1

2

قتل األرانب قصص قصيرة

جون ريفنسكروفت فاطمة ناعوت: ترجمة وتقديم

2005الطبعة األولى

2005حقوق النشر محفوظة لدار النشر شرقيات

دار شرقيات للنشر والتوزيع القاهرة- ش محمد صدقي، هدى شعراوي5

فاطمة ناعوت :الغالف

17642/2005رقم اإليداع

ISBN 977-283-206-2الترقيم الدولي

3

إهداء

لي هاإلى زوجتي آسترا ريفنسكروفت، امتنانا لدعم

إيمانها وها هدوإلى صديقتي فاطمة ناعوت، امتنانا لج

. الطيب بي

ريفنسكروفت. ج

4

مازن إلى

.نقطة النور األولى

ناعوت.ف

5

تصدير المؤلف

"ما يوحدنا أهم"

، الشهر الذي قام فيه 2005 يوليو 25أكتب هذه الكلمات يوم

. قنابل والمتفجرات للمرة األولـى الانتحاريون بضرب لندن ب العام في المملكة المتحدة في هذه اللحظة هو الحـدس الشعوربأن مثل تلك الهجمات سوف تحدث أكثر وأكثر بشكل متكرر

ي المستقبل، وثمة كالم كثير وجدل حول كيف يمكن السيطرة ف. والتعامل مع موقف يبدو جديدا كـل الجـدة علـى الـشعب

المواطن اإلنجليزي العادي يحاول أن يفهم ما الذي حدث كي يصبح العالم على هذه الصورة، ويسأل نفسه أسئلة لم يـسألها

.حقيقة من قبلر حواجز الدين والعرق، من أجل الحاجة إلى تواصل البشر عب

االلتقاء والسعي الحقيقي ليفهم بعضهم بعضا، لم يكـن ملحـا .وحتميا مثل اآلن

القصصي كل ألون الكتابة اإلبداعية في واقع –أؤمن أن السردالرغبـة فـي . هو باألساس معني بفكرة التواصـل –الحال

لمحثات األساسـية االتصال والتواصل مع اآلخرين هي أحد ا من أجـل ذلـك كنـت . التي تحرك حاجتي الخاصة للكتابة

مبتهجا للغاية حينما أخبرتني الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت عن عزمها على ترجمة مجموعة من قصصي إلى العربيـة،

6

أحببت الفكرة، فكـرة أن تـصل . ومن ثم وافقت على الفور ن والنـاطقين باإلنجليزيـة، كلماتي إلى قراء أبعد من المتحدثي

االختالف عن بيئتي يقراء آخرين نشئوا في بيئة وثقافة شديدت " وهذا ما سوف يكون عبر ترجمات قـصص مثـل . وثقافتي

أحالم أسامة، أحوال المادة، البومة، األشـياء التـي تركـت .وغيرها من القصص التي سوف تقرأونها اآلن" وراءك،

كرا من أجل كل هذا الجهد، وآمل ال أستطيع أن أوفي فاطمة شأن يحدث يوم وألتقي بها مباشرة كي أظهر لها امتناني العميق

.شخصياقراء كثيرون أخبروني أن سردي القصصي يتمحـور حـول

أشـخاص خبـروا الفقـد : عالقات بين أشخاص غير سعداء ورغم أنني ال أبـدأ . والخسارة، أو هؤالء الذين مروا بألم ما

بنية مسبقة عن إنتاج ذلك النوع تحديدا من القـص، أو الكتابة زوجان مفجوعان بفقد –حين أشرع في رسم شخوص سردي

على سبيل المثال، أو هـذان الـرجالن " البومة"طفلتهما في إال أنه من الواضح أن تلـك -" أحول المادة "المحطمان في

. داالتيمات بالفعل تظهر بجالء على سطح أعمالي مجددا ومجدحسنا، لقد قيل مرات عديدة أن الكتاب ال خيار لهم إال الكتابة عن آالمهم، وأن سرد وخيال الكاتب يخففان مـن ضـغوطه

أظن أن ذلك صحيح بالنسبة لي مثلمـا هـو . وأزماته النفسية .صحيح بالنسبة للكتاب اآلخرين

مع هذا أتمنى أن يجد القارئ شيئا أبعد من استكشاف األلم في أتمنى أن يجد مساحة من األمـل، بعـض خيـوط . قصصي

إذا مـا . البهجة التي البد أن تمنحها الحياة رغم كـل شـيء

7

استطاع قارئ أن يخرج من قصصي بشعور يقول إن الحيـاة رغم صعوبتها وتعنتها بوسعها أن تكون، بين وقـت وآخـر، شيئا مجيدا رائعا، شيئا يجب أن نرعاه ونعتز به، إذا استطاع

. سأكون قد نجحت ككاتبذلكأرجو أيضا أن أؤكد بطريقة ما عبر بعض قصص هذا الكتاب

أن البشر سواء في –على شيء أثق أنكم تعرفونه بالفعل جيدا كل أركان األرض، بصرف النظر عن مـوقعهم، وجنـسهم،

يجب في النهاية أن نتعلم الدرس الجلي في . وعرقهم، ودينهم . أهم بكثير جدا ممـا يـشتتنا ويقـسمنا أن ما يوحدنا : ذاته

وبمجرد أن نتعلم ذلك الدرس، يجب أن نعمـل رأسـا علـى االحتفال بحقيقة أننا جميعنا مخلوقات غير مكتملة، سوى أننـا

.اإلنسانية: جميعنا نتشارك في شيء أهم .لو أخفقنا في عمل هذا، سيلوح المستقبل موحشا بالفعل

.من أجل ذلك يجب أال نخفق

.أشكركم على قراءة مجموعتي القصصية

جون ريفنسكروفت لينكولنشاير

2005 يوليو

8

9

مة المترجمقدمة

يلتقي القارئ في هذه المجموعة باثنتي عـشر قـصة John،"جـون ريفنـسكروفت "لألديب اإلنجليزي المعاصر

Ravenscroft ، الذي فاز بجائزة رفيعة فـي لنـدن العـام Writer of the '" كاتـب هـذا العـام "هي2004الماضي

Year' . باإلضافة إلى حوار أجريناه معه وترجمناه لجريـدة . المصرية يجده القارئ في نهاية هذا الكتاب" القاهرة"

جون ريفنسكروفت، قاص وروائي إنجليزي معاصـر

. البريطانيـة " كـادينزا " ويعمل محررا لمجلة 1954ولد عام رية أدبية تعمل، حسب محرريها، علـى وهي مجلة ثقافية فك

تبني الرفيع من األدب اإلنجليزي من قص وشـعر وروايـة . ونقد

حصدت قصصه العديد من الجوائز األدبية من بينهـا وقد عمدنا إلى اختيار وترجمة مجموعة من . جائزة الكومنولث

.أعماله التي فازت بجوائز أدبية إنجليزية أو عالمية

لفتة منهجه السردييمتاز بالتقاطه دقائق الحياة غير الم واقتناص الشعرية منها عبر الموقف الدرامي أو مـن خـالل المونولوج الداخلي الطويل راسما صوره التشكيلية في نقالت مباغتة ومفارقة، وساخرة أحيانا، ليكون بنية سردية تنبع مـن

.وتصب غالبا في أحد األسئلة الوجودية

10

ـ ) الشيء(مفردات تأمله من يستلهم / ومدى تأثره بـ، انطالقا من كون المرء والموجودات )اإلنسان(وتأثيره على

يناقش القاص أزمة اإلنسان . في حال دائمة من الجدل والحوارعبر مواقف حياتية تبدو، ظاهريا، بسيطة وبديهية، بل تكـاد

نجح فـي اقتنـاص تكون يومية عابرة غير ملفتة، سوى أنه ي العمق الوجودي منها والمحنة التي تعانيها شرائح محددة مـن

. البشر

أبطال قصه نماذج بشرية غير نمطيـة، ذات طبيعـة خاصة، قد تنسحب خصائـصها علـى غيـر األسـوياء، أو

أو المنقسمين على ذواتهم من البشر، أو أولئك ذوي 1السجناء أو حتى 2فنانين، أو المرضى الحساسية الشفيفة مثل شريحة ال

.3العشاق الذين دحرهم الفقد" الحديـة " اإلنسان على الخط البياني للزمن في حاالته

في مراحل حيواتهم األخيرة حين تنكشف لهم 4"المعمرين"مثل هؤالء الموغلـون . الحياة كاملة مثل كتاب انتهت قراءته للتو

يتهم اإلنسانية الملتبـسة في الحياة والزمن والتجربة عبر جدل بين الوهن الفيزيقي من جانب، وحدة البصر الرؤيـوي مـن

، )تقريبا(أو نقيض ما سبق تماما، أي اإلنسان . الجانب اآلخر على منحنى الزمن، اإلنسان قبل أن " الصفر"اإلنسان قبل نقطة

"آندي" وجبة إفطار مع - 1 قنص الياسمين- 2 أحوال المادة- 3 "جيني"ن أجل أغنية م - 4

11

كيف يرى الجنين العالم وكيف يتطلـع . 1"الجنين"يكتمل، أي ؟ أو اإلنسان فـي حـال الهـروب إلـى . المستقبليةإلى رؤاه

، الحلم النومي أو حلم اليقظة، حين يتحرر ذهنه مـن 2"الحلم"عوائق وأحابيل المنطق وقوانين الفيزيقا ليحلق حرا طليقا في

أو اإلنـسان فـي . رحابة الميتافيزيقا وفانتازيا الخيال الحـر نبات، كيف يحـدد عالقته مع الكائنات األخرى من حيوان أو

قانون الموت والحياة بالنسبة لتلك الموجودات التي تـشاركه أو حتى في عالقته مع الموجـودات غيـر الحيـة، . 3العالم

الجوامد، ذكرياته مع األشياء التي تجادله طوال اليوم وكيـف . 4يمكن أن تأسره في عوالمها الخاصة

نـسان كل الشرائح السابقة تلك، أو لنقل كل حاالت اإل

المتباينة تلك تلتقي كثيرا، برأيي، وتتقاطع، إذ أنها مرايا للنفس . البشرية في أصفى حاالتها وأكثرها أثيرية وبعدا عن األرض

إنه اإلنسان بكل ما يحمل من ضعف وقـوة، فـي آن، فـي مختلف درجات إنصاته للوجود والموجودات تبعـا لفرادتـه

العالم، ووجهة نظره الخاصـة الخاصة وتبعا ألسلوب رؤيته . عن فكرة الخلق والحياة

ربما براعتـه تلـك ". الفقد"أجاد القاص معالجته تيمة

بلورتها محنة شخصية مر بها حين فقد شقيقته، كما سـنعرف حين يفقد اإلنسان شريكه األهـم فـي . من خالل الحوار معه

رحم يتأهب للوالدة- 1 أحالم أسامة– الجرس - 2 قتل األرانب- 3 األشياء التي ترآت وراءك- 4

12

شياؤه التي الحياة، هل يحاول أن يستبدل بالمفقود بعضا منه ؟ أ تركها مثال؟ قصاصات الورق؟ قالمات األظافر؟ شعرة مـن

كيف يمكن أن تـشف روح ! جسده؟ أو حتى بعضا من بوله؟ محبوبه الغائب عبـر يتوسلاإلنسان في وحدته إلى درجة أن

!مخلفاته الصغيرة ؟

) البريطانية(يجمع أسلوبه اللغوي بين الكلمة اإلنجليزية يجيد القفز بينهما في . عبيرات الدارجة الحديثة الرفيعة وبين الت

نقالت رشيقة ال نتوءات حادة بها تعرقل استرسـال التلقـي، كما يجيد الجمع بين . وبغير إثقال من أي منهما على األخرى

الجملة الطويلة التي تزخر بالجمل االعتراضية، وبين الجملـة لطلقات التي تعمـل الخاطفة المباغتة التي تشبه الومضات أو ا

على إنارة النص حينا، وفي حين آخر تعمل علـى تـسريب شحنة من الصدمات المتوالية التي قد تحول مـسار االتجـاه . الفكري للقارئ الذي كان ركن إليه قبل لحظة بمعرفة الكاتب

وعن المعجم الخاص بالكاتب، البد أن نذكر أنـه لـم لى ثقافات العالم مثلما نجد يكتف بمعجمه البريطاني بل انفتح ع

حين استعار مفردات مـن المعجـم " أحالم أسامة " في قصة أمـة -مجاهـدين : العربي، بل اإلسـالمي، مثـل كلمـات

)mujahedin- ummah( أو حتى تراكيب عربية من قبيل ، An eye for an eye, A'" (العين بالعين والـسن بالـسن "

tooth for a tooth.' ( التـي "أحالم أسـامة "لقصة، تلك ا ،لخصت كارثة اإلرهاب والتطرف اإلسالمي بأسلوب أقـرب

األقطـاب " أحالم"إلى الدعابة والكوميديا السوداء، حين جمع المـدنيون األبريـاء : األربعة المشتجرة فوق مسرح اإلرهاب

الصرعى، أمريكا بوصفها القوة المهيمنة في العـالم، الـدين،

13

جمع أحالم هـؤالء . و رمز التطرف الديني وأسامة بن الدن أ ورصدها على نحو أقرب إلى الحياد مما يـسمح للقـارئ أن .يصدر حكمه الخاص على من يراه مذنبا ومستحقا للقصاص

مثل كثيرين من كتاب القصة القصيرة الحديثـة، يبـدأ ريفنسكروفت نصه، أحيانا، من منتصف الموضوع، أو ربمـا

الزمن مـن " لملمة"، ثم يعمل على "العقدة "من نقطة الذروة أو األمام ومن الخلف حتى تكتمل قصاصات الصورة المـشهدية

.في آخر سطر ربما

وهنـا مأخـذي ( ويقودنا هذا إلى الكالم عن النهايات برأيي الخاص –، فهو أحيانا )الوحيد على هذا القاص المميز

ورهافة الوقفة يثقل النهاية بإيضاح وشروح قد تفسد جمال –المفاجئة المبتسرة التي يجيدها بعض الكتاب المرموقين والتي

تلـك . أجادها هو نفسه في أكثر من قصة في هذه المجموعة الوقفة التي شأنها أن تدع للقارئ ثغرة يدخل منها إلى فـضاء

فال هي أغلقت النص على أحادية التلقي . التأويل وثراء الداللة لقارئ عن عمله في إكمال المشهد مع الكاتب وال هي عطلت ا

فيمـا . عبر معينه المعرفي الخاص ودرجة نفاذه إلى الـنص تفـوت " ال غبار عليها "النهايات الوافية الشافية المكتملة التي

فرصة الشراكة اإلبداعية كمـا أنهـا – برأيي –على القارئ ه لـذة تحرمه من متعة االرتطام بالمفارقة وتؤدي إلى استالب

وفي سؤال لي حول ذلك األمر أجاب ريفنسكروفت . الصدمةبأنه يود أن يخاطب أكبر شريحة من القراء، على تباينـاتهم، .ولذا يحاول أحيانا أن يطرح الغموض عن قصه ما أمكنه ذلك

14

ال تخلو قصص ريفنسكروفت من ومضات من الواقعية رحم : نلمس في كما ( السحرية واستجالب الميتافيزيقا أحيانا

، أو االتكاء على الحلم بكل ما فيـه ) النبتة الصغيرة -يتأهب ، إلـى )الجـرس (من فوضى وخرق لقوانين المنطق والتعليل

جوار الواقعي والمتعين الممسوس بخيط من الرومانسية أحيانا تلك القصة الحافلة بكثير من الصور الشعرية وكثير ) البومة(

وفي حين آخر قد يوسـل . شجن اإلنساني الرفيع من أسباب ال الحقائق العلمية في بناء شعرية نصه ما يحقق الجديلة الثريـة

كل تلـك الخيـوط، ). أحول المادة (الجميلة بين العلم واألدب التي ينجح ريفنسكروفت في غزل نسيجه عبرها، تجعل مـن

. ترجمةتجربته مشروعا أدبيا متنوعا وثريا وجديرا بال

ورغم أن السرد أحد أقدم الفنون اإلبداعية التي عرفهـا اإلنسان إال أن فن القصة القصيرة لم يتم تأصيله في العالم إال في السنوات األولى من القرن التاسع عشر فيما فن الروايـة

شكال مستقال من أشكال فقد غدت الرواية . أكثر إيغاال في القدمحتى ولـو ن عشر الميالدي في إنجلترا، األدب في القرن الثام

جذورها الممتدة بعيدا فـي األدب اإلغريقـي استطعنا رصد .القديم

ظهرت مالمح النضج القصصي األولى فـي أعمـال بعض الكتاب مثل تشيكوف وموباسان بينما لم تتجل مالمـح التكثيف الداللي والتعبير الفني الحداثي العالي إال في أعمـال

في بداية القرن العـشرين مثـل جـويس وكافكـا المحدثين وهيمنجواي وغيرهم، ورغم ذلك لم تسد نظرية واحدة وقتئـذ

. تحدد معايير هذا الفن

15

ويمكن لمتتبع اإلبداع الروائي أن يلمس كيف تطـورت طرائق السرد عند المبدعين منذ بداية القرن العشرين وحتـى

حول فيها السرد نوعيا نهايته مرورا بالمرحلة الوسطي التي ت على يد رواد الحداثة من أمثال بروست وجـويس وفرجينيـا

.وولف في أعمال تعتمد التجريب عبر التجديد بادراتظهرت

محاولة التعبير عن أزمة اإلنـسان الروحيـة فـي العـصر الخبيئـة وأعماقـه نوازعه النفـسية عن ، الحديثالصناعي

الروحي واألخالقي في بطل وتجلى خط التأزم . ومزاجه القلق في مواجهة العالم المـادي ضاغطاكافكا الذي يعيش صراعا

فـي البطل إلى صرصـار أحالالذي البيروقراطي المميكن مارسـيل بروسـت تجريب وتزامن ذلك مع ".المسخ"رواية

حفرا فـي الـذاكرة في تقنية الكتابة بوصفها وفرجينيا وولف تفتيـت الـزمن ليقظة عبـر مختلطة برؤى تصنعها أحالم ا

فيمـا الوقائع إلى دقائق صـغيرة، واألحداث وانتثار وتشظي الـرؤى والمـشاعر عرف بتيار الوعي الذي حاول رسـم

الشخوص وقد برعت فيـه والذكريات التي تفيض بها عقول هشاشة العالقات اإلنسانية وولف مع إضافة تقنية الرمز لتؤكد

اعية كما نلمح في العديـد مـن في عالم انهارات قيمه االجتم كمـا . وبين فصول العـرض –صوب المنارة "أعمالها مثل

على األدب في الثالثينيات بشكل كبير لحركة الوجودية أثرت ا فظهرت أعمـال تكـرس واألربعينيات من القرن العشرين،

سـارتر عبثية الحياة وتشوشها وال جدواها كما فـي أعمـال . وكامو

16

المـسلمات القائمـة فـي هج هـدم تبنى الفن بعدئذ ن إذ ال شيء محددا يمكن أن نطلق عليه تصوراتنا عن األشياء،

واقعا إال عبر رؤيتنا له من منظورات متباينة تبعـا للظـرف ر في تطو وقد ترتب على ذلك . والعين الراصدة وزوايا النظر

األدوات الفنية فيما يتعلق بالبنية الـسردية للـنص، فأصـبح محـاوال متـشظية الحـادة ال المبتسرةعبارات ال عتمدالسارد ي

من متخلصا، في رصد العالم حيادية شيء من ال إلى الوصول حاول بعـض . التي تخالط عادة األعمال األدبية الذاتيةالنزعة

المبدعين تنحية النوازع البشرية من حب وكراهية وانفعاالت ظـل و .وثورية تاركا للقارئ حريـة بنـاء رؤاه الخاصـة

عـن أشـكال التجريب في األدب معنيا طوال الوقت بالبحث وقد ترافق مع هذا التوجه بروز تيارات .جديدة تناسب العصر

فـن عالمية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في رغـم علـى اإليحـاء العاليـة القدرة السرد الذي غدا يمتلك

ـ والـذي قـد ي بالواقع، الشديد التصاقه ـ جمـع ب ة ين الوثائقيواالنغماس المفرط في التفاصيل الصغيرة التافهة حد الملل ثم

مثلمـا نجـد فـي المرور العابر علـى األحـداث الكبـرى . الشهيرة لزوسكيند"العطر"روايـــة

ما الذي فجر هذا التغير تحديدا؟ هل هموم اإلنسان ذاته

) كفاعـل (، أم أن الذي تغير هو رؤيـة المبـدع )كموضوع(لموضوعه وطرائق توسله الجماليات الفنية الجديدة لبناء هيكله الدرامي؟ أم أن الثورة الصناعية واشتعال الحروب الكونيـة،

تلك التي أبرزت نزعـة اإلنـسان (ودخول الحرب الكيماوية ضمن تقنية الحرب العالمية األولى وتبدل ) الوحشية التدميرية

17

لمنطقي على الفن باعتبـاره خريطة العالم كان لها انعكاسها ا انعكاسا لمجريات الحياة؟

القرن العشرون يعكس سمات التناقض الـشديدة فـي إذا ما تأملنا المنجـزات الـصناعية والتكنولوجيـة . اإلنسان

الكبرى سيما الثورة النووية ثم الرقمية التي أنتجتهـا عقـول وربمـا أدت –المعة من العلماء من جهة، والتي تزامنت مع

النزعات السيادية التخريبية الكبرى التي تجلـت فـي -إلى الحروب ومحاولة االستئثار بالهيمنة على العـالم مـن جهـة أخرى، تزامنا مع العديد من النظريات الوضـعية والفكريـة والسياسية واالجتماعية واالقتصادية التـي أنتجتهـا مجمـل

وط مجمـل الفلسفات الحديثة على تناقضها، ثم المنـاداة بـسق السلطات الفكرية والدينية، الكتشفنا كم هو قرن ثري غرائبي

وكان بديهيا أن يتأثر الفن بوجه عام بكل . مشحون بالمفارقات تلك االلتباسات والهزات التي خلخلت ثوابت اإلنـسان التـي

.كانت زرعتها، إلى حد بعيد، العقائد الدينيةهمـوم إلى أي مدى انزاحت طرائق تنـاول الكاتـب ل

اإلنسان سياسيا واجتماعيا ووجوديا منذ الكالسيكية كمـا فـي " الــدون الهــادئ"لتلــستوي أو حتــى " الحــرب والــسالم"

لشولوخوف، رغم انزياحها قليال عـن الواقعيـة االشـتراكية بمعناها المثالي بالمفهوم األدبي النقدي، وحتى اآلن؟

أ إلى أي مدى تبنى المبدعون مبدأ الفن للفن الـذي بـد التنظير له إدجار آالن بو، وإن اكتفى بالتنظير ولم يتجل ذلك كثيرا في سرده وشعره، عوضا عن مبدأ الفـن ذي الرسـالة المحمل بأثقال القضايا وهموم المجتمع والوطن؟ وكيف يحاول كتاب اليوم عمل معادلة محسوبة تجمع بين المبدأين الـواقفين

يديولوجيا على الفن، أو على طرفي النقيض بحيث ال تطغى األ

18

يحلق الفن منفصال عن الحياة واألرض ؟ هل من الممكن حقا الوقوف على أرض سواء بين الفن والرسالة؟

ربما عبر هذه المجموعة ومقارنتها مع معيننا المـدخر من قراءاتنا المتراكمة يمكننا أن نقف على إجابة للسؤال التالي

محنة اإلنسان عبر الزمن؟كيف عبر قلم المبدع عن : هل تغيرت رؤية المبدع للوجود ؟ أم أن الذي تغير هو

المروي عنه " البطل"شكل التعبير عن تلك الرؤية ؟ هل تغير المطحون الذي لـم يكـن ليغـري " المهمش"من الفارس إلى

الكتاب القدامي بتبنيه كموضوع؟ هل تباينت أزمات اإلنـسان ن الماضي وحتى نهايته ؟ خالل فتـرة خـاض منذ بداية القر

خاللها حربين كونيتين، وتغيرت مالمح الخارطة؟ فترة صنع فيها اإلنسان وعاش تحوالت سياسية واجتماعية وتكنولوجيـة وثقافية وفلسفية وفكرية كبرى، قرن من الزمان نشأت خالله

ت مدارس وانهدمت أخرى، كيف تبدل اإلنسان وكيـف تبـدل همومه وأحالمه ؟

عـين : واألهم من ذلك كيف تبدلت العين الراصدة له المبدع ؟

***

فاطمة ناعوت

مدينة الرحاب

2005 يونيو

19

*األشياء التي ترآتها وراءك

طوال األسبوع الماضي، لم يكن بوسعي النظر إلى سلة هـي أننـي والحقيقة. مازالت مألى بأشيائك . الغسيل بالحمام

قطـع . مرعوبا مما قد أجـده داخلهـا -أصبحت خائفا منها المالبس الداخلية، مشدات الصدر، بنطلون الركض الخـاص

أنا واثق تقريبا أن زوج الجوارب الذي أهديتـه . جواربك. بك الجورب الذي يحمـل -لك في عيد ميالدك األخير كان هناك

لـو . نوثة بخيوط ذهبيةتطريزا عند الكاحل يمثل رمز إلهة األ لـذلك، -رأيت أشياءك ثانية، ال أعرف ماذا سيفعل ذلك بـي

كلما أردت استخدام التواليت، أدير وجهي للحائط، وأحملق في أتظاهر وكـأنني فـي عـالم . الرسومات على ورق الحائط

مختلف، حيث الحمامات خاويـة، وسـالل الغـسيل ليـست .موجودة

في العـالم . ل الغسيل موجودةلكنها هناك، أعلم أن سال كلمـا . الذي تركتني به، سالل الغسيل موجودة في كل مكان

استعملت التواليت، أعلم أنني على بعد قدم من أشـيائنا، مـن األشياء التـي خلفتهـا . إنها تناديني . األشياء الخبيئة بالداخل

.وراءك

Orange Labyrinth Competition جائزة متاهة البرتقالة *

20

.السلةاليوم سأفرغ . لذلك سوف أتعامل معها اليوم

.وها هي الطريقة التي سيتم عليها األمر

سأجد قطعة المالبس الداخلية التي تخصك، لونها أصفر شعرتان ملتفتان مـشتبكتان . فاتح ولها أحزمة حول الخصر

.إنه شعرك. ببطانة السروال

سأجلس لبرهة بعدما أضعهما في راحة يدي، ثم آتـي لورقـة وأحـاول أن سأفرد الشعرتين على ا . بقصاصة ورق يبدو ذلك أفضل ما يمكن فعله، أوقن أن فعـل . أقيس طولهما

مثل ذاك اليوم الذي أعاد فيـه . ذلك سيجعلني في حال أفضل البوليس أغراضك الشخصية، قلت شكرا، أنتم طيبـون جـدا، وبعدما مضى رجال البوليس، تناولت ميزان المطبخ وشـريط

.أقيسهاالقياس ورحت أزن أغراضك و

جراما، وكان األكبر 78هل تذكرين مفاتيحك؟ وزنهم . مليمترا73بطول ) مفتاح سيارتك( بين المجموعة

تتصرفان علـى . شعرتاك ستكونان وغدتين إلى حد ما

ال . كلما شددتهما تلتفان حول إصبعي من جديـد . نحو سيء .جدوى، لن يفعال ما أريد

تبدوان مألوفتين؟

21

24إحدى الشعرتين سـتكون . ي النهاية سوف أنجح ف سوف أقيس بعضا من . مليمترا27.5مليمترا طوال، واألخرى

ستكون أطول بكثير، وسوف أتساءل ما إذا . شعيراتي ألقارن كانت هذه اختالفات أساسـية بـين الـذكر واألنثـى، أم أن الشعيرتين اللتين وجدتهما في سـروالك تـصادف أن كانتـا

.قصيرتين ألصق شعرتيك على الورقة، واحدة جوار األخـرى، س

ثم أضع . أغطيهما بشرائح الالصق الشفاف، وأدون تفاصيلهما ، )"2(شعيرات كاثي "الورقة في مظروف أكتب عليه بخط أنيق

ثم أضعه في الصندوق، في محاذاة بقية األشياء التي نجحـت . من الغرقاستنقاذهافي

عات الليل المرهقة، سوف بعد ذلك، في نهاية إحدى سا

يغدو المنزل كبيرا جدا، ولن يكون بوسعي النوم، ولن يكـون هناك شيء بالتلفزيون سوى بعض برامج البورنـو الخفيفـة وعروض المسابقات، لذلك سوف أخرج الصندوق من مخبئه، وأتفحص ما به مليا، ببطء، أستنشق، لن أتعجل، سوف أمتص

.تي وأنفي ولساني وأصابعيآثارك وشذراتك بشف

األشياء التـي تركـت . مداخل المباني، هكذا أفكر بها وراءك هي المداخل، مداخل الذكريات، ممـرات الـوميض

أمر عبر هذه، أو تلك، ألجد نفـسي فـي بقعـة . والتحوالت .بقعة مختلفة منا. مختلفة منك

22

ر حين ألتقطه، ال أتـذك . لدي خاتم الزفاف الخاص بك لتوثيق الـزواج، وال كعكـة الزفـاف ذات " باكستون"مكتب

الخمسة عشر جنيه إسترليني، التي كانت شديدة الصالبة حتى إننا لم نستطع تقطيعها، وال حتى حقيقة أنك لم تستطيعي نطق

الذي أتـذكره . تلك األشياء تأتي الحقا ". عائق شرعي " كلمة الخاتم، هـذا الخـاتم الـذي أوال هو اللحظة التي قذفت فيها ب

طوحت . قذفته لي . اشتريته من أجلك، ومررته حول إصبعك وأتذكر كيف ضاع وانتهى به الحال في وعـاء . به في وجهي

وأتـذكر الراحـة . وبعدها بلحظات، داخل الكلب ذاته -الكلب .على وجهك حين خرج أخيرا من الناحية األخرى

ينـساب فوقـه فـي أتذكر كيف جعلت الماء الصافي

:حوض المطبخ لتنظفيه من غائط الكلب، تضحكين قائلة ."يجب أن يصبح هذا األمر رمزا"

.وكنت محقة، فقد كان

ال أذكر . لكنني ال أذكر ماذا تعني تلك الرموز يا كاثي ربما تعني ال شيء، ربما كما قلت أنـت . ماذا يعني أي منها

.كتة كونيةنمرة، األمر كله

حتى ولو كان األمر كذلك، سوف أستمر فـي تجميـع .األشياء

23

ظفر إصبع قدم ضـالة األسبوع الماضي وجدت قالمة بها أثر من طالء أظـافر . كانت مختبئة تحت حوض الحمام

– أظن في اليوم ذاتـه –وكذلك . أحمر، لهذا عرفت أنها لك عطفـك، وكـذا صادفت قائمة مشتريات مكرمشة في جيب م

أرنب رسوم متحركة مرسوم بعشوائية على : إحدى شخبطاتك كنت وضعتها داخل الكتـاب كـي -ورقة مالحظات صفراء

الكتـاب . و حجر الفالسـفة " هاري بوتر. " تحددي أين وقفت األخير الذي كنت تقرئينه، لكن األرنب أخبرني انك لم تنتهي

هل . ماما مثل عمرك ت – 29وصلت إلى صفحة . من قراءته يعني ذلك أي شيء ؟

لكنني سوف أحتفظ بالكتاب وبالعالمة . ال أظن يا كاثي

وبالشخبطة وبقالمة الظفر وبشعيرات العانة وبمفتاح سيارتك وبخاتم الزفاف وبكل القطع الصغيرة الحزينة اآلسـفة التـي

.سوف أحفظها جميعا في صندوقي. تركتها وراءك

إمكاني على االحتفاظ، ألطول وقت وسوف أعمل قدر .ممكن، بالشيء األشد حزنا واألشد أسفا منها جميعا

. سوف أحتفظ بنفسي

***

24

*البومــــــة

كل النوافـذ مـن ألـواح خـشب –كان الكوخ بديعا السقف، على مـدار من األرض إلى بارتفاع الثقيلة الصنوبر

أحب شـكل قد " سايمون"ن كا. ثالثة أوجه من أوجهه األربعة غير إنـه . الكوخ بمجرد أن رأى صورته في كتيب اإلجازات

.أحب الكوخ الحقيقي أكثر عند سيارتهما تخشخشبينما " ماري"سأل " ؟ما رأيك "

.المدخل المغطى بالحصى الصغير

:التفتت إليه وتنهدت قائلة "أعطني فرصة ؟" قال سايمون! ." آسف " -

مـشت صـوب سـياج . السيارة وهبطت ماري أوقفمـن األوتـاد سـياج . مطلي يفصل واجهة الكوخ عن الحقل

، يشبه ذلك الذي يعرف أنها حلمت به حين كانت فتاة البيضاءكـان هـذا . األخيرتحقق حلمها عبر قرار سايمون . صغيرة

Jacqui Bennett Writers Bureauجائزة جاآي بينيت األدبية *

25

الحلم هو أحد أسباب اختياره هذا الكوخ تحديدا وهذا الموقـع اتحديد.

التـي "مـاري "زوجتي،" راح يتأملها لحظة، ويفكر

". تخصني – واحدا إثر واحد –شاهدها وهي تثبت أطراف أناملها

فوق حافة السياج، وتذكر كيف اعتادت أن تفعل الشيء نفـسه .زمن طويل. قبل زمن من اآلن. فوق ذراعه العارية

يهكانت فرصة ليريح سـاق . نزل من السيارة ولحق بها

قوي سيكون فيه راحـة الشراب شيء من ال بالطبع . ويمدهماوقف جوار سياج . بوسعه أن ينتظر و، وعد كان قد أكبر، لكنه

ماري، يدلك عقد التوتر المتجمعة في عموده الفقري، يعب من ـ والغابـة هواء الريف المـضفور بـروائح األرض ة الدافئ

.واألعشاب النامية

مزالة من المرج العشبي الخـشن الالخضراء الحشائش سـيكون الـذي - الكـوخ أمامهما كانت منحدرة بعيدة عن

كوخهما على مدى األسبوعين القادمين، أو طالما استطاعا أن في اتجـاه شـالل ومكومة –يبقيا في رفقة بعضهما البعض

وخلف المـاء، . باألسفل الوادي المنبسط في المياه الذي يلمع جذوع األشجار . غابةثمة مسين مترا، كانت ربما على بعد خ

وأوراقها المتحورة بدت رائعة الجمال في ضـوء الـشمس .المائلة

26

نظرت ماري نحو المشهد غير إنها ظلـت صـامتة، محبوس منهما كل -يعني ذلك يمكن أن ماذا سايمون وتصور

يمشي وحيدا خالل الغابـة هو داخل عالمه الخاص المنفصل، هو ال يريد . قدميهجذور المتكسرة تحت التناديه، الغبار و التي .ذلك

. لمحة من التوتر شـابت صـوته .قال" ؟ حسنا" -

.سرعان ما ندم عليها

المحتـضر، ضوء الشمس في حولت ماري عينيها إليه أطـراف أصـابعها كانـت . عينيهاتظلل لكنها لم ترفع يدها ل

. فوق قضبان السياجمربوطة . أجابت." إنه جيد"

"جيد وحسب ؟"

حـاول أن . أدارت رأسها ونظرت مجددا نحو الحقـل .يرى المياه والغابة خالل عينيها

. أفضل من جيـد . ليس جيدا وحسب " قالت، " كال، "

ربما مثالي". .أومأ برأسه

.قال." حسنا، كل شيء على ما يرام إذن"

27

.آ في تفريغ أغراضهمابعد برهة عادا إلى السيارة وبد

***

سألها إذا كانت ترغب . كان بالكوخ سريران متشابهان نظرت إليه، لكنه لم يستطع قـراءة التعبيـر . في ضمهما معا

.فوق وجهها ليس الليلة علـى . " قالت" هل يزعجك إذا لم نفعل؟ " ."ربما فيما بعد. أية حال

***

ـ ل الكـوخ، جلس على أحد المقاعد ذات المـساند داخ تتجـول "ماري" شاهد. زجاجة خمر على الطاولة إلى جواره

بعد برهة عادت أدراجها إلى مكانها جوار السياج . في الخارج كانت ليلـة . إلى القمر بنظرها متوجهةوزرعت نفسها هناك،

كل شيء على ما يرام حتى . النشرة الجوية وعدت بهذا . دافئة .اآلن

هما أفرغا أمتعتهما، أعدا وجبة الكلمات قليلة، لكن كانت

لـم . ابتسمت ماري و ،أطلق نكتة . سويا، جلسا، تناوالها معا وهو لم يثر مشكلة بـشأن . تذكر شيئا بشأن إسرافه في الخمر

.السريرين . قال للغرفة الخاويةهكذا " هذا مكان جميل،" -

28

ه ، شرب نخب الغابـة، نخب رفع كأسه، وشاطر الكوخ ورأى ثم نظر عبر الزجاج، . نخب قراره ماء، شرب شالل ال

.ماري في ضوء القمر وقد تحولت إلى تمثال من الذهب

باغتهـا –كان قد حجز لإلجازة من غير أن يخبرهـا اشـتعلت غـضبا، . أمس، وضعها أمام األمر الواقـع بالخبر

مر الوقت فيما يقود السيارة إلى هنا . وكادت ترفض المجيء لكنهما هنـا اآلن، كـان . ر مريح على اإلطالق غيعلى نحو

. أن تكون سعيدة أيضاوتمنىسعيدا رجع الـصوت إليـه، . قالها ثانية " مكان جميل، " -

. الصنوبريدافئا خشبيا عبر الكوخ

بعيـد رمت بـصرها إلـى ال ثم . توقفت. التفتت ماري .مجددا

حـسنا، : "كم قالـت . في القديم كانت تستطيب صوته

."رغم إنك تشبه الكلب، لكن على األقل لك صوت لطيفبـسعادة كانت تضحك ضحكة واسعة وتلوي شـفتيها

أن يراها أحب كم .حين يعرض عليها أن يقرأ لها في السرير مازال بوسعه أن يشعر . تسقط في النوم على صوته فيما يقرأ

ألمـان بأناملها ترتاح فوق فخذه، بوسعه أن يتذكر شـعوره با تومـاس " أو 1"هـ إي بيتس "وهي تنجرف بعيدا في قصص

1 - Herbert Ernest Bates وروائي إنجليزي اشتهر بقصص قاص

الريف

29

هـا حتى بعد أن تنام كان يواصل الحكي، كـان يحب . "هاردي .بصوته ويود أن يرسله إليها في أحالمها

ال يتـذكر لمـاذا، أو . عند نقطة ما توقفا عن فعل ذلك

.متى

رشف من كأسه وفكر في اليوم الذي حملها فيـه إلـى شقة ضيقة أعلى دكـان بيـع – بيتهما األول أعلى السلم في

تألم ظهره يومها، واضطر إلى النوم على األرض . الطالءات جاءت البيت بكلـب وفي يوم كانت تطعمه حساء، . ثالث ليال كانوا غالبا يجلسون ثالثـتهم في تلك السنوات األولى . صغير

يـشاهدون و، حركة المرور وفي الشرفة يشاهدون العابرين، .الرئيسي الشارع تزحف صوبارات التي السي

- "تحب ذاتقالت " ، أليس كذلك؟ الحياة أن تراقب

.مرة .تنظر إليه ورآهاها الباهت على الزجاج، انعكاستأمل

." ليست مخيفة مثل معيشتها الحياةمراقبة. نعم" - . شعره والمست النافذة بأنفهاداعبت

الكلمـة وبقيـت . قالت" !زجاجمراقبة الحياة عبر ال " .معه

بالتأكيد لم يكونا . حتى كلبهما ابتسم . ضحكا وقتها كثيرا .المكانال ، و قدرهقد عرفا، لم يكونا قد قدرا الزمن

*** كان نصف نائم في مقعده حين دخلت مـاري الكـوخ

. راكضة

30

."أسمع شيئا. " قالت" تعال إلى الخارج،"

. الفـضاء واستقبله الليل والنجوم . وضع كأسه وتبعها أسود اللون قطع الهواء بصوت كالنداء فوق رأسيهما، شبح

.همست" أليست هذه بومة ؟" ."جائز. " رد هامسا أيضا" ال أدري،"

جاء النداء ثانية، من وراء الشالل هذه المرة ، هنـاك ون صوت محز . صوت حزين، هكذا فكر سايمون . عند الغابة

طفلتهما – طفلتهما رشجي شق طريقه عبر حوائط دفاعه فتذك ، اشتريا مالبس أطفال، ورسما "كيت" انها و سيدع اكان. تقريبالـم . بعد ذلك لم تعد ماري تتحدث عنها . بال جدوى . الخطط

حتى وقتها، لـم يكـن . يصبح أبا، لكن ذلك لم يعد مهما اآلن مجردكانت " كيت" ونت مرتبكة، األشياء كا . األمر مهما جدا

الكوخ كان احتماال آخـر، فرصـة، . منهما ضاعت. احتمال منهما تضيعال يريد لتلك الفرصة أن . ربما فرصتهما األخيرة

.أيضا .قالت ماري." أعتقد أنها كانت بومة" -

أراد أن . تألق فـي ضـوء القمـر عيناها ت نظر إليها، .الخمر في الكوختمنى لو لم يترك . يقبلها

.قال." أعتقد ذلك أيضا" -

.فابتسمت. لمس يدها

31

***

تسلل خـارج . في الثالثة صباحا كف عن محاولة النوم عاد إلى مقعده صب كأسا آخر من اإلسكوتش، ثم . ومغرفة الن

قام ورفعها، ونظر . كانت ماري أسدلت الستائر . جوار النافذة الـسياج تكان. ضاء بنور القمر إلى الخارج صوب الحقل الم

.طفو في الظالمت وكأنها ت البياض، بدةشديد تذكر . ، سألت قبل أسبوعين"هل انتهى كل شيء؟ " -

.جهاز التليفزيون القابع في ركنه، يغمغم بأخبار السادسةزلزال آخر في مكان مـا . ببطء أجابها" ماذا؟ " -

.تظاهر بأنه يستمع. جنوب أمريكا "هل انتهى األمر؟" -

رشف من كأسه كمـا . لم يكن قادرا على مالقاة عينيها .يرشف منها اآلن

قال أخيرا" ال أدري، " - ."أظن ذلك" ثم قالت . لم تتكلم لبرهة

شيئا يقترب، لمح البيضاء األوتاد اتمن خلف السياج ذ

بما يكفي مباغتا، قويا هجوماكان . يحلق في الهواءشبحا قاتمالجعل الكوخ يرتعد، وعالي الصوت بما يكفي لجعله ينكفئ إلى

.الوراء، فاندلق الخمر على السجادة

ثـم سـمع . تصدعت النافذة طوليا من أعلى إلى أسفل . من غرفة النومتصيحماري

32

"ماذا فعلت ؟! سايمون ؟ ما هذا ؟ يا إلهي" -أنـا . خبط النافذة شيء ما . " رد عليها " ال شيء، " -

."ذاهب ألرى

قليلة . كان ضوء القمر خافتا لكنه ساطع استغرق ثوانيراقـدا . هناك جوار السياج كان . ليحدد موقع الطائر الجريح ذي ركض سايمون نحو المـدخل . على جانبه، ينتفض بعنف

.، وقرفص جوارهالحصى المجروش

ليقيها هتفت ماري من باب الكوخ، حبكت قميص نومها .وكان شعرها معقوصا ألعلى. هواء الليل .سألت" ما هذا ؟ " -

كان الطائر يرتعد . احتوى الطائر بيديه ثم انتصب واقفا . ولم يكن فيما يبدو واعيابين يديه ."أعتقد أنها بومة من نوع ما. " قال" هذه بومة،"

قطق ، العظام تط بزاوية عجيبة أحد الجناحين كان متدليا .اكن في موضعهتبوضوح، والرأس لم

قالت ماري فيما تلحق به " ماذا بوسعنا أن نفعل؟ " -

.عند السياج

ال أعتقد أن بوسعنا فعل أي شيء، . " هز سايمون رأسه ."أظن أنها ماتت بالفعل

33

!! ياللكائن المـسكين . إليها انظر. لكنها تتحرك " -

."فقط انظر إليه

فتحت منقارهـا فـي . مة بين يدي سايمون اهتزت البو اختبر سـايمون النـبض . ارتجافة أخيرة، ثم توقفت الرعشة

لكن شيئا لـم يكـن . بجسدها، لم يكن واثقا أين يضع إصبعه .هناك على اإلطالق

قال." ماتت" -

.رأى الدموع بعينيهاونظر إلى ماري صـفعت إنها . " قال" ال أظن أنها تألمت طويال، " -

. طارت مباشرة صوب تلك النافذة اللعينة ربماالنافذة وحسب، ."أعتقد أنها خبطتها فماتت من فورها

ال . ال دم هناك . ريش البومة وداعبتمدت ماري يدها

.نفس الشيء تماما". كيت" نفس الشيء كان مع . قطرة واحدة هل تعتقد أنها هي . " قالت ماري " جميلة جدا، إنها "-

!"يالعاريا إلهي، . سمعناها تنادي؟ أظنها هيما

ك ثقال جبارا في في نبرة صوتها ثمة شيءصدره حر . .كان عليه أن يزدرد لعابه قبل أن يمكنه الكالم

34

سنأخذها إلـى ." قال" دفنها في الصباح، نسوف " -الغابة في األسفل هناك، ونبحث عن بقعـة جميلـة ونـدفنها

."سويا

:وقالتبصرها إليه ماريرفعت ."فلنفعل. نعم، يبدو هذا مناسبا" -

وربما : " ألقت لمحة سريعة إلى الكوخ ثانية ثم همست إذا قامـت عاصـفة . النافذة تلك أحدهم ليصلح علينا أن نأتي ب ."سوف تطيح بنا

ال يريد كانت على حق، لكن شيئا داخله . أومأ سايمون

الكثير مـن مراقبـة العـالم عبـر فقد نال . للنافذة أن تصلح .الزجاج

.قال." تهبوف ال أظن أن عاصفة س" -

وقفا للحظة جوار السياج، ينظران خالل ضوء القمـر ماري قليال مـن تتأرجح. إلى جسد الطائر بين كفي سايمون

. والتفكير بها األشياءتقوم بتقديرجانب إلى آخر، كعادتها حين أناملها، انحنت إلى األمام، ثم طبعت ثم لمست ذراعه بأطراف

.وجنتهعلى مفاجئة قبلة - " ن إلى بعضهما سوف أضمأنـا "قالت، " ، السريري

"هل تأتي؟. مجهدة يا حبيبي

35

سـآتي خـالل . " وجنتهاأزاح خصلة من شعرها فوق .قال." دقيقة

."ال تتأخر" -

ته لتي قبل وخ، رفع يده إلى البقعة ا شاهدها تعود إلى الك ثم أخذ البومة إلى السيارة وأرقدها بعناية علـى المقعـد . فيها

طوى جناحها المكسور برقة، . قال" ، شكرا لك " -. الخلفي ".شكرا لك. "وأراح ريشها الطويل الغزير الناعم

مجموعة مـن . أخرج كتابه المفضل من تابلوه السيارة

ـ ضـعه فـي جيـب و. بيتس. إي. القصص القصيرة لـ ه .بيجامة النوم وأغلق السيارة

لدقيقـة أو المـنعش عند مدخل الكوخ وقف في الهواء

، تنادي نـداء تمر عبره ثمة بومة . اثنتين، ينظر صوب القمر .حزينا وخافتا

.ثم أغلق الباب. دخل إلى الكوخ. استدار

***

36

أس الدودة ر

المحتـشد بين الجمهـور تموجة كهربائية طفيفة سركما قال . المكتبة المرأة ذات القبعة الحمراء بمجرد أن دخلت

.شيء ما قد حدث" : جوزيف هيللر"مرة صديقي الطيب ورغم أنها وقفت في الصف مـع اآلخـرين انتظـارا

، إال أنها ظلت تبدو وكأنهـا "رأس الدودة "لتوقيعي على نسخ . دون شـك تساهمنظراتها ومظهرها . تقف وحدها منفصلة

شالل الشعر األصـفر وتحت تلك القبعة الصادمة تحتالوجه ؛ أما الشخص الكائن تحت الوجه، إن كان كان جميال الكثيف

.ثمة، فقد كان أجملرغم هذا، فلم تكن نظراتها الجميلة ما ضربتني للخلف

بأنها كانـت المؤكدةما ضربني أكثر كان الحقيقة . في مقعدي "اكان ذلك . "المؤمن الحقيقيعلى كل أجزائهامكتوب .

الخاصة، بؤرتها الخاصة، وكل قوتهاالوساوس تجلب اسـأل . كاتب ناجح يحدث أن يتعرف عليها قريبا أم بعيـدا

جميعنـا . اسألني أنـا . 1"ستيفن كينج "اسأل ". جون جريشام "بعد فترة، سيحدث أن تشم رائحة . سوف يخبرك بالشيء ذاته

ذات الـشابة واآلنسة. لحظة دخوله الغرفة " حقيقياإليمان ال "يمكنك أن ترى . القبعة الحمراء كانت تجسيدا لإليمان الحقيقي

كان فـي . في جلستها، مشيتها، في طريقة ارتدائها ثيابها ذلك للخارج في عينيها، في تكور لسانها حين يتحرك وميض النار . ليتذوق الهواء

1 - John Grisham - Stephen Kingروائيان أمريكيان

37

. سمعت الخفقانأظن أنني. أكثراقتربت

واصلت توقيع الكتب، ألقي النكات، أكتب ما يطلبـون إلى ماري ومايـك ... إلى سوزان والعائلة : " مني أن أكتبه

..."سيمون كيركبي ... أطيب األمنيات ...

حين وصلت أخيرا القبعة الحمراء إلى طاولتي توقفـت بـي، وضعت قلمي، رفعت كأس الماء الخاص . عن التوقيع

شعرت بصدمة مباغتـة . انتظرت، راقبت هي . وأخذت رشفة .حين تالقت العيون، وأرسلت نظرة محدقة شاخصة

كانت مشدودة بإحكـام إلـى " رأس الدودة "نسختها من كنت . تحمل طفلها الرضيع بمحبة أم نهدها األيسر، محتضنة

ـ ى الغـالف منوما مغناطيسيا باألفعى الصفراء المطبوعة علبالطريقة التي تتمـاوج بهـا مأخوذا الخارجي الواقي للمجلد،

.وتهبطأفعى كليوباترا تصعد . وهي تتحرك على إيقاع تنفسها .قالت." كتبك يا مستر كيركبيأنا أعشق " -

مغر مثل كل شيء . صوتها كان خافتا، مغويا ومغريا .حولهاآخر

"صحيح؟" - ."قني، أنا ال أكذب مطلقانعم، صد" - ....."أنا لم . ال، بالطبع ال" - .إنها تعلمني". رأس الدودة"خاصة " -

."تتكلم معي.... إنها "صحيح؟"

38

."أوه أجل" " لك؟تقولوماذا "

احتـشد . دون تحذير أو مقدمات ركعت على ركبتيهـا فـي فـخ لو لم أكن مأسورا وأنا .الخلفالناس رجوعا إلى .مقعدي لفعلت مثلهم

مثلي؟ مـن فـضلك دعنـي من بوسعه أن يفهم " -".......

. قبعتهـا الحمـراء الالمعـة وانتزعـت ها رأس أحنت وجـدت . وللصدمة، خرجت خصلة شعرها الصفراء معهـا

عارية إال من جديلة الشيب –نفسي أنظر إلى جمجمة عارية .التي تغطيها

الديدان، كل واحدة مثبتة بمسمار عشرات من . الديدان

.المع مدقوق عميقا في العظام .متوهجتيننظرت إلى األعلى وكانت عيناها

.همست." رأس الدودة" .قالت، وابتسمت." نعم"

***

39

1أحوال المادة

، الرجل العجوز وأنا، نحدق سويانجلس على الشاطئ ق في دوائر فوق رؤوسنا، النوارس تحل . البحر صوببعيدا

مالعين كبار، أكبر حجمـا . تصرخ كما تفعل النوارس عادة وأعلى صخبا من النوارس التي تحملها ذاكرتـي مـن أيـام

.العطالت، حين كنت طفاليظلل العجوز عينيه بيده ويقول إنه يستطيع أن يـرى

.في البعيدالسفن ، محاوال أال أتـذكر "ماري"أنظر، محاوال أال أفكر في

سوى أنني أتذكر كل شيء علـى . الماء في شعرها، في فمها .أية حال .، أسأله"أية سفن؟ " -، يهتـف صـوت فـي " المجيء إلى هنا كان غلطة " ."يجب أن تبقى بعيدا عن البحر. " رأسي

لم أعد أستطيع أكثر من ذلك. لكنني ال أستطيع. أعلم. الث منها، مازال أمامها طريـق طويـل حتـى ث" -، لي "جاك"كنت بحارا فيما مضى يا "، يقول العجوز، "تخرج

."عين مدربة

2004 في لندن The Writer of the Year" آاتب هذا العام" فازت بجائزة - 1

40

أمسح األفق بعيني بحثا عن سفن العجوز، سوى أننـي .ال ألمح شيئا

فيما أبحث أسمعه يسعل، يتنخع ويبصق بعض الـبلغم

الشيء ر، منذ فعل مرت خمس دقائق، ربما عش . على الرمال أقل. المختلطةأرمق البصقة. ه آخر مرةنفس اآلن بها دم.

.يقول" هل ترى ذلك؟" - ."نعم، إنها إشارة طيبة" -

يومئ موافقا، يربت على فمه، ثم تغوص يده عميقا في داخلـي، يجذب شيئا من جيـب . طيات معطفه المبقع المجعد

.م يرفعه عاليا أمامي كي أراهيضعه على كفه، ث .يسأل" هل ترى هذا؟" -

مدى إبصاري ليس قويا لرؤية السفن، وهو أسوأ حتى ألقي نظرة جانبية، شيء يـشبه . من أن يرى األشياء القريبة

أمد يدي، لكـن العجـوز . قنينة زجاجية بالغة الصغر . القنينة .ه ثم يهز رأسهيغلق كف مثلما تفعل مع . ال تلمس ". جاك"ب يا انظر وحس " -

."النساء وراء الفاترينات

، غير أن العجوز ظل يناديني هكـذا "جاك"اسمي ليس . ليس مهما بم ينـاديني . منذ التقينا، كل شيء كان منذ ساعة

41

إنه اسم أفضل من كثير من معظم . سوف تفي بالغرض " جاك" .األسماء، اسم أفضل مما أستحق

تح لي ببطء، مثـل وردة متـسخة مـن اللحـم يده تنف

.1البشري، القنينة تلمع في المركز مثل الخباء

أتزحزح، مجرجرا، قدمي على لـوح الخـشب الـذي نتقاسمه حتى صرت لصيقا به، ساقي اليسرى ضغطت بقـوة

رائحته الكريهـة . على ساقه اليمنى، إحدى طيات معطفه بيننا ، لكنني لم أعد مميـزا كمـا تجعل تنفسي سريعا وغير عميق

كل من أعرفهم هذه األيام ينشرون رائحـة . تعودت أن أكون بالفعل "كما تقول األغنية، . أنا أيضا لي رائحة كريهة . كريهة

".لم يعد أي شيء يهم "هل تراها؟" -

صوته مثـل . شفتاه متورمتان بسبب الركلة التي أخذها .نعيق الغراب

على بعد ست بوصات تقريبا مـن أنحني تجاهه، أنفي .رأسه

األخـرى التـي سـرقها . القنينة تشبه األخرى تماما .مألى بسائل أصفر داكن. األوالد

"ماذا بها؟ ويسكي؟. " قلت" نعم، أراها،"

الكربلة، عضو التأنيث في الزهرة- 1

42

أبدو ممتلئا باألمل، يقهقه العجوز بصوت يشبه صوت .الدجاج

." كلكنه لم يعد كذل. كان فيما مضى. ويسكي؟، ال" -

طا، لكنني كنت كذلك، ال أحب أن أبدو محب . أهز رأسي .العجوز الحظ ذلك

.قلت" ماذا عن األخرى؟" -

.ال دماء تقريبا هناك هذه المرة. يسعل ويبصق ثانية .األوغاد الـصغار . ال ويسكي هناك أيضا . كال" - ."اللصوص

خـرى ذهبـا الولدان اللذان قفزا عليه وخطفا القنينة األ ال يمكن أن يكونا قد تخطيا ثالثة عشر أو أربعـة . بعيدا جدا

لم يرياني ناعسا وراء كثبان الرمال، أحلـم . عشر عاما بحال .باألمواج، لم يعرفا أنني هناك إلى أن وجدا يدي فوقهما

ماشيا عبر الرمال، ليس بسرعة، وال ببطء، كنت أفكر مجـددا، يـستدعي صوت البحر يستحـضرها ". ماري"في

أنـا . هذا هو سبب انجذابي للشواطئ على هذا النحو . الصوربحاجة ألن أراها من جديد فوق كرسي البحـر ذاك، بقبعتهـا

الجانب السلبي . الوردية على رأسها، وسلتها القش عند قدمها في األمر أنني أراها أيضا في المياه، مفتوحة الذراعين، يداها

43

حـول عنقهـا مثـل ها طاف ا، شعر مرتخيتان على معصميه .، الغارقة التعسة1"أوفيليا"

نموذج قبيح برأس مطلـي –الولد األصغر كان أقرب كان بالفعل قد ركز وعقد العزم . باألزرق وخاتم معلق من أنفه

على وجه العجوز، أرجع قدمه ذات الحذاء الطويل للـوراء، ن الخلف، أمـسكت قبضت عليه م . تأهبا لتصفية الرجل بركلة

صرخ بحدة عاليا مثل خنزير . بالخاتم وجذبته عنوة ممزقا أنفه صغير، كور كفيه صانعا بهما كأسا يجمع دمه النـازف مـن

.األنف

الصبي اآلخر كان حوضا من الشحم، وكان وجهه قـد .غدا رخوا من الرعب

أمسكت باالثنين من شعرهما وصفقت رأسـيهما معـا .قوتي، لكن بما يكفي من قسوةليس بأقصى . بعنف

حين تركتهما يمضيان استطعت أن أخمـن أن الـرأس األزرق لن يدع األمر يمر، ورغم أنني لم أعد كما كنت مـن قبل، إال أنني أستطيع دوما أن أسـتخدم مظهـري الخـاص

اتخذت شكل األخبار السيئة، ثم حررت . ونظرتي عند اللزوم . الشمس، وابتسمت بعذوبة لهما سكيني، جعلتها تلمع في ضوء

لحظـة . نحن اآلن في خندق التأمل والصمت، داخل اللحظـة في رأسي 2"كلنت إيستوود "في لحظات كهذه، يحضر . القرار

)ت( حبيبة هاملت في مسرحية شكسبير - 12 - Clint Eastwoodائي يعتبر أيقونة الرجولة والقوة في السينما بطل سينم

)ت" (األسطورة الحية" األمريكية، وسمي

44

هل تشعر ..... ، اخبرني أيها المشاكس، وإذن: ويتحدث مليا أنك محظوظ؟

تدحرج على جانبـه، ارتكـز . كان العجوز يتأوه ويئن

. نهضعلى يده، ثم

نظرت إلى الولد البدين، رفعت حاجبي، وتقدمت إلـى ارتعد الولد وهرب ناحية كثبان الرمل، قابـضا علـى . األمام

تـوهج فـي . استدرت صوب الرأس األزرق . قنينة العجوز بعـد . وجهي وحملق شذرا، لكن لم يكن ثمة لهـب حقيقـي

رة، لحظات قليلة لحق بصديقه ماشيا بظهره، صائحا بكلمات قذال شيء لم أسمع به من . نفس القذارة القديمة . ومتوعدا بالثأر

.قبلساندت العجوز ليقف على قدميه، وتحركنـا صـوب

تان مخلخلتـان سن. جلسنا ونظرت داخل فمه . اللوح الخشبي .. وقطعة كبيرة من اللسان معضوضة ومتدليـة مـن الجانـب

.مؤلم، لكن ال شيء خطيرا جدا .أخبرته." على ما يرامسوف تكون" -

كنت أشعر بالزهو والتألق ، التألق بالنسبة لي، علـى اليوم عملت شيئا مختلفا، كنت مفيدا ألحد ما ألول مرة . األقل .منذ متى؟ ال أعرف، لكنه كان شعورا طيبا.... منذ

45

كانت الشمس تميل، تغطـس ناحيـة البحـر األزرق ا الخشبي مثل صـديقين العجوز وأنا جلسنا على لوحن . الهادئ

.حميمين، نتقاسم مشهد احتضار اليوم ....عندئذ أخرج قنينته

.قالها ضاحكا في سره" ويسكي،" -

يده الخاوية تمسح على فمه من جديد، برهافـة علـى .شفته السفلى المتورمة

ال، ما تراه هنا يا جاك، هو كل ما تبقـى لـي مـن "

."امرأتي العجوز

الظفر مـشقوق . ة الصغيرة بإصبعه األصغر دق القنين .في موضعين، وقذر بشكل مدهش

.سألت" امرأتك العجوز؟" -

."ساندي:" يومئ موافقا ويقول "زوجتك؟" -

.يصدر شخيرالكنهـا . لم يكن لدينا أوراق . زوجة؟ اللعنة، ال " -

كانت أكثر من زوجة بالنسبة لي، أكثـر مـن المـرأة التـي ."عشنا سويا لعشرين عاما، ساندي وأنا. هاتزوجت

."زمن طويل طيب. " قلت" هذا زمن طيب،" -

46

أحدق في البعيد صوب المـاء، . العجوز ال يقول شيئا واآلن غدا بوسعي أن أرى سفنه، ثالث سفن غامضة ملتحفـة

.بالضباب حيث تلتقي السماء بالبحر "وإذن، ماذا حدث لها؟" -

إلي ويحرك رأسه، وكأنه ال يستطيع أن يـصدق ينظرأنني هكذا غبي.

يقذف القنينة من ." إنها ماتت، ذهبت وماتت عني " -

هذه هي كل ما .... وهذه . " كفه ويلتقطها بين سبابته وإبهامه ."تبقى لي منها

نجلس هناك، هو وأنا، كل منا مثبت بقنينته الخاصـة،

، "مـاري "أنـا أفكـر فـي . اره الخاصة كل منا يفكر في أفك ربما في حياة أخرى، في كون آخـر، ". ساندي"وأتساءل عن

ربما كان بوسعنا . كان بوسعنا نحن األربعة أن نكون أصدقاء .وظائف، حفالت عشاء، أطفال. أن نحيا حياة طبيعية

الشكل مازالت تبدو لي لطيفة . "وإذن، ماذا بها؟ أسأله "

."إلى الويسكيكأقرب ما تكون

يرفعهـا إلـى . العجوز يرفع القنينة إلى شفتيه ويقبلها السماء فترسل الشمس المنخفضة عبر القنينة سهم حربة حادة

. من ضوء الكهرمان

47

بـول . هو قنينة بول " جاك"ما تنظر إليه هنا يا " - ."الطيب" ساندي"ماء :بوسعك أن تقول ". ساندي"حبيبتي

يه، أتساءل إن كان جادا، لكن شـيئا مـا فـي أحدق ف طريقة ولعه وتعلقه بتلك القنينة جعلني أقتنع أنه ما يقوله هـو

.الحقيقة "بولها؟" -

.أومأقد تأخذ كل أنواع المعـاني، أقـول . أومئ أنا أيضا

.لو كان ثمة شخص يعلم، سأعلم. لنفسي "منذ متى تحتفظ بها؟ متى ماتت؟" -، الساعة الثالثـة والربـع 1990 أغسطس 11" - ."يوم حار، مثل اليوم. عصرا

ز تفكيري لثانية أو اثنتين، أعـد علـى أصـابعي أرك

.للخلف " أغسطس؟11" -

.يومئ من جديد "في أي يوم نحن اآلن؟" -هـل ". ساندي"عيد وفاة . " أجاب" أغسطس، 11" -

"لديك ساعة يد؟

48

وقـد – قبيحا –أعرف كم أبدو . أعرف ماذا أقول ال من البشر، لكنني لست خبيرا الخاصة تسببت في إيالم حصتي التحـدث " ماري"حينما أرادت والدة . فيما يتعلق بأمور الموت

، حينما أرادت أن يجيـب أحـد ما جرى معي، التحدث حول . اعدهالم أستطع أن أس . على أسئلتها، لم أستطع أن أفعل ذلك

.، ثم مضيت1إنني آسف" ماري"قلت لوالدة

" أنا آسف، ".اآلن، أنا أقول للرجل العجوز الكالم ذاته وكال، ليست لدي ساعة يد، لكن انظـر، الـشمس "قلت له،

. إنها ربما الثامنة، أو التاسعة. منخفضة عند خط األفقالعجوز ال يقول أية كلمة، وظللنا نجلس في الـصمت

.برهةلجار من ورائي ويدور سمعت صوتا يشبه الركض والش

حولي، أفكر أن الرأس األزرق والولد البدين ربما عادا وسط شلة من الصبية بعد كل ما جرى، لكنه لم يكن سوى طـائر

.يركل الرمل ألعلىننصت إلى األمواج المتكسرة، وإلى صرخات النوارس

قف عن الضجيج والركض، ثم الطائر وراءنا يتو . في السماء .يطير بعيدا

.أخيرا، أسألهإذن كيف حدث أن حملت في جيبك قنينـة بـول " -

"عمرها ثالثة عشر عاما لتتجول بها أينما ذهبت؟ . ينظر إلي ثم يهز رأسه مجددا

."ماذا يعرف طفل مثلك؟ لن تفهم" -

1 - 1 - I'm sorry تعبير باإلنجليزية يفيد المواساة .

49

أرى إذا ما أغلقـت عينـي اآلن، سـوف . أهز كتفي

أفكر في أن أعرض على العجوز تذكاري . في المياه " ماري"أريه أن لـدينا أشـياء كي ربما . خصلة من شعرها : الخاص .مشتركة .قلت له." جربني" -

. يحرك لسانه دائريا داخل فمه، محاوال عض شيء ما وفجأة يضع نصف يده بالداخل، يأخذ شهيقا عميقا، ثـم يـشد

أضراسهعندما جذب يده إلى الخارج، كانت تحمل أحد . ةبغت .لون أحمر من جديد. ثم يبصق على التراب. المخلخلة مـا الـذي جـرى . " يقـول " األوغاد الصغار، " -

."لألطفال هذه األيام؟ لم يعد لديهم احترام "أليست تؤلم؟ " -

.مرة أخرى، النظرة البلهاء لكن األلم . إنها تؤلم مثل الجحيم . تؤلم؟ بالطبع تؤلم " -

، 1؟ األلم كله في الـرأس "جاك"ال شيء، ألم تتعلم ذلك بعد يا ."مجرد كيمياء وكهرباء، مثل كل شيء آخر يجعلنا نرتعد

يقصد في التفكير- 1

50

إنهـم . "أن تقوله عن الناس " ماري"أتذكر شيئا اعتادت حتى هؤالء الـذين يبـدو . ذاخرون بالحكايا، الحكايا المدهشة

."هم أن شيئا لم يحدث لهم أبداعلي

أنا، لم يكن لدي أبدا الوقت لإلنسانيات، لكن ثمـة حتى أنا كـان بوسـعي أن . شيئا ما حول هذا الرجل العجوز

.أرى ذلك .سألته" ما اسمك؟" -

.يهز رأسه للمرة الثالثة إال . ، ال تساوي شيئا "جاك"األسماء مثل األلم يا " - ."وت بالطبعحين تم

.يبتسم لي ردا البتسامتي، أسنانه حمراء بالدم "، أم ال؟"ساندي"أتحب أن تسمع عن .... وإذن" -

.أومئيضع ضرسه على راحة كفه، بمحاذاة القنينة الصغيرة

. ، ثم يضمهما لصق بعضيهما"ساندي"المألى ببول الميتة - "ا، اجتمعواجهني بابتسامة يقول فيما ي " شملهما مع .عريضة

اليسرى . أالحظ للمرة األولى أن عينيه ليستا متماثلتين تبدوان مجهدتين وثقيلتين، لكنهما مازالتا . بنية، اليمنى خضراء

.حيتين

51

الشيء الذي البد أن تفهمه عـن . حسنا يا جاك " -

في المطر جوار ولدت". السوائل"هو أنها عاشت في " ساندي"هكذا أخبرتني هي . ، في العراء تماما على أحد الشواطئ البحر

أنـا . "كل حياتها كانت لها عالقة ما بالسوائل . على أية حال .هكذا كانت تقول." 1إنسان سائل، أنا الحالة الثانية للمادة

المعلم الذي كانت لديه . أتذكر دروس الفيزياء األولى

معمل الـشابة ذات مساعدة ال . بحجم بيضة دجاجة " تفاحة آدم "الصدر الضخم، كان األوالد يتأملونها وهـي تتحـرك عبـر

.المعمل .أقول." المواد الصلبة، السوائل، الغازات" -اآلن أنت وأنـا، نحـن . لقد فهمت اآلن يا جاك " -

الحالة األولـى . إذا أتيح لنا أن نرى " المواد الصلبة "اثنان من لكن ليس . ن بوسعه أن يرى ذلك كل من له عينا . للمادة، كالنا

" ساندي. " إنها حتى كانت تتحرك مثل موجة ". ساندي"حبيبتي "."تدفق" كان لها –" مشية"لم يكن لها

عرفت فيما مضى نساء قليالت . فهمت ماذا كان يعني

يعود السبب عند بعضهن إلى التنورات الطويلـة أو . مثل ذلك حتـى " يتماوجن ويتدفقن "الكعوب العالية، لكن القليالت منهن

كنـت أراهـا . كانت واحدة من هؤالء " ماري. "وهن عاريات

الحالة – الحالة السائلة -الحالة الصلبة: في علم الفيزياء أحوال المادة ثالثة - 1

)ت(الغازية

52

تتماوج من المطبخ إلى غرفة النوم، ثم تعود تتـدفق صـوب .المطبخ

.الرجل العجوز يواصل الحديث

. ساندي، كان لديها حوض استحمام كبير وقـديم " -

ك تمكـث هنـا . كانت ترقد فيه لساعات، بشرتها تجعدت كلها وكانـت تـصب تلـك . طيلة اليوم وطيلة الليل إن استطاعت

يا اهللا، كانت تنفق نصف دخلـي . المستحضرات واللوسيونات لكنها كانت تأتي إلى الفراش . على هذه المستحضرات النسائية

يفوح منها إلى درجة ال يمكن أن تتخيلهاناعمة، والطيب ".

حتـاج أن أستطيع أن أتخيل، لكننـي ال أ . كان مخطئا .فأنا أتذكر. أفعل

أمد يدي إلى جيبي، أخرج صندوقي الصغير، أعرض يتفرس فيها، يلمسها بإصبع قذر، ثم . عليه خصلة شعر ماري

.يومئ "رحلت هي األخرى؟" -

أنا سعيد أن كـان . شخص غريب هذا الرجل العجوز .بوسعي مساعدته

.أرقب الشمس تغطس أكثر قليال كانت فتاة من نوع الحالة الثانيـة ". ماري" نعم، " -

."أيضا

53

أشعر بالغصة التي تنتاب أعماقي، حنين لم أشعر بـه يوما ما في القريب سوف أحاول أن أعود إلـى . منذ سنوات .ألرى إن كان ثمة من مازال يذكرني. البيت ثانية

.لم نتكلم لبرهة

ريبـة سفنه ق . فجأة، يقف العجوز ويمشي صوب البحر .ألحق به، خصلة شعر ماري مازالت معي. اآلن

يقبل قنينة ساندي، يمسكها لدقيقة أخرى، ثم يقذف بهـا . في الماء ." يقـول " ين في البحـر، تجئت هنا ألقذفهما االثن " - ."ثمة واحدة يجب أن ترمى.... مازالت

ويرفع حاجبيه، لكن الوقت ليس " ماري"عر ينظر إلى ش خرج صندوقي، أضع داخله الخـصلة، أ. ي، ليس بعد مناسبا ل

.ثم أعيد الصندوق إلى جيبي .أقول له." ربما يوما ما" -

.الرجل العجوز يومئ "لقد تأخر الوقت، هل لديك مكان ننام فيه؟" -

.شاحنتي تقف فيما وراء الكثبان .أجيبه" نعم،"

54

بعنف إلى النوارس تزعق فوق رؤوسنا، والبحر يجيش .األمام وإلى الخلف، محركا جزيئات المادة

***

55

*قنــص الياسمــين

" تدعى )6(في السرير رقم الشابة الصامتة، التي ترقد

األسـماء محـض سوى أن . هكذا أدعى أنا أيضا " . ياسمينغير . ماءنعوت قشرية، تطفو كالزبد، متأرجحة فوق سطح ال

تلك األمور التـي جعلتهـا . نا نتقاسمها كا أكثر عمقا أن أمورترتاح إلي وحدي، والتي جعلتني ال أقضي يوم عطلتي إال إلى

.جوارها

عنبر المستشفى يئن بالمرضى، األمر . كان اليوم صعبا تفريغ السالل جـوار : الذي جعل نهاري كله مشحونا بالعمل

لتقـارير الخاصـة بالمرضـى، تبـديل األسرة، ملء نماذج ا و أخيرا، فـي نهايـة اليـوم . الضمادات و تغيير المالءات

تقريبا، تمكنت من اقتناص بضع دقائق إلعـداد فنجـان مـن القهوة، أخذته إلى حيث المقعد البالستيكي برتقالي اللون جوار

ح فيها قـدمي، أري أشعر باالمتنان لتلك الدقائق التي . سريرها .من جديدوأنعم فيها بصحبتها

".مرحبا يا ياسمين" -

Commonwealth Competition فازت بجائزة الكومنولث - *

وترجمتي للعنوان بتصرف لدواعي Fishing for Jasmineعنوان القصة )ت(فنية

56

”ياسـمين “. ترد الإنها . أقولها، وكأنني أرحب بنفسي

. حتى العمق إنها مكتئبة، ال ترد مطلقا التـي ضحاياال، مثلي تماما، إحدى ” ياسمين “ كانت

ين، من أجل هذا، أنا أيضا كنت ابنة ألحد الصياد . البحر دمرها سـنارة صـيد، شـص من فمي مثل طعم في أخرج الكلمات

في في أذنيها أصب عمق المـاء الكلمات، ثم أتخيلها تغطسهـي علـى حيث ترقـد البارد داكن الزرقة، عميقا باألسفل

.األرجح ."قليل من الوقت اليوملدي " -مـع فتـاة . هابينما أمسح بأناملي على شـعر أخبرها

”ياسـمين “كانـت . أال تلمسها دائماكهذه، يكون من الصعب من أجل هذا، كـان النـاس . ة الجمال شديد شيئا نادرا، امرأة

أضـبطهم . يختلقون األسباب من أجل المرور في فـضائها إنهـم . داخلهـم، يمـضغون تفاصـيلها يشربونها يتأملونها،

.، جميعهم1"باراكودا "

، الـذين يـدفعون الكراسـي المتحركـة الممرضون الـزوار . ، حد الزحف، حين يقتربون مـن سـريرها نيبطئو

األطبـاء، الـذين . المتجولون ذوو العيون الجسورة الجشعة يعيدون اختبار أشياء الشفيفة ثم الستارةيسحبون يتوقفون فجأة

.ليست في حاجة إلى اختبار

)ت (األسماك الضخمة نوع من 1

57

قاسمه سويا، و أنا غيـر الجمال الباهر هو شيء لم نت . بذلكسعيدة

قـال لقد."قلت لها " ،ربما يكون هنا حاال والدك " -

."األسبوع الماضي أنه سوف يأتي

فقط ارتجـف جفـن عينهـا . شيئا ” ياسمين “لم تقل ل إلياليسرى، أو هكذا خي.

ب الـصيد مر شهران منذ وقعت تلك الحادثة فوق قار

سقوطها إلى البحر، لتغور في عمق الماء، منذ. بأبيهاالخاص مر وقت قبل أن يكتشف . ابك أطرافها في خيوط الشبك شتثم ت

والفزع ثم بدأ الزعر ،أحد مـتن إلـى أبوهـا شحبها. األمر حين وصل أخيرا، حمل إلى . القارب، ثم أبحر صوب القرية

.الشاطئ ما كان يظنه جثمان ابنته اسـمينا أريدها أن تلتقط . همس أ!" . ياسمين " -

.أن تبتلعهأريدها . السمكة طعم مثل

لحسن الطالع جاء طبيب شـاب إلـى قـريتهم ذلـك كان هو من استعاد الفتـاة . الصباح، ليزور أقارب له بالجوار

فتحـت : " الغريقة من حافة الموت، هو من أخبرني بقصتها ، ثم غرقـت مـن واحدة نظرت إلى أبيها وقالت كلمة عينيها،

."هذه المرةجديد، في الغيبوبة

58

.” ياسمين“ هذا ما قالته". باراكودا "

وجنتها، يقبل مسح على شعرها، ي أبوها، يزورهاحين جلس على المقعد البالستيكي برتقالي اللون جوار سريرها، يثم ذاتهـا، البنيـة لديه الكف ، أبي مامثل. كفها بين راحتيه آخذا

هو أيضا تفوح منه . كف صياد الضخمة التي خشنتها الحياة، !رجل بسيط وطيبرائحة البحر، يتظاهر بأنه

كيـان نحن تقريبا نشترك في أشياء كثيرة، . ” ياسمين “ .واحد

شـعري يمـس كـي ، أتذكر تلك الصباحات الباكرة سريري نصف نائمة، يحملني بـين أستيقظ، يرفعني أبي من

.يلقيني فوق قاربهثم ذراعيه، فوق جلـدي، لـم شنتانخه يدا، أذني في خشن صوته

طفلة، وكان يفعل ما مجردأرغب في الذهاب أبدا، لكنني كنت .يريد

تـنكمش أتذكر الماء المالح، الـشمس الحارقـة، وأمي

قارب الخشبي وصخرة أتذكر ألواح ال . فوق الشاطئ وتتضاءل .لتثبيت، أتذكر صرخات النوارسا

"؟أال تسمعينها تناديياسمين، لديك حياة في داخلك، "

.ال شيء

59

يمـشي ” ياسمين “ والد ألمح باب العنبر بشدة، يصفق . ويبتسم ليزهور، الصوبنا، حامال

حتى في الموت، الطفلة الكامنة داخلي تـرى ابتـسامة

أعرف . تنال ابتسامة هذا الرجل سوف كذلك، ” ياسمين“ ،يأب .ذلك

شيء يمـور على شعرها، يمسح، ها جوار سرير يقف

. في داخلي عميقا وأنتظر ارتجافتها جفن ياسمين أراقب.

***

60

*"جيني"غنية من أجل أ

يتجه صوب غرفة المعيشة، بحرص رجـل " توم"كان توقـف . تـتكلم " جيني"شاي، حين سمع عجوز يحمل صينية

أن صحن البسكويت وفنجاني الشاي جميعها انزلقت حدفجأة بعض الـشاي تنـاثر . إلى األمام واصطدمت بحاجز الصينية

الفنجان، فوجد نفسه للحظة يحملق في الفوضى، صحنداخل .قبل أن يرفع رأسه لينظر، عبر الغرفة، إلى زوجته

س على األريكة ذات المقعدين، تماما تجل" جيني"كانت

، لكنه لمح االختالف واضحا في عليها تركها على الحال التي ، مشتعلتين بـذكاء مـشوش، من جديد كانتا منتبهتين . عينيها

وكانت تنظر نحوه مباشرة، بدت حاضرة على الحال التي لـم لمطبخ بينما كان في ا .لقد حدث األمر مجددا . تكنها منذ شهور

.مجددااألمر يعد الشاي، حدث

تمسح " جيني"رأى . فتح فمه ليتكلم، لكن كلمة لم تخرج ، والحظ ومضة زرقاء على األرض جوار برقة على تنورتها

أصلح حنجرته وحـاول . إحدى فردتي قرطها . قدمها اليسرى .من جديد "جيني؟ " -

Writers Express Competition : جائزة الكتاب - *

61

.لصينية اإلىبرقت عيناها وركزت، ثم رمت نظرة

.""توم"لقد سكبت الشاي يا " -

نظر إلى األسفل مرة أخرى، ثم إلى األعلـى، أحـس .بشفتيه تناضالن من أجل ابتسامة ما

وأنت أسقطت . هكذا فعلت . نعم فعلت يا حبيبتي " -

."إحدى داليتيك

عبر الغرفة، ووضع الصينية المرتبكـة ذات الـصليل طقطقت مفاصـل . هوة، ثم انحنى ليلتقط قرطها فوق مائدة الق

فخذه عاليا وهو يعتدل، وكذلك حين جلس جوارها، غير إنه لم األمـور خذ. ، هكذا قال لنفسه "خذ األمر بهدوء . "يلحظ تقريبا

. وثبات وبطءبهدوء .القرط من راحته" جيني "اختطفت

- " خرى فوق قالت فيما تريح يدها األ " ،تلقد انخلعنسي كم كان صوتها جميال، كم كانـت لمـستها كاد ي . رسغه . كل تلك الشهوربعد. رقيقة

أليس هذا ال يمكن أن يكون، ؟هل حدث ذلك اآلن " -هذا الصباح كي أجعلـك دهورا طويلة لقد كلفني األمر كذلك؟

تبدين على هذا النحو الجيد، وها أنت تفـسدين كـل شـيء، " عقابا لها، إيه؟دعوني أضرب ظهرها

62

خلف أذنها، وشبك قرطها في مكانه "جيني "عقص شعرجبينهـا سوى أن ابتسمت له وبدت وكأنها ستتكلم، . من جديد

فـي البعيـد وغائبة رآها فارغة . تالشتارتخى وابتسامتها يدها ترتفع في الهواء وتبقى هناك، تحـوم فـي رأى ، مجدداسـحب . تفخ فوق شفتها السفلى ثم فقاعة من اللعاب تن . حيرة

.منديال نظيفا من جيبه ومسحها" توم" جينـي حبيبتـي، هـل . " بهـدوء قـال " جيني؟" - "تسمعينني؟

كحبـات فوق فوديـه سيل من قطرات العرق تشكلت مغلقا . شعر بالدماء تخفق في عنقه . ينتظر إجابتها وهوخرز

العينيه، أخذ يصلي من أجل أن يعود الضوءإلى عينيها واهن .من جديد

الصباح، حين كان يساعدها في كان البد أن يلحظ هذا أنها أفضل مـن وقتها كان من الواضح . كي ترتدي مالبسها

المعتاد، يكفي أنها اختارت فستانا بعينه مـن بـين العـشرين كان مسرورا، لسبب ثانوي هـو أن ذاك . المعلقة في خزانتها

، ة الخفيف الزرقاء الوردات ذو البيجيه، الفستان كان المفضل لد أما السبب الرئيسي فألنها بدت وكأنها تذكرت أنـه المفـضل

. كما أن عملية إدخالها فيه كانت أقل صعوبة من المعتاد . لديه حين أصرت على إدخال قدمها اليمنـى مجرد عرجة واحدة

بالطبع لم تستطع أن .في حذائها األيسر، ويسراها في األيمن أن يبـدلهما، " توم" انكفأت على السرير واستطاع .هكذاسير ت

.باستثناء ذلك ال عقبات على اإلطالق

63

فتح عينيه، ورمق قدميها في األسفل، وخاف أن ينظر

. إلى األعلى، لم يرد أن يلتقي بذلك الخواء المفـرغ الرهيـب كانت تلبسه . كان يفكر أن هذا الحذاء اللطيف، حذاء محظوظ

.دث ذلك األمر آخر مرةحين ح "توم ؟" -

لقد عادت، النور فـي عينيهـا . ارتجفت رأسه ألعلى مرتعش وغير واثق مثل لهب شمعة في نسمة ليل، لكنه كـان

ركزت بصرها عليه، طوحت يـدها ألسـفل . هناك رغم هذا .وأراحتها من جديد فوق ذراعه

."الصورة يا توم، أريد صورتهم" -؟ أي صـورة المدللـة صورة يـا طفلتـي أي" - "؟تقصدين

أحيانـا فـي نتشت كم قميصه وهزته، كما كانت تفعل حين كان يبدو غبيا وغير متجاوب علـى وجـه األيام القديمة

.التحديد يرقصون من ! صورتهم وهم يرقصون! أنت تعلم" -

!"المسكينةأجل جيني .عرفها، عرف الصورة فورا

فـي أحـد . إنها في الطابق األعلى يا طفلتـي " - . لم يجل بخاطره أن عليه أن يتركها." ألبوماتك

64

"هل تريدينني أن أحضرها لك؟" - ."الصورة. نعم" -

.انتصب مترددا على غير إرادته ." اآلن، سأعود حاالفقط ابقي كما أنت" -

نتظر ي أنيق، كانت أمتعتها محزمة، مثل عتاب صامت ينظر إليها، بدال من ذلك راح يحاول أال . جوار الباب األمامي

4:10: يحدق في الساعة المثبتة على الحائط في قاعدة الـسلم خمسون دقيقـة . في الخامسة تماما " ديفيد"موعد . بعد الظهر

. دع أو خذ األمر.إذن هي كل ما تبقى

تمكن من رؤيـة ترك باب غرفة المعيشة مفتوحا كي ي تنظر إليـه، صـانعة بجسدها كي أما هي فقد التفتت ". جيني"

ضيابتسم لها، . بيديها تلويحات تستحثه، بنفاد صبر، على الموبدأ رحلة الصعود الطويلة إلى غرفـة نومهمـا، مفاصـله

.تصطك مع كل خطوة

اعتاد أن يكـون . بالطبع موعدهفي " ديفيد"سوف يأتي لم يكـن هنـاك داع . ده، حتى حين كان صبيا دقيقا في مواعي

للقلق من أن يفوته باص المدرسة، وحين كان أكبر سنا، لـم يخلف وعده إذا قال إنه سيهتم بالحديقة أو سيأخذهما للخروج

كانـا دائمـا . طبيعته المتزنة والعملية أفادته كثيرا . في نزهة ـ ي طريقهـا، فخورين بأسلوب تناوله ألعماله وجعلها تسير ف

دار . وكان ديفيد على حـق بـالطبع . حتى في أوقات الركود

65

" توم "جادل. للمسنين كانت الحل العملي الوحيد " شجرة األرز "كان مصرا علـى " ديفيد"لكن ،ضد ذلك طويال وبصوت عال

.رأيه لست على ما يرام، وأمي سوف أبي، أنت نفسك " -

. الخيار األصوب بال شـك إنه. ، لن تتحسن أبدا تتدهور حالها . وال داعي للقلق بشأن الرسـوم . زيارتها كلما أحببت بوسعك ."األمر كلهأدبر سوف

إلى أن كانت الليلة التي . صمد وقاوم ألسابيع. لقد صمد

. صحا فيها على صوت األجراس ليجد نفسه وحيدا في الفراش ـ ى ينس نل ( امي مطلقا تلك القفزة المسعورة صوب الباب األم

وهي " جيني"مشهد ). مفصل فخذه ظل يصرخ بسببها فيما بعد ، "داوسـون "تمشي في الحديقة ال ترتدي سوى معطف السيد

والعالمات الدامية التي تركتها قدماها على أرضية المـدخل، كان قلبـه علـى وشـك –ومشهد ارتجاف جسدها في البرد

.االنخالع . واألنسب فعله الحل العملي إنه. على حق" ديفيد "

إلى أعلى درجات الـدرج " توم"رغم ذلك، حين وصل وراح يترنح صوب غرفة النوم، وجد نفـسه يتمنـى للمـرة

.األولى في حياته أن يتأخر ابنه عن موعده

مألت العشرات منها خـالل " جيني "–ألبومات الصور جميعهـا . أسـفل النافـذة الرف كانت مكدسة فوق -السنوات

66

لم يأخذ . طها األنيق والمنتظم الذي كان لديها دوما مؤرخة بخ فتحه وبدأ يقلب . الكثير من الوقت ليجد األلبوم الذي يريد "توم"

كانت فـي منتـصف " جيني"الصورة التي أرادتها . صفحاته من غالفها البالستيكي وأخـذ طريـق سحبها. األلبوم تقريبا .يقة كانت الرابعة وخمس عشرة دق.العودة لألسفل

يعبر الغرفة، ثمة تعبير على وجهها لم " جيني"شاهدته .جلس جوارها وعرض عليها الصورة. يستطع قراءته

"هذه يا جين؟" -

. أومأت، أخذتها منه وقبضت عليها بأصابع مرتعـشة .حين نظرت إلى األعلى كانت عيناها مبتلتين بالدموع

صـغارا ! جـدا كانوا صغارا ! انظر! أوه يا توم " - !"جدا

."أعلم يا حبيبتي، أعلم" -

أخـوة "فريق . ر عشية الكريسماس، هو يتذك كان حفل كانـت ". جيني البائـسة " أغنية يؤدون في الصورة "إلى األبد

. معها، وتريد أن ترقص " جيني"تغني كلما أذيعت في الراديو .ا من نفسهكان يرقص إلسعادها، ويشعر بنفسه قويا واثق" توم"

."صغار جدا" -

67

طوقها بذراعه، وجلسا ينظران إلى نفسيهما، يرقـصان الورقيـة، والقبعـات ، بين بالونات الجليد 1"الروك آند رول "

، وبـصوت قـة بر. للمصور الذي طال نسيانه يضحكان عاليا .في الغناء" جيني"أعلى بالكاد من همسة، شرعت

أبوها أخ يتعقبني أينما ذهبت، حسنا، جيني لديها " - ،قطار خارج البلدة في يرسلنييريد أن

، الـسجن من" جيني" أن أظل هناك حتى تخرج أرجو...

...." جيني البائسة

الـذي أخـذ يهدهـدها " توم"أرخت رأسها على صدر خافتـة داخـل حين تكلمت ثانية كانت مجرد همهمـة . بحنو

.قميصه هي هل . جوار الباب الحقائبتلك . تلك األشياء " - " يا توم؟2أغراضها

. متكسرة وغير واضحةخرجت كلماته ."نعم يا حبيبتي " -

. أحس أنها أومأت

1 Rock and Roll ت( رقصة غربية( وتتكلم بضمير تي في األغنية وفي ذات الوقت تقصد نفسها، تقصد جيني، ال 2

)ت (.الغائب ألنها في حال انفصال لحظي

68

سـوف . إنه مكان رائع وفسيح، كمـا تعلمـين " - !" كامالأيام حياتها قبل أن تستوعبه" جين"تقضي " سوف يأتي ؟1)ديفيدهم(هل " - ." لحظةخاللأجل، يا حبيبتي، " - لطيفة في ... هل سأبدو أنا ... هل ستبدو هي " - "عينيه؟

، يا قطتي الحبيبـة ليست الكلمة المناسبة " لطيفة " - ."تبدين جميلة مثل لوحة

ينظـر فـي وحـين أراد أن رفعت رأسها وابتسمت،

لهـب . ينطفئ ليقبلها، لمح النور يرتعد ثم حين انحنى عينيها، ، غير ... حال، آمال أيةقبلها على لكنه . الشمعة ارتعش ثم خبا

حين انـسحب ونظـر إلـى .نأن شفتيها كانتا غير مستجيبتي . الخواء العميق العميق قد عادكانوجهها ثانية،

"جين؟" -

.أرجحها بلطفواحتضنها، . 2 على اإلطالقال شيءجينـي حبيبتـي التعـسة . " قال! جيني البائسة " - ."البائسة

" تـوم "حين فـتح . رن جرس الباب في الخامسة تماما

مسح بعينيه القاعة بحثا عن . واقفا عند العتبة" ديفيد"الباب كان . قليال حين لم يجد أيا منهامحبطا أمه، وبدا حقائب

1 Their David ت(تفيد التدليل . تقصد ابنهما ديفيد( )ت. ( لم ترد ولم تبد عليها أية ردة فعل 2

69

أبي؟ ماذا هناك؟ أليست مستعدة؟" -

، "جينـي "ت به مالمـح مـن كان. إلى ولده " توم"نظر .منعكسة في جبهته العالية الناصعة، وفي زرقة عينية الوفيرة

ه" توم" هزرأس. أردت إن كالنا غير مـستعد ، .ال، ليست مستعدة " - في القلب، تحوللقد أعدنا التفكير قليال، والدتك وأنا، . الحقيقة ."أن تقوليمكنك

...."لكن يا أبي " - ؟) ديفيدنا( هل هذا هو ،توم؟ توم" -

فأوقفخالل غرفة المعيشة، طافيا " جيني" صوت جاءالـذي رد عليـه حملق في والده، . ولدها في منتصف الجملة

.بابتسامة عريضة قال له فيما يأخذه مـن " هل أخبرك بأمر يا فتى، " -لـى لماذا ال تأتي للداخل ؟ سأضع غالية الـشاي ع " ذراعه،أمك تبتهج برؤيتك دوما ، سواء أظهرت هـذا أم لـم . النار

"وبعد ذلك سنمضي ثالثتنا في الدردشة، ما رأيك؟. تظهره ***

70

* األرانــبقتــل

.ا إلى قتل األرنبع يوملم أتطل أرتعـد مـن فقد كنـت – هذا األمر لوا من شأن ال تقل

، المشنقةلقتلة من أنشوطة كنت أفزع منه مثلما يفزع ا . الفكرةأو كما يفزع غواصو البحار العميقة من التواءات العضالت،

.1أو مثلما يفزع المدرسون التعساء من صباحات يوم االثنين هكـذا قالـت ! " مضطرا على فعل ذلك لست" -، التي كان القلق يزيد وجهها رهافة، وكان هذا "ماري"زوجتي

. كلينا كان يعلم أن تلك لم تكن الحقيقةلطيفا منها، غير أن ما نإذا لم أفعل، إذ . أن أفعل ذلك حتميةالحقيقة كانت

الحيـاة " الذي كنا نمثله هنا تحديدا ؟ إعادة عرض لكوميـديا ؟ 2"الطيبة

إذا لم أستطع أن أجبر نفسي على قتـل أرنـب واحـد

حاولة أعزل، فإن كل كالمنا حول أسلوب االكتفاء الذاتي، وم

TooWrite Competitionجائزة الكتابة للغاية * )ت. (ثقافتنا ذبحها قتل األرانب توازي في - )ت( انتهاء العطلة األسبوعية وبداية العمل - 12 - The Good Life فيلم آوميدي بريطاني يتناول حياة أسرة من الطبقة

)ت. (المتوسطة

71

الخروج من جنس الفئران، وإقامة حياة أكثر صحية، لن يغدو وبوسعي اآلن أن أسـمع . مجرد كالم . أكثر من كالم كل ذلك ، بوسعي أن أرى حاجبيها المقوسين، وابتسامتها "ماري"والدة

أوه نعـم، أنـت :" ألم أقل لك ؟، وتهكمها الواثق : التي تقول ...!".، أليس كذلك يا جوناء عن األشيدائما بارع في الكالم

على أيـة حسنا، لم تكن هي من يستحق هذه الترضية

إيغاال من إمكانية ، لكن ماري وأنا كنا في طريق أكثر حال تركنا وظيفتينـا، . ، تجاوزنا منذ زمن نقطة الال عودة التراجع

واآلن، –تركنا بيتنا، ثم انتقلنا نهائيا إلى منطقة ريفية من البلد .وا إليناانظر

أعجوبة العجائب، كنا نفعل الشيء الذي ظللنا نحلم بـه

وها نحن أخيرا، برغم كل العقبـات، . طيلة العامين الماضيين .ندير أرضا صغيرة تخصنا

األسابيع القليلة األولى من محاولة تحويل المكان إلـى

ت ال شك، فقد كان . شكل مقبول كانت شاقة، لكن مرضية تماما وثمـة أعمـال بنـاء ، وعرةالكوخ الريفي حيطة ب األرض الم

لدينا ثمانية هكتارات من . ، لكن المحيط العام كان رائعا ناقصةـ تربة عفية خصبة، محاصيل تزرع وتنمو، دجاجات تق ق، رق

بطات توقوق، إوزات تزمر، بضع خراف تمأمئ، وبطبيعـة علـه الحال كان لدينا أرانب، أرانب مشغولة بما تحـب أن تف

.األرانب عادة

72

هل كان من الممكن أن أغامر بكل هذا، لمجرد أنني ال الشيء الـذي هـو -أستطيع أن أواجه ببسالة مذبحة صغيرة

ركن ركين من حياتنا الراهنة ؟ الوقت الحاسم بالنـسبة لـي، . إنه الوقت الحاسم . كال

.الوقت الحاسم بالنسبة لألرنبة

. ثة أرانب نيوزيلندية بيضاء ، إحدى ثال "تاج"اسمها كان ، أما األنثـى األخـرى "بوبتيل"الذكر الضخم أطلقنا عليه اسم

دائما حبلى بحمل ثقيل، ولو اتبعت " راج"كانت ". راج"فتدعى النهج نفسه ألصبح ثالوثنا الصغير في طريقه الـصحيح " تاج"

. رطل من اللحم كل عـام 200نحو تزويدنا بحوالي المأمول .ول الكتب على كل حالهكذا تق

و كـي " (بوبتيل"فرغم كل جهود . لكن كان ثمة مشكلة

، )أوفي الولد حقه البد أن أقول إنه بذل قصارى جهده بالفعـل أسبوع بعد أسـبوع بعـد . ترمي كرتها رفضت " تاج"إال أن

يؤدي واجبه الرجولي بحماس مذهل، غيـر " بوبتيل"أسبوع، و . لعنيدظلت على عقمها ا" تاج"أن

إذا كانت األنثـى غيـر : يقول خبراء االكتفاء الذاتي

، تلـك "تـاج "وكانت ! وفإن مكانها الوحيد إناء الطه منتجة،. ، من دون شـك غيـر منتجـة حلوة الطبيعة األرنبة اللطيفة

حسنا، ال مكان للعائشين علـى الـصدقات فـي مزرعتـي . البد أن ترحل" تاج. "الصغيرة

73

أخبـرت " ح حبلى على نهاية األسبوع، إذا لم تصب " -سنجلب أنثى أخرى، وسيكون علي أن . إذن سيكون " ماري، ."، أنت تعرفين....

" تـاج "وجاءت نهاية األسبوع، وكل ما يمكنني قوله إن

.ظلت عاقرا كما هي دائما بينما أتجه إلى زر الكهربـاء هكذا أعلنت " غدا،" -

."سوف أفعلها غدا. " لسريرألطفئ المصباح جوار ا

".ماري"في الظالم كنت أسمع تنفس "هل أنت واثق؟" - ."نعم، لقد حان الوقت" -

في النوم للحظات سقطت. لم أستطع النوم تلك الليلة قليلة، فإذا بالذي سوف أفعله في الصباح يقفز في أحالمي على

يتـرنح فـي قدم، 15هيئة شبح أرنب مخبول يتلوى، طوله .خطوته على طريقة مشاهد أفالم الرعب

عيناي شاخـصتان، أحملـق فـي في الفراش، رقدت .ر، أتذكرالظالم، أفك

أعود بالزمن إلى الوراء، حين كان قرار االنتقال إلـى الريف مازال في طور المناقشة، كان أصـدقاؤنا يـستمتعون

تي سـنتورط ال والنتائجباستجوابنا حول طبيعة حياتنا الجديدة اهتموا على نحو خاص بالجزء الخـاص . فيها بناء على ذلك

74

بدا أن أحدا ال يعاني مشكلة كبيرة في التعامـل . بعملية الذبح مع الدجاج، أو اإلوز أو الخـراف، غيـر أن الكثيـر مـنهم

.روعتهم فكرة أن نربي، نقتل ثم نأكل األرانب

يربيان زوجا ، كانا "ستيف و بولين "صديقانا الحميمان، التـي ذات الحيوية غزيرة الشعر من األرانب المنزلية األليفة

تنطق بالجمال واللطف، اقتنى الصديقان هذين األرنبين مـن ولذا لم يكن مدهشا أن يكون انزعاجهما -أجل تسلية أطفالهما . شديد الخصوصية

" سـتيف "هكذا قال " لن تقدر مطلقا أن تفعل ذلك، " -

ليس حين تنظر إلى األسفل . " يالي لقائنا في الحانة في إحدى ل فتجد هاتين العينين البنيتين الواسعتين تنظـران إليـك، وذاك

...."األنف الصغير المرتجف." األرانب النيوزلندية البيضاء لها عيون حمراء " - .قلت له

ستيف معه حق، مازلت أذكـر . " بولين رأسها "هزت

." حين تعثرت وانقلبت فوق قطتناالحال التي انتابتك في حياتي دهسي لقطتهما كان أسوأ ما مر بي . أجفلت

لن تتركني أنسى ذلـك " بولين"أدركت منذ عهد بعيد أن . كلها .الحدث أبدا

أجبتها بينما أختبئ خلف كـأس " األمر مختلف، " - ."األمر مختلف تماما"البيرة،

75

قالـت بابتـسامة ! " سةياللكائنات الصغيرة التع " -على األقل ال تتوقع منـي . " نصفها غضب ونصفها استهزاء

أن أكون لطيفة معك بعد أن تكون قد اغتلـت ماليـين مـن أنا أتكلم عن . األرانب الرضيعة البريئة، هذا كل ما في األمر

..."الدماء التي تلوث يديك

أدركت دائما أننـي سـأواجه . كانا على حق بال ريب ضلة مع عملية القتل تلك، لكني استطعت أن أطمئن نفـسي مع

. بالمستقبل البعيدرهنامادام األمر مازال

بوسعك أن تصنع حالة ذهنية تمكنك من الكـالم عـن ، مستخدما تلك المصطلحات ...، التقطيع الخ الجلد ، سلخ القتل

بوسعك أيضا . العملية الهادئة ذاتها التي تتداولها كتب الزراعة غير المبهج عن المظهر الريفي عن نفسك تلهين تتعلم كيف أ

طريق أن تتخيل كم هو رائع أن تعيش في مكان ريفي بـسيط 1".فليسيتي كاندال" مع

غير إني عدلت تماما عن فكرة النوم، ومع بداية تسلل الضوء الخافت عبر الستائر، كان علي قبول حقيقة أنـي لـن

ـ ي أو أصرف تفكيـري نفس ألهيأستطيع مجددا أن . األمرب فلم تكن في –" فليسيتي كاندال " أما فيما يخص . الوقت الحاسم

.أي مكان حتى ترى

1 - Felicity Kendall - ت. ( ممثلة إغراء أمريكية(

76

من الـسرير، ارتـديت انزلقتحول الخامسة صباحا، " مـاري "مالبسي وتسللت ببطء إلى الطابق األسـفل، تاركـا

وددت أن أنهي األمر بأسرع مـا . تتنازعها أحالمها الخاصة .نومهاكن، ومن األفضل أن يتم بينما هي مازالت في يم

في الخارج، كانت شبورة الصباح الباكر تتدفق وتغطي

.بدا ذلك مناسبا على نحو ما. األرض

فـي أقفاصـهم " راج، وتاج، وبوبتيـل " كان كل من كانـت أنـوفهم . المنفصلة في الحظيرة الصغيرة خلف الكوخ

يـضرب " بوبتيل" بينما أخذ تختلج تجاهي كلما اقتربت أكثر، .األرض بأقدامه

:إذا قدر لك أن تقتل أرنبا، فإليك ما يجب أن تفعله

تأخذ ساقيه الخلفيتين بيدك اليسرى، تقبض على رأسـه في ذات الوقت تـضغط . بيمناك، ثم تلوي الرأس إلى الوراء

إذا أديت الخطوات على نحو . يدك إلى األسفل كي تشد العنق ستنكسر عظمة العنق ويحدث المـوت تقريبـا فـي صحيح، .لحظة

أحفظها عن ظهـر . قرأت التعليمات عشرات المرات

بل إني مارست كل تلك الخطوات من قبل على منـشفة . قلب" تاج"غير إني بمجرد أن أخرجت ! الصحون باعتبارها أرنبا

.ارتعشت يداي..... من قفصها،

77

من " راج و بوبتيل "حملتها إلى الخارج حتى ال يتمكن داعبتها، أخبرتها أني آسـف، ثـم، . يحدث سوفرؤية الذي

...بأسرع وأدق ما يمكن، . قتلتها

***

ولن أنسى أبدا . كان األمر رهيبا، سوف ال أنساه مطلقا أن أجذب بها كم القسوة التي كان علي.

نعـم علـى . غير إني أنجزت األمر على نحو صحيح

إذا كانت قد تألمت، فلم يكـن . ى نحو صحيح األقل أنجزته عل .ذلك إال لثوان قليلة

أن أنجـز عمليتـي الـسلخ بعدما قتلتها، كان علـي

عليك أن تحزم سـاقي األرنبـة –أعرف النظرية . والتقطيع. الخلفيتين فوق مفصل القدم مباشرة ثم تعلقها على خطـافين

احل من سـاقيها بعدها تشق قطعا صغيرا أعلى مفصل كل ك بعدئذ تنزع طبقـة . الخلفيتين، ثم تمد القطع حتى فتحة اإلست

.الفراء عن الجلد عند ساقيها ثم تقشرها عن سائر الجسد

لقد هيمنت علـى . فعلت كل ذلك، فعلته على نحو جيد الموقف األساسي ، جابهت األمر الـذي طالمـا أفزعنـي ،

.نفسي عنوكنت بالفعل راضيا . تصرفت كرجل

78

***

حين فتحتها ألفرغ أحشاءها، تبخـرت كـل مـشاعر .الغبطة

***

ماري إلى الطابق األسفل ووجدتني جالسا فـي "هبطت

.المطبخ قالت"ماذا هناك؟" -

.هاأخبرت

ن، لكن ثمـة أشـياءتعرفت على الكبد، القلب، الكليتي لـم أشـياء . مطلقا أستطع التعرف عليها أخرى في الداخل لم

.الكتبتكن في

.عشرة أشياء كانت مألى " تاج"كان يجب أن أنتظر يا ماري، " - ." بالصغار

كل هذا بعد. حبلى" تاج"كانت

***

79

*سرالجـ

ـ "أحالمي، أحالمي الطيبة، في ريس مـاك مـاري آي تمـارس دائما مـا –"ميم"اختصارا التي أسميها –" ورماكك

يديها، ركبتاها مثنيتان، وقدماها مزروعتان الشقلبة، تقف على تنورة زيهـا . الطوب األحمر حائط الملعب ذي بثبات صوب

مطرقـة ناعم أخضر اللون حول جرسالمدرسي تتدلى مثل رأسها، وحين تدير رأسها لتواجهني، : الناقوس نصف المختفي

أرى عينين غريبتين ذكيتين مقلوبتين ترمقـانني مـن أسـفل تنظر بعيدا، وبحركة خاطفة مـن شـعرها . لمقلوبةاألهداب ا

.األشقر تكنس غبار األسفلت فيتحرك في دوامات

حالما، نصف واع بالحقيقة، أتساءل كـم مـن الوقـت ، داخل خيمة الصفراء-الزرقاءالحارة مضى منذ تلك الظهيرة

؟أربعون؟ تسعة وثالثون عاما . بلدة الصغيرة شقيقتها في تلك ال يكون ذلك حقيقيا؟ هل مضى بالفعل كـل ذلـك هل يمكن أن

الزمن الطويل منذ أن تركتني وانتقلت إلى المدينة، إلى حيـث األضواء البراقة، لندن؟

الناقوس ، ترتفـع فـي الهـواء -رأس التنورة قمة من

، زوجان متماثالن من الدعامات الطـائرة مضبوطتانساقان

- Word Smitten 2003" وورد سميتن "جائزة - *

80

تنفردان فجأة، تنفصالن . تقبالن الحائط من أجل أن تبقيه مكانه" مـيم "بينمـا تتقـدم يتحرك Vبكل مهارة، فتصبحان حرف قائمـة تـشكالن زاويـة كفاهانحوي ببطء، متزنة، مستقرة،

يعنـي V 1. مـدهش . مضبوطة مع معصمين قويين مرنين .النصر

مـن بـاطن لضحكة صادرة أسمع جلجلة عالية النبرة ليس الذي ذاك المكان –حرمة الناقوس، وفي ظلمة البقعة الم

أبصر قطعة مالبسها الداخلية داكنة –لعيني عمل شرعي فيه .الزرقة

ثالث مرات في األسبوع الماضي أصحو عنـد هـذه النقطة من الحلم، وأنظر صوب بحيرة النور حيـث تجلـس

مـاري " الممرضـة –أعرف إحداهن جيـدا . ممرضات الليل أبوها . حمر واللكنة األيرلندية المحببة ، ذات الشعر األ "أوكانرساعي البريد الخاص بي، يتسلم رسائلي، يجمع ردودي، كان

أخبار المدينة الضخمة . يجلب لي الصحيفة الجافة واإلحباطات المدينة التي هي أضخم مما يحتمل ولد مثلـي مـن بلـدة - . الصغيرة" فريستون"

".ميم"آه يا

على هذا النحـو " أوكانر ماري"حين تتحرك الممرضة .الواثق، وتضحك بتلك الطريقة، تذكرني بك

)ت. ( أي النصر Victoryأول حروف آلمة ) V( حرف - 1

81

نفـسها مـن تفكـك ، تتثـاءب، واقفةأحب أن أتخيلها أحـب أن . الصغيرة ة الساطع انية النور تها ومن بحير مركزها

جنـاح عبر، تمشي على يديها صامتة مقلوبةأتصورها وهي شكل الناقوس، األبيض الهش أضيق من أن يصنعثوبهاالنوم،

غير أن قبعتها الجادة ستسقط، ويتماوج شعرها األحمر علـى اا طليقاألرض حر .

تستدير أراها تقف عند سريري، تبتسم ابتسامة واسعة،

حتـى مـن دون . نعم. ، ثم تعود أدراجها إلى طاولتها ببطءالداخلية داكنـة أن ألمح قطعة مالبسها دون، حتى من جرس . يظل ذلك شيئا جديرا باالستيقاظ من أجله، سوف الزرقة

تمارسـين مازلت –" ميم"أغمض عيني وأفكر فيك يا

الداخليـة، ة مالبسك الشقلبة في أحالمي، مازلت ترينني قطع بعد كل تلك السنوات ... مازلت تسببين لي المتاعب.

***

82

*النبتة الصغيرة

الحادي " سايمون"الد إنه الصباح الباكر، صباح عيد مي ـ م بالعالم الغريـب ثانية، يحل " كانوني" عشر، وها هو يحلم ب

فهو أبدا لم . ولو أن هذا المرة مختلفة . فيه أحيانا تشاركهالذي ، لم يكن يقظا وواعيا بالفروق من قبل بمثل هذا الوضوح يرها

تغمره مشاهد وأصوات وروائح . بين عالمها وعالمه قبل اآلن .يا إفريق

على بعد في الهواء تمتطي فرع شجرة تحلق " كانوني"

، تتـدلى سـاقاها الطويلتـان، و "سايمون"مترين فوق فراش ثمة قطع فـي . قدماها الحافيتان تتأرجحان بالقرب من وجهه

الجانب األسفل من أحد أصابع قدميها، بوسعه أن يرى كعبـي .هما الغليظةقدميها العاريتين بشقوقهما السميكة وبشرت

خارج شرفة حجرة نومه، تزأر حركة المرور في لندن ومن بعيد يصرخ جهاز . ثمة كلب ينبح . تحت الغيوم الرمادية .إنذار إحدى السيارات

، ."مرحبا أيتها النبتة الصغيرة، عيد ميالد سـعيد " -

" . كانوني"قالت

Commonwealth Short Story للقصة القصيرةجائزة الكومنولث *

Comp

83

شفتيها تتحركان، يسمع كالمها داخـل " سايمون"يبصر

. لكنه يعلم أن صوتها لم يدخله بالطريقـة المألوفـة –أسه رتتكلم لغتها الخاصة، فمها يتشكل على نحو غريـب، " كانوني"

يأخذ أشكاال متحركة، غير أن الكلمات التي يسمعها كانت دائما .كلمات إنجليزية

.، قال لها"كانوني" يا شكرا لك" -

وهـو ال يريـد أن يتكلم بهدوء ألن نوم أبويه خفيـف ليس بعد الذي أجبراه على فعله فـي . يسمعاه يكلم نفسه ثانية

.المرة األخيرةابتسامة عريضة، فظهرت أسـنانها " كانوني" ابتسمت

.مثل صدمة بيضاء داخل اإلهليليج المظلم من وجهها .قالت، بينما تهبط لألسفل." تعال" -

فزة واحـدة يـسيرة يدفع لحافه بعيدا، يأخذ يدها، وبق يلحق بها فوق غصنها اإلفريقي، قشرة الشجرة خشنة تحـت

األسفل الطريق الجافة القاحلة التي يبصر في . فخذيه النحيلين برتقاليـة الشمس، كرة ويرىتصل بين الشجرة وبين القرية،

. ضخمة، تصعد فوق مجموعة من األكواخ الصغيرة المتربـة .لوب من األزرق والذهبي مقالسماء في األعلى صحن

إذا ما أدار رأسه قليال، سيظل بوسعه أن يرى غرفـة

.نومه، الملصقات على حوائطها، تليفزيونه، حاسوبه

84

.ظل الكلب ينبحيتوقف إنذار السيارة، في حين ي ، قال هذا بينما يشعر باتزانه فـوق !" هذا عجيب "-

.عالمينمنحنيي نقطة التقاء وق صهوة حـصان، منطلقـين صـوب نحن ف " -

.، تقول كوناني"، حصان خشبي على شكل شجرة"مومباسا"

.تضحك، و معا يشاهدان فجر يوم إفريقي جديدالرجل "إلى بيجامته التي على شكل " سايمون"فجأة ينتبه

كيف يبدو شكله اآلن، وهو يمتطي هذه الشجرة ؟ ". العنكبوت .يبتسم ابتسامة عريضة

" انحني قليال إلى الخلف، أيتها النبتـة الـصغيرة، " -

.تقول كانوني

يشعر بـدفء جـسدها، . يفعل ذلك، فتطوقه بذراعيها يـشعر . يستنشق الرائحة الطيبة لبشرتها، ويـشعر باألمـان

.باالنتماء فيمـا تقـرأ " كانوني"تقول " ،بالتأكيد أنت تنتمي " -بذرتي تنمو داخلـك، . وأناكالنا منتميان سويا، أنت . " أفكاره

."بذرتك تنمو داخلي

تتلمس الكدمات الزرقاء، . يده في يدها " سايمون"يضع تمـسح عليهـا . الخطوط الحمراء الغاضبة علـى معـصمه

.بإصبعها

85

.تهمس فيما تقبل أذنه" والدك؟ " - .يومئ برأسه موافقا" سايمون"

ن فـي آلايستطيع أن يخمن أنها تنظر . "كانوني"تتنهد .أرجاء غرفة نومه

ورغـم . " تقول كانوني " أنت تملك الكثير جدا، " -

."ذلك أنت تملك القليل جدا

" كانوني" إلى القرية المغبرة، يرى والد " سايمون"ينظر يقف في مدخل الباب، ملوحا في . يبرز فجأة من أحد األكواخ

الضوء الذهبي. ومع هذا " يقول سايمون، " جدا، أنت تملكين القليل " -

."أنت تملكين الكثير جدا ".كانوني"تعانقه

أنت كبير . اليوم عيد ميالدك أيتها النبتة الصغيرة " - ."لدي الكثير مما يجب أن أخبرك به. بما يكفي

سويا في الـشمس المـشرقة، يجلسانلفترة من الوقت .خرىيتكلمان عن نفسيهما، وعن النبتات الصغيرة األ

.يتكلمان عن كيف سيجعالن كل شيء في العالم يتغير

***

86

*"آندي"وجبة إفطار مع

األكبـر شـقيقي يقـول ، "افتحي فمك يا لوسي " -

، لكنني لن أفـتح فمـي جدا أنا خائفة . ، لكنني لن أفعل "آندي" . ومهما فقد عقله عصبيابدامهما قال، ومهما

واليوم، رغم عنادي، لم يكن . س أعصابه صباح أم فقد

ظل لبرهـة يـؤرجح . حال أيةليس بعد، على . عصبيا جدا لكنه . ملعقته تحت أنفي كما اعتاد أبي أن يفعل حين كنت طفلة

. ، لم يثر علي ولم يضربني الطعام حين وجدني مازلت أرفض كتفيه استنكارا ثم يهزبعد ذلك . توقف عن أرجحة ملعقته ي فقطـ رأسه ويهز. رجاءها حزينا، كأنني خيبت بد سحب الملعقـة ي

لوسـي " يـا تغيرين رأيـك سوف " : ويقول بعيدا عن وجهي ."، سوف تنصاعين"لوكيت

.لن أفعل. لكنه مخطئ

أنظـر . أشاهد ذلك ال أريد أن .إفطاره" آندي"يواصل

أرقب البقع على الطاولـة، . إلى األشياء األخرى بدال من ذلك د الطعام، الثالجة، خـزائن األكـواب بأقفالهـا الجديـدة موق

. حول مطبخنا إلى فوضى ولخبطة عظيمة " آندي. "الضخمة

the Ashes Competitionجائزة الرماد *

87

وفعل الشيء ذاته في كافة أرجاء المنـزل، مالبـسه وكتبـه الوحل على األرضـية مـن حذائـه . وأوراقه في كل مكان

بها في الحـوض كمـا تلقـى ملقىالطويل، صحون األمس بوسـعي أن أرى وفي الركن جوار الباب الخلفـي النفايات، . جواربه المتسخةزوجا من

حين كان أبي هنا، كنا دائمـا . أكره حال الفوضى تلك لو . أحبه هكذا . نحافظ على البيت نظيفا منظما، وشديد األناقة

، سوف أقوم بتنظيف كل شيء فورا، في هذه "آندي "سمح لي وإذا فعلت ذلـك . أنه لن يسمح لي اللحظة تحديدا، لكنني أعلم

. ضخمةمشكلةأقع في وف ، سموافقتهبغير

أحدق فيهـا وأحـاول أن أجعـل . بطيئة جدا الساعة أريدها أن تأتي على الوقت الذي يخرج . العقارب تمشي أسرع

حـين . الوقت الذي أصبح فيه نفـسي . إلى العمل " آندي"فيه ن جديد نفسي سوف أكتب في دفتر مذكراتي مأكون.

أجعل عيني تخرجان من البؤرة وأحاول التفكير في ال

أفكر في الوقت، فـي سـاعات . ال أستطيع غير أنني شيء، أبدأ فـي . كيف يمكن أن نشاهد الساعة والحائط وساعات اليد . ال أستطيع التوقفوبعدهاالتفكير في الطعام،

ـ . ذلك فيجعلني أقفز " آندي"يقول !!" اللعنة" - ر أنظثمة . ذقنهمع اللعاب جوار بعض الطعام اه وقد أسقط إليه فأر

بقعة مبتلة فوق قميصه، ال أريد أن أرى أيا من ذلك، أنظـر .بعيدا

88

أنا جائعة كما لم . أتمنى لو لم أكن جائعة إلى ذلك الحد

.أكن في حياتي كلها

رشفة وآخذ كأسي أرفع معدتي جلبة أثناء نزول فتصدر ي ال أنظر إليه، لكن بوسعي أن ن، ورغم أن "آندي"يسمع . ءالما

هو يحسب أن صرير معدتي يعني . أشعر بابتسامته العريضة –يظن أنني سرعان ما سأشاركه إفطاره . أنني سأفعل ما يريد

رغم أني لم آكل أي شيء منذ مدة طويلة، أيام . لكنني لن أفعل ـ في طريقي أل وأيام، ورغم أنني ؤالء األطفـال بدو مثـل ه

راهم في التليفزيون يتضورون جوعا، لكننـي تاألفارقة الذين أنا مثل ذلك الرجل البدين . إلى األبد . إفطاره" آندي"لن أشارك

فوق الدراجة البخارية، الرجل الذي غني تلك األغنيـة التـي بوسعي أن أفعل أي شـيء مـن أجـل :" حبهاأبي أن ي اعتاد

."لكالحب، لكنني لن أفعل ذ

أتمنـى . إلى العمـل " آندي"أتمنى أن يأتي وقت ذهاب . جدا،ذلك جدا

***

.الثالثاءلم يضربني هذا الصباح، لكنه يكلـم . مفكرتي الحبيبة

المصنوعةالكلمات بل تلك ، منطقيةليست كلمات . نفسه كثيرا منذ أن مات أبي، أكثر وأكثر يفعل ذلك . التي يستعملها أحيانا

. أيضاو يصيح ويتوعد ويسب كثيراه. وهذا مخيف

89

خروجه إلـى قبل مرتين الخزانات مزاليجكل يفحص

وبينما كان . اشترى قفال جديدا، قفال أكبر للثالجة كان و .للعملـ وتظاهريركبه أخبرني أنني أصبحت جلدا على عظم، قلق ال ب

ثم اآلن، بعد أن حبسني في غرفتي، قال الشيء الذي . شديدالوقف في الخارج وقاله بصوت عال، من خالل . ني جدا أرعب .الباب

، لـن "لوسـي "تعرفين ماذا يجب عليك فعله يا " -

هكذا " تبرحي الغرفة اآلن، لن تبرحيها حتى وقت متأخر جدا .قال

سمعت الشاحنة تـدور . كان يصفر وهو يغادر المنزل

. جديد من واآلن، أنا وحدي . ورأيته يقودها إلى أسفل الطريق .تماماوحدي

ال يزعجني أن أكون وحيدة، لكنني أكـره أن أحـبس

حين أسجن على هذا النحو أشعر أننـي علـى وشـك . هكذاعيد مـيالدي . حين أفكر أنني لن أعيش طويال وذلك الجنون،

الشهر القادم، لكن إذا لم أخرج من هذه الغرفة بشكل أو بآخر، .ي لن أصل السادسة عشروإذا لم أجد شيئا آكله، أعتقد أنن

.السادسة عشر

. أحيانـا " آندي"، يقول " لوسي لوكيت "ترقبي يا " -

."السادسة عشر على األبواب"

90

إال إذا رأيتـه قادمـا سوف يلمسني حين يقول ذلـك، . أكره أن يمسني.فأنسحب سريعا

يقول هذا ثـم يـضحك " سن الرشد، قريبا جدا، " - .المقرفةضحكته أظننـي . السادسة عشر أبلغقد أنني ربما ال أود أن أعت

.السن القانونيةإلى ال أريد أن أصل

*** .األربعاء

. يومـا مهمـا . طيباأمس كان يوما . يومياتي الحبيبة

.لخروج من غرفتيلوجدت طريقة ! ها وجدت

:ما فعلته هو التالي، تـسلقت خـارج النافـذة، "آندي"انتظرت حتى خرج

تحركـت . أصابعي في الفجوات بين قوالب الطـوب ستدسكان . بمحاذاة الحافة حتى الماسورة الضخمة في زاوية البيت

تألمت أصابعي جـدا، وشيئا خطرا ألن غرفتي مرتفعة جدا، . كان البد أن أفعل ذلك،وكدت أسقط مرتين، لكن

بمجرد وصولي إلى الماسورة كان من السهل أن أهبط

إلى شجرة التفاح الكبيرة وأكلـت ثـالث أسارذهبت . لألسفلكنت أرغب في المزيد لكنني أرغمت نفـسي علـى . تفاحات

بعـدها ذهبـت . التوقف بعد الثالثة مخافة أن أصاب باإلعياء األغراض التي أردت كانت مـا تـزال . للنظر داخل السقيفة

91

الحبل كان مخبأ وراء بعض الصناديق، لذلك لن يلحظ . هناك .غيابه إال إذا احتاجه، وهذا احتمال ضعيف" آندي"

فقـط . لم آخذ كل صندوق السم قاتل األعشاب الضارة

. ، ثم ربطته في حزامي فرغت بعضا من محتوياته في منديلي أمبكرا ويمسك بـي، لـذلك " آندي"كنت مرتعبة من أن يعود

خبأت تفاحتين أخريين في جيبي، ربطت الحبل في كـاحلي، كدت أسقط مرة أخرى، لكنني لم . لى غرفتي وتسلقت عائدة إ

أسقط، واآلن والحبل لدي، بوسعي الخروج والـدخول وقتمـا .أشاء

خبأت الحبل والسم تحت إحـدى بالطـات األرضـية

.سيقتلنيأعتقد أنه لو اكتشف الذي أفعله . المفكوكة

***

.الخميس

ا أن اليوم على اإلفطار كنت خائفة حق . يومياتي العزيزة فكرت أنه ربما يوجد مـذاق الذع أو . االختالف" آندي"يلحظ

كان مسرورا ألنني أراقبه –راقبته جيدا . شيء من هذا القبيل . تنجحقد أظن أن خطتي. حظ شيئا لكن يبدو أنه لم يل–

يأكل اليوم، تذكرت الـصباح الـذي " آندي"وأنا أشاهد

بدا ذلك منذ أمد . د والدنا رأيته فيه يأكل ملعقته األولى من جس

92

بـك االحتفاظيجب أن أبدأ في كان – تقريباكأنه شهر . بعيد . يا مذكراتيمبكرا

مثل اآلن، أتذكر حـين ممطرا مشمسا، ليس يوماكان

بالفعـل علـى قد جلـس " آندي"وكان اإلفطار، لتناولنزلت . متوترابدا. ينتظرنيظل بدا وكأنه . السفرة

قـال هـذا " ، هذا هو اليوم يا لوسي الـصغيرة، اليوم"

.ثم جعلني أشاهده وقد شرع في أكل أبي. جوارهوأجلسني

كان يتحدث عن اشتغاله على األمر ألسابيع، منذ ذلـك . اليوم الذي أحضرنا فيه جرة رماد الوالد من محرقة الجثـث

وضعنا الجرة . ويالأمطرت في ذلك اليوم أيضا، وصرخت ط احتفاال صغيرا " آندي" في المطبخ، وبعدها أقام عال على رف كان يتظاهر بأنه يقرأ مادة في كتاب، مادة . ونحوهابالشموع

.، غير إني أعتقد أنه اختلق اللغةهزليةبلغة

بدأ كل شيء على مـا . كان فكرته هو الحفل كله ذاككنه لم أرد أن أشارك، ل . ابشعاألمر يرام لكن سرعان ما غدا

الـذهاب إلـى التواليـت اضطررت إلى أرغمني، وبعد ذلك وحين دخلت فراشي في الليل، أتى إلي وأخبرني مـاذا . للتقيؤ

.أخبرني بالخطة. ماذا سيفعل بأبي. ينوي أن يفعل إنه الشيء الذي . "قال" إنها مادة مهمة يا لوسي، " -

. بل كل شيء فعله الناس في العصور القديمة، قبل المسيح وق حين كانوا يعيشون فـي الكهـوف ويـصطادون الحيوانـات

93

حولك إلى كائن خاص ت. عطيك القوة ت هاإن. المتوحشة بالرماح ."متميز

أريـدك أن :" بعد ذلك وبعد أن أنهى عبثه معي، قـال

."تكوني شخصا مميزا أيضا يا لوسي

ـ األمر أنظننت في البدء، أنـت . كـالم ه مجـرد كلـ . فأنا غبية . يا مذكراتي نيتعرفين . اأسيء فهم األمـور أحيان

يمكنـك أن . أيضا، تعرفين كيف يكـون " آندي"لكنك تعرفين ولـد . يتكلم كثيرا " آندي. "تدركي كيف وقعت في غلطة كتلك

تحت فأل سيء، أبي اعتاد أن يقول إنه ملعون بلسان أنـشط األفكار، ثم يتكلم ويتكلم يقرأ تلك الكتب، يكون تلك . مما ينبغي

نزهـة من أجـل ضطر إلى الخروج من البيت تويتكلم حتى ألنك لو لم تفعـل، فمـن . البط وما شابه إلطعامالنهر حول

ربما تأخذ سكين تقطيـع . المحتمل جدا أن ترتكب شيئا شريرا .الحادة من درج المطبخ وتطعنه في قلبه، ربما تقتلهاللحوم

أن أعـرف يجب أال أفكر بهذه الطريقـة، أعرف أنني

. أحيانـا ذلك خطأ، لكنه اعتاد أن يثير أعصابي حد الجنـون واآلن األمر أسوأ، أسوأ بكثير ألن أبي رحـل . الجنون بالفعل

ولم يعد لدي أي شخص أكلمه، حـين تهـاجمني المـشاعر .1 أنتالشريرة، سواك

دفتر المذآرات- 1

94

ـ كان يأخذني إلطعام . كنا نتكلم، أبي وأنا ا، البط أحيان آنـدي "كان يحكي لي قصصا عن أمي، ويخبرنـي أال أدع "

، "آنـدي "كان يمسك يدي بلطف، ليس مثل . يدخل تحت جلدي كان الحال أفضل حين كان أبـي كم . ينظر في عيني ويبتسم

أكثر األمور وكيف يجعل يعرف كيف يعمل الكوابح كان !هنا بعيدة كبعـد واألحاديث فكاراألحين كان أبي هنا كانت . بطأ

".آندي"خطط

لكنه رحل اآلن، ولم يعد هناك من يضع الكوابح فـي .فقط أنا". آندي"وجه

***

.الجمعة

وأنا محبوسة في . في التواليت " آندي. "مذكراتي الحبيبة

.آمل أن يخرج اليوم للعمل. جلبتهغرفتي، لكن بوسعي سماع

حلمت أننـي . الماضية لليلةحلمت حلما سيئا عن أبي ا عدت إلى البيت من المدرسة ووجدته ميتا عند قـاع الـسلم،

كان يجلس على الـدرج " آندي. " تماما أسه ملتو عنقه مثني ور هـذا . ينظر بفزع، وبعدها صحوت وتذكرت أنه لم يكن حلما

. بالفعلحدثما

جعلنـي أتذكر كيـف . نهرا كامال بكيت. طويال بكيت إلى األسفل حيث أبـي، رج وأنظر أجلس معه على الد " آندي"

95

ربما لـم . ، وكيف أنه لم يبك هزلياوكيف كان يفتعل ضجيجا ال . ربما كان ذلك هو السبب . يبك ألن أبي كان يضربه أحيانا

.أدري

.بعد برهة راح إلى الهاتف وكلم بعض الناسوضع . ذت أبي جاءت سيارة اإلسعاف وأخ أتذكر كيف

ـ ربما . ذراعيه حولي وأمسكني لمدة طويلة " آندي" أو ساعةل .نحو ذلك .قال." لوسي، لم يعد هناك غيرك وغيري اآلن " -

. وكان على حق، ألن أحدا لم يأت لزيارتنا بعـد ذلـك كنت أحب أن أسكن على بعد أميال مـن أي مكـان قبـل أن

. كـره ذلـك اآلن أ. الهاتف" آندي"يموت أبي، قبل أن ينزع ليـست عبثيـة . أصبحت عبثية منذ ذلك الحين حولنا األشياء .ها، بل شاذة العبث-بمعنى ها

. افتقد أبي، ولو قليال، لكنني أفتقـده " آندي"ال أظن أن أبي اآلن مجرد حفنة رماد في جرة، وإذا أخفقت . أفتقده بشدة

ء سيستمر في التهامه كل يوم، مـل " آندي"أعرف أن خطتي . ويوما ما سيفنى أبي تمامـا . كل صباح من جسد أبي ملعقة

.سوف يغدو مجرد جرة فارغة فوق رف المطبخ

. شاهدته يمشي صوب الشاحنة . ذهب آندي إلى العمل .لم يكن على ما يرام

***

96

.السبت

هذا الصباح نزلت لإلفطـار وكـان . يومياتي الحبيبة

بـدا مريـضا جـدا . بخ طاولة المط إلىجالسا هناك " آندي" . تقريبا،أشفقت عليه. ومعتوها جدا

لوسـي لوكيــت . "همــس." لوسـي الـصغيرة " - ."الصغيرة

. الطاولةإلىجلست . كنت أحب أن يناديني هكذا

كان انتهى من إعداد مكونات صـحنه الخـاص مـن لكنه لـم يملـك –، السكر، زجاجة الحليب " الكورن فليكس "

نظر إلـي . لهفتحتها ذهبت إليه و . غطاء جرة أبي القوة لفتح .وتدلى فكه مفتوحا

.سأل" هل تشاركينني ؟ " - ."لكنني ال أمانع أن أساعدك. " أجبته" ال، " -

كان البد أن أوقف نفـسي مـن . بدا سعيدا إلى حد ما .الشعور بالتعاطف معه

كـل ذرة ملعقته في جرة أبي، وقتها بدأت " آندي"أغمد

راح . لم يستطع إخـراج الملعقـة ثانيـة ومن طاقته تتالشى، .يبكي

97

ـ . "قـال " أنا آسف أني حبستك في غرفتك، " - ا أن

ساعديني أكثـر مـن . لوسي آسف على الكثير من األشياء يا ."فضلك

مع مددت يدي، جذبت الملعقة ورششت خليط رماد أبي

ثـم . الخاص بآندي "الكورن فليكس "سم األعشاب فوق صحن .بامتنان" آندي"ابتسم لي . أضفت السكر واللبن

.بعد برهة، بدأت أطعمه بنفسي

***

98

*يتأهب للوالدة رحم

. شقيقتي ثانيةتقولها ." لن ترغب فيك1الماما المنتفخة" -

، لكنهـا ال تزعجني جدا قولتها تلك كم أخبرتها من قبل للمـرة أقـرر الـذ . وال تستمع تكترث مطلقا هي ال . تكترث

بـدال مـن ذلـك . والكالماألولى أال أضيع وقتي في التفكير هذان الذراعان الغبيـان – كلتا يدي أمد، ثم تنام حتى سأنتظر

ا، قصيرين جدا، الكفان واألصابع لم تكبـر مازاال نحيفين جد عليه بيمناي، أقبض. بحبلها السري ثم أمسك – بعد بما يكفي

، بطنها البدين داخل فيها على بعد شبر من النقطة التي يختفي مـن أكبرقطر حبلها السري . إلى أسفل يدي اليسرى ثم تلويه

. وأنا صـغير كبيرة هيحبلي بمقدار الضعف، من أجل هذا ، الحيـاة يا أطفـالي . "ليس بوسعي فعل شيء حيال هذا األمر

حين تكون عكرة المزاج، الكبيرة، هكذا تغني ماما "دلةغير عا

Peninsular Competition" بينيزورال" جائزة - *

Waiting Wombالعنوان األصلي * )ت.( يعني األم في حالة حمل- 1

99

ا أدركت أن شـقيقتي تعلمت ذلك مبكرا حالم . على حق وهي من غـذاء المامامما تمنحنا ، ليس فقط نصيبها الشرهة تلتهم

.وفير، بل نصف نصيبي أيضا على األقل

برهة وأنظر إليها، لدي قدرة فائقة على اإلبصار أتوقفاألمـر . مقلوبة، أو ربما أنـا هي . ، تطفو إلى جواري لياللي

نفسي أنني على وشك ارتكـاب ل وأقول رأسي أهز. نسبي كله حتى خطأ غير محسوب، فشقيقتي الخنزيرة هي األكبر حجما

األكثر قبحا وبشاعة، وتمثل أكثـر األشـياء هي ، وهي نائمة تكـره معـدتي تهديدا لي في فضائي الراهن، وأعرف أنهـا

حين تفكرون فـي ذلـك . التي تكونت حديثا وقناتي الهضمية .األمر ستجدون كم هو مدهش أنني مازلت أحيا إلى اآلن

. كال، يجب أال أفعل ذلك، أعلم أني يجـب أال أفعـل

طهااآلن نالني ما يكفي من . لكنني اآلن غاضبمامـا ":تغو نتفخة لن ترغب فيكن الترضية، قليال مـن أريد قليال م و ،"الم

قبضتي علـى الحبـل أحكم. لذلك سأمضي في طريقي . الثأرأعطيه شدة بأكثر ما يمكنني، ثم أضغطالسري لشقيقتي الفظة،

.محكمة عنيفة

، أنت هيه. " في رأسي تفكيرهاعوى صوت ي و تستيقظ ..."ماذا بحق الجحيم ! الحثالةكيسيا

ا عن تطيحبعنف بعيد قدمها بكعب وتركل حبلها، بيدي مبطنة بكثير مـن كانت ها حتى قدم رأسي، لكن اليمنى جانب

. كثيرا على كل حاللهذا لم تؤلمالشحم

100

من قبل، ليس لديك الحق فـي أخبرتك" أصرخ فيها،

أنت ال تعرفين، ال تعـرفين المـشاعر التـي . قول ما تقولين !"ماما نحويالتحملها

فراغـي تحتـل معظـم جـسمها، تمدد ظة شقيقتي الف

.بوسعها تصفيتي في لحظات، كالنا يعرف ذلك. الخاص إذا كنت لم تلحظ، . " قالت" اسمع أيها التحفة الصغيرة، "

. فأنا أكبر من ضعفي حجمك اآلن، ويزداد حجمي طيلة الوقت والسبب الوحيد في أنك مازلت تحيا حتى اآلن هـو أننـي ال

تفهـم هـل . فو جثمانك حولي هنا ويلوث سوائلي أريد أن يط "؟ذلك

ما الذي يمكن . أفكر في الخضوع لها، لكنني أقاوم ذلك

، غيـر أنـي اخترت المظهر الذي يبديني متمردا ! أن يحدث؟ . أيضاأومأت برأسي

أشك في أنك . ، واآلن دعني أخبرك بشيء آخر حسنا"

–ص أال يحدث هـذا أتمنى بإخال –ستنجو في عملية الوالدة إضـبعك لكن إذا لمست حبلي مجددا، إذا فقط وضعت عليـه

الضئيل القذر، أضمن لك أنك لن تعرف طريقك أبدا، أرجـو ."صل األمر إلى ذلكتوأال

لكن على نحو . في ذات الموضع . ركلة ممتازة تعطيني .أعنف هذه المرة

101

"اتفقنا أيها الدمية العتيقة ؟ "- "ى أي شيء؟عل " - "هل كالمي واضح؟ " -

سـمينة . ركلتني ثانية تلم أجب بالسرعة المناسبة، لذا أراهـا . كانت أو غير سمينة، فإن قدمها آلمتني هـذه المـرة

. للمرة الرابعةللوراءتسحب ساقها ."اآلن دعيني وشأني. حسنا، نعم كالمك واضح" -

لم أكـن أعـي لو . لثتها القذرة بتأنابتسمت وأظهرت .ألقسمت أنها تمتلك مجموعة كاملة من األسناناألمر

..."شيء آخر و" - "ماذا؟" - هـذا أال البائس المثيـر للـشفقة إذا أردت لعضوك "

!"يمضغ، فاألفضل لك أن تبعد هذا الشيء المقرف عن وجهي

ال أعتقد أن األمر سيصل . نفسي ألغطي يدي أسقطت لكنني تعلمت مـن خبرتـي الـسابقة أن –ها إلى هذا الحد ب

أن ألتف بحيث أعطيها أحاول. ال نادما األفضل أن تكون آمنا في شهرنا الثامن ولم يعـد نحن. سهال ليس هذاظهري، لكن

. مكان للمناورةثمة

. كالعادةالمتبادلةتجاهل البالتدريج عدنا إلى حال

102

. لـضجيج بالخـارج إلـى ا وأنصتعلى نفسي أتكور

ن على القهـوة، يـأتيني والماما المنتفخة لديها أصدقاء مدعو د أتمنى حين أول . أحب صوتها . الجدران صوتها المكتوم عبر

ني . صوتي ماما أن تحبني أكثر . أتمنى أن تحبأتمنى أن تحب . شقيقتي الخنزيرةما تحبم

يخبطانها يتحركان و ماما المنتفخة تضحك ألن جنينيها

رحمنا يترجرج، وثمة شخص آخر يضحك، وآياد . من الداخل تضغط على بطنها فتؤلم جانب جبهتي حيث ركلتني شـقيقتي

هي تراقبنـي، . قاومت نفسي كيال أحك موضع األلم . البشعة .أعلم أنها تراقبني، ولن أمنحها الشعور بالرضا

أغمض كاد ينفجر ين رأسي ، لك أهدأ أن وأحاول عيني

شهور الحمل، سيكون أمامي شهر أتمتمن فكرة أن أمي لو آخر في هذه الحال، وللحق، أنا لست واثقا أن بوسعي تحمـل

شيء قاتل أن تسجن في فراغ محدود مع . والتعامل معه ذلك أن أعض حبلـي أفكرفي المرات شديدة السوء . عدوك اللدود

.قبل أن يبدأحتى ، كلهالخاص وأنهي األمر

البنت التي تعد نفسها ". البنت" في وقتئذ أفكرغير إنني . هي سري الخاص، قوتي الداخليـة تلك البنت . "لتولد شرسة "

إنها السبب الذي من أجله سأتجاوز كل تلك األوقـات أعرف . أغير رأيي في األمور.المظلمة

103

تـذكر األسـابيع أ. تعلمون ؟ األمور لم تكن دائما هكذا أفـضل مـن -األولى من الحمل، ال تبدو اآلن شديدة السوء

صحيح أن الطفو داخل كائن بشري آخر . اآلن على كل حال لكن على األقل في تلك األيام – فكرتي عن البهجة أبدالم يكن

لتتحرك، لتتمدد، لتضرب من الفضاء المبكرة كان هناك متسع لم أكن أعرف أن األمر أفـضل، تها وق. بأطرافك هنا وهناك

لكن لألسف فبينمـا تعـيش . تعيش، أنت تتعلم أنت . لكنه كان .وتتعلم فإن حجمك يكبر أيضا

الحال بالنسبة لي، أغنية تلكهناك أغنية أخرى تلخص

هي تحب موسـيقاها وتغنيهـا أثنـاء .تغنيها الماما المنتفخة ـ . تنظيف البيت ن التاكـسي األصـفر تلك األغنية القديمة ع

لكن – ليس تام اإلتقان –تؤديها على نحو ال بأس به . الكبير الحياة مـسرعة بدو تأال . " بما يكفي لوضوح القصيدة والنغمة

إال بعد أن على الدوام، حتى أنك ال تستوعب قيمة ما امتلكت "يذهب؟

، خذوني مثـاال . شيئا أو اثنينكاتب تلك األغنية يعرف

، فـإن "جنين ذي سبعة أشـهر "تصل إلى عالمة ن فبمجرد أ اصة إذا كنت مجبرا على خ. فورا تدخل بيتك 1الكلوستروفوبيا

.آخرينمع الحيزمشاركة

لشقيقة البـشعة حـسب دى ا تلك هي المشكلة الكبرى ل .هي ال تجيد فن المشاركة. ظني

1 - Claustrophobia ت. ( رهاب نفسي يعني الخوف من األماآن الضيقة(

104

أراهن بعمري (تعرفون؟ حين أولد سأتعقب ذلك الرجل الذي صمم الرحم، وسوف أضعه أمام بعـض ) ليس امرأة أنه

ال . ارتكب عدة أخطاء برأيي المتواضع لقد. الحقائق األساسية بل أيضا نـدرة وسـائل التـسلية . أعني ضيق الحيز وحسب

مـا ) كتلك التي تقدمها شركات الطيران على طائراتها مثال ( عدها ييا يسوع، أليس . العمر من في تلك المرحلة جريمةغياب

؟ ماذا تتوقع حين ال عقلياه كان مختال قابلت عجيبا أن كل جنين سـوى المتأهبة للـوالدة يكون هناك ما تفعله في تلك األرحام

التصنت على األصوات المكتومة لخفقـان قلـوب األمهـات المنتفخات، أو ربما عد قرقرات المعدة؟ وطبعا يمكنك قيـاس

ربإصـبعك علـى اك وساق ا ذراع كم كب ك، أو يمكنك أن تمرفتحة اليافوخ لتستحث مخك وتوقظه، لكن تلك األفعال سرعان

امتصاص إبهامك التي تحصلها أخيرا من حتى نشوة . ما تمر ال تـستمر ) بعد أن ينمو لك فم ليمتص، وإبهـام ليمـتص (

.طويال

كانت فـي الضجر فيها حال تالمرة الوحيدة التي خف حين كنا جنينين في شهرنا الخامس ولم تكن شقيقتي الماضي

الماما المنتفخة أخذت ثالثتنا . قد تحولت بعد إلى ذلك الوحش إلى عيادة الطبيب وظللت طوال مـدتنا هنـاك أتـسمع إلـى

الخنزيرة لم يبد عليهـا أنهـا . يروحون ويجيئون . األصواتي ليست ممن يمكن أن تعتبـرهم فه. الحظت، لم يدهشني ذلك

.مرهفي الحس

105

كنت هناك، أطفو هنا وهناك منشغال بأموري الخاصة حظي هذا . هذه المرأة بلهاء، بلهاء تماما :"حتى سمعت فجأة

..."أن

النبـرة مختلفـة، الـصوت . لم يكن صوت الخنزيرة ربمـا . إنه مظلم، مظلم جدا " . ثم سمعت واحدا آخر . مختلف ..." أن أحفر نفقاأمكنني

ي يحدث، لكنني فهمت ف ذااستغرقت برهة ألستوعب ما

، العشرات أخريات أمهات منتفخات المكان البد مكتظ ب . النهايةمنهن، وكلما مرت واحدة منهن متباطئة على مقربة منا أسمع

تعودت على الكـالم . قرقرة جنينها عن طريق موجات الفكر كان عادة عـن الطعـام أو عـن –يقتيالقذر الذي تطلقه شق

التي سمعت عنها في تليفزيون الماما، أو عن " باربي"عروسة لكنني لم أتخيل، حتى ذلـك الوقـت، أن –مدى كراهيتها لي

. كما حدث من محطات خارجية بوسعي التقاط موجات أخرى . محفزا طيبا لكنه فـي ذات الوقـت مخيـف جـدا هذا كان

هناكألجنة تسبح في السوائلالكثير من اللغط صدقوني ثم .

مرات عديـدة، ةالمقولكان هناك جنين ظل يكرر نفس نفس الصرخة العجيبة ذات النبرة العالية التي تـأتيني عبـر

ليس من مكـان يكفـي .... أيها المسيح في عليائه " . الذهن مرات ظل يكررها !!!"يا يسوع، المكان ال يتسع لثالثة ! ثالثة

أذكر أنني فكرت وقتئذ أن وضـعي، . ومرات، وكأنه يستنجد شيء واحد مؤكد، أن أمه . رغم كل شيء، لم يكن بهذا السوء

.كانت في لحظة بهجة حين انبثق هو وإخوته

106

سري الحميم جدا، البنت التـي . البنت. عندئذ سمعتها

ـ . سأعثر عليها يوما ي أحببت صوتها فورا ألنها كانـت تغنولـدنا كـي نكـون " –األغنية التي كانت ماما تغنيها أحيانا

على صوت الضربات العالية ليطغى يأتي صوتها – "شرسين .والخافتة ألضلع أمها

خذ دراجتك البخارية واركض"

اتجه صوب الطريق العام فتش عن مغامرة

ومهما يحدث في طريقنا اجعله يحدث يا عزيزي

عانق العالم بحب ك مرة واحدةتاطلق كل رصاصأ

وفجرها في الفضاءمثل طفل الطبيعة الحقيقي

نحن ولدنا، ولدنا

.كي نكون شرسين بوسعنا أن نتسلق عاليا .ال أريد أن أموت أبدا

تـرقص ان بوسعي أن أراها ك. كنت منوما مغناطيسيا

لـة في الرحم، وكنت أتوق بكل قوة أن أجاور البنت تلك، طف هـي . الطبيعة الحقيقية، بدال من أن أسجن مع هذه الخنزيـرة

107

علـى الكثيـر مـن سويا أن نحصل حالئذ بوسعنا كان وأنا، .البهجة

تعرفون؟ حين أجد طريقي، يوما ما، سنحـصل علـى

مهما قالت شقيقتي الخنزيرة، سوف أولد، . بعض البهجة سويا . حبهـا بالمقابـل أحيا وسوف تحبني الماما، وسوف أ وف سو

– حين أغدو كبيـراااااا –يوما ما حين أغدو قويا وصحيحا . سوف أتعقب تلك الفتاة وأريها أن كلينا خلق من أجل اآلخـر

وسوف نقود وسوف نظل معا، سوف يجد كل منا اآلخر، . نعمنفعـل كـل سوف دراجتينا البخاريتين صوب الطريق العام و

.جل أن نجعل تلك األغنية حقيقة من أيمكننا فعلهشيء

لمي، وذلك ما سوف يكونهذا ح. .صدقوني

***

108

أحالم أسامة

)1(

الليلة، في مكان ما بعيدا عن نيويورك، ثمة امرأة شابة

وحيدة في فراشـها تحلـم باألوقـات ". مارسيا"اسمها . تحلمنزهات خلويـة، رحـالت إلـى : األجمل، بلحظات المشاركة

تبتسم في . ة الحيوان، عرض سينمائي، دعوة إلى العشاء حديقنومها حين تتحرك أصابع زوجها الميت فوق كفها، حين تقبل

" هي تحلم بالذي . شفتاه الميتتان النبض الحي في أسفل عنقها .، تحلم بحفنة السنوات التي لم تكن فيها وحيدة"كان

اللحظات، تلك في الليالي الطيبة ترسو أحالمها عند تلك لكن الليالي الطيبة نادرة، وهذه الليلة لم تكن واحـدة . األمكنةالليلة، أمام عينيها الشاخصتين، يتناثر طعـام نزهتهـا . منها

يتعكـر، يـتعفن، يفـور : ةالخلوية فوق األرض المعـشوشب الليلة تتحول حيوانات الحديقة إلى حشود مزمجـرة . بالديدان

الليلة يرعبهـا الفـيلم . وتهدم أقفاصها تطارد بالسياط وحوشا السينمائي، والوجبة التي هي مجبرة على أكلها كان لها طعـم

.التراب في لسانها، والرماد في حلقهاالليلة، مرة أخرى، مارسيا تكافح وتتصبب عرقا وتئن، ورغم أنها قد باعت شقة نيويورك وانتقلت بعيدا، بعيدا جـدا،

ليس بوسعها أبدا أن تنتقل بعيدا بمـا يكفـي إال أنها تعلم أن أحالمها تتتبعها، تجدها أينما ذهبت، ليلة . للهروب من أحالمها

109

أحالم عن األبراج، عن الطائرات، عـن الحجـارة . بعد ليلة .المتكسرة المتساقطة، أحالم عن الموت

الليلة، المرة تلو المرة تلو المرة، ترى الجثث تتبعثـر مع األبراج تنهدم وتدك على األرض، تـشعر من النوافذ، تس

بروحها تهوي إلى حفرة ال قاع لها من الخسران والفقد، كـوة .جحيم من التشوش والحيرة

الليلة، حـين فتحـت . واآلن، هذه الليلة، ثمة أمر جديد قفر، . عينيها الحالمتين وجدت مدى صحراويا متراميا أمامها

الهواء المتحرك كان معبئـا . ريبجدب قاحل، وذو جمال غ .اهللا، اهللا، اهللا. بالغبار والدعاءات

وفي العمـق . في الصحراء وجدت متاهة من الكهوف األقصى، في أكثر الكهوف إعتاما، وجدته يرقد مجهدا علـى

. رجل وسيم، أسود العينين، قـاتم اللحيـة . سرير من الحبال .رجل نائم، رجل أعزل غير محصن

ت مارسيا في قلبها كراهية، وفي روحها رغبـة ووجدسكين صـغيرة، نعـم هـذا . قاتمة، وفي يدها وجدت سكينا

حقيقي، لكن في مثل هكذا أوقات تستطيع السكاكين الـصغيرة ومن بوسعه أن يعـرف حقيقـة الـسكاكين . أن تنجز الكثير

الصغيرة أكثر من هذا الرجل؟ سكيني حادة، فكرت مارسـيا، ة جدانعم، حاد. ."أنت قتلت نومي. " تهمس" أنت قتلت زوجي،"

والليلة، هذه الليلة، في صمت كهف صحراوي، تركـع .مارسيا بهدوء جوار سرير الحبال وتحلم بأنها تأخذ الثأر

110

)2(

كمسمار منتصب على أحد المقاعد الخشبية في كنيسته مثلمـا الخاصة، بينما المسيح على صليبه ينظر إليه من أعلى

سكران قليـل " أوو دونيل "ينظر إلى نكتة رديئة، يجلس األب .يحلم ويصرخ. يحلم أيضا. اإليمان

يركـع فـي . في حلمه، كان أيضا راكعا على ركبتيه شعره مبيض . التراب في كل مكان حوله . الشوارع المتكسرة

. بالغبار، عيناه مكسوتان بالغبار، رئتـاه محترقتـان بالغبـار ا، محترقا، كان األب راكعيلعـن " أوو دونيل "ا، أبيض، مكسو .اهللا

كيـف . " يـصرخ " كيف أمكنك أن تـسمح بـذلك؟ " "؟..أمكنك

يحتضن رأس رجل يحتضر، يستمع إلى آخر همـسة

لكن اهللا ال . مارسيا، مارسيا، مارسيا، مارسيا، مارسيا: يقولها .الرب صامت. يقول شيئا ."دعني أفهم". " أوو دونيل"ب يهتف األ!" تكلم إلى"

. تـصاريف األحـالم . غير واقعي . البرج الثاني يسقط Spielberg. 1شيء من أفالم سبيلبرج

. الرجل يموت

1 - Steven Spielberg ت (شهيرأمريكي مخرج(

111

.الرب يتحرك بطريقة غامضة، وال يعبأ أن يناقشه

الباردة مـع " أوو دونيل "والليلة يتقاسم األب الصحراء .ار سرير الحبالمارسيا، يشاركها الكهف، يركع جو

يخبرها بينما عيناه مثبتتـان " هذا الرجل قتل إيماني، "

."هذا الرجل قتل ربي. " على نصل السكين الالمع

.سوف يحلم أيضا بثأره" أوو دونيل"والليلة، األب

)3(

جورج، ابن جورج، يقضي الليلـة بالخـارج، يحلـم ـ . أحالمه ل زوج مـن البيت األبيض ينبسط فوقه وحواليه مث

أجنحة عظيمة واقية، تحفظ وتؤمن حياة أكثر الرجال قوة فوق لكنه في أحالمه ليس سوى جورج الضعيف، جورج . األرض

-في أحالمه يبحث عن شيء ما . المتعب، جورج غير اآلمن يركع علـى " أوو دونيل "ومثل األب . يبحث، لكن ال يجد أبدا

فقط . ال شيء. تحتهاركبتيه في التراب، يرفع الصخور، ينظر .المزيد من الترابلعبة، العشرات منها، تئز حول رأسه، تـشتت /طائرات

.يمد يده ويمسك واحدة، يحطمها. انتباهه، تزيد حنقه " ،!!يا اهللا"

يـسحقه . يهتف الطيار المتناهي الصغر وهـو يـسقط حين يرفع يده يجـد إبهامـه . جورج في التراب تحت إبهامه

112

يمسحه في جاكيت الرئاسة قبل أن يرفع . ة الدم مصبوغا بحمر .صخرة أخرى

مختبئين تحت هذه الصخرة، يجد شخصا نائمـا علـى

.سرير حبال، وامرأة وقسا يركعان كأنهما يصليانيسأل جـورج، مكرمـشا " هل يمكن أن أنضم إليكم؟ "

يركع بهـدوء . الصخرة تغدو كهفا . جسمه، قلبه يدق بسرعة ، يحدق في الرجل النائم، ثم يشكر اهللا أن انتهـى جوار الكاهن .بحثه أخيرا

.يقول. العين بالعين، والسن بالسن" .تهمس مارسيا" الثأر"

.يقول." الثأر. " يومئ جورج

)4(

في صحراء ما، في كهف ما، فوق سرير من الحبـال، .كان أسامة يحلم الليلة

د ينهمرون مرة أخرى يرى نصف مليون أمريكي ملح

في أراضي العربية السعودية ، مدعوين، مدعوين إلى تربـة األمجـاد 1"المجاهـدين "بالده، بينما جنود جيشه الخاص من لمـرة أخـرى يتـذوق . ممنوعون من قبل الحكومة الكافرة

1 - mujahedin

113

المهانة، ينزف ألما من جراء تدنيس األرض المقدسة، الخيانة .التاريخية التي ضربت مقدساته

.بمكة، بالمدينة وبأورشليم، يحلم بالتحريريحلم

يرى أطفال أشقائه ينسحقون تحت عجـالت الـدبابات ، يحلم باألمة، يحلم بعقيـدة غاليـة 1"األمة"يرى . اإلسرائيلية

!!جدا، يحلم بأماكن مقدسة هي فوق الدماء، وفوق األرواح سيروا على تعاليم . " يهمس ألشقائه " التزموا بعهدكم، "

دمـاؤكم دماؤنـا، . وصراطه وامشوا على درب الجهـاد اهللا ."شرفكم شرفنا، وأطفالكم هم أطفالنا

.كانت هناك خشخشة بجواره

.الليلة، مثل كل ليلة، كان أسامة يحلم بالثأر

***

1 - ummah

114

: حوار

:جون ريفنسكروفت

1 مثل شجرة الميالد غير مقدسةاللغة

؟كيف تقدم نفسك إلى القارئ العربي • :حين سألتني فاطمة ناعوت هذا السؤال أجبت كالتالي •

. جون ريفنسكروفت، كاتب حر يعيش في لينكولنشاير بإنجلترا يقضي معظم وقته في عراك السرد والقص وفي تحرير مجلة

وفازت قصص القـصيرة بجـوائز أدبيـة عديـدة ". كادينزا" .BBCونشرت أعماله في ال

:لها، إذ قالتلكن يبدو أن هذا الرد لم يرق هذا هو جون الكاتب، من هو جون اإلنسان؟ •أخفق دوما في الكالم عن نفسي غيـر إننـي سـأحاول •

.باختصار أن أرصد حياة هذا الشخصذهب إلى المدرسة ثـم أصـبح . 1954ولد في إنجلترا عام

حين قـرر 1994معلما، تزوج وعاش حياة تقليدية حتى عام . كانت تلك نقطة تحول في حياته.أن يحاول في مجال الكتابة

المصرية" القاهر" نشر الحوار بجريدة - 1

115

وعبر عملية . كتابة القص تتطلب قدرا كبيرا من اختبار النفس الكتابة أفترض أنني تعلمت العديد من األشياء عن نفسي مـن

تلك التي انعكست بجـالء علـى مـضامين ،نوازع وسمات . أعمالي

تأثرت عميقا بمصرع شقيقتي في حادث سيارة حين كنت في الـتحفظ عشرة، وأعتقد أن هذه التجربة أدت بي إلى الحاديةلدي اهتمام قوي بالعـالم المـادي، فـي . العقيدة الدينية على

محاولة لفهم كيف جاء هذا الكون المدهش الذي نحياه وكيـف ولع شـديد بـذاك اللغـز : أخضع لنزعتين متوازيتين . يعمل

أو أؤمن أنني، واعيـا . ورغبة شديدة في فهمه، لغز اإلنسان .غير واع، أستكشف تلك النوازع في قصي

حين ال أكون في حال كتابة، أستمتع بتمـضية الوقـت مـع ومنـذ . ومثل كل الكتاب، أقرأ كثيرا . زوجتي ومع أصدقائي

ـ غدا علي مطالعة "كادينزا"أصبحت مشاركا في تحرير مجلة عدة أكوام من القصص القصيرة الكثيرة يوميا مما ترد للنشر

هذا يضعني في دائرة تواصل مع الكتاب بـشكل . المجلةفي .حميم، وهو نوع من العمل أراه مثريا ومفيدا للغاية

:ولقارئي العربي أقول قبل لحظة من جلوسي إلى مكتبي ألجيب عن هـذا الـسؤال

من كلبي حول بحيرة على مقربة عكنت في نزهة بالخارج م جيرات حي بأعشاش إنه صيف إنجلترا، حيث سياج الش . بيتي

يخطر على بالي اآلن سؤال حول مدى اختالف بيئتي . الطيورالمحيطة عن بيئتك بمصر، وكيف أنه من المدهش، عبر جهد فاطمة ناعوت، أن أتواصل معك مختـرقين حـواجز اللغـة

وأشـكر . أتمنى أن تستمتع بقراءة مجموعتي هذه ! والجغرافيا

116

إلـى عـدد أكبـر مـن المترجمة أن أوصلت كلماتي إليك و .المتلقين

هل يتكئ ريفنسكروفت في قصه على الواقع الـصافي أم •

يلعب الخيال دوره أيضا؟ربما أقول أن كل كاتب يسحب من رصـيد . سؤال مثير •

لـذا ربمـا . خبرته في الحياة لتغذية مادتـه القصـصية توافقينني أن ثمة مفردات من الواقع وأخرى خيالية فـي

تي الشخصية تجدين بعض القـصص في تجرب . كل قصة نموذج " سهرة مع األم" معتمدة بشدة على حياتي الخاصة،

.لذلك، غير أن بعضها ذو روابط أوهن مع الحياة الواقعية إلى أي مدى مراقبة العالم تفيد كاتب القصة في عمليـة •

اإلبداع؟حـين . أعتقد أن مراقبة العالم أمر أساسي ومنشط للفكر •

، نحاول أن نوهم القارئ أن ما يقرأه يحـدث نكتب سردا كي نجعل ذلك العـالم . بالفعل ويحتل مكانا ما من العالم

يبدو حقيقيا، نستعير مفردات عادية وحقيقية من ) الوهمي(عالمنا ونفيد منها في العمل، فتبدو حقيقية حـين يجـدلها

لذلك فمراقبة العالم بدقة من . القارئ مع تجربته الخاصة القصة موضعا ما ) تسكين(بل الكاتب تساعد قارئه على ق

.من الحياة كيف يرى القارئ اإلنجليزي األدب العربي؟ •

117

أخشى أن معظم القراء اإلنجليز على غير دراية بـاألدب •أشعر بالخجل أن أعتبر نفسي ضـمن . العربي بشكل عام

.تلك الشريحة وجودي الخيط ال: يمكننا لمس كثير من الخيوط في سردك •

، والخـيط "داخـل رحـم ينتظـر " و" قتل األرانـب "في ، والخيط "و أغنية من أجل جيني " البومة"الرومانسي في أي تلـك ". النبتة الـصغيرة "و " الجرس" الفانتازي في

الخيوط يستهوي قلم ريفنسكروفت؟ثمـة أوقـات . أعتقد أن هذا يعتمد على حالتي المزاجية •

الفضاء الخارجي معتما، تلـك أجلس فيها للكتابة، ويكون فـي . القصص تتمحور حول الموت أو الفقد بشكل عـام

أوقات أخرى، أنتج أعماال أكثر إشراقا، أو حتى أعمـاال أزعم أن أفضل قصـصي ". حكاية الجنيات " هزلية مثل

.هي تلك التي تميل للعبوس ؟ أم ترى أن للفـن رسـالة " الفن للفن "هل تؤمن بمبدأ •

يجب أن يؤديها؟نحو العالمأن تسألي عما إذا " رسالة نحو العالم "إذا كنت تقصدين بـ •

كنت أعتقد بأن األدب يجب أن يقول شيئا ما، أو يجب أن ال ضير مطلقا من الكتابـة . يحمل بداللة ما، فاإلجابة نعم

من أجل المتعة وحسب، لكنني كقارئ أحتاج أكثـر مـن الثقل، شيء مـن أحتاج أن يكون للقصة شيء من . ذلك

وككاتب، ذاك هو القص الذي . الرؤية، شيء من المغزى القصص الممتعة وحسب سرعان ما تنسى، . أسعى لكتابته

118

لكن القصص التي تقول شيئا عن اإلنسان وشرط الحيـاة .ربما تدوم معك إلى نهاية الحياة

المعمر، الذي لم يولد بعد، غيـر : تتباين شخوصك كلية •

كيـف تبتكـر . حالم، المرزوء بالخطوب الـخ الواثق، ال شخوصك وتبنيها؟

أحيانا تكـون . هذا يتوقف على كيف تأتيني فكرة القصة •أعمل ). الشخصية(أكثر منها ) الموقف(بذرة القصة هي

البطل بدأ في سماع . اآلن على قصة تعتمد على الموقف أصوات داخل رأسه، حين واتتني الفكرة، لم يكـن لـدي

ينها في رأسي، وتتخلق الشخـصية بالتـدريج شخصية بع بـدأت بنوعهـا . حين أبدأ في طرح األسئلة على نفـسي

لكن مع تحـرك . عاما 14واخترته أنثى، ثم العمر وكان العمل إلى األمام، وجدت أن األحداث ستتواءم أكثر لـو

وهكـذا تتخلـق الشخـصية . كانت الشخصية ذكرا بالغا . على الموقف أو الحـدث بالتدريج إذا كانت القصة تتكئ

غير أن أحواال أخرى تكون فيهـا بـذرة القـصة هـي . الشخصية ذاتها التي تقفز فجأة إلى رأسي مكتملة تقريبـا

تكون تلك الشخصية قد تولدت من شخص ما قابلته فـي ما علي فعله حينئذ هو . الطريق، في الحلم، أو من الذاكرة

الشخصية للحياة خلق الموقف الذي من خالله تخرج تلك .لتقول شيئا يستحق أن يقال

التي تعمل على تحريرها تعنى باألدب " كادينزا" هل مجلة •

العربي؟ أم هي مـسورة بـسياج حديـدي علـى األدب اإلنجليزي واألوروبي؟

119

سوى . كادينزا تعنى بتقديم األدب القوي مهما كان مصدره •محرريهـا أنها البد أن تظهر باإلنجليزية، ألن قراءهـا و

.جميعا من الناطقين باإلنجليزية إلى أي مدى يقتل العمل في الـصحافة اإلبـداع داخـل •

الكاتب؟تجربتي في العمل الصحافي مقصورة على تحرير المجلة •

أي ليس علـي أن أذهـب . وأؤدي ذلك العمل في المنزل لكن على أيـة حـال التحريـر عمليـة . للمكتب كل يوم

ا واع تماما أن إبداعي لم يعد يأخذ مستهلكة للوقت جدا، أن االنتباه الكافي الذي اعتاده من قبل عملي في الـصحافة،

.لذلك أتفق معك تماما بوسعنا لمس اهتمامك بعالم الحيوان خـالل مـشروعك •

األدبي، هل تؤمن بثراء ذلك العالم بوصفه منبعا خـصبا يمكن للكاتب أو الشاعر النهل من معينه؟

عادة ينسون أننا ننتمي إلى عالم الحيـوان أعتقد أن الناس •أنا أحب الحيوان، ونعم، أؤمن بأن ثمـة روابـط . أيضا

عميقة بين اإلنسان والحيوان مـن شـأنها خلـق إبـداع .مختلف

األشياء "و"أغنية من أجل جيني "جعلتنا نشارف البكاء في •

، "داخل رحـم ينتظـر "، نضحك في "التي تركتها وراءك ، وحركـت " وجبة إفطـار مـع آنـدي " في نرتعد خوفا

هل عادة ما ". الجرس"و " البومة"مشاعرنا العاطفية مع

120

تستحضر قارئا افتراضيا لحظة الكتابة وتفكر في تأثيرك عليه ؟

عادة حين أشرع في الكتابة، أعمل على شـحن القـارئ •أؤمن أن ذلك أحد أهم األسباب التي من . بخبرة انفعالية ما

لذلك، نعم، أفكر في أثر ما أكتب . قرأ الناس القص أجلها ي وحتما فإن الطريقة الوحيدة لفعل ذلك . على مشاعر قارئي

وأعتقـد أن –هو استجالب واستجماع انفعاالتي الخاصة ذلك هو السبب في أن الكتابة كثيرا مـا تكـون شـاحذة

حين . بين حين وآخر أجد نفسي أبكي فيما أكتب . للعاطفةك فتلك إشارة على أنني وقعت على شـيء قـد يحدث ذل

.يحرك القارئ أيضا كتبت في مقاربتي النقدية لمشروعك األدبي أنك كثيرا ما •

تلتقط بمهارة مالمح شعرية من موجودات عابرة وغيـر ملفتة، هل تظن أن الكاتب البد وأن يمتلك عينـا حـادة

بوسعها اقتناص الشعرية من العالم المحيط؟قـال ريمونـد . ن تلك العين يمكن أن تفيد كثيـرا أعتقد أ •

من الجائز، فـي القـصيدة أو القـصة : "كارفر ذات مرة القصيرة، أن تكتب عن األشياء التافهة أو العادية مستخدما لغة عادية ومألوفة لكن دقيقة ونافذة، يمكنك أن تشحن تلك

الكرسي، ستارة الشرفة، الشوكة، الحجر، قرط : المألوفاتأتفق مع ذلك التوجه تمامـا ". أة، بطاقة مذهلة وهائلة المر

.وهو الذي أجتهد أن أصنعه في قصصي كتبت كذلك أنك أحيانا ما تضعف من توتر الحبكـة فـي •

آخر سطر في قصصك، حين تعمد إلى التعليلية والشرح

121

غير الضروري، األمر الذي يغلق الداللة علـى القـارئ في الكتابة معـك، هـل ويحرمه لذة الخوض والمشاركة

تتفق معي في ذلك الرأي؟ وما مدى خضوعك تحت وطأة القارئ والخوف من استغالقك عليه؟

أي . على الكتاب أن يجوبوا طرقا وعرة صعبة المـسالك •كم من الفكر وهبناه للقارئ؟ كم من الجهد جعلناهم يبذلون حتى ينكشف لهم العمل ؟ وألننا ال يمكن أن نعرف كـل

شخصيا، ربما بدا ما نقوله أكثر مما يجب لبعضهم، قرائنا هذا شيء آخر يجعـل . بينما يكون أقل مما يجب آلخرين

.من الكتابة عملية معقدة والمثقـف، العـادي كيف يرى المـواطن اإلنجليـزي، •

المواطن العربي، بعيدا عن الحكومات والسياسة، خاصة في هذه األوقات؟

العرب تعتمد بشكل أساسـي نظرة الشعب اإلنجليزي إلى •

الكثير منهم يدركون أن ما يحدث في . عمن تتكلم : على العالم من إرهاب مثل تفجيرات لندن األخيرة هـو نتـاج ألسباب مركبة ومعقدة سياسـيا واجتماعيـا وتـداعيات

البعض اآلخر، . مباشرة لسياسات عدم المساواة في العالم هؤالء البـشر الـذين بكل أسف، يتمنى ببساطة أن يزيح

.المهدد لحق الحياة" العدو"باتوا يرون فيهم

رسمت صورا رمزية لألقطـاب " أحالم أسامة " في قصة •كتلـة المـدنيين : األربعة الضالعة في كارثة اإلرهـاب

، القـوة )األب أوو دونيـل (، الـدين )مارسـيا (األبرياء

122

، ثم رأس اإلرهـاب )جورج(المهيمنة األولى في العالم كيف استقبل القراء هذه الرموز؟). مةأسا(

تحديدا " أحالم أسامة "لم أحصل على ردود فعل كثيرة عن •أذكر أن قارئا أمريكيا قال إنهـا . ربما ألنها حديثة الكتابة

، لكن قارئا عربيا قال إنها أعطته رؤيـة "تبسيط للقضية "كاشفة تظهر تعقد الحال وتـأزم أزمـة اإلرهـاب لـدى

قراءتك لم أحصل، حتـى اآلن، علـى باستثناء. الغرب .ردود فعل سوى هذين

هل الرأي العـام اإلنجليـزي يميـز بـين المتطـرفين •

اإلسالميين وبين كتلة المـسلمين والعـرب المعتـدلين العلمانيين الذي يشجبون التطـرف ويـدينون بـن الدن

ربما أكثر مما يفعل الغرب؟ويصطلون بناره وطريقته في التفكيـر من جديد يعتمد هذا على الشخص •

وتناول األمور، وعلى مدى معرفته بـالمجتمع العربـي معظم الشعب اإلنجليزي األبيض يعلمون أقل . واإلسالمي

القليل عن العقيدة اإلسالمية رغم أن مسلمين كثيرين اآلن القسم المتعلم مـن اإلنجليـز . يحيون في المملكة المتحدة

لصحيحة، لكـن من الوضع على صورته ا جانبايفهمون القسم األعظم من الشعب اإلنجليزي يشعر أن القليل جـدا

رئـيس " تـوني بليـر . "من المسلمين يمكن الوثوق بهم الوزراء كان يتكلم أمس مع بعض القيـادات اإلسـالمية حول البحث عن طرائق لمد جسور الوعي بـاآلخر مـن أجل رأب صدع التباينات الواسعة في رؤية العرب مـن

مواطن اإلنجليزي بين أقسام المجتمع المتباينة، لكن قبل ال .الشاهد أن الكثير جدا من العمل مازال يجب أن يتم

123

أحيانا ما تمزج في قصـصك بـين اللغـة اإلنجليزيـة •

الكالسيكية الرفيعة وبين الدارجة البريطانية، هل فكـرت لقـارئ غيـر إنجليـزي على ا أبدا كم يكون ذلك صعبا

اللسان؟. ترف أنني لم أفكر في ذلك األمر مـن قبـل يجب أن أع •

حتى وقت قريب لم تكن أعمالي تقرأ سوى فـي أمريكـا غيـر أن مبادرتـك الطيبـة، . والمملكة المتحدة وحسب

بترجمة مختارات من قصصي إلى العربية مما سيساهم في معرفة القارئ العربي بي، سوف تجعلني أفكر فيمـا

.بعد في القارئ األجنبي في تصدير مجلة كادينزا أنكم تبحثون عن الكاتب ذكرت •

الذي بوسعه التجرؤ علـى اللغـة، والـذي ال يخـاف هل تعتقد فـي ضـرورة أن يكـون الكاتـب . المغامرة

مخاطرا؟ وهل تعتقدون في قداسة اللغة أيا كانت، أو إنها كيان يجب أال يمس ؟

يجـب أن نتحـرى . المغامرة في مـادة الكتابـة، نعـم •حتماالت واإلمكانيات الخاصة بالقص ونأتي باكتشافاتنا اال

أما عـن خـوض . الخاصة من أجل متعة القارئ الذهنية المخاطر في اللغة، فيجب أن يتم ذلك بحذر بالغ، وبعد أن

وعن . يكون الكاتب موغال بعمق في قواعد وأسرار اللغة قداسة اللغة، لنقل أن اللغة مثل شجرة عيد الميالد، علينـا

ال أؤمن في قداستها فـي . أن نعرف كيف نرعاها لتنمو لكنني أعتقد أن أية . ذاتها، أو في وجوب عدم المساس بها

124

) حـسنت ( فقـط إذا –تغييرات بها البد أن تضيف إليها كثير من التغييرات تجعل . اإلضافات من قيمة اللغة كأداة

.اللغة أقل تأثيرا وتلك يجب أن نتجنبها الكتابة؟ الوقت، الحالة المزاجية، كم ما هي طقوسك في •

من الوقت تأخذ قصصك عادة؟اشتريت حديثا . هذه اآلونة أكتب كلما ساعدتني الظروف •

وهو أداة رائعة ألنه ) حاسوب متنقل (كمبيوتر نوت بوك ببساطة يعني أنني لم أعد مجبرا على أن أظل مربوطـا

ـ . إلى مكتبي هدت أجلس في الحديقة اآلن وأنا أكتب، وشأهميـة أخـرى لـذلك . الشمس تشرق خلف غيمة لوهلة

الحاسوب المتنقل أنه يجذبني بعيدا عن اإلنترنـت وعـن اكتشفت أنني كنت أمضي الـساعات . بريدي اإللكتروني

أما عن كـم مـن !! داخل اإلنترنت بغير أن أكتب حرفا بعضها . الوقت تأخذني القصة فال إجابة محددة على ذلك

. يومين، والبعض ربما يستغرق شهورايأتي في يوم أو أي تلـك . فزت بالعديد من الجوائز في القصة القـصيرة •

الجوائز هي األقرب إليك واألعز؟لكن عادة األحدث هي األقرب إلـى قلبـي . أحبهم جميعا •

ربما لفترة، لذا فإن تلك التي أنا بصدد تسلمها في لندن مع كم ". هذا العام كاتب"سبتمبر القادم هي األعز وهي جائزة

أن جعلـت القـارئ سعيد أنا فخور أن قرأتني يا فاطمة و .العربي يقرأني

***

125

فهرس

3........................................................................إهداء 5............................................................تصدير المؤلف 9..........................................................مقدمة المترجمة

19...........................................األشياء التي ترآتها وراءك 24................................................................ــــةالبومــ

36.............................................................ر أس الدودة 39.............................................................أحوال المادة

55.......................................................قنــص الياسمــين 60.................................................."جيني"أغنية من أجل 70..........................................................قتــل األرانــب

79..................................................................الجـرس 82..........................................................النبتة الصغيرة

86............................................."*آندي"وجبة إفطار مع 98.....................................................رحم يتأهب للوالدة

108............................................................أحالم أسامة 114.................................................................:حوار