الفصل الأول - Alukah€¦ · Web viewفإذا كانت سنوات 1994 و1996 و2001 و2003م قد عرفت إنتاج مجموعة قصصية واحدة في مجال القصة

5شبكة األلوكة تابع الجديد والحصري علىwww.alukah.net

خصائص القصةالقصيرة جدا

عند ميمون حرش

عبد الواحد ابجطيط


إهـداءأهـدي هذا البحـث المتواضع إلـى:كل أساتذتي في مسيرتي العلمية

كل أصدقائي أينما وجدواكل أفراد عائلتي

...


المقـدمـة: تعد القصة القصيرة جدا، -أو ما يعرف اختصارا بـ"ق ق

ج"- من أكثر الفنون األدبية المعاصرة انتشارا - على الرغم من عمرها القصير-، وأكثرها إثارة لألسئلة، وأقدرها على

التعبير عن هموم الحياة اليومية، رغم حجمها القصير؛ نظرا لتوسلها بجملة من التقنيات الفنية واألسلوبية، التي تعين القاص على تكثيف المعنى واختزاله في نص قصير جدا،

لكنه ينبض بالحياة، ويزخر بالمعاني والدالالت، التي يقصد إليها القاص؛ ألنه ليس كل نص قصير الحجم اعتمد اإليجاز

قد يتوهم البعض، بلقصيرة جدا؛ كماواالختصار يعد "قصة إن الذي يحدد هوية النص وانتماءه إلى فن القصة القصيرة

جدا، هو لغته الشعرية المكثفة، إلى جانب األركان والخصائص الجمالية، وكذا التقنيات الفنية واألسلوبية التي

القصصي، والتيفي نسج خيوط نصهيتكئ عليها القاص تؤهله بالتالي ليكون قصة قصيرة جدا. بيد أن الغاية هذه ال يمكن أن تتحقق إال إذا كان الكاتب متمكنا من فن السرد

وعوالمهبرة بمجال السرد وذا خوتقنيات الكتابة القصصية، ألن القصة القصيرة جدا من الفنون الصعبة، عكسودروبه؛

الناظر في ما ينشر باسمالبعض. ولهذا، فإنما قد يتوهم يالحظ أن عددا من الكتابات لمالقصيرة جدا، اليوم،القصة

يوفق فيها أصحابها، ولم ترق إلى مستوى هذا الفن، والبعض اآلخر جاءت نصوصهم عبارة عن خواطر ومعلومات

بأسلوب مباشر أقرب إلى السيرة الذاتية أو اإلنشاء منهاإلى القصة القصيرة جدا.

ومن هنا، فإن الرأي القائل بأن القصة القصيرة جدا يفهمجاءت استجابة لعصر السرعة - على األقل - يجب أن

يغري غير المتمكنين في هذا المجال،؛ ألنه على نحو صحيح القصيرةويجعلهم يظنون بأنه في استطاعتهم كتابة القصة


أن تكون لهم عالقة وطيدةوضحاها، دونجدا بين عشية بالسرد من قريب أو من بعيد. وهو قول نعتبره - على كل

حال - ينتقص من قيمة هذا الجنس األدبي أكثر مما يمتدحه؛ ألننا حين نتأمل هذا الكالم جيدا نجده ال ينطبق - في

الحقيقة - على القصة القصيرة جدا من ناحية الحجم الذي قد يتجاوز أحيانا - حسب بعض النقاد - ثالث أو أربع

طبيعة الكتابة القصصية التي تميلصفحات، وال من ناحية إلى الغموض واإلضمار أكثر مما تميل إلى الوضوح

واإلظهار. في هذاالمتميزة،إن الناظر في اإلبداعات القصصية

يقرأ ويستوعب فيالمجال، يجد أن كثيرا منها ال يمكن أن قصير جدا -كما قد يفهم من خالل التسمية-؛ ألنها لموقت

تكتب بطريقة مباشرة يسرد فيها القاص معلوماته، ويسجل أن نصوصهم أفكاره وخواطره - كما يفعل بعضهم معتقدين

جدا-، بل إنها غامضة إلى أقصىتعد قصصا قصيرةهذه تمتع القارئ إال بعد أن تتعبه وتجهده؛ حيثدرجة، أحيانا، ال

عقله، واستحضاريجد القارئ نفسه مرغما على استعمال أجل ممارسة التأويل، وفك الرموز،معرفته الخلفية؛ من

ويتطلب... وملء الفراغات، ومشاركة السارد في بناء النص مع التأمل، األمر قراءات متعددة ومتأنية للنصتحقيق هذا

والتدبر، فال مجال للقراءة التصويرية في القصة القصيرة وال تقدم بصورة مباشرة؛ المعاني ال تعطى مجانية، ألن جدا؛

كما هو األمر في الرواية الواقعية مثال. ا ينبغي أن تتخذ الكتابات الرديئة في، موعلى كل حال

واالنتقاص منه؛ كما،الفنهذا المجال ذريعة للطعن في هذا يفعل بعض المبدعين والنقاد، ممن ال يستسيغون هذا الفن،

وال يعترفون بمشروعيته وجدواه، عكس ما يذهب إليه البعض اآلخر من أن المستقبل له. وبين هؤالء وأولئك نفر من النقاد والدارسين ال يريدون أن يدلوا بدلوهم في هذا


خوفا من أن تأتيوشجاعة؛المجال بوضوح تام وبجرأة األيام القادمة بخالف ما تشتهي سفن المعجبين

. والمشجعين القصة القصيرة جدا مازال جديدا فيإن موضوع

الساحة األدبية، يبحث عن موضع قدم له بين األجناس اختياري لهذا البحث فيهنا، كان ومن األخرى؛األدبية

إلى حد، موضوع "القصة القصيرة جدا"، الذي لم يشبع كما هو األمر في؛ بحثا وتنظيرا بالشكل المطلوبن،اآل

محاولة لالقتراباألجناس األدبية األخرى. فهذا البحث يعد من هذا الفن لفهم قضاياه وإشكالياته، واالطالع علىأكثر

وفي،التجارب القصصية القصيرة جدا في وطننا العربيشرق المغرب على وجه الخصوص.

واألمر اآلخر الذي شد انتباهي - حقيقة - لهذا الموضوع جدا، الذيهو حضوري للمهرجان العربي للقصة القصيرة

تحتضنه مدينة الناظور كل سنة، ويحضره كبار المبدعين فيهذا المجال، ويشارك فيه عدد من نقاد القصة القصيرة جدا.

وبما أن الجهة الشرقية من المغرب أنجبت - وخصوصا ي هذا المجال، رأيت أنكثرا ففي اآلونة األخيرة - كتابا

صدرت عام قصصية،أشتغل – من باب أولى- على مجموعة بعنوان "نجي ليلتي" ألحد الكتاب المتميزين فيم،2013

الجهة، وهو القاص ميمون حرش.وقد قسم البحث إلى مقدمة وفصلين وخاتمة. البحث،ا المقدمة، فقد خصصت للحديث عن موضوع فأم

، وخطة البحث، ومحتواه، وصعوباته. وسبب اختيارهوأهميته، القصيرة جدا فيبـ"القصة الفصل األول الموسوم وأما

خصصته للحديثوتاريخها"، فقدالعالم العربي: مفهومها عن مفهوم "القصة القصيرة جدا" عند النقاد والدارسين

اولتوتنالعرب، وناقشت فيه بعض إشكالياتها وقضاياها. في المبحث الثاني منه نشأة القصة القصيرة جدا،


نا دواعي انتشارهاوامتداداتها في العالم العربي ، مبيوتطورها في الجهة الشرقية من المغرب.

القصة القصيرةوأما الفصل الثاني الموسوم بـ"خصائص خصصحرش"، فقدجدا عند القاص المغربي ميمون

للحديث عن أهم تلك الخصائص والجماليات التي حفلت بها مجموعة "نجي ليلتي" للقاص ميمون حرش؛ فتحدثت في المبحث األول عن الحذف واإلضمار، وفي المبحث الثاني عن المفارقة والسخرية، وفي المبحث الثالث عن التناص وتشغيل المعرفة الخلفية، وفي المبحث الرابع عن البعد

الفانطاستيكي. وختمت البحث بخاتمة فيها بلورة ألهم النتائج التي تم

التوصل إليها. وبخصوص المنهج الذي وظفته في دراسة أقاصيص

حرش، فهو المنهج الوصفي التحليلي؛ ألن طبيعة الدراسة اقتضت ذلك، وهو يقوم على مالحظة الظاهرة )النص(

ووصفها وتحليلها... منهاث،وقد واجهتني بعض الصعوبات في هذا البح

وغلبة طابع القصصي عند ميمون حرش، غموض النص الالمعقول، والصبغة العجائبية، عليه )كما الحظ ذلك د.

ميمون مسلك، في مقاله "مجموعة "نجي ليلتي" عديدة،يتطلب قراءته مرات مما ومؤشرات الالمعقول"(؛

والوقوف على األلفاظ وشرحها مستعينا بالقاموس، ورد األبيات الشعرية المقتبسة إلى سياقاتها األصلية بعد

للظفر بالمعنى المخفي في منطوق النص إناكتشافها؛ إلى بذل مجهودالحال، ويحتاجأمكن، وهو أمر شاق بطبيعة

كبير.


وختاما، فإن الواجب يقتضي أن أتوجه بجزيل الشكر لجميع أساتذتي األفاضل، وأخص بالذكر أستاذي المشرف الدكتور فريد أمعضشو الذي أمدني ببعض المراجع، وجاد

علي بتوجيهاته ومالحظاته العلمية الرصينة، وأنفق من وقته متابعة هذا البحث.الكثير في سبيل

الفصل األولالقصة القصيرة جدا في العالم العربي:

مفهومها وتاريخها

المبحث األول:القصة القصيرة جدا مفهوما ومصطلحا

أوال: إشكالية المفهوم.

خالل اطالعي على كثير من الدراسات النقدية في مجال القصة القصيرة جدا، تبين لي أن تصورات النقاد

والدارسين العرب - عند تعبيرهم عن مفهوم القصة القصيرة جدا- تختلف من تعريف آلخر. وسنحاول هنا


استعراض جملة من تلك التعاريف التي حاولت القبض على ماهيتها، وتبيان خصائصها ومقوماتها، لنخلص إلى تقديم

صورة عن مفهوم القصة القصيرة جدا. فأما الدكتورة سعاد مسكين فتعرف القصة القصيرة

( أو موجة في الكتابةUne mode)جدا بأنها "ليست موضة ( جديدة فيUn modeالسردية الجديدة، بل هي صيغة )

الكتابة لها إوالياتها الجوهرية التي يجب أن تكرس كثوابت ومتعاليات، تتمثل أساسا في الكثافة اللغوية، مع عمق

.1المعنى، وتوسع الرؤية" كما تؤكد الباحثة، في غير ما موضع من كتابها، أنها نوع

سردي حديث؛ إذ تقول مثال: "من وجهة نظرنا، نرى أن القصة القصيرة جدا نوع سردي على اعتبار أن النوع

السردي هو كل ما يندرج تحت الجنس، ويحتفظ بخصائص مشتركة تربطه به. بذلك يتميز النوع بالخصائص والصفات، ومجموعها هو ما يحدد الجنس باعتباره مقولة عامة وثابتة،

بهذا ترتبط القصة القصيرة جدا كنوع سردي بجنس "القصة" في خصائص مشتركة هي: الحكائية، المفارقة،

.2الكثافة، وحدة الحدث" ويعرفها جاسم خلف إلياس بقوله: "ليست القصة

القصيرة جدا جنسا أدبيا قائما بذاته، يؤسس نفسه بنفسه، وإنما هو نوع أدبي فرعي، له أصول يتكئ عليها، ويستمد

وجوده منها؛ كالنادرة والطرفة والخبر واألسطورة والخرافة والحكمة والمثل والحكاية الشعبية والمقامة وغيرها، بتأثيث

.3سردي يقترب أو يبتعد بحسب قدرة القاص على ذلك"

القصيرة مسكين: القصة سعاد 1 دار ومقاربات(، )تصورات بالمغرب جدا.141ص: ،م2011 ،1ط: الرباط، التنوخي،

بتصرف. ،42 نفسه: ص: 2 ،1ط: دمشق، نينوى، دار جدا، القصيرة القصة إلياس: شعرية خلف جاسم 3

.200ص: ،م2010


أما الدكتور يوسف حطيني فقد صرح، في كتابه "دراسات في القصة القصيرة جدا"، بأنه لم يوفق

الدارسون في تقديم تعريف "جامع مانع" يخول لنا القبض على ماهية هذا الفن الجديد بوضوح، على غرار باقي

األشكال األدبية األخرى. ثم قدم الباحث تعريفا تم استنباطه من أركانها وتقنياتها، فقال: "هي جنس سردي قصير جدا

يتمحور حول وحدة معنوية صغيرة، ويعتمد الحكائية والتكثيف والمفارقة، ويستثمر الطاقة الفعلية للغة ليعبر عن

األحداث الحاسمة، ويمكن له أن يستثمر ما يناسبه من.1تقنيات السرد في األجناس األخرى"

وفي نفس االتجاه، يحاول الدكتور جميل حمداوي أن يعرفها من خالل رصد جملة من السمات والخصائص التقنية التي تمتاز بها؛ حيث يقول: "القصة القصيرة جدا جنس أدبي

حديث يمتاز بقصر الحجم، واإليحاء المكثف، واالنتقاء الدقيق، ووحدة المقطع، عالوة على النزعة القصصية

الموجزة، والمقصدية الرمزية المباشرة وغير المباشرة، فضال عن خاصية التلميح، واالقتضاب، والتجريب، واستعمال

النفس الجملي القصير الموسوم بالحركية، والتوتر المضطرب، وتأزم المواقف واألحداث، باإلضافة إلى سمات

الحذف واالختزال واإلضمار. كما يتميز هذا الخطاب الفني الجديد بالتصوير البالغي الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ما

هو بياني ومجازي، وذلك ضمن بالغة اإليحاء واالنزياحوالخرق الجمالي.

هذا، وتتمثل سمات القصة القصيرة جدا في اإلدهاش، واإلرباك، واالشتباك، والمفارقة، والحكائية، وتراكب األفعال،

والتركيز على الوظائف األساسية دون الوظائف الثانوية، واإلقبال على الجمل الفعلية، والتكثيف، والتلغيز، والتنكيت،

،1ط: نت، لرباطا مطابع جدا، القصيرة القصة في حطيني: دراسات يوسف 1.108ص: م،2014


والترميز، واألسطرة، واالنزياح، والتناص، والسخرية، وتنويع صيغ السرد القصصي تهجينا وأسلبة ومحاكاة، وتصغير

.1الحجم أكثر ما يمكن تصغيره انتقاء وتدقيقا وتركيزا..." وهناك تعريف لمحمد محيي الدين مينو، حاول فيه

القبض على جملة من تلك الخصيصات التي تميز هذا الفن، وتنسجم مع طبيعته، يقول فيه: "إن القصة القصيرة جدا

حدث خاطف، لبوسه لغة شعرية مرهفة، وعنصره الدهشة.2والمصادفة والمفاجأة والمفارقة"

هكذا يبدو لنا، من خالل هذه التعاريف، مدى اختالف النقاد والدارسين في تصوراتهم لمفهوم القصة القصيرة

جدا، ما بين تعريف يركز على رصد جملة من تقنياتها ومقوماتها وخصائصها الجمالية، وآخر يربطها بأصول تراثية عربية، وثالث ينفي ارتقاءها إلى الجنس األدبي، ورابع يؤكد

على تجنيسها واستقالليتها... إن التعاريف المذكورة، في الحقيقة، ال تعدو أن تكون

رؤى وتصورات اجتهادية تركز على جوانب في القصة القصيرة جدا، وليس ضمنها تعريف نهائي، جامع مانع؛ وذلك

نظرا لـ"عدم اكتمال صورتها لتستوي على سوقها جنسازة، بل إنها ما أدبيا قائم الذات ذا خصوصيات وقوانين ممي

تزال في طور التكون والتشكل، باحثة عن موطئ قدم لها داخل السوق األدبية. كما أن انفتاح هذه القصة الوليدة على أجناس وفنون أدبية أخرى، واستثمارها جملة من مقوماتها،

يجعالن – عالوة على االعتبار المتقدم- تحديدها بتعريف. 3نهائي ضربا من "المجازفة" ليس إال"

القصيرة القصة لنقد جديدة تقنية أجل حمداوي: من جميل 1 )المقاربة جدا ،1ط: وجدة/ المغرب، المغاربية، األنوار مطابع شركة نشر الميكروسردية(،

.8ص: م،2011 للطباعة مسار أولى، مقاربات القصيرة، القصة مينو: فن الدين محيي محمد2

.43ص: م،2012 ،3ط: دبي، والنشر، القصيرة القصة أمعضشو: قضايا فريد3 سعاد نموذج إلى النقاد من) جدا

.89ص: ،م2012 أيلول ،85ع: بيروت معاصرة"، "كتابات مجلة ،(مسكين


ويمكننا أن نسجل، من خالل هذه التعاريف، جملة من المالحظات حول مفهوم القصة القصيرة جدا، ونناقش بعض

إشكالياتها وقضاياها فيما يلي.

)أ( القصة القصيرة جدا وإشكالية التجنيس:

من خالل التعاريف السابقة، نالحظ مدى اختالف الدارسين والنقاد في تجنيس القصة القصيرة جدا، وهي

قضية سال فيها مداد كثير؛ فمنهم من يصر على أن القصة القصيرة جدا جنس أدبي؛ مثل جاسم الحسين ويوسف

حطيني وجميل حمداوي...، ومنهم من يرى بأنها نوع سردي حديث؛ مثل سعاد مسكين وجاسم خلف إلياس وفريد

أمعضشو...، وبين هؤالء وأولئك فريق من النقاد والدارسين لم يحددها بالنوع وال بالجنس األدبيين؛ مثل عبد الدائم

السالمي ومحمد مينو وعبد العاطي الزياتي... إال أن المتتبع لما ينشر من المقاالت، ولما يطبع من

الكتب والمؤلفات، يالحظ أن أنصار التجنيس يدافعون بشراسة عن تجنيس القصة القصيرة جدا. يقول الدكتور

يوسف حطيني في مقدمة كتابه "دراسات في القصة القصيرة جدا": "تسعى هذه الدراسة إلى الدفاع عن القصة القصيرة جدا، بوصفها جنسا أدبيا مستقال، له أركانه وميزاته

التي تميزه من فنون النثر األخرى، وتجعل منه مصطلحا مستقرا تنضوي تحته مجموعة من النصوص اإلبداعية التي

.1تشترك بصفات محددة" أما الدكتور جميل حمداوي فقد قدم دراسة مطولة

تحدث فيها عن قضية التجنيس، والقوانين التي ينطلق منها لمعرفة هل القصة القصيرة جدا جنس أدبي جديد، أم إنها

نوع من جنس أدبي، ومجرد فرع من فروع القصة القصيرة؛.5ص: م.س، جدا، القصيرة القصة في دراساتحطيني: يوسف 1


فتحدث عن قانون المماثلة، والتواتر، واألهمية، والقيمة المهيمنة، والثبات، والتطور، والعدد، وأفق االنتظار،

والتمثيل، والتراكم، والتكامل، والمقارنة، والمشابهة، والتوصيف، والتصنيف، والتقسيم،... وغيرها من القوانين

التي تسعفنا في عملية التجنيس والتصنيف والتمييز والتنميط، ليصل الباحث بعد ذلك إلى أن القصة القصيرة

.1جدا جنس أدبي بامتياز؛ مثل الرواية والقصة القصيرة غير أننا، بقليل من التأمل، ندرك -كما الحظ الدكتور

م، "أنه من السابق ألوانه، في2012فريد أمعضشو- عام نظرنا، اعتبارها جنسا أدبيا قائما شأن القصيدة والرواية

وغيرهما من األجناس األدبية المعروفة. إنها - في وضعيتها اآلنية - مجرد نوع أدبي؛ كما أكدت سعاد مسكين وآخرون، يندرج ضمن جنس عام هو القصة القصيرة. ويقتضي ذلك، من بين ما يقتضيه، استمرار جملة من خصائص األصل في

سائر الفروع المنضوية تحته، ولكن دون أن يعني ذلك، إطالقا، حلول الفرع محل األصل بديال ومعوضا؛ ألن كال

منهما يظل محتفظا بقالبه الخاص وبميزاته األثيلة الفارقة... وإذا كان للقصة القصيرة تاريخ معروف في أدبنا

الحديث، أتاح لها مراكمة كم مهم من النصوص والمتون، على اختالف مضامينها وجمالياتها واتجاهاتها وحساسياتها،

سوغ لنا، منذ أمد، الحديث عن جنس القصة القصيرة، فإن ذلك بأن عمرها في أدبنا-!األمر، بالنسبة لها، يختلف تماما

على األرجح- ال يتعدى األربعة عقود، وأن التسليم بشرعية وجودها ما يزال مثار خالف حاد بين الدارسين، وأن ما روكم

إبداعيا فيها على امتداد رقعة العالم العربي غير كاف بعد لنتحدث باطمئنان عنها بوصفها جنسا قائما بذاته. إنها، في

جد القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 1 المعرفة، نشر دار ،ا.بعدها وما103ص: م،2014 ،1ط: الرباط،


الحقيقة، نوع سردي حديث... تشترك مع عدد من الفنون واأللوان واألجناس األدبية بمقومات، بقدر ما تستميز منها

.1بجملة من الخصائص الفنية والشكلية"

القصيرة القصة معضشو: قضاياأ فريد1 سعاد نموذج إلى النقاد من) جدابتصرف. ،91 ص: م.س، ،(مسكين


)ب( إشكالية الخصائص والمميزات:

من اإلشكاليات التي يمكن أن تصادفنا، ونحن نروم القبض على ماهية هذا الفن ومفهومه الدقيق، هي قضية

الخصائص والجماليات؛ حيث إن النقاد اختلفوا في طبيعتها وعددها. فرغم أن التعاريف السابقة، في معظمها، تلتقي

في محاولة تعريف القصة القصيرة جدا من خالل رصد مالمحها وتقنياتها الفنية وخصائصها الجمالية، فإنهم اختلفوا

في رصدها وإحصائها حسب اجتهاداتهم وتصوراتهم الخاصة. إن مما ال يختلف فيه اثنان أن للقصة القصيرة جدا عددا

من الخصائص والمميزات التي تميزها عن األشكال األدبية األخرى؛ مثل القصة القصيرة وقصيدة النثر، بيد أننا نالحظ

أن كثيرا مما اعتبر، هاهنا، من الخصائص )كالتكثيف، والتناص، والمفارقة...( يمكن العثور عليه في بعض األشكال

األدبية األخرى؛ مما يجعل مفهوم "الخصائص" هنا غير ذي اللهم إذا كنا نستعمل مصطلح، وغير دقيق الداللة، !معنى

"الخصائص" تجاوزا، ونريد به المقومات، ما دام أن النقاد ما زالوا يتحفظون من الحديث الصراح عن الخصائص المميزة

للقصة القصيرة جدا، والحسم فيها. ونسجل أيضا على التعاريف السابقة أن بعضها يجعل

الحجم القصير جدا مسألة ثانوية، ومن ثم نجد أصحابها ال يؤكدون صراحة على الحجم القصير في تعاريفهم، باستثناء

يوسف حطيني وجميل حمداوي. فمن الدارسين من يرى أن القصر الشديد وحده ال يدل على قصة ناجحة، وإنما المسألة

مسألة بنية، وتقنيات، وأركان مكونة. ومن ثم يرون أن ال داعي للتشدد في مسألة الحجم وقصره، فيمكن للقصة القصيرة جدا أن تكتب في حجم يصل إلى ثالث أو أربع

- وهو ما يفعله بعض الكتاب- . بيد أننا!صفحات أو أكثر


بقليل من التأمل ندرك أن هذا ضرب من العبث؛ فإذا كنا نجمع، أو نكاد، على أن المصطلح األقوى تعبيرا عن ماهية هذا الفن هو مصطلح "القصة القصيرة جدا"، وندعو إليه،

فكيف يعقل أن نحكم على هذا النوع من القص بأنه قصير جدا، ثم نأتي بعد ذلك لنكتب قصة في حجم يصل إلى ثالث

أليس من األولى الحفاظ!أو أربع صفحات أو أكثر من ذلك؟ على الحجم القصير، إلى جانب الحفاظ على التقنيات

واألركان األخرى طبعا؟.

.ثانيا: إشكالية المصطلح

من المعلوم أن المصطلحات التي أطلقها النقاد والدارسون للتعبير عن مفهوم القصة القصيرة جدا كثيرة ومتنوعة، وذلك كحال أي مفهوم جديد نروم القبض على

ماهيته، ومدلوله الدقيق، ونقله إلى لغتنا بطريق الترجمة. ويصل عدد هذه المصطلحات إلى أزيد من تسعة عشر

مصطلحا، ذكر أحمد جاسم الحسين منها سبعة عشر مصطلحا، وصنفها في ثالث شعب؛ األولى تدل على القصر،

والثانية تنسبها إلى فنون أخرى، والثالثة تشي بشيء من:1حكم القيمة المسبق... وهي كاآلتي

الشعبة األولى: تشمل سبعة مصطلحات )القصة القصيرة جدا- القصة الومضة- القصة اللقطة- القصة

القصيرة للغاية- القصة المكثفة- القصة الكبسولة- القصة البرقية( فاألول ورد فيه التأكيد على القصر الشديد بلفظة

)جدا(، والثاني من الومض، ووميض البرق إشارة إلى القصر والسرعة، والثالث جاء من عالم الفن والسينما والتلفزيون

والتصوير الفوتوغرافي أيضا، يدل على الحالة الواحدة وعدم القصيرة الحسين: القصة جاسم أحمد 1 جدا مجلة ومفهوما، مصطلحا

.54-43ص: م،2013 ديسمبر ،20ع: الثقافية"، "اإلمارات


اإلفاضة، و)القصيرة للغاية( عبر سمة القصر الشديد، والمكثفة بما تدل عليه من اختصار شديد مع اإليحاء، أما مصطلح )الكبسولة( فيشير إلى صغر الحجم، مع القدرة على ترك األثر، وهو مأخوذ من عالم األسلحة ليدل على السرعة في االنفجار، ومن األدوية ليعني صغر الحجم مع

كبر الفعل، والمصطلح األخير يشير إلى الحرص على إيصالرسالة ما بأقصر الطرق، والبرق أحدها.

وتشترك المصطلحات السابقة في صفتين اثنتين؛ األولى التأكيد على معنى القص، والثانية القصر الشديد...

الشعبة الثانية: وهذه الشعبة تنسب القصة القصيرة جدا إلى فنون وأجناس أخرى، وهي )اللوحة القصصية- الصورة

القصصية- النكتة القصصية- الخبر القصصي- الشعرالقصصي- الخاطرة القصصية(.

ومن الجلي أن هذه المصطلحات تحيلنا على الفن التشكيلي، والسينما، واإلضحاك، والصحافة، والشعر،

والخاطرة... والالفت للنظر هو أن هذه المصطلحات تؤكد على الفن اآلخر، أكثر من تأكيدها على القصصية، حتى إن )القصصية( تأتي صفة، وليست موصوفا. جميل أن تتالقح الفنون، وتستفيد من خصائص بعضها، شرط أال يؤدي ذلك

إلى كتابة خالسية دون مالمح... وفيما يخص القصة القصيرة جدا، فهي قصة أوال، وقصيرة جدا ثانيا، وهي تستفيد من

سمات عدد من الفنون واألجناس، لكن ذلك ال يعني أبدا أن تنسب وتصير تابعة لها... طبعا قد يبدو مقبوال وجود هذا

المصطلح أو ذاك في البدايات؛ أي قبل تالقح الجنس األدبي، لكن بعد مرور نحو ربع قرن يبدو استعمال أحدها استعماال

غير بريء في ظل مصطلح القصة القصيرة جدا. الشعبة الثالثة: توحي هــذه الشــعبة بشــيء من حكم

القيمة المسـبق، وقـد يشـير بعضـها إلى حالـة كتابتهــا، وهي


ــية - ــة القصص ــة - الحال ــة الحديث ــدة - القص ــة الجدي )القصالمغامرة القصصية(.

من المؤكد أن االبتعاد عن أحكام القيمة المسبقة خير للجميع: للقصة القصيرة جدا، ولكتابهــا، ولدارســيها... ونؤكــد من جديد أن كشف سماتها ومميزاتها، والحديث عن األركان

المؤسسة لها، خير للجميع أيضا.. أخيرا، ربما استعملت هذه المصطلحات كتعبير فرضته

جدتها وحداثتها، وكان التعبير بهذا المصطلح أو ذاك اســتجابة أولية، وربما لم يصل كثير منها إلى مرتبة المصطلح بالمعنى

.1النقدي للكلمةإليها أحمد جاسم أخرى وهناك مصطلحات يتطرق لم

ــوب، الحسين؛ مثل مصطلح "األقصة" الذي اقترحه محمــد ي ومصطلح "األقصودة" الذي قدمه بعضهم باعتبارها فنا يجمعــنزاح إلى القصــيدة ــدما ت ــثر والشــعر، فهي شــعر عن بين الن النثرية، وهي نثر عندما تنزاح إلى القصة واألقصوصــة، فهــذاــني ــودة يعـ ــة( وقصـ ــع بين األقص )األقصوصـ ــم يجمـ االسـ

.2)القصيدة( بيد أننا نالحظ، من خالل اطالعنا على مجموعة من

الدراسات النقدية، أن أغلب الدارسين يفضلون مصطلح (، ويعتبرونهShort Short Story" )"القصة القصيرة جدا

المصطلح األنسب داللة للتعبير عن هذا الفن الجديد؛ مما يعني أن ذاك العرمرم من التسميات التي أطلقت على

القصة القصيرة جدا كانت صيحة في واد، ما لبث أنتجاوزها النقاد؛ نظرا لقصورها، وعدم مالءمتها.

ويرجع أحمد جاسم الحسين أسباب هذا التعدد في التسميات إلى أربع نقاط، اثنتان منهما تتعلقان بالقصة

القصيرة الحسين: القصة جاسم أحمد1 جدا ص: م.س، ومفهوما، مصطلحا43-54.

مطيعة مطبعة المعاصرة، المغربية القصة معرفة يوب: في محمد 2.70 ص: م،2011 ،1ط: مكناس/ المغرب، سجلماسة،


القصيرة جدا، واثنتان ال تخصانها تماما، وهما: مجافاة التجديد والحرص على التفرد عن اآلخر عبر استعمال مصطلحات خاصة، وأما النقطتان اللتان تخصانها فهما

متناقضتان؛ األولى تتجلى في محاولة اإلساءة إليها واالنتقاص من قدرها، واألخرى تحاول رفع شأنها عبر نسبتها

.1إلى أجناس وفنون أخرى وقد خص الباحث كل نقطة بوقفة مفصلة ناقش من

خاللها أهم الخلفيات القابعة وراء إنجاب هذا العرمرم من المصطلحات، مؤكدا على مصطلح "القصة القصيرة جدا"

باعتباره األكثر استعماال وانتشارا، واألقوى داللة وتعبيرا عنماهية هذا الفن.

ويعتبر أحمد جاسم الحسين بأن محاولة نسبة هذا الفن إلى أجناس وفنون وحاالت خارج القصة القصيرة، يهدف، من جملة ما يهدف إليه، إلى االنتقاص منها. ويرى الباحث

أن أكثر المحاولين هم مدعو الحرص على القصة القصيرة، الذين يحاولون إبعادها عنها، وإحالتها خارج حدود القصة،

وبذلك يتخلصون من هذا التجديد الذي لو فكروا فيه قليال لوجدوا أنه ال يسيء إلى القصة القصيرة، فالقصة القصيرة

جدا ال تنتقص من قيمة القصة القصيرة وقدرها، وال تدعو إلى إلغائها.. بل إن الطرح الذي تطرحه طرح يقوم على التعددية، وسماع الصوت اآلخر، ومن المؤكد أن قادمات

األيام ستلغي هذا الخوف في ظل طقس يقوم على عدم المعاداة، خاصة وأن القصة القصيرة جدا تؤكد يوما بعد يوم،

عبر كتابها ونصوصها، أنها ال تطرح نفسها فنا بديال، بل هي تريد أن تعيش جنبا إلى جنب مع القصة القصيرة وسواها

.2من األجناس األدبية األخرى

القصيرة القصةالحسين: جاسم أحمد 1 جدا مصطلحا ص: م.س، ،ومفهوما51.

بعدها. وما51ص: نفسه، 2


إلى جانب هؤالء، يوجد نفر كبير يظن بأن نسبة القصة القصيرة جدا إلى أجناس وفنون أخرى، يرفع من قدرها؛ فترى هذا ينسبها إلى الشعر، وذاك إلى الفن التشكيلي،

وثالث إلى الموسيقى... ومع أهمية كل هذه الفنون واألجناس، إال أن نسبة القصة القصيرة جدا إلى هذا الجنس أو ذاك ليست مصدر غنى لها؛ فهي قصة أوال، وقصيرة جدا

بعد ذلك، لها عالمها، وللشعر عالمه، وللفن التشكيلي والموسيقى والسينما عوالمها، قد تستفيد هي من هذا الفن

أو ذاك، لكنها تبقى، قبل كل هذا وبعده، قصة، وقصيرة جدا... ورفع شأنها يحتم البحث عن عناصر تنطلق من

!كينونتها، ومن بنيتها هي، ال عبر نسبتها إلى فنون أخرى... إن القصة القصيرة جدا فن أدبي، له أركانه وشروطه

وجمالياته، وال يقل أهمية عن أي فن آخر، إن لم يتفوق على كثير منها، طبعا ربما يبدو أن تلك اإلشكاالت مرتبطة بالنشأة

والرغبة في التأصيل، وذلك عبر نسبتها إلى فنون لها تاريخ طويل، إضافة إلى كونها معروفة. وقد تحمل لنا قادمات

األيام محاوالت من كتابها ودارسيها في البحث عن جمالياتها وأركانها النابعة من بنيتها، وكينونتها هي، ال عبر نسبتها إلى

.1فنون وأجناس أخرى أما الصنف الثالث فهم ثلة ال يستهان بها ممن يجافي

التجديد في األدب، أو الحياة؛ وذلك ألسباب كثيرة، منها ارتباط التجديد عند كثيرين بالوافد المستورد، ولدى آخرين بالتخريب، فيما يرى كثيرون أن أي تجديد هو تهديم للقديم

األصيل، وقد انعكست هذه اآلراء انعكاسا مباشرا على القصة القصيرة جدا؛ فراح كثيرون يذكرونها متندرين،

هادفين إلى اإلساءة إليها، إما عبر استعراض بعض النماذج، أو باعتبارها نكتة أو طرفة مرتبطة بالسرعة المعاصرة، ما

القصيرة الحسين: القصة جاسم أحمد1 جدا ص: م.س، ومفهوما، مصطلحا52.


إن تدخل من هذه األذن، حتى تخرج من األذن األخرى دون أثر. ومن المؤكد أن هذه التصورات غير دقيقة أبدا؛

فالطرافة، والنكتة، والجدة، والسخرية الموجودة في هذا الفن ليست كما يتصورونها؛ إذ إنها تضحكنا لتخرق أعماقنا،

وتحفزنا، وتحرضنا، وتغير فينا، وهذه الغايات مختلفة عنالغايات التي تهدف إلى التهريج أو اإلضحاك المجاني.

وأخيرا، يعيب أحمد جاسم الحسين على عدد من الدارسين )الجدد( الذين يحرصون على استعمال

مصطلحات خاصة بهم، ليس ألن مصطلح اآلخرين ال يعجبهم، بل هو نوع من لفت االنتباه، ومحاولة التفرد الذي تسمح به الظروف، وال تنفيه التعددية. ولئن كان هذا التنوع مستندا إلى عدد من المسوغات؛ من مثل أن المصطلح لم

يتبلور إال مؤخرا، إال أن حسن النية المعرفي ليس مالزما لكتابات الكثيرين، وهذه المشكلة ال تخص مصطلح القصة

القصيرة جدا، بقدر ما تخص إشكالية المصطلح عامة. ومن هنا يدعو أحمد جاسم الحسين إلى توحيد المصطلح، معتبرا

أن ذلك لن يتحقق إال بكثير من اإلرادة والجهد، والتخلي قليال عن الحرص على إظهار الذات، واإليمان بأن ضبط

.1الهم الثقافي أهم من إظهار الذات... ويبدو أن مصطلح "القصة القصيرة جدا" هو المصطلح

الذي ارتضاه عدد مهم جدا من المبدعين والنقاد، وتمسكوا به. وقد جاءت مؤلفاتهم ومقاالتهم معنونة بهذا المصطلح.

كما أن الملتقيات والمهرجانات أصبحت تنظم تحت هذااالسم .

ويدعو الدكتور جميل حمداوي - من جهته - إلى التمسك بهذا المصطلح، مبينا سر تفضيله بقوله: "وأحسن مصطلح

أفضله شخصيا؛ وذلك إلجرائيته التطبيقية والنظرية...، القصيرة الحسين: القصة جاسم أحمد1 جدا 5ص: م.س، ومفهوما، مصطلحا

2- 53.


وأتمنى أن يتمسك به المبدعون في هذا الفن الجديد، وكذلك النقاد والدارسون، هو مصطلح "القصة القصيرة جدا"؛ ألنه يعبر عن المقصود بدقة ووضوح، ما دام يركز

على ملمحين أساسيين لهذا الفن األدبي الجديد، وهما: قصر الحجم، والنزعة القصصية. كما أنه يترجم المصطلح

اإلسباني المعروف المعبر عن هذا الجنس الجديد في مجال (. ويعني هذا المصطلحMicrorrelatos األدبية )السرديات

األجنبي المحكي القصير جدا، أو السرد القصير جدا، أو.1القصة القصيرة جدا"

ونخلص من هذا كله إلى أن مصطلح "القصة القصيرة جدا" استطاع أن "يثبت نفسه كأبرز المصطلحات وأكثرها

. إنه المصطلح2داللة بما تضمنه من دالالت فنية ونقدية..." المعبر حقيقة عن هذا الفن الذي ما زال يحبو، في انتظار

أن يقف على قدمين، ويسير جنبا إلى جنب مع أجناساألدب األخرى.

المبحث الثاني: القصة القصيرة جدا في العالم العربي: النشأة

والتطور

والفن األدب قضايا حول )حوارات ونقدية أدبية حمداوي: حوارات جميل 1 ص: م،2014 ،1ط: الرباط، المعرفة، نشر دار جدا(، القصيرة والقصة والنقد

بتصرف.85 القصيرة الحسين: القصة جاسم أحمد2 جدا ص: م.س، ومفهوما، مصطلحا

53.


وفي هذا المبحث ثالثة مطالب:

المطلب األول: نشأة القصة القصيرة جداوتطورها عربيا

يــذهب عــدد كبــير من الدارســين والمهتمين بالقصــة ــد ظهــر بأمريكــا في القصــيرة جــدا إلى أن هــذا الفن الجدي العقــود األولى من القــرن العشــرين، وذلــك مــع الكــاتب

ــواي ) ــت همينغ ــريكي إرنس ــروائي األم Ernestوال Miller Hemingway ) م.1961و 1899الذي عاش ما بين

ــام ــه، ع ــدى قصص ــق على إح ــد أطل ــطلح1925فق م، مص تتكون من ثماني "القصة القصيرة جدا"، وكانت تلك القصة

ها: "للــبيع حــذاء لطفــل، لم يلبس قــط". كلمــات، وهــذا نصــ وكــان همينغــواي يفتخــر بهــذا النص اإلبــداعي القصــير جــدا،

.1ويعتبره أعظم ما كتبه في حياته اإلبداعية وبهذا يكون همينغواي أول من أطلق هذا المصــطلح.

ــتو مونتيروسو ــالي أوجوسـ ــاتب الغواتيمـ ــد الكـ ــا يعـ ) بينمـAugusto Monterroso) أول من كتب أقصر نص قصصي

في العالم تحت عنوان: "الديناصور" وهــو: "حينمــا اســتفاق، كــان الديناصــور مــا يــزال هنــاك". لكن هنــاك من يــرى بــأن القصة القصيرة جدا لم تظهــر بأمريكــا الالتينيــة إال في ســنة

م باألرجنتين، وذلــك مــع مجموعــة من الكتــاب؛ مثــل:1950ــاريس ) ــوي كاسـ ــو بيـ Adolfoأدولفـ Bioy Casares،)

Jorgesوخــورخي لــويس بــورخيس ) Louis Borges،) اللذين أعدا أنطولوجيــا للقصــة القصــيرة جــدا، وكــانت هــذه

.2القصص القصيرة والعجيبة جدا تتكون من سطرين فقط

القصيرة القصة لنقد جديدة تقنية أجل حمداوي: من جميل 1 )المقاربة جدا.12ص: م.س، الميكروسردية(،

.12ص: نفسه،2


ومن أهم كتابها: خوليو كورتاثار، وخوان خوصي أريوال، وخوليو طوري، وأدولفو بيــوي كاســاريس، وإدواردو غاليــانو، وخابيير تومبو، وخورخي لويس بــورخيس، وإرنســتو ســاباتو،ــامبو، ــا أوك ــو، وفيكتوري ــي دونوس ــو، وخوس ــو بوالني وروبرت وخــوان بــوش، وأوجوســتو مونتيروســو، وبيخيلبــو بينــيرا،

وفلسبرتو هرنانديث، وآخرون كثيرون. وبعد ذلك انتشرت هذه القصص القصيرة جدا، بشكل

من األشكال، بأروبا والواليات المتحدة األمريكية والعالم العربي، وذلك عن طريق الترجمة والمثاقفة وعمليات التأثير

.1والتأثر...م، سيصدر كتاب "انفعاالت/1938وفي عام

Tropismesللروائية والكاتبة المسرحية الفرنسية ناتالي " (، وقد عد هذا العمل أولNathalie Sarrauteساروت )

بادرة موثقة علميا بأروبا لبداية القصة القصيرة جدا هناك، وأصبحت هذه المحاولة نموذجا يحتذى به في الغرب.

ويتضمن هذا العمل أربعة وعشرين نصا قصصيا قصيرا جدا بدون حبكات معقدة أو شخصيات أو أسماء أعالم؛ حيث

تتكئ الكاتبة على الضمائر الشخصية تنويعا وأسلبة، وتوصيف االنفعاالت الداخلية، وربط الداخل النفسي بالخارج

. وقد كان تأثير الكتاب مهما في الساحة األدبية2الحركي الفرنسية والعالمية على حد سواء، فقد ظهر لون جديد من

فنون النثر القصصي حفز اآلخرين على اإلسهام في ترسيخه، وإنجاح فنية المصطلح الجديد.. حتى إن ساروت

في كتابها أسهمت، وبشكل مؤثر، في إظهار مجموعة جديدة من األدباء الفرنسيين اضطلعت بمسؤولية الكتابة

الجديدة، والدفاع عنها؛ أمثال بيكيت، ميشيل بوتور،

القصيرة القصة لنقد جديدة تقنية أجل حمداوي: من جميل 1 )المقاربة جدا.13ص: م.س، الميكروسردية(،

.13ص: ، نفسه2


سارويان، سولير.. واستخدمت ساروت تقنية متفردة في إظهار الجوانب الغريبة في القصة القصيرة جدا التي يسميها

نقاد األدب باألقصوصة، وتتلخص في التكثيف واإليحاء واإليجاز.. ومثلت هذه التقنية االنطالقة األكيدة لهذا الفن،

حسب رأي كثير من النقاد؛ منهم توماس بيرنز الذي يقول: )إن سبب صعوبة األقصوصة يترتب عن إيجازها أن تكون العقدة يسيرة مباشرة، ورسم الشخصيات موجزا محكما

.1مقيدا بفحوى، والعرض بليغا( وكانت أول ترجمة عربية لكتاب ناتالي ساروت تلك التي

قام بها الباحث المصري فتحي العشري، وذلك في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، وترجم عنوان الكتاب

بـ"انفعاالت"، ثم أضاف عنوانا ثانويا إلى عنوان الكتاب، وهو "قصص قصيرة جدا". بيد أنه، في المقدمة، يتحدث عن

الرواية الجديدة في فرنسا، أضف إلى ذلك أن هذا الجنس األدبي لم يكن مولدا بعد في موطنه األصلي أمريكا الالتينية

حين صدر الكتاب، وهو األمر الذي يرجح كفة القائلين بأن هذا العمل رواية؛ كما تنبه إلى ذلك الدارسون الغربيون

أنفسهم بعد مدة من زمن صدوره، وذلك على يد جان بول(. Max Jacob( وماكس جاكوب )J.P.Sartreسارتر )

وعليه، يكون العشري - في نظر كثيرين- قد جانب الصواب في ترجمة العنوان، وإضافة عنوان آخر ثانوي

للكتاب؛ حيث إن ساروت لم تقصد أن يكون كتابها مجموعة قصصية قصيرة جدا؛ إذ لم يكن هذا الفن متبلورا أصال في

الغرب، وال متعارفا عليه في التراث القصصي الفرنسي. فـ" الترجمة الخطأ لـ)انتحاءات( بـ)انفعاالت( تبين البون الثقافي والمعرفي الواسع بين المترجم فتحي العشري والنص الذي أقدم على ترجمته؛ حيث انفعاالت تعني الحالة النفسية في

مجلة المتمدن، الحوار مجلة جدا، القصيرة القصة سبتي: محنة إبراهيم 1م. 2006- 5- 26بتاريخ: ،1562ع: بغداد رقمية،


علم النفس، بينما )انتحاءات( تعني )حركات ال يمكن تعريفها تنسل بسرعة إلى حدود وعينا وهي مسؤولة عن أفعالنا

وكلماتنا وأحاسيسنا، أنا مقتنعة كليا أن كل شخص يمتلكها )االنتحاءات( على ذلك المستوى(؛ على حد قول ناتالي

ساروت نفسها في مقابلتها مع صحيفة باريس ريفيو عامم.1990

وبسبب هذه الترجمة المبكرة الخاطئة واإلضافة الخاطئة، شاع مفهوم خاطئ عن نشأة القصة القصيرة جدا. فالريادة للغواتيمالي مونتيروسو في أمريكا الالتينية، وبسبب قلة اهتمام المثقفين والمترجمين خصوصا بتدقيق ما ترجمه العشري ظلت تتخمر األفكار الخطأ عن نشأته، وال يستغرب المتلقي أن يجد هذا الخطأ على صفحات اإلنترنيت، بل وعند

كبار الكتاب إال ما ندر. فأكثر الكتاب والمتتبعين للقصة القصيرة جدا ظلوا يعتمدون ما كتبه فتحي العشري، فقد

أهملوا الترجمة الصحيحة لكلمة )انتحاءات( على يد العراقي م وهو من جنس الكتاب1985 عام 1األستاذ نهاد التكرلي

بشكله الصحيح كاآلتي: رواية كتبتها ناتالي ساروت عام م ضمن الرواية الفرنسية الجديدة. ومؤخرا تم اعتماد1938

ترجمة التكرلي وتجنيسه للرواية عربيا؛ إذ طبعت وزارة م رواية )انتحاءات( لساروت،1999الثقافة السورية عام

ترجمة: )ريم منصور األطرش( مرة، و)مزمل سليمان الغندور( مرة ثانية من ذات العام، معتمدا على ما قدمه

.2التكرلي وإذا ما أردنا أن نتحدث عن البدايات األولى لهذا الفن

في وطننا العربي، سنجد أن كثيرا من المبدعين العرب، وظهرت محاوالتكتبوا قصصا قصيرة جدا في فترة مبكرة،

وهو نماذجه، أفضل وترجم الغربي األدب قرأ ومترجم، التكرلي: ناقد نهاد 1م.1922 عام بغداد في نهاد التكرلي. ولد فؤاد والروائي القاص شقيق

مجلة العربية، إلى جدا/ والترجمة القصيرة القصة نشأة عليوي: إشكالية مؤيد 2م.2013-12-26بتاريخ: ،4317: ع ،بغداد رقمية، مجلة المتمدن"، "الحوار


عديدة في هذا المجال، تندرج ضمن مرحلة البدايات؛ حيث كانت عن غير وعي؛ كما نجد- إن لم نقل كلها - إن معظمها

عند: يوسف الشاروني، ونجيب محفوظ، ومحمد زفزاف... نشر في األربعينيات المحامي نوئيل رسامففي العراق

قصصا قصيرة جدا؛ كما يقول الناقد باسم عبد الحميد حمودي، فعد ذلك بداية لظهور هذا الفن في العراق. ثم،

تالحقت التجارب حتى بلغت درجة كبيرة من النضج الفني في مرحلتي الستينيات والسبعينيات، فنشرت بثينة الناصري

م قصة1974في مجموعتها )حدوة حصان( الصادرة عام أسمتها )قصة قصيرة جدا( .. ونشر القاص خالد حبيب

الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن مجموعته )القطار م، ونشرها عبد الرحمن مجيد1975الليلي( الصادرة عام

الربيعي في نفس الفترة، وكذلك جمعة الالمي، وأحمد ويبدو أن تطور وعي خلف، وإبراهيم أحمد، وآخرين...

القاص واطالعه على التجارب العربية والعالمية وتحليل النتائج المستخلصة، أدى إلى إنتاج نوع آخر من القصة

يختلف كليا عن ما هو سائد أصال، مع أن بعض الدالئل تشير إلى أن هذا الفن بدأ عراقيا في األربعينيات – مقارنة

بظهوره عربيا- لو استثنينا تجربة القاص اللبناني توفيق يوسف عواد الذي أصدر مجموعته القصصية )العذارى( عام

م، واحتوت على قصص قصيرة جدا، لكنه اسماها1944.1)حكايات(

ومن أهم رواد القصة القصيرة جدا في العالم العربي أيضا نستحضر من فلسطين: فاروق مواسي، ويوسف

حطيني... ومن سوريا: زكريا تامر، ومحمد الحاج صالح، وعزت السيد أحمد، وعدنان محمد، ونور الدين الهاشمي،

وجمانة طه، وانتصار بعلة، ومحمد منصور، وإبراهيم خريط، مجلة المتمدن، الحوار مجلة جدا، القصيرة القصة سبتي: محنة إبراهيم 1

م. 2006- 5- 26بتاريخ: ،1562ع: بغداد رقمية،


وفوزية جمعة المرعي... ومن العراق: شكري الطيار، وإبراهيم سبتي، وهيثم بهنام بردي... ومن المغرب: محمد إبراهيم بوعلو، والمهدي الودغيري، وحسين زروق، وأحمد

زيادي، وجمال بوطيب، ومحمد العتروس، وسعيد بوكرامي، وسعيد منتسب، وعبد الله المتقي، ومحمد تنفو، وحسن برطال، وفاطمة بوزيان، والزهرة رميج... ومن تونس: إبراهيم درغوثي... ومن الجزائر: القادر برغوث... ومن

المملكة العربية السعودية: حسن بن علي البطران، وفهدالمصبح، وسهام العبودي...

وإذا كان عدد من الدارسين يقرون بأن القصة القصيرة جدا نشأت في أمريكا والغرب، ثم انتقلت إلى عالمنا

العربي، عن طريق الترجمة والمثاقفة - وال عيب في ذلك -، فإنه يجب أن نقر أيضا بفرضية تأسسها على جوانب من

موروثنا السردي الزاخر، ممثال في الخبر والنادرة والطرفة واألسطورة والخرافة والحكمة والمثل والحكاية الشعبية

والمقامة وغيرها. لهذا فقد تتبع الناقد المغربي جميل حمداوي هذا الفن الجديد بالتحقيب في مساره الثقافي العربي إلى يوم الناس هذا، فخلص إلى أن ثمة خمس

:1مراحل مرت بها القصة القصيرة جدا، وهي كاآلتي

أوال: المرحلة التراثية

نجد في تراثنا العربي القديم مجموعة من األشكال النثرية، تقترب، بشكل من األشكال، من القصة القصيرة جدا؛ كالحديث، والخبر، والفكاهة، والنادرة، والمستملحة،

والطرفة، واألحجية، والكالم، والحكاية، والمقامة، واللغز...

،الرباط المعرفة، نشر دار جدا، القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 1.بعدها وما7ص: ،م2014 ،1ط:


ويعني هذا أن للقصة القصيرة جدا جذورا عربية قديمة، تتمثل في أخبار البخالء واللصوص والمغفلين والحمقى،

وأحاديث السمار... ومن ثم يمكن اعتبار الفن الجديد امتدادا تراثيا للنادرة، والخبر، والنكتة، والحكاية، واللغز، والشعر، واألرجوزة، والخطبة، والخرافة، وقصة الحيوان، والمثل،

والقبسة الصوفية، والكرامة... هذا، ويعج كتاب )المستطرف في كل فن مستظرف(

لشهاب الدين محمد بن أحمد األبشيهي مثال، بمجموعة من "القصص القصيرة جدا"، وهي تتخذ طابعا تراثيا ورمزيا

واجتماعيا.

ثانيا: مرحلة الكتابة الالواعية

تتسم هذ المرحلة بكتابة القصة القصيرة جدا بعفوية وتلقائية، دون علم أو وعي أو دراية بها نظرية وتطبيقا.

وتبتدئ هذه المرحلة من بداية القرن العشرين، وتمتد حتى سنوات التسعين في بعض الدول العربية؛ كالمغرب - مثال-، أو حتى سنوات األلفية الثالثة في دول عربية أخرى؛ كليبيا، والجزائر، وموريتانيا، وتونس؛ وذلك إذا تحدثنا - طبعا- عن إصدار المجموعات القصصية القصيرة جدا. ومن ثم، فقد

وجدنا في هذه المرحلة نماذج سردية قصصية قصيرة جدا كتبت بطريقة عفوية وتلقائية، دون أن يكون لدى صاحبها

وعي بقضية التجنيس، وبأنه يكتب - فعال- قصة قصيرة جدا تجنيسا وتنميطا وتنويعا؛ كما نلفي ذلك عند جبران خليل

جبران في كتابيه )التائه(، و)المجنون( في العقد الثاني من القرن العشرين، وما نجده من نصوص قصيرة جدا عند

نجيب محفوظ؛ كما في كتابه )أحالم فترة النقاهة(، وما كتبه يوسف إدريس، وزكريا تامر، وتوفيق يوسف عواد في

م، ونوئيل رسام، وذنون أيوب،1944مجموعته )العذارى(


وياسين رفاعية، والطيب صالح، ومحمود تيمور، وسعد مكاوي، ويوسف الشاروني، وخالد حبيب الراوي، وعبد

الرحمن الربيعي، ومحمد عبد المجيد، ومحمد إبراهيم بوعلو صاحب مجموعة )خمسون أقصوصة في خمسين دقيقة(

.1م، وما كتبه أحمد زيادي، وآخرون...1983 فرغم أن هؤالء كتبوا نصوصا قصصية قصيرة جدا، تتوفر

فيها معايير هذا الفن، فإن أصحابها "لم يكونوا على وعي أجناسي بالقصة القصيرة جدا، على الرغم من الحجم

القصير جدا للقصة )صفحة أو صفحة ونصف(. وما دام المعيار الشكلي ليس المحدد الوحيد لخصيصات القصة

القصيرة جدا، فإن ما نشهده في هذه المجاميع القصصية ذات النفس القصير جدا أنها تلوين وتنويع للقصة القصيرة

في إطار التطور الجيني للكتابة القصصية التي تحاول دائما.2التجديد والتطوير في صيغ وأشكال اإلبداع"

جد القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 1 .بعدها وما8ص: ،م.س ا القصيرة القصة مسكين: سعاد 2 م.س، ،ومقاربات( )تصورات بالمغرب جدا

.58ص:


ثالثا: مرحلة الوعي بتجنيس القصة القصيرة جدا

تمتد هذه المرحلة - حسب الدكتور جميل حمداوي- من سنوات السبعين إلى يومنا هذا. فقد ولدت القصة القصيرة جدا بالعراق، على غرار شعر التفعيلة مع بدر شاكر السياب ونازك المالئكة؛ حيث أوردت بثينة الناصري، في مجموعتها

م، قصة سمتها1974القصصية )حدوة حصان( الصادرة عام )قصة قصيرة جدا(، ونشر القاص خالد حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن مجموعته )القطار الليلي(، والتي

م. ونشر القاص الفلسطيني محمود1975صدرت سنة م، وهو يعد1979علي السعيد مجموعته )الرصاصة( سنة

من الكتاب األوائل الذين استخدموا مصطلح "القصة القصيرة جدا"، بيد أنه يغلف قصصه القصيرة جدا بالخاصية

الشعرية؛ ألنه كان شاعرا موهوبا... ونشر السوري وليد م تحت عنوان1972إخالصي مجموعته األولى سنة

)الدهشة في العيون القاسية(، ونشر السوري نبيل حداد م...1976مجموعته البكر )الرقص فوق األسطحة( سنة

ويعني هذا، بشكل من األشكال، أن فترة السبعينيات من القرن الماضي هي نقطة انطالق القصة القصيرة جدا في العالم العربي بوعي تجنيسي مقصود. ويمكن اعتبار هذه

المرحلة كذلك مرحلة التجنيس والتأسيس لفن أدبي جديد، هو فن القصة القصيرة جدا. ويمكن القول كذلك إن ثمة

أقاصيص قصيرة جدا، ولكنها ال تتوفر فيها مكونات هذا الفن األدبي الجديد، باإلضافة إلى عدم وجود نية التجنيس لدى

كتابها. وعلى الرغم من ذلك، فإن القصة القصيرة جدا لم

تتبلور فنيا وجماليا وأجناسيا إال مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة في العراق ودول الشام، وبالضبط


في سوريا. بيد أنها لم تنتعش كما وكيفا إال في المغرب، الذي أصدر بمفرده أكثر من ستين مجموعة قصصية قصيرة

جدا. وبالتالي، كانت الدولة األكثر بروزا من غيرها في هذا .1الجنس األدبي المستحدث إبداعا ونقدا وتوثيقا

رابعا: مرحلة التجريب والمثاقفة

تحيل هذه المرحلة على استفادة كتاب القصة القصيرة جدا العرب من تقنيات السرد الغربي، كما يتضح ذلك جليا

من استفادتهم في الرواية الفرنسية الجديدة، والرواية النفسية المنولوجية )رواية تيار الوعي(، ورواية ما بعد

الحداثة، والقصة القصيرة جدا بأمريكا الالتينية، كما كتبها كل من: خوليوكورناثار، وخوان خوصي أريوال، وخوليو طوري، وأدولفو بيوي كاسارس، وإدواردو غاليانو، وروبرتو بوالنيو،

وفيكتوريا أوكتامبو، وبورخيس، وخوان بوش، وأوجوستومونتيروسو... فقد استعان كتاب القصة القصيرة

جدا بالعالم العربي بتقنية التشظي، وتشغيل االسترجاع، واإلكثار من نقط الحذف، وتسريع الزمن، وانتقاء األوصاف،

والميل إلى االختزال والتكثيف واالقتصاد، وتخييب أفق االنتظار، وخلخلة السرد، وتنويع الرؤى السردية، وتشذير

السرد، واالستفادة من الفانطاستيك، والشاعرية،.2واألسطورة، والرمز، والتناص...

خامسا: مرحلة التأصيل

بدأ بعض الكتاب العرب في تأصيل قصصهم القصيرة جدا كتابة وبناء وقالبا وتشكيال ورؤية؛ كما فعل جمال

بعدها. وما9 ص: م.س، ا،جد القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 1.10: ص م.س، ا،جد القصيرة القصة في دراسات حمداوي: جميل 2


الغيطاني، وأحمد توفيق، وبنسالم حميش، ورضوى عاشور... في مجال الرواية. ونالحظ هذا التأصيل جليا عند

بعض الكتاب المغاربة سواء بطريقة جزئية أو بطريقة كلية؛ مثل: مصطفى لغتيري، وجمال بوطيب، ومحمد تنفو،

وجمال الدين الخضيري الذي كتب أخيرا مجموعة تراثية متميزة عربيا، وهي بأكملها تأصيل في تأصيل، تحت عنوان

.1)حدثني األخرس بن صمام( هكذا يصل الباحث جميل حمداوي إلى أن للقصة

القصيرة جدا تاريخا طويال يتمثل في مجموعة من المراحل والحقب التي قطعتها في مسيرتها، وقد حصرها في خمس

مراحل: المرحلة التراثية، مرحلة الكتابة الالواعية، مرحلة الوعي بتجنيس القصة القصيرة جدا، مرحلة التجريب

والمثاقفة، مرحلة التأصيل.

المطلب الثاني: القصة القصيرة جدا في المغرب:النشأة والتطور

ظهرت القصة القصيرة جدا بالمغرب في فترة مبكرة، وبالضبط في سنوات السبعين من القرن الماضي. فقد أورد

عبد الرحيم مودن، في كتابه )معجم مصطلحات القصة المغربية(، نصوصا قصصية قصيرة جدا لعبد الكريم

التمسماني سماها صاحبها )قصص قصيرة جدا(، وتعتمد هذه النصوص على التكثيف واالختزال واللغة التلغرافية...

م. ونشر محمد جبران1974وقد نشرت هذه النصوص سنة م. وقد أثبت عبد1989أيضا قصتين قصيرتين جدا سنة

الرحيم مودن مجموعة من المصطلحات التجنيسية القريبة من القصة القصيرة جدا؛ مثل: قصة صغيرة، وأقصوصة

صغيرة، وأقصوصة في دقيقة، ولوحة قصصية، وخاطرة....11-10ص: ،نفسه 1


ومن جهة أخرى، نشر محمد علي الرباوي قصة قصيرة أدرجت ضمن أدب الخاطرة، عنوانها )اإلبريق(، لكنها بالفعل

قصة قصيرة جدا بكل مقوماتها الفنية والجمالية، نشرت م، وهاهو نصها: )الليل يتكسع في1973بجريدة العلم سنة

الطرقات. ظالل الجن تراها عيون األطفال في زوايا األزقة الضيقة. كانت األمطار خيطا بال ذيل. أغلقنا األبواب. جلسنا نتحدث. اإلبريق ينظر بكبرياء إلى الكؤوس. الحديث في مد

وجزر. األب يقول: "تكسر زجاج الشمس في هذه األيام. ذراتها بعثرتها الريح". اإلبن يقول: "عيونك سوداء". الحديث

كر إلى إبريق في مد وجزر. يضيف األب حفنة من الس الشاي. يعود الحديث إلى مد وجزر. األب يقول: "كيف

يمكن نتف الطواويس الجاثمة فوق صدور الطوال األقدام؟". فرد من األسرة يقول: "اسقنا الشاي". الحديث

في مد وجزر. يضيف األب حفنة من السكر إلى اإلبريق. الراديو يزرع الصمت في البيت. تمثليلية هزلية تلتصق

كاألقراط... يضيف األب حفنة من السكر. ويظل المطر يثرثر في األحياء. تتراكم األوحال عند عتبة الدار. تتأنث

أحاديثنا. انتشر العطر في البيت. موعد سهرة األسبوع حان. أفرغ األب اإلبريق... انفتحت األفواه. استدارت العيون.

.1كانت الكؤوس مألى بالدم( وإذا كان الرعيل األول من رواد القصة القصيرة قد

انتقل إلى كتابة القصص القصيرة جدا، وكان يسميها باألقصوصة؛ كما عند محمد إبراهيم بوعلو في مجموعته

أقصوصة في خمسين دقيقة(، فإن هؤالء50القصصية ) المبدعين القصاصين األوائل لم يكتبوها عن وعي وإدراك، بل كتبوها من غير وعي وقصد منهم بأنهم يكتبون القصة القصيرة جدا، وبشكل تجريبي محتشم، ولم يؤسسوا من

خالل هذه المحاوالت القليلة، التي تعد على أصابع اليد عند.14- 13 :ص م.س، ا،جد القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 1


بعض الكتاب من هذا الرعيل، ما يسمى فعال بجنس القصة القصيرة جدا، كما نجد ذلك عند الرعيل الثاني من كتاب القصة القصيرة جدا الذين كانوا واعين بهذا الفن الجديد

تنظيرا وتطبيقا وإبداعا. وأكثر من هذا، فما كتبه محمد إبراهيم بوعلو ليس قصة قصيرة جدا، بل هو أقصوصة

تتعدى الصفحة الواحدة. في حين، ال تتعدى القصة القصيرة جدا نصف صفحة. ويبدو هذا جليا كذلك في مجموعتيه

)الصورة الكبيرة( و)ألمر يهمك(، فال عالقة لهما بالقصة.1القصيرة جدا ال من قريب وال من بعيد

هذا ويعتبر جميل حمداوي أن البداية الحقيقية لهذا الفن م بمجموعته1994بالمغرب كانت مع محمد العتروس في

)هذا القادم(، الصادرة في طبعتها األولى عن المطبعة المركزية بوجدة، وإن كان هذا الكاتب قد كتب مجموعة من

القصص القصيرة جدا قبل هذه الفترة، وبالضبط سنة م؛ كما هو الشأن بالنسبة إلى قصته )سقوط(. وبعده1989

م،1996نشر الحسين زروق مجموعته )الخيل والليل( سنة وإن كان بدوره قد كتب أقاصيصه في فترة التسعينيات من

القرن الماضي، مثل: )مواويل من محنة الحرب وحرب ( قصة قصيرة جدا في14المحنة(؛ إذ كتب أربع عشرة )

م،1994( سنة 29جريدة )المنتخبون العرب(، العدد ) لتعقبها مجموعة من )مواويل( قصصية قصيرة جدا نشرت في الملحق الثقافي لصحيفة )العرب اليوم( الدولية، العدد

.2م، الصفحة السادسة1995الثاني عام وبعدهما، أصدر جمال بوطيب مجموعة قصصية تندرج

ضمن القصة القصيرة جدا بعنوان )زخة... ويبتدئ الشتاء( م، ليتبعه في ذلك مجموعة من الكتاب؛ مثل:2001سنة

م،2002سعيد بوكرامي بمجموعته )الهنيهة الفقيرة( سنة بعدها. وما13 :ص نفسه،? 1.15: ص م.س، ا،جد القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 2


وهي نفس السنة التي صدرت فيها مجموعة )عناقيد الحزن( لمحمد العتروس، ثم تبعه سعيد منتسب بمجموعته

م، وعبد الله المتقي بمجموعته2003)جزيرة زرقاء( سنة م، ومحمد تنفو بمجموعته2005)الكرسي األزرق( سنة

م، وفوزي بوخريص2005)كيف تسلل وحيد القرن( سنة م، ومصطفي لغتيري2005بمجموعته )حمار الليل( سنة

م، وحسن برطال2006بمجموعته )مظلة في قبر( سنة م، وعز الذين الماعزي2006بمجموعته )أبراج( سنة

م...، ثم2006بمجموعته )حب على طريقة الكبار( سنة تتالت المجموعات في هذا المجال بعد ذلك، وظهر كتاب كثر مارسوا الكتابة القصصية القصيرة جدا؛ مثل: أنيس

الرافعي، وبشير األزمي، وخالد السليكي، ورشيد البوشاري، ومحمد شويكة، وهشام بن الشاوي، وإسماعيل البويحياوي،

وعبد الحميد الغرباوي، ومحمد فاهي، وإبراهيم الحجري، والحسن بنمونة، وحسن البقالي، وهشام حراك، وجمال

الدين الخضيري... وإذا كانت القصة القصيرة جدا عند المبدعين الذكور قد

انطلقت بالمغرب مبكرا في منتصف التسعينيات من القرن العشرين كما أسلفنا، فإن القصة النسائية القصيرة جدا لم

تنطلق إال في أواخر العقد األول من األلفية الثالثة؛ وذلك مع فاطمة بوزيان في مجموعتها )ميريندا(، الصادرة في طبعتها

م، ثم2008األولى عن اتحاد كتاب المغرب بالرباط سنة تبعتها الزهرة رميج بمجموعتها )عندما يومض البرق(،

الصادرة في نفس السنة. وبعد هاتين المجموعتين، صدرت أعمال أخرى في هذا المجال؛ مثل مجموعة السعدية باحدة

م، ومجموعات أخرى2009)وقع امتداده.. ورحل( سنة كثيرة للكاتبات المغربيات؛ مثل: سناء بلحور، وسمية

البوغافرية، وصالحة سعد، ونعيمة القضيوي اإلدريسي،


وآمنة برواضي، ومليكة بويطة، وبديعة بنمراح، ووفاءالحمري، وزليخا موساوي األخضري...

ويعد محمد العتروس، وحسن برطال، والحسين زروق، وإسماعيل البويحياوي من المبدعين المغاربة األكثر إنتاجا

وتراكما في مجال كتابة القصة القصيرة جدا بالمغرب. فقد أصدر محمد العتروس خمس مجموعات، هي )هذا القادم، ورائحة رجل يحترق، وعناقيد الحزن، وقطط تلوك الكالم،

وماروكان(، ولحسن برطال العدد نفسه من المجاميع القصصية، وهي )أبراج، وقوس قزح، وصورة على نسق

j.p.gوسيمفونية الببغاء، ومغرب الشمس(، وللحسين ، زروق أربع مجموعات )الخيل والليل، صريم، وأبراج،

والسالك(، وإلسماعيل البويحياوي العدد نفسه من المجاميع القصصية )أشرب وميض الحبر، وطوفان، وقطف األحالم،

وندف الروح(، ويتبعهم في ذلك كتاب آخرون بثالث مجموعات هم: مصطفى لغتيري )مظلة في قبر،

وتسونامي، وزخات حارقة(، وجمال الدين الخضيري)فقاقيع، ووثابة كالبراغيث، وحدثني األخرس بن صمام(.

ويعتبر حسن برطال أكثر تراكما وإنتاجا في مجال كتابة القصة القصيرة جدا، وأكثر مداومة على كتابتها كما يتضح

ذلك جليا في مجموعتيه القصصيتين؛ حيث تضم أبراج ) (144( وحدة قصصية قصيرة جدا، وتحوي قوس قزح )301

وحدة قصصية قصيرة جدا، دون أن ننسى ما كتبه من قصص عديدة في عدة مواقع ومنابر رقمية ومجالت

إلكترونية. وينطبق هذا الحكم أيضا على الحسين زروق الذي نشر، منذ وقت مبكر، كثيرا من اللقطات القصصية، ونشر العديد منها في الصحف الوطنية والعربية. ويشمل

هذا الحكم كذلك عبد الله المتقي الذي ينشر قصصه


المينيمالية باستمرار في المنابر اإلعالمية الورقية.1والرقمية

وقد تتبع الدكتور جميل حمداوي المسار التاريخي لهذا الفن السردي الوليد بغية معرفة تطوره في المغرب،

فخلص إلى أن حصيلة المجموعات القصصية القصيرة جدا عمل إبداعي إلى حدود102الصادرة في المغرب تتعدى

.2م2013سنة م قد2003 و2001 و1996 و1994فإذا كانت سنوات

عرفت إنتاج مجموعة قصصية واحدة في مجال القصة القصيرة جدا مع محمد العتروس، والحسين زروق، وجمال

و2005 و2002بوطيب، وسعيد منتسب، فإن سنوات م تميزت بإصدار ثالث مجموعات قصصية. في حين،2006

م سبع مجموعات، وعشر مجموعات2007أنتج في سنة م.2010م، واثنتي عشرة مجموعة في 2008في سنة

م حدود ثالث عشرة مجموعة. 2011وعرفت سنة ويسجل جميل حمداوي، في هذا الصدد، غيابا ملحوظا

م؛ إذ لم تنشر أي2004على مستوى اإلنتاج في سنة مجموعة قصصية قصيرة جدا بالمغرب في هذه السنة

م فترة انتعاش وتراكم بإحدى2012بالذات. وتعد سنة وعشرين مجموعة قصصية.

م فقد أنتج فيها المبدعون المغاربة أزيد2013أما سنة من ستة عشرة مجموعة قصصية، بيد أن السنة كانت لم

تنته بعد وقت نشر هذا اإلحصاء من قبل الباحث جميل2013حمداوي؛ مما يعني أن سنة .3م عرفت ازدهارا كبيرا

ونالحظ من خالل هذا كله أن المغرب قد حقق تراكما كبيرا في مجال القصة القصيرة جدا. وال شك في أن هذه

.بعدها وما 15ص: م.س، جدا، القصيرة القصة في دراسات حمداوي: جميل 1.17ص: م.س، جدا، القصيرة القصة في دراسات حمداوي: جميل 2بعدها. وما17ص: ،نفسه 3


الحصيلة تبوئ المغرب مرتبة تجعله يحتل مكان الريادة في العالم العربي، في المجال المذكور، علما بأن ثمة العشرات

من الكتاب الذين لم ينشروا أعمالهم بعد في أضموماتجامعة.

وتجدر اإلشارة إلى أن المجموعات القصصية القصيرة جدا الصادرة لكتاب المغرب أربعة أنواع:

- مجموعات متخصصة في القصة القصيرة جدا؛ كما نجد1 عند الحسين زروق، وجمال بوطيب، ومصطفى لغتيري، وفاطمة بوزيان، وعبد الله المتقي، وعز الدين الماعزي،

وسعيد منتسب، ومحمد تنفو، والزهرة رميج... - مجموعات تمزج بين القصة القصيرة والقصة القصيرة2

جدا؛ كما عند سعيد بوكرامي، وإبراهيم الشاوي، ومحمد العتروس، والبشير األزمي، وعبد الحميد الغرباوي، ومحمد

اشويكة، وإبراهيم الحجزي، ووفاء الحمري، ونورالدينالفياللي، والخضر التهامي الورياشي...

- مجموعات رقمية؛ كمجموعة وفاء الحمري التي هي3م.2008بعنوان "ليس من عيب"، الصادرة عام

- مجموعة واحدة مشتركة بين مجموعة من المبدعين؛4 مثل: )حتى يزول الصداع( لمجموعة من المبدعين

والمبدعات، و)نقش في الحرف( لعبد الغني صراض، ومحمد أكراد الورايني، ومصطفى طالبي، وكمال دليل

.1الصقلي، وإبراهيم أبويه...

المطلب الثالث: تطور القصة القصيرة جدا فيشرق المغرب

إذا كان المغرب قد حقق تراكما كبيرا في مجال القصة القصيرة جدا، بوأه مكانة رفيعة في األدب العربي المعاصر )في مجال القصة القصيرة جدا تحديدا(، إال أن ذلك ما كان

.22ص: م.س، جدا، القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل? 1


ليتحقق لوال إسهام مبدعي الجهة الشرقية التي كان لهاعطاء زاخر في هذا الفن الجديد إبداعا ونقدا وتنظيرا.

وقد ظهرت القصة القصيرة جدا في الجهة الشرقية في سنوات السبعين من القرن الماضي؛ حيث أورد عبد الرحيم

مودن، في كتابه )معجم مصطلحات القصة المغربية(، نصوصا قصصية قصيرة جدا لعبد الكريم التمسماني سماها

هذا األخير )قصص قصيرة جدا(، كما نشر محمد علي الرباوي قصة قصيرة ضمن أدب الخاطرة، وعنونها

)اإلبريق(. بيد أن محمد العتروس يعد – في نظر جميل حمداوي- أول من كتب القصة القصيرة جدا في الجهة

الشرقية بمجموعته القصصية )هذا القادم(، وبعده جمال بوطيب، ومجموعة من الكتاب؛ مثل: بديعة بنمراح، وعبد القهار الحجاري، وجمال الدين الخضيري، وفتيحة بلخير،

وإسماعيل العثماني، وفاطمة بوزيان، وخالد مزياني، ونور الدين الفياللي، وآمنة برواضي، وجميل حمداوي، وميمون

حرش، ونور الدين كرماط، وحياة بلغربي، ورامية نجيمة.., ويعد محمد العتروس أكثر إنتاجا وتراكما في الجهة

الشرقية بخمس مجموعات قصصية هي )هذا القادم، ورائحة رجل يحترق، وعناقيد الحزن، وقطط تلوك الكالم، وماروكان(، ويتبعه جمال الدين الخضيري بثالث مجموعات

،1)فقاقيع، ووثابة كالبراغيث، وحدثني األخرس بن صمام( ويتبعهما في ذلك كتاب آخرون بمجموعتين، هم: آمنة برواضي )قطرات الندى، وتجاعيد الزمن(، ونور الدين كرماط )ال وجود لقبلة يتيمة، وحديقة الحرية(، ومحمد بودشيش )األسماء تتشابه، وأزهار وأشواك(، والخضر

التهامي الورياشي )قصتي مع جاكي شان، وتعويذة شهر زاد(. أما باقي المبدعين والكتاب اآلخرين فلهم مجموعة

بعدها. وما70ص: م.س، جدا، القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 1


واحدة إلى حد اآلن. وبعضهم لم ينشر بعد نصوصه في هذاالفن ضمن أضمومات قصصية قصيرة جدا.

م قد عرف تراكما كبيرا مقارنة2012ونالحظ أن عام مع األعوام السالفة؛ إذ صدر خالل هذا العام وحده في

الجهة أزيد من سبع مجموعات، وهي:- )بدون عناق( لخالد مزياني.

- )قطرات الندى( آلمنة برواضي.- )ماروكان( لمحمد العتروس.- )أقواس( لسمية البوغافرية.

- )ريف الحسناء( لميمون حرش، تحتوي على عشر قصصقصيرة جدا.

- )حلبة الرهان األصعب( لنور الدين الفياللي، تتأرجح بينالقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا.

- )مارتشيكا( لمحمد الهاشمي، تقترب بعض نصوصها مننفس القصة القصيرة جدا.

م، فقد صدر خالله في الجهة- حسب2013أما عام علمنا- أزيد من اثنتي عشرة مجموعة في هذا المجال - إذا

ما أضفنا إليها مجموعتي الحسن المساوي وعبد الواحدعرجوني-، وهي:

- )نجي ليلتي( لميمون حرش.- )كتابات ساخرة( لجميل حمداوي.

- )حدثني األخرس بن صمام( لجمال الدين الخضيري.- )ترميم قلب( لحياة بلغربي.

- )تجاعيد الزمن( آلمنة برواضي.- )األسماء تتشابه( لمحمد بودشيش.

- )قضبان وأجنحة( لرامية نجيمة.- )وعاد أبو جهل( لعبد الله لحسايني


- )ءيغزار ءيسوا رابحار( أي النهر شرب البحر للحسن المساوي، وهي أول مجموعة قصصية قصيرة جدا باللغة

األمازيغية.ه لي( للمبدع عبد الواحد عرجوني، وهي - )هذا الواحد.. شب

باللغتين العربية واألمازيغية. أما نور الدين كرماط فله مجموعتان في هذا اإلطار،

وهما: - )حديقة الحرية(، وهي أول مجموعة قصصية قصيرة جدا

في الوطن العربي موجهة إلى األطفال. - )ال وجود لقبلة يتيمة(. وستصدر له مجموعة قصصية ثالثة

في هذا المجال بعنوان "مقامات ثائرة". م-، والتي لم تشرف بعد على2014أما هذه السنة -

نهايتها، فقد صدرت خاللها - إلى حد اآلن- أزيد من إحدى ، لعدد من الكتاب، معظمهم لم يسبق لهمعشرة مجموعة

وهم: الخضر التهامي في هذا الفن،الكتابةأن جربوا الورياشي، وسعاد أشوخي، وعبد الله زروال، ومحمد أرغم، ومحمد بودشيش، وموالي الحسن بنسيدي علي، وإحسان

الرشيدي، وحنان قروع، باإلضافة إلى مجموعتين مشتركتين: األولى بعنوان: "وردة ليست للبيع"، تحتوي على

إبداعات تالميذ من نيابة الناظور في هذا الفن، وهو أول عمل إبداعي على المستوى العربي، تولى جمعها األستاذ

نور الدين كرماط. والثانية: موسومة بـ"أنامل ريفية".1لمجموعة من الكتاب الشباب بالمنطقة

وهكذا، فإن المتتبع لما ينشر من المجموعات القصصية - وخصوصا في اآلونة األخيرة- يالحظ أن هذا الفن في تطور مستمر في الجهة الشرقية، على مستوى الكتابات اإلبداعية

القصيرة أبجطيط: القصة الواحد عبد 1 المتمدن، الحوار مجلة الناظور، في جدام.2015 -1-2بتاريخ: ،4680ع: بغداد، رقمية، مجلة


التي يتزايد عددها مع مرور األيام، ويظهر كتاب جدد لهم وزنهم، وعلى مستوى التنظير له والمتابعة النقدية

لإلصدارات الجديدة في الجهة من قبل الناقد جميل حمداوي وعدد من النقاد والدارسين، إلى جانب اهتمامهم طبعا بما

يصدر على الصعيد الوطني والعربي عموما. وال شك في أن وجود ناقد له وزنه؛ مثل جميل حمداوي

في مدينة الناظور، سينعكس إيجابا على هذا الفن، ويساعد على تحقيق تراكم مهم في المنطقة؛ نظرا لتشجيعه للكتاب

والشباب، وسهره على تنظيم ندوات وملتقيات للتعريف بهذا الجنس في وسط التالميذ والناشئة. وقد كان لجمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون التي يترأسها دور كبير

في ذلك. وال يفوتنا هنا أن نشير إلى أن مما عزز الحركة اإلبداعية

في هذا الجنس األدبي في إقليم الناظور، وفي الجهة الشرقية عموما، احتضانها للمهرجان العربي للقصة

القصيرة جدا الذي تنظمه جمعية جسور كل سنة؛ حيث يستقطب المهرجان كبار المبدعين في هذا الفن من داخل

المغرب وخارجه، وكذا النقاد الذين يناضلون من أجل أن يتبوأ هذا الفن مكانه بين الفنون األدبية، ويكسب اعترافا في الساحة األدبية، فقد جاءت هذه المهرجانات -كما هو معلوم-

من أجل الدفاع عن هذا الفن األدبي الجديد إزاء جميعالتحفظات واالنتقادات التي وجهت له.

فأما الدورة األولى لهذا المهرجان، فقد انعقدت على مدى يومين، وذلك في الثالث والرابع من فبراير عام

م، تحت شعار "القصة القصيرة جدا: الحصيلة2012 واآلفاق" )دورة القاصة فاطمة بوزيان(، وحضرها أكثر من

ستين قاصا ومبدعا وناقدا من جملة من البلدان العربية، وتم فيه تكريم كل من المغربيتين: المبدعة السعدية باحدة

والناقدة سعاد مسكين.


وأما الدورة الثانية، فقد انعقدت في أيام الخامس عشر م،2013والسادس عشر والسابع عشر من مارس عام

تحت شعار"القصة القصيرة جدا: أسئلة اإلبداع وآفاق التجريب" )دورة سمية البوغافرية(، وقد حضرها عدد كبير من المبدعين والنقاد من المغرب وخارجه، وتم فيه تكريم

كل من: مصطفى لغتيري، وعبد الله المتقي، ومحمد رمصيص، وسمية البوغافرية، وحسن المساوي، وميمون

حرش، وعبد الدائم السالمي، ويوسف حطيني، وحسن على البطران. وقد ترتب عن هذه الدورة تأسيس "الرابطة

العربية للقصة القصيرة جدا"، تحت رئاسة المغرب في شخص الدكتور جميل حمداوي ونائبه جمال الدين الخضيري.

ونرجو أن يفعل هذا العمل بالشكل المطلوب في قادماتاأليام.

وأما الدورة الثالثة، فقد انعقدت ما بين الثامن م، تحت شعار2014والعشرين والثالثين من مارس عام

"القصة القصيرة جدا: من الكتابة النسائية إلى أسئلة النقد"، )دورة القاص عبد الواحد العرجوني(، وقدمت خاللها

جلسات نقدية عديدة حول المنهج النقدي والكتابةالنسائية...، وكذا قراءات إبداعية كثيرة.

وعليه، يمكننا القول، بصراحة، إن مدينة الناظور أضحت عاصمة القصة القصيرة جدا بامتياز على صعيد الوطن

العربي.

إلى هنا نكون قد ألقينا نظرة سريعة على تاريخ نشأة القصة القصيرة جدا ومراحل تطورها في العالم العربي منذ

بداية القرن العشرين إلى يومنا هذا، لنخلص بعد هذا إلى المحور التطبيقي الذي سنتناول فيه خصائص القصة

القصيرة جدا عند الكاتب المغربي ميمون حرش.


الفصل الثانيخصائص القصة القصيرة جدا عند

ميمون حرش

توطئــة:

يتركز جهد البحث في هذا الفصل على استخراج الخصائص والجماليات الفنية، التي حفلت بها مجموعة "نجي

ليلتي" للقاص ميمون حرش؛ حيث نروم تقصي بعض هذه الخصائص والجماليات البارزة التي اتكأ عليها القاص في

نسج نصه. بيد أننا ال نقصد هنا "الخصائص" بمعناها الصارم، وإنما نقصد تلك المقومات األدبية والجمالية التي تنهض

عليها القصة القصيرة جدا عند ميمون حرش، والتي تعتبرلبنات تشكل القصة عنده.

وقبل التطرق إلى هذا األمر، يحسن بنا تقديم لمحة عن مجموعة "نجي ليلتي" ومؤلفها، وعن الخصائص الموضوعية

للنصوص القصصية الواردة فيها.

)أ( المسـتوى المنـاصي:

يعد القاص ميمون حرش أحد الكتاب المغاربة المتميزين في مجالي القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا.

فقد أصدر أول مجموعة قصصية قصيرة بعنوان "ريف2012الحسناء" عام م، وضمنها عشر قصص قصيرة جدا

في نهاية الكتاب. ثم أصدر مجموعته الثانية المنتمية إلى م، طباعة مطابع2013جنس القصة القصيرة جدا عام

الرباط نت، بعنوان: "نجي ليلتي"، ووضع ضمنها تلكالقصص العشر الواردة في "ريف الحسناء".


م2012وقد كتبت نصوص هذه المجموعة الثانية ما بين م، وصدرت ضمن منشورات المهرجان العربي2013و

-. وقامت3الثاني للقصة القصيرة جدا بالناظور- رقم الفنانة خديجة طجاوي برسم غالفها الخارجي. وتضم

المجموعة ستا وثمانين قصة تتراوح أحجامها بين أربعة أسطر؛ كما في قصة "ال يستويان"، وتسعة عشر سطرا؛

كما في قصة "العانس"، التي تعد أطول قصص المجموعة،وتقع في صفحة ونصف من الحجم المتوسط.

وتتسم المجموعة بالغموض الفني المقصود، والتكثيف اللغوي المختزل، وتوظيف الغرابة التي أساسها الالمعقول،

والذي يتجلى بادئ ذي بدء في العنوان الخارجي، حيثجاءت المجموعة موسومة بـ"نجي ليلتي".

جو: السر بين اثنين. جوى، والن ومعلوم أن النجي من الن يقال: نجوته نجوا أي ساروته، وكذلك ناجيته.ويقال: فالن

﴿فلمانجي فالن أي يناجيه دون سواه. وفي التنزيل العزيز: أي اعتزلوا متناجين. والجمع؛ 1﴾استيئسوا منه خلصوا نجيا

جوى اسما ومصدرا جي والن .2أنجية. وقد يكون الن وإذا ما تأملنا هذا العنوان فسنجده قد صيغ في إطار

الجملة االسمية. فكلمة )نجي( خبر لمبتدإ محذوف تقديره "هذا نجي"، وهو مضاف، و)ليلتي( مضاف إليه، وهو من

إضافة المظروف إلى الظرف، وإن شئت قلت من إضافة المصدر إلى المفعول فيه - أي التناجي الواقع في ليلتي-.

و)ليلتي( مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبني علىالسكون في محل جر.

وتتميز العناوين الداخلية بهيمنة التركيب االسمي، والمؤالفة بين اللغة العربية الفصحى واللغة األجنبية.

.80 يوسف: اآلية سورة 1 308: ص )نجا(، مادة ،15مج: بيروت، صادر، دار ،العرب منظور: لسان ابن 2- 309.


)ب( الخصـائص الموضـوعية:

يتناول المبدع ميمون حرش في مجموعته "نجي ليلتي" جملة من القضايا الذاتية والموضوعية، ويناقش بعض

الموضوعات المعاصرة، السياسية واالجتماعية والثقافيةوغيرها.

إننا حين نتأمل في نصوص هذه المجموعة، نجد أن القاص يتناول قضايا محلية وأخرى وطنية، باإلضافة إلي القضايا الدولية التي شغلت القاص في مجموعته؛ فراح

يرصد مظاهر الضعف والهوان في األمة العربية، متسلحابالحس النقدي الساخر، وباللهجة الالذعة التهكمية.

فمن حيث الموضوعات السياسية، يبدو أن الكاتب أولى اهتماما كبيرا لهذا المجال؛ حيث نجده ينتقد، في كثير من

نصوصه، رجال السياسة العرب، ويدين سكوتهم حيث ينبغي الكالم، والدفاع عن القضايا الوطنية والمقدسات اإلسالمية؛ كما في قصة "رؤوس تماسيح"، وقصة "تنديد" التي يقول

فيها:"ما أقبح لغة تنديدهم بما تقترفه إسرائيل،

!صانعة العاهات..عقابا لهم، استفاقوا يوما دون أفواه،

درءا للفضيحة وضعوا مكانها كمامات..وفي إقامتهم الفاخرة حبسوا أنفسهم طويال..

ويوم عادوا سيرتهم األولى، صرخوا بلسانواحد:

.1"ما حصل لنا جريمة.. نحن نندد بشدة." كما يسخر الكاتب من اجتماعاتهم الشكلية، وقراراتهم

الفاشلة، واستمساكهم بالكراسي، واستبدادهم في إدارة ص م،2013 ،1: ط المغرب، نت، الرباط مطبعة ليلتي، حرش: نجي ميمون 1

:52.


أمور الشعوب، حيث لم يعودوا يقبلون رأيا وال نصحا، وأحرى أن يقبلوا التنحي عن الكراسي وترك المناصب، ما نتج عنه إقصاء تام للشباب، وهو األمر الذي ترتب عنه حراك شعبي

مجهول العواقب، يؤدي ال محالة إلى عدم االئتالف السياسي والعنف في الشارع العربي؛ كما تشير إلى ذلك قصة

"خصام":".. عاشت أحداثهsaw"حلم مرعب أشبه بفيلم "

وعكرت صفوها..في الصباح تقول لزوجها الذي هجر فراشها:

"هال ذكرتني باسمي.. ليست دعابة أنا جادة.. قل ليأرجوك.."

مبتسما: "هو اسم ال نصيب لك منه.."

وتصرخ في وجهه:" أيها المأفون.. التزال مصرا على موقفك.."

بثقة يرد: .1مصر يا شريفة"..

وإذا انتقلنا للمجال االجتماعي، سنجد الكاتب ينتقد بعض الظواهر المجتمعية التي يندى لها الجبين، ويرصد تلك

التناقضات والمفارقات التي حفلت بها حياة كثير من الناسفي مجتمعه.

ففي قصة "هؤالء وهؤالء" يتحدث الكاتب عن المولعينبمتابعة مباريات البارسا ومدريد، ويتركون ما هو أهم وأكبر:

"هؤالء مولعون بالبارساآخرون مدريديو الهوى،

وبين الفئتين غرباء في وطنهم.2يبحثون عن مرمى.."

.82ص: نفسه، 1.33ص: م.س، ليلتي، نجي حرش: ميمون 2


وفي نصوص أخرى كثيرة يسعى الكاتب إلى التقاط صور من مجتمعه، وتسجيل اختالالته، منتقدا إياها وساخرا مما

يراه أمامه من مظاهر؛ كالظلم االجتماعي الذي يعاني منه الضعفاء والفقراء داخل المجتمع؛ كما تشير إلى ذلك قصتا "أعرب ما تحته فقر" وقصة "وجوه"، التي يتحدث فيها عن

الطبقية في المجتمع ومعاناة األفراد داخله:"يصل الموعد الهثا، يتأبط ملفاته، ويلعن حظه مع

الشهادة واإلدارة..آخر حاف، عار يشكو من فقر وإمالق.. كان هناك

قبله،وبصحبتهما امرأة متأففة.. خانها الزوج والزمن

معا..قبالتها طفل يجلس على صندوق لمسح األحذية،

" يصرخtown carوالخامس مضطجعا في سيارة "في الجميع...

يلعنهم ألنهم وقفوا في مجال تحركه..ووجوه أخرى ستصل حتما..

.1إنها قادمة وعازمة على شيء ما.." ولم ينس الكاتب المرأة، ومعاناتها داخل المجتمع الذي

ولم يمنحها المكانة الالئقة بها، فكثيرا ما ينظر،لم ينصفها إليها بعين االزدراء؛ كما في مجموعة من النصوص: مغتصبة،

اغتصاب، العانس، وجوه، كبش، تاكسي... وانتقد الكاتب غياب األمن في المجتمع؛ حيث انتشرت

السرقة العلنية في الشوارع، واتخذها البعض مهنة يكسب": comبها قوت يومه؛ كما تشير إلى ذلك قصة "بروكست.

"كالسليك في عدوته، ينقض على ضحاياهعلى الهواء مباشرة يسلب، وفوق دراجته النارية

يصلب...57 ص: نفسه،1


داخل بيته ينام.. قرير العين.. حقوق اإلنسان، في داخله، تدعمه وتصونه

فال وخز ضمير، وال عتاب قلبفي الخارج كالب الدنيا تنبح من أجله،

هو واحد منها، من أجلها يعيش، وبسببها ينتقم...1وكلما فرغ ينصب.."

أما في ما يخص الجانب الثقافي، فقد انتقد القاص، ثقافة التبعية التي تغزو المجتمعات العربية واإلسالمية؛ حيث

استقدم الشباب عادات النصارى، فصاروا يحتفلون بعيد الميالد، ونبذوا ثقافتهم اإلسالمية وراء ظهورهم؛ كما يظهر

في قصة "عيد الميالد". كما ينتقد الكاتب، بسخريته الالذعة، عكوف بعض الناس

على القنوات الفضائية، وهو ما يؤشر على الكبت العربي؛كما تشير إلى ذلك قصة "نايل سات":

"صعد فوق سطح شقته، اتجه صوب صحنالدش، دار حوله دورتين، ثم مثل فزاعة وقف

مستقيما موليا رأسه نحو "نايل سات"..وفي غرفته تحت كانت الشاشة تعكس للعالم

.2كبته العربي.." إلى جانب هذا كله، اهتم الكاتب بالمواضيع الذاتية ذات

الطابع الفردي؛ كما في مجموعة من النصوص: نجي ليلتي،إضراب، ثمن اإلخالص، اللعبة، داخل قلبي...

ففي قصة "إضراب" يتحدث الكاتب عن الهموم التي تحملها فأشغلته بالليل، لكنه لم يجد بدا من منح نفسه

فسحة األمل. يقول:"أطفأت األنوار، وأشعلت شمعي..

أضربت عن التلفزة.. وعن كل من معي...40ص: م.س، ليلتي، نجي حرش: ميمون 1.19: ص م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 2


حسبي ما سمعت من أنباء عن أمتي نزفتدمعي..

األوالد نائمون.. صمت، فراغ قاتل..أسمع ذاتي، فأغرق في همومي،

أحصيها.. أوووووف.. أتوه في العد..هربت من نفسي،

.1أطفأت شمعي، وأشعلت األنوار.."

هكذا يتضح أن "نجي ليلتي" تطرقت إلى موضوعات محلية متنوعة، وعالجت مشكالت مجتمعية، وأخرى سياسية

دولية. وقد تولى الكاتب حمل هذه الهموم، الذاتية منها واإلنسانية والقومية التي تشغل المثقف في عالمنا العربي،

ويظل يتأملها فتنعكس في إبداعه من منطلق أن األديب ابن.!بيئته، فكيف له أن ينفلت منها ويتجاوزها إلى ما سواها ؟

بعد هذا، ننتقل إلى رصد أبرز جماليات القصة القصيرة جدا لدى المبدع ميمون حرش، وإلى تناول أهم خصائصها الفنية. وقد ارتأينا الوقوف عند أربع خصائص منها، وفيما يأتي بيان

ذلك.

المبحث األول: الحذف واإلضمار من المعلوم أن القصة القصيرة جدا تستند إلى "مكون

اإلضمار والحذف، باعتبارهما من أهم األركان الجوهرية للقصة القصيرة جدا، وينتجان - كما هو معلوم- عن طريق

وجود نقط الحذف، والفراغ الصامت، وظاهرة التلغيز.

.39 ص: نفسه،? 1


وهكذا، يستعمل كاتب القصة القصيرة جدا تقنية الحذف واإلضمار من أجل التواصل مع المتلقي، قصد دفعه إلى

تشغيل مخيلته وعقله، لملء الفراغات البيضاء، وتأويل ما يمكن تأويله... ويستعين الكاتب غالبا باإليجاز والحذف

لدواع سياسية واجتماعية وأخالقية ولعبية وفنية. كما أن ذكر بعض التفاصيل الزائدة، التي يعرفها القارئ، تجعل من

العمل األدبي حشوا وإطنابا. لذلك، يبتعد الكاتب عن الوصف، ويستغني في الكثير من النصوص عن الوقفات

الوصفية والمشهدية التي قد نجدها حاضرة في القصة.1القصيرة العادية أو النصوص الروائية"

وإذا ما تصفحنا قصص ميمون حرش القصيرة جدا، فسنجده يلتزم بعالمات الترقيم؛ حيث يضع النقطة،

والفاصلة، والفاصلة المنقوطة، وعالمة االستفهام، وعالمة التعجب، ونقط الحذف... ولم يتحرر الكاتب من عالمات

الترقيم؛ كما يفعل بعض كتاب القصة القصيرة جدا. أما عالمات الحذف والنقط المتتالية الدالة على حذف

منطوق كالمي فهي حاضرة بقوة، وال تكاد تخلو منها قصة؛ وذلك من أجل تحقيق التكثيف اللغوي، والغموض الفني

المقصود الذي يعمد إليه القاص عن سبق إصرار وترصد، إيمانا منه بأن النص الجيد ال بد من أن يكون غامضا؛ بحيث

ال يهب نفسه للقارئ بسهولة؛ لذا نراه في نصوصه القصصية القصيرة جدا يتحاشى التصريح والوضوح الذي

يجعل القارئ يصل إلى المعنى بدون أدنى مشقة، ودون أن يكلف نفسه عناء التفكير واستخدام العقل في اقتراح

األجوبة المناسبة ومشاركة السارد في بناء المعنى، وبالتالي واحد؛ فيموتيصل القراء جميعهم إلى استخالص معنى

النص نتيجة لذلك. بل إن القارئ - كما يعتقد الكاتب- المعرفة، نشر دار وشروطها، جدا: أركانها القصيرة حمداوي: القصة جميل1

بتصرف.33-32ص: ،م2013 ،1ط: الرباط،


مطالب بأن يساهم في بناء النص من خالل ملء الفراغات والبياضات التي يتركها القاص عمدا، قصد استدراج المتلقي

لممارسة لعبة التأويل. ومن القصص التي يتجلى فيها الحذف واإلضمار قصة

"البديل" التي استعمل القاص فيها نقط الحذف الثالث التي تحيل على الفضاء المحذوف، وغياب المنطوق اللغوي، والتي يمارس الكاتب عبرها لغة التخييل والتوهيم وبناء

النص. يقول:"كما عرين األسد ال يخلو قلبه من "العظام"

قلب اآلخرين مختلف... ربما..نبضات قلبه واهنة، لكن حارقة...

هل يبحث عن قلب آخر..؟مستحيل...

.1فما القلب يبغي، لكن من يسكنه.." فمن خالل هذا النص يتضح أن القاص - بلجوئه إلى هذا

الحذف واإلضمار- قد نجح بنسبة كبيرة في تكثيف المعاني واختزال األحداث والتخلي عن الوظائف الثانوية التكميلية

واالبتعاد عن االستطراد والحشو وسرد التفاصيل، من أجل الحفاظ على الحجم القصير _ الذي ال يتجاوز أحيانا خمسة أو ستة أسطر-، إال أن هذا األمر يطرح صعوبة كبيرة على

مستوى التأويل وغموضا إشكاليا لدى المتلقي الذي هو مطالب بالحفر في النص للقبض على ما يريد الكاتب إيصاله من المعاني والدالالت. ويمكن أن نمثل هنا بقصة "تضامن"

التي يقول فيها:!"مد يدك

يده ممدودة..أصبحت األصابع عشرة..

هذا كل شيء...26ص: م.س، ليلتي، نجيحرش: ميمون 1


.1ثم ال شيء..." فالمالحظ هنا أن النصين السابقين في منتهى الغموض؛

حيث استغنى الكاتب، بشكل كلي، عن ذكــر بعض التفاصــيل والشروحات، وعوضها بنقــط الحــذف الدالــة على المنطــوق الكالمي المســتغنى عنــه، وهــو مــا يسـتدعي موهبــة القــارئ وذكاءه في بناء النص؛ ألنه مطالب بأن يقول في بنائه للنصــامن" أكثر مما قاله النص نفسه. فحين نتأمل مثال قصة "تض نتصــور من خالل عنوانهــا وجــود مجموعــة من األشــخاص تربطهم عالقة الصحبة أو غيرها، وقد الــتزم كــل واحــد منهم أن يؤدي عن اآلخر ما يقصر عن أدائه، وأن يمد له يد العــون والمساعدة في الشدة، وهــو أمــر تقتضــيه الصــحبة واألخــوة الدينية، لكن الواقع في القصة خالف ذلك تماما؛ حيث يشــير القاص إلى ظاهرة الخذالن المنتشــرة بين كثــير من النــاس، وانعدام التضامن. وحين نقرأ هذا النص نستحضر قول اإلمام

الشافعي: وما أكثر األصحاب حين تعدهم ولكنهـم في النائبـات

قليـل وهناك قصص أخرى كثيرة يحضر فيها الحذف واإلضمار؛

ــتي يتحــدث فيهــا القــاص عن كمــا في قصــة "مغتصــبة"، ال المرأة المغتصبة والمعانــاة الــتي تالقيهــا في المجتمــع الــذي

يغفر للذكر ما ال يغفر لألنثى. يقول:"تدخل حريقا،

ويدخل حماما...بعد الخروج..

هى.. يلفظها المجتمع....2وهو.. تضوع رائحته وتنقاد له أخرى.."

.89نفسه: ص: 1.83ص: م.س، ليلتي، نجيحرش: ميمون 2


نالحظ أن هذه القصة قد كتبت في خمسة أسطر، وأن حجمها قصير جدا - كما هو األمر في غيرها من قصص

المجموعة-. ومعلوم أن هذا الحجم القصير جدا هو الميسم البارز لهذا الجنس األدبي، وعليه فهو ال يسمح، من ناحية البناء الفني، بوضع مقدمة تمهيدية للموضوع، كما أنه ال

يسمح بسرد التفاصيل والشرح واالستطراد واإلتيان بالمترادفات من األلفاظ. فما على القاص إذا إال أن يختار كلمات قليلة ذات إيقاع وإيحاء، ويختصر ما أمكن، ويضمر

في قصته أكثر مما يظهر ليتحقق بذلك التكثيف اللغوي الذيال بد ألي نص قصصي قصير جدا أن يتكئ عليه.

ومن هنا نجد الكاتب في هذه القصة ال يصرح، بشكل دقيق، بما يريد قوله، بل يختار لغة الصمت والتلميح، ويبتعد

ما أمكن عن إيضاح مقصوده، وشرح عباراته الموجزة، وجمله المختزلة؛ عكس ما عليه األمر في القصة والرواية مثال، بل يختم الجملة القصصية بنهايات فارغة، قصد دفع

المتلقي رغما عنه إلى ملئها بأجوبته الخاصة، وممارسة لعبةالتأويل.

في هذا اإلضمار عدم إحالة الضمير،قاصومما أعان ال في كثير من قصصه، على شخصية بعينها؛ فشخصيات

القصص عنده مغيبة، وغير محددة بدقة، فهي مجهولة االسم والهوية، وغير موصوفة بإسهاب وتفصيل؛ كما هو األمر في

الروايات الكالسيكية. لهذا يجد القارئ نفسه مرغما على االنغماس في لعبة التأويل. ويمكن أن نمثل هنا بقصة

"رأس" التي يقول فيها:"تحسس رأسه..

ال أحد جسه،والمادة اللزجة لم تكن غير رذق طائر

حمد الله ألنه يملك رأسا يقع عليه شيء من


.1السماء." وفي قصة "تنخيم" يعمد الكاتب إلى الحديث عن

الشخصية بضمير الغائب، ويشير إلى بعض تصرفاتها الطائشة في الشارع دون أن ينكر عليها أحد؛ ألن أفعاال مثل

لوكيات المجتمعية لألطفال الذين هذه ليست بدعا من الس يعبرون الشوارع، ويمسحون األحذية في المقاهي. ثم يثني القاص بالحديث عن الكبار والراشدين ممن يتظاهرون في الشوارع، لكنه ينهي النص بقفلة مليئة بنقط الحذف فرارا

من لغة البوح والتصريح. يقول:"يعبر الشارع العام كقذيفة..

ال يلوي على شيء.. ينتخم "عطالة"ال أحد المه.. إنه ابن مدينة،

يمسح األطفال، في مقاهيها، األحذية،ويتظاهرون، في شوارعها، الراشدون..

و.. ينتخمون...2و.. ينتظرون.."

فنالحظ على المستوى البصري أن النهاية هنا جاءت مضمرة مفتوحة، قائمة على الحذف واإلضمار؛ مما يؤشر على وجود كالم محذوف وتفاصيل مسكوت عنها ألغراض ما. وعبر نقط الحذف هذه يتم استدراج القارئ لممارسة لعبة التأويل، وتخييل التتمة الممكنة والمناسبة. وهذا يدل

على مدى وعي القاص بجمالية التلقي. وفي قصة "راعيان" نراه يستعمل خاتمة مضمرة، ويأتي

بواو العطف في نهاية القصة متبوعا بنقط الحذف الثالث، ليترك بذلك المجال للقارئ مفتوحا ليتخيل النهاية، ويقترح

تتمته الخاصة لها. يقول:"يلتقيان كل مساء، يعزفان، يتندران،

.8 ص: نفسه،1. 84ص: م.س، ليلتي، نجيحرش: ميمون 2


قطعانهما تتمايل لعزفهما، وتثغو لفرحهما..وذات يوم ربيعي اختلطت فيه القطعان..

كبر األول، وحولق الثاني.قال األول:

!- يا إلهي، كيف نحسبها..؟رد الثاني:

- المشكل هو كيف نتعرفها..أثناء عملية العزل اختلفا، فتشاجرا، وتقاتال..

والذئب، من بعيد، متربصا كان يرقب المشهد....1و... " إن الخاتمة المضمرة كما في هذا النموذج تدفع المتلقي

إلى أن يتخيل النهاية الممكنة، ويشارك في بناء النص، وذلك انطالقا من معرفته الخلفية وثقافته الخاصة؛ حيث إن النص

مفتوح على القراءات المتعددة. إن حضور "الذئب"، هاهنا، بما يحمل من دالالت، يجعلنا

نتوقع شرا، ال سيما وأن القصة تحيلنا، بمجرد القراءة األولية، على قول النبي عليه الصالة والسالم: "عليك

ما يأكل الذئب القاصية" .2بالجماعة فإن هكذا نخلص إلى أن قصص ميمون حرش تتكئ كثيرا

على مكون الحذف واإلضمار، ولذلك فهي تحتاج إلى استنطاق المضمرات المخفية فيها، واستكناه األلغاز

العميقة، وملء الفراغات بما يناسب. وهذا ال يتأتي إال إذا ذكيا قادرا على إدراك المحذوف وفهمكان القارئ

من فن السرد وتقنيات الكتابةالمسكوت عنه، ومتمكناالقصصية.

.11ص: نفسه، 1 كتاب ،1ج: م،1998 ،1ط: بيروت، الريان، مؤسسة السنن، داوود: كتاب أبو2

. 411ص: ،548الحديث: رقم الجماعة، ترك في التشديد باب الصالة،


المبحث الثاني: المفارقة والسخرية

مناسبة الجمع بين المفارقة والسخرية في هذا العنوان أن المفارقة غالبا ما تؤدي إلى السخرية، وتكون هذه

األخيرة نتيجة للمفارقة. ويقصد بالمفارقة في القصة القصيرة جدا "لجوء القاص

إلى إبراز تناقض ما )تعارض ما، تقاطب ما( بين المنظومات الموضوعية، أو البنى الفنية التي تشكل النص، سعيا إلى

. وهذا1تعميق اإلحساس بالظاهرة التي يتبناها القاص"

.84ص: م.س، جدا، القصيرة القصة في دراسات :حطيني يوسف 1


. و"ثمة مجاالن1التناقض "ال يلبث أن نتبين حقيقته" أساسيان تجول المفارقة فيهما، هما مجاال الشكل الفني

والموضوع؛ إذ يمكن للقاص أن يسعى في داخل أحدهما، أو في كليهما، من أجل الكشف عن الحوامل الممكنة للثنائيات

.2الضدية التي يرتضيها شكال للتعبير عن مكنوناته والناظر في نصوص ميمون حرش يالحظ أن القاص

انشغل، في كثير من قصصه، بالحديث عن تلك التناقضات والمفارقات التي تحفل بها حياة كثير من الناس في

مجتمعه. فهو يلتقط صورا من واقع المجتمع تشي بقصور في الفهم، وسفه في العقل، وجهل مركب عند كثير من

الناس، وهو ما جعل الكاتب يجد نفسه مرغما على أن يتسلح بالحس النقدي الساخر، واللهجة الالذعة التهكمية

للكشف عن عيوب المجتمع واختالالته. وال عجب، فقد اتخذ األدباء منذ القدم السخرية وسيلتهم لنقد العيوب البشرية

واالجتماعية. غير أن هذه السخرية التي حفلت بها المجموعة ليست

مجانية؛ فإذا كانت سخرية تبعث على الضحك، فإنه ضحك مرير موجع، كثيرا ما ينتهي باأللم والتحسر إذا وصلت

الرسالة المراد إيصالها. ففي قصة "طبيب شعبي" يبني القاص مفارقته، التي

تستند إلى إبراز تناقض الشخصية ونفاقها، على السخرية المرة. فالتناقض في هذه القصة يخلق مفارقة عجيبة

نمارسها جميعا، لكن بأشكال مختلفة، وال نخجل بعد ذلك إن خالفت أقوالنا األفعال. لذا نعجب بهذه القصة وتستوقفنا

عند تصفح المجموعة، ربما ألن كل واحد منا يجد فيها نفسهبشكل من األشكال.

وتقديم )عرض المعاصرة األدبية المصطلحات علوش: معجم سعيد 1.162ص: م،1985 ،1ط: بيروت، اللبناني، الكتاب دار وترجمة(،

.84ص: م.س، جدا، القصيرة القصة في دراساتحطيني: يوسف 2


فالطبيب الشعبي، كما تقول القصة، كان دائما يزعم بأن الطب الحديث أذهب البركة، ويهمس في آذان الوافدين عليه بأن األطباء مجرد سماسرة، لكن حين ألم به المرض،

هرع إلى الطبيب المختص، واصطف مع الناس يريد الدخول إليه، وهو الذي كان باألمس يهجوه، ويحذر الناس من الذهاب إليه. فلما استغرب أحدهم وجوده بينهم، تذرع الطبيب الشعبي بأنه جاء من أجل أن يأمر بالمعروف،

. تقول القصة:!وينهى عن المنكر"يشيع بين مرضاه بأن الطب العصري طرد

البركةوأن األطباء هم مجرد سماسرة..

حين اشتد على"الزغبي" المرض زار أول طبيبمختص، ولما استغرب أحد مرضاه وجوده

بالصدفة في العيادة قال له:.1"أنا هنا ألغير المنكر، وآمر بالمعروف."

فمن خالل هذه القصة - كما هو األمر في قصص أخرى- يتضح أن القاص يلجأ إلى تقنية المفارقة الناجمة عن

انفصال القول عن الممارسة، ومخالفة القول للفعل؛ ألن الحياة المجتمعية، التي يحاول الكاتب أن يرسم صورتها للمتلقي، تنبني على كثرة التناقضات، وذلك في مختلف

المجاالت الحياتية. فالقصة عنده حمالة مفارقات ساخرةوعجيبة.

حيث؛ويمكن أن نستحضر هنا أيضا قصة "هؤالء وهؤالء" نجد فيها سخرية الذعة من أولئك الذين يهتمون بأشياء تافهة

على حساب األشياء المهمة والضرورية؛ فهم يضيعون أوقاتهم في تتبع مباريات كرة القدم بحماس ال يخلو من التعصب ألحد الفريقين حتى انقسم المجتمع إلى: أنصار

للبارسا وأنصار لريال مدريد، يشجعونهما ويقتتلون من.64ص: م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 1


أجلهما، غير أن أنصار الفريقين يعيشون معا في مجتمع يفتقر ألبسط متطلبات العيش الكريم، ويعاني فيه المواطن من شتى صنوف البؤس والحرمان، ومع ذلك يأبون إال أن !ينصرفوا لسفاسف األمور، ويتركوا ما هو أهم وأجل وأكبر

يقول:"هؤالء مولعون بالبارساآخرون مدريديو الهوى،

وبين الفئتين غرباء في وطنهم.1يبحثون عن مرمى.."

وهكذا يتضح لنا أن السخرية في مجموعة من قصص حرش تنبني على اإلدانة، وانتقاد الواقع المجتمعي، وعرضه

بشكل ساخر، وهو ما نشهده أيضا في قصة "تاكسي..":"صاحبه يزيد في زوادة "كاب راديو"..

أغنية شعبية تشنف أسماع الراكبين معه..فتاة لعوب بتسريحة عجيبة تدندن بهمس

معها.. وامرأة مسيجة بسواد مثل نينجا تقولللسائق:

.2"احترم نفسك".. " ففي هذه القصة تكمن المفارقة الساخرة في كون

المرأة المحجبة والمنقبة تصر على أن يحترم السائق نفسه، ويكف عن سلوكه، فهي ال تريد االستماع لألغنية الشعبية. وفي المقابل نجد الفتاة المتبرجة تدندن مع األغنية، وهو

دليل على قبولها وعدم مباالتها بتصرف السائق . أما في قصة "مغتصبة" فنلمس سخرية مريرة يتطرق

من خاللها السارد إلى العنف المجتمعي ضد المرأة، وذلك بإبرازه لواقع مأزوم، يتجلى في نظرة المجتمع الصارمة

.33ص: م.س، ليلتي، نجي حرش: ميمون1.73ص: نفسه، 2


للمرأة، بينما الرجل يسلم دائما من كل ذلك ليس لشيء إالألنه رجل. تقول القصة:

"تدخل حريقا،ويدخل حماما...

بعد الخروج..هي.. يلفظها المجتمع...

.1وهو.. تضوع رائحته وتنقاد له أخرى.." هذا ويسخر الكاتب من الواقع السياسي العربي ومن

السياسيين والزعماء الذين يديرون شؤون العباد. ففي قصة "بذالت" يسخر من أولئك السياسيين الذين ثملت بطونهم في السياسة، فلم تعد تسعهم الثياب التي كانوا يلبسونها؛

حيث أصبحت السياسة تجارة رابحة بمجرد الولوج إليها، ومهنة فاخرة ال مثيل لها، ولو وصل إليها المرء على أنقاض

الضعفاء والبؤساء. يقول القاص:"يستلقي فوق سريره، يضع جريدته جانبا..

أمامه خزانة ثيابه.. يتأمل بذالته الكثيرة واألنيقة..يحار في أيها يلبس غدا الستقبال يومه الجديد في

إدارة البالد والعباد..في الصباح.. ألفى خزانته فارغة إال من ورقة مكتوب

عليها:" سيدي، لست أهال لنا.. بطنك المنتفخة لم تعد

تسعنا..".2.."اإلمضاء: بذالت تبحث عن أصحابها

كما يسخر الكاتب من االجتماعات الشكلية التي تضم مثل هؤالء الزعماء الجاثمين على صدور الشعوب؛ حيث

يكثر الكالم الفارغ، وتعلو األصوات، ويدلى باآلراء، وتجرى المناقشات، وتطفو لغة التهديد والتنديد؛ فيتفرقون بعد كل

.83ص: ، نفسه1.41ص: م.س، ،ليلتي جينحرش: ميمون 2


اجتماع ، دون الوصول إلى حل نهائي ناجع، أو قرار مؤثرنافع. يقول في قصة "اجتماعاتهم":

"االجتماع األول: ساد القاعة لغط، وضجيج وعجيج..

كثرت االقتراحات.. واختلفوا فيما يجب فعله...االجتماع الثاني:

هدوء حذر.. دام صمتهم لحظات..ثم تكلموا دفعة واحدة، وعزوا اختالفهم لغياب

صدر يسوس دستهم..كثرت الترشيحات الختياره، واختلفوا من جديد...

االجتماع الثالث: مؤجل حتى تهدأ النفوس، وتسكن الزماجر

االجتماع الرابع:.1ثارت النساء، وقررن أن يجتمعن بدل الرجال.."

وفي السياق نفسه، يتحدث الكاتب، في قصص أخرى، عن الخطابات المستهلكة، والتنديدات الشفهية التي يلجأ

إليها قادة العرب حين تنتهك أوطانهم، وتحتل أراضيهم، ويعتدى على مقدساتهم؛ كما في قصة "رؤوس تماسيح"،

وقصة "تنديد"، التي يتحدث فيها عن ردة فعل العرب على جرائم إسرائيل في أرض اإلسراء والمعراج؛ حيث ثالث

الحرمين الشريفين. يقول:"ما أقبح لغة تنديدهم بما تقترفه إسرائيل،

!صانعة العاهات..عقابا لهم، استفاقوا يوما دون أفواه،

درءا للفضيحة وضعوا مكانها كمامات..وفي إقاماتهم الفاخرة حبسوا أنفسهم طويال..

ويوم عادوا سيرتهم األولى، صرخوا بلسانواحد:

.76ص: م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 1


.1" ما حصل لنا جريمة.. نحن نند بشدة."

وهكذا في قصص كثيرة يلجأ القاص إلى السخرية، حين يحاول أن يكشف عن مواطن الخلل في الواقع المعيش.

المبحث الثالث: التناص وتشغيل المعرفة الخلفية

من المعلوم أن التناص مفهوم جديد تبلور مع جوليا (، وإن كان النقاد العربJulia kristevaكريستيفا )

القدامى عالجوا هذا المفهوم تحت مصطلح "السرقة األدبية"، ومصطلحات أخرى. ويعتبر التناص عندها "أحد

مميزات النص األساسية، والتي تحيل على نصوص أخرى . فهو فسيفساء من نصوص2سابقة عليها أو معاصرة لها"

أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة، ومعنى هذا أن التناص هو تعالق )الدخول في عالقة( نصوص مع نص حديث

. وقد يحصل دون أن يكون ذلك بقصد3بكيفيات مختلفة الكاتب، بل يقع فيه من خالل مخزونه األدبي والمعرفي في

الذاكرة. فالتناص لألديب "بمثابة الهواء والماء والزمان والمكان لإلنسان فال حياة له بدونهما وال عيشة له

، ومن ثم فهو "ظاهرة معقدة تستعصي على4خارجهما"

.52ص: نفسه،1 وتقديم )عرض المعاصرة األدبية المصطلحات علوش: معجم سعيد 2

.215ص: م.س، ،وترجمة( المركز نشر التناص(، ) استراتيجية الشعري الخطاب مفتاح: تحليل محمد 3

.121ص: ،م1992 ،3ط: البيضاء، الدار العربي، الثقافي .125ص: نفسه، 4


الضبط والتقنين؛ إذ يعتمد في تمييزها على ثقافة المتلقي، وسعة معرفته، وقدرته على الترجيح. على أن هناك

مؤشرات تجعل التناص يكشف عن نفسه، ويوجه القارئ لإلمساك به، ومنها: التالعب بأصوات الكلمة، والتصريح

بالمعارضة، واستعمال لغة وسط معين، واإلحالة على جنس.1خطابي برمته"

ولو أخذنا مجموعة "نجي ليلتي" للقاص ميمون حرش، لوجدنا أن القصة عنده تعتمد على توظيف التناص - بشتى

أشكاله وأنماطه- والمستنسخات النصية، والمقتبسات المعرفية بشكل كبير. فال تكاد تمر بنص إال وتلمس فيه

براعة الكاتب في توظيف مجموعة من اإلحاالت المعرفية التناصية؛ فهو يستدعي الشخصيات التراثية، ويستحضر

الرموز التاريخية اإلجرامية؛ كالسليك وبروكست، والشخصيات األدبية؛ كامرئ القيس والمتنبي، والدينية؛ كيوسف عليه السالم. ويحيل على المالحم؛ مثل ملحمة

"جلجامش"، وعلى الروايات؛ مثل رواية "موبي ديك" لهرمان ملفيل ورواية "األشجار واغتيال مرزوق" لعبد

الرحمن منيف ورواية "الشراع والعاصفة" لحنا مينة...، وكذلك األفالم؛ مثل"سو" و"الوسادة الخالية"، واألمثال

العربية واألشعار والتراث الشعبي وغير ذلك. إن الخلفية الثقافية والتراثية التي تشربها الكاتب ترغمه

علي أن يتعامل معها، ويأخذ منها؛ ألنها استقرت في ذاكرته، وكونت لديه مرجعية ثقافية، وأصبحت تشكل جزءا من بنيته

الفكرية. ولعل تقنية التناص التي اتكأ عليها المؤلف هي التي

تجعل المتلقي يعيش مع قصصها، ويندمج في نصوصها من خالل إعجابه بالطريقة التي وظف بها القاص حمولته

الثقافية والمعرفية، وأحيى بذلك الكثير من األفكار التي.131ص: نفسه،1


يعتقد القارئ أنها ماتت وانقرضت في العصر الحاضر. فمن خالل عملية التناص يختزل رؤى ومشاعر مكثفة باستحضاره

لنصوص تتجسد فيها أحداث حية موشومة في الذاكرة أوشخصيات بصمت التاريخ اإلنساني بمواقفها.

وال شك في أن الذي ال يعرف هذه الشخصيات لن يستمتع بالنص كثيرا؛ ألن استدعاء القاص لها ليست دعوة

صامتة تكرس دالالت قديمة، بل يستدعيها محاورا لها وخالقا دالالت جديدة، فهو يصوغها بطريقة جديدة اعتمادا على

داللتها التراثية لتخدم النص القصصي، وتثري داللته الرمزية. فأنت ترى أنه استدعى شخصية السليك في قصة

" مصرحا بداللتها اإلجرامية. تقول القصة:com"بروكست."كالسليك في عدوته، ينقض على ضحاياه

على الهواء مباشرة يسلب، وفوق دراجته الناريةيصلب..

داخل بيته ينام .. قرير العين.. حقوق اإلنسان، في داخله، تدعمه وتصونه

فال وخز ضمير، وال عتاب قلب في الخارج كالب الدنيا تنبح من أجله،

هو واحد منها، من أجلها يعيش، وبسببها ينتقم...1وكلما فرغ ينصب.."

فبمجرد سماع "السليك" نستحضر شخصية إجرامية، فقد كان من شعراء الصعاليك العدائيين، ومن أدل الناس

باألرض، وأشدهم عدوا، ال تلحق به الخيل، وكان يضرب به المثل فيقال: "أعدى من السليك". وقد عمد الكاتب إلى

االستعانة بهذه الشخصية التراثية بما تحمل من معان ودالالت لوصف ظاهرة مجتمعية تدل على غياب األمن في

المجتمع، وتتمثل في انتشار ظاهرة السرقة العلنية، في

.40ص: م.س، ليلتي، نجيحرش: ميمون 1


الشوارع، على غرار ما كان عليه األمر في عصر السليك،في الجاهلية الجهالء.

لذا فإن استحضار مثال هذه الشخصيات ليس مجانيا، وإنما يعمد القاص إلى استدعائها عن سبق اإلصرار والترصد.

ومن خاللها استطاع الكاتب أن يكثف للقارئ ما يقرأه فيصفحات...

وإذا ما تتبعنا التناص في هذه المجموعة، سنجد أنماطه متعددة، وهو ما يشي بتعدد المرجعيات الثقافية عند القاص

المبدع ميمون حرش. فأما التناص الديني فهو حاضر بقوة؛ إذ كثيرا ما

يستدعي القاص لفظة من السياق القرآني ويستنبتها في غير سياقها، أو يمتص النص القرآني ويعمد إلى تذويبه في

نصه القصصي مع إبقاء كلمة أو أكثر من الكلمات الدالة على النص الغائب، ومن هنا يصعب اكتشافه في كثير من

الحاالت ما لم يكن القارئ مطلعا على النص القرآنيالموظف.

ومن نماذج هذا النمط قوله في قصة "الوسادة الخالية":

"بلغا من الكبر عتيا، ومع ذلك للشيخوخةنزوتها، ورحم الله موقظها.

تنظر إليه، وينظر إليها.. ثم نزوة تبغي كشفعورة.

قالت له:"سيدى الحاج، غازلني وخذني إليك كما في

فيلم "الوسادة الخالية".قال:

"المشكل ليس في الوسادة فقط، فليست


. فهذا النص يحيلنا على قصة زكريا عليه1وحدها الخالية." السالم الواردة في سورتي مريم وآل عمران، وملخصها أن زكريا عليه السالم لما كبر سنه وبلغ من الكبر عتيا، دعا ربه

أن يهب له ذرية طيبة؛ ألنه رأى مريم ترزق من عند الله بغير حساب. فاستجاب الله دعاء زكريا، وكان أمرا خارقا للعادة تعجب منه؛ حيث قال لما بشر بغالم اسمه يحيى:

﴿رب أنى يكون لي غالم وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت منن وقد خلقتك من ك هو علي هي ا قال كذلك قال رب الكبر عتي

.2﴾قبل ولم تك شيئاويظهر التناص أيضا في نص "غراب الزهايمر" اآلتي:

"القوم يأتمرون.. في ما يأمرون..ويصرخون حين يختلفون في ما يأتون..

على مقربة منهم غراب مصاب بالزهايمر نسينعيبه لسنين..

كان يراقبهم وهم يتشاجرون..وصبي غريب فاجأهم بالقول: "هل أدلكم على رأي

سديد يجمعكم، فتهتدون وتكفون؟"نهره كبيرهم صائحا:

"أها.. استنت الجياد حتى القرعى".. ولما هب الجميع للنيل من الطفل هرب، وانساب

انسياب األيم، . فهو3حينها فقط استعاد الغراب نعيبه.. وتبع الطفل.."

ه غرابا يبحث في األرضيتناص مع قوله تعالى: ﴿فبعث الل ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون

ادمين .4﴾مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من الن

.22ص: م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 1.8 -7-6 مريم: اآلية سورة 2.81ص: م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 3.31 المائدة: اآلية سورة 4


بيد أن الحاصل في القصة عكس هذا تماما، فالغراب في األولى كان فاقدا نعيبه، ولما استعاده تبع الطفل؛ ألنه يئس من هؤالء القوم، فلم يجرب حضه بأن يريهم كيف يهتدون

ويجتمعون على كلمة سواء، كما حاول الطفل الذي تهكموا عليه، ورفضوا أن يدلي معهم برأيه، ويشاركهم في صنع

القرار. وهذه القصة تذكرنا بقصة محمد )ص( قبل البعثة، وهو في ريعان شبابه لما دخل على صناديد قريش بعد

انتهائهم من إصالح الكعبة، وقد اختلفوا أيهم ينال شرف وضع الحجر األسود في مكانه، وكادوا أن يقتتلوا، ولكنهم اتفقوا في نهاية المطاف على االحتكام إلى أول شخص

يطلع عليهم؛ فكان هو محمد عليه السالم، فحل المشكلة بأن جعله في ثوب، وأمر كل قبيلة أن يمسك زعيمها بطرف

الثوب. ففي هذا النص القصصي - كما في غيره- نلمس تفنن

الكاتب في نسج نصه اعتمادا على لغة قرآنية فصيحة تتمظهر في أسلوبه، وانتقاء تعابيره. فعند التأمل مثال في

قوله: "نهره كبيرهم" نتذكر عبارة القرآن في الحديث عن ﴿قال كبيرهم ألمإخوة يوسف وقد اختلفوا فيما بينهم:

ه . وكذلك1﴾تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الل عبارة "هل أدلكم على رأي سديد يجمعكم فتهتدون

كموتكفون؟" تذكرنا بقوله تعالى: ذين آمنوا هل أدل ها ال ﴿ياأي .2﴾على تجارة تنجيكم من عذاب أليم

كما يوجد التناص في قصة "أرقام" في قول القاص: "كرهت آخر الطابور، وأنا محسوب على خير أمة أخرجت

كنتم خير أمة3للناس.." ﴿؛ إذ اعتمد على قوله تعالى: اس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر أخرجت للن

.80 يوسف: اآلية سورة 1.10 الصف: اآلية سورة 2.80: ص م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 3


ه . وكذلك في قصة "الصغير فى عالم1﴾وتؤمنون بالل ؛ فقد اعتمد2الكبار": "ال منتم ال إلى هؤالء، وال إلى هؤالء"

مذبذبين بين ذلك ال ﴿على قوله تعالى في وصف المنافقين: ه فلن تجد له إلى هؤالء وال إلى هؤالء ومن يضلل الل

.3﴾سبيال ." السابقة فيتشكلcomأما في قصة "بوركست.

التناص من خالل كلمتين قرآنيتين، مع تباين الداللة ما بين النصين: "وكلما فرغ ينصب"، وقد اعتمد على قوله تعالى:

﴾فإذا فرغت فانصب ﴿4. وفى قصة "الدرس األول" يقول: "فتعبت رؤوسهم

ولو ترى إذ5بسرعة فنكسوها.." ﴿؛ معتمدا على قوله تعالى: نا أبصرنا وسمعنا هم رب المجرمون ناكسوا رءوسهم عند رب

. 6﴾فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون وفى قصة "أكباد مقروحة" استحضر القاص في قوله

7"سمع عن سوق بعيدة، يأتيها الناس من كل فج عميق"

اس وأذن في الن ﴿قوله تعالى آمرا إبراهيم عليه السالم: بالحج يأتوك رجاال وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق

ام معلومات ه في أي ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الل . 8﴾على ما رزقهم من بهيمة األنعام

هذا وتلجأ بعض النصوص األخرى إلى آلية التناص من خالل توظيف المفردات التي يتوافر عليها النص القرآني؛

وال تقتلوا ﴿مثل كلمة "إمالق" التي جاءت في قوله تعالى:

.110 عمران: اآلية آل سورة1.60: ص م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 2 .143 النساء: اآلية سورة3.7 الشرح: اآلية سورة4.20: ص م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 512 السجدة: اآلية سورة6.49: ص م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 7. 28- 27 : اآليةسورةالحج8


اكم إن قتلهم كان أوالدكم خشية إمالق نحن نرزقهم وإي. 1﴾خطئا كبيرا

أما عن اقتباس المأثورات الدينية، فنالحظ ذلك مثال في قصة "الرحيل"؛ حيث اعتمد على القول المأثور "خير األمور

أوسطها"، لكنه يقلب المعنى رأسا على عقب؛ حيث استبدل بكلمة "خير" كلمة "أسوأ"، يقول: "في الحب دائما

.2أسوأ األمور أوسطها" إلى جانب التناص الديني، هناك تناصات أخرى حفلت بها

المجموعة، وفي مقدمتها: التناص األدبي الذي يلجأ إليه القاص من أجل تكثيف الحدث والموضوع. فمن بين ما يثير

انتباه القارئ عند تصفح هذه المجموعة استقاء الكاتب بعض النصوص الشعرية دون ذكر اسم القائل، وبالتالي يصعب

اكتشافها ما لم يكن القارئ ملما بالشعر، ومطلعا على القصائد العربية القديمة على وجه الخصوص، وأحيانا

يستخدم بعض الكلمات أو العبارات من شعر الشعراء تحمل دالالت وإيحاءات معينة ويوظفها في انزياحات جديدة،

ويصوغها صياغة تخدم غرضه. ففي قصة "السجين الشاعر" استدعى القاص بيتا

شعريا البن الفارض، الملقب بسلطان العاشقين، ليجريهعلى لسان بطل القصة مخاطبا محبوبته بأن بادرها بالقول:

أبـرق بدا من جانب الغور المع أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقـع؟

وفي قصة "التحدي" يقتبس بيتا شعريا ألبى العالء المعرى،وهو قوله:

وإني ألرى العنقاء تكبر أن تصادا فعاندا من تطيقان له عنـادا

.31 اإلسراء: اآلية سورة 1 .48 ص: م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 2


ويظهر المقتبس الشعري كذلك في مستهل قصة "داخلقلبي..". يقول:

"من ذا يعيرني قلبه أعيش بهمن ذا الذي يعيرني قلبا نبض دمه فرات

وعن الشر والهم في سبات..". " يحيلنا قوله: "يد طرقت بحنو على!وفي قصة "لو يعود..حافة ظهره، انتفض

ضمنيا على البيت الشعري1" كعصفور بلله القطر"...المشهور:

وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطـر

وفى قصة "نجي ليلتي" يعتمد القاص على شعر امرئ القيس الذي يعد أشهر من استطال الليل، وتمنى انكشافه

لمعاناة الهموم ومقاساة األحزان فيه. يقول:!!"ليلي طويل.. يالله، كيف ينجلي.. على شجي..

رواية "األشجار واغتيال مرزوق" كانت عزائيالوحيد..

قرأتها.. اقتحمتها.. هدأت من روعي حين منحتنيبعض األسرار..

في الصباح نبتت في قلبي كل األشجار التي رهنها . فقد استحضر، هاهنا، قول2البطل من أجل القمار.."

الشاعر في معلقته: وليل كموج البحر أرخى سدوله علـى بأنواع الهمـوم

ليبتلـي فقلـت له لمـا تمطى بصلبـه وأردف أعجـازا وناء

بكلكـل

.24ص: م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 1.43ص: نفسه،2


أال أيهـا الليل الطويل أال انجلي بصبح وما اإلصباح منك بأمثـل

فيالـك من ليل كـأن نجومـه بأمـراس كتان إلى صم جنـدل

كما استحضر القاص أيضا بيته الشعري المشهور الذي يشبه فيه سرعة فرسه بالصخرة المنحدرة من أعلى الجبل والذي

يقول فيه: مكـر مفـر مقبل مدبر معـا كجلمود صخر حطه

السيل من علوذلك في قصة "فوق وتحت"؛ حيث يقول القاص:

"من عل، كصخرة امرئ القيس، حطت على قدميهحصاة ملفوف فيها ورقة...

تخطاها دون أن يكترث، وبدل أن ينظر فوق،أو يقرأ الورقة تفل على يمينه وهو يتمتم:

.1" سنظل مثل حفار القبور، همنا تحت، وليس فوق." ومن صور التناص مع التراث األدبي كذلك: اإلفادة من

المثل، مستغال ما فيه من طاقات تعبيرية؛ كما يتجلى ذلك في قصة "غراب الزهايمر" السابقة التي يقول فيها على لسان كبير القوم زاجرا الصبي الذي أراد أن يدلي معهم برأيه: "استنت الجياد حتى القرعى"؛ حيث اقتبس المثل

العربي الذي يضرب لمن يفعل ما ليس له بأهل، مع التحوير"استنت الفصال حتى القرعى".

وكذلك في قصة "عـريس عــربي"، وظـف في نهايـة القصـة . للتعبير عن تفرقهم بعد2المثل القائل: " تفرقوا أيادي سبا"

اجتماعهم للرقص، وهو يحيلنا على قصة أهل سبأ المــذكورةالقرآن الكريم في سورة سبأ.

.35ص: م.س، ،ليلتي نجيحرش: ميمون 1.78ص: نفسه،2


ومن أنواع التناص الموظف في المجموعة أيضا: التناص الشــعبي؛ كمــا يبــدو ذلــك واضــحا في نص "الحمــل الثقيــل" والـــذي شـــغله بمقتبس من المرويـــات الشـــعبية الخاصـــة

باألطفال. يقول:"الطفل، فوق الظهر، ال يكف عن البكاء.. أمه

تنوء به، تناغيه، تحمله، وتسير به على أربع:"نيني يامومو

حتى إطيب عشاناإلى ما طاب عشاناإطيب عشا جيرانا"

األب يرمق االبن وأمه، يحملهما معا..يخرج، ينتشر في األرض باحثا عمن يحمله..

.1في الخارج، العالم كله كان محموال.."

وهكذا فإن اعتماد هذه المجموعة القصصية على تقنية التناص، وسع آفاق النص وداللته، وكثف القاص من خالله

البعد الداللي للغة؛ مما جعل النص ثريا وممتعا في اآلن.نفسه

المبحث الرابع: البعد الفانطاستيكي

من أبرز النقاد(T.Todorov)من المعلوم أن تودوروف الغربيين الذين نظروا لألدب الفانطاستيكي، وذلك في كتابه

يخرج النقاد العرب -ولم"مدخل إلى األدب العجائبي"، عما جاء به، رغم اختالف بينهم فيحسب ما تتبعت-

التسميات والمصطلحات، التي شاع من بينها مصطلح "العجائبي" ترجمة لمفهوم "الفانطاستيك" الغربي، الذي

. 9ص: م.س، ،ليلتي جينحرش: ميمون 1


التزمه عدد من النقاد، رغم قصوره مقارنة بنظيره األجنبي )Fantastique .)

والعجائبي، حسب تودوروف، "هو التردد الذي يحسه كائن ال يعرف غير القوانين الطبيعية، فيما يواجه حدثا فوق طبيعي

. فهو "شكل من أشكال القص، تعترض فيه1حسب الظاهر" الشخصيات، بقوانين جديدة، تعارض قوانين الواقع

التجريبي. وتقرر الشخصيات، في هذا )النوع العجائبي(،ببقاء قوانين الواقع كما هي.

أما الفانطاستيك الذي يقابل )العجائبي(، فيقع بين )الخارق( و)الغريب(، محتفظا بتردد البطل بين االختيارين، كما يحدد

ذلك تودوروف. من هنا كان إطالق )القصة العجائبية(،.2و)الحكاية العجائبية("

فاألدب الفانطاستيكي/ العجائبي إذا يستند إلى: "تداخل الواقع والخيال، وتجاوز السببية، وتوظيف االمتساخ

والتحويل والتشويه ولعبة المرئي والالمرئي، دون أن ننسى حيرة القارئ بين عالمين متناقضين: عالم الحقيقة الحسية

وعالم التصور والوهم والتخييل. فهذه الحيرة هي التي توقع المتقبل بين حالتي التوقع المنطقي واالستغراب غير

الطبيعي، وذلك أمام حادث خارق للعادة، ال يخضع ألعراف.3العقل والطبيعة وقوانينهما"

وحين نتصفح مجموعة "نجي ليلتي" للمبدع ميمون لعجائبية، والتي تبدو حاضرةاحرش تستوقفنا ظاهرة

حضورا قويا في نصوص كثيرة من هذه المجموعة القصصية، إلى جانب الواقعي طبعا. فالقاص يشغل

دار بوعالم، ترجمة: الصديق العجائبي، األدب إلى تودوروف: مدخل يتانتزف 1.44ص: م،1994 ،1 ط: القاهرة، شرقيات،

وتقديم )عرض المعاصرة األدبية المصطلحات علوش: معجم سعيد 2 .146ص: م.س، ،وترجمة(

نشر دار والتطبيق، النظرية بين الروائي النقد في حمداوي: دراسات جميل 3.226ص: م،2013 ،1ط: الرباط، المعرفة،


االمتساخ الفانطاستيكي، ولغة التحوالت العجيبة، وينتقل منعالم األلفة إلى عالم الغرابة والتعجيب.

ففي قصة "اللعبة"، يلجأ القاص إلى أنسنة الحياة؛ مما يحيل المشهد إلى الالمعقول، فهو يصور الحياة امرأة يقول

إنه يالعبها الشطرنج، وهي تعلن التحدي وتترصده، وهويخاتلها ويمثل معها دورا ليس لهما. تقول القصة:

"للحظة فقط تخيلت نفسي فارسا مغواراواثقا.. أواجه الحياة..

"العبتها الشطرنج، والخيل ترادفت"فرسي جموح، عتقها يبين من أصواتها

أغار بها واترا..فتعلن التحدي، وأقرر االقتحام..

تترصدني، وأخاتلهانتماهى ونمثل دورا ليس لنا..

.1هكذا من لعبة ألخرى.." كما تبرز مالمح الكتابة العجائبية في قصة "رؤوس

تماسيح.."؛ حيث انتقل القاص، من خاللها، من الواقعية نحوالغرائبية. يقول:

"بالنهار تطول يداه، يحضن حجرا، وينخرط مع أطفال الحجارة إلحياء كرنفال للحجارة.

وبالليل ينشغل بكلمات كبيرة:]نشجب[

]نندد[]هذا منكر[

]نحتج بشدة[]نعقد قمة طارئة عاجلة[

]....[يكتبها في وريقات يقصها من دفتره المدرسي.

.5ص: م.س، ليلتي، نجيحرش: ميمون 1


وحين ضاق ذرعا بما يكتب من كلمات، حفرقبورا صغيرة، ودفن فيها قصاصاته ثم ارتاح،

لكنه في اليوم الموالي كانت المفاجأة:.1"لقد أنبتت رؤوس تماسيح" إن هذه القصة تترصد "مجموعة من التحوالت التي

تطال شخصية القصة؛ كيديه اللتين تطوالن، باإلضافة إلى تحول القصاصات المدفونة في القبور إلى رؤوس تماسيح.

ويدل كل هذا على التحول اإليجابي للممارسة النضالية، وانتقالها من القول إلى الفعل، وخروجها من عالم الممكن

إلى عالم الفعل والقوة والواقع. وبهذا، تتخذ هذه القصة طابعا سياسيا انتقاديا في صيغة

فانطاستيكية قائمة على التحول العجائبي، وذلك للتنديد بعالم الصمت والخمول والعجز، وتغييره شعوريا والشعوريا،

.2وذلك بعالم الفعل والتغيير والممارسة الجدلية" وفي قصة "داخل قلبي" يبتكر القاص مشهدا خارجا عن

المألوف وخارقا للعادة، ويصف لنا تواجده في عالم ليس موجودا في الواقع؛ حيث يقول إنه فتح قلبه المقروح ولبث

فيه. ثم ينتهي المشهد بطرده إلى الخارج، ليجد رفاقه هناك باسطين أذرعهم بالوصيد فيعودوا جميعا إلى الحياة الدنيا.

يقول القاص:"من ذا يعيرني قلبه أعيش به

من ذا الذي يعيرني قلبا نبض دمه فراتوعن الشر والهم في سبات.."

أفتح قلبي المقروح، أغوص فيه، أندس فيشرايينه، أتكور فيه مثل جنين، ضخ الدم

يغسلني، بعض شروري تترسب في القاع،أتحرك داخله بمقاس نبضه، ثم في لحظة

.17 ص: م.س، ،ليلتي جينحرش: ميمون 1.51 ص: م.س، ،جدا القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 2


إشراق غادرة تجاوزت دقاته، كانت السبب فيطردي إلى الخارج، عاريا كنت، فارغا من

الداخل كقصبة، وبال قلب، نظرت ذات اليمينوذات الشمال، كان رفاقي هناك باسطينأذرعهم بالوصيد.. انتظمت في سمطهم..

ثم....1وإذا الدنيا كما نعرفها.."

نالحظ هنا أن الكاتب استغل قصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم، ووظفها بطريقته الخاصة. كما استخدم في نهاية القصة تعبير القرآن في وصف أهل الكهف ليحيل

المتلقي على النص الغائب الوارد في سورة الكهف: ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه﴿

.2﴾بالوصيد ومن أمثلة هذا التعجيب الفانطاستيكي أيضا قصة "أكباد

مقروحة" التي تقوم على عوالم غريبة، وأحداث غير مألوفة؛ "حيث يتحدث الكاتب عن التعب البشري،

واضمحالل اإلنسان، وانهياره وجوديا، وتحوله إلى إنسان فانطاستيكي مريض في هذا الكون الذي تسوده العبثية

البشرية بفعل الظلم، وتناقض القيم، واشتداد الصراع. تقول القصة:3المادي المبني على صراع القوة والمال"

"سمع عن سوق بعيدة، يأتيها الناس من كل فجعميق، يتم فيها استبدال أكبادهم المريضة، بأخرى

غير ذات قروح.رحل إليها، وبعد مغامرات جلجامشية، يصلها، لكن

متأخرا، لقد سبقه مرضى آخرون، ولم يتبق غير كبدواحدة مكتوب عليها:

.15 ص: م.س، ،ليلتي جينحرش: ميمون 1.18 الكهف: اآلية سورة 2 .51ص: م.س، ،ليلتي جينحرش: ميمون 3


"للنساء فقط" استقر رأيه على استبدال كبده بها،

أنت رجل..!قالوا له: مستحيلوحين أصر طلبوا منه شهادة حسن السيرة

.1والسلوك." وتبرز مالمح الكتابة العجائبية الدالة على سريالية

العوالم السردية عند القاص ميمون حرش في قصة "لعنات"؛ حيث انتقل من الواقعية إلى الغرائبية ليجسد لنا

"رؤية امتساخية سوداوية، تعبر عن انحطاط اإلنسان. تقول القصة:2كينونيا، وانبطاحه وجوديا وقيميا وفضائيا"

"الناس من حوله ال مالمح لهم، يمشون علىرؤوسهم، أرجلهم ترسم عالمة النصر مرسلة

للسماء..على مقربة منه كلب يعوي بالمقلوب، وأمامه

مباشرة أثر أقدام ممسوخة.. يبدو أنها سحقت طيرا..

يتطلع لنفسه، لم يعرف سر وجوده بينهم.. والمن يكون؟..

األشكال حوله ال شكل لها..وحده الفضاء كغول يفتح ذراعيه له ليس

بالهبات... 3لكن باللعنات.."

وبما أن القفلة تعتبر أهم لحظة في القصة القصيرة جدا يجب أن يحسن القاص صياغتها بشكل دقيق نظرا لقصر

الحجم الذي يتطلب االختزال والتكثيف، فإن حرش كثيرا ما يختتم قصصه بجمل مفاجئة لها فعل صادم تترك أثرها في

.49ص: م.س، ليلتي، نجيحرش: ميمون 1.280ص: م.س، ،جدا القصيرة القصة في حمداوي: دراسات جميل 2.14ص: م.س، ليلتي، نجيحرش: ميمون 3


نفس المتلقي؛ حيث تصدمه بمعطياتها الخارقة أو السرياليةأو بصيغها الفانطاستيكية.

هكذا إذا يتضح أن النفس السريالي حاضر بقوة في نصوص حرش التي هي حبلى باإلشارات الفانطاستيكية القائمة على

التغريب والتعجيب وتحوالت الخارق واالمتساخ.

الخــاتمـة: من هذااألول،لقد كانت الغاية األساس من الفصل

"القصة القصيرة جدا" عند النقاد هي توضيح مفهومالبحث، لم يستقروا على، ورأينا – بداءة - أنهموالدارسين العرب

زال غيرتعريف نهائي للقصة القصيرة جدا؛ ألن ذلك ما عن قضيةاآلنية، واألمر نفسه يقال وضعيتها حاصل في

اآلن.يحن وقت الحسم فيها إلى حدالتجنيس التي لم وتوصلنا إلى أن المصطلح األقوى داللة في التعبير عن هذا الفن هو مصطلح "القصة القصيرة جدا". ثم تناولنا بشيء

المبحث الثاني من هذا الفصل، تاريخالتفصيل، فيمن


العربينشأة القصة القصيرة جدا وتطورها في العالم كان من أهم. و، وفي المغرب على وجه الخصوصعموما

النتائج المتوصل إليها في هذا المبحث أن القصة القصيرة جدا تطورت بشكل كبير في الجهة الشرقية من المغرب؛

األخيرة - كتاب كثر مارسوا- والسيما في اآلونةحيث ظهر كتابة القصة القصيرة جدا، وصدرت الكثير من المجموعات

- م2012 عام الجهة؛ ففيالقصصية المتميزة في هذه المجموعات الصادرة في الجهة إلى أزيدمثال- وصل عدد

وصل العدد إلىم، فقد 2013أما عام من سبع مجموعات. أزيد من اثنتي عشرة مجموعة؛ مما يعني أن القصة

المغرب في تطور مستمر.القصيرة جدا في شرق أما الفصل الثاني، فقد تركز جهد البحث فيه على

والجماليات الفنية التي حفلت بهااستخراج أبرز الخصائص أهمللقاص ميمون حرش، وكان من مجموعة "نجي ليلتي"

النتائج التي توصلت إليها ما يلي: - إنه يعمد إلى الغموض الفني )بوصفه من متطلبات1

األدب الرفيع؛ في نظر عدد من المبدعين والناقدين(، عد عن، ويبتويستخدم لغة شعرية، ويجنح إلى الكثافة العالية

النص القصصي لديهاللغة الواصفة المباشرة؛ مما يجعل مما ساعده في ذلك لجوؤه إلى الترميزبامتياز. وكاننخبويا

استطاع القاص أن يعبر عن المعانيوالتناص؛ فمن خاللهما الكثيرة بأسلوب موجز وموح، وأن يرفع قيمة النص فنيا،

ويثريه دالليا. ثقافيا واسعا. فقد الحظت توظيف- لمست امتالكه عمقا 2

فهو يوظف الشخصيات التراثيةبشكل كبير؛القاص للتراث واألشعار العربية واألمثال والتراث الشعبي وغير ذلك.

األكبر من هذهوقد أخذت األبيات الشعرية النصيب حضورها في النص القصصيالمتناص معها؛ ألن المرجعيات

ومنفتحا على دالالت متعددة.، يجعله خصب الداللة


، إلى الحذفميمون حرش، في معظم نصوصه- يلجأ 3 لممارسة عملية التأويل،واإلضمار؛ ليستدرج المتلقي

ومشاركة السارد في بناء النص. - يوظف العنصر الفانطاستيكي )العجائبي(، الذي يرتكز4

على عنصر المسخ، ويخلق قوانين جديدة ال صلة لها بالقوانين المرجعية الطبيعية؛ حيث يتم خرق المألوف، مما

عنصر التشويق.النص، ويضمنيخدم دينامية منيرصد – في أقاصيصه - تناقضات المجتمع، ويسخر- 5

المظاهر المجتمعية المعيشة التي تبعث على األسف فنصوص مجموعته، إذا، تندرج ضمن تياروالحزن األليمين.

الواقعية، والسيما النقدية منها.

قد المست أهم النقاط التي يجب، أرجو أن أكونوختاما في معالجةوأن أكون قد وفقتإثارتها في هذا البحث،

، أو اقتربت من ذلك على األقل. محاوره بالشكل المطلوب

القاص ميمون حرش في سطور

م بمدينة الناظور/ المغرب.7/3/1963من مواليد - حصل على شهادة اإلجازة في األدب العربي من جامعة-

م.1987محمد األول بمدينة وجدة/ المغرب سنة


سنةتخرج من المركز التربوي الجهوي بمدينة وجدة - م.1989

لسنوات كثيرة.عمل أستاذا للتعليم الثانوي اإلعدادي - اإلدارة التربوية حاليا.يشتغل في- كاتب عام "جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون"-

بالناظور. رئيس جمعية "باصو" للتنمية الثقافية والتضامن-

.البيئة، بالناظوراالجتماعي والمحافظة على مستشار في جمعية "أصدقاء ذوي االحتياجات الخاصة"-

بالناظور. تم تكريمه في مهرجان الناظور العربي للقصة القصيرة-

م.2013جدا سنة م2012 سنة مجلة "العربي" الكويتيةحصل على جائزة -

"(.الثالثة، عن نصه "النظير)الرتبة م2014حصل على جائزة النور لإلبداع العراقية سنة -

البحر"(.نصه "نجمةعن ، )الرتبة الثالثة حصل على الجائزة األولى عن مقال "لعنة حرف الكاف"،-

.بمناسبة اليوم الوطني للمدرس شارك في عدة ملتقيات ومهرجانات للقصة القصيرة جدا؛-

مثل مهرجان الناظور للقصة القصيرة جدا، ومهرجانخنيفرة الوطني للقصة القصيرة جدا.

نشر مجموعة من المقاالت والقصص في بعض الجرائد- المحلية والوطنية والعربية، وكذلك في مجالت عربية

وازنة.أجريت معه حوارات صحافية وإذاعية... - أصدر مجموعة قصصية قصيرة بعنوان "ريف الحسناء"-

. وتم توقيعها فيRabat netم، عن مطبعة 2012سنة م.2012معرض الكتاب بالدار البيضاء سنة


وأصدر مجموعته الثانية، المنتمية إلى جنس القصة- عنم،2013القصيرة جدا، بعنوان "نجي ليلتي" سنة

.Rabat netمطبعة ثم أصدر مجموعته القصصية القصيرة الثالثة، بعنوان:-

م.2015"النظير" سنة شارك مع ثلة من المبدعين العرب في مؤلفين:-

.عطر الفجر" في القصة القصيرة جدا".إشراقات" كتاب رقمي في القصة القصيرة جدا"

- سيصدر له قريبا:.)ندوب" )مجموعة قصصية قصيرة جدا".)وشهد شاهد..." )مجموع مقاالت أدبية"

قائمة المصادر والمراجع:

أ- الكتـب:

- القرآن الكريم.1ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت.- 2


،1 أبو داود: كتاب السنن، مؤسسة الريان، بيروت، ط: 3م.1998

- تزفيتان تودوروف: مدخل إلى األدب العجائبي، ترجمة:4م.1994، 1الصديق بوعالم، دار شرقيات، القاهرة، ط:

- جاسم خلف إلياس: شعرية القصة القصيرة جدا، دار5م.2010، 1نينوى، دمشق، ط:

- جميل حمداوي: من أجل تقنية جديدة لنقد القصة6 القصيرة جدا )المقاربة الميكروسردية(، نشر شركة مطابع

م.2011، 1األنوار المغاربية، وجدة/ المغرب، ط: القصة القصيرة جدا: أركانها وشروطها،- جميل حمداوي:7

م.2013، 1دار نشر المعرفة، الرباط، ط: جميل حمداوي: دراسات في النقد الروائي بين النظرية- 8

م.2013، 1والتطبيق، دار نشر المعرفة، الرباط، ط: - جميل حمداوي: دراسات في القصة القصيرة جدا، دار9

م.2014، 1نشر المعرفة، الرباط، ط: جميل حمداوي: حوارات أدبية ونقدية )حوارات حول- 10

قضايا األدب والفن والنقد والقصة القصيرة جدا(، دار نشرم.2014، 1المعرفة، الرباط، ط:

- سعاد مسكين: القصة القصيرة جدا بالمغرب )تصورات11م.2011، 1ومقاربات(، دار التنوخي، الرباط، ط:

- سعيد علوش: معجم المصطلحات األدبية المعاصرة12 )عرض وتقديم وترجمة(، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط:

م.1985، 1 الدين مينو: فن القصة القصيرة - مقارباتمحمد محي- 13

م.2012، 3أولى، مسار للطباعة والنشر، دبي، ط: - محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري )استراتيجية14

،3التناص(، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط: م.1992


- محمد يوب: في معرفة القصة المغربية المعاصرة،15 ،1مطبعة مطيعة سجلماسة، مكناس/ المغرب، ط:

م.2011 - يوسف حطيني: دراسات في القصة القصيرة جدا،16

م.2014، 1مطابع الرباط نت، ط:

ب- المجـالت:

إبراهيم سبتي: محنة القصة القصيرة جدا، مجلة الحوار- 1 -5- 26، بتاريخ: 1562المتمدن )مجلة رقمية(، بغداد، ع:

م.20062- أحمد جاسم الحسين: القصة القصيرة جدا مصطلحا

، ديسمبر20ومفهوما، مجلة "اإلمارات الثقافية"، ع: م.2013

مؤيد عليوي: إشكالية نشأة القصة القصيرة جدا/- 3 ،4317والترجمة إلى العربية، مجلة الحوار المتمدن، ع:

م.2013-12-26بتاريخ: - عبد الواحد أبجطيط: القصة القصيرة جدا في الناظور،4

م.2015 -1-2، بتاريخ: 4680مجلة الحوار المتمدن، ع: - فريد أمعضشو: قضايا القصة القصيرة جدا - من النقاد5

إلى نموذج سعاد مسكين، مجلة "كتابات معاصرة"، بيروت،م.2012، أيلول 85ع:

ت الموضوعاتفهرس

ال3مقدمة


الفصل األول: القصة القصيرة جدا في العالم العربي: 6........ مفهومها وتاريخها

7المبحث األول: القصة القصيرة جدا مفهوما ومصطلحا7أوال: إشكالية المفهوم 11ثانيا: إشكالية المصطلح

المبحث الثاني: القصة القصيرة جدا في العالم العربي:16النشأة والتطور

المطلب األول: نشأة القصة القصيرة جدا وتطورها عربيا16

المطلب الثاني: القصة القصيرة جدا في المغرب: النشأة 22.والتطور

المطلب الثالث: تطور القصة القصيرة جدا في شرق26المغرب

الفصل الثاني: خصائص القصة القصيرة جدا عند القاص30المغربي ميمون حرش

31توطئة 36المبحث األول: الحذف واإلضمار

41المبحث الثاني: المفارقة والسخرية46المبحث الثالث: التناص وتشغيل المعرفة الخلفية

53المبحث الرابع: البعد الفانطاستيكي58الخاتمة

60نبذة عن القاص ميمون حرش 62قائمة المصادر والمراجع

65فهرست الموضوعات


Documents

الفصل الأول - Alukah€¦ · Web viewفإذا كانت سنوات 1994 و1996 و2001 و2003م قد عرفت إنتاج مجموعة قصصية واحدة في مجال القصة