإذا نظرنا وجدنا ذلك ال يتصور ألن عمرا مفعول لضرب وقع من زيد عليه ويوم الجمعة زمان لضرب وقع من زيد وض**ربا شديدا بيان لذلك الضرب كي**ف ه**و وم**ا ص**فته واألديب عل**ة ل**ه وبيان أنه كان الغرض منه وإذا كان ذلك كذلك بان من**ه وثبت أن المفهوم من مجموع الكلم معنى واحد ال عدة معان وه**و إثبات**ك زيدا فاعال ضربا لعمرو في وقت كذا وعلى صفة كذا ولغرض كذا ولهذا المعنى تقول إنه كالم واحد وإذ قد عرفت هذا فه**و الع**برة أبدا فبيت بشار إذا تأملته وجدته كالحلقة المفرغ*ة ال**تي ال تقب**ل التقسيم ورأيته قد ص**نع في الكلم ال**تي في**ه م**ا يص**نعه الص**انع

Page 198: دلائل الإعجاز للجرجاني

حين يأخذ كسرا من الذهب فيذيبها ثم يصبها في قالب ويخرجه**الك سوارا أو خلخاال وإن أنت حاولت قطع

بعض ألف**اظ ال**بيت عن بعض كنت كمن يكس**ر الحلق**ة ويفص**م الس**وار وذل**ك أن**ه لم ي**رد أن يش**به النق**ع باللي**ل على ح**دة واألس***ياف ب***الكواكب على ح***دة ولكن***ه أراد أن يش***به النق***ع واألسياف تجول فيه بالليل في حال ما تنكدر الك**واكب وتته**اوى فيه فالمفهوم من الجميع مفهوم واحد والبيت من أوله إلى آخره كالم واحد فانظر اآلن م**ا تق**ول في اتح**اد ه**ذه الكلم ال**تي هي أجزاء البيت أتقول إن ألفاظها اتحدت فص**ارت لفظ**ة واح**دة أم تقول إن معانيها اتحدت فصارت ألفاظ من أجل ذلك كأنها لفظة واحدة فإن كنت ال تشك أن االتحاد الذي تراه هو في المع**اني إذ كان من فساد العقل ومن الذهاب في الخب**ل أن يت**وهم مت**وهم أن األلفاظ يندمج بعضها في بعض حتى تصير لفظة واح**دة فق**د أراك ذلك إن لم تك*ابر عقل*ك أن النظم يك*ون في مع*اني الكلم دون ألفاظها وأن نظمها هو توخي معاني النحو فيها وذلك أنه إذا ثبت االتحاد وثبت أنه في المعاني فينبغي أن تنظر إلى ال**ذي ب**ه اتحدت المع*اني في بيت بش*ار وإذا نظرن*ا لم نج*دها اتح*دت إال بأن جع**ل مث**ار النق**ع اس**م ك**أن وجع**ل الظ**رف ال**ذي هوف**وق رؤوسنا معموال لمثار ومعلقا به وأشرك األسياف في كأن بعطفه لها على مثار ثم بأن قال ليل ته**اوى كواكب**ه ف**أتى باللي**ل نك**رة وجعل جملة قوله تهاوى كواكبه ل**ه ص**فة ثم جع**ل مجم**وع لي**ل تهاوى كواكبه خبرا لكأن فانظر هل ترى شيئا كان االتحاد به غ**ير ما عددناه وهل تعرف له موجب**ا س**واه فل**وال اإلخالد إلى الهوين**ا وترك النظر وغطاء ألقي على عيون أقوام لكان ينبغي أن يك**ون في ه**ذا وح**ده الكفاي**ة وم**ا ف**وق الكفاي**ة ونس**أل الل**ه تع**الى التوفيق واعلم أن الذي هو آفة هؤالء الذي لهج**وا باألباطي**ل في

ق**وم ق**د أس**لموا أنفس**هم إلى التخي**ل وألق**وا أم**ر اللف**ظ أنهم مقادتهم إلى ا ألوهام ح*تى ع**دلت بهم عن الص**واب ك**ل مع*دل ودخلت بهم من فحش الغلط في ك**ل م**دخل وتعس*فت بهم في كل مجهل وجعلتهم يرتكبون في نصرة رأيهم الفاسد القول بكل محال ويقتحم**ون في ك**ل جهال**ة ح**تى إن**ك ل**و قلت لهم إن**ه ال يت**أتى للن**اظم نظم**ه إال ب**الفكر والروي**ة ف**إذا جعلتم النظم في

األلفاظ

Page 199: دلائل الإعجاز للجرجاني

لزمكم من ذل**ك أن تجعل**وا فك**ر اإلنس**ان إذا ه**و فك**ر في نظم الكالم فكرا في األلفاظ التي يريد أن ينطق بها دون المع**اني لم يبالوا أن يرتكبوا ذل**ك وأن يتعلق**وا في**ه بم**ا في الع**ادة ومج**رى الجبلة من أن اإلنسان يخيل إليه إذا هو فكر أن**ه ك**ان ينط**ق في نفس**ه باأللف**اظ ال**تي يفك**ر في معانيه**ا ح**تى ي**رى أن يس**معها سماعه لها حين يخرجها من فيه وحين يج**ري به**ا اللس**ان وه**ذا تجاهل ألن سبيل ذلك سبيل إنسان يتخيل دائم**ا في الش**يء ق**د رآه وشاهده أنه كأن**ه ي**راه وينظ**ر إلي**ه وأن مثال**ه نص**ب عيني**ه فكما ال يوجب هذا أن يكون رائيا له وأن يك**ون الش**يء موج**ودا في نفسه كذلك ال يكون تخيله أنه كان ينطق باأللفاظ موجب**ا أن يكون ناطقا بها وأن تكون موجودة في نفس**ه ح**تى يجع**ل ذل**ك سببا إلى جعل الفك**ر فيه**ا ثم إن**ا نعلم أن**ه ينط**ق باأللف**اظ في نفسه وأنه يجدها فيها على الحقيقة فمن أين لنا أنه إذا فكر كان الفكر منه فيها أم ماذا يروم ليت شعري بذلك الفكر ومعل**وم أن الفكر من اإلنسان يكون في أن يخبر عن شيء بشيء أو يص**ف شيئا بشيء أو يضيف ش**يئا إلى ش*يء أو يش*رك ش*يئا في حكم شيء أو يخرج شيئا من حكم قد سبق منه لشيء أو يجعل وجود شيء شرطا في وجود شيء وعلى هذا الس**بيل وه**ذا كل**ه فك**ر في أمور معلومة معقولة زائدة على اللفظ وإذا ك**ان ه**ذا ك**ذلك لم يخل هذا الذي يجعل في األلفاظ فكرا من أحد أمرين إم**ا أن يخرج هذه المعاني من أن يكون لواضع الكالم فيها فك**ر ويجع**ل الفكر كله في األلفاظ وإما أن يجعل له فك**را في اللف**ظ مف**ردا عن الفكرة في ه**ذه المع**اني ف**إن ذهب إلى األول لم يكلم وإن ذهب إلى الثاني لزمه أن يجوز وقوع فك**ر من األعجمي ال**ذي ال يعرف معاني ألفاظ العربية أصال في األلفاظ وذلك مم**ا ال يخفى مكان الشنعة والفضيحة فيه وش**بيه به**ذا الت**وهم منهم أن**ك ق**د ترى أحدهم يعتبر ح*ال الس**امع ف**إذا رأى المع*اني ال ت**ترتب في نفسه إال بترتب األلفاظ في سمعه ظن عند ذلك أن المعاني تب**ع لأللفاظ وأن الترتب فيه**ا مكتس**ب من األلف**اظ ومن ترتبه**ا في نطق المتكلم وهذا ظن فاسد ممن يظنه ف**إن االعتب**ار ينبغي أن يكون بحال الواضع للكالم والمؤل**ف ل**ه وال**واجب أن ينظ**ر إلى حال المعاني معه ال م**ع الس**امع وإذا نظرن**ا علمن**ا ض**رورة أن**ه

Page 200: دلائل الإعجاز للجرجاني

محال أن يكون الترتب فيها تبعا لترتب األلفاظ ومكتسبا عنه ألنذلك يقتضي أن تكون األلفاظ سابقة للمعاني وأن تقع في

نفس اإلنسان أوال ثم تقع المعاني من بعدها وتالية له**ا ب**العكس مم**ا يعلم**ه ك**ل عاق**ل إذا ه**و لم يأخ**ذ عن نفس**ه ولم يض**رب حجاب بينه وبين عقل**ه وليت ش**عري ه**ل ك**انت األلف**اظ إال من أج**ل المع**اني وه**ل هي إال خ**دم له**ا ومص**رفة على حكمه**ا أو ليست هي سمات لها وأوض**اعا ق**د وض**عت لت**دل عليه**ا فكي**ف يتصور أن تسبق المعاني وأن تتقدمها في تص**ور النفس إن ج**از ذلك جاز أن تكون أس**امي األش**ياء ق**د وض**عت قب**ل أن ع**رفت األش**ياء وقي**ل أن ك**انت وم**ا أدري م**ا أق**ول في ش**يء يج**ر الذاهبين إليه إلى أش*باه ه**ذا من فن**ون المح*ال ورديء األق*وال وهذا سؤال لهم من جنس آخ**ر في النظم ق**الوا ل**و ك**ان النظم يكون في معاني النحو لكان البدوي الذي لم يس**مع ب**النحو ق**ط ولم يعرف المبتدأ والخبر وش**يئا مم**ا يذكرون**ه ال يت**أتى ل**ه نظم كالم وإنا لنراه يأتي في كالمه بنظم ال يحس**نه المتق**دم في علم النحو قيل هذه شبهة من جنس ما عرض للذين ع**ابوا المتكلمين فقالوا إنا نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم والعلم**اء في الص**در األول لم يكونوا يعرفون الجوهر والع**رض وص**فة النفس وص**فة المعنى وسائر العبارات التي وضعتموها ف**إن ك**ان ال تتم الدالل**ة على حدوث العالم والعلم بوحدانية الله إال بمعرفة ه**ذه األش**ياء التي ابتدأتموها فينبغي لكم أن تدعوا أنكم قد علمتم في ذلك ما لم يعلموه وأن منزلتكم في العلم أعلى من منازلهم وجوابنا ه**و مثل جواب المتكلمين وهو أن االعتبار بمعرفة مدلول العبارات ال بمعرفة العبارات فإذا عرف البدوي الف**رق بين أن يق**ول ج**اءني زيد راكبا وبين قوله جاءني زيد الراكب لم يضره أن ال يعرف أنه إذا قال راكبا كانت عبارة النحويين فيه أن يقول**وا في راكب إن**ه حال وإذا قال الراكب إن**ه ص**فة جاري**ة على زي**د وإذا ع**رف في قوله زيد منطلق أن زيدا مخبر عنه ومنطلق خبر لم يض**ره أن ال يعلم أنا نسمي زيدا مبتدأ وإذا عرف في قولن**ا ض**ربته تأديب**ا ل**ه أن المعنى في التأديب أنه غرضه من الضرب وأن ضربه ليت**أدب لم يضره أن ال يعلم أنا نسمي التأديب مفعوال له ول**و ك**ان ع**دم العلم بهذه العبارات يمنعه العلم بما وضعناها له وأردناه بها لكان ينبغي أن ال يكون له سبيل إلى بيان أغراضه وأن ال يفص**ل فيم**ا

Page 201: دلائل الإعجاز للجرجاني

يتكلم به بين نفي وإثبات وبين ما إذا كان استفهاما وبينه إذا كان بمعنى الذيوإذا كان بمعنى المج**ازاة ألن**ه لم يس**مع عباراتن**ا في

الفرق بين هذه المعاني أترى األعرابي حين سمع المؤذن يقول أشهد أن محم**دا رس**ول الله بالنصب فأنكر وقال صنع ماذا أنكر عن غير علم أن النص**ب يخرجه عن أن يك**ون خ**برا ويجعل**ه واألول في حكم اس**م واح**د وأنه إذا صار واألول في حكم اسم واحد احتيج إلى اس**م آخ**ر أو فعل حتى يكون كالما وحتى يكون قد ذكر ما له فائدة إن كان لم يعلم ذلك فلماذا قال صنع ماذا فطلب ما يجعله خبرا ويكفيك أنه يلزم على ما قالوه أن يكون امرؤ القيس حين قال قفا نب**ك من ذكرى حبيب ومنزل قاله وهو ال يعلم ما نعنيه بقولنا إن قف**ا أم**ر ونبك جواب األم**ر وذك**رى مض**اف إلى ح**بيب وم**نزل معط**وف على الحبيب وأن تكون هذه األلفاظ قد رتبت ل**ه من غ**ير قص**د منه إلى هذه المعاني وذلك يوجب أن يكون قال نبك ب**الجزم من غير أن يكون عرف معنى يوجب الجزم وأتى به م**ؤخرا عن قف**ا من غير أن عرف لتأخيره موجبا سوى طلب الوزن ومن أفض**ت به الحال إلى أمثال هذه الش**ناعات ثم لم يرت**دع ولم يت**بين أن**ه على خط**أ فليس إال ترك**ه واإلع**راض عن**ه ول**وال أن**ا نحب أن ال ينبس أحد في معنى السؤال واالعتراض بح**رف إال أرين**اه ال**ذي استهواه لكان ترك التشاغل بإيراد هذا وشبهه أولى ذاك ألن**ا ق**د علمنا علم ض**رورة أن**ا ل**و بقين**ا ال**دهر األط**ول نص**عد ونص**وب ونبحث وننقب نبتغي كلم*ة ق**د اتص**لت بص**احبة له**ا ولفظ**ة ق**د انتظمت م**ع أخته**ا من غ**ير أن نت**وخى فيم**ا بينهم**ا مع**نى من معاني النحو طلبنا ممتنعا وثنينا مطايا الفكر ظلعا فإن كان هاهنا من يشك في ذلك ويزعم أنه قد علم التصال الكلم بعضها ببعض وانتظام األلفاظ بعضها مع بعض مع**اني غ**ير مع**اني النح**و فإن**ا نقول هات فبين لنا تلك المعانيوأرنا مكانها واهدنا لها فلعل**ك ق**د أوتيت علما قد حجب عنا وفتح ل**ك ب**اب ق**د أغل**ق دونن**ا ال**وافر

وذاك له إذا العنقاء صارت مرببة وشب ابن الخصي فصل في الفصاحة والتشبيه واالستعارة قد أردت أن أعيد القول في شيء هو أصل الفساد ومعظم اآلفة والذي ص**ار حج**ازا يبن القوم وبين التأمل وأخذ بهم عن طريق النظ**ر وح**ال بينهم وبين أن يصغوا إلى ما يقال لهم وأن يفتحوا لل**ذي ت**بين أعينهم وذل**ك

Page 202: دلائل الإعجاز للجرجاني

قولهم إن العقالء قد اتفقوا على أن**ه يص**ح أن يع**بر عن المع**نى الواحد بلفظين ثم يكون أحدهما فصيحا واآلخر غير فص**يح وذل**ك قالوا يقتضي أن يكون للف**ظ نص**يب في المزي**ة ألنه**ا ل**و ك**انت مقصورة على المعنى لكان محاال أن يجعل ألح**د اللفظين فض**ل على اآلخر مع أن المعبر عنه واحد وهذا شيء تراهم يعجبون ب**ه ويكثرون ترداده مع أنهم يؤكدونه فيقول**ون ل**وال أن األم**ر ك**ذلك لك**ان ينبغي أن ال يك**ون لل**بيت من الش**عر فض**ل ع**ل تفس**ير المفسر له ألنه إن كان اللفظ إنما يش*رف من أج*ل معن**اه ف*إن لفظ المفسر ي**أتي على المع**نى ويؤدي**ه ال محال**ة إذ ل**و ك**ان ال يؤديه لك**ان ال يك**ون تفس**يرا ل**ه ثم يقول**ون وإذا ل**زم ذل**ك في تفسير البيت من الشعر لزم مثل**ه في اآلي**ة من الق**رآن وهم إذا انتهوا في الحجاج إلى هذا الموضع ظنوا أنهم قد أتوا بما ال يجوز أن يس**مع عليهم مع**ه كالم وأن**ه نقض ليس بع**ده إب**رام وربم**ا أخ**رجهم اإلعج**اب ب**ه إلى الض**حك والتعجب ممن ي**رى أن إلى الكالم علي**ه س**بيال وأن يس**تطيع أن يقيم على بطالن م**ا ق**الوه دليال والجواب وبالله التوفي**ق أن يق**ال للمحتج ب**ذلك قول**ك إن**ه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين يحتم**ل أم**رين أح**دهما أن تريد ب**اللفظين كلم**تين معناهم**ا واح**د في اللغ**ة مث**ل الليث واألسد ومثل شحط وبعد وأشباه ذل**ك مم**ا وض**ع اللفظ**ان في**ه لمع**نى والث**اني أن تري**د كالمين ف**إن أردت األول خ**رجت من المسألة ألن كالمنا نحن في فصاحة تحدث من بعد الت**أليف دون

الفصاحة التي توصف بها اللفظة مفردة ومن غير أن يعتبر حالها مع غيرها وإن أردت الث**اني وال ب**د ل**ك من أن تري**ده فإن هاهنا أصال من عرفه عرف س**قوط ه**ذا االع**تراض وه**و أن يعلم أن سبيل المع**اني س**بيل أش**كال الحلي كالخ**اتم والش**نف والسوار فكما أن من شأن هذه األشكال أن يك**ون الواح**د منه**ا غفال ساذجا لم يعمل صانعه فيه شيئا أكثر من أن ي**أتي بم**ا يق**ع عليه اسم الخاتم إن كان خاتما والشنف إن كان شنفا وأن يكون مصنوعا بديعا قد أغرب صانعه فيه كذلك سبيل المعاني أن ت**رى الواحد منها غفال ساذجا عامي**ا موج**ودا في كالم الن**اس كلهم ثم تراه نفسه وقد عمد إليه البص*ير بش*أن البالغ*ة وإح*داث الص*ور في المعاني فيصنع فيه ما يصنع الصنع الح**اذق ح**تى يغ**رب في الصنعة ويدق في العمل ويبدع في الصياغة وشواهد ذلك حاضرة

Page 203: دلائل الإعجاز للجرجاني

لك كيف شئت وأمثلت**ه نص**ب عيني**ك من أين نظ**رت تنظ**ر إلى قول الناس الطبع ال يتغير ولست تستطيع أن تخرج اإلنسان عما جبل عليه فترى معنى غفال عاميا معروفا في ك**ل جي**ل وأم**ة ثم تنظر إليه في قول المتن**بي المتق**ارب ي**راد من القلب نس**يانكم وتأبى الطب**اع على الناق**ل فتج**ده ق**د خ**رج في أحس**ن ص**ورة وتراه قد تحول جوهرة بعد أن كان خرزة وصار أعجب شيء بعد أن لم يكن شيئا وإذ قد عرفت ذلك فإن العقالء إلى ه**ذا قص**دوا حين قالوا إنه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين ثم يك**ون أحدهما فصيحا واآلخر غير فصيح كأنهم قالوا إن**ه يص**ح أن تك*ون هاهنا عبارتان أصل المعنى فيهم**ا واح**د ثم يك**ون إلح**داهما في تحسين ذلك المعنى وتزيينه وإحداث خصوصية فيه تأثير ال يك**ون لألخرى واعلم أن المخالف ال يخلو من أن ينكر أن يكون للمعنى في إح*دى العب**ارتين حس*ن ومزي**ة يكون**ان ل**ه في األخ*رى وأن تحدث فيه على الجملة صورة لم تكن أو يع**رف ذل**ك ف**إن أنك**ر

لم يكلم ألنه يؤديه إلى أن ال يجعل للمعنى في قوله وت**أبى الطب**اع على الناق**ل مزي**ة على ال**ذي يعق**ل من ق**ولهم الطبع ال يتغير وال يستطيع أن يخرج اإلنسان عما جب**ل علي**ه وأن ال يرى لقول أبي ن**واس الس**ريع وليس لل**ه بمس**تنكر أن يجم**ع الع*الم في واح*د مزي**ة على أن يق**ال غ*ير ب**ديع في ق**درة الل**ه تع**الى أن يجم**ع فض**ائل الخل**ق كلهم في رج**ل واح**د ومن أداه قول يقول إلى مثل هذا ك**ان الكالم مع**ه مح**اال وكنت إذا كلفت**ه أن يع**رف كمن يكل**ف أن يم**يز بح**ور الش**عر بعض**ها من بعض فيعرف المديد الطويل والبسيط الس**ريع من ليس ل**ه ذوق يقيم به الشعر من أصله وإن اعترف ب*أن ذل*ك يك*ون قلن**ا ل*ه أخبرن*ا عنك أتق**ول في قول**ه وت**أبى الطب**اع على الناق**ل إن**ه غاي**ة في الفصاحة ف*إذا ق*ال نعم قي**ل ل*ه أو ك*ان ك*ذلك عن**دك من أج*ل حروفه أم من أجل حسن ومزية حصال في المعنى ف*إن ق*ال من أجل حروفه دخل في اله**ذيان وإن ق**ال من أج**ل حس**ن ومزي**ة حصال في المعنى قي**ل ل**ه ف**ذاك م**ا أردن**اك علي**ه حين قلن**ا إن اللفظ يكون فص**يحا من أج**ل مزي**ة تق**ع في معن**اه ال من أج**ل جرس**ه وص**داه واعلم أن ليس ش**يء أيبن وأوض**ح وأح**رى أن يكشف الشبهة عن متأمله في صحة ما قلناه من التش**بيه فإن**ك تقول زيد كاألس**د أو ش**بيه باألس**د فتج**د ذل**ك كل**ه تش**بيها غفال

Page 204: دلائل الإعجاز للجرجاني

ساذجا ثم تقول كأن زيدا األسد فيكون تشبيها أيضا إال أن**ك ت**رى بينه وبين األول بونا بعيدا ألنك ترى له صورة خاص**ة وتج**دك ق**د فخمت المعنى وزدت في**ه ب**أن أف**دت أن**ه من الش**جاعة وش**دة البطش وأن قلبه قلب ال يخ*امره ال*ذعر وال يدخل*ه ال*روع بحيث يتوهم أنه األس**د بعين**ه ثم تق**ول لئن لقيت**ه ليلقين**ك من**ه األس**د فتجده قد أفاد هذه المبالغة ولكن في صورة أحسن وصفة أخص وذلك أنك تجعله في كأن يتوهم أنه األسد وتجعله هاهنا يرى من**ه األسد على القطع فيخرج األمر على ح**د الت**وهم إلى ح**د اليقين

ثم إن نظرت إلى قوله الطويل أأن أرعشت كفا أبيك وأصبحت يداك يدي ليث فإنك غالبه وجدته قد بدا لك في صورة آنق وأحسن ثم إن نظرت إلى قول أرط**اة بن سهية البسيط إن تلقني ال ت**رى غ**يري بن**اظرة تنس الس**الح وتعرف جبهة األسد وجدته قد فضل الجميع ورأيته ق**د أخ**رج في صورة غير تلك الص**ور كله**ا واعلم أن من الباط**ل والمح**ال م**ا يعلم اإلنس**ان بطالن**ه واس**تحالته ب**الرجوع إلى النفس ح**تى ال يشك ثم إنه إذا أراد بيان م**ا يج**د في نفس**ه والدالل**ة علي**ه رأى المسلك إليه يغمض ويدق وهذه الشبهة أعني قولهم إنه لو ك**ان يجوز أن يكون األمر على خالف ما قالوه من أن الفصاحة وصف للف**ظ من حيث ه**و لف**ظ لك**ان ينبغي أن ال يك**ون لل**بيت من الشعر فضل على تفسير المفسر إلى آخره من ذاك وق**د علقت ل**ذلك ب**النفوس وق**ويت فيه**ا ح**تى إن**ك ال تلقي إلى أح**د من المتعلقين بأمر اللفظ كلمة مما نحن فيه إال كان ه**ذا أول كالم**ه وإال عجب وقال إن التفسير بيان للمفسر فال يج**وز أن يبقى من مع**نى المفس**ر ش**يء ال يؤدي**ه التفس**ير وال ي**أتي علي**ه ألن في تج**ويز ذل**ك الق**ول بالمح**ال وه**و أن ال ي**زال يبقى من مع**نى المفسر شيء ال يكون إلى العلم به سبيل وإذا كان األم**ر ك**ذلك ثبت أن الصحيح من أنه ال يجوز أن يك**ون للف**ظ المفس**ر فض**ل من حيث المع**نى على لف**ظ التفس**ير وإذا لم يج**ز أن يك**ون الفض**ل من حيث المع**نى لم يب**ق إال أن يك**ون من حيث اللف**ظ نفسه فهذا جملة ما يمكنهم أن يقول**وه في نص**رة ه**ذه الش**بهة قد استقصيته لك وإذ قد عرفته فاسمع الجواب وإلى الله تع**الى الرغبة في التوفيق للصواب اعلم أن قولهم إن التفسير يجب أن يكون كالمفسر دع**وى ال تص**ح لهم إال من بع**د أن ينك**روا ال**ذي

Page 205: دلائل الإعجاز للجرجاني

بيناه من أن من ش**أن المع**اني أن تختل**ف به**ا الص**ور وي**دفعوه أص**ال ح**تى ي**دعوا أن**ه ال ف**رق بين الكناي**ة والتص**ريح وأن ح**ال المعنى مع االستعارة كحاله مع ترك االستعارة وحتى يطلب**وا م**ا

أطبق عليه العقالء من أن المجاز يكون أبدا أبلغ من الحقيقة فيزعموا أن قولنا طويل النج**اد وطوي**ل القام**ة واح**د وأن ح**ال المع*نى في بيت ابن هرم**ة المنس*رح وال أبت**اع إال قريب**ة األج*ل كحاله في قولك أن**ا مض**ياف وأن**ك إذا قلت رأيت أس**دا لم يكن األم*ر أق**وى من أن تق*ول رأيت رجال ه**و من الش*جاعة بحيث ال ينقص عن األسد ولم تكن قد زدت في المعنى بأن ادعيت له أنه أسد بالحقيقة وال بالغت فيه وحتى يزعموا أنه ال فض**ل وال مزي**ة لقوله ألقيت حبله على غاربه على قولك في تفسيره خليت**ه وم**ا يريد وتركته يفع**ل م**ا يش**اء وح**تى ال يجعل**وا للمع**نى في قول**ه تعالى وأشربوا في قل**وبهم العج**ل مزي**ة على أن يق**ال اش**تدت محبتهم للعجل وغلبت على قلوبهم وأن تكون صورة المعنى في قوله عز وجل واشتعل الرأس شيبا ص**ورته في ق**ول من يق**ول وشاب رأسي كله وابيض رأسي كله وحتى ال يروا فرقا بين قوله تعالى فما ربحت تج**ارتهم وبين فم**ا ربح**وا في تج**ارتهم وح**تى يرتكبوا جميع ما أرين**اك الش*ناعة في**ه من أن ال يك*ون ف*رق بين قول المتنبي وتأبى الطباع على الناقل وبين قولهم إن**ك ال تق**در أن تغير طباع اإلنسان ويجعلوا حال المعنى في ق**ول أبي ن**واس وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد كحاله في قولنا إنه

ليس ببديع في قدرة الله أن يجمع فضائل الخلق كلهم في واحد ويرتكبوا ذلك في الكالم كله ح**تى يزعم**وا أن**ا إذا قلن**ا في قوله تعالى ولكم في القصاص حياة أن المعنى فيها أنه لما ك**ان اإلنسان إذا هم بقتل آخر لش**يء غاظ**ه من**ه ف**ذكر أن**ه إن قتل**ه قتل ارتدع صار المهموم بقتله كأنه قد استفاد حياة فيما يستقبل بالقصاص كما قد أدينا المعنى في تفسيرنا هذا على صورته التي هو عليها في اآلية حتى ال نع**رف فض**ال وح**تى يك**ون ح**ال اآلي**ة والتفس**ير ح**ال اللفظ**تين إح**داهما غريب**ة واألخ**رى مش**هورة

الش**رجب إن**ه فتفسر الغريبة بالمشهورة مثل أن تق**ول مثال في الطويل وفي القط إنه الكت**اب وفي الدس**ر إن**ه المس**امير ومن صار األم**ر ب**ه إلى ه**ذا ك**ان الكالم مع**ه مح**اال واعلم أن**ه ليس عجيب أعجب من ح*ال من ي*رى كالمين أج*زاء أح*دهما مخالف*ة

Page 206: دلائل الإعجاز للجرجاني

في معانيها ألجزاء اآلخر ثم ي**رى أن**ه يس**ع في العق**ل أن يك**ون معنى أحد الكالمين مثل معنى اآلخر سواء ح**تى يتص**دى فيق**ول إنه لو كان يكون الكالم فصيحا من أج**ل مزي**ة تك**ون في معن**اه لكان ينبغي أن توجد تلك المزي**ة في تفس**يره ومثل**ه في العجب أنه ينظر إلى قوله تعالى فما ربحت تجارتهم فيرى إعراب االسم الذي هو التجارة ق**د تغ**ير فص**ار مرفوع**ا بع**د أن ك**ان مج**رورا ويرى أنه قد حذف من اللفظ بعض م**ا ك**ان في**ه وه**و ال**واو في ربحوا وفي من قولنا في تجارتهم ثم ال نعلم أن ذلك يقتض**ي أن يكون المعنى ق**د تغ**ير كم**ا تغ**ير اللف**ظ واعلم أن**ه ليس للحجج والدالئل في صحة ما نحن عليه حد ونهاية وكلما انتهى من**ه ب**اب انفتح فيه باب آخر وقد أردت أن آخ**ذ في ن**وع آخ**ر من الحج**اج ومن البسط والشرح فتأمل ما أكتبه لك اعلم أن الكالم الفص**يح ينقس*م قس*مين قس*م تع*زى المزي**ة والحس*ن في**ه إلى اللف**ظ وقس***م يع***زى ذل***ك في***ه إلى النظم فالقس***م األول الكناي***ة واالستعارة والتمثيل الكائن على حد االستعارة وكل ما ك**ان في**ه على الجملة مجاز واتساع وع**دول باللف**ظ عن الظ**اهر فم**ا من ضرب من هذه الضروب إال وهو إذا وقع على الص**واب وعلى م**ا ينبغي أوجب الفضل والمزية فإذا قلت هو كثير رم*اد الق*در ك*ان ل**ه موق**ع وح**ظ من القب**ول ال يك**ون إذا قلت ه**و كث**ير الق**رى والضيافة وكذا إذا قلت هو طويل النجاد كان له ت**أثير في النفس ال يكون إذا قلت هو طويل القامة وكذا إذا قلت رأيت أسدا ك**ان

له مزية ال تكون إذا قلت رأيت رجال يش**به األس**د ويس**اويه في الش**جاعة وك**ذلك إذا قلت أراك تق**دم رجال وت**ؤخر أخ**رى ك**ان ل**ه موق**ع ال يك**ون إذا قلت أراك تتردد في الذي دعوتك إلي**ه كمن يق**ول أخ**رج وال أخ**رج فيق**دم

وكذلك إذا قلت ألقى حبله على غاربه كان ل**ه رجال ويؤخر أخرى مأخذ من القلب ال يك**ون إذا قلت ه**و ك**البعير ال**ذي يلقى حبل**ه على غاربه حتى ي**رعى كي**ف يش*اء وي**ذهب حيث يري**د ال يجه**ل المزية فيه إال عديم الحس ميت النفس وإال من ال يكلم ألن**ه من مبادي المعرفة التي من عدمها لم يكن للكالم معه معنى وإذ ق**د ع**رفت ه**ذه الجمل*ة فينبغي أن تنظ**ر إلى ه**ذه المع*اني واح*دا واحدا وتعرف محصولها وحقائقهاوأن تنظ**ر أوال إلى الكناي**ة وإذا نظرت إليها وجدت حقيقتها ومحصول أمره**ا أنه**ا إثب**ات لمع**نى

Page 207: دلائل الإعجاز للجرجاني

أنت تعرف ذلك المعنى من طريق المعق**ول دون طري**ق اللف**ظ أال ترى أنك لما نظرت إلى قولهم هو ك**ثر رم**اد الق**در وع**رفت من**ه أنهم أرادوا أن**ه كث**ير الق**رى والض**يافة لم تع**رف ذل**ك من اللفظ ولكنك عرفته ب**أن رجعت إلى نفس**ك فقلت إن**ه كالم ق**د جاء عنهم في المدح وال معنى للمدح بكثرة الرماد فليس إال أنهم أرادوا أن يدلوا بكثرة الرماد على أنه تنص**ب ل**ه الق**دور الكث**يرة ويطبخ فيها للقرى والضيافة وذلك ألنه إذا كثر الطبخ في الق**دور كثر إحراق الحطب تحتها وإذا كثر إح**راق الحطب ك**ثر الرم**اد ال محال**ة وهك**ذا الس**بيل في ك**ل م**ا ك**ان كناي**ة فليس من لف**ظ الشعر عرفت أن ابن هرمة أراد بقوله وال أبت**اع إال قريب**ة األج**ل التمدح بأنه مضياف ولكنك عرفت**ه ب**النظر اللطي**ف وب**أن علمت أنه ال معنى للتمدح بظاهر ما يدل عليه اللفظ من قرب أج**ل م**ا يشتريه فطلبت له تأويال فعلمت أنه أراد أن يش**تري م**ا يش**تريه لألضياف فإذا اشترى شاة أو بعيرا كان قد اشترى ما قد دنا أجله ألن**ه ي**ذبح وينح**ر عن ق**ريب وإذ ق**د ع**رفت ه**ذا في الكناي**ة فاالستعارة في هذه القض**ية وذاك أن موض**وعها على أن**ك تثبت بها معنى ال يعرف السامع ذلك المعنى من اللف**ظ ولكن**ه يعرف**ه من معنى اللفظ بيان ه**ذا أن**ا نعلم أن**ك ال تق**ول رأيت أس**دا إال وغرضك أن تثبت للرجل أنه مس**او لألس**د في ش**جاعته وجرأت**ه وش**دة بطش**ه وإقدام**ه وفي أن ال**ذعر ال يخ**امره والخ**وف ال يعرض له ثم تعلم أن السامع إذا عقل هذا المع*نى لم يعقل*ه من لفظ أسد ولكنه يعقله من معناه وهو أنه يعلم أنه ال معنى لجعلهأسدا مع العلم بأنه رجل إال أنك أردت أنه بلغ من شدة مشابهته

لألسد ومساواته إياه مبلغا يتوهم معه أنه أسد بالحقيقة ف**اعرف هذه الجملة وأحسن تأملها واعلم أنك ترى الناس وك**أنهم ي**رون أنك إذا قلت رأيت أسدا وأنت تريد التشبيه كنت نقلت لفظ أسد عما وضع له في اللغة واستعملته في معنى غير معناه حتى ك**أن ليس االس**تعارة إال أن تعم**د إلى اس**م الش**يء فتجعل**ه اس**ما لشبيهه وحتى ك**أن ال فص**ل بين االس**تعارة وبين تس**مية المط**ر سماء والنبت غيثا والمزادة راوية وأشباه ذلك مما يوقع فيه اسم الشيء على م**ا ه**و من**ه بس**بب وي**ذهبون عم**ا ه**و مرك**وز في الطباع من أن المعنى فيه**ا المبالغ*ة وأن ي**دعى في الرج**ل أن**ه ليس برجل ولكنه أسد بالحقيقة وأنه إنما يعار اللفظ من بع**د أن

Page 208: دلائل الإعجاز للجرجاني

يعار المعنى وأنه ال يشرك في اسم األس**د إال من بع**د أن ي**دخل في جنس األسد ال ترى أحدا يعقل إال وه**و يع**رف ذل**ك إذا رج**ع إلى نفس**ه أدنى رج**وع ومن أج**ل أن ك**ان األم**ر ك**ذلك رأيت العقالء كلهم يثبتون القول بأن من شأن االستعارة أن تكون أب**دا أبلغ من الحقيقة وإال فإن كان ليس هاهنا إال نقل اسم من شيء إلى شيء فمن أين يجب ليت ش**عري أن تك**ون االس**تعارة أبل**غ من الحقيق**ة ويك**ون لقولن**ا رأيت أس**دا مزي**ة على قولن**ا رأيت شبيها باألسد وقد علمنا أنه محال أن يتغير الشيء في نفسه بأن ينقل إليه اسم قد وضع لغيره من بعد أن ال يراد من مع**نى ذل**ك االسم فيه شيء بوجه من الوجوه بل يجعل كأنه لم يوضع ل**ذلك المعنى األصلي أصال وفي أي عقل يتصور أن يتغير مع**نى ش**بيها باألسد بأن يوضع لف**ظ أس**د علي**ه وينق**ل إلي**ه واعلم أن العقالء بنوا كالمهم إذ قاسوا وشبهوا على أن األشياء تس**تحق األس**امي لخواص معان هي فيها دون م**ا ع**داها ف**إذا أثبت**وا خاص**ة ش**يء

اسمه فإذا جعلوا الرجل بحيث ال تنقص ش**جاعته لشيء أثبتوا له عن شجاعة األسد وال يعدم منها شيئا قالوا هو أسد وإذا وص**فوه بالتناهي في الخير والخصال الشريفة أو بالحسن الذي يبهر قالوا هو ملك وإذا وصفوا الشيء بغاية الطيب قالوا هو مسك وك**ذلك الحكم أبدا ثم إنهم إذا استقصوا في ذلك نفوا عن المش**به اس**م جنسه فقالوا ليس ه**و بإنس**ان وإنم**ا ه**و أس**د وليس ه**و أدمي**ا

وإنما هو ملك كما قال الله تعالى ما هذا بشرا إن هذا إال ملك كريم ثم إن لم يريدوا أن يخرجوه عن جنسه جملة قالوا هو أسد في ص**ورة إنس**ان وه**و مل**ك في ص**ورة آدمي وق**د خ**رج ه**ذا للمتن**بي في أحس**ن عب**ارة وذل**ك في قول**ه الخفي**ف نحن ركب ملجن في زي ناس ف**وق ط**ير له**ا ش**خوص الجم**ال ففي ه**ذه الجملة بيان لمن عقل أن ليست االستعارة نقل اس**م عن ش**يء إلى شيء ولكنها ادعاء معنى االسم لشيء إذ لو كانت نقل اسم وكان قولنا رأيت أسدا بمعنى رأيت شبيها باألسد ولم يكن ادع**اء أنه أسد بالحقيقة لكان مح**اال أن يق**ال ليس ه**و بإنس**ان ولكن**ه أسد أو هو أسد في صورة إنسان كم**ا أن**ه مح**ال أن يق**ال ليس هو بإنسان ولكنه شبيه بأسد أو يقال هو ش**بيه بأس**د في ص**ورة إنسان واعلم أنه قد كثر في كالم الن**اس اس**تعمال لف**ظ النق**ل في االستعارة فمن ذلك قولهم إن االستعارة تعليق العب**ارة على

Page 209: دلائل الإعجاز للجرجاني

غير ما وضعت له في أصل اللغة على سبيل النقل وقال القاضي أبو الحسن االستعارة ما اكتفي فيه باالسم المستعار عن األصلي ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها ومن ش**أن م**ا غمض من المعاني ولطف أن يص*عب تص*ويره على الوج*ه ال*ذي ه**و علي**ه لعامة الناس فيقع لذلك في العبارات التي يعبر بها عنه ما ي**وهم الخطأ وإطالقهم في االستعارة أنها نقل للعبارة عم*ا وض**عت ل**ه من ذل**ك فال يص**ح األخ**ذ ب**ه وذل**ك أن**ك إذا كنت ال تطل**ق اس**م األس**د على الرج**ل إال من بع**د أن تدخل**ه في جنس األس**ود من الجهة التي بينا لم تكن نقلت االسم عما وضع له بالحقيق**ة ألن**ك إنم**ا تك**ون ن**اقال إذا أنت أخ**رجت معن**اه األص**لي من أن يك**ون

مقصودك ونفضت به يدك فأما أن تكون ناقال له عن معناه مع إرادة معناه فمح**ال من**اقض واعلم أن في االستعارة ما ال يتصور تقدير النقل فيه البتة وذلك مثل قول لبي**د الكام**ل وغ**داة ريح ق**د كش**فت وق**رة إذ أص**بحت بي**د الش**مال زمامها ال خالف في أن اليد استعارة ثم إنك ال تستطيع أن ت**زعم أن لفظ اليد قد نقل عن شيء إلى شيء وذلك أنه ليس المعنى على أنه شبه شيئا باليد فيمكنك أن تزعم أنه نقل لفظ اليد إلي**ه وإنما المعنى على أنه أراد أن يثبت للشمال في تصريفها الغ**داة على طبيعتها شبه اإلنسان قد أخذ الش**يء بي**ده يقلب**ه ويص**رفه كيف يريد فلما أثبت لها مثل فعل اإلنسان باليد استعار له**ا الي**د وكما ال يمكن**ك تق**دير النق**ل في لف**ظ الي**د ك**ذلك ال يمكن**ك أن تجعل االستعارة فيه من صفة اللفظ أال ترى أنه مح*ال أن تق**ول إنه استعار لفظ اليد للشمال وكذلك سبيل نظ**ائره مم**ا تج**دهم قد أثبتوا فيه للشيء عضوا من أعضاء اإلنسان من أج**ل إثب**اتهم ل**ه المع**نى ال**ذي يك**ون في ذل**ك العض**و من اإلنس**ان ك**بيت الحماس**ة الطوي**ل إذا ه**زه في عظم ق**رن تهللت نواج**ذ أف**واه المنايا الضواحك فإنه لما جعل المناي**ا تض**حك جع**ل له**ا األف**واه والنواجذ التي يكون الضحك فيها وكبيت المتنبي الطوي**ل خميس بشرق األرض والغرب زحفه وفي أذن الج**وزاء من**ه زم**ازم لم**ا جع**ل الج**وزاء تس**مع على ع**ادتهم في جع**ل النج**وم تعق**ل

ووصفهم لها لما يوصف بها األناس**ي أثبت له**ا األذن ال**تي به**ا يك**ون الس**مع من األناسي ف**أنت اآلن ال تس*تطيع أن ت**زعم في بيت الحماس**ة أن**ه

Page 210: دلائل الإعجاز للجرجاني

استعار لفظ النواجذ ولفظ األفواه ألن ذلك ي**وجب المح**ال وه**و أن يكون في المنايا شيء قد ش**بهه بالنواج**ذ وش**يء ق**د ش**بهه ب***األفواه فليس إال أن تق***ول إن***ه لم***ا ادعى أن المناي***ا تس***ر وتستبشر إذا هو هز السيف وجعلها لس**رورها ب**ذلك تض**حك أراد أن يب**الغ في األم**ر فجعله**ا في ص**ورة من يض**حك ح**تى تب**دو نواجذه من شدة السرور وكذلك ال تستطيع أن تزعم أن المتنبي قد استعار لفظ األذن ألنه يوجب أن يكون في الجوزاء شيء ق**د أراد تشبيهه باألذن وذلك من شنيع المحال فقد تبين من غير وجه أن االستعارة إنما هي ادعاء معنى االسم للش**يء ال نق**ل االس**م عن الشيء وإذا ثبت أنها ادعاء مع**نى االس**م للش**يء علمت أن الذي قالوه من أنها تعليق للعبارة على غير ما وضعت في اللغ**ة ونقل لها عما وض**عت ل**ه كالم ق**د تس**امحوا في**ه ألن**ه إذا ك**انت االستعارة ادعاء معنى االسم لم يكن االسم مزاال عم**ا وض**ع ل**ه ب**ل مق**را علي**ه واعلم أن**ك ت**راهم ال يم**انعون إذا تكلم**وا في االستعارة من أن يقولوا إن**ه أراد المبالغ**ة فجعل**ه أس**دا ب**ل هم يلجؤون إلى القول به وذلك ص**ريح في أن األص**ل فيه**ا المع**نى وأنه المس**تعار في الحقيق**ة وأن قولن**ا اس**تعير ل**ه اس**م األس**د إشارة إلى أنه استعير له معناه وأنه جع**ل إي**اه وذل**ك أن**ا ل**و لم نقل ذلك لم يكن ل جعل هاهنا معنى ألن جعل ال يص**لح إال حيث يراد إثبات صفة للشيء كقولنا جعلته أميرا وجعلته لصا تريد أنك أثبت له اإلمارة ونسبته إلى اللصوصية وادعيتها عليه ورميت**ه به**ا وحكم جع**ل إذا تع**دى إلى مفع**ولين حكم ص**ير فكم**ا ال تق**ول صيرته أميرا إال على معنى أن**ك أثبت ل**ه ص**فة اإلم**ارة ك**ذلك ال

جعلت**ه أس**دا إال على مع**نى أن**ك أثبت ل**ه مع**اني يصح أن تقول األسد وأما ما تجده في بعض كالمهم من أن جعل يك**ون بمع**نى سمى فمما تسامحوا فيه أيضا ألن المعنى معل**وم وه**و مث**ل أن تجد الرجل يق**ول أن**ا ال أس**ميه إنس**انا وغرض**ه أن يق**ول إني ال أثبت له المعاني التي بها كان اإلنسان إنسانا فأما أن يكون جعل في معنى سمى هكذا غفال فمما ال يخفى فساده أال ت**رى أن**ك ال تجد عاقال يقول جعلته زيدا بمعنى س**ميته زي**دا وال يق**ال للرج**ل أجعل ابنك زيدا بمعنى س**مه زي**دا و ول**د لفالن ابن فجعل**ه عب**د الله أي سماه عبد الله هذا ما ال يشك فيه ذو عقل إذا نظر وأكثر

Page 211: دلائل الإعجاز للجرجاني

ما يكون منهم هذا التسامح أعني قولهم إن جع**ل يك**ون بمع**نىسمى في قوله تعالى وجعلوا المالئكة الذين هم عباد الرحمن

إناثا فقد ترى في التفس**ير أن جع**ل يك**ون بمع**نى س**مى وعلى ذاك فال ش**بهة في أن ليس المع**نى على مج**رد التس**مية ولكن على الحقيقة التي وصفتها ل**ك وذاك أنهم أثبت**وا للمالئك**ة ص**فة اإلناث واعتقدوا وجودها فيهم وعن ه**ذا االعتق**اد ص**در عنهم م**ا ص**در من االس**م أع**ني إطالق اس*م البن**ات وليس المع*نى أنهم وضعوا لها لفظ اإلناث ولفظ البنات من غير اعتقاد معنى وإثبات صفة هذا محال أوال ترى إلى قوله تعالى أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون فلو ك**انوا لم يزي**دوا على إج**راء االس**م على المالئكة ولم يعتقدوا إثب**ات ص**فة لم**ا ق**ال الل**ه تع**الى أش**هدوا خلقهم هذا ول**و ك**انوا لم يقص*دوا إثب**ات ص**فة ولم يكن غ*ير أن وضعوا اسما ال يريدون به معنى لما استحقوا إال اليسير من الذم ولم**ا ك**ان ه**ذا الق**ول منهم كف**را والتفس**ير الص**حيح والعب**ارة المستقيمة ما قاله أبو إسحاق الزجاج رحم**ه الل**ه فإن**ه ق**ال إن الجع*ل هاهن**ا في مع*نى الق**ول والحكم على الش**يء تق**ول ق**د جعلت زيدا أعلم الناس أي وصفته بذلك وحكمت ب**ه ونرج**ع إلى الغرض فنقول فإذا ثبت أن ليست االس**تعارة نق**ل االس**م ولكن

رأيت أسدا أن**ه ادعاء معنى االسم وكنا إذا عقلنا من قول الرجل أراد ب**ه المبالغ**ة في وص**فه بالش**جاعة وأن يق**ول إن**ه من ق**وة القلب ومن ف**رط البس**الة وش**دة البطش وفي أن الخ**وف ال يخامره والذعر ال يعرض ل**ه بحيث ال ينقص عن األس**د لم نعق**ل ذلك من لفظ أسد ولكن من ادعائه مع**نى األس**د ال**ذي رآه ثبت ب**ذلك أن االس**تعارة كالكناي**ة في أن**ك تع**رف المع**نى فيه**ا من طريق المعقول دون طريق اللفظ وإذ قد عرفت أن طريق اعلم ب**المعنى في االس**تعارة والكناي**ة مع**ا المعق**ول ف**اعلم أن حكم التمثيل في ذلك حكمها ب**ل األم**ر في التمثي**ل أظه**ر وذل**ك أن**ه ليس من عاق**ل يش**ك إذا نظ**ر في كت**اب يزي**د بن الولي**د إلى

بلغه أنه يتلكأ في بيعته أما بعد ف**إني أراك مروان بن محمد حين تقدم رجال وتؤخر أخرى فإذا أتاك كتابي هذا فاعتم**د على أيتهم**ا شئت والسالم يعلم أن المعنى أنه يقول له بلغ**ني أن**ك في أم**ر

البيعة بين رأيين مختلفين

Page 212: دلائل الإعجاز للجرجاني

ترى تارة أن تبايع وأخرى أن تمتنع من البيعة إذا أتاك كتابي ه**ذا فاعم**ل على أي ال**رأيين ش**ئت وأن**ه لم يع**رف ذل**ك من لف**ظ التقديم والتأخير أو من لفظ الرجل ولكن ب**أن علم أن**ه ال مع**نى لتقديم الرجل وتأخيرها في رجل ي**دعى إلى البيع**ة وأن المع**نى على أنه أراد أن يقول إن مثلك في ترددك بين أن تب**ايع وبين أن تمتنع مثل رجل قائم ليذهب في أمر فجعلت نفسه تريه ت**ارة أن الصواب في أن يذهب فجعل يقدم رجال تارة ويؤخر أخرى وهكذا ك**ل كالم ك**ان ض**رب مث**ل ال يخفى على من ل**ه أدنى تمي**يز أن األغراض التي تكون للناس في ذلك ال تع**رف من األلف**اظ ولكن تكون المع**اني الحاص**لة من مجم**وع الكالم أدل**ة على األغ**راض والمقاصد ولو كان الذي يكون غرض المتكلم يعلم من اللفظ م**ا كان لقولهم ضرب كذا مثال لك**ذا مع**نى فم**ا اللف**ظ يض**رب مثال ولكن المع**نى ف**إذا قلن**ا في ق**ول الن**بي علي**ه الس**الم إي**اكم وخضراء الدمن إنه ضرب عليه السالم خضراء الدمن مثال للمرأة الحسناء في منبت السوء لم يكن المعنى انه ضرب لفظ خضراء

لها هذا ما ال يظنه من به مس فضال عن العاق**ل فق**د الدمن مثال زال الشك وارتفع في أن طريق العلم بما يراد إثبات**ه والخ**بر ب**ه في هذه األجناس الثالثة ال**تي هي الكناي**ة واالس**تعارة والتمثي**ل المعقول دون اللف**ظ من حيث يك**ون القص**د باإلثب**ات فيه**ا إلى معنى ليس هو معنى اللفظ ولكنه مع**نى يس**تدل بمع**نى اللف**ظ عليه ويستنبط منه كنحو م**ا ت**رى من أن القص**د في ق**ولهم ه**و كثير رماد الق**در إلى ك**ثرة الق**رى وأنت ال تع**رف ذل**ك من ه**ذا اللفظ الذي تسمعه ولكنك تعرفه بأن تس**تدل علي**ه بمعن**اه على ما مضى الشرح فيه وإذ قد عرفت ذل*ك فينبغي أن يق*ال له**ؤالء الذي اعترضوا علين**ا في قولن**ا إن الفص**احة وص**ف تجب للكالم من أجل مزية تكون في معناه وأنها ال تكون وص**فا ل**ه من حيث اللفظ مجردا عن المعنى واحتجوا بأن قالوا إنه لو كان الكالم إذا وصف بأنه فصيح كان ذلك من أجل مزية تكون في معناه لوجب أن يكون تفسيره فصيحا مثله أخبرونا عنكم أت**رون أن من ش**أن هذه األجناس إذا كانت في الكالم أن تكون له بها مزية توجب له الفصاحة أم ال ترون ذلك فإن ق**الوا ال ن**رى ذل**ك لم يكلم*وا وإن قالوا نرى للكالم إذا كانت فيه مزية توجب له الفصاحة قي**ل لهم

Page 213: دلائل الإعجاز للجرجاني

فأخبرونا عن تلك المزية أتك**ون في اللف**ظ أم في المع**نى ف**إنقالوا

في اللفظ دخلوا في الجهال**ة من حيث يل**زم من ذل**ك أن تك**ون الكناية واالستعارة والتمثيل أوصافا للفظ ألنه ال يتصور أن تك**ون مزيتها في اللفظ حتى تك**ون أوص**افا ل**ه وذل**ك مح**ال من حيث يعلم كل عاقل أنه ال يك**نى باللف**ظ عن اللف**ظ وأن**ه إنم**ا يك**نى بالمعنى عن المعنى وكذلك يعلم أنه ال يستعار اللفظ مج**ردا عن المعنى ولكن يستعار المعنى ثم اللفظ يكون تبع المعنى على ما قدمنا الشرح فيه ويعلم كذلك أنه محال أن يضرب المثل باللفظ وأن يك**ون ق**د ض**رب لف**ظ أراك تق**دم رجال وت**ؤخر أخ**رى مثال لتردده في أمر البيعة وإن قالوا هي في المعنى قيل لهم فهو م**ا أردناكم عليه فدعوا الشك عنكم وانتبه**وا من رق**دتكم فإن**ه علم ضروري قد أدى التقسيم إلي**ه وك**ل علم ك**ان ك**ذلك فإن**ه يجب القطع على كل سؤال يسأل فيه بأنه خطأ وأن الس**ائل ملب**وس عليه ثم إن الذي يعرف به وجه دخ**ول الغل**ط عليهم في ق**ولهم إنه لو كان الكالم يكون فصيحا من أج**ل مزي**ة تك**ون في معن**اه لوجب أن يك**ون تفس**يره فص**يحا مثل**ه ه**و أن**ك إذا نظ**رت إلى كالمهم هذا وجدتهم كأنهم قالوا إنه ل**و ك**ان الكالم إذا ك**ان في**ه كناية أو استعارة أو تمثيل كان لذلك فصيحا ل**وجب أن يك**ون إذا لم توجد فيه هذه المعاني فصيحا أيضا ذاك ألن تفسير الكناية أن نتركها ونصرح ب**المكنى عن**ه فنق**ول إن المع**نى في ق**ولهم ه**و كثير رماد القدر أنه كثير القرى وكذلك الحكم في االستعارة فإن تفسيرها أن نتركها ونص**رح بالتش**بيه فنق**ول في رأيت أس**دا إن المعنى رأيت رجال يساوي األسد في الشجاعة وك**ذلك األم**ر في التمثيل ألن تفسيره أن نذكر المتمثل ل**ه فنق**ول في قول**ه أراك تقدم رجال وتؤخر أخرى إن المعنى أنه ق**ال أراك ت**تردد في أم**ر البيعة فتقول ت**ارة أفع**ل وت**ارة ال أفع**ل كمن يري**د ال**ذهاب في وجه فتريه نفسه تارة أن الصواب في أن يذهب وأخ**رى أن**ه في أن ال يذهب فيقدم رجال ويؤخر أخرى وه**ذا خ**روج عن المعق**ول ألنه بمنزلة أن تقول لرجل ق**د نص**ب لوص**ف عل**ة إن ك**ان ه**ذا الوصف يجب لهذه العلة فينبغي أن يجب مع ع**دمها ثم إن ال*ذي استهواهم هو أنهم نظروا إلى تفسير ألف**اظ اللغ*ة بعض**ها ببعض فلما رأوا اللفظ إذا فسر بلفظ مث**ل أن يق*ال في الش*رجب إن**ه

Page 214: دلائل الإعجاز للجرجاني

الطويل لم يجز أن يكون في المفسر من حيث المع**نى مزي**ة ال تكون في التفسير ظنوا أن سبيل ما نحن فيه ذلك السبيل وذلك غلط منهم ألنهم إنما كان للمفسر فيما نحن فيه الفضل والمزية

على التفسير من حيث كانت الداللة في المفسر دالل**ة مع**نى وفي التفس**ير دالل**ة لف**ظ على معنى وكان من المركوز في الطباع والراسخ في غرائ**ز العق**ول أنه متى أريد الداللة على معنى فترك أن يصرح به ويذكر باللفظ الذي هو له في اللغة وعمد إلى معنى آخر فأشير به إلي**ه وجع**ل دليال عليه كان للكالم بذلك حسن ومزي**ة ال يكون**ان إذا لم يص**نع ذلك وذكر بلفظه صريحا وال يك**ون ه**ذا ال**ذي ذك**رت أن**ه س**بب فضل المفسر على التفسير من كون الدالل**ة في المفس**ر دالل**ة معنى على معنى وفي التفسير معنى معلوم يعرفه السامع وه**و غير معنى لف**ظ التفس**ير في نفس**ه وحقيقت**ه كم**ا ت**رى من أن الذي هو معنى اللفظ في قولهم هو كثير رم*اد الق*در غ*ير ال*ذي هو معنى اللفظ في قولهم هو كثير القرى ولو لم يكن ك**ذلك لم يتصور أن يكون هاهنا داللة معنى على معنى وإذ قد عرفت ه**ذه الجملة فقد حصل لنا منه**ا أن المفس**ر يك**ون ل**ه داللت**ان دالل**ة اللفظ على المع**نى ودالل**ة المع**نى ال**ذي دل اللف**ظ علي**ه على معنى لفظ آخ**ر وال يك**ون للتفس**ير إال دالل**ة واح**دة وهي دالل**ة اللفظ وهذا الفرق هو س**بب أن ك**ان للمفس**ر الفض**ل والمزي**ة على التفسير ومح**ال أن يك**ون ه**ذا قض**ية المفس**ر في ألف**اظ اللغة ذاك ألن معنى المفسر يكون مجهوال عن**د الس**امع ومح**ال أن يكون للمجهول داللة ثم إن مع**نى المفس**ر يك**ون ه**و مع**نى التفسير بعينه ومحال إذا كان المع**نى واح**دا أن يك**ون للمفس**ر فضل على التفسير ألن الفضل ك**ان في مس**ألتنا ب**أن دل لف**ظ المفسر على معنى ثم دل معناه على معنى آخر وذل**ك ال يك**ون مع كون المعنى واحدا وال يتصور بيان هذا أنه محال أن يق**ال إن معنى الشرجب الذي هو المفسر يكون دليال على معنى تفس**يره الذي هو الطويل على وزان قولنا إن معنى كثير رماد القدر ي**دل على معنى تفسيره الذي هو كثير القرى ألم**رين أح**دهما أن**ك ال تفسر الشرجب حتى يكون معناه مجهوال عند السامع ومح**ال أن يكون للمجهول داللة والثاني أن المع**نى في تفس**يرنا الش**رجب بالطويل أن نعلم السامع أن معناه هو مع*نى الطوي**ل بعين**ه وإذا

Page 215: دلائل الإعجاز للجرجاني

كان كذلك كان محاال أن يقال إن معناه يدل على معنى الطوي**ل والذي يعقل أن يقال إن معناه هو مع**نى الطوي**ل ف**اعرف ذل**ك وانظ**ر إلى لعب الغفل**ة ب**القوم وإلى م**ا رأوا في من**امهم من

األحالم الكاذبة ولو أنهم تركوا االستنامة إلى التقليد واألخذ بالهوينا وترك النظر وأش**عروا قل**وبهم أن هاهن**ا كالم**ا ينبغي أن يصغى إليه لعلموا ولعاد إعجابهم بأنفسهم في سؤالهم ه**ذا وفي سائر أقوالهم عجب**ا منه**ا ومن تط**ويح الظن**ون به**ا وإذ ق**د ب**ان سقوط ما اعترض ب**ه الق**وم وفحش غلطهم فينبغي أن تعلم أن ليست المزايا ال**تي تج**دها له**ذه األجن**اس على الكالم الم**تروك على ظ**اهره والمبالغ**ة ال**تي تحس**ها في أنفس المع**اني ال**تي يقصد المتكلم بخبره إليها ولكنها في طري**ق إثبات**ه له**ا وتقري**ره إياها وأنك إذا س**معتهم يقول**ون إن من ش**أن ه**ذه األجن**اس أن تكسب المعاني مزية وفضال وتوجب لها ش**رفا ونبال وأن تفخمه**ا في نف**وس الس**امعين ال يعن**ون أنفس المع**اني ال**تي يقص**د المتكلم بخبره إليها كالقرى والشجاعة وال**تردد في ال**رأي وإنم**ا يعنون إثباتها لما تثبت له ويخبر بها عنه فإذا جعلوا للكناي**ة مزي**ة على التصريح لم يجعل**وا تل**ك المزي**ة في المع**نى المك**نى عن**ه ولكن في إثباته لل**ذي ثبت ل**ه وذل**ك أن**ا نعلم أن المع**اني ال**تي يقصد الخبر بها ال تتغير في أنفسها بأن يكنى عنها بمعان س**واها ويترك أن تذكر األلفاظ ال**تي هي له**ا في اللغ**ة ومن ه**ذا ال**ذي يشك أن معنى طول القامة وكثرة الق**رى ال يتغ**يران ب**أن يك**نى عنهما بطول النجاد وكثرة رماد القدر وتقدير التغيير فيهما ي**ؤدي إلى أن ال تكون الكناية عنهما ولكن عن غيرهما وقد ذك**رت ه**ذا في صدر الكتاب وذكرت أن السبب في أن كان يكون لإلثبات إذا كان من طريق الكناية مزية ال تكون إذا كان من طريق التص**ريح أنك إذا كنيت عن كثرة القرى بك**ثرة رم**اد الق**در كنت ق**د أثبت كثرة القرى بإثب**ات ش**اهدها ودليله**ا وم**ا ه**و علم على وجوده**ا وذلك ال محالة يك**ون أبل**غ من إثباته**ا بنفس**ها وذل**ك ألن**ه يك**ون سبيلها حينئذ سبيل الدعوى تكون مع ش**اهد وذك**رت أن الس**بب في أن كانت االستعارة أبلغ من الحقيق**ة أن**ك إذا ادعيت للرج**ل أنه أسد بالحقيقة ك**ان ذل**ك أبل**غ وأش**د في تس**ويته باألس**د في الشجاعة وذاك ألنه أن يكون من األسود ثم ال تكون ل**ه ش**جاعة األس**ود وك**ذلك الحكم في التمثي**ل ف**إذا قلت أراك تق**دم رجال

Page 216: دلائل الإعجاز للجرجاني

وتؤخر أخرى كان أبلغ في إثبات التردد له من أن تقول أنت كمنيقدم رجال ويؤخر أخرى

واعلم أنه قد يهجس في نفس اإلنسان شيء يظن من أجله أن**ه ينبغي أن يكون الحكم في المزي**ة ال**تي تح**دث باالس**تعارة أنه**ا تحدث في المثبت دون اإلثبات وذلك أن تقول إن**ا إذا نظرن**ا إلى

إنما كانت أبل**غ من أج**ل أنه**ا ت**دل على ق**وة االستعارة وجدناها الشبه وأنه قد تناهى إلى أن صار المشبه ال يتميز عن المشبه به في المعنى الذي من أجله شبه به وإذا كان ك**ذلك ك**انت المزي**ة الحادثة بها حادثة في الش**به وإذا ك**انت حادث**ة في الش*به ك**انت في المثبت دون اإلثبات والجواب عن ذلك أن يقال إن االستعارة لعم**ري تقتض**ي ق**وة الش**به وكون**ه بحيث ال يتم**يز المش**به عن المشبه به ولكن ليس ذاك سبب المزية وذلك ألن**ه ل**و ك**ان ذاك سبب المزي**ة لك**ان ينبغي إذا جئت ب**ه ص**ريحا فقلت رأيت رجال مساويا لألسد في الشجاعة وبحيث لوال صورته لظننت أنك رأيت أسدا وما شاكل ذلك من ضروب المبالغة أن تجد لكالمك المزي**ة التي تجدها لقولك أسدا وليس يخفى على عاقل أن ذلك ال يكون فإن قال قائل إن المزي**ة من أج**ل أن المس**اواة تعلم في رأيت أس**دا من طري**ق المع**نى وفي رأيت رجال مس**اويا لألس**د من طريق اللفظ قيل قد قلنا فيم**ا تق**دم إن**ه مح**ال أن يتغ**ير ح**ال المعنى في نفسه بأن يكنى عن**ه بمع**نى آخ**ر وأن**ه ال يتص**ور أن يتغير معنى طول القامة بأن يكنى عنه بطول النجاد ومعنى كثرة القرى بأن يكنى عنه بكثرة الرماد وكما أن ذلك ال يتصور فك*ذلك ال يتصور أن يتغير معنى مساواة الرجل األسد في الشجاعة ب**أن يكنى عن ذلك ويدل عليه بأن تجعله أسدا ف**أنت اآلن إذا نظ**رت إلى قول**ه البس**يط فأس**بلت لؤل**ؤا من ن**رجس وس**قت وردا وعضت على العناب ب**البرد فرأيت**ه ق**د أف**ادك أن ال**دمع ك**ان ال يحرم من شبه اللؤلؤ والعين من شبه النرجس ش*يئا فال تحس*بن أن الحسن الذي تراه واألريحية التي تجدها عنده أنه أف*ادك ذل*ك فسحب وذاك أنك تستطيع أن تجيء به صريحا فتق**ول فأس**بلت

دمعا كأنه اللؤلؤ عينه من عين كأنها النرجس حقيقة ثم ال ترى من ذلك الحس**ن ش**يئا ولكن اعلم أن سبب أن راقك وأدخل األريحية عليك أنه أفادك في إثب**ات ش**دة الشبه مزية وأوجدك في**ه خاص**ة ق**د غ**رز في طب**ع اإلنس**ان أن

Page 217: دلائل الإعجاز للجرجاني

يرتاح لها ويجد في نفسه هزة عندها وهك**ذا حكم نظ**ائره كق**ول أبي نواس الس**ريع يبكي في**ذري ال**در عن ن**رجس ويلطم ال**ورد بعناب وقول المتنبي الوافر بدت قمرا ومالت خوط بان وف**احت عنبرا ورنت غزاال وأعلم أن من شأن االس**تعارة أن**ك كلم**ا زدت إرادتك التشبيه إخفاء ازدادت االس**تعارة حس**نا ح**تى إن**ك تراه**ا أغرب ما تكون إذا كان الكالم قد ألف تأليف**ا إن أردت أن تفص**ح فيه بالتش**بيه خ**رجت إلى ش**يء تعاف**ه النفس ويلفظ**ه الس**مع ومثال ذلك قول ابن المعتز مجزوء الرمل أثمرت أغص**ان راحت**ه بجنان الحسن عنابا أال ترى أنك لو حملت نفس**ك على أن تظه**ر التشبيه وتفصح به احتجت إلى أن تقول أثمرت أصابع ي**ده ال**تي هي كاألغص**ان لط**البي الحس**ن ش**بيه العن**اب من أطرافه**ا المخضوبة وهذا ما تخفى غثاثته ومن أجل ذلك كان موقع العناب في هذا البيت أحسن منه في قوله وعض**ت على العن**اب ب**البرد وذاك ألن إظهار التشبيه فيه ال يقبح هذا القبح المف**رط ألن**ك ل**و

قلت وعضت على أطراف أصابع كالعناب بثغ**ر ك**البرد ك**ان ش**يئا يتكلم بمثل**ه وإن كان مرذوال وهذا موضع ال يتبين س**ره إال من ك**ان ملتهب الطب**ع حاد القريح*ة وفي االس*تعارة علم كث**ير ولط**ائف مع*ان ودق**ائق فروق وسنقول فيها إن شاء الله في موضع آخر واعلم أنا أخ**ذنا في الجواب عن قولهم إنه لو كان الكالم يكون فص**يحا من أج**ل مزية تكون في معناه لكان ينبغي أن يكون تفسيره فصيحا مثل**ه قلنا إن الكالم الفصيح ينقسم قس**مين قس**م تع**زى المزي**ة في**ه إلى اللفظ وقسم تع*زى في**ه إلى النظم وق**د ذكرن**ا في القس*م األول من الحجج ما ال يبقى مع**ه لعاق**ل إذا ه**و تأمله**ا ش**ك في بطالن م**ا تعلق**وا ب**ه من أن**ه يلزمن**ا في قولن**ا إن الكالم يك**ون فصيحا من أجل مزي**ة تك**ون في معن**اه أن يك**ون تفس**ير الكالم الفصيح فصيحا مثله وأنه تهوس منهم وتقحم في المحاالت وأم**ا القس**م ال**ذي تع**زى في**ه المزي**ة إلى النظم ف**إنهم إن ظن**وا أن سؤالهم الذي اغتروا به يتجه لهم في**ه ك**ان أم**رهم أعجب وك**ان جهلهم في ذلك أغرب وذلك أن النظم كما بيناه هو توخي معاني النحو وأحكامه وفروقه ووجوهه والعمل بقوانينه وأصوله وليست معاني النحو معاني األلفاظ فيتصور أن يكون لها تفس**ير وجمل**ة األمر أن النظم إنما هو أن الحمد من قوله تعالى الحمد لل**ه رب

Page 218: دلائل الإعجاز للجرجاني

العالمين الرحمن الرحيم مبتدأ ولله خ**بر ورب ص**فة الس**م الل**ه تعالى ومض*اف إلى الع*المين والع*المين مض*اف إلي**ه وال*رحمن الرحيم صفتان كالرب ومال**ك من قول**ه مال**ك ي**وم ال**دين ص**فة أيضا ومضاف إلى يوم ويوم مضاف إلى الدين وإياك ضمير اس**م الله تعالى مما هو ضمير يقع موقع االسم إذا كان االسم منص**وبا معنى ذلك أنك لو ذكرت اسم الله مكان**ه لقلت الل**ه نعب**د ثم أن نعبد هو المقتضي معنى النصب فيه وك**ذلك حكم إي**اك نس**تعين ثم إن جملة إياك نستعين معطوف بالواو على جمل**ة إي**اك نعب**د والصراط مفعول والمستقيم صفة للصراط وصراط ال**ذين ب**دل من الص***راط المس***تقيم وأنعمت عليهم ص***لة ال***ذين وغ***ير المغضوب عليهم صفة الذين والضالين معطوف على المغض**وب

عليهم ف**انظر اآلن ه**ل يتص**ور في ش**يء من ه**ذه المع**اني أن يك**ون معنى اللفظ وهل يكون كون الحمد مبتدأ مع**نى لف**ظ الحم**د أم يكون ك**ون رب ص**فة وكون**ه مض**افا إلى الع**المين مع**نى لف**ظ الرب فإن قيل إنه إن لم تكن هذه المعاني أنفس األلف**اظ فإنه**ا تعلم على كل حال من ترتيب األلفاظ ومن اإلعراب فبالرفع في الدال من الحمد يعلم أنه مبتدأ وبالجر في الباء من رب يعلم أنه صفة وبالياء في العالمين يعلم أنه مضاف إليه وعلى ه**ذا قي**اس الكل قيل ترتيب اللفظ ال يكون لفظا واإلع**راب وإن ك**ان يك**ون لفظا فإنه ال يتصور أن يكون هاهنا لفظان كالهما عالم**ة إع**راب ثم يكون أحدهما تفسيرا لآلخر وزيادة القول في ه**ذا من خط**ل الرأي فإنه مما يعلمه العاقل ببديهة النظ**ر ومن لم يتنب**ه ل**ه في أول م**ا يس**مع لم يكن أهال ألن يكلم ونع**ود إلى رأس الح**ديث فنقول قد بطل اآلن من كل وجه وكل طريق أن تكون الفص**احة وصفا للفظ من حيث هو لفظ ونطق لسان وإذا كان ه**ذا ص**ورة الح**ال وجمل**ة األم**ر ثم لم ت**ر الق**وم تفك**روا في ش**يء مم**ا ش**رحناه بح**ال وال أخط**روه لهم بب**ال ب**ان وظه**ر أنهم لم ي**أتوا األمر من بابه ولم يطلب**وه من معدن**ه ولم يس**لكوا إلي**ه طريق**ه وأنهم لم يزي**دوا على أن أوهم**وا أنفس**هم وهم**ا كاذب**ا أنهم ق**د أبانوا الوجه الذي به كان القرآن معج*زا والوص**ف ال*ذي ب**ه ب**ان من كالم المخلوقين من غير أن يكونوا قد قالوا فيه ق**وال يش**في من شاك غليال ويكون على علم دليال وإلى معرفة ما قصدوا إليه

Page 219: دلائل الإعجاز للجرجاني

سبيال واعلم أنه إذا نظر العاقل إلى ه**ذه األدل**ة ف**رأى ظهوره**ا استبعد أن يكون قد ظن ظان في الفصاحة أنها من صفة اللف**ظ صريحا ولعمري إنه كذلك ينبغي إال أنا ننظر إلى جدهم وتشددهم وبتهم الحكم ب**أن المع**اني ال تتزاي**د وإنم**ا تتزاي**د األلف**اظ فلئن كانوا ق**د ق**الوا األلف**اظ وهم ال يري**دونها أنفس**ها وإنم**ا يري**دون لطائف معان تفهم منها لقد كان ينبغي أن يتبعوا ذلك من ق**ولهم ما ينبىء عن غرض**هم وأن ي**ذكروا أنهم عن**وا بألف**اظ ض**ربا من المعنى وأن غرضهم مفهوم خاص هذا وأمر النظم في أن**ه ليس

شيئا غير توخي معاني النحو فيما بين الكلم وأنك ترتب المعاني أوال في نفسك ثم تحذو على ترتيبها األلفاظ في نطق**ك وإنا لو فرض**نا أن تخل**و ألف**اظ من المع**اني لم يتص**ور أن يجب فيها نظم وترتيب في غاية القوة والظهور ثم ت**رى ال**ذين لهج**وا بأمر اللفظ قد أبوا إال أن يجعلوا النظم في األلفاظ فترى الرجل منهم يرى ويعلم أن اإلنسان ال يستطيع أن يجيء باأللفاظ مرتبة إال من بع**د أن يفك**ر في المع**اني ويرتبه**ا في نفس**ه على م**ا أعلمناك ثم تفتشه فتراه ال يعرف األمر بحقيقته وتراه ينظ**ر إلى حال السامع فإذا رأى المعاني ال تقع مرتبة في نفسه إال من بعد أن تقع األلفاظ مرتبة في سمعه نسي ح**ال نفس**ه واعت**بر ح**ال من يسمع منه سبب ذلك قصر الهمة وضعف العناية وترك النظر

وما يغني وضوح الداللة مع من ال ينظر فيها وإن واألنس بالتقليد الصبح ليمأل األفق ثم ال يراه الن**ائم ومن ق**د أطب**ق جفن**ه واعلم أنك ال ترى في الدنيا علما قد جرى األمر في**ه ب**ديئا وأخ**يرا على ما جرى عليه في علم الفصاحة والبيان أم**ا الب**ديء فه**و أن**ك ال ت**رى نوع**ا من أن**واع العل**وم إال وإذا ت**أملت كالم األولين ال**ذين علموا الناس وجدت لعبارة فيه أكثر من اإلشارة والتصريح أغلب من التل**ويح واألم**ر في علم الفص**احة بالض**د من ه**ذا فإن**ك إذا قرأت ما قاله العلماء فيه وجدت جله أو كله رم*زا ووحي**ا وكناي*ة وتعريضا وإيماء إلى الغ**رض من وج**ه ال يفطن ل**ه إال من غلغ**ل الفكر وأدق النظر ومن يرجع من طبع*ه إلى ألمعي**ة يق*وى معه**ا على الغامض ويص**ل به**ا إلى الخفي ح**تى ك**ان بس**ال حرام**ا أن تتجلى مع**انيهم س**افرة األوج**ه ال نق**اب له**ا وبادي**ة الص**فحة ال حجاب دونها وحتى كأن اإلفصاح بها حرام وذكرها إال على س**بيل

الكناية والتعريض غير سائغ

Page 220: دلائل الإعجاز للجرجاني

وأما األخير فهو أنا لم نر العقالء قد رضوا من أنفسهم في شيء من العلوم أن يحفظوا كالما لألولين ويتدارسوه ويكلم به بعضهم بعضا من غير أن يعرفوا له معنى ويقفوا منه على غ*رض ص*حيح ويكون عندهم إن يسألوا عنه بيان ل**ه وتفس**ير إال علم الفص**احة فإنك ترى طبقات من الناس يتداولون فيما بينهم ألفاظا للقدماء وعب**ارات من غ**ير أن يعرف**وا له**ا مع**نى أص**ال أو يس**تطيعوا إن سئلوا عنها أن ي**ذكروا له**ا تفس**يرا يص**ح فمن أق**رب ذل**ك أن**ك تراهم يقول**ون إذا هم تكلم**وا في مزي**ة كالم على كالم إن ذل**ك يك**ون بجزال**ة اللف**ظ وإذا تكلم**وا في زي**ادة نظم على نظم إن ذلك يكون لوقوعه على طريقة مخصوصة وعلى وج**ه دون وج**ه ثم ال تج**دهم يفس**رون الجزال**ة بش**يء ويقول**ون في الم**راد بالطريقة والوجه ما يحلى منه السامع بطائل ويق**رؤون في كتب البلغاء ضروب كالم قد وصفوا اللفظ فيها بأوصاف تعلم ض**رورة أنها ال ترجع إليه من حيث هو لفظ ونط**ق لس**ان وص**دى ح**رف كق**ولهم لف**ظ متمكن غ**ير قل**ق وال ن**اب ب**ه موض**عه وإن**ه جي**د السبك صحيح الطابع وإنه ليس فيه فضل عن معناه وكقولهم إن من حق اللفظ أن يكون طبقا للمعنى ال يزيد عليه وال ينقص عنه كق**ول بعض من وص**ف رجال من البلغ**اء ك**انت ألفاظ**ه ق**والب لمعانيه ه**ذا إذا م*دحوه وق*ولهم إذا ذم*وه ه**و لف*ظ معق*د وإن*ه بتعقيده قد استهلك المعنى وأشباه له**ذا ثم ال يخط**ر بب**الهم أن**ه يجب أن يطلب لما قالوه معنى وتعلم له فائدة ويجشم فيه فك**ر وأن يعتقد على الجملة أقل ما في الباب أنه كالم ال يص**ح حمل**ه على ظاهره وأن يكون المراد باللفظ فيه نطق اللسان فالوصف

فإنما يتمكن الشيء ويعل**ق إذا بالتمكن والقلق في اللفظ محال كان شيئا يثبت في مكان واأللف**اظ ح**روف ال يوج**د منه**ا ح**رف حتى يعدم الذي كان قبله وقولهم متمكن أو قلق وص**ف للكلم**ة بأس*رها ال ح*رف ح*رف منه**ا ثم إن*ه ل*و ك*ان يص*ح في ح*روف الكلمة أن تكون باقية بمجموعها لكان ذلك فيه**ا مح*اال أيض**ا من حيث إن الشيء إنم**ا يتمكن ويقل**ق في مكان**ه ال**ذي يوج**د في**ه ومكان الحروف إنما ه**و الحل**ق والفم واللس**ان والش**فتان فل**و

كان يصح عليها أن توصف بأنها تتمكن وتقلق لكان يكون ذلك التمكن وذلك القلق منها في إمكانها من الحل**ق والفم واللس**ان والشفتين وكذلك قولهم لفظ ليس في**ه فض*ل عن معن**اه مح*ال

Page 221: دلائل الإعجاز للجرجاني

أن يكون المراد به اللفظ ألنه ليس هاهنا اسم أو فع**ل أو ح**رف يزيد على معناه أو ينقص عنه كيف وليس بالذرع وضعت األلفاظ على المعاني وإن اعتبرنا المعاني المستفادة من الجمل فك**ذلك وذلك أنه ليس هاهنا جملة من مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل يحص**ل بها اإلثبات أو النفي أتم أو أنقص مما يحصل بأخرى وإنم**ا فض**ل اللفظ عن المعنى أن تريد الداللة بمعنى على معنى فت**دخل في أثن**اء ذل**ك ش**يئا ال حاج**ة ب**المعنى الم**دلول علي**ه إلي**ه وك**ذلك السبيل ي السبك والطابع وأشباههما ال يحتمل شيء من ذلك أن يكون المراد به اللفظ من حيث هو لفظ فإن أردت الصدق فإنك ال ت**رى في ال**دنيا ش**أنا أعجب من ش**أن الن**اس م**ع اللف**ظ وال فساد رأي مازج النفوس وخامرها واستحكم فيه**ا وص**ار كإح**دى طبائعها أغرب من فساد رأيهم في اللفظ فقد بلغ من ملكته لهم وقوت**ه عليهم أن ت**ركهم وك**أنهم إذا ن**وظروا في**ه أخ**ذوا عن أنفسهم وغيبوا عن عقولهم وحيل بينهم وبين أن يكون لهم فيم**ا يسمعونه نظر ويرى لهم إيراد في اإلصغاء وصدر فلست ترى إال نفوسا قد جعلت ترك النظر دأبها ووصلت بالهوين**ا أس**بابها فهي تغتر باألض**اليل وتتباع**د عن التحص**يل وتلقي بأي**ديها إلى الش**به وتسرع إلى القول المم**وه ولق**د بل**غ من قل**ة نظ**رهم أن قوم**ا منهم لما رأوا الكتب المصنفة في اللغة قد شاع فيها أن توص**ف األلفاظ المفردة بالفصاحة ورأوا أبا العباس ثعلبا قد سمى كتاب**ه الفصيح مع أنه لم ي**ذكر في**ه إال اللغ**ه واأللف**اظ المف**ردة وك**ان محاال إذا قيل إن الش**مع بفتح الميم أفص**ح من الش**مع بإس**كانه أن يكون ذل**ك من أج**ل المع**نى إذ ليس تفي**د الفتح**ة في الميم ش**يئا في ال**ذي س**مي ب**ه س**بق إلى قل**وبهم أن حكم الوص**ف بالفصاحة أينما كان وفي أي شيء كان أن ال يكون له مرجع إلى المعنى البت**ة وأن يك**ون وص**فا للف**ظ في نفس**ه ومن حيث ه**و لف**ظ ونط**ق لس**ان ولم يعلم**وا أن المع**نى في وص**ف األلف**اظ المفردة بالفصاحة أنه**ا في اللغ*ة أثبت وفي اس*تعمال الفص*حاء أكثر أو أنها أجرى على مقاييس اللغ**ة والق**وانين ال**تي وض**عوها وأن ال**ذي ه**و مع**نى الفص**احة في أص**ل اللغ**ة ه**و اإلبان**ة عن

المعنى بداللة قولهم فصيح وأعجم أفص**ح األعجمي وفص**ح اللح*ان وأفص**ح الرج*ل بك*ذا إذا صرح به وأنه لو كان وصفهم هو لها من حيث هي ألف**اظ ونط**ق

Page 222: دلائل الإعجاز للجرجاني

لسان لوجب إذا وجدت كلمة يق**ال إنه**ا فص**يحة على ص**فة في اللفظ أن ال توجد كلمة على تل**ك الص**فة إال وجب له**ا أن تك**ون فصيحة وحتى يجب إذا كان فقهت الح**ديث بالكس**ر أفص**ح من**ه بالفتح أن يكون سبيل كل فعل مثله في الزن**ة أن يك**ون الكس**ر فيه أفصح من الفتح ثم إن فيما أودعه ثعلب كتابه م*ا ه**و أفص*ح من أجل أن لم يكن فيه حرف كان فيما جعله أفصح منه مثل إن وقفت افص**ح من أوقفت أف**ترى أن**ه ح**دث في ال**واو والق**اف والفاء بأن لم يكن معها الهمزة فضيلة وجب لها أن تكون أفص**ح وكفى برأي هذا مؤداه تهافتا وخطال وجملة األمر أنه ال بد لقولن**ا الفصاحة من معنى يعرف فإن كان ذلك المعنى وصفا في ألفاظ الكلمات المفردة فينبغي أن يشار لنا إليه وتوضع اليد علي**ه ومن أبين م**ا ي**دل على قل**ة نظ**رهم أن**ه ال ش**بهة على من نظ**ر في كتاب تذكر فيه الفصاحة أن االستعارة عنوان ما يجعل به اللف**ظ فصيحا وأن المجاز جملت**ه واإليج**از من معظم م**ا ي**وجب للف**ظ الفصاحة وأنت تراهم يذكرون ذلك ويعتمدونه ثم يذهب عنهم أن إيجابهم الفصاحة للف**ظ به**ذه المع**اني اع**تراف بص**حة م**ا نحن ندعوهم إلى القول به من أنه يكون فصيحا لمعناه أما االس**تعارة فإنهم إن أغفلوا فيها الذي قلناه من أن المستعار بالحقيقة يكون معنى اللفظ واللفظ تبع من حيث إن**ا ال نق**ول رأيت أس**دا ونحن نعني رجال إال على أن**ا ن**دعي أن**ا رأين**ا أس**دا بالحقيق**ة من حيث نجعله ال يتميز عن األسد في بأسه وبطشه وج**راءة قلب**ه ف**إنهم على كل حال ال يستطيعون أن يجعلوا االستعارة وصفا للفظ من حيث ه**و لف**ظ م**ع أن اعتق**ادهم أن**ك إذا قلت رأيت أس**دا كنت

اس**م األس**د إلى الرج**ل أو جعلت**ه هك**ذا غفال س**اذجا في نقلت مع**نى ش**جاع أف**ترى أن لف**ظ األس**د لم**ا نق**ل عن الس**بع إلى الرجل المشبه به أحدث هذا النقل في أجراس حروفه وم**ذاقتها وصفا ص**ار ب**ذلك الوص**ف فص**يحا ثم إن من االس**تعارة ق**بيال ال يص**ح أن يك**ون المس**تعار في**ه اللف**ظ البت**ة وال يص**ح أن تق**ع االستعارة فيه إال على المعنى وذلك ما ك**ان مث**ل الي**د في ق**ول

لبيد الكامل وغداة ريح قد كشفت وقرة إذ أصبحت بيد الش**مال زمامه**ا ذاك أنه ليس هاهنا شيء يزعم أنه شبهه باليد حتى يك**ون لف**ظ الي**د مستعارا له وكذلك ليس في**ه ش**يء يت**وهم أن يك**ون ق**د ش**بهه

Page 223: دلائل الإعجاز للجرجاني

بالزمام وإنما المعنى على أنه شبه الشمال في تص**ريفها الغ**داة على طبيعتها باإلنسان يكون زم**ام البع**ير في ي**ده فه**و يص**رفه على إرادته ولما أراد ذلك جعل للشمال ي*دا وعلى الغ*داة زمام*ا وق**د ش**رحت ه**ذا قب**ل ش**رحا ش**افيا وليس ه**ذا الض**رب من االستعارة بدون الضرب األول من إيجاب وصف الفص**احة للكالم ال ب**ل ه**و أق**وى من**ه في اقتض**ائها والمحاس**ن ال**تي تظه**ر ب**ه والصور التي تح**دث للمع**اني بس**ببه آن**ق وأعجب وإن أردت أن تزداد علما بالذي ذك**رت ل**ك من أم**ره ف**انظر إلى قول**ه الرج**ز سقته كف الليل أكؤس الكرى وذلك أن**ه ليس يخفى على عاق**ل أنه لم يرد أن يشبه شيئا بالكف وال أراد ذل**ك في األك**ؤس ولكن لما كان يقال سكر الكرى وسكر النوم واستعار للك**رى األك**ؤس كما استعار اآلخر الك**أس في قول**ه البس**يط وق**د س**قى الق**وم كأس النعسة السهر ثم إنه لما كان الكرى يكون في الليل جع**ل الليل ساقيا ولما جعله ساقيا جعل له كفا إذ كان الس**اقي ين**اول الكأس بالكف ومن اللطيف النادر في ذلك ما تراه في آخر ه**ذه

األبيات وهي للحكم بن قنبر الطويل ولوال اعتصامي بالمنى كلما ب**دا لي الي**أس منه**ا لم يقم ب**الهوى صبري ولوال انتظاري كل يوم جدا غد لراح بنعشي ال**دافنون إلى قبري وقد رابني وهن المنى وانقباضها وبسط جديد اليأس كفي**ه في صدري ليس المع**نى على أن**ه اس**تعار لف**ظ الكفين لش**يء ولكن على أن**ه أراد أن يص**ف الي**أس بأن**ه ق**د غلب على نفس**ه وتمكن في صدره ولما أراد ذلك وص**فه بم**ا يص**فون ب**ه الرج**ل بفضل القدرة على الشيء وبأنه متمكن منه وأنه يفعل في**ه ك**ل ما يريد كقولهم قد بس**ط يدي**ه في الم*ال ينفق**ه وص**نع في**ه م**ا يشاء وقد بسط العامل يده في الناحي**ة وفي ظلم الن**اس فليس لك إال أن تقول إنه لما أراد ذلك جعل للي**أس كفين واس**تعارهما ل**ه فأم**ا أن توق**ع االس**تعارة في**ه على اللف**ظ فمم**ا ال تخفى استحالته على عاقل والقول في المجاز هو القول في االستعارة

من حيث ألنه ليس هو بشيء غيرها وإنما الفرق أن المج**از أعم إن كل استعارة مجاز وليس ك**ل مج**از اس**تعارة وإذا نظرن**ا من المجاز فيما ال يطلق عليه أن**ه اس**تعارة ازداد خط**أ الق**وم قبح**ا وشناعة وذلك أنه يلزم على قي**اس ق**ولهم أن يك**ون إنم**ا قول**ه تعالى هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا أفصح

Page 224: دلائل الإعجاز للجرجاني

من أصله الذي هو قولنا والنهار لتبصروا أنتم في**ه أو مبص**را أنتم فيه من أجل أنه حدث في حروف مبصر بأن جعل الفع**ل للنه**ار على سعة الكالم وصف لم يكن وك**ذلك يل**زم أن يك**ون الس**بب في أن كان ق*ول الش*اعر الرج*ز فن**ام ليلي وتجلى همي أفص*ح من قولنا فنمت في ليلي أن كسب هذا المجاز لفظ الليل مذاقة

لهما وهذا مما ينبغي للعاقل أن يس**تحي من**ه وأن ي**أنف لم تكن من أن يهمل النظ**ر إهم*اال يؤدي**ه إلى مثل**ه ونس*أل الل**ه تع*الى العص**مة والتوفي**ق وإذا ق**د ع**رفت م**ا ل**زمهم في االس**تعارة والمجاز فالذي يلزمهم في اإليج*از أعجب وذل**ك أن**ه يل*زمهم إن كان اللفظ فصيحا ألم**ر يرج**ع إلي**ه نفس**ه دون معن**اه أن يك**ون

كذلك موجزا ألمر يرجع إلى نفسه وذلك من المحال الذي يض**حك من**ه ألن**ه ال مع**نى لإليج**از إال أن ي**دل بالقلي**ل من اللف**ظ على الكث**ير من المعنى وإذ لم تجعله وصفا للفظ من أج**ل معن**اه أبطلت معن**اه أعني أبطلت معنى اإليج**از ثم إن هاهن**ا مع**نى ش**ريفا ق**د ك**ان

قد ذكرناه في أثناء ما مض**ى من كالمن**ا وه**و أن ينبغي أن نكون العاقل إذا نظر علم علم ض**رورة أن**ه ال س**بيل ل**ه إلى أن يك**ثر مع**اني األلف**اظ أو يقلله**ا ألن المع**اني المودع**ة في األلف**اظ ال تتغير على الجملة عما أراده واضع اللغة وإذا ثبت ظهر منه أنه ال معنى لقولنا كثرة المعنى مع قلة اللفظ غ*ير أن المتكلم يتوص*ل بداللة المعنى على المعنى إلى فوائ**د ل**و أن**ه أراد الدالل**ة عليه**ا باللفظ الحت**اج إلى لف*ظ كث**ير واعلم أن الق*ول الفاس*د وال*رأي المدخول إذا كان صدوره عن قوم لهم نباهة وصيت وعلو منزل**ة في أنواع من العلوم غير العلم ال**ذي ق**الوا ذل**ك الق**ول في**ه ثم وقع في األلسن فتداولته ونشرته وفشا وظهر وكثر الن**اقلون ل**ه والمشيدون بذكره وصار ترك النظر فيه سنة والتقليد دينا ورأيت الذين هم أهل ذلك العلم وخاص**ته والممارس**ون ل**ه وال**ذين هم خلقاء أن يعرفوا وج**ه الغل**ط والخط**أ في**ه ل**و أنهم نظ**روا في**ه كاألجانب الذين ليسوا من أهله في قبول**ه والعم**ل ب**ه والرك**ون إليه ووجدتهم قد أعطوه مق**ادتهم وأالن**وا ل**ه ج**انبهم أو أوهمهم النظر إلى منتماه ومنتسبه ثم اشتهاره وانتشاره وإطب**اق الجم**ع بعد الجمع عليه أن الضن به أصوب والمحاماة عليه أولى ولربم**ا بل كلما ظنوا أنه لم يشع ولم يتس*ع ولم ي**روه خل*ف عن س*لف

Page 225: دلائل الإعجاز للجرجاني

وأخر عن أول إال ألن له أصال صحيحا وأنه أخ**ذ من مع**دن ص**دق واشتق من نبعة كريمة وأنه لو كان م**دخوال لظه**ر ال**دخل ال**ذي فيه على تقادم الزمان وك**رور األي**ام وكم من خط**أ ظ**اهر ورأي فاسد حظي بهذا السبب عند الناس حتى بوؤوه في أخص موضع من قلوبهم ومنحوه المحبة الصادقة من نفوسهم وعطف**وا علي**ه عط**ف األم على واح**دها وكم من داء دوي ق**د اس**تحكم به**ذه العلة حتى أعيا عالجه وحتى بعل به الط**بيب ول*وال س*لطان ه**ذا الذي وصفت على الناس ون له أخ**ذة تمن**ع القل**وب عن الت**دبر وتقطع عنها دواعي التفكر لما كان له**ذا ال**ذي ذهب إلي**ه الق**وم

في أمر اللفظ هذا التمكن وهذه القوة وال كان يرسخ في النفوس ه**ذا الرس**وخ وتتش**عب عروق**ه ه**ذا التشعب مع الذي بان من تهافت**ه وس**قوطه وفحش الغل**ط في**ه وأن**ك ال ت**رى في أديم**ه من أين نظ**رت وكي**ف ص**رفت وقلبت مصحا وال تراه باطال فيه شوب من الح**ق وزيف**ا في**ه ش**يء من الفضة ولكن ترى الغش بحتا والغلط صرفا ونسأل الل**ه التوفي**ق وكيف ال يك**ون في إس**ار األخ**ذة ومح**وال بين**ه وبين الفك**رة من يسلم أن الفصاحة ال تكون في أفراد الكلم**ات وأنه**ا إنم**ا تك**ون فيه**ا إذا ض**م بعض**ها إلى بعض ثم ال يعلم أن ذل**ك يقتض**ي أن تكون وصفا لها من أج**ل معانيه**ا ال من أج**ل أنفس**ها ومن حيث

من عاقل يفتح عين قلب**ه هي ألفاظ ونطق لسان ذاك ألنه ليس إال وهو يعلم ضرورة أن المعنى في ضم بعضها إلى بعض تعلي**ق بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض ال أن ينط**ق ببعض**ها في إث**ر بعض من غ**ير أن يك**ون فيم**ا بينه**ا تعل**ق ويعلم ك**ذلك ضرورة إذا فكر أن التعلق يك**ون فيم**ا بين معانيه**ا ال فيم**ا بينه**ا أنفسها أال ترى أنا لو جهدنا كل الجهد أن نتص**ور تعلق**ا فيم**ا بين لفظين ال معنى تحتهما لم نتصور ومن أجل ذلك انقس**مت الكلم قسمين مؤتلف وهو االسم مع االس**م والفع**ل م**ع االس**م وغ**ير مؤتلف وهو ما عدا ذلك كالفعل مع الفعل والح**رف م**ع الح**رف

يختلف حالها ولو كان التعلق يكون بين األلفاظ لكان ينبغي أن ال في االئتالف وأن ال يك*ون في ال*دنيا كلمت**ان إال ويص*ح أن يأتلف**ا ألنه ال تنافي بينهما من حيث هي ألفاظ وإذا كان كل واح**د منهم قد أعطى يده بأن الفصاحة ال تكون في الكلم أف**رادا وأنه**ا إنم**ا تكون إذا ضم بعضها إلى بعض وكان يك**ون الم**راد بض**م بعض**ها

Page 226: دلائل الإعجاز للجرجاني

إلى بعض تعليق معانيها بعضها ببعض ال ك**ون بعض**ها في النط**ق على أث**ر بعض وك**ان واجب**ا إذا علم ذل**ك أن يعلم أن الفص**احة تجب لها من أجل معانيها ال من أجل أنفسها ألنه محال أن يك**ون سبب ظهور الفصاحة فيها تعلق معانيه**ا بعض**ها ببعض ثم تك**ون الفصاحة وصفا يجب لها ألنفسها ال لمعانيها وإذا ك**ان العلم به**ذا ضرورة ثم رأيتهم ال يعلمونه فليس إال أن اعتزامهم على التقلي**د قد حال بينهم بين الفك**رة وع**رض لهم من**ه ش**به األخ**ذة واعلم أنك إذا نظرت وجدت مثلهم مثل من يرى خيال الشيء فيحسبه

الشيء وذاك أنهم قد اعتم**دوا في ك**ل أم**رهم على النس**ق ال**ذي يرون**ه في األلف**اظ وجعل**وا ال يحفل**ون بغ**يره وال يعول**ون في الفص**احة والبالغة على شيء سواه حتى انتهوا إلى أن زعموا أن من عم**د إلى شعر فصيح فقرأه ونطق بألفاظه على النسق ال**ذي وض**عها الشاعر عليه كان قد أتى بمثل م**ا أتى ب**ه الش**اعر في فص**احته وبالغته إال أنهم زعموا أن**ه يك*ون في إتيان**ه ب**ه محت**ذيا ال مبت**دئا ونحن إذا تأملنا وجدنا الذي يك**ون في األلف**اظ من تق**ديم ش**يء منها على شيءإنما يقع في النفس أنه نسق إذا اعتبرنا ما توخي من معاني النحو في معانيها فأما مع ترك اعتبار ذلك فال يق**ع وال يتصور بحال أفال ترى أنك لو فرضت في قوله قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل أن ال يكون نبك جواب**ا لألم**ر وال يك**ون مع**دى بمن إلى ذكرى وال يك**ون ذك**رى مض**افة إلى ح**بيب وال يك**ون م**نزل معطوفا بالواو على حبيب لخرج ما ترى فيه من التقديم والتأخير عن أن يك**ون نس**قا ذاك ألن**ه إنم**ا يك**ون تق**ديم الش**يء على الشيء نسقا وترتيبا إذا كان التقديم ق**د ك**ان لم**وجب أوجب أن يقدم ه**ذا وي**ؤخر ذاك فأم**ا أن يك**ون م**ع ع**دم الم**وجب نس**قا فمحال ألنه لو كان يكون تق**ديم اللف**ظ على اللف**ظ من غ**ير أن يكون له موجب نسقا لك**ان ينبغي أن يك**ون ت**والي األلف**اظ في النطق على أي وجه كان نسقا حتى إنك لو قلت نبك قف**ا ح**بيب ذكرى من لم تكن قد أعدمته النسق والنظم وإنما أعدمته الوزن فقط وقد تقدم هذا فيما مضى ولكنا أعدناه هاهنا ألن الذي أخذنا فيه من إسالم القوم أنفسهم إلى التقلي**د اقتض**ى إعادت**ه واعلم أن االحتذاء عند الشعراء وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه أن يبتدئىء الشاعر في معنى له وغرض أسلوبا واألس**لوب الض**رب

Page 227: دلائل الإعجاز للجرجاني

من النظم والطريقة فيه فيعم**د ش**اعر آخ**ر إلى ذل**ك األس**لوب فيجيء به في شعره فيشبه بمن يقطع من أديمه نعال على مث**ال نعل قد قطعها صاحبها فيقال قد احتذى على مثاله وذلك مثل أن الفرزدق قال الطوي*ل أترج*و ربي**ع أن تجيء ص*غارها بخ*ير وق*د

أعيا ربيعا كبارها واحتذاه البعيث فقال الطويل أترجو كليب أن يجيء حديثها بخ**ير وقد أعيا كليبا قديمها وقالوا إن الفرزدق لما سمع هذا البيت قال من الوافر إذا ما قلت قافي**ة ش**رودا تنحله**ا ابن حم**راء العج**ان ومثل ذلك أن البعيث قال في هذه القص*يدة الطوي*ل كليب لئ**ام الناس ق**د يعلمون**ه وأنت إذا ع**دت كليب لئيمه**ا وق**ال البح**تري الطويل بنو هاشم في كل شرق ومغرب ك**رام ب**ني ال**دنيا وأنت كريمها وحكى العسكري في صنعة الش**عر أن ابن ال**رومي ق**ال قال لي البحتري قول أبي نواس الطويل ولم أدر من هم غير م**ا شهدت لهم بشرقي ساباط الديار البسابس مأخوذ من ق**ول أبي

خراش الهذلي الطويل ولم أدر من ألقى عليه رداءه سوى أنه قد سل من ماج**د محض قال فقلت قد اختلف المع*نى فق*ال أم*ا ت*رى ح*ذو الكالم ح*ذوا واحدا وهذا الذي كتبت من حلي األخ**ذ في الح**ذو ومم**ا ه**و في حد الخفي قول البحتري الطويل ولن ينقل الحساد مجدك بع**دما تمكن رضوى واطمأن متالع وقول أبي تمام الكامل ولقد جه**دتم أن تزيلوا عزه فإذا أب**ان ق**د رس**ا ويلملم ق**د احت**ذى ك**ل واح**د منهما على قول الف**رزدق الكام**ل ف**ادفع بكف**ك إن أردت بناءن**ا ثهالن ذا الهض**بات ه**ل يتحلح**ل وجمل**ة األم**ر أنهم ال يجعل**ون الشاعر محتذيا إال بما يجعلونه به آخ**ذا ومس**ترقا ق**ال ذو الرم**ة الوافر وشعر قد أرقت ل**ه غ**ريب أجنب**ه المس**اند والمح**اال فبت أقيمه وأقد منه قوافي ال أريد لها مثاال قال يقول ال أح**ذوها على شيء سمعته فأما أن يجعل إنشاد الشعر وقراءته احتذاء فمما ال يعلمونه كيف وإذا عم**د عام**د إلى يبت ش**عر فوض**ع مك**ان ك**ل

لفظ لفظا في معناه كمثل أن يق**ول في قول*ه البس*يط دع المك*ارم ال ترح*ل لبغيته**ا واقعد فإن**ك أنت الط**اعم الكاس**ي ذر الم**آثر ال ت**ذهب لمطلبه**ا واجلس فإنك أنت اآلكل الالبس لم يجعلوا ذلك احتذاءولم يؤهلوا ص**احبه ألن يس**موه محت**ذيا ولكن يس**مون ه**ذا الص**نيع س**لخا

Page 228: دلائل الإعجاز للجرجاني

ويرذلونه ويسخفون المتعاطي له فمن أين يجوز لنا أن نقول في صبي يقرأ قصيدة امرىء القيس إنه احت**ذاه في قول**ه فقلت ل**ه لما تمطى بصلبه وأردف أعجازا وناء بكلكل والعجب من أنهم لم ينظروا فيعلموا أنه لو كان منشد الشعر محتذيا لكان يكون قائل شعر كما أن ال*ذي يح*ذو النع*ل بالنع*ل يك*ون ق**اطع نع*ل وه**ذا تقرير يصلح ألن يحفظ للمن**اظرة ينبغي أن يق**ال لمن ي**زعم أن المنشد إذا أنش**د ش**عر ام**رىء القيس ك**ان ق**د أتى بمثل**ه على سبيل االحتذاء أخبرنا عنك لماذا زعمت أن المنشد قد أتى بمث**ل ما قاله امرؤ القيس أألنه نطق بأنفس األلفاظ التي نطق به**ا أم ألنه راعى النسق الذي راعاه في النطق به**ا ف**إن قلت إن ذل**ك ألنه نطق بأنفس األلفاظ التي نطق بها أحلت ألنه إنم**ا يص**ح أن يقال في الثاني إنه أتى بمثل ما أتى ب**ه األول إذا ك**ان األول ق**د سبق إلى شيء فأحدثه ابتداء وذل**ك في األلف**اظ مح**ال إذ ليس يمكن أن يقال إنه لم ينطق بهذه األلفاظ التي هي في قوله قف**ا نبك من ذكرى حبيب وم**نزل قب**ل ام**رىء القيس أح**د وإن قلت

ألنه قد راعى في نطقه بهذه األلفاظ النسق الذي راعاه إن ذلك امرؤ القيس قيل إن كنت له**ذا قض*يت في المنش*د أن*ه ق*د أتى بمثل شعره أخبرنا عنك إذا قلت إن التحدي وقع في الق**رآن إلى أن يؤتى بمثله على جهة االبتداء ما تعني به أتع**ني أن**ه ي**أتي في

ألفاظ غير ألفاظ القرآن بمثل الترتيب والنسق الذي تراه في ألفاظ القرآن فإن قال ذلك أع**ني قي**ل ل**ه أعلمت أن**ه ال يك**ون اإلتيان باألشياء بعضها في إث**ر بعض على الت**والي نس**قا وترتيب**ا حتى تكون األشياء مختلفة في أنفسها ثم يكون لل**ذي يجيء به**ا مض**موما بعض**ها إلى بعض غ**رض فيه**ا ومقص**ود ال يتم ذل**ك الغرض وذاك المقصود إال بأن يتخير لها مواضع فيجع**ل ه**ذا أوال وذاك ثانيا فإن هذا م**ا ال ش**بهة في**ه على عاق**ل وإذا ك**ان األم**ر ك**ذلك لزم**ك أن ت**بين الغ**رض ال**ذي اقتض**ى أن تك**ون ألف**اظ الق**رآن منس**وقة النس**ق ال**ذي ت**راه وال مخلص ل**ه من ه**ذه المطالبة ألنه إذا أبى أن يك**ون المقتض**ي والم**وجب لل**ذي ت**راه من النسق المعاني وجعل**ه ق**د وجب ألم**ر يرج**ع إلى اللف**ظ لم تجد شيئا يحيل اإلعجاز في وجوبه عليه البتة اللهم إال أن**ه يجع**ل اإلعجاز في الوزن ويزعم أن النسق الذي تراه في ألفاظ القرآن إنما كان معجزا من أجل أن كان قد حدث عنه ضرب من ال**وزن

Page 229: دلائل الإعجاز للجرجاني

يعجز الخلق عن أن يأتوا بمثله وإذا قال ذلك لم يمكن**ه أن يق**ول إن التح**دي وق**ع إلى أن ي**أتوا بمثل**ه في فص**احته وبالغت**ه ألن الوزن ليس هو من الفص**احة والبالغ**ة في ش**يء إذ ل**و ك**ان ل**ه مدخل فيهما لكان يجب في ك**ل قص**يدتين اتفقت**ا في ال**وزن أن تتفقا في الفصاحة والبالغة فإن عاد بعض الناس طول اإللف لما سمع من أن اإلعجاز في اللفظ إلى أن يجعل**ه في مج*رد ال**وزن كان قد دخل في أمر شنيع وهو أن يكون قد جعل القرآن معج*زا ال من حيث ه**و كالم وال بم**ا ك**ان لكالم فض**ل على كالم فليس بالوزن ما كان الكالم كالما وال به كان كالم خيرا من كالم وهك**ذا السبيل إن زعم زاعم أن الوصف المعجز هو الجريان والس**هولة ثم يع**ني ب**ذلك س**المته من أن تلتقي في**ه ح**روف تثق**ل على اللسان ألنه ليس ب**ذلك ك**ان الكالم كالم**ا وال ه**و بال**ذي يتن**اهى أم*ره إن ع**د في الفض*يلة إلى أن يك*ون األص*ل وإلى أن يك*ون المعول عليه في المفاضلة بين كالم وكالم فما ب**ه ك**ان الش**اعر مفلقا والخطيب مصقعا والكاتب بليغا ورأين**ا العقالء حيث ذك**روا عجز العرب عن معارضة القرآن ق**الوا إن الن**بي تح**داهم وفيهم الش**عراء والخطب**اء وال**ذين ي**دلون بفص**احة اللس**ان والبراع**ة والبي**ان وق**وة الق**رائح واألذه**ان وال**ذين أوت**وا الحكم**ة وفص**ل الخط*اب ولم ن*رهم ق*الوا أن الن**بي علي**ه الس*الم تح*داهم وهم العارفون بما ينبغي أن يصنع حتى يسلم الكالم من أن تلتقي فيه حروف تثق**ل على اللس**ان ولم*ا ذك**روا معج**زات األنبي**اء عليهم

السالم وقالوا إن الله تعالى قد جعل معج*زة ك**ل ن**بي فيم*ا ك**ان أغلب على ال**ذين بعث فيهم وفيم*ا كانوا يتباهون به وكانت عوامهم تعظم به خواصهم قالوا إن**ه لم**ا كان السحر الغالب على قوم فرعون ولم يكن ق**د اس**تحكم في زم**ان اس**تحكامه في زمان**ه جع*ل تع*الى معج*زة موس**ى علي**ه السالم في إبطاله وتوهينه ولما كان الغ**الب على زم**ان عيس**ى عليه السالم الطب جع**ل الل**ه تع**الى معجزت**ه في إب**راء األكم**ه واألبرص وإحياء الموتى ولما انتهوا إلى ذكر نبينا محمد وذك**ر م**ا كان الغالب على زمانه لم ي**ذكروا إال البالغ**ة والبي**ان والتص**رف في ض**روب النظم وق**د ذك**رت في ال**ذي تق**دم عين م**ا ذكرت**ه هاهنا مما يدل على س**قوط ه**ذا الق**ول وم**ا دع**اني إلى إع**ادة ذكره إال أنه ليس تهالك الناس في حديث اللفظ والمحاماة على

Page 230: دلائل الإعجاز للجرجاني

االعتقاد الذي اعتقدوه في**ه وض**ن أنفس**هم ب**ه إلى ح**د ف**أحببت لذلك أن ال أدع شيئا مما يج**وز أن يتعل**ق ب**ه متعل**ق ويلج**أ إلي**ه الجىء ويقع منه في نفس سامع شك إال استقصيت في الكشف عن بطالنه وهاهنا أمر عجيب وهو أن**ه معل**وم لك**ل من نظ**ر أن األلفاظ من حيث هي ألفاظ وكلم ونط**ق لس**ان ال تختص بواح*د دون آخر وأنها إنما تختص إذا توخي فيه**ا النظم وإذا ك**ان ك**ذلك كان من رفع النظم من البين وجعل اإلعجاز بجملت**ه في س**هولة الحروف وجريانها جاعال له فيما ال يصح إض**افته إلى الل**ه تع**الى وكفى بهذا دليال على عدم التوفي**ق وش**دة الض**الل عن الطري**ق فصل فيه إجمال وعظ**ة ق**د بلغن**ا في م**داواة الن**اس من دائهم وعالج الفساد الذي عرض في آرائهم كل مبل**غ وانتهين**ا إلى ك**ل غاي**ة وأخ**ذنا بهم عن المجاه**ل ال**تي ك**انوا يتعس**فون فيه**ا إلى السنن الالحب ونقلن**اهم عن اآلجن المط**روق إلى النم**ير ال**ذي

يشفي غليل الشارب ولم ندع لب**اطلهم عرق*ا ينبض إال كوين**اه وال للخالف لس*انا ينط**ق إال أخرسناه ولم نترك غطاء كان على بصر ذي عقل إال حسرناه فيا أيها السامع لما قلناه والناظر فيما كتبناه والمتصفح لما دوناه إن كنت سمعت سماع صادق الرغب**ة في أن تك**ون في أم**رك على بصيرة ونظرت نظر تام العناية في أن ي**ورد ويص**در عن معرف**ة وتص**فحت تص**فح من إذا م**ارس باب**ا من العلم لم يقنع**ه إال أن يكون على ذروة السنام ويضرب بالمعلى من السهام فقد هديت لضالتك وفتح الطريق إلى بغيت**ك وهي ل**ك األداة ال**تي به**ا تبل**غ وأوتيت اآللة التي معها تصل فخذ لنفس**ك ب**التي هي أمأل لي**ديك وأعود بالحظ عليك ووازن بين حالك اآلن وقد تنبهت من رق**دتك وأفقت من غفلتك وص**رت تعلم إذا أنت خض**ت في أم**ر اللف**ظ والنظم معنى ما تذكر وتعلم كيف ت**ورد وتص**در وبينه**ا وأنت من أمرها في عمياء وخابط خبط عشواء قصاراك أن تكرر ألفاظ**ا ال تعرف لشيء منها تفس**يرا وض**روب كالم للبلغ**اء إن س**ئلت عن أغراضهم فيها لم تستطع لها تبيينا فإنك تراك تطي**ل التعجب من غفلتك وتكثر االعتذار إلى عقلك من الذي كنت عليه طول مدتك ونسأل الله تعالى أن يجعل كل ما نأتيه ونقصده وننتحي**ه لوجه**ه خالصا وإلى رضاه عز وجل مؤديا ولثوابه مقتضيا وللزلفى عن**ده

موجبا بمنه وفضله ورحمته

Page 231: دلائل الإعجاز للجرجاني

بسم الله الرحمن الرحيم فصل في اللفظ واالس**تعارة وش**واهد تحليلية للمعنى اعلم أنه لما كان الغلط ال**ذي دخ**ل على الن**اس في حديث اللفظ كالداء الذي يسري في الع**روق ويفس**د م**زاج البدن وجب أن يتوخى دائبا فيهم م**ا يتوخ**اه الط**بيب في الناق**ه من تعهده بما يزيد في منت**ه ويبقي**ه على ص**حته ويؤمن**ه النكس في علته وقد علمنا أن أصل الفساد وسبب اآلفة هو ذه**ابهم عن أن من شأن المعاني أن تختلف عليها الصور وتحدث فيها خواص ومزايا من بعد أن ال تكون فإنك ترى الشاعر قد عمد إلى مع**نى مبتذل فصنع فيه ما يصنع الصانع الحاذق إذا هو أغرب في ص**نعة خاتم وعمل شنف وغيرهما من أصناف الحلي ف**إن جهلهم ب**ذلك من حالها هو الذي أغواهم واستهواهم وورطهم فيما تورطوا فيه من الجهاالت وأداهم إلى التعلق بالمحاالت وذلك أنهم لما جهل**وا شأن الصورة وضعوا ألنفسهم أساس**ا وبن**وا على قاع**دة فق**الوا إنه ليس إال المعنى واللفظ وال ثالث وإنه إذا كان كذلك وجب إذا ك**ان ألح**د الكالمين فض**يلة ال تك**ون لآلخ**ر ثم ك**ان الغ**رض من أحدهما هو الغرض من صاحبه أن يكون مرجع تل**ك الفض**يلة إلى اللفظ خاصة وأن يكون لها مرجع إلى المع**نى من حيث إن ذل**ك زعموا يؤدي إلى التناقض وأن يكون معناهما متغايرا وغير متغاير معا ولما أقروا هذا في نفوسهم حملوا كالم العلم**اء في ك**ل م**ا نسبوا فيه الفضيلة إلى اللفظ على ظاهره وأب**وا أن ينظ**روا في األوصاف التي أتبعوها نسبتهم الفض**يلة إلى اللف**ظ مث**ل ق**ولهم لفظ متمكن غير قلق وال ناب ب**ه موض**عه إلى س**ائر م**ا ذكرن**اه قبل فيعلموا أنهم لم يوجبوا للفظ م**ا أوجب**وه من الفض**يلة وهم يعنون نطق اللسان وأجراس الح**روف ولكن جعل**وا كالمواض**عة

فيما بينهم أن يقولوا اللفظ وهم يريدون الصورة التي تحدث في المعنى والخاصة التي حدثت في**ه ويعن**ون ال**ذي عناه الجاح**ظ حيث ق**ال وذهب الش**يخ إلى استحس**ان المع**اني والمع**اني مطروح**ة وس**ط الطري**ق يعرفه**ا الع**ربي والعجمي والحضري والبدوي وإنما الشعر صياغة وضرب من التص**وير وم**ا يعنونه إذا قالوا إنه يأخذ الحديث فيشنفه ويقرطه ويأخ*ذ المع*نى خرزة فيرده جوهرة وعباءة فيجعله ديباجة ويأخذه ع**اطال ف**يرده حاليا وليس ك**ون ه**ذا م**رادهم بحيث ك**ان ينبغي أن يخفى ه**ذا الخفاء ويشتبه هذا االشتباه ولكن إذا تع**اطى الش**يء غ**ير أهل**ه

Page 232: دلائل الإعجاز للجرجاني

وتولى األمر غير البصير به أعضل الداء واشتد البالء ول**و لم يكن من ال**دليل على أنهم لم ينحل**وا اللف**ظ الفض**يلة وهم يريدون**ه نفسه وعلى الحقيقة إال واحد وهو وصفهم له بأنه ي**زين المع**نى وأن**ه حلي ل**ه لك**ان في**ه الكفاي**ة وذاك أن األلف**اظ أدل**ة على المعاني وليس للدليل إال أن يعلمك الشيء على م**ا يك**ون علي**ه فأما أن يصير بالدليل على صفة لم يكن عليها فمما ال يق**وم في عقل وال يتصور في وهم ومما إذا تفكر فيه العاقل أطال التعجب من أمر الناس ومن شدة غفلتهم قول العلماء حيث ذكروا األخ**ذ والسرقة إن من أخذ معنى عاري**ا فكس**اه لفظ**ا من عن**ده ك**ان أحق به وهو كالم مشهور متداول يقرؤه الص**بيان في أول كت**اب عب**د ال**رحمن ثم ال ت**رى أح**دا من ه**ؤالء ال**ذين لهج**وا بجع**ل الفض**يلة في اللف**ظ يفك**ر في ذل**ك فيق**ول من أين يتص**ور أن يكون هاهنا معنى عار من لف**ظ ي**دل علي**ه ثم من أين يعق**ل أن يجيء الواحد من**ا لمع**نى من المع**اني بلف**ظ من عن**ده إن ك**ان المراد باللفظ نطق اللسان ثم هب أن**ه يص**ح ل**ه أن يفع*ل ذل**ك فمن أين يجب إذا وض**ع لفظ**ا على مع**نى أن يص**ير أح**ق من ص**احبه ال*ذي أخ*ذه من**ه إن ك*ان ه**وال يص*نع ب**المعنى ش*يئا وال يحدث فيه صفة وال يكس**به فض**يلة وإذا ك**ان ك**ذلك فه**ل يك**ون لكالمهم هذا وجه سوى أن يكون اللفظ في قولهم فكساه لفظ**ا من عنده عبارة عن صورة يحدثها الشاعر أو غير الشاعر للمعنى فإن قالوا بلى يكون وهو أن يستعير للمع**نى لفظ**ا قي**ل الش**أن في أنهم قالوا إذا أخذ معنى عاريا فكس**اه لفظ**ا من عن**ده ك**ان

أحق به واالس***تعارة عن***دكم مقص***ورة على مج***رد اللف***ظ وال ت***رون المستعير يصنع بالمعنى شيئا وترون أنه ال يحدث فيه مزي**ة على وجه من الوجوه وإذا كان كذلك فمن أين ليت شعري يكون أحق به فاعرفه ثم إن أردت مثاال في ذلك فإن من أحسن ش*يء في**ه ما صنع أبو تمام في بيت أبي نخيلة وذلك أن أب**ا نخيل**ة ق**ال في مسلمة بن عبد الملك الطويل أمس**لم إني ي**ابن ك**ل خليف**ة وي**ا جبل الدنيا وي**ا واح**د األرض ش**كرتك إن الش**كر حب**ل من التقى

وما كان خامال وما كل من أوليته صالحا يقضي وأنبهت لي ذكري ولكن بعض الذكر أنبه من بعض فعم*د أب**و تم*ام إلى ه**ذا ال*بيت األخير فقال الطويل لقد زدت أوضاحي امتدادا ولم أكن بهيما وال

Page 233: دلائل الإعجاز للجرجاني

أرضى من األرض مجهال ولكن أياد صادفتني جسامها أغر فأوفت بي أغر محجال وفي كتاب الشعر والشعراء للمرزباني فص**ل في هذا المعنى حسن قال ومن األمثال القديم**ة ق**ولهم ح**را أخ**اف

على جاني كمأة ال قرا يضرب مثال للذي يخاف من شيء فيسلم منه ويصيبه غيره مما لم يخف**ه فأخ**ذ ه**ذا المع**نى بعض الشعراء فق**ال الكام**ل وح**ذرت من أم**ر فم**ر بج**انبي لم ينكني ولقيت ما لم أحذر وقال لبيد المنس**رح أخش**ى على أرب**د الحت**وف وال أرهب ن**وء الس**ماك واألس**د ق**ال وأخ**ذه البح**تري فأحسن وطغى اقتدارا على العب**ارة واتس*اعا في المع*نى فق*ال الكامل لو أنني أوفي التجارب حقها فيما أرت لرجوت ما أخشاه وشبيه بهذا الفصل فصل آخر من هذا الكتاب أيضا أنشد إلبراهيم بن المهدي السريع ي**ا من لقلب ص**يغ من ص**خرة في جس**د من لؤل**ؤ رطب ج**رحت خدي**ه بلحظي فيم**ا ب**رحت ح**تى اقتص من قل**بي ثم ق**ال ق**ال علي بن ه**ارون أخ**ذه أحم**د بن فنن مع**نى

ولفظا فقال الكامل أدميت باللحظ**ات وجنت**ه ف**اقتص ن**اظره من القلب ق**ال ولكن**ه بنقاء عبارته وحسن مأخذه قد صار أولى به ففي ه**ذا دلي**ل لمن

مج**رد اللف**ظ ولكن ص**ورة عق**ل أنهم ال يعن**ون بحس**ن العب**ارة وصفة وخصوصية تحدث في المعنى وشيئا طري**ق معرفت**ه على الجمل**ة العق**ل دون الس**مع فإن**ه على ك**ل ح**ال لم يق**ل في البحتري إنه أحسن فطغى اقتدارا على العبارة من أج**ل ح**روف لو أنني أوفي التجارب حقها وكذلك لم يصف ابن أبي فنن بنق**اء العبارة من أجل حروف أدميت باللحظ**ات وجنت**ه واعلم أن**ك إذا سبرت أحوال هؤالء الذين زعموا أنه إذا كان المع**بر عن**ه واح**دا والعب**ارة اثن**تين ثم ك**انت إح**دى العب**ارتين أفص**ح من األخ**رى وأحسن فإنه ينبغي أن يك*ون الس**بب في كونه**ا أفص**ح وأحس**ن اللفظ نفس**ه وج**دتهم ق**د ق**الوا ذل**ك من حيث قاس**وا الكالمين على الكلمتين فلم**ا رأوا أن**ه إذا قي**ل في الكلم**تين إن معناهم**ا واحد لم يكن بينهما تفاوت ولم يكن المعنى في إحداهما ح**ال ال يكون له في األخرى ظنوا أن سبيل الكالمين ه**ذا الس**بيل ولق**د غلطوا فأفحشوا ألنه ال يتصور أن تكون ص**ورة المع**نى في أح**د الكالمين أو البيتين مثل صورته في اآلخر البتة اللهم إال أن يعم**د عامد إلى بيت فيضع مكان كل لفظة من**ه لفظ**ة في معناه**ا وال

Page 234: دلائل الإعجاز للجرجاني

يعرض لنظمه وتأليفه كمثل أن يقول في بيت الحطيئ**ة البس**يط دع المكارم ال ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاس**ي ذر المفاخر ال تذهب لمطلبها واجلس فإن**ك أنت اآلك**ل الالبس وم**ا كان هذا سبيله كان بمعزل من أن يكون به اعتداد وأن يدخل في قبيل ما يفاضل فيه بين عبارتين بل ال يصح أن يجعل ذلك عب**ارة ثانية وال أن يجعل الذي يتعاطاه بمحل من يوصف بأنه أخذ معنى ذلك ألنه ال يكون بذلك صانعا ش**يئا يس**تحق أن ي**دعى من أجل**ه واضع كالم ومستأنف عب**ارة وقائ*ل ش*عر ذاك ألن بيت الحطيئ**ة لم يكن كالما وشعرا من أجل معاني األلفاظ المفردة التي تراه**ا فيه مجردة معراة من مع**اني النظم والت**أليف ب**ل منه**ا مت**وخى فيها ما ترى من كون المكارم مفعوال ل دع وكون قوله ال ترح**ل

لبغيتها جملة أكدت الجملة قبلها وكون اقعد معطوف**ا ب**الواو على مجم**وع م**ا مضى وكون جمل**ة أنت الط**اعم الكاس**ي معطوف**ة بالف**اء على اقعد فال**ذي يجيء فال يغ**ير ش**يئا من ه**ذا ال**ذي ب**ه ك**ان كالم**ا وشعرا ال يكون قد أتى بكالم ث*ان وعب**ارة ثاني**ة ب*ل ال يك*ون ق*د قال من عن**د نفس**ه ش**يئا البت**ة وجمل**ة األم**ر أن**ه كم**ا ال تك*ون الفضة أو الذهب خاتم**ا أو س**وارا أو غيرهم**ا من أص**ناف الحلي بأنفس**هما ولكن بم**ا يح**دث فيهم**ا من الص**ورة ك**ذلك ال تك**ون الكلم المفردة التي هي أسماء وحروف كالما وشعرا من غير أن يحدث فيها النظم الذي حقيقته توخي معاني النحو وأحكامه ف**إذا ليس لمن يتصدى لما ذكرن**ا من أن يعم**د إلى بيت فيض**ع مك**ان كل لفظة منها لفظة في معناه**ا إال أن يس**ترك عقل**ه ويس**تخف ويعد معد الذي حكي أن**ه ق**ال إني قلت بيت**ا ه**و أش**عر من بيت حسان قال حسان الكامل يغشون حتى ما تهر كالبهم ال يس**ألون عن السواد المقبل وقلت يغش**ون ح**تى م**ا ته**ر كالبهم أب**دا وال يسلون من ذا المقبل فقيل هو بيت حس**ان ولكن**ك ق**د أفس**دته واعلم أنه إنما أتي القوم من قلة نظرهم في الكتب التي وضعها العلماء في اختالف العب**ارتين على المع**نى الواح**د وفي كالمهم في أخ**ذ الش**اعر من الش**اعر وفي أن يق**ول الش**اعران على الجملة في معنى واحد وفي األشعار التي دونوها في هذا المعنى ولو أنهم كانوا أخذوا أنفسهم بالنظر في تل**ك الكتب وت**دبروا م**ا فيها حق التدبر لكان يكون ذلك ق**د أيقظهم من غفلتهم وكش**ف

Page 235: دلائل الإعجاز للجرجاني

الغطاء عن أعينهم وق**د أردت أن اكتب جمل**ة من الش**عر ال**ذي أنت ترى الشاعرين في**ه ق**د ق**اال في مع**نى واح**د وه**و ينقس**م قسمين قسم أنت ترى أحد الشاعرين فيه قد أتى ب**المعنى غفال ساذجا وترى اآلخر ق**د أخرج**ه في ص**ورة ت**روق وتعجب وقس**م

أنت ترى كل واحد من الشاعرين قد صنع في المعنى وصور وأبدأ بالقسم األول الذي يكون المعنى في أحد البيتين غفال وفي اآلخ**ر مص**ورا مص**نوعا ويك**ون ذل**ك إم**ا ألن مت**أخرا قص**ر عن متقدم وإما ألن هدي متأخر لشيء لم يهتد إلي**ه المتق**دم ومث**ال ذلك قول المتنبي السريع بئس الليالي سهدت من طربي ش**وقا إلى من يبيت يرقدها م**ع ق**ول البح**تري الكام**ل لي**ل يص**ادفني ومرهفة الحشا ضدين أسهره لها وتنامه وقول البح**تري البس**يط ولو وملكت زماعا ظل يجذبني قودا لكان ن**دى كفي**ك من عقلي مع ق**ول المتن**بي الطوي**ل وقي**دت نفس**ي في ذراك محب**ة ومن وجد اإلحسان قيدا تقيدا وقول المتن**بي الكام**ل إذا اعت**ل س**يف الدول**ة اعتلت األرض ومن فوقه**ا والب**أس والك**رم المحض م**ع قول البحتري الكامل ظللنا نعود الجود من وعك**ك ال**ذي وج**دت

وقلنا اعتل عضو من المجد وقول المتنبي الكامل يعطيك مبتدئا فإن أعجلته أعطاك معتذرا كمن قد أجرما مع قول أبي تمام الكامل أخو عزمات فعله فعل محسن إلينا ولكن عذره عذر مذنب وقول المتنبي الطويل كريم م**تى اس**توهبت م**ا أنت راكب وقد لقحت حرب فإنك نازل مع قول البحتري من البس**يط ماض على عزمه في الجود لو وهب الششباب يوم لق**اء ال**بيض ما ندما وقول المتنبي الخفيف والذي يشهد الوغى س**اكن القلب كأن القتال فيها ذمام م**ع ق**ول البح*تري الطوي**ل لق**د ك**ان ذاك الجأش جأش مسالم على أن ذاك ال**زي زي مح*ارب وق**ول أبي تمام الكامل الصبح مشهور بغير دالئل من غيره ابتغيت وال أعالم مع قول المتنبي الوافر وليس يصح في األذهان ش**يء إذا احت**اج

النهار إلى دليل وقول أبي تمام الوافر وفي شرف الح*ديث دلي**ل ص**دق لمخت**بر على الشرف القديم مع قول المتنبي البسيط أفعاله نسب لو لم يقل معها جدي الخصيب عرفن**ا الع**رق بالغص**ن وق**ول البح**تري الكامل وأحب آفاق البالد إلى الفتى أرض ينال بها كريم المطلب مع قول المتنبي الطويل وكل امرىء يولي الجمي**ل محبب وك**ل

Page 236: دلائل الإعجاز للجرجاني

مكان ينبت العز طيب وقول المتنبي الطويل يقر له بالفضل من ال يوده ويقضي له بالسعد من ال ينجم مع قول البح**تري الكام**ل ال أدعي ألبي العالء فضيلة حتى يس**لمها إلي**ه ع**داه وق**ول خال**د الكاتب المتقارب رقدت ولم ترث للس**اهر ولي**ل المحب بال آخ**ر مع قول بشار الطويل لخديك من كفيك في كل ليلة إلى أن ترى

ضوء الصباح وساد تبيت تراعي الليل ترجو نفاده وليس لليل العاشقين نف**اد وق**ول أبي تمام الوافر ثوى بالمش**رقين لهم ض**جاج أط**ار قل**وب أه**ل المغربين وقول البحتري الطويل تناذر أه**ل الش**رق من**ه وقائع**ا أطاع لها العاصون في بلد الغرب م**ع ق**ول مس**لم البس**يط لم**ا ن**زلت على أدنى دي**ارهم ألقى إلي**ك األقاص**ي بالمقالي**د وق**ول محم**د بن بش**ير البس**يط اف**رغ لحاجتن**ا م**ا دمت مش**غوال فل**و فرغت لكنت ال**دهر مب**ذوال م**ع ق**ول أبي علي البص**ير الطوي**ل فقل لسعيد أسعد الله جده لقد رث حتى ك**اد ينص**رم الحب**ل فال

تناط بك اآلمال ما اتص**ل الش**غل وق**ول تعتذر بالشغل عنا فإنما البحتري الكامل من غادة منعت وتمنع وصلها فلو أنه**ا ب**ذلت لن**ا لم تبذل مع قول ابن ال**رومي مج**زوء الكام**ل ومن البلي**ة أن**ني

علقت ممنوعا منوعا وقول أبي تمام الطويل لئن كان ذنبي أن أحس**ن مطل**بي أس**اء ففي س**وء القض**اء لي الع**ذر م**ع ق**ول البح**تري البس**يط إذا محاسني الالتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعت**ذر وق**ول أبي تمام البسيط قد يقدم الع**ير من ذع**ر على األس**د م**ع ق**ول البح**تري الطوي**ل فج**اء مجيء الع**ير قادت**ه ح**يرة إلى أه**رت الش***دقين ت***دمى أظ***افره وق***ول معن بن أوس الطوي***ل إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد إليه بوج**ه آخ**ر ال**دهر تقب**ل مع قول العباس بن األحنف البس**يط نق**ل الجب**ال الرواس**ي من أماكنه**ا أخ**ف من رد قلب حين ينص**رف وق**ول أمي**ة بن أبي

الصلت الطويل عطاؤك زين المرىء إن أصبته بخ**ير وم**ا ك**ل العط**اء ي**زين م**ع قول أبي تمام البسيط تدعى عطاياه وفرا وهي إن شهرت كانت فخارا لمن يعفوه مؤتنفا ما زلت منتظرا أعجوبة عننا ح**تى رأيت سؤاال يجتنى شرفا وقول جري**ر الطوي**ل بعثن اله**وى ثم ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء وهن صديق مع ق*ول أبي ن*واس الطوي*ل إذا

Page 237: دلائل الإعجاز للجرجاني

امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن ع**دو في ثي**اب ص**ديق وق**ول كثير الطويل إذا ما أرادت خلة أن تزيلنا أبينا وقلن**ا الحاجبي**ة أول مع قول أبي تمام الكامل نقل فؤادك حيث ش**ئت من اله**وى م**ا الحب إال للحبيب األول وق**ول المتن**بي الطوي**ل وعن**د من الي**وم

الوفاء لصاحب شبيب وأوفى من ترى أخوان مع قول أبي تمام الطويل فال تحسبا هندا لها الغدر وحدها سجية نفس ك**ل غاني**ة هن**د وق**ول البح**تري الطوي**ل ولم أر في رن**ق الص**رى لي م**وردا فح**اولت ورد الني**ل عن**د احتفال**ه م**ع ق**ول المتن**بي الطوي**ل قواص**د ك**افور ت*وارك غ*يره ومن قص*د البح*ر استقل السواقيا وقول المتنبي من المنس**رح كأنم**ا يول**د الن**دى معهم ال صغر عاذر وال هرم مع ق**ول البح**تري الطوي**ل عريق**ون في اإلفضال يؤتنف الندى لناشئهم من حيث يؤتنف العمر وق**ول البحتري الطويل فال تغلين بالسيف كل غالئه ليمضي ف*إن الك*ف ال السيف تقطع مع قول المتنبي من الطويل إذا الهند سوت بين

سيفي كريهة فسيفك في كف تزيل التساويا وق**ول البح**تري الكام**ل س**اموك من حس**د فأفض**ل منهم غ**ير الجواد وجاد غير المفضل فبذلت فينا م**ا ب**ذلت س**ماحة وتكرم**ا وبذلت ما لم يبذل مع قول أبي تمام الطويل أرى الن**اس منه**اج الندى بع**دما عفت مهايع*ه المثلى ومحت لواحب**ه ففي ك**ل نج*د

وهي مواهب**ه وق**ول المتن**بي في البالد وغائر مواهب ليست منه البسيط بيضاء تطمع فيما تحت حلتها وعز ذلك مطلوب**ا إذا طلب**ا م*ع ق*ول البح*تري الكام*ل تب**دو بعطف*ة مطم*ع ح*تى إذا ش*غل الخلي ثنت بصدفة مؤيس وقول المتنبي الكامل إذكار مثلك ترك إذكاري له إذ ال تريد لما أريد مترجما مع قول أبي تم**ام الخفي**ف

وإذا المجد كان عوني عل المرء تقاضيته بترك التقاضي وقول أبي تمام الكام**ل فنعمت من ش**مس إذا حجبت ب**دت من خدرها فكأنها لم تحجب مع قول قيس بن الخطيم من المنس**رح قضى لها الله حين صورها الخالق أال يكنها سدف وقول المتن**بي الخفيف راميات بأسهم ريشها الهدب تشق القلوب قب**ل الجل**ود مع قول كثير الطويل رمتني بسهم ريشه كالكحل لم يجز ظواهر جلدي وهو في القلب جارح وقول بعض شعراء الجاهلي**ة ويع**زى إلى لبي**د الكام**ل ودع**وت ربي بالس**المة جاه**دا ليص**حني ف**إذا السالمة داء مع قول أبي العتاهية الرجز أسرع في نقص ام**رىء

Page 238: دلائل الإعجاز للجرجاني

تمامه تدبر في إقبالها أيامه وقوله مجزوء الكام**ل أقل**ل زيارت**ك الحبيب تكون كالثوب استجده إن الصديق يمله أن ال يزال ي**راك

عنده مع قول أبي تمام الطويل وط**ول مق**ام الم**رء في الحي مخل**ق لديباجتي**ه ف**اغترب تتج*دد وق**ول الخ*ريمي الرم*ل زاد معروف**ك عندي عظما أنه عندك محقور ص**غير تتناس**اه ك**أن لم تأت**ه وه**و عند الن**اس مش*هور كب**ير م*ع ق*ول المتن**بي المنس*رح تظن من فقدك اعتدادهم أنهم أنعموا وما علموا وقول البحتري الوافر ألم تر للن**وائب كي**ف تس**مو إلى أه**ل النواف**ل والفض**ول م**ع ق**ول المتنبي البسيط أفاضل الناس أغراض لذا ال**زمن يخل**و من الهم أخالهم من الفطن وقول المتنبي الطويل تذلل له**ا واخض**ع على الق**رب والن**وى فم*ا عاش*ق من ال ي**ذل ويخض*ع م*ع ق**ول بعض

المحدثين مجزوء الرمل كن إذا أحببت عبدا للذي تهوى مطيعا لن تنال الوصل حتى تل**زم النفس الخضوعا وق**ول مض**رس بن ربعي الطوي**ل لعم**رك إني بالخلي**ل ال**ذي ل**ه علي دالل واجب لمفج**ع وإني ب**المولى ال**ذي ليس نافعي وال ضائري فقدانه لممتع م*ع ق**ول المتن**بي الطوي**ل أما تغلط األيام في بأن أرى بغيض**ا ثن**ائي أو حبيب**ا تق**رب وق**ول المتنبي البسيط مظلومة القد في تشبيهه غصنا مظلوم**ة الري**ق في تشبيهه ضربا مع قوله الطويل إذا نحن شبهناك بالبدر طالع**ا بخس**ناك حظ**ا أنت أبهى وأجم*ل ونظلم إن قس**ناك ب**الليث في الوغى ألنك أحمى للحريم وأبسل القسم الثاني ذكر ما أنت ترى في**ه في ك**ل واح**د من البي**تين ص**نعة وتص**ويرا وأس**تاذية على الجملة فمن ذلك وه**و من الن**ادر ق**ول لبي**د من الرم**ل واك**ذب

النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يزري باألمل مع قول نافع بن لقيط الكامل وإذا ص**دقت النفس لم ت**ترك له**ا أمال ويأمل ما اشتهى المكذوب وقول رجل من الخ**وارج أتي ب**ه الحجاج في جماع**ة من أص**حاب قط**ري فقتلهم ومن علي**ه لي**د كانت عنده وعاد إلى قطري فقال له قطري عاود قتال عدو الله الحجاج فأبى وقال الكامل أأقاتل الحج**اج عن س**لطانه بي**د تق**ر بأنها موالته م**اذا أق**ول إذا وقفت إزاؤه في الص**ف واحتجت ل**ه فعالته وتحدث األقوام أن ص**نائعا غرس**ت ل**دي فحنظلت نخالت**ه مع قول أبي تمام الطويل أسربل هجر الق**ول من ل**و هجوت**ه إذا

Page 239: دلائل الإعجاز للجرجاني

لهجاني عن**ه معروف**ه عن**دي وق**ول النابغ**ة الطوي**ل إذا م**ا غ**دابالجيش حلق فوقه عصائب طير تهتدي بعصائب

جوانح قد أيقن أن قبيله إذا ما التقى الصفان أول غالب مع ق**ول أبي نواس مجزوء الرمل وإذا مج القنا علقا وت**راءى الم**وت في صوره راح في ثنيي مفاضته أسد يدمى ش**با ظف**ره تتأي**ا الط**ير غدوت**ه ثق**ة بالش**بع من ج**زره المقص**ود ال**بيت األخ**ير وحكى المرزب**اني ق**ال ح**دثني عم**رو ال**وراق رأيت أب**ا ن**واس ينش**د قصيدته التي أولها أيها المنتاب عن عفره فحس**دته فلم بل**غ إلى قوله تتأيا الطير غدوته ثقة بالشبع من جزره قلت ل**ه م**ا ت**ركت للنابغة شيئا حيث يقول إذا ما غدا بالجيش البيتين فق**ال اس**كت فلئن كان س**بق فم**ا أس**أت االتب**اع وه**ذا الكالم من أبي ن**واس دليل بين في أن المعنى ينقل من صورة إلى صورة ذاك ألنه ل**و كان ال يكون قد صنع بالمعنى شيئا لكان قوله فما أس**أت االتب**اع محاال ألنه على كل حال لم يتبعه في اللف**ظ ثم إن األم**ر ظ**اهر لمن نظر في أنه قد نقل المعنى عن صورته التي ه**و عليه**ا في شعر النابغة إلى ص**ورة أخ**رى وذل**ك أن هاهن**ا معن**يين أح**دهما

أصل وهو علم الطير بأن الممدوح إذا غزا عدوا كان الظف**ر ل**ه وك**ان هو الغ**الب واآلخ**ر ف**رع وه**و طم**ع الط**ير في أن تتس**ع عليه**ا المطاعم من لحوم القتلى وقد عمد النابغة إلى األصل الذي ه**و علم الطير بأن الممدوح يكون الغالب فذكره صريحا وكشف عن وجهه واعتمد في الفرع الذي هو طمعها في لح**وم القتلى وإنه**ا لذلك تحلق فوقه على داللة الفح**وى وعكس أب**و ن**واس القص**ة فذكر الفرع الذي هو طمعها في لحوم القتلى صريحا فق**ال كم**ا ترى ثقة بالشبع من جزره وعول في األصل الذي هو علمها ب**أن الظفر يكون للممدوح على الفحوى ودالل**ة الفح**وى على علمه**ا أن الظفر يكون للممدوح هي في أن قال من جزره وهي ال تث**ق بأن شبعها يكون منجزر الممدوح حتى تعلم أن الظف**ر يك**ون ل**ه أفيكون ش**يء أظه**ر من ه**ذا في النق**ل عن ص**ورة إلى ص**ورة أرج**ع إلى النس**ق ومن ذل**ك ق**ول أبي العتاهي**ة الخفي**ف ش**يم فتحت من المدح ما قد كان مستغلقا على الم**داح م**ع ق**ول أبي تم**ام الكام**ل نظمت ل**ه خ**رز الم**ديح م**واهب ينفثن في عق**د

Page 240: دلائل الإعجاز للجرجاني

اللسان المفحم وقول أبي وجزة الوافر أتاك المجد من هنا وهن**اوكنت له كمجتمع السيول مع قول منصور النمري البسيط

إن المكارم والمعروف أودية أحلك الله منه**ا حيث تجتم**ع وق**ول بشار البسيط الشيب كره وكره أن يفارقني أعجب بش**يء على البغض**اء م**ودود م**ع ق**ول البح**تري ال**وافر تعيب الغاني**ات علي شيبي ومن لي أن أمتع بالمعيب وقول أبي تمام ال**وافر يش**تاقه من كماله غده ويكثر الوجد نح**وه األمس م**ع ق**ول ابن ال**رومي الطويل إمام يظ**ل األمس يعم**ل نح**وه تلفت مله**وف ويش**تاقه الغد ال تنظر إلى أنه قال يشتاقه الغد فأعاد لفظ أبي تمام ولكن النظ**ر إلى قول**ه يعم**ل نح**وه تلفت مله**وف وق**ول أبي تم**ام الطوي**ل لئن ذمت األع**داء س**وء ص**باحها فليس ي**ؤدي ش**كرها ال**ذئب والنس**ر م**ع ق**ول المتن**بي المتق**ارب وأنبت منهم ربي**ع

السباع فأثنت بإحسانك الشامل وقول أبي تمام البس**يط ورب ن**ائي المغ**اني روح**ه أب**دا لص**يق روحي ودان ليس بالداني مع قول المتنبي الوافر لنا وألهل**ه أب**دا قلوب تالقى في جسوم ما تالقى وقول أبي هف*ان الرم*ل أص*بح الدهر مسيئا كل*ه م*ا ل*ه إال ابن يح*يى حس*نه م*ع ق**ول المتن**بي الطويل أزالت بك األيام عتبي كأنما بنوها لها ذنب وأنت لها ع**ذر وقول علي بن جبل*ة الكام*ل وأرى اللي**الي م*ا ط**وت من ق**وتي ردته في عظتي وفي إفهامي مع قول ابن المعتز المتق*ارب وم*ا ينتقص من شباب الرجال ي**زد في نهاه**ا وألبابه**ا وق**ول بك**ر بن النطاح الطويل ولو لم يكن في كفه غير روح**ه لج**اد به**ا فليت**ق

الله سائله م**ع ق**ول المتن**بي المنس**رح إن**ك من معش**ر إذا وهب**وا م**ا دون أعمارهم فقد بخلوا وقول البح*تري الطوي**ل ومن ذا يل**وم البح*ر أن ب**ات زاخ**را يفيض وص**وب الم**زن أن راح يهط**ل م**ع ق**ول المتنبي البسيط وما ثناك كالم الناس عن كرم ومن يسد طري**ق الع**ارض الهط**ل وق**ول الكن**دي الكام**ل ع**زوا وع**ز بع**زهم من جاوروا فهم الذرى وجماجم الهامات إن يطلبوا بتراتهم يعطوا بها أو يطلبوا ال يدركوا بترات مع قول المتنبي الطويل تفيت اللي**الي كل شيء أخذته وهن لم**ا يأخ**ذن من**ك غ**وارم وق**ول أبي تم**ام الطويل إذا سيفه أضحى على الهام حاكما غ**دا العف**و من**ه وه**و

في السيف حاكم مع قول المتنبي الكامل

Page 241: دلائل الإعجاز للجرجاني

ل**ه من ك**ريم الطب**ع في الح**رب منتض ومن ع**ادة اإلحس**ان من نفى الغفل**ة عن نفس**ه فإن**ك والصفح غامد فانظر اآلن نظر

ترى عيانا أن للمعنى في ك**ل واح**د من البي**تين من جمي**ع ذل**ك صورة وصفة غير صورته وصفته في البيت اآلخر وأن العلم**اء لم يري**دوا حيث ق**الوا إن المع**نى في ه**ذا ه**و المع**نى في ذاك أن الذي تعقل من ه**ذا ال يخ*الف ال**ذي تعق**ل من ذاك وأن المع*نى عائد عليك في البيت الثاني على هيئته وص**فته ال**تي ك**ان عليه**ا في البيت األول وأن ال فرق وال فصل وال تباين بوجه من الوج**وه وأن حكم البيتين مثال حكم االسمين ق*د وض*عا في اللغ*ة لش*يء واح**د ك**الليث واألس**د ولكن ق**الوا ذل**ك على حس**ب م**ا يقول**ه العقالء في الش**يئين يجمعهم**ا جنس واح**د ثم يفترق**ان بخ**واص ومزاي**ا وص**فات كالخ**اتم والخ**اتم والش**نف والش**نف والس**وار والسوار وسائر أصناف الحلي التي يجمعها جنس واحد ثم يك**ون بينها االختالف الشديد في الصنعة والعمل ومن ه**ذا ال**ذي ينظ**ر إلى بيت الخارجي وبيت أبي تمام فال يعلم أن صورة المعنى في ذل**ك غ**ير ص**ورته في ه**ذا كي**ف والخ**ارجي يق**ول واحتجت ل**ه فعالته ويقول أبو تمام إذا لهجاني عنه معروفه عندي وم*تى ك*ان احتج وهجا واحدا في المعنى وكذلك الحكم في جميع م**ا ذكرن**اه فليس يتص**ور في نفس عاق**ل أن يك**ون ق**ول البح**تري وأحب آفاق البالد إلى الفتى أرض ينال بها كريم المطلب وقول المتنبي وكل مكان ينبت العز طيب س**واء واعلم أن قولن**ا الص**ورة إنم**ا هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا فلما رأينا البينونة بين آحاد األجناس تكون من جهة الصورة فك**ان بين

إنسان من إنسان وفرس من فرس بخصوصية تكون في ص**ورة ه**ذا ال تكون في صورة ذاك وكذلك ك**ان األم**ر في المص**نوعات فك**ان تبين خاتم من خاتم وسوار من سوار بذلك ثم وجدنا بين المع**نى في أحد البيتين وبينه في اآلخ**ر بينون**ة في عقولن**ا وفرق**ا عبرن**ا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا للمعنى في هذا صورة غير ص**ورته في ذل**ك وليس العب**ارة عن ذل**ك بالص**ورة ش**يئا نحن ابتدأناه فينكره منكر بل هو مس**تعمل مش**هور في كالم العلم**اء ويكفيك قول الجاحظ وإنما الشعر ص**ناعة وض**رب من التص**وير واعلم أن**ه ل**و ك**ان المع**نى في أح**د البي**تين يك**ون على هيئت**ه

Page 242: دلائل الإعجاز للجرجاني

وصفته في البيت اآلخ**ر وك**ان الت**الي من الش**اعرين يجيئ**ك ب**ه معادا على وجهه لم يحدث فيه شيئا ولم يغير له صفة لكان قول العلماء في شاعر إنه أخذ المعنى من صاحبه فأحسن وأجاد وفي آخ**ر إن**ه أس**اء وقص**ر لغ**وا من الق**ول من حيث ك**ان مح*اال أن يحسن أو يسيء في شيء ال يصنع ب**ه ش**يئا وك**ذلك ك**ان يك**ون جعلهم البيت نظيرا للبيت ومناسبا له خط**أ منهم ألن**ه مح**ال أن يناسب الشيء نفسه وأن يكون نظ**يرا لنفس**ه وأم**ر ث**الث وه**و أنهم يقولون في واحد إنه أخذ المعنى فظهر أخذه وفي آخر إن**ه أخذه فأخفى أخ*ذه ول**و ك**ان المع*نى يك*ون مع*ادا على ص**ورته وهيئته وكان اآلخذ له من صاحبه ال يصنع شيئا غير أن يبدل لفظا مكان لفظ لكان اإلخفاء في**ه مح**اال ألن اللف**ظ ال يخفى المع**نى وإنما يخفيه إخراجه في صورة غير التي كان عليها مثال ذل**ك أن القاضي أبا الحسن ذكر فيما ذكر في**ه تناس**ب المع**اني بيت أبي نواس مجزوء الرم**ل حليت والحس**ن تأخ**ذه تنتقي من**ه وتنتخب وبيت عبد الله بن مصعب الوافر كأنك جئت محتكما عليهم تخ**ير

في األبوة ما تشاء وذكر أنهما معا من بيت بشار الطويل خلقت على ما في غير مخير هوايولو خيرت كنت المهذبا واألم**ر في تناسب هذه الثالثة ظاهر ثم إنه ذكر أن أب**ا تم**ام ق**د تناول**ه فأخفاه وقال الوافر فلو صورت نفس**ك لم تزده**ا على م**ا في**ك من ك**رم الطب**اع ومن العجب في ذل**ك م**ا ت**راه إذا أنت ت**أملت قول أبي العتاهية الكامل جزي البخيل علي ص**الحة ع**ني لخفت**ه على ظهري أعلى وأكرم عن يديه يدي فعلت ونزه ق**دره ق**دري ورزقت من جدواه عافية أن ال يضيق بشكره صدري وغنيت خلوا من تفضله أحنو عليه بأحسن العذر ما فاتني خير امرىء وض**عت عني يداه مؤونة الشكر ثم نظرت إلى قول الذي يقول المنسرح

من الررق فيا بردها على كب**دي فص**رت أعتقني سوء ما صنعت عبدا للسوء فيك وما أحسن س**وءا قبلي إلى أح**د ومم**ا ه**و في غاية الندرة من هذا الباب ما صنعه الجاحظ بقول نصيب الطويل

ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب حين نثره فقال وكتب به إلى ابن الزيات نحن أعزك الل**ه نس**حر بالبي**ان ونم**وه ب**القول والن**اس ينظ**رون إلى الح**ال ويقض**ون بالعيان فأثر في أمرنا أثرا ينطق إذا سكتنا فإن المدعي بغير بينة متعرض للتكذيب وهذه جملة من وصفهم للشعر وعمله وإداللهم

Page 243: دلائل الإعجاز للجرجاني

به أب**و حي**ة النم**ري الكام**ل إن القص**ائد ق**د علمن ب**أنني ص**نع اللسان بهن ال أتنحل وإذا ابتدأت عروض نس**ج ريض جعلت ت**ذل لما أريد وتسهل حتى تطاوعني ولو يرتاضها غيري لح**اول ص**عبة ال تقب**ل تميم بن مقب**ل الطوي**ل إذا مت عن ذك**ر الق**وافي فلن ترى لها قائال بع*دي أطب وأش**عرا وأك**ثر بيت**ا س**ائرا ض**ربت ل**ه حزون جبال الشعر حتى تيسرا أغر غريبا يمسح الناس وجهه كما تمسح األيدي األغر المشهرا عدي بن الرقاع الكامل وقصيدة ق**د بت أجمع بينها حتى أقوم ميلها وسنادها نظر المثقف في كع**وب

قناته حتى يقيم ثقافه منآدها كعب بن زهير الطوي**ل فمن للق**وافي ش**انها من يحوكه**ا إذا م**ا ثوى كعب وفوز جرول يقومها حتى تلين متونها فيقصر عنه**ا ك**ل ما يتمث**ل بش**ار الطوي**ل عميت جنين**ا وال**ذكاء من العمى فجئت عجيب الظن للعلم م**وئال وغ**اض ض**ياء العين للعلم راف**دا لقلب إذا ما ضيع الناس حصال وشعر كنور الروض الءمت بينه بقول إذا ما أحزن الشعر أسهال وله المنسرح زور ملوك عليه أبه**ة يغ**رف من شعره ومن خطبه لل**ه م**ا راح في جوانح**ه من لؤل**ؤ ال ين**ام عن طلبه يخرج من فيه للندي كما يخرج ضوء النهار من لهبه أبو شريح العمير الوافر فإن أهل**ك فق**د أبقيت بع**دي ق**وافي تعجب

المتمثلينا لذيذات المقاطع محكمات لو أن الشعر يلبس الرت**دينا الف**رزدق الوافر بلغن الشمس حين تكون شرقا ومس**قط قرنه**ا من حيث غابا بكل ثنية وبكل ثغر غ**رائبهن تنتس**ب أنتس**ابا ابن مي**ادة من الطويل فجرنا ينابيع الكالم وبحره فأصبح في**ه ذو الرواي**ة يس**بح وما الش**عر إال ش**عر قيس وخن**دف وش**عر س**واهم كلف**ة وتملح وقال عقال بن هاشم القي**ني ي**رد علي**ه الطوي**ل أال بل**غ الرم**اح نقض مقالة بها خط**ل الرم**اح أو ك**ان يم**زح لئن ك**ان في قيس وخندف ألسن ط**وال وش**عر س**ائر ليس يق**دح لق**د خ**رق الحي اليمانون قبلهم بح**ور الكالم تس**تقى وهي طفح وهم علم**وا من بع**دهم فتعلم**وا وهم أعرب**وا ه**ذا الكالم وأوض**حوا فللس**ابقين الفضل ال تجحدونه وليس لمسبوق عليهم تبجح أبو تمام الطوي**ل

كشفت قناع الشعر عن حر وجهه وطيرته عن وكره وهو واقع ويدنو إليها ذو الحجا وهو شاس**ع ي**ود بغر يراها من يراها بسمعه

ودادا أن أعض**اء جس**مه إذا أنش**دت ش**وقا إليه**ا مس**امع ول**ه

Page 244: دلائل الإعجاز للجرجاني

الكامل حذاء تمأل ك**ل أذن حكم**ة وبالغ**ة وت**در ك**ل وري**د كال**در والمرجان أل**ف نظم**ه بالش**ذر في عن**ق الفت**اة ال**رود كش**قيقة ال**برد المنمنم وش**يه في أرض مه***رة أو بالد تزي**د يعطي به***ا البشرى الك**ريم ويرت**دي بردائه**ا في المحف**ل المش**هود بش**رى الغني أبي البنات تتابعت بشراؤه بالفارس المول**ود ول**ه الكام**ل جاءت**ك من نظم اللس**ان قالدة س**مطان فيه**ا اللؤل**ؤ المكن**ون أحذاكها صنع الضمير يمده جفر إذا نضب الكالم معين أخ**ذ لف**ظ الصنع من قول أبي حية بأنني صنع اللس**ان بهن ال أتنح**ل ونقل**ه

إلى الضمير وقد جع**ل حس**ان أيض**ا اللس**ان ص**نعا وذل**ك في قول**ه البسيط أه**دى لهم م**دحا قلب م**ؤازره فيم**ا أحب لس**ان حائ**ك صنع وألبي تم**ام من الطوي**ل إلي**ك أرحن**ا ع**ازب الش**عر بع**دما تمهل في روض المعاني العجائب غرائب القت في فنائك أنس**ها من المجد فهي اآلن غير غرائب ولو كان يف**نى الش**عر أفن**اه م**ا قرت حياضك منه في السنين الذواهب ولكنه ص**وب العق**ول إذا انجلت س**حائب من**ه أعقبت بس**حائب البح**تري الطوي**ل ألس**ت الموالي فيك نظم قصائد هي األنجم اقتادت مع الليل أنجما ثن**اء كأن الروض من**ه من**ورا ض**حى وك**أن الوش**ي من**ه منمنم**ا ول**ه البسيط أحسن أبا حسن بالش*عر إذ جعلت علي**ك أنجم*ه بالم*دح تنتثر فقد أتتك الق**وافي غب فائ**دة كم**ا تفتح غب الواب**ل الزه**ر

وله الطويل إلي**ك الق**وافي نازع**ات قواص**د يس**ير ض**احي وش**يها وينمنم ومشرقة في النظم غ**ر يزينه**ا به**اء وحس**نا أنه**ا ل**ك تنظم ول**ه الطوي**ل بمنقوش**ة نقش ال**دنانير ينتقى له**ا اللف**ظ مخت**ارا كم**ا ينتقى التبر وله الطويل أيذهب هذا الدهر لم ير موضعي ولم يدر م**ا مق**دار حلي وال عق**دي ويكس**د مثلي وه**و ت**اجر س**ؤدد ي**بيع ثمينات المكارم والمجد سوائر شعر ج**امع ب**دد العلى تعلقن من قبلي وأتعبن من بعدي يقدر فيه**ا ص**انع متعم**ل إلحكامه**ا تق**دير داود في السرد وله الكامل الله يس**هر في م**ديحك ليل**ه متملمال وتنام دون ثوابه يقظ**ان ينتح**ل الكالم كأن**ه جيش لدي**ه يري**د أن يلقى به فأتى به كالسيف رقرق صيقل ما بين قائم سنخه وذبابه ومن نادر وصفه للبالغة قوله الخفي**ف في نظ**ام من البالغ**ة م**ا شكك امرؤ أنه نظام فريد وبديع كأنه الزه**ر الض**احك في رون**ق

Page 245: دلائل الإعجاز للجرجاني

الربيع الجديد مشرق في ج**وانب الس**مع م**ا يخلق**ه ع**وده علىالمستعيد

حجج تخرس األلد بألف**اظ ف**رادى ك**الجوهر المع**دود ومع**ان ل**و فصلتها القوافي هجنت شعر جرول ولبيد ح**زن مس**تعمل الكالم اختيارا وتجنبن ظلمة التعقيد وركبن اللف**ظ الق**ريب ف**أدركن ب**ه غاية المراد البعيد كالعذارى غدون في الحلل الصفر إذا رحن في الخطوط السود الغرض من كتب هذه األبيات االستظهارحتى إن حمل حامل نفسه على الغرر والتقحم على غير بصيرة فزعم أن اإلعجاز في مذاقة الحروف وفي سالمتها مما يثقل على اللسان علم بالنظر فيها فساد ظنه وقبح غلط**ه من حيث ي**رى عيان**ا أن ليس كالمهم كالم من خطر ذل**ك من**ه بب**ال وال ص**فاتهم ص**فات تص**لح ل**ه على ح**ال إذ ال يخفى على عاق**ل أن لم يكن ض**رب تميم لحزون جب**ال الش**عر ألن تس**لم ألفاظ**ه من ح**روف تثق**ل على اللسان وال كان تقويم عدي لشعره وال تش**بيهه نظ**ره في**ه بنظر المثقف في كعوب قناته ذلك وأنه محال أن يكون له جع**ل

العين قد غاض فصار إلى قبله وأن يكون اللؤل**ؤ ال**ذي بشار نور ك**ان ال ين**ام عن طلب**ه وأن ليس ه**و ص**وب العق**ول ال**ذي إذا انجلت س***حائب من***ه أعقبت بس***حائب وأن ليس ه***و ال***در والمرجان مؤلف**ا بالش**ذر في العق**د وال ال**ذي ل**ه ك**ان البح**تري مقدرا تقدير داود في السرد كيف وهذه كلها عبارات عم**ا ي**درك بالعقل ويستنبط بالفكر وليس الفكر الطريق إلى تمييز ما يثق**ل على اللسان مما ال يثقل إنما الطريق إلى ذل**ك الحس ول**وال أن البلوى قد عظمت بهذا ال**رأي الفاس**د وأن ال**ذين ق**د اس**تهلكوا في**ه ق**د ص**اروا من ف**رط ش**غفهم ب**ه يص**غون إلى ك**ل ش**يء يسمعونه حتى لو أن إنسانا قال باقلى حار يريهم أنه يريد نص**رة مذهبهم ألقبلوا بأوجههم عليه فألقوا أسماعهم إليه لكان اطراحه وترك االشتغال به أصوب ألنه قول ال يتصل منه جانب بالص**واب البتة ذلك ألنه أول شيء يؤدي إلى أن يكون القرآن معجزا ال بما

به كان قرآنا وكالم الله عز وجل ألنه على كل حال إنما كان قرآن**ا وكالم الل**ه ع**ز وج**ل ب***النظم ال***ذي ه***و علي***ه ومعل***وم أن ليس النظم من مذاق***ة الحروف وسالمتها مما يثقل على اللسان في شيء ثم إنه اتفاق من العقالء أن الوصف الذي به تناهى القرآن إلى حد عج**ز عن**ه

Page 246: دلائل الإعجاز للجرجاني

المخلوقون هو الفصاحة والبالغ**ة وم**ا رأين**ا ع**اقال جع**ل الق**رآن ال يكون في حروفه ما يثقل على اللسان ألنه فصيحا أو بليغا بأن

لو ك**ان يص**ح ذل**ك لك*ان يجب أن يك*ون الس*وقي الس**اقط من الكالم والسفساف الرديء من الش**عر فص**يحا إذا خفت حروف**ه وأعجب من هذا أن**ه يل**زم من**ه أن**ه ل**و عم**د عام**د إلى حرك**ات اإلعراب فجعل مكان كل ضمة وكس**رة فتح**ة فق**ال الحم**د لل**ه بفتح الدال والالم والهاء وج**رى على ه**ذا في الق**رآن كل**ه أن ال يسلبه ذلك الوصف الذي هو معجز به بل كان ينبغي أن يزيد فيه ألن الفتح***ة كم***ا ال يخفى أخ***ف من ك***ل واح***دة من الض***مة والكسرة فإن قال إن ذلك يحيل المعنى قيل له إذا كان المع**نى والعلة في كونه معجزا خفة اللفظ وسهولته فينبغي أن يكون مع إحالة المعنى معجزا ألنه إذا كان معجز الوصف يخص لفظه دون معناه كان محاال أن يخرج عن كونه معجزا مع قيام ذلك الوص**ف فيه ودع هذا وهب أنه ال يلزم شيء من**ه فإن**ه يكفي في الدالل**ة على سقوطه وقلة تمييز القائ**ل ب**ه أن يقتض**ي إس**قاط الكناي**ة واالستعارة والتمثيل والمجاز واإليجاز جملة واطراح جميعها رأسا مع أنها األقطاب التي تدور البالغة عليه**ا واألعض**اد ال**تي تس**تند الفصاحة إليها والطلبة التي يتنازعه**ا المحس**نون والره**ان ال**ذي تجرب فيه الجياد والنضال ال**ذي تع**رف ب**ه األي**دي الش**داد وهي التي نوه بذكرها البلغاء ورفع من أق**دارها العلم**اء وص**نفوا فيه**ا الكتب ووكلوا بها الهمم وصرفوا إليها الخواطر حتى ص**ار الكالم فيها نوعا من العلم مفردا وصناعة على حدة ولم يتعاط أح**د من الناس القول في اإلعجاز إال ذكرها وجعلها العم**د واألرك**ان فيم*ا يوجب الفضل والمزية وخصوصا االستعارة واإليجاز فإن**ك ت**راهم يجعلونهما عنوان ما يذكرون وأول م**ا ي**وردون وت**راهم ي**ذكرون من االس**تعارة قول**ه ع**ز وج**ل واش**تعل ال**رأس ش**يبا وقول**ه وأشربوا في قلوبهم العجل وقوله عز وجل وآية لهم الليل نس**لخ منه النهار وقوله عز وجل فاصدع بما تؤمر وقوله فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا وقوله تعالى ح*تى تض**ع الح*رب أوزاره**ا وقول**ه

فما ربحت تجارتهم ومن اإليجاز قوله تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء وقوله تعالى وال ينبئك مثل خب**ير وقول**ه فش**رد بهم من خلفهم وتراهم على لسان واحد في أن المج*از واإليج**از

Page 247: دلائل الإعجاز للجرجاني

من األرك**ان في أم**ر اإلعج**از وإذا ك**ان األم**ر ك**ذلك عن**د كاف**ة العلماء الذين تكلموا في المزاي**ا ال**تي للق**رآن فينبغي أن ينظ**ر في أمر الذي يسلم نفسه إلى الغرور ف**يزعم أن الوص**ف ال**ذي كان له القرآن معجزا هو سالمة حروفه مم**ا يثق**ل على اللس**ان أيصح له الق**ول ب**ذلك إال من بع**د أن ي**دعي الغل**ط على العقالء قاطبة فيما قالوه والخطأ فيما أجمعوا عليه وإذا نظرنا وجدناه ال يصح له ذلك إال ب**أن يقتحم ه**ذه الجهال**ة اللهم إال أن يخ**رج إلى الض**حكة ف**يزعم مثال أن من ش**أن االس**تعارة واإليج**از إذا دخال الكالم أن يح**دث بهم**ا في حروف**ه خف**ة ويتج**دد فيه**ا س**هولة ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق واعلم أن**ا ال ن**أبى أن تك**ون مذاق**ة الح**روف وس**المتها مم**ا يثق**ل على اللس**ان داخال فيم**ا يوجب الفض**يلة وأن تك**ون مم**ا يؤك**د أم**ر اإلعج**از وإنم**ا ال**ذي ننك**ره ونفي**ل رأي من ي**ذهب إلي**ه أن يجعل**ه معج**زا ب**ه وح**ده ويجعله األصل والعمدة فيخرج إلى ما ذكرنا من الشناعات ثم إن العجب ك**ل العجب ممن يجع**ل ك**ل الفض**يلة في ش**يء ه**و إذا انفرد لم يجب به فضل البتة ولم ي**دخل في اعت**داد بح**ال وذل**ك أنه ال يخفى على عاقل أن**ه ال يك**ون بس**هولة األلف**اظ وس**المتها مما يثقل على اللسان اعتداد حتى يك*ون ق**د أل*ف منه**ا كالم ثم كان ذلك الكالم صحيحا في نظمه والغرض الذي أريد به وأنه ل**و عمد عام**د إلى ألف**اظ فجمعه**ا من غ**ير أن ي**راعي فيه**ا مع**نى ويؤلف منها كالم**ا لم ت**ر ع**اقال يعت**د الس**هولة فيه**ا فض**يلة ألن األلفاظ ال تراد ألنفسها وإنما تراد لتجعل أدلة على المع**اني ف**إذا عدمت الذي له تراد أو اختل أمرها فيه لم يعت**د باألوص**اف ال**تي تك**ون في أنفس**ها عليه**ا وك**انت الس**هولة وغ**ير الس**هولة فيه**ا واحدا ومن هاهنا رأيت العلماء يذمون من يحمل**ه تطلب الس**جع والتجنيس على أن يض**م لهم**ا المع**نى وي**دخل الخل**ل علي**ه من أجلهما وعلى أن يتعسف في االستعارة بسببهما ويركب الوعورة ويس**لك المس**الك المجهول**ة كال**ذي ص**نع أب**و تم**ام في قول**ه

البسيط سيف اإلمام الذي س**مته هيبت**ه لم**ا تخ**رم أه**ل األرض مخترم**ا ق**رت بق**ران عين ال**دين وانتش**رت باألش**ترين عي**ون الش**رك فاص**طلما وقول**ه الكام**ل ذهبت بمذهب**ه الس**ماحة والت**وت في**ه الظنون أمذهب أم مذهب ويصنعه المتكلفون في األسجاع وذلك

Page 248: دلائل الإعجاز للجرجاني

أنه ال يتصور أن يجب بهما ومن حيث هم**ا فض**ل ويق**ع بهم**ا م**ع الخل**و من المع**نى اعت**داد وإذا نظ**رت إلى تج**نيس أبي تم**ام أمذهب أم مذهب فاستضعفته وإلى تجنيس القائل البسيط حتى نجا من خوفه وما نجا وقول المحدث الخفيف ناظراه فيم**ا ج**نى ناظراه أو دعاني أمت بما أودع**اني فاستحس*نته لم تش*ك بح*ال أن ذلك لم يكن ألمر يرجع إلى اللف**ظ ولكن ألن**ك رأيت الفائ**دة ضعفت في األول وقويت في الثاني وذلك أنك رأيت أبا تم**ام لم يزدك ب مذهب ومذهب على أن أسمعك حروف**ا مك**ررة ال تج**د لها فائ**دة إن وج*دت إال متكلف**ة متمحل**ة ورأيت اآلخ*ر ق**د أع**اد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها ويوهم**ك أن**ه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها ولهذه النكت**ة ك**ان التج**نيس وخصوصا المستوفى منه مثل نجا ونجا من حلي الش**عر والق**ول

فيما يحسن وفيما ال يحسن من التج**نيس والس**جع يط**ول ولم يكن غرض**نا من ذكرهم**ا ش**رح أمرهم**ا ولكن توكي**د م**ا انتهى بن**ا الق**ول إلي**ه من اس**تحالة أن يكون اإلعجاز في مجرد السهولة وسالمة األلفاظ مما يثقل على اللسان وجملة األمر أن**ا م**ا رأين**ا في ال**دنيا ع**اقال اط**رح النظم والمحاسن التي هو السبب فيها في االستعارة والكناية والتمثي**ل وضروب المجاز واإليجاز وصد بوجهه عن جميعها وجع**ل الفض**ل كله والمزية أجمعها في س**المة الح**روف مم**ا يثق**ل كي**ف وه**و يؤدي إلى السخف والخروج من العقل كما بينا واعلم أن*ه ق*د آن لنا أن نعود إلى ما هو األمر األعظم والغ**رض األهم وال**ذي كأن**ه هو الطلبة وكل ما عداه ذرائع إليه وهو المرام وما سواه أس**باب للتسلق عليه وهو بيان العلل التي لها وجب أن يكون لنظم مزية على نظم وأن يعم أم***ر التفاض***ل في***ه ويتن***اهى إلى الغاي***ات البعيدة ونحن نس*أل الل*ه تع*الى الع*ون على ذل**ك والتوفي**ق ل*ه

والهداية إليه بسم الله الرحمن الرحيم فص**ل في أهمي**ة الس**ياق للمع**نى م**ا أظن ب**ك أيه**ا الق**ارىء لكتابن**ا إن كنت وفيت**ه حق**ه من النظ**ر وتدبرته حق التدبر إال أنك ق**د علمت علم*ا أبى أن يك*ون للش*ك فيه نصيب وللتوقف نحوك مذهب أن ليس النظم شيئا إال ت**وخي معاني النحو وأحكام**ه ووجوه**ه وفروق**ه فيم**ا بين مع**اني الكلم وأنك قد تبينت أنه إذا رفع معاني النح*و وأحكام**ه مم*ا بين الكلم

Page 249: دلائل الإعجاز للجرجاني

حتى ال تراد فيه**ا في جمل*ة وال تفص*يل خ*رجت الكلم المنط**وق ببعضها في أثر بعض في البيت من الشعر والفصل من النثر عن أن يكون لكونها في مواضعها التي وضعت فيه**ا م**وجب ومقتض وعن أن يتصور أن يقال في كلمة منها إنها مرتبط**ة بص**احبة له**ا ومتعلقة بها وكائنة بسبب منها وأن حسن تصورك لذلك ق**د ثبت فيه قدمك ومأل من الثقة نفسك وباع**دك من أن تحن إلى ال**ذي كنت عليه وأن يجرك اإللف واالعتياد إلي**ه وأن**ك جعلت م**ا قلن**اه نقشا في صدرك وأثبت**ه في س**ويداء قلب**ك وص**ادقت بين**ه وبين نفسك فإن كان األمر كما ظنناه رجونا أن يصادف الذي نري**د أن نستأنفه بعون الل**ه تع**الى من**ك ني**ة حس**نة تقي**ك المل**ل ورغب**ة صادقة تدفع عنك السأم وأريحي**ة يخ**ف معه**ا علي**ك تعب الفك**ر وكد النظر والله تعالى ولي توفيقك وتوفيقنا بمن**ه وفض**له ونب**دأ فنق**ول ف**إذا ثبت اآلن أن ال ش**ك وال مري**ة في أن ليس النظم شيئا غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما يبن معاني الكلم ثبت من ذل**ك أن ط**الب دلي**ل اإلعج**از من نظم الق**رآن إذا ه**و لم يطلبه في معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروق**ه ولم يعلم أنه**ا معدنه ومعانه وموضعه ومكانه وأنه ال مستنبط ل**ه س**واها وأن ال وجه لطلبه فيما عداها غار نفسه بالكاذب من الطمع ومسلم لها إلى الخ**دع وأن**ه إن أبى أن يك**ون فيه**ا ك**ان ق**د أبى أن يك**ون القرآن معجزا بنظمه ولزمه أن يثبت شيئا آخر يك**ون معج**زا ب**ه

وأن يلحق بأصحاب الصرفة في**دفع اإلعج**از من أص**له وه**ذا تقري**ر ال يدفع**ه إال معان**د يع**د الرجوع عن باطل قد اعتقده عجزا والثبات علي**ه من بع**د ل**زوم الحجة جلدا ومن وضع نفسه في هذه المنزلة كان قد باعدها من اإلنسانية ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق وهذه أصول يحتاج إلى معرفته**ا قب**ل ال**ذي عم**دنا ب**ه اعلم أن مع**اني الكالم كله**ا معان ال تتصور إال فيما بين شيئين واألصل واألول ه**و الخ**بر وإذا أحكمت العلم بهذا المع*نى في**ه عرفت**ه في الجمي**ع ومن الث**ابت في العقول والق*ائم في النف*وس أن*ه ال يك*ون خ*بر ح*تى يك*ون مخبر به ومخبر عنه ألنه ينقسم إلى إثبات ونفي واإلثبات يقتضي مثبتا ومثبتا له والنفي يقتضي منفيا ومنفي**ا عن**ه فل**و ح**اولت أن يتص**ور إثب**ات مع**نى أو نفي**ه من دون أن يك**ون هن**اك مثبت ل**ه ومنفي عنه ح**اولت م**ا ال يص**ح في عق**ل وال يق**ع في وهم ومن

Page 250: دلائل الإعجاز للجرجاني

أجل ذلك امتن**ع أن يك**ون ل**ك قص**د إلى ش**يء مظه**ر أو مق**در مضمر وكان لفظك به إذا أنت لم ترد ذلك وصوت تص**وته س**واء وإن أردت أن تستحكم معرفة ذل**ك في نفس**ك ف**انظر إلي**ك إذا قيل لك ما فعل زيد فقلت خ**رج ه**ل يتص**ور أن يق**ع في خل**دك من خرج معنى من دون أن تنوي فيه ضمير زي**د وه**ل تك**ون إن أنت زعمت أنك لم تنو ذلك إال مخرجا نفسك إال اله**ذيان وك*ذلك فانظر إذا قيل لك كيف زيد فقلت صالح هل يكون لقول**ك ص**الح أثر في نفسك من دون أن تريد هو صالح أم ه**ل يعق**ل الس**امع منه شيئا إن هو لم يعتقد ذلك فإنه مما ال يبقى معه لعاق**ل ش**ك أن الخبر معنى ال يتصور إال بين شيئين يكون أحدهما مثبتا واآلخر مثبتا له أو يكون أحدهما منفيا واآلخ**ر منفي**ا عن**ه وأن**ه ال يتص**ور مثبت من غ**ير مثبت ل**ه ومنفي من دون منفي عن**ه ولم**ا ك**ان األمر ك**ذلك أوجب ذل**ك أن ال يعق**ل إال من مجم*وع جمل**ة فع*ل واسم كقولنا خرج زيد أو اسم واسم كقولن**ا زي**د منطل**ق فليس في الدنيا خبر يعرف من غير هذا السبيل وبغير هذا ال**دليل وه**و شيء يعرفه العقالء في كل جيل وأمة وحكم يج**ري علي**ه األم**ر في كل لسان ولغة وإذ قد عرفت أنه ال يتصور الخبر إال فيما بين شيئين مخبر به ومخ**بر عن**ه فينبغي أن يعلم أن**ه يحت**اج من بع**د هذين إلى ثالث وذلك أنه كما ال يتصور أن يكون هاهنا خ**بر ح**تى يكون مخبر به ومخبر عن**ه ك**ذلك ال يتص**ور أن يك**ون خ**بر ح**تى يكون له مخبر يصدر عنه ويحصل من جهته ويكون له نس**بة إلي**ه

وتعود التبعة فيه عليه فيكون هو الموصوف بالصدق إن كان ص**دقا وبالك**ذب إن ك**ان ك**ذبا أفال ت**رى أن من المعلوم أنه ال يكون إثبات ونفي ح**تى يك**ون مثبت ون**اف يك**ون مصدرهما من جهته ويكون هو الم**زجي لهم**ا والم**برم والن**اقض فيهم**ا ويك**ون بهم*ا موافق**ا ومخالف**ا ومص**يبا ومخطئ**ا ومحس**نا ومس**يئا وجمل**ة األم**ر أن الخ**بر وجمي**ع الكالم مع**ان ينش**ئها اإلنسان في نفسه ويصرفها في فكره ويناجي به**ا قلب**ه ويراج**ع فيها عقله وتوصف بأنها مقاصد وأغ**راض وأعظمه**ا ش**أنا الخ**بر فهو الذي يتصور بالص**ور الكث**يرة وتق**ع في**ه الص**ناعات العجيب**ة وفيه يكون في األم**ر األعم المزاي**ا ال**تي به**ا يق**ع التفاض**ل في الفصاحة كما شرحنا فيما تقدم ونشرحه فيم**ا نق**ول من بع**د إن شاء الله تعالى واعلم أن**ك إذا فتش**ت أص**حاب اللف**ظ عم**ا في

Page 251: دلائل الإعجاز للجرجاني

نفوس**هم وج**دتهم ق**د توهم**وا في الخ**بر أن**ه ص**فة للف**ظ وأن المع**نى في كون**ه إثبات**ا أن**ه لف**ظ ي**دل على وج**ود المع**نى من الشيء أو فيه وفي كونه نفيا أنه لفظ ي**دل على عدم**ه وانتفائ**ه عن الشيء وهو شيء ق**د ل**زمهم وس**رى في ع**روقهم وام**تزج بطب**اعهم ح**تى ص**ار الظن ب**أكثرهم أن الق**ول ال ينج**ع فيهم والدليل على بطالن ما اعتقدوه أن**ه مح**ال أن يك**ون اللف**ظ ق**د نصب دليال على شيء ثم ال يحصل منه العلم ب**ذلك الش**يء إذ ال معنى لكون الشيء دليال إال إفادته إياك العلم بما هو دلي**ل علي**ه وإذا كان هذا كذلك علم منه أن ليس األمر على ما قالوه من أن المعنى في وصفنا اللفظ بأن**ه خ**بر أن**ه ق**د وض**ع ألن ي**دل على وجود المعنى أو عدمه ألنه لو ك**ان ك**ذلك لك**ان ينبغي أن ال يق**ع من سامع شك في خبر يسمعه وأن ال تسمع الرج**ل يثبت وينفي إال علمت وجود ما أثبت وانتفاء م**ا نفى وذل**ك مم**ا ال يش**ك في بطالنه وإذا لم يكن ذلك مما يش**ك في بطالن**ه وجب أن يعلم أن م**دلول اللف**ظ ليس ه**و وج**ود المع**نى أو عدم**ه ولكن الحكم بوج**ود المع**نى أو عدم**ه وأن ذل**ك أي الحكم بوج**ود المع**نى أو عدمه حقيقة الخبر إال أنه إذا كان بوج**ود المع**نى من الش**يء أو في**ه يس**مى إثبات**ا وإذا ك**ان بع*دم المع*نى وانتفائ**ه عن الش*يء يسمى نفيا ومن الدليل على فساد ما زعموه أنه ل**و ك**ان مع**نى اإلثبات الداللة على وج**ود المع**نى وإعالم**ه الس**امع أيض**ا لك**ان ينبغي إذا قال واحد زيد عالم وقال آخر زيد ليس بعالم أن يك**ون قد دل هذا على وجود العلم وه**ذا على عدم**ه وإذا ق**ال الموح**د العالم محدث وقال الملح**د ه**و ق**ديم أن يك**ون ق**د دل الموح**د

على حدوثه والملحد على قدمه وذلك ما ال يقوله عاقل تقرير لذلك بعبارة أخ**رى ال يتص**ور أن تفتق**ر المع**اني الم**دلول عليها بالجمل المؤلفة إلى دليل يدل عليها زائد على اللفظ كي**ف وقد أجمع العقالء على أن العلم بمقاص**د الن**اس في مح**اوراتهم علم ضرورة ومن ذهب مذهبا يقتض**ي أن ال يك**ون الخ**بر مع**نى في نفس المتكلم ولكن يكون وصفا للفظ من أج**ل داللت**ه على وجود المعنى من الشيء أو في**ه أو انتف*اء وج*وده عن**ه ك**ان ق*د نقض منه األصل الذي قدمناه من حيث يك**ون ق**د جع**ل المع**نى المدلول عليه باللفظ ال يعرف إال بدليل سوى اللف**ظ ذاك ألن**ا ال

وانتفاء المنفي باللف**ظ ولكن**ا نعلم**ه نعرف وجود المعنى المثبت

Page 252: دلائل الإعجاز للجرجاني

ب**دليل يق**وم لن**ا زائ**د على اللف**ظ وم**ا من عاق**ل إال وه**و يعلم ببديه**ة النظ**ر أن المعل**وم بغ**ير اللف**ظ ال يك**ون م**دلول اللف**ظ طريقة أخرى الداللة على الشيء هي ال محال**ة إعالم**ك الس**امع إياه وليس بدليل ما أنت ال تعلم به مدلوال علي**ه وإذا ك**ان ك**ذلك وكان مما يعلم ببدائه المعقول أن الناس إنما يكلم بعضهم بعض**ا ليع**رف الس**امع غ**رض المتكلم ومق**وده فينبغي أن ينظ**ر إلى مقص*ود المخ*بر من خ*بره وم*ا ه**و أه**و أن يعلم الس*امع وج*ود المخبر من المخبر عن**ه أم أن يعلم**ه إثب**ات المع**نى المخ**بر ب**ه للمخبر عنه فإن قيل إن المقصود إعالمه الس**امع وج*ود المع**نى من المخ**بر عن**ه ف**إذا ق**ال ض**رب زي**د ك**ان مقص**وده أن يعلم السامع وجود الضرب من زيد وليس اإلثب**ات إال إعالم**ه الس**امع وجود المعنى قيل له فالكافر إذا أثبت مع الله تع**الى عم**ا يق**ول الظالمون إلها آخر يكون قاصدا أن يعلم نعوذ بالله تعالى أن م**ع الله تعالى إلها آخر تعالى الل**ه عن ذل**ك عل**وا كب**يرا وكفى به**ذا فضيحة وجملة األمر أنه ينبغي أن يقال لهم أتشكون في أنه ال بد من أن يكون لخبر المخبر معنى يعلمه السامع علما ال يكون معه شك ويكون ذلك معنى اللفظ وحقيقته ف**إذا ق**الوا ال نش**ك قي**ل لهم فما ذلك المعنى فإن قالوا هو وجود المع**نى المخ**بر ب**ه من المخبر عنه أو فيه إذا كان الخبر إثباتا وانتفاؤه عنه إذا ك**ان نفي**ا لم يمكنهم أن يقولوا ذلك إال من بعد أن يكابروا في**دعوا أنهم إذا سمعوا الرجل يقول خ**رج زي**د علم**وا علم**ا ال ش**ك مع**ه وج**ود الخروج من زيد وكيف يدعون ذلك وهو يقتض**ي أن يك**ون الخ**بر على وفق المخبر عنه أب**دا وأن ال يج*وز في**ه أن يق**ع على خالف المخبر عنه وأن يكون العقالء ق**د غلط**وا حين جعل**وا من خ**اص وصفه أن**ه يحتم*ل الص**دق والك*ذب وأن يك*ون ال**ذي ق**الوه في

أخبار اآلحاد وأخبار التواتر من أن العلم يقع ب**التواتر دون اآلح**اد س**هوا منهم ويقتضي الغنى عن المعجزة ألنه إنما اح**تيج إليه**ا ليحص**ل العلم بكون الخ*بر على وف**ق المخ*بر عن**ه ف**إذا ك**ان ال يك*ون إال على وفق المخبر عنه لم تقع الحاجة إلى دليل يدل على كون**ه ك**ذلك فاعرفه واعلم أنه إنما لزمهم ما قلناه من أن يك**ون الخ**بر على وفق المخبر عنه أبدا من حيث إنه إذا ك**ان مع**نى الخ**بر عن**دهم إذا كان إثباتا أنه لفظ موضوع ليدل على وجود المعنى المخبر به

Page 253: دلائل الإعجاز للجرجاني

من المخبر عنه أو فيه وجب أن يكون كذلك أبدا وأن ال يص**ح أن يقال ضرب زيد إال إذا كان الضرب قد وجد من زيد وك**ذلك يجب في النفي أن ال يصح أن يقال ما ضرب زي**د إال إذا ك**ان الض**رب لم يوجد منه ألن تجويز أن يقال ضرب زيد من غير أن يكون ق**د كان منه ضرب وأن يق**ال م**ا ض**رب زي**د وق**د ك**ان من**ه ض**رب يوجب على أصلهم إخالء اللفظ من معناه الذي وضع لي**دل علي**ه وذل**ك م**ا ال يش**ك في فس*اده وال يلزمن**ا على أص**لنا ألن مع*نى اللفظ عندنا هو الحكم بوجود المخبر به من المخ**بر عن**ه أو في**ه إذا كان الخبر إثباتا والحكم بعدمه إذا ك**ان نفي**ا واللف**ظ عن**دنا ال ينفك من ذلك وال يخلو منه وذلك ألن قولنا ضرب وما ضرب يدل من قول الكاذب على نفس ما يدل علي**ه من ق**ول الص**ادق ألن**ا إن لم نقل ذلك لم يخ**ل من أن ي**زعم أن الك**اذب يخلي اللف**ظ من المع**نى أو ي**زعم أن**ه يجع**ل للف**ظ مع**نى غ**ير م**ا وض**ع لهوكالهما باطل ومعل**وم أن**ه ال ي**زال ي**دور في كالم العقالء في وصف الك**اذب أن**ه يثبت م**ا ليس بث**ابت وينفي م**ا ليس بمنت**ف والقول بما قالوه ي**ؤدي إلى أن يك**ون العقالء ق**د ق**الوا المح**ال من حيث يجب على أصلهم أن يكونوا قد ق**الوا إن الك**اذب ي**دل على وجود ما ليس بموجود وعلى ع**دم م**ا ليس بمع**دوم وكفى بهذا تهافتا وخطال ودخوال في اللغو من القول وإذا اعتبرن**ا أص**لنا ك**ان تفس**يره أن الك**اذب يحكم ب**الوجود فيم**ا ليس بموج**ود وبالعدم فيما ليس بمعدوم وهو أسد كالم وأحس**نه وال**دليل على أن اللفظ من قول الكاذب يدل على نفس ما يدل عليه من قول الص**ادق إنهم جعل**وا خ**اص وص**ف الخ**بر أن**ه يحتم**ل الص**دق والكذب فلوال أن حقيقته فيهما حقيقة واحدة لما كان لحدهم هذا مع**نى وال يج**وز أن يق**ال إن الك**اذب ي**أتي بالعب**ارة على خالف المعبر عنه ألن ذل**ك إنم*ا يق*ال فيمن أراد ش**يئا ثم أتى بلف**ظ ال يصلح للذي أراد وال يمكننا أن نزعم في الكاذب أنه أراد أم**را ثم

أتى بعبارة ال تصلح لما أراد ومما ينبغي أن يحصل في هذا الباب أنهم قد أصلوا في المفعول وكل ما زاد على جزءي الجملة أن يكون زي**ادة في الفائ**دة وق**د يخيل إلى من ينظر إلى ظاهر ه**ذا من كالمهم أنهم أرادوا ب**ذلك

أخرى وينبني علي**ه أنك تضم بما تزيده على جزءي الجملة فائدة أن ينقطع عن الجملة حتى يتصور أن يكون فائدة على حدة وه**و

Page 254: دلائل الإعجاز للجرجاني

ما ال يعقل إذ ال يتصور في زيد من قولك ض**ربت زي**دا أن يك**ون شيئا برأسه حتى يكون بتعديتك ض**ربت إلي**ه ق**د ض**ممت فائ**دة إلى أخرى وإذا كان ذل**ك وجب أن يعلم أن الحقيق**ة في ه**ذا أن الكالم يخرج بذكر المفعول إلى معنى غ**ير ال**ذي ك**ان وأن وزان الفعل قد عدي إلى مفعول مع**ه وق**د أطل**ق فلم يقص**د ب**ه إلى مفعول دون مفعول وزان االس**م المخص**ص بالص**فة م**ع االس**م الم**تروك على ش**ياعه كقول**ك ج**اءني رج**ل ظري**ف م**ع قول**ك جاءني رجل في أنك لست في ذلك كمن يضم مع**نى إلى مع**نى

كمن يريد هاهن**ا ش**يئا وهن**اك ش**يئا آخ*ر وفائدة إلى فائدة ولكن فإذا قلت ضربت زيدا كان المعنى غيره إذا قلت ضربت ولم ت**زد زيدا وهكذا يكون األمر أبدا كلم**ا زدت ش**يئا وج**دت المع**نى ق**د صار غير الذي كان ومن أجل ذلك صلح المجازاة بالفع**ل الواح**د إذا أتى ب**ه مطلق**ا في الش**رط ومع**دى إلى ش**يء في الج**زاء كقوله تعالى إن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم وقول**ه ع**ز وج*ل وإذا بطشتم بطشتم جب**ارين م*ع العلم ب*أن الش*رط ينبغي أن يك*ون غير الجزاء من حيث كان الشرط سببا والجزاء مسببا وأنه محال أن يك**ون الش**يء س**ببا لنفس**ه فل**وال أن المع**نى في أحس**نتم الثانية غير المعنى في األولى وأنها في حكم فعل ث**ان لم**ا س**اغ ذلك كما ال يس**وغ أن تق**ول إن قمت قمت وإن خ**رجت خ**رجت ومثله من الكالم قول**ه الم**رء بأص**غريه إن ق**ال ق**ال ببي**ان وإن صال صال بجنان ويجري ذلك في الفعلين ق**د ع**ديا جميع**اإال أن الثاني منهما قد تعدى إلى شيء زائ**د على م**ا تع**دى إلي**ه األول ومثاله قولك إن أتاك زيد أتاك لحاجة وهو أصل كبير واألدلة على ذلك كثيرة ومن أوالها بأن يحفظ أنك ترى ال**بيت ق**د استحس**نه

الناس وقضوا لقائله بالفضل فيه وبأنه الذي غاص على معناه بفكره وأنه أبو عذره ثم ال ترى الحسن وتلك الغرابة كان**ا إال لم**ا بناه على الجملة دون نفس الجمل**ة ومث**ال ذل**ك ق**ول الف**رزدق الطويل وما حملت أم امرىء في ضلوعها أعق من الجاني عليها هجائيا فلوال أن معنى الجملة يصير بالبناء عليها ش**يئا غ**ير ال**ذي كان ويتغير في ذاته لكان محاال أن يك**ون ال**بيت بحيث ت**راه من الحسن والمزية وأن يكون معناه خاصا بالفرزدق وأن يقض**ي ل**ه بالسبق إليه إذ ليس في الجملة التي بني عليها م**ا ي**وجب ش**يئا من ذل**ك فاعرف**ه والنكت**ة ال**تي يجب أن ت**راعى في ه**ذا أن**ه ال

Page 255: دلائل الإعجاز للجرجاني

تتبين لك صورة المع**نى ال**ذي ه**و مع**نى الف**رزدق إال عن**د آخ**ر حرف من البيت حتى إن قطعت عنه قوله هجائيا ب**ل الي**اء ال**تي هي ضمير الفرزدق لم يكن الذي تعقله منه مم**ا أراده الف**رزدق بسبيل ألن غرضه تهويل أمر هجائه والتحذير منه وأن من ع**رض أمه له كان قد عرضها ألعظم م**ا يك**ون من الش**ر وك**ذلك حكم نظائره من الشعر فإذا نظرت إلى قول القط**امي البس**يط فهن ينب**ذن من ق**ول يص**بن ب**ه مواق**ع الم**اء من ذي الغل**ة الص**ادي وجدتك ال تحصل على مع**نى يص**ح أن يق**ال إن**ه غ**رض الش**اعر ومعناه إال عند قوله ذي الغلة ويزي**دك استبص**ارا فيم**ا قلن**اه أن تنظ**ر فيم**ا ك**ان من الش**عر جمال ق**د عط**ف بعض**ها على بعض بالواو كقوله الكامل النشر مسك والوجوه دنانير وأطراف األكف عنم وذلك أنك ترى الذي تعقله من قول**ه النش**ر مس**ك ال يص**ير

شيئا غير ال**ذي ك**ان ب**ل ت**راه بانضمام قوله والوجوه دنانير إليه باقيا على حاله كذلك ترى ما تعق**ل من قول**ه والوج**وه دن**انير ال

يلحقه تغير بانضمام قوله وأطراف األكف عنم إليه وإذ قد عرفت ما قررناه من أن من شأن الجملة أن يصير معناها بالبناء عليها شيئا غير الذي كان وأنه يتغير في ذاته فاعلم أن م**ا كان من الشعر مث**ل بيت بش**ار الطوي**ل ك**أن مث**ار النق**ع ف**وق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه وقول امرىء القيس الطويل كأن قل**وب الط**ير رطب**ا ويابس**ا ل**دى وكره**ا العن**اب والحش**ف البالي وقول زياد الطويل وإنا وم**ا تلقي لن**ا إن هجوتن**ا لك**البحر مهما يلق في البحر يغرق كان له مزية على قول الف**رزدق فيم**ا ذكرنا ألنك تجد في صدر بيت الفرزدق جملة تؤدي معنى وإن لم يكن معنى يصح أن يقال إنه مع**نى فالن وال تج**د في ص**در ه**ذه األبيات ما يصح أن يع**د جمل**ة ت**ؤدي مع**نى فض**ال عن أن ت**ؤدي معنى يقال إن**ه مع**نى فالن ذاك ألن قول**ه ك**أن مث**ار النق**ع إلى وأسيافنا جزء واحد وليل تهاوى كواكبه بجملته الجزء الذي م**ا لم ت**أت ب**ه لم تكن ق**د أتيت بكالم وهك**ذا س**بيل البي**تين األخ**يرين فقوله كأن قلوب الط**ير رطب**ا ويابس**ا ل**دى وكره**ا ج*زء وقول**ه العناب والحشف البالي الجزء الثاني وقوله وإنا وما تلقي لن**ا إن هجوتنا جزء وقوله لك**البحر الج**زء الث**اني وقول**ه مهم**ا تل**ق في البحر يغرق وإن كان جملة مستأنفة ليس له**ا في الظ**اهر تعل**ق بقوله لكالبحر فإنها لما ك**انت مبين**ة لح**ال ه**ذا التش**بيه ص**ارت

Page 256: دلائل الإعجاز للجرجاني

كأنها متعلقة بهذا التشبيه وجرى مجرى أن تقول لكالبحر في أنهال يلقى فيه شيء إال غرق

فصل في األلفاظ المفردة والوض**ع والنظم وإذا ثبت أن الجمل**ة إذا بني عليها حصل منها ومن الذي بني عليه**ا في الكث**ير مع**نى يجب في**ه أن ينس**ب إلى واح**د مخص**وص ف**إن ذل**ك يقتض**ي ال محالة أن يكون الخبر في نفسه معنى هو غير المخبر به والمخبر عنه ذاك لعلمنا باستحالة أن يكون للمعنى المخ*بر ب**ه نس**بة إلى المخ**بر وأن يك**ون المس**تنبط والمس**تخرج والمس**تعان على تصويره بالفكر فليس يشك عاقل أنه محال أن يكون للحمل في قوله وما حملت أم امرىء في ضلوعها نس**بة إلى الف**رزدق وأن يكون الفكر منه كان فيه نفسه وأن يكون معن**اه ال**ذي قي**ل إن**ه استنبطه واستخرجه وغاص عليه وهكذا السبيل أبدا ال يتص**ور أن يكون للمعنى المخبر به نسبة إلى الشاعر وأن يبلغ من أم**ره أن يصير خاص**ا ب**ه فاعرف**ه ومن ال**دليل الق**اطع في**ه م**ا يبن**اه في الكناي**ة واالس**تعارة والتمثي**ل وش**رحناه من أن من ش**أن ه**ذه األجن**اس أن ت**وجب الحس**ن والمزي**ة وأن المع**اني تتص**ور من أجلها بالصور المختلفة وأن العلم بإيجابها ذلك ث**ابت في العق**ول ومركوز في غرائز النفوس وبينا كذلك أنه محال أن تكون المزايا التي تحدث بها حادث**ة في المع**نى المخ**بر ب**ه المثبت أو المنفي لعلمنا باستحالة أن تكون المزية ال**تي تج**دها لقولن**ا ه**و طوي**ل النجاد علىقولنا طويل القامة في الطول والتي تجدها لقولن**ا ه**و كثير رماد القدر على قولنا ه**و كث**ير الق**رى والض**يفاة في ك**ثرة القرى وإذا كان ذلك محاال ثبت أن المزي**ة والحس**ن يكون**ان في إثبات ما يراد أن يوصف ب**ه الم**ذكور واإلخب**ار ب**ه عن**ه وإذا ثبت ذلك ثبت أن اإلثبات معنى ألن حصول المزية والحسن فيما ليس

بمعنى محال اعتم*ادي اعلم أن بسم الل**ه ال**رحمن ال**رحيم وب**ه ثق**تي وعلي**ه

هاهنا أصال أنت ترى الناس فيه في صورة من يع**رف من ج**انب وينكر من آخر وهو أن األلفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توض**ع لتع**رف معانيه**ا في أنفس**ها ولكن ألن يض**م بعض**ها إلى بعض فيعرف فيما بينه**ا فوائ**د وه**ذا علم ش**ريف وأص**ل عظيم والدليل على ذلك أنا إن زعمنا أن األلفاظ التي هي أوضاع اللغ*ة إنما وضعت ليعرف بها معانيه**ا في أنفس**ها ألدى ذل**ك إلى م**ا ال

Page 257: دلائل الإعجاز للجرجاني

يشك عاقل في اس**تحالته وه**و أن يكون**وا ق**د وض**عوا لألجن**اس األسماء التي وضعوها لها لتعرفها بها ح**تى ك**أنهم ل**و لم يكون**وا قالوا رجل وفرس ودار لما كان يكون لنا علم بمعانيها وح**تى ل**و لم يكونوا قالوا فعل ويفعل لما كنا نعرف الخ**بر في نفس**ه ومن أصله ولو لم يكونوا قد قالوا افعل لما كنا نعرف األمر من أص**له وال نجده في نفوسنا وحتى لو لم يكونوا قد وضعوا الحروف لكن**ا نجه**ل معانيه**ا فال نعق**ل نفي**ا وال نهي**ا وال اس**تفهاما وال اس**تثناء وكيف والمواضعة ال تكون وال تتص**ور إال على معل**وم فمح**ال أن يوضع اسم أو غير اس**م لغ**ير معل**وم وألن المواض**عة كاإلش**ارة فكما أنك إذا قلت خذ ذاك لم تكن هذه اإلشارة لتع**رف الس**امع المشار إليه في نفس**ه ولكن ليعلم أن**ه المقص**ود من بين س**ائر األشياء التي تراها وتبصرها ك**ذلك حكم اللف**ظ م**ع م**ا وض**ع ل**ه ومن ه**ذا ال*ذي يش*ك أن**ا لم نع*رف الرج*ل والف*رس والض*رب والقت**ل إال من أس**اميها ل**و ك**ان ل**ذلك مس**اغ في العق**ل لك**ان ينبغي إذا قيل زي*د أن تع*رف المس*مى به**ذا االس*م من غ*ير أن تكون قد شاهدته أو ذكر لك بص**فة وإذا قلن**ا في العلم واللغ**ات من مبتدأ األمر إنه كان إلهاما فإن اإللهام في ذلك إنما يكون بين شيئين يكون أحدهما مثبتا واآلخر مثبتا له أو يكون أح**دهما منفي**ا

واآلخر منفيا عنه وأنه ال يتصور مثبت من غير مثبت له ومنفي من غ**ير منفي عنه فلما كان األمر كذلك أوجب ذلك أن ال يعق**ل إال من مجم**وع جملة فعل واسم كقولنا خرج زيد أو اسم واسم كقولنا زيد خارج فما عقلناه منه وهو نسبة الخ**روج إلى زي**د ال يرج**ع إلى مع**اني اللغات ولكن إلى كون ألفاظ اللغات سمات لذلك المعنى وكونها مرادة بها أفال ترى إلى قول**ه تع**الى وعلم آدم األس**ماء كله**ا ثم عرض**هم على المالئك**ة فق**ال أن**بئوني بأس**ماء ه**ؤالء إن كنتم ص**ادقين أف**ترى أن**ه قي**ل لهم أن**بئوني بأس**ماء ه**ؤالء وهم ال يعرفون المشار إليهم بهؤالء ثم إنا إذا نظرن**ا في المع**اني ال**تي يصفها العقالء بأنها معان مستنبطة ولطائف مستخرجة ويجعلون لها اختصاصا بقائل دون قائل كمثل قولهم في مع*ان من الش*عر إنه معنى لم يسبق إليه فالن وإنه الذي فطن له واستخرجه وإنه الذي غاص عليه بفكره وإنه أبو عذره لم تج**د تل**ك المع**اني في األمر األعم شيئا غير الخبر الذي هو إثبات المعنى للشيء ونفي**ه

Page 258: دلائل الإعجاز للجرجاني

عنه يدلك على ذلك أنا ال ننظ**ر إلى ش**يء من المع**اني الغريب**ة ال**تي تختص بقائ**ل دون قائ**ل إال وج**دت األص**ل في**ه واألس**اس اإلثبات والنفي وإن أردت في ذلك مثاال فانظر إلى يبت الفرزدق الطويل وما حملت أم امرىء في ضلوعها أعق من الجاني عليها هجائيا فإنك إذا نظرت لم تشك في األص**ل واألس**اس ه**و قول**ه وما حملت أم امرىء وأن م**ا ج**اوز ذل**ك من الكلم**ات إلى آخ**ر البيت مستند إليه ومبني عليه وأنك إن رفعته لم تجد لشيء منها بيانا وال رأيت لذكرها معنى بل ترى ذكرك له**ا إن ذكرته**ا ه**ذيانا والسبب الذي من أجله كان كذلك أن من حكم كل ما عدا جزءي الجملة الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر أن يكون تحقيق**ا للمع**نى المثبت والمنفي فقول**ه في ض**لوعها يفي**د أوال أن**ه لم ي**رد نفي الحمل على اإلطالق ولكن الحمل في الضلوع وقول**ه أع**ق يفي**د أنه لم ي**رد ه**ذا الحم*ل ال**ذي ه**و حم*ل في الض*لوع أيض*ا على اإلطالق ولكن حمال في الضلوع محموله أع**ق من الج**اني عليه**ا هجاءه وإذا كان ذلك كله تخصيصا للحمل لم يتصور أن يعقل من دون أن يعقل نفي الحمل ألنه ال يتصور تخصيص شيء لم ي**دخل

إثبات وال ما ك**ان في س**بيلهما من األم**ر ب**ه والنهي في نفي والعنه واالستخبار عنه

وإذ قد ثبت أن الخبر وسائر معاني الكالم معان ينش**ئها اإلنس**ان في نفسه ويصرفها في فكره ويناجي بها قلب**ه ويراج*ع فيه**ا لب**ه فاعلم أن الفائدة في العلم بها واقعة من المنش**ىء له**ا ص**ادرة عن القاصد إليها وإذا قلت في الفعل إنه موض**وع للخ**بر لم يكن المعنى فيه أن**ه موض**وع ألن يعلم ب**ه الخ**بر في نفس**ه وجنس**ه ومن أصله وما هو ولكن المعنى أنه موضوع حتى إذا ضممته إلى اسم عقل منه ومن االسم أن الحكم بالمعنى ال**ذي اش**تق ذل**ك

الفعل منه على مسمى ذلك االسم واقع منك أيها المتكلم بسم الله الرحمن الرحيم نماذج تحليلية ألهمي**ة النظم أعلم أن**ك لن ترى عجبا أعجب من الذي عليه الناس في أم**ر النظم وذل**ك أنه ما من أحد له أدنى معرفة إال وهو يعلم أن هاهنا نظما أحسن من نظم ثم تراهم إذا أنت أردت أن تبصرهم ذل**ك تس**در أعينهم وتضل عنهم أفهامهم وسبب ذلك أنهم أول شيء عدموا العلم به نفسه من حيث حسبوه ش*يئا غ*ير ت*وخي مع*اني النح*و وجعل*وه يكون في األلفاظ دون المع**اني ف**أنت تلقى الجه**د ح**تى تميلهم

Page 259: دلائل الإعجاز للجرجاني

عن رأيهم ألنك تعالج مرضا مزمنا وداء متمكنا ثم إذا أنت ق**دتهم بالخزائم إلى االعتراف بأن ال معنى له غ*ير ت*وخي مع*اني النح*و عرض لهم من بعد خاطر يدهشهم حتى يكادوا يعودون إلى رأس أمرهم وذلك أنهم يروننا ن**دعي المزي**ة والحس**ن لنظم كالم من غير أن يك**ون في**ه من مع**اني النح**و ش**يء يتص**ور أن يتفاض**ل الناس في العلم به ويروننا ال نس**تطيع أن نض**ع الي**د من مع**اني النح**و ووجوه**ه على ش**يء ن**زعم أن من ش**أن ه**ذا أن ي**وجب المزية لكل كالم يكون فيه بل يروننا ندعي المزية لكل ما ندعيها له من معاني النحو ووجوهه وفروقه في موضع دون موضع وفي كالم دون كالم وفي األقل دون األكثر وفي الواحد من األلف فإذا رأوا األم*ر ك*ذلك دخلتهم الش*بهة وق*الوا كي**ف يص*ير المع*روف مجهوال ومن أين يتصور أن يكون للشيء في كالم مزية عليه في كالم آخر بع**د أن تك**ون حقيقت**ه فيهم**ا حقيق**ة واح**دة ف**إذا رأوا التنكير يكون فيما ال يحصى من المواضع ثم ال يقتض**ي فض**ال وال ي*وجب مزي*ة اتهمون*ا في دعوان*ا من ادعين**اه لتنك*ير الحي**اة في قوله تعالى ولكم في القصاص حياة من أن له حسنا ومزي**ة وأن في**ه بالغ**ة عجيب**ة وظن**وه وهم**ا من**ا وتخيال ولس**نا نس**تطيع في

كشف الشبهة في هذا عنهم وتصوير الذي هو الحق عندهم ما استطعناه في نفس النظم ألن**ا ملكنا في ذلك أن نضطرهم إلى أن يعلموا صحة ما نق**ول وليس األم**ر في ه**ذا ك**ذلك فليس ال**داء في**ه ب**الهين وال ه**و بحيث إذا رمت العالج منه وجدت اإلمكان فيه مع كل أحد مسعفا والس**عي منجح**ا ألن المزاي**ا ال**تي تحت**اج أن تعلمهم مكانه**ا وتص**ور لهم شأنها أمور خفية ومعان روحانية أنت ال تستطيع أن تنبه الس**امع لها وتحدث له علم**ا به**ا ح**تى يك**ون مهي**أ إلدراكه**ا وتك**ون في**ه طبيعة قابل**ة له**ا ويك*ون ل**ه ذوق وقريح**ة يج*د لهم*ا في نفس**ه إحساسا ب**أن من ش**أن ه**ذه الوج**وه والف**روق أن تع**رض فيه**ا المزية على الجمل**ة وممن إذا تص**فح الكالم وت**دبر الش**عر ف**رق بين موقع شيء منها وشيء وممن إذا أنشدته قول**ه الس**ريع لي منك ما للناس كلهم نظر وتس**ليم على الط**رق وق**ول البح**تري الكامل وسأستقل لك الدموع صبابة ولو أن دجلة لي عليك دموع وقوله الطويل رأت مكنات الشيب فابتسمت لها وقالت نجوم لو طلعن بأسعد وقول أبي نواس البسيط ركب تساقوا على األكوار

Page 260: دلائل الإعجاز للجرجاني

بينهم ك**أس الك**رى فانتش**ى المس**قي والس**اقي ك**أن أعن**اقهموالنوم واضعها على المناكب لم تعمد بأعناق

وقول**ه الكام**ل ي**ا ص**احبي عص**يت مص**طبحا وغ**دوت للل**ذات مطرحا فتزودا مني محادثة حذر العص*ا لم يب**ق لي مرح*ا وق*ول إسماعيل بن يس**ار الس**ريع ح**تى إذا الص**بح ب**دا ض**وؤه وغ**ابت الجوزاء والمرزم خرجت وال**وطء خفي كم**ا ينس**اب من مكمن**ه األرقم أنق لها وأخذته أريحية عندها وعرف لطف موق**ع الح**ذف

الط**رق وم**ا في ق**ول والتنك**ير في قول**ه نظ**ر وتس**ليم على البح**تري لي علي**ك دم**وع من ش**به الس**حر وأن ذل**ك من أج**ل تقديم لي على عليك ثم تنكير الدموع وعرف كذلك شرف قول**ه وقالت نجوم لو طلعن بأسعد وعلو طبقت**ه ودق**ة ص**نيعته والبالء والداء العياء أن هذا اإلحساس قليل في الناس ح**تى إن**ه ليك**ون أن يقع للرجل الشيء من هذه الفروق والوجوه في شعر يقول**ه أو رسالة يكتبها الموقع الحس**ن ثم ال يعلم أن**ه ق**د أحس**ن فأم**ا الجهل بمكان اإلساءة فال تعدمه فلست تملك إذا من أمرك شيئا حتى تظفر بمن له طبع إذا قدحته ورى وقلب إذا أريته رأى فأم**ا وصاحبك من ال يرى ما تريه وال يهتدي للذي تهديه فأنت رام معه في غير مرمى ومعن نفسك في غير جدوى وكما ال تقيم الش**عر في نفس من ال ذوق له ك**ذلك ال تفهم ه**ذا الش**أن من لم ي**ؤت

اآلية التي بها يفهم إال أنه إنما يكون البالء إذا ظن العادم لها أنه أوتيها وأنه ممن يكمل للحكم ويصح منه القضاء فجعل يق**ول القول لو علم غي**ه الس**تحيا من**ه فأم**ا ال**ذين يحس ب**النقص من نفسه ويعلم أنه قد علم علما قد أوتيه من سواه ف**أنت من**ه في راحة وهو رجل عاقل قد حماه عقله أن يعدو ط**وره وأن يتكل**ف م**ا ليس بأه**ل ب**ه وإذا ك**انت العل**وم ال**تي له**ا أص**ول معروف**ة وقوانين مضبوطة قد اشترك الن**اس في العلم به**ا واتفق**وا على أن البن**اء عليه**ا إذا أخط**أ في**ه المخطىء ثم أعجب برأي**ه لم يستطع رده عن هواه وصرفه عن الرأي الذي رآه إال بع**د الجه**د وإال بعد أن يكون حصيفا عاقال ثبتا إذا نبه انتبه وإذا قيل إن عليك بقية من النظر وقف وأصغى وخش**ي أن يك**ون ق**د غ**ر فاحت**اط باستماع ما يقال له وأنف من أن يلج من غير بين**ة ويتطي**ل بغ*ير حجة وكان من هذا وصفه يعز ويقل فكي**ف ب**أن ت**رد الن**اس عن رأيهم في ه**ذا الش**أن وأص**لك ال**ذي ت**ردهم إلي**ه وتع**ول في

Page 261: دلائل الإعجاز للجرجاني

مح**اجتهم علي**ه استش**هاد الق**رائح وس**بر النف**وس وفليه**ا وم**ا يعرض فيها من األريحية عندما تسمع وك*ان ذل*ك ال*ذي يفتح ل*ك سمعهم ويكشف الغطاء عن أعينهم ويص**رف إلي**ك أوجههم وهم ال يض**عون أنفس**هم موض**ع من ي**رى ال**رأي ويف**تي ويقض**ي إال وعندهم أنهم ممن صفت قريحت**ه وص**ح ذوق**ه وتمت أدات**ه ف**إذا قلت لهم إنكم قد أتيتم من أنفسكم ردوا عليك مثله وقالوا ال بل قرائحنا اصح ونظرنا أصدق وحسنا أذكى وإنم**ا اآلف**ة فيكم ألنكم خيلتم إلى نفسكم أمورا ال حاصل لها وأوهمكم الهوى والميل أن توجبوا ألحد النظمين المتس**اويين فض**ال على اآلخ**ر من غ**ير أن يكون ذلك الفضل معقوال فتبقى في أيديهم حسيرا ال تمل**ك غ**ير التعجب فليس الكالم إذا بمغن عن**ك وال الق**ول بن**افع وال الحج*ة مسموعة حتى تجد من فيه عون لك على نفسه ومن أتى علي**ك أبى ذاك طبعه فرده إليك وفتح سمعه ل**ك ورف**ع الحج**اب بين**ك وبينه وأخذ به إلى حيث أنت وصرف ناظره إلى الجهة التي إليه**ا أومأت فاستبدل بالنفار أنسا واراك من بعد اإلباء قب**وال ولم يكن

األمر على هذه الجملة إال ألنه ليس في أصناف العلوم الخفية واألمور الغامضة الدقيق**ة أعجب طريقا في الخفاء من هذا وإنك لتتعب في الش**يء نفس**ك وتك**د فيه فكرك وتجهد فيه ك**ل جه**دك ح*تى إذا قلت ق**د قتلت**ه علم*ا وأحكمته فهما كنت الذي ال يزال يتراءى لك في**ه ش**بهة ويع**رض فيه شك كما قال أبو نواس الطويل أال ال أرى مث**ل ام**ترائي في رسم تغص به عيني ويلفظه وهمي أتت صور األشياء بيني وبين**ه فظ**ني كال ظن وعلمي كال علم وإن**ك لتنظ**ر في ال**بيت ده**را طويال وتفسره وال ترى أن فيه ش**يئا لم تعلم**ه ثم يب**دو ل**ك في**ه أمر خفي لم تكن قد علمته مثال ذلك بيت المتنبي الكامل عجب**ا له حفظ العنان بأنمل ما حفظها األشياء من عاداتها مضى ال**دهر الطويل ونحن نقرؤه فال ننكر منه شيئا وال يق*ع لن**ا أن في**ه خط**أ ثم بان بأخرة أنه قد أخطأ وذلك أنه كان ينبغي أن يقول ما حفظ األش**ياء من عاداته**ا فيض**يف المص**در إلى المفع**ول فال ي**ذكر الفاعل ذاك ألن المعنى على أنه ينفي الحف**ظ عن أنامل**ه جمل**ة

وإض**افته الحف**ظ إلى ض**ميرها وأنه يزعم أنه ال يكون منها أص**ال في قوله ما حفظها األشياء يقتضي أن يكون قد أثبت له**ا حفظ**ا ونظ**ير ه**ذا أن**ك تق**ول ليس الخ**روج في مث**ل ه**ذا ال**وقت من

Page 262: دلائل الإعجاز للجرجاني

عادتي وال تقول ليس خروجي في مث**ل ه**ذا ال**وقت من ع**ادتي وك**ذلك تق**ول ليس ذم الن**اس من ش**أني وال تق**ول ليس ذمي الناس من شأني ألن ذلك ي**وجب إثب**ات ال**ذم ووج**وده من**ك وال يصح قياس المصدر في هذا على الفع**ل أع**ني ال ينبغي أن يظن

أنه كما يجوز أن يقال ما من عادتها أن تحفظ األشياءكذلك ينبغي أن يجوز م**ا من عادته**ا حفظه**ا األش**ياء ذاك أن إض**افة المص**در إلى الفاع**ل يقتضي وجوده وأنه قد كان منه يبين ذلك أنك تقول أم**رت زي**دا بأن يخرج غدا وال تقول أمرته بخروجه غدا ومما فيه خطأ هو في الخفاء قوله البسيط وال تشك إلى خلق فتشمته ش**كوى الج**ريح إلى الغربان والرخم وذلك أنك إذا قلت ال تضجر ض**جر زي**د كنت قد جعلت زيدا يضجر ضربا من الضجر مثل أن تجعله يفرط في**ه أو يسرع إليه ه**ذا ه**و م**وجب الع**رف ثم إن لم تعت**بر خص**وص وصف فال أقل من أن تجعل الضجر على الجمل**ة من عادت**ه وأن تجعله قد كان منه وإذا كان كذلك اقتض**ى قول**ه ش**كوى الج**ريح إلى الغربان والرخم أن يكون هاهنا جريح قد عرف من حال**ه أن يكون له شكوى إلى الغربان والرخم وذلك مح**ال وإنم**ا العب**ارة

هذا أن يقال ال تشك إلى خلق فإنك إن فعلت ك**ان الصحيحة في مثل ذل**ك مث**ل أن تص**ور في وهم**ك أن بع**يرا دب**را كش**ف عن جرح**ه ثم ش**كاه إلى الغرب**ان وال**رخم ومن ذل**ك أن**ك ت**رى من العلماء من قد تأول في الشيء تأويال وقضى في**ه ب**أمر فتعتق**ده اتباع**ا وال ترت**اب أن**ه على م**ا قض**ى وت**أول وتبقى على ذل**ك االعتقاد الزمان الطويل ثم يل**وح ل**ك م**ا تعلم ب**ه أن األم**ر على خالف ما قدر ومثال ذلك أن أبا القاسم اآلمدي ذكر بيت البحتري البسيط فص**اغ م**ا ص**اغ من ت**بر ومن ورق وح**اك م**ا ح**اك من وشي وديباج ثم قال صوغ الغيث وحوك**ه للنب**ات ليس باس**تعارة

بل هو حقيقة ولذلك ال يقال كأنه صائغ وكذلك ال يقال هو حائك وكأنه حائك ق**ال هو صائغ وال

على أن لفظ حائك في غاية الركاكة إذا أخرج على ما أخرجه أبو تم**ام في قول**ه الطوي**ل إذا الغيث غ**ادى نس**جه خلت أن**ه خلت حقب ح**رس ل**ه وه**و حائ**ك ق**ال وه**ذا ق**بيح ج**دا وال**ذي قال**ه البحتري فحاك ما حاك حسن مس**تعمل والس**بب في ه**ذا ال**ذي قال**ه إن**ه ذهب إلى أن غ**رض أبي تم**ام أن يقص**د ب خلت إلى

Page 263: دلائل الإعجاز للجرجاني

الحوك وأنه أراد أن يقول خلت الغيث حائكا وذلك سهو منه ألن**ه لم يقصد ب خلت إلى ل**ك وإنم**ا قص**د أن يق**ول إن**ه يظه**ر في غداة يوم من حوك الغيث ونسجه بال**ذي ت**رى العي**ون من ب**دائع األنوار وغرائب األزهار ما يتوهم منه أن الغيث كان في فعل ذلك وفي نسجه وحوكه حقبا من ال**دهر فالحيلول**ة واقع**ة على ك**ون زمان الحوك حقبا ال على كون ما فعله الغيث حوكا فاعرفه ومما يدخل في ذلك ما حكي عن الصاحب من أنه قال كان األستاذ أبو الفضل يختار من شعر ابن الرومي وينقط علي**ه ق**ال ف**دفع إلي القصيدة التي أولها الطوي**ل أتحت ض**لوعي جم**رة تتوق**د وق**ال تأملها فتأملتها فكان قد ت**رك خ**ير بيت فيه**ا وه**و بجه**ل كجه**ل الس**يف والس**يف منتض**ى وحلم كحلم الس**يف والس**يف مغم**د فقلت لم ترك األستاذ هذا البيت فقال لعل القلم تجاوزه قال ثم رآني من بعد فاعتذر بعذر كان شرا من تركه قال إنما تركته ألنه

أعاد السيف أربع مرات قال الصاحب لو لم يعد أربع مرات فقال بجه**ل كجه**ل الس**يف وه**و منتضى وحلم كحلم السيف وهو مغمد لفسد ال**بيت واألم**ر كم**ا قال الصاحب والسبب في ذلك أنك إذا حدثت عن اس**م مض**اف ثم أردت أن تذكر المضاف إلي**ه ف**إن البالغ**ة تقتض**ي أن ت**ذكره باس**مه الظ**اهر وال تض**مره وتفس**ير ه**ذا أن ال**ذي ه**و الحس**ن الجميل أن تقول ج**اءني غالم زي**د وزي**د ويقبح أن تق**ول ج**اءني غالم زيد وهو ومن الشاهد في ذلك قول دعبل البس**يط أض**ياف عمران في خصب وفي سعة وفي حباء غير ممنوع وضيف عمرو وعمرو يسهران معا عمرو لبطنته والض**يف للج**وع وق**ول اآلخ**ر الطويل وإن طرة راقتك فانظر فربم*ا أم**ر م**ذاق الع*ود والع**ود أخضر وقول المتنبي الطويل بمن نضرب األمث**ال أم من نقيس**ه إليك وأهل الدهر دونك والدهر ليس بخفي على من ل**ه ذوق أن**ه لو أتى موضع الظاهر في ذلك كله بالضمير فقيل وض**يف عم**رو وهو يسهران معا وربما أمر مذاق العود وهو أخضر وأه**ل ال**دهر دونك وهو لعدم حسن ومزية ال خف**اء بأمرهم**ا ليس ألن الش**عر ينكسر ولكن تنكره النفس وق**د ي**رى في ب**ادىء ال**رأي أن ذل**ك من أجل اللبس وأنك إذا قلت ج**اءني غالم زي**د وه**و ك**ان ال**ذي يقع في نفس السامع أن الضمير للغالم وأن**ك على أن تجيء ل**ه

بخبر إال أنه ال

Page 264: دلائل الإعجاز للجرجاني

يستمر من حيث إنا نقول جاءني غلمان زيد وهو فتجد االس**تنكار ونبو النفس م**ع أن ال لبس مث**ل ال**ذي وج**دناه وإذا ك**ان ك**ذلك وجب أن يكون السبب غير ذلك والذي يوجبه التأمل أن ي**رد إلى األصل الذي ذكره الجاحظ من أن سائال سأل عن ق**ول قيس بن خارجة عندي قرى كل نازل ورضى كل ساخط وخطب**ة من ل**دن تطلع الشمس إلى أن تغرب آمر فيها بالتواص**ل وأنهى فيه**ا عن التقاطع فق**ال أليس األم**ر بالص**لة ه**و النهي عن التق**اطع ق**ال فقال أبو يعقوب أم**ا علمت أن الكناي**ة والتع**ريض ال يعمالن في العقول عمل اإلفصاح والتكشيفوذكرت هناك أن لهذا ال**ذي ذك**ر من أن للتصريح عمال ال يكون مثل ذلك العمل للكناية كان إلعادة اللفظ في قوله تعالى وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وقوله قل ه**و الل**ه أح**د الل**ه الص**مد عم**ل لواله**ا لم يكن وإذا ك**ان ه**ذا ثابت**ا معلوما فهو حكم مسألتنا ومن البين الجلي في هذا المعنى وه**و كبيت ابن الرومي سواء ألن**ه تش**بيه مثل**ه بيت الحماس**ة اله**زج شددنا شدة الليث غ**دا والليث غض**بان ومن الب**اب ق**ول النابغ*ة

الرجز نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر واإلقداما ال يخفى على من له ذوق حسن هذا اإلظه**ار وأن ل**ه موقع**ا في النفس وباعثا لألريحية ال يكون إذا قيل نفس عصام سودته شيء

منه البتة